مشاهدة النسخة كاملة : حروف الهجاء من خلال الشعر


ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 11:30 AM
حروف الهجاء من خلال الشعر

محيي الدين صالح

أدب الأطفال من منظور إسلامي

(إبراهيم شعراوي نموذجًا)



حروف الهجاء من خلال الشعر

حروف اللُّغة العربيَّة بالإضافة إلى أنَّها مكوِّناتُ أعظم لغة؛ فإنَّ فيها من الأسرار ما لا يَعْرفها أحدٌ حتَّى اليوم، وكانت الحروف المقطعة في بدايات بعض سور القرآن الكريم وما زالت تعجيزًا لقوم اشتهروا بالفصاحة وقوَّة البلاغة والبيان، و"شعراوي" تعامل مع حروف الهجاء واضعًا في اعتباره أنَّها ستحتفظ بأسرارها إلى أن يشاء الله، ولكن لا مانع من إعطاء الخيال فرصة؛ لتعبِّر هذه الحروفُ عن نفسها في سبيل التَّعارُف بينها وبين مَن يريد، وبالذَّات الأطفال.

قسَّم "شعراوي" حروفَ الهجاء الثَّمانِيَ والعشرين إلى أربع مجموعات؛ كل مجموعة عبارة عن سبعة أحرف متتالية، وأفرد لكلِّ مجموعة منها جزءًا مستقلاًّ من أجزاء كتابه: "حكايات وأغانٍ على حروف الهجاء"، ونَهَج أسلوبًا يتوافق مع المرحلة السِّنية التي خصَّها بها المؤلِّف، وهي المرحلة من أربع سنوات إلى تسع سنوات، وقد قامت الهيئة المصريَّة العامة للكتاب بطباعة هذه الأجزاء طباعةً فاخرة على ورق مصقول يُناسب الطفل، وبألوانٍ جذَّابة، وطرحَتْها للثَّقافة العامَّة بالمكتبات - وكان الأفضل والأكثر نفعًا أن تتولَّى وزارةُ التربية والتعليم مداولةَ هذا السِّفْر العظيم، وتعميمه بين أطفال الحضانة والمراحل الأولى من المدارس الابتدائيَّة، وأرجو ذلك - والأجزاء الأربعة مقسَّمةٌ كالآتي:
1 - من حرف أ إلى حرف خ.
2 - من د إلى ص.
3 - من ض إلى ق.
4 - من ك إلى ي.

ومن المُلاحَظ أنَّ البُعد الدِّيني لا يفارق "شعراوي" وهو يجوب بين الحروف، وكلَّما أراد أن يعلِّم الأطفال حرفًا من الحروف، يصوغ قصيدتَه حوله، ويركِّز على هذا الحرف بحيث يأتي به كثيرًا بين الكلمات بدون إخلالٍ بالمعاني، وفي الطِّباعة يتمُّ إعطاء الحرف المقصود لونًا مميزًا عن بقية الحروف؛ ليلفت انتباه الطفل إليه.

ففي حديثه عن حرف (النون) في الجزء الرابع، يسرد جانبًا من قصة سيِّدنا نوح - عليه السَّلام - مع السفينة، وفي ثلاثة أبياتٍ فقط يأتي بحرف النُّون أربعَ عشرة مرَّة؛ بهدف التركيز عليه، يقول:

نُوحٌ هُوَ جَدُّ بَنِي الإِنْسَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِسَفِينٍ يَمْضِي فِي اطْمِئْنَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بَشَّرَهُ اللهُ بِأَنْ يَنْجُو http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَعَ مَنْ آمَنْ بِهُدَى الرَّحْمَنْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِنْ هَوْلِ المَوْجِ إِذَا مَا ثَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رَ وَدَمْدَمَ فِي السَّاحِ الطُّوفَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وفي هذه الأبيات حشدٌ كبير من المعاني التي تثير فُضول الأطفال، وتغريهم بالمتابعة والحفظ، فالحديث عن (جدِّ بني الإنسان) يؤثِّر تأثيرًا بليغًا في وجدانيَّات الطفل الذي يَعتبر الجدَّ هو المرجِعَ والأمانَ والحنان، ونبْعَ الحبِّ الصافي الذي لا يعاقِب الصَّغير على الخطأ، ورُبَّما يدافع عنه ويَحْميه من عقاب الأب أو الأمِّ إذا حاولا ذلك، فإذا ما كان هذا الجدُّ القديم قد تعرَّض للطُّوفان، فإنَّ قلب الصغير قد لا يتحمَّل وقْعَ الخبر إذا بُدِئ به، ولن يصبر إلى أن يعرف نهاية الحدث من السَّرد، فكان التوفيق حليفًا لـ"شعراوي" عندما ذكَر في البيت الأول أنَّ هذا الجدَّ العزيز مضى بسفينه في اطمئنان، ثم ذكَر أن الله قد بشَّره بالنجاة هو ومن آمن معه، ثم في البيت الثالث، تأتي الكلمات العنيفة مثل (هول الموج - دمدم - الطوفان)؛ أي: بعد أن تستَقِرَّ نفسية الطِّفل وتطمئنَّ على أن الجدَّ الحبيب لن يناله السُّوء؛ بحِفظ الله له، وهذا هو المنهج القويم لأسلوب الكتابة للطفل.

وقد تعلم "إبراهيم شعراوي" هذا الأسلوبَ من القرآن الكريم، الذي يُطَمْئن المؤمنين بالنِّهايات، عندما يقصُّ عليهم من أنباء الرُّسل ما يثبِّت به أفئدتهم، حيث طمأن الله قلبَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقلوب المؤمنين أنَّ العاقبة للتقوى في بداية السَّرد، كما في قصَّة سيدنا يوسف - عليه السَّلام - حيث نجد في بداية القصة قوله تعالى: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [يوسف: 6]، ثم يأتي سَرْدُ أحداث القصَّة بعد ذلك تباعًا: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا [يوسف: 9] - وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً [يوسف: 19] - ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [يوسف: 35].

وهذه بعض النَّماذج من العقَبات التي اعترضَتْ طريقَ سيِّدنا يوسف في مشوار حياتِه، وهذا المنهج في العرض القرآنيِّ هو نفس المنهج الذي سلكه "شعراوي" في سرْدِه لقصَّة سيِّدنا نوح - عليه السَّلام - شعرًا لأحبابه الصغار.

ولكن أسلوب العرض قد يتغيَّر إذا كان الحديثُ عن شخصيَّة لا نصيبَ لها في وجدانيَّات الأطفال من الحُبِّ، فمشاعرهم في هذه الحالة لن تتأثَّر عند بداية السَّرْد بصعوباتٍ تواجه هذه الشخصية؛ ولذلك عندما أبدع "شعراوي" قصَّة عنوانها "عملاق في قُمقم"، لم يُلْزِم نفسه بالأسلوب الذي سار عليه في قصة سيِّدنا نوح؛ فالمارد العملاق يمثِّل في قلوب الأطفال ذلك المخلوقَ الضخم المُخيف، فلا مانع من أن تبدأ قصَّة هذا المارد وهو محبوس في قمقم أسيرًا بين الظُّلمات، بل ربما يكون من الأفضل في مِثْل هذه الحالات تحجيمُ هذا المخلوق المخيف منذ البداية، فقد بدأ "شعراوي" قصيدته عن هذا المارد قائلاً:

قَدْ مَكَثَ الْمَارِدُ فِي القُمْقُمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَأْسُورًا لِمِئَاتِ الأَعْوَامْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غَمَرَتْهُ الظُّلُمَاتُ وَمَاتَتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَيَّامُ النِّعْمَةِ وَالأَنْغَامْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَا بَيْنَ مَجَامِرَ وَمَهَانَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تٍ وَجَحِيمٍ ضَمَّ الآلاَمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَكَمَ سُلَيْمَانُ عَلَى مَنْ لَمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُؤْمِنْ بِتَعَالِيمِ الإِسْلاَمْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهذه القصيدة كانت في معرض تعليم الأطفال حرف (الميم) الذي ورد في هذه الأبيات الأربعة في سبعة وعشرين موضعًا، وهكذا نلاحظ أنَّ أسلوب العرض والسَّرد للأطفال يختلف من موقفٍ لآخر؛ مراعاةً لنفسيَّة الطِّفل عند التلقِّي.

والتَّشويق يُعدُّ من أهم الوسائل في أدب الطِّفل، ومن ثَمَّ فإن تجنُّب كلِّ ما يدعو إلى الملل يعتبر ركيزةً أساسيَّة من ركائز جذب انتباه الأطفال، وبَثِّهم القيَم والمثُل، ومنهج "شعراوي" في التشويق مبنِيٌّ على التجديد في أسلوب عرض كلِّ مجموعة منها بالحروف بأسلوبٍ يختلف عمَّا قبله، فعندما كتب مقدِّمة الجزء الأول من كتابه "حكايات وأغان" الذي نحن بصددِه، والذي يحتوي الحروف الهجائية من (أ - خ) قدَّمه أيضًا شعرًا، قائلاً:
هُنَاكَ سَبْعَةٌ مِنَ الحُرُوفِ أَيُّهَا الْمُهَذَّبُ
مَنْ أَنْتُمُ؟
نَحْنُ الحُرُوفُ
أ: إِنَّنِي المُسْتَقِيمُ الأَلِفُ المُنْتَصِبُ
ب: وَإِنَّنِي البَاءُ
ت: وَإِنِّيَ التَّاءُ
ث: ثَاءٌ أَنَا، وَجِيمُنَا المُجَرَّبُ
يَقُولُ
ج: حَيَّا اللهُ حَاءً بَعْدَهُ خَاءٌ
ح: هُوَ السَّابِعُ
خ: جِئْتُ أَخْطُبُ

بهذه المُحادثة أو الحوار الدَّائر بين الحروف؛ كانت مقدِّمة الجزء الأول، ولا يَخْفى مدى تأثير هذه المُزاوجة والتَّداخلات الموزونة على خيال الطِّفل بما يُداعب ملكاتِه الخاصَّة.

وعند تقديم الجزء الثَّالث من نفس السِّلسلة، والذي يحتوي على الحروف من (ض - ق) كان أسلوب العرض مختلفًا، فقد جاءت الحروفُ متناغمة في قصيدة عموديَّة، نقتطع بعضَ أبياتِها للاستشهاد بها، يقول "شعراوي":

اليَوْمَ نَلْتَقِي بِحَرْفِ (الضَّادِ) http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حَرْفٌ يَضُمُّ أُمَّةَ الأَضْدَادِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَنَلْتَقِي (بِالطَّاءِ) فِي الطِّلاَءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَالطَّيْرِ وَالطُّوفَانِ وَالإِبْطَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالظَّاءِ) عِنْدَ المَظْهَرِ النَّظِيفِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَفِي ظِلاَلِ لَفْظِكَ الظَّرِيفِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالعَيْنِ) فِي العُدَّةِ وَالعَتَادِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَعْرِضِ الأَعْرَاسِ وَالأَعْيَادِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالغَيْنِ) فِي الغَزْلِ وَفِي الغَزَالِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَالغَرْسِ وَالغَوْصِ إِلَى الغَوَالِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالفَاءِ) قَالَ الفَارِسُ الإِفْرِيقِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أُحَقِّقُ الأَهْدَافَ لِلفَرِيقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَنَلْتَقِي (بِالقَافِ) يَا صَدِيقِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عِنْدَ تَلاَقِي القَوْمِ بِالطَّرِيقِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهي كما ترى طريقة مبتكَرة لِغَرْس استعمالات الحروف في أذهان الأطفال، وفي نفس الوقت غرس المعاني النَّبيلة والكلمات الموحية، وإثراء للخيال بشكلٍ إيجابي عند الطفل.
وللموضوع تتمة

ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 11:31 AM
حروف الهجاء من خلال الشعر

محيي الدين صالح

وفي الجزء الرابع الذي يضمُّ باقي الحروف وهي من (ك - ي) أوجزَ في التَّقديم، على عكس الإطناب الذي اتَّبعه في المجموعة السابقة؛ وكأنَّه يَنْفض الملَل من نفوس الصِّغار، قبل أن يتسلَّل إليهم، ويجدِّد في الأوزان أيضًا كوسيلةٍ من وسائل التَّشويق، فيقول:

(الكَافُ) فِي الضِّحْكِ وَالبُكَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَاللاَّمُ) فِي العِلْمِ وَاللِّقَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالْمِيمُ) فِي النَّجْمِ وَالسَّمَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالنُّونُ) فِي النَّوْحِ وَالغِنَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالْهَاءُ) فِي الْهَمِّ وَالْهَنَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَالوَاوُ) فِي الوَشْمِ وَالشِّوَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(وَاليَاءُ) فِي اللَّيْلِ وَالضِّيَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهذا الإيقاع السَّريع عند تقديمِ هذه المجموعة من الحروف فيه تنشيطٌ لِخيال الأطفال، بعد تلك الوجبة الدَّسمة التي تلقَّوها مع الحروف السابقة في المجموعات الثَّلاث الأولى؛ حتَّى يجدِّدوا نشاطهم الذِّهني، ويستقبلوا الجديد بإدراك جيِّد.

وفي الجزء الثاني من هذه السِّلسلة الذي يحتوي الحروفَ من (د - ص) يُدافع "شعراوي" عن حروف اللُّغة العربية، وينفي عنها ما يراه بعض الكُتَّاب من أنَّ الحروف لها دلالات مستقلَّة، وخصُّوا بعض الحروف بالشُّؤم (كحرف الضَّاد) كما يقول "العقَّاد" في كتاب "أشتات مجتمعات" في اللُّغة والأدب، وبعضَها بالإبانة والوضوح (كحرف الفاء)، وبعضها باللُّطف (كحرف السِّين)، وبعضها بالذُّل والهوان (كحرف الذَّال)...[1]، وهكذا، إلا أن "شعراوي" يتصدَّى لهذه المقولات بِضَراوة، ويُدافع عن الحروف العربيَّة باستماتة، ويرى أنَّها لا علاقة لها بهذه الرُّؤَى المتعسِّفة، وكأنَّ الحروف كائنات حيَّة، تعرَّضت للظُّلم من بعض الناس، وهو يريد إنصافَها وإحقاقَ الحق.

وهذا المنهج في معالجة الأمور، يربِّي الناشئة على حب الإنصاف، وتَجنُّبِ الظلم أيًّا كان، واستقباحِه حتى في الأمور المعنويَّة، وفي الوقت نفسه يحفزُّه على حب الدفاع عن الآخرين، وردِّ المظالم، والذَّوْد عن المظلوم، ففي قصيدة "الذَّال بين الهجوم والدفاع" يقول:

قَدْ قِيلَ فِي هِجَاءِ حَرْفِ الذَّالِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الذَّالُ حَرْفُ الذَّمِّ وَالإِذْلاَلِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالذَّنْبِ وَالذِّئِابِ وَالذُّهُولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالذُّعْرِ وَالذُّبَابِ وَالذُّبُولِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالذَّالُ مِنْهُ لَذَّةُ الإِيمَانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَذِكْرُ رَبِّي ذَابَ فِي الأَذْهَانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالذَّوْقُ وَالذَّوْدُ عَنِ الأَوْطَانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَشْرَفُ الآدَابِ وَالْمَعَانِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَيُّ حَرْفٍ فِي لِسَانِ الأُمَّهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَنْ يَقْبَلَ الْهِجَاءَ وَالْمَذَمَّهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِأَنَّهُ خَيْطٌ بِنَسْجِ الكِلْمَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَكِنَّمَا الكِلْمَةُ مِثْلُ البِذْرَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تُبْدِي ثِمَارًا حُلْوَةً وَمُرَّهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَلْتَجْعَلُوا - يَا إِخْوَتِي - الكَلاَمَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كُؤُوسَ عِطْرٍ تُسْعِدُ الأَيَّامَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَلْتَسْكُبُوا حُرُوفَهَا أَنْغَامَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تُخَلِّدُ الإِخَاءَ وَالسَّلاَمَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وقد وَضعتُ القصيدة كاملةً لصعوبة الاقتِطاع؛ بسبب تسلسُلِ المعاني، وقد بدأ "شعراوي" القصيدةَ بكلمةٍ تُناسب هذا السِّياق، وهي قوله: (قيل)، وبعد ذلك سرد جانبًا من الاتِّهامات التي تُوَجَّه إلى حرف (الذَّال) في أربعة مقاطع، ومن الجميل أنَّه بدأ بفِعل مبنِيٍّ للمجهول؛ حتَّى يقلِّلَ من مصداقيَّة هذه المزاعم، وفي المقطع الثاني، أتى بالشَّواهد التي تؤكِّد أن الحرف بريءٌ من التُّهَم الموجَّهة إليه، قائلاً:

وَالذَّالُ مِنْهُ لَذَّةُ الإِيمَانِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَذِكْرُ رَبِّي ذَابَ فِي الأَذْهَانِ... http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وهكذا، وعلَّل مذهبه في التعامل مع الحروف بقوله: http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَيُّ حَرْفٍ فِي لِسَانِ الأُمَّهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَنْ يَقْبَلَ الْهِجَاءَ وَالْمَذَمَّهْ... http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهذا الأسلوب الذي اتَّبعه "شعراوي" مُقْنع للصِّغار وللكبار، بل يولِّد التعاطف مع هذا الحرف وكلِّ الحروف، مما ينتج عنه حميميَّةٌ بين الحروف والصِّغار، وهذا هو الهدف من الكتاب أو الدِّيوان.

وإذا صارت العلاقة بين الأطفال والحروف لها صفة الصَّداقة، فمن السَّهل أن تُستغَل هذه الصَّداقة في نَشْر الأخلاق الفاضلة والصِّفات النبيلة، ولأنَّ صلة الإنسانِ بالله - سبحانه وتعالى - من أساسيَّات الخلُقِ الفاضل، فإنَّ قصيدة "دعاء مع حرف السِّين" في الجزء الثَّاني تركِّز على هذه الجزئيَّة في منهجيَّةٍ واضحة، مبنيَّة على توظيف التُّراث الدِّيني لتحقيق الأهداف التربويَّة المنشودة، فبداية القصيدة:

أَسْبَغْتُ وُضُوئِي لِصَلاَتِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَذَكَرْتُ سَمَاءَ الإِسْرَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَالدِّينُ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَالْمَسْجِدُ وِرْدُ الأَضْوَاءِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والقصيدة لا تخلو من إشاراتٍ إلى المقدَّسات الإسلاميَّة بأسلوب يوثِّق الصِّلة بين الطفل والرموز المحبَّبة إلى قلبه؛ سواء كانت أماكن (مثل: المسجد وبيت المَقْدس)، أو معانِيَ (مثل: الصلاة والسُّجود، وأسرار الوجود، وهمس الضَّمير)، أو أشخاصًا (مثل: بلقيس، وسارَّة، وإسماعيل، وسليمان، وإدريس...).

وبنفس القَدْر الذي يتمُّ به بثُّ الصِّفات النبيلة والأخلاق الحميدة والمعاني الإسلامية، فإنَّه ينبغي أن ننبِّه الصِّغار ونبعدهم عن المذمَّات والنَّقائص والصفات السيِّئة، حتَّى يكتمل المنهج الصَّحيح في تنشئة فلذات الأكباد، وذلك حسب رؤية سيِّدنا حُذَيفة بن اليمَان - رضي الله عنه - الَّذي رُوِي عنه أنه قال: "كان الصَّحابة يَسألون رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخير؛ لِيُدركوه، وكنت أسأله عن الشرِّ؛ مَخافة أن يُدرِكَني"[2].

وهذه الرؤية صحيحةٌ ومنطقيَّة، ولها مرجعيَّة في القرآن الكريم الذي قصَّ علينا كثيرًا من أنباء الأمم البائدة وشرورِهم؛ حتى نتجنَّب الوقوعَ في مثلها؛ كقوله تعالى:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر: 6 - 14].

و"شعراوي" الذي استقى ثقافته من القرآن الكريم، كما أشرتُ إلى ذلك من قبل؛ يأتي بحكايته عن حرف (الهاء) في الجزء الرَّابع، عن فرعونَ وموقفه من رسالة سيِّدنا موسي - عليه السَّلام - وذلك بأسلوبٍ يُناسب ملَكاتِ الطِّفل ومدارِكَه، ويبدأ القصيدة بإلقاء الضَّوء على غرور فرعونَ وزهوِه، وينتهي بمصيره بين أمواج البحر.

بداية القصيدة:

يُقَهْقِهُ فِرْعَوْنُ فِي صَحْوِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غُرُورًا، وَيُكْثِرُ مِنْ لَهْوِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قَدِ اهْتَزَّ بِالْجَاهِ وَالقُوَّةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَلَمْ يُبْصِرِ الْهَوْلَ فِي الْهُوَّةِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ونهاية القصيدة:

وَمُوسَى هُنَا يَضْرِبُ البَحْرَ ضَرْبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَوِيًّا بِهَذِي العَصَا الْمُلْهمَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَيَأْمُرُ رَبُّ الْهُدَى أَنْ تُشَقَّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَتَلْتَهِمَ الطُّغْمَةَ الْمُجْرِمَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



كما يأتي بحكاية عن حرف (الرَّاء) في الجزء الثاني، فحواها قصَّة تاجرٍ تَملَّكه الطمعُ والغش، فدفع ثمن ذلك المكر، وتعلَّم الدرس من قردٍ كان يرافقه في تلك الرِّحلة التجارية، حيث أبقى له حقَّه الصحيح فقط، وألقى بالزِّيادة التي اكتسبها بالغشِّ والخداع في قاع المياه، يقول "شعراوي" في هذه القصيدة التي يُحاول من خلالها توضيحَ مصير الغشِّ والخداع:

قِصَّتُنَا يَا جِيلَ الأَخْيَارْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَحْكِي عَنْ (مَسْرُورَ) الْمَكَّارْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قَدْ كَانَ يَغُشُّ النَّاسَ إِلَى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنْ صَارَ كَبِيرًا لِلتُّجَّارْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وفي منتصف القصيدة، يوضِّح الشاعر أن ثروة هذا التاجر ليست كلُّها من الحلال، يقول:

(مَسْرُورٌ) سَارَ بِثَرْوَتِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِيُضَاعِفَهَا فِي سَفْرَتِهِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نِصْفُ الثَّرْوَةِ حَقٌّ وَحَلاَلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَبَقِيَّتُهَا غِشٌّ وَضَلاَلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وفي نهاية القصيدة يأتي الدرس المفيد:

يَبْقَى مَا تَجْمَعُ مِنْ أَمْوَالْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِالْجُهْدِ، وَمِنْ خَيْرِ الأَعْمَالْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَسَيَمْضِي لِفَنَاءٍ وَزَوَالْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَا يَأْتِي مِنْ غِشٍّ وَضَلاَلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهكذا، يضع "شعراوي" رؤيتَه للموقف من خلال القوافي المُحْكَمة، الدالَّة على تمكُّنِه من نواصي البيان والأوزان الشعريَّة، وما يجب أن يبثَّ للأطفال.

والفارق بين قصَّة فرعون في الجزء الرابع، وقصة التَّاجر في الجزء الثاني: أنَّ فرعون مضى في استكباره وظُلمه إلى أبعد حدٍّ، فلقي مصيره غرقًا، أما التَّاجر فقد استدرك خطأه، وتعلَّم من القرد، وعاد إلى حظيرة الحقِّ ملتزمًا، فاختلفَت المصايرُ، وهذا المنهج لا بدَّ منه؛ لتوضيح قيمة الرُّجوع عن الخطأ، عند أوَّل فرصةٍ أو تنبيه.

وإذا كانت قصَّة التاجر تعلِّم الأطفال فضيلةَ الرُّجوع إلى الحقِّ، والرِّضا بالحلال، فيما رزق الله؛ فإنَّ هناك نَمُوذجًا آخرَ يعلِّم الطفل أن الاعتراف بالخطأ سمةٌ من سمات المسلم.

ونحو بثِّ هذه القيمة الإنسانية الغالية في نفوس الصغار، تأتي قصيدة "الراعي والغربان"، وذلك في الجزء الثالث من ديوان "حكايات وأغانٍ"، وتحكي قصَّة راعٍ صغير كان يسير في الغابة وهو يرعى أغنامه، ورأى مجموعة من الغربان فوق أغصان الشَّجر، فقذفها بالحجارة إلى أن ثارت الغربان وكادت تُهاجمه، فانصرف الرَّاعي سريعًا وهو يقول كما جاء في نهاية القصيدة:

أَنَا لَسْتُ أَلُومُ الغِرْبَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَأَنَا البَادِئُ بِالعُدْوَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولا ننسى أن هذه القصيدة في معرض الحديث عن حرف (الغين)، وهي تحقِّق ما يدعو إليه العلماء المتخصِّصون في أدب الطفل، كما يقول الدكتور سعد أبو الرضا: "إنَّ أدب الأطفال يجب أن ينهض بما يدعو إليه الإسلامُ من قِيَمٍ ومبادئ؛ كحبِّ العلم، وأن السَّعادة في رضا الله وتَقْواه، وليس في التعلُّق بالمستحيلات، والسلبيَّة في مواجهة المشكلات، والاعتماد على مصباح علاء الدِّين، أو خاتَمِ سليمان، وإنَّما العمل الجادُّ هو الذي يحقِّق الآمالَ والطُّموحات"[3].

وهناك شكلٌ آخر من أشكال المعاملات التي يبثُّها "شعراوي" للصِّغار؛ ليعلمهم أنَّ هناك بعضَ العداوات لا سبيل إلى إزالتها، وواهمٌ من ظنَّ غير ذلك، وفي معرض حديثه عن حرف (الفاء) يَسْرد قصة شعرية أبطالها "فلاح وأفعى":

***َت الأفعى شقيقَ الفلاح بعضَّة سامَّة في مفصله، وحاول الفلاَّح أن يثأر لأخيه، فأخذ فأسه وضرب الأفعى ضربةً لم تَقْتُلها، وإنَّما قطعَتْ ذيلها فقط، وتوهم الفلاح أنَّ في الإمكان وضْعَ حدٍّ لهذه العداوة بينهما، ولكن الأمر كان غير ذلك، فتأتي النِّهاية المؤكَّدة لاستمرار العداوة الأبديَّة بين الأفعى والفلاح، كنموذج لما سيكون بين الإنسان والحشرات الضارَّة مستقبلاً:

قَالَ الفَلاَّحُ لَقَدْ أَخْطَأْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُ وَهَأَنَذَا أَطْلُبُ صَفْحَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالأَفْعَى قَالَتْ: قَدْ أَفْسَدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُ وَرُمْتُ الفَتْكَ، فَيَا وَيْلِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

(لاَ صَفْوَ) وَهَذَا أَثَرُ الفَأْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سِ يَغُوصُ عَمِيقًا فِي ذَيْلِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولكن هذا لا يعني حجب الخير عن خَلْق الله؛ بِحُجَّة العداوات الأبديَّة؛ فقد ورد عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ امرأة دخلت النار في هِرَّة حبسَتْها، وكذلك عن رجلٍ دخل الجنَّة بسبب إعطائه الماء لكلب كان يأكل الثَّرى من العطش.

و"شعراوي" لا تفوته هذه المنهجيَّةُ وهو يعمل على تهذيب الأطفال، فيسرد قصَّةً خياليَّة عن علاقة نشأَتْ بين (زاهد وأسد)، وذلك في الجزء الأول من نفس السِّلسلة، وهو يتحدَّث عن حرف (الألف) وهي جاءت بحكم تسلسُلِ الحروف كأوَّل قصَّة يطالعها الأطفال في هذا الدِّيوان، ومن ثَمَّ فإنَّ جماليات هذه القصَّة هي التي ستَحْكم علاقة الأطفال بباقي محتويات الدِّيوان.

فالأسد هو ذلك الحيوان الذي اعتبَره الإنسانُ ملِك الغابة، وبذلك أصبحَتْ له مكانةٌ في قلوب الصِّغار؛ رمزًا للقوة والشَّجاعة، وهي صفات يحبُّها الأطفال، ويتمثَّلونها، أمَّا الزاهد فهو ذلك الإنسان الذي لم ينبَهِر بمباهج الحياة وزُخْرفها، والتزَم بمعاني الإيمان بالله سلوكًا ومنهاجًا، فأصبح مثالاً للوداعة والطِّيبة، وهي أيضًا صفاتٌ يرتاح إليها الأطفالُ وينشدونها.

والعلاقة بين مِثال الوداعة والطِّيبة وبين مثال القُوَّة والشجاعة لا بُدَّ أن يكون لها شكلٌ يتناسب مع الطَّرَفين، بالإضافة إلى خيال الطِّفل، وأرى أنَّ "شعراوي" نجح في وضع الإطار المنهجيِّ الصحيح عندما سردَ هذه القصة شعرًا، كما أنَّ صياغتها على حرف (الألف)، ووَضْعَها في بداية الدِّيوان كان توفيقًا من الله له، فالزَّاهد يسير وحيدًا إلى الغابة، يملَؤُه الإيمانُ بالأمن:

وَهُنَاكَ رَأَى أَسَدًا يَزْأَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَتَلَوَّى، يَصْرُخُ، يَتَوَجَّعْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والقصَّة طويلة، وجميلة، وفيها من الإسقاطات التاريخيَّة والخيالية والإنسانيَّة ما يجعلُني أدوِّن هاهنا القصيدةَ كاملة، رغم طولها؛ لأنَّ الاجتزاء سيُخِلُّ بالمعنى وبالهدف من هذه الدِّراسة، كما أنَّ الوضوح الذي تمتاز به هذه القصيدة يعفيني من التَّعليق أو التعقيب؛ حتَّى لا أُفْسِد على القارئ متعةَ متابعة القصة كما أرادها "إبراهيم شعراوي".
وللموضوع تتمة

ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 11:33 AM
حروف الهجاء من خلال الشعر

محيي الدين صالح

وهاكم نصَّ القصيدة:


قَدْ عَاشَ بِأَيَّامِ الرُّومَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِنْسَانٌ مِنْ خَيْرِ الْحُكَمَاءْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَرِهَ الإِسْرَافَ بِكُلِّ مَكَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَاللَّهْوَ وَإِيذَاءَ الضُّعَفَاءْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَبِلَيْلٍ، وَدَّعَ أَصْحَابَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَمْ يَصْحَبْ مِنْهُمْ إِنْسَانَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَوَحِيدًا سَارَ إِلَى الغَابَهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ الإِيمَانَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَهُنَاكَ رَأَى أَسَدًا يَزْأَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَتَلَوَّى، يَصْرُخُ يَتَوَجَّعْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالشَّوْكَةُ غَاصَتْ كَالْخِنْجَرْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَا زَاهِدُ قُلْ: مَاذَا تَصْنَعْ؟ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الزَّاهِدُ لَمْ يَخْشَ الأَسَدَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بَلْ نَزَعَ الشَّوْكَةَ مِنْ قَدَمِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالأَسَدُ الشَّاكِي قَدْ سَعِدَا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالزَّاهِدُ خَفَّفَ مِنْ أَلَمِهْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وَرِجَالُ القَيْصَرِ قَدْ جَاؤُوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِلغَابَةِ فِي زَهْوٍ وَغُرُورْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَهَانُوا الزَّاهِدَ وَأسَاؤُوا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِسْكِينٌ صَاحِبُنَا، مَأْسُورْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَبِيَوْمِ العِيدِ أَتَى الرُّومَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِيَرَوْا مَا يُصْنَعُ بِالسُّجَنَاءْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أُمَمٌ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ مَكَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالزَّاهِدُ مُنْتَظِرٌ بِإِبَاءْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الْحَارِسُ قَدْ نَفَخَ النَّاقُورْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَيْ يَنْطَلِقَ الأَسَدُ الْجَوْعَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَتَعَالَتْ أَصْوَاتُ الْجُمْهُورْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالزَّاهِدُ يَنْظُرُ بِاطْمِئْنَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَيُرَدِّدُ فِي صَبْرٍ وَجَلاَلْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَا رَبَّ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنْقِذْنِي مِنْ هَذِي الأَهْوَالْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَتَّى أَعْلُوَ فَوْقَ الْخَوْفِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


الأَسَدُ عَرَفْنَاهُ رَهِيبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَبْطِشُ، يَتَحَدَّى، وَيُعَانِدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قَدْ صَارَ أَلِيفًا وَحَبِيبًا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَتَمَسَّحُ بِثِيَابِ الزَّاهِدْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قَدْ رَوَّضْنَا الأَسَدَ الْجَبَّارْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِالعَمَلِ الطَّيِّبِ وَالإِحْسَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

الْخَيْرُ سَيَبْقَى شَمْسَ نَهَارْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَهْدِي الأَكْوَانَ بِكُلِّ زَمَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




والصِّياغة الشِّعرية كما نرى جذَّابة، استطاع الشَّاعر من خلالها أن يبسِّط تلك القصَّةَ المعروفة عن بَطْش الرُّومان إلى مستوى تلقِّي الأطفال بسهولة ويُسْر.

والعلاقات الأُسَرية وأهَمِّيتها وكيفيَّتها، هي من صميم المَسائل التي يجب أن يَعتني بها كلُّ من يتصدَّر للكتابة للأطفال؛ فهي أساسُ كلِّ المعارف وعليها تُبْنَى المُجتمعات؛ لذلك كانت القصيدة الثَّانية في الجزء الأول - وعلى حرف (الألف) أيضًا - من نصيب هذه العلاقة، فقصيدة "أخي وأختي والجيران" تتناول المعاني النَّبيلةَ لهذه العلاقة وتطوّرها؛ لتشمل كلَّ المجتمع الإسلاميِّ الذي جعله القرآنُ الكريم إخوةً؛ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، والقصيدة تدعو إلى ما دعَتْ إليه الأديانُ من إيثارٍ، وإخاء، وصفاء، وحُب متبادَلٍ بين الناس.

وحينما يقول "شعراوي" في هذه القصيدة:

مَا فَرَّقَتْ مِنَّا الأَلْوَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وَإِنْ تَعَدَّدَتِ الأَوْطَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فَهَكَذَا شَأْنُ الأَدْيَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


تُحْيِي الإِخَاءَ بِكُلِّ زَمَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فإنَّ كل كلمةٍ في صياغة هذه الأبيات تأتي صادقةً، أو نابعةً من أعماقه، فالذي يتحدَّث عن تعدُّد الأوطان وعدم تأثير ذلك في الأخُوَّة الصادقة بين الجيران والمُجتمع بِأَسره، هو شاعرٌ طافَ كثيرًا من البلاد، واختلط بأجناسٍ متعدِّدة من البشَر، وتفاعل وتجاوب معهم جميعًا، وأضاف إلى كلِّ ذلك قراءاتِه المتنوِّعةَ في آداب الشُّعوب الأخرى التي رُبَّما لم يختلط بهم بالقدر الكافي.

وكلُّ هذه العلاقات بالإضافة إلى أنَّها أضافت كثيرًا إلى رصيده الثَّقافي، فقد أثْرَتْ عنده الأبعاد الاجتماعيَّة، خاصَّة أنه أديبُ أطفال، يَمْلك رهافة حسٍّ وقوَّة ملاحظة، شأنه شأن كلِّ أدباء الطِّفل الذين يجيدون رَصْد كلِّ ما حولهم من الأمور التي قد لا يلتَفِت إليها كثيرٌ من النَّاس، و"شعراوي" أتى من أقصى جنوب مصر بلونه الأسمر وملامحه النوبيَّة الإفريقيَّة، ولم يَشْعر أن هذا اللَّون وهذه الملامح كانت حائلاً بينه وبين أقرانه، وهو يؤكِّد على هذه المعاني في كلِّ أشعاره سواء كانت للكِبار أم للصِّغار، وكما قال في قصيدة (يا نبي):

أَنَا نُوبِيٌّ وَفِي نُوبِيَّتِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شِفَةُ الزَّنْجِ وَأَنْفُ الْحَبَشِيّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلَّمْتَنِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنَّ فِي الأَجْنَاسِ لاَ فَضْلَ عَلَيّ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وهذه المعاني الإسلامية النبيلة، هي التي يؤكدها "شعراوي" في كتابته للأطفال عندما يقول:

مَا فَرَّقَتْ مِنَّا الأَلْوَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وَإِنْ تَعَدَّدَتِ الأَوْطَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فهو صادق مع نفسه، ويعبِّر عن مكنوناته بدون تحفُّظ، وما يقوله للكبار بالمستوى اللُّغوي المتين، يقوله أيضًا للأطفال بالأسلوب اللُّغوي الذي يُناسبهم ويتوافق مع مدارِكهم واهتماماتِهم.

وإن كان في قصيدة "يا نبي" يستمدُّ البلاغة النبويَّة، كما في قوله:
أَنَّ فِي الأَجْنَاسِ لاَ فَضْلَ عَلَيّ

فإنَّ نفس المعنى هو ما صاغه بأسلوب مبسَّط للأطفال عندما قال:

فَهَكَذَا شَأْنُ الأَدْيَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


تُحْيِي الإِخَاءَ بِكُلِّ زَمَانْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وإذا كان تعدُّد الأمكنة لم يؤثِّر على العلاقات الطيِّبة بين أبناء الأُسْرة الواحدة في الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة، فإنَّ تعاقُبَ الزَّمان أيضًا لا يُفْسِد هذه العلاقاتِ الأخويَّة.

وفي قصيدة عن حرف (الياء) في الجزء الرَّابع من هذه السِّلسلة، نجد كلَّ معاني الوُدِّ الأسري المتبادَل؛ حيث إنَّ القصيدة عنوانها (أبي)، ومحورها ذلك الأب العطوف الذي يهتمُّ بتربية ولده صحيًّا ودينيًّا، فيغذِّي جسمه ويغذِّي فهمه، ويعلِّمه الصلاة والصيام، وحُبَّ الأدب والدِّين والاختراع، والناس جميعًا.

وقد أتيتُ بهذه القصيدة من موضعها في نهاية الحروف (الياء)، وقرَنْتُها مع قصيدة حرف (الألف)؛ للتوافق الموضوعيِّ بينهما، ومع نسيج الأسرة التي يسعى "شعراوي" إلى توطيد أواصر الصِّلَة بين أبنائها، وتقوية وشائج الارتباط بين أفرادها، و"شعراوي" في هذه القصيدة، وكأنه يطمئن الصِّغار أن الأب مصدرٌ رئيسي من مصادر الحنان والعطف، حتَّى وإن بدَتْ عليه أحيانًا بعض ملامح الغضب والثورة، فالأب هو القدوة وهو المعلِّم الأول لأبنائه:

وَهْوَ بِعِلْمِهِ يُغَذِّي فَهْمِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وَلَيْسَ يَنْسَى أَنْ يُغَذِّي جِسْمِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


حَنَانُهُ غَيْرُ حَنَانِ أُمِّي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فِي رِقَّةٍ قَدْ غُلِّفَتْ بِالْحَزْمِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وهذه الأبيات - رغم قِلَّتها - لها مدلولاتٌ كثيرة؛ فهي من ناحيةٍ تؤكِّد أنَّ الأسلوب التربويَّ الذي نشأ عليه جيل "إبراهيم شعراوي" في ريف مصر في بدايات القرن العشرين، كان هو الأسلوبَ الأمثل الذي ترك بصماتِه واضحةً في نفوس الأبناء، ومن ناحية أخرى، توضِّح أن التنازل عن الاهتمام الفطريِّ بالطُّفولة كان سببًا مباشرًا في التفكُّك الأسري الذي يعاني منه بعض المجتمعات المدنيَّة الحديثة، ولذلك فإنَّ "شعراوي" يُحاول بكلِّ طاقته أن يحفظَ تلك العلاقة الأسريَّة مِن عبث الأيام، فيشبِّه الأب بالبستان الذي فيه الزُّهور والعطور التي تعطي للحياةِ جمالَها وعبيرها:

كَأَنَّهُ حَدِيقَةٌ لِلزَّهْرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يَسِيلُ فِيهَا سَلْسَبِيلُ العِطْرِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




والطبيعة الخلاَّبة التي تُداعب خيالات الطِّفل، ما كان لها أن تغيب في إبداعات "شعراوي" الَّتي صاغها للأطفال، فنجد أغنية "البلبل" في قصيدة عن حرف "الباء"، كما نجد حديثًا عذبًا عن "الزهرة والفراشات" في قصيدة عن حرف "التاء"، وذلك في الجزء الأول، وفي هذه القصيدة إظهارٌ لقيمة الاجتهاد والعمل، بأسلوبٍ يناسب الطفل تمامًا؛ فهي تتحدَّث عن فراشاتٍ تبحث عن زهورٍ لتمتصَّ رحيقها، والفراشة التي ظلَّت تطير هنا وهناك هي التي وجدت زهورًا كثيرة، وحقَّقت أملَها في الخير الوفير:

مِنْ زَهْرِ التِّينِ، وَزَهْرِ التُّوتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


مَنْ يَبْذُلْ جُهْدًا يَجِدِ القُوتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يَا صَحْبِي، وَالكَسْلاَنُ يَمُوتْ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ثم تُطالعنا في الجزء الثالث قصيدةٌ في حبِّ الوطن والانتماء إليه في قصيدةٍ على حرف "الضَّاد" وعن البطولة والفداء في قصيدة "الجنديِّ المجهول" على حرف "القاف"، وفي الجزء الرَّابع نجد قصيدةً عن الصَّداقة، ومميِّزات التَّعاوُن بين الأصدقاء في قصيدةٍ عن حرف "الواو"، حتَّى الفكاهة والتَّسامُر لها مساحةٌ معقولة، كما في قصيدةٍ عن حرف "الجيم" في الجزء الأول عن (المهرِّج) المشهور بكثرة دعاباته وحكاياته بعنوان "جحا والجحش المغنِّي"، هذا بالإضافة إلى كثيرٍ من القصص المشوِّقة في مختلِف الأمور التي تدعم مسيرة الارتقاء بمفاهيم الأطفال، وتنميتها، بما يتوافَق مع الهُوِيَّة العربية الإسلاميَّة، وأصالتها وأخلاقياتها.

وهكذا نجد أنَّ الأديب الشاعر "إبراهيم شعراوي"، قد سلك كلَّ السُّبل التي توصِّل إلى قلوب الأطفال، من خلال سِفْرِه الأدبي القيِّم "حكايات وأغانٍ على حروف الهجاء"، ملتزمًا الجانب الأخلاقي، ومتمسِّكًا بالمنهج الإسلامي القويم.

[1] من كتاب " أشتات مجتمعات في اللغة والأدب " عباس محمود العقاد ص 43.

[2] رواه الترمذي.

[3] من كتاب "النصِّ الأدبي للأطفال"؛ للدكتور سعد أبو الرضا، مطبوعات رابطة الأدب الإسلاميِّ العالمية.