مشاهدة النسخة كاملة : الإتجاه المحافظ في الشعر إبان الحروب الصليبية


ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 04:45 PM
الإتجاه المحافظ في الشعر إبان الحروب الصليبية

مسعد بن عيد العطوي
الجزء الثانى

التقابل والتضاد:
إن التقاء الأشياء المتقابلة، وتجريدها أمام الناظر، يدعوه إلى التأمل، والمقارنة بينها، مما يطيل التدبر فيها، ويظهر مفرداتها أكثر، ويقرب التضاد بين الأشياء، فهو يدعو إلى التفكير وإجالة النظر، والتأمل، بل إنه يؤدي إلى الجدل، والحوار، وكلاهما يفتق الوعي، ويلهم، ويبرهن، ويبلغ إلى الجودة، والقمة.
والأرجاني معتدل في استخدامه للتقابل من طباق وتعارض وقد وقع أمام ناظري قصيدته العينية في مدح أنو شروان بن خالد التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتاً فوجدت أن التقابل فيها لا يتجاوز عشرة أبيات ومنه قوله:
النار تقبس من وطيس جوانحي والماء يُورد من غدير دموعي
قلبي وعيني يغنيان ركابكم عن رحلتي قيظ لكم وربيع[94]

وله قصيدة عينية أخرى عدد أبياتها أربعة وخمسون بيتاً، والتقابل فيها لا يتجاوز خمسة أبيات[95].
ويقل التقابل عند ابن منير فهذه إحدى قصائده مكونة من واحد وثلاثين بيتاً، نجدها تحتوي على أربعة أبيات يتبلور فيها التقابل منها قوله:-
سحب إذا سبحت بأرض ذيلها فالحزن سهل والهضاب وهاد
يامن إذا عصفت زغازع بأسه خمدت جحيم الشرك فهي رماد[96]

ويوجد التقابل بقلة عند القيسراني فرائيته أثبت أبو شامة منها واحداً وخمسين بيتاً، منها تسعة أبيات يظهر فيها أحد ألوان التقابل:-
قد أدمت البيض الحداد فروضها فلا عهدت في عنق سيف ولا نذر
وصلت بمعراج النبي صوارم مساجدها شفع وساجدها وتر[97]

وأبو الفوارس المتوفي 574هـ من الشعراء البارزين في العراق، وموطنه قريباً من مواطن الحريري، وقد تعهد التقابل، والتضاد بشيء من الاهتمام لم يبلغ مرحلة الصنعة أو الإِسراف.
يقول في قصيدته اللامية يمتدح فيها الخليفة المسترشد[98]:
وكلما كثرت – والحال شاهدة – وسائلي آذنت حالي بإقلال
أمضى الخلائق عزما عند مجلبة وأثبت القوم قلبا عند أهوال
مُنكب العيش خفضاً من تهامعه ونازل شغاف المجد محلال

فالكثرة والإِقلال ثم المضي والثبات، والخفض والشغاف، كلها كلمات متضادة تدعو إلى التأمل ومقارنة الحالين.
ومن ذلك أيضاً قوله[99]:
إذا رقد النكس الدثور عن العلى تجافي ضلوعاً عن حشي ونمرق
لتبلج جياش المراجل بالدحى ال هيم ضروبا بالصباح المشرق
يضاحك شمس الصبح منه ببيضة وزهر الليالي من شباكل أزرق
ليهنك عيد أنت عيد لأهله سرور لمهموم ووجدٌ لمملق

فالتقابل الذي يسمى بالطباق في (رقد وتجافي)، والتقابل في الدجى البهيم والصباح والمشرق)، وفي (الصبح والليل)، وفي (سرور الهموم ووجد المملق) ظاهر هنا.
وقد وجدنا أن الشاعر قليل العناية بالتقابل بشتى صوره، فهذه قصيدته مكونه من ست وخمسين بيتاً تخلو من التقابل إلا أربعة الأبيات السابقة.
ولا يبدو عليه فيها التكلف أو التصنع لهذا اللون إنما يأتي عفواً موحياً[100].
والأوائل أدركوا جمال التقابل والتضاد وتأثيرهما النفسي، فالعماد الأصبهاني يشيد بأربعة أبيات من رائية الأمير مجد العرب أبي فراس علي بن محمد بن غالب العامري التي أنشدها في حسام الدين تمرتاش في عام أربعة وثلاثين وخمسمائة:-
حويت (حسام الدين) كل فضيلة سواك لها طي وأنت لها نشر
فما ينتهي إلا إلى كفك الندى ولا يعتزى إلا إلى بيتك الفخر
سُطا كلما تابعتها جزع الردى ونعمى متى فرقتها جمع الشكر
ونفس كأنّ من طبعها خلق السخا وبأس كأنَّ من حره طُبع الحر

ويقول العماد عنها: "الأبيات الأربعة حقها أن تكتب بذوب التبر، على صفحة الدهر. وترقم بسويداء الفؤاد على سواد الحدق، وترتاح لها النفوس ارتياح الرياض للديمة الغدق"[101].
والمتدبر للأبيات يلتمس أن الذي أعجب العماد هو التقابل بين (طي ونشر، وينتهي ويعتزي، وفرقتها وجمع، ونفس طيبة وبأس).
الشعراء يكثرون منها في غير ما إسراف ولا تبذل، وذلك شأن أسامة بن منقذ، وآخذ بطريقة عشوائية قصيدته الميمية التي يشكر فيها الملك الصالح بن رزيك على بعثه أهله من مصر، وهي مكونة من تسعة وخمسين بيتاً بما فيها المقدمة المفصولة عنها، وقد بلغت الأبيات التي احتوت على التقابل ثلاثة عشر بيتاً، وهذه نسبة متواضعة لا توحي بتكلف أو بعد مأخذ، يبدو أنه لا يسعى إلى إشارة جدلية من ورائه.
ومن تلك الأبيات:
يستقبل الحرب بساما، وقد كشرت بها المنية عن أنيابها الأرم
فإن سطا عن يقين أو كفا كرما فإنه خير ذي عفو ومنتقم[102]

وظاهرة الاعتدال هذه ظاهرة في جل شعره ومنه قصيدته الرائية في بطولات الجهاد لنور الدين، التي بلغت تسعين بيتاً. وهي من أجود شعره، وأجمله تركيباً وتصويراً، ومع ذلك لم يتكلف أو يتصنع التقابل فيها، فأبيات التقابل ثمانية عشر بيتاً فقط، ومنها:
بحيث حللنا الأمن من كل حادث وفي سائر الآفاق من بأسنا ذعر
وما في ملوك المسلمين مجاهد سوانا، فما يثنيه حر ولا قر
وفي سجننا ابن الفنس خير ملوكهم وإن لم يكن خير لديهم ولا بر[103]

ومن التقابل والتضاد في شعر عرقلة:
تناءوا بعد قربهم ملالا وسرنا يمنة وسروا شمالا
بك استغنيت عن زيد وعمرو ومن طلب الهدى ترك الضلالا
محلك في النجوم إذا تدانى وضدك في التخوم إذا تعالى
أقاموا في سماحهم بحارا وأضحوا في حلومهم جبالا[104]

ويندر التقابل في شعر ابن عُنين فقصيدته اللامية في مدح الأشرف موسى بن العادل المكونة من ستة وثلاثين بيتاً بلغ التقابل فيها خمسة أبيات[105].
وقصيدته العينية مكونة من أربعة وثلاثين بيتاً منها ثلاثة أبيات في التقابل[106].
وقصيدته الرائية في مدح المعظم عيسى بلغت واحداً وثلاثين بيتاً صمت خمسة أبيات فيها تقابل[107].
وقصيدته البائية في المعظم بلغت واحداً وثلاثين بيتاً منها ثلاثة أبيات في التقابل[108].
وهذا التقابل الذي تبلور في شعرهم إنما هو امتداد لسلفهم وتقليد له فهم له يتجاوزوا رائد هذا اللون الشاعر أبي تمام بل لم يبلغوا مبلغه في هذا.

أعلام المحترفين:
1- الأرجاني:-
ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرجاني نسبة إلى أرجان من كور الأهواز ولد عام 460هـ، مدح نظام الوزير الفارسي الأصل الذي يمثل الرجل الثاني في دولة ملكشاه السلجوقي، ومدح غيره من وزراء السلاجقة، فقيه تولى القضاء كثيرا، مات عام 544هـ، وله ديوان مكون من ثلاثة مجلدات حققه الدكتور محمد قاسم مصطفى[109].
يغلب على ديوانه المدائح لوزراء السلاجقة، ووزراء الخلافة العباسية، وهو يطيل في المقدمات الغزلية، ومن ذلك قصيدة في مدح تاج الملك أبي الغنائم[110].
غير العدا بسيوفكن قتيل وعيونكن الصارم المسلول
أنى لبيض الهند وهي جديدة فتكات ذاك الطرف وهو كليل

وبعد ثلاثة عشر بيتاً من الغزل يمدح فيقول:
أو ليس تاج الملك من آدابه ألا يطاع على السماح عذول
وهو الإِمام المقتدى بفعاله وهو الهمام المتقى المأمول
إن كان كاد به الزمان فإنه بجواد آخر مثله لبخيل
قل في الورى طراً إذا استثنيته القول جمّ، والفعال قليل[111]

ومدائحه تتجاوز التسعين بيتاً أحياناً كميميته في القاضي الهروي وكنونيته في عز الدين أبي نصر وغيرها[112].
ويرثي بقصائد مطولة أيضاً كنونيته في رثاء أبي المحاسن فقد بلغت ثمانية وتسعين بيتاً.

2- ابن منير الطرابلسي:
عين الزمان، مهذب الدين أبو الحسن أحمد بن منير بن مفلح الطرابلسي ولد عام 473هـ في طرابلس، وهو شيعي متعصب التحق بنور الدين ومدائحه كثيرة، وهي تمثل الحياة الحربية في تلك المرحلة مات عام 548هـ[113].
سجل له أبو شامة كثيراً من القصائد التي تصور حروب نور الدين ضد الصليبيين[114]:
شمّر فقد مدت إليك رقابها لا يدرك الغايات غير مشمر
أو لست من ملأ البسيطة عدله واجتب بالمعروف أنف المنكر
يا هضبة الإِسلام من يعتصم بها يؤمن ومن يتول عنها يكفر
كانوا على صلب الصليب سرادقا انبت بنيته بكل مذكر
ملك تساوى الناس في أوصافه عُذر المقل وبان عجز المكثر
يا أيها الملك المنادي جوده في سائر الآفاق هل من معسر

ويقول[115]:
ومنك تعلم القطع المواضي وقد زبنت بها الحرب الزبون
وأنت السيف لم تمسسه نار ولا شحذت مضاربه القيون
ترقرق فوق صفحته الأماني ويقطر من غراريه المنون
لقد أشعرت دين الله عزا تتيه له المشاعر والحجون
وقام بنصره والناس فوضى قوي منك في الجلى أمين
وكم عبر الصليب بهم صليبا فردته قناك وفيه لين
وما خطوت بدار الشرك إلا هوى الناقوس وارتفع الأذين


3- القيسراني:-
هو شرف الدين محمد بن نصر بن صغير الملقب بالقيسراني ولد في عكا سنة 478هـ ويدعي أنه من نسل خالد بن الوليد، خرج أبوه من عكا بأسرته فراراً من الصليبيين، واستوطن قيساريه ومن هنا لقب الشاعر بالقيسراني، وليس أبوه كما وهم الكثير، وصاحب الروضين يطلق عليه القيسراني.
تتلمذ على الشاعر المشهور ابن الخياط، ومدح أمراء دمشق، ثم التحق بعماد الدين ومدحه، ولما *** عماد الدين في عام 541هـ عاد إلى دمشق لكنه لم يلبث طويلاً حتى التحق بنور الدين زنكي وصحبه في حروبه وأسفاره، ونافسه على تلك المكانة الشاعر أحمد بن منير الطرابلسي ثم عاد في عام 548هـ إلى دمشق وحُمّ ومات بعد عشرة أيام من مرضه.
وشعره يتكون من شريحتين كبيرتين إحداهما: المتمثل في المدائح وهذه الشريحة يصور فيها حياة الجهاد ضد الصليبيين حتى وفاته، وهو شعر تقليدي ينهج فيه أثر أبي تمام، والمتنبي، وأبي فراس الحمداني، ويمتح من معان ثرة في الجهاد وأبطاله، ووصف المعارك والحصور، وحسن القيادة والتدبير، وأماني وحدة المسلمين، واسترداد بيت المقدس.
لذلك كان أسلوبه جزلاً قوياً، كان يطيل القصائد وينظمها على الأوزان الطويلة.
ومصدر أشعاره في الجهاد، كتاب الروضتين، والخريدة وغيرهما.
وقد صحب عماد الدين سنة 534هـ ومدحه لما استرد المهرة وكفر طاب[116]:
حذار منا وأنى ينفع الحذر هي الصوارم لا تبقى وتذر
وأين ينجو ملوك الشرك من ملك من خيله النصر لا بل جنده القدر
سلوا سيوفاً كأغماد السيوف بها صالوا فأغمدوا نصلاً ولا شهروا
حتى إذا ما عماد الدين أرهقهم في مأزق من سناه يبرق البصر
وفي المسافة من دون النجاة لهم طول وإن كان في أقطارها قصر
وأصبح الدين لا عيناً ولا أثراً يخاف والكفر لا عين ولا أثر
فلا تخف بعد الإِفرنج قاطبة فالقوم إن نفروا ألوى بهم نفر

والشريحة الثانية تتجسد في ديوانه الثغريات حيث كان يزور أنطاكية والرها ويتردد على الأديرة والكنائس، فأخذت لبه بنات الإِفرنج، وقال شعراً عاطفياً رقيقاً يفيض شعوراً وإحساساً، ويتحلى بقشيب الفن، ومتعة الذوق وسهولة النطق، وسلامة الترتيب وصدق العاطفة، وواقعية المضمون[117]:
كم بالكنائس من مبتلة مثل المهاة يزينها الخفر
من كل ساجدة لصورتها لو أنصفت سجدت لها الصورُ
قدسية في حيل عاتقها طول وفي زنارها قِصر
غرسَ الحياءُ بصحن وجنتها وردا سقى أغصانه النظرُ
وتكلمتْ عنها الجفون فلو حاورتها لأجابك الحَوَرُ


4- المهذب بن الزبير:-
هو أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير المصري ينتمي إلى غسان من أسرة معروفة بالمال والرياسة، ولد في أسوان بمصر مدح الملك الصالح نور الدين زنكي مات سنة 561هـ، حقق ديوانه الدكتور محمد عبدالحميد سالم، وكتب عن حياته وأدبه في ثلاث وسبعين وماية صفحة، ثم أتبع ذلك بالديوان ويبدو أن الذي عثر عليه أقل مما نظمه الشاعر بكثير وربما ضاع أكثره[118].
له في المقدمة قصيدة مدح:
بالله يا ريح الشما ل إذا اشتملت الليل بُردا
وحملت من نشر الخزا مى ما اغتدى للند نداً
ونسجت في الأشجار بي ن غصونهن هوى ووداً
وهززت عند الصبح من أعطافها قدا فقدا
ونثرت فوق الماء من أجيادها الزهر عقدا
فملأت صفحة وجهه حتى اكتسى آسا ووردا[119]

وأطول قصائده في الديوان النونية التي يمدح الصالح طلائع بن رزيك، بلغت سبعة وستين بيتاً منها:
أعلمت حين تجاور الحيان أن القلوب مواقد النيران
وعرفت أن صدورنا قد أصبحت في القوم وهي مرابض الغزلان
وعيوننا عوض العيون أمدها ما غادروا فيها من الغدران
ولقد بعثت إلى الفرنج كتائباً كالأسد حين تصول في خفّان
وتيمموا أرض العدو بقفرة جرداء خالية من السكان
وثللت في يوم العريش عروشهم بشبا ضراب صادق وطعان[120]


5- أبو الفوارس: حَيص بيَص
هو شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي ينتهي نسبه إلى أكثم بن صيفي، ولد في بغداد سنة 492هـ ومات عام 574هـ درس في المدار النظامية ((اشتهر أبو الفوارس بصدق اللهجة، ورصانة الخلق، والترفع عن الصغائر، والتنزه عن المقابح، والتزام السلوك الكريم، والتأدب بآداب الشرع))[121].
يعد من كبار الشعراء في بغداد له مكانته، يلتزم بالزي الأعرابي، يُدل ويفخر بأرومته التميمية، يعرض كثيراً عن الغزل الفاحش، ويقدم مدائحه بالفخر أحياناً.
له ديوان شعر مكون من جزأين، حققه مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر، نشر عام 1974م بالعراق.
مدح خلفاء بني العباس ووزراءهم وملوك بني أسد ومدح نور الدين زنكي وهو يجنح إلى الصور البدوية في شعره يقول في مقدمة يمدح بها أنو شروان بن خالد الوزير[122].
وفتيان صدق من تميم تناثلوا دروعهم والليل ضافي الوشائع
وقيذين من عرق السرى وقلوبهم شداد على مر الخطوب الصوادع
يقودون جردا مضمرات كأنها كواسر عقبان الشريف الأباقع
وكنت إذا ما سورتني كريهة برزت لها في جحفل من مجاشع
فلم استكن من صرف دهرٍ لحادث ولا ارتعت من وقع الخطوب لرائع

وشعره يمتاز بقوته فهو يلجأ إلى الحروف ذات المخارج الحلقية، والأصوات الجهورية، ومن هذه الألفاظ القوية تتكون تراكيبه الجزلة القوية.

6- عرقلة الكلبي:-
هو أبو الندى حسان بن نمير، يلقب بالكلبي ولد عام 486هـ، عاش في دمشق، يقول عن العماد الأصبهاني: "لقيته في دمشق شيخاً خليعاً ربعة مائلاً إلى القصر، أعور مطبوعاً حلو المنادمة، لطيف النادرة، معاشراً للأمراء، شاعراً مستعراً في الهجاء". مات عام 567هـ[123].
مدح شيركوه وصلاح الدين لما ذهبا إلى مصر عام 562هـ[124].
وهو يتقلب في مدائحه فتارة يمدح الوزير ابن رزيك، ويعلن أنه على مذهبه يتشيع، وبعد ذلك يمدح أسد الدين شيركوه، وصلاح الدين. وتارة يعلن الابتعاد عن الصراع))[125].
ذَرِ الأتراك والعربا وكن في حزب من غلبا
بجلّق أصبحت فتن تجر الويل والخربا
لئن غمت فواأسفا ولم تخرب فواعجبا

وهو قصير النفس يغلب على ديوانه المقطوعات الشعرية، والقصائد القصيرة؛ فهي لا تتجاوز خمسة وعشرين بيتاً، وقد أشار إلى ذلك الأصبهاني: ((ثم وقع بيدي بعد ذلك ديوان شعره فطالعته، وقصائده قصار، وفي النادر أن تزيد قصيدته على خمسة وعشرين بيتاً، ومقطعته على عشرة أبيات وكلها نوادر))[126].

7- أسامة بن منقذ:
ولد أسامة بن منقذ في شيزر عام 488هـ في أسرة توارثت الإِمارة في حصن شيزر كان (أبوه صالحاً) علمه الفروسية، وحفَّظه القرآن. وألحقه بالعلماء ورعاه عمه أبو العساكر حاكم شيزر حتى جاء به أبناء، فضيق على أسامة وأخرجه منها، فولى وجهه شطر عماد الدين زنكي، والتحق بجنده ثم عاد مرة أخرى إلى شيزر ليفك حصار الصليبيين عنها، ثم أخرجه عمه مرة أخرى هو وأسرته فاتجه إلى دمشق، وأصبح مستشاراً، ثم انتقل إلى مصر عام 539هـ واستقبل حافلاً، وأصبح من رجال الدولة لكنه عاد إلى الشام 549هـ والتحق بنور الدين زنكي واعتكف في حصن (كيفا) للتأليف ثم التحق بصلاح الدين عام 570هـ وقربه إليه وتقدمت به السن ومات عام 583هـ.
وشعره يمثل حياته فهو أمير فارس أبي النفس، له مكانة عالية عند علية القوم ليس بالمدح لكن بسجل الأحداث ولاسيما في مكاتباته مع الصالح طلائع بن رزيك، وله ديوان شعر مطبوع حققه الدكتور أحمد بدوي، وحامد عبدالمجيد، وله كتاب الاعتبار، وبديع البديع، والعصا، ولباب الآداب وغيره وقد اقتفى بشعره آثار أبي فراس. والمتنبي وأبي تمام وغيرهم من شعراء العربية[127] يقول في الشكوى[128]:
وما أشكو تلون أهل ودي ولو أجدتُ شكيتهُم شكوتُ
مطلتُ عتابَهم، ويئستُ منهم فما أرجوهم فيمن رجوتُ
إذا أدمت قوارصُهم فؤادي كظمت على أذاهم وانطويتُ
ورحت عليهم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيتُ
تجنوا لي ذنوباً ما جنتها يداي، ولا أمرت ولا نهيت
ولا والله ما أضمرت غدرا كما قد أظهروه ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا وتبدو صحيفةُ ما جنوه وما جنيتُ


8- سبط التعاويذي:-
هو أبو الفتح محمد بن عبيدالله بن عبدالله الكاتب المعروف بابن التعاويذي، ولد عام 519هـ ومات عام 583هـ، شاعر عراقي، ولكن له مدائح في صلاح الدين الأيوبي وله هبات وهدايا منه، يقول عنه ابن خلكان: "شاعر وقته ولم يكن مثله جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة"[129].
كان معاصراً للعماد الأصهاني وصديقاً له بينهما معارضات شعرية[130] وله ديوان ضخم مطبوع ولكنه لم يحقق.
وشعره ينبئ عن موهبة ودربة شاعرية، ونظرة واعية، وطول نفس، وتفوق في النظم، وقدرة في توظيف اللغة حيث السهولة والانسيات والتأثر الشعوري، وهو بعيد عن التكلف في المضمون والشكل، وبعيد عن صنعة البديع وتصنعه:
لما رأوك وأنت أثبت منهم جأشفا وأفئدة الفوارس تخفق
ولو على الأدبار لا يدرون أن همُ إلى ورد المنية أسبق
وأدرتهن كؤوس موت أحمر عاف الشراب به العدو الأزرق
فنجا وصدر الأشرفية واغر منه وقلب الزاغبية محنق
نبذته أقطار البلاد فأصبحت من دونه والرحب فيها ضيق
حتى كأن الأرض حلقة خاتم في عينه والجو سقف مطبق
يرتاع من ذ**** إن خطرت له وبراك في حلم المنام فيفرق[131]


9- ابن عُنين:-
هو شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر الأنصاري الدمشقي، ولد سنة 549هـ وتوفي سنة 630هـ نشأ بدمشق قبلي الجامع الأموي قال الشعر وعمره ستة عشرة عاماً، وشب في مرحلة تكوين الدولة الأيوبية، فلم يكن عهد نور الدين محمد زنكي بعهد استقرار، ولم تظهر سمات القوة والجهاد عند صلاح الدين مما جعل ابن عنين يشك في الحكام الجدد ويسخر منهم فقال في صلاح الدين، والقاضي الفاضل:-
سلطاننا أعرج وكاتبه ذو عمش والوزير متحدب


فأخرج من دمشق وتوجه إلى اليمن، والحجاز، والعراق والهند، وطوف كثيراً ثم عاد إلى دمشق في عهد العادل أخي صلاح الدين الأيوبي.
والتقى بمصر بمجموعة من الشعراء، ولهم مجالس أنس يتطارحون الشعر فيها ومن ذلك الألغاز والأحاجي.
وله ديوان حققه خليل مردم بك المتوفى عام 1959م. والديوان مصنف على أبواب: الباب الأول في المدائح، والثاني في الرثاء، والثالث في الحنين إلى دمشق، والرابع في الوقائع والمحاضرات، والخامس في الدعابة والتهكم والسخرية، والسادس في الألغاز والسابع في الهجاء[132].
وينهج ابن عنين في بناء القصيدة منهج العمود الشعري، والنسق المألوف فيستهلها بالغزل، ثم الشكوى، ثم يحسن التخلص إلى غرض المدح ويخرج أحياناً إلى ذكر محاسن دمشق كأنه يعوض به ذكر الأطلال.
وها هو يمدح الملك المعظم عيسى بن الملك العادل فيذكر دمشق[133]:
أشاقك من عُليا دمشق تصورها وولدان روض النيربين وحورها
ومنبجس في ظل أحوى كأنه ثياب عروس فاح منها عبيرها
منازل أنس ما أمحت ولا أمحت بمر العوادي والسواري سطورها

ومن الشكوى على شاكلة الأوائل حتى في التجريد واللفظ (الخليلي):
خليلي إن البين أفنى مدامعي فهل لكما من عبرة أستعيرها
لقد أنسيت نفسي المسرات بعدكم فإن عاد عيد الوصل عاد سرورها

ثم يتبلور عنده حسن التخلص:
وقد ماتت الآمال عندي وإنما إلى شرف الدين المليك نشورها
مليك تحلى الملك منه بعزمة بها طال رمح السماك قصيرها

ومن مبالغته:
همام تظل الشمس من عزماته محجبة تقع المذاكي ستورها
مهيب فلو لاقى الكواكب عابساً تساقطت الجوزا وخرت عبورها


مراجع البحث حسب ورودها في البحث
1 - الجاحظ، البيان والتبيين تحقيق عبدالسلام محمد هارون، الطبعة الرابعة 1395هـ - 1975م.
2 - ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر 1966م.
3 - ابن رشيق – العمدة – تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد الطبعة الرابعة 1972م. بيروت – دار الجيل.
4 - ابن الدهان، الديوان، تحقيق عبدالله الجبوري، الطبعة الأولى 1388هـ - 1968م بغداد دار المعارف.
5 - سبط التعاويذي، الديوان، مصور عن طبعة المقتطف بمصر 1903م دار صادر 1408هـ - 1988م.
6 - ابن عُنين، الديوان، تحقيق خليل مروم بك دار صادر.
7 - أبو الفوارس، الديوان، تحقيق مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر، العراق 1974م.
8 - أبو شامة، الروضتين دار الجيل بيروت.
9 - الأبيوردي، الديوان تحقيق د. عمر الأسعد، الطبعة الثانية 1407هـ - 1987م، ومؤسسة الرسالة بيروت.
10 - الأرجاني، الديواني، تحقيق د. محمد قاسم مصطفى طبع عام 1981م دار الرشيد، العراق.
11 - العماد الأصبهاني – الخريدة، شعراء الشام تحقيق، د. شكري فيصل، الجزء السادس 1388هـ - 1968م.
12 - محمد زغلول سلام، الأدب في العصر الأيوبي، دار المعارف بمصر.
13 - د. عمر موسى باشا، الأدب في بلاد الشام عصور الزنكيين والأيوبيين والمماليك الطبعة الأولى 1409هـ - 1989م دار الفكر بيروت.
14 - عرقلة الكلبي، الديوان، تحقيق د. أحمد الجندي، دار الحياة، دمشق عام 1390هـ - 1907م.
15 - أسامة بن منقذ الديوان، تحقيق د. أحمد بدوي، وحامد عبدالحميد، الطبعة الثانية 1403هـ - 1983م، عالم الكتب بيروت.
16 - عبدالمنعم الجلياني، ديوان المبشرات والقدسيات تحقيق، د. عبدالجليل حسن عبد المهدي طبع عام 1409هـ - 1989م. دار البشير، الأردن عمان.
17 - بهاء الدين زهير، الديوان، طبع عام 1401هـ - 1981م دار بيروت للطباعة، بيروت.
18 - العماد الأصبهاني، الخريدة – القسم العراقي الجزء الثاني تحقيق بهجة الأثري، المجلد الأول، المجمع العلمي العراقي 1384هـ - ط 1966م.
19 - ابن خلكان، وفيات الأعيان، إشراف إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
20 - المهذب بن الزبير، شعر المهذب بن الزبير، تحقيق د. محمد عبدالحميد سالم، الطبعة الأولى 1409هـ و1988م هجر.
21 - د. أحمد أحمد بدوي، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، الطبعة الثانية، دار النهضة/ مصر.
22 - د. محمد الهرفي شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام، 1400هـ - 1980م الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة – بيروت.
ــــــــــــــــــــــ
[1] الجاحظ ، البيان والتبيين 2: 13 ، ابن قتيبة ، الشعر والشعراء 1: 78 .
[2] الجاحظ ، البيان والتبيين 2: 9 .
[3] ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1: 78 ، دار المعارف بمصر 1966م .
[4] ابن رشيق ، العمدة م: 117 .
[5] ابن الدهان ، الديوان 102 ، 103 .
[6] سبط التعاويذي ، الديوان 31 ، 32 .
[7] سبط التعاويذي ، الديوان 55 .
[8] المرجع السابق 65 .
[9] ابن عنين ، الديوان 5 .
[10] سبط بن التعاويذي ، الديوان 108 .
[11] المرجع السابق 115 .
[12] انظر ديوان ، الأرجائي ، وأبي الفوارس ، وسبط التعاويذي ، وغيرهم كثير .
[13] أبو الفوارس ، الديوان 1: 142 .
[14] أبو شامة ، الروضتين 1: 32 .
[15] المرجع السابق 1: 34 .
[16] المرجع السابق 1: 37 .
[17] المرجع السابق 1: 49 .
[18] المرجع السابق 1: 81 .
[19] المرجع السابق 1: 84 .
[20] الأبيوردي ، الديوان 2: 324 .
[21] الأرجاني ، الديوان 3: 1601 .
[22] أبو شامة ، الروضتين 1: 18 حتى 21 .
[23] أسامة بن منقذ الديوان .
[24] انظر ديوان الأرجائي (فهرس القوافي) .
[25] العماد الأصبهاني ، الخريدة شعراء الشام 1: 145 .
[26] المرجع السابق 164 و183 .
[27] انظر سبط التعاويذي – الديوان .
[28] انظر سبط التعاويذي ، الديوان .
[29] سبط التعاويذي ، الديوان 1 .
[30] ابن عنين – الديوان 22- 26 .
[31] ابن غنين – المرجع السابق .
[32] ابن غنين – المرجع السابق .
[33] محمد زغلول سلام ، الأدب في العصر الأيوبي ، 267 .
[34] الأرجاني ، الديوان 3: 914 ، 922 .
[35] المرجع السابق 3: 1230 .
[36] الأرجاني ، الديوان 3: 980 ، 982 .
[37] المرجع السابق 3: 986 وما بعدها .
[38] المرجع السابق 3: 998 .
[39] المرجع السابق 3: 1005 .
[40] المرجع السابق 3: 1044 .
[41] المرجع السابق: 1048 .
[42] المرجع السابق 3: 1058 .
[43] المرجع السابق 3: 1064 .
[44] المرجع السابق 3: 1073 .
[45] المرجع السابق 3: 1076 وما بعدها .
[46] المرجع السابق 3: 1088 .
[47] ..... غير واضح .....
[48] أبو شامة ، الروضتين 1: 101 .
[49] المرجع السابق 1: 89 .
[50] المرجع السابق 1: 78 .
[51] المرجع السابق .
[52] أبو شامة ، الروضتين 1: 82 .
[53] المرجع السابق 1: 77 .
[54] أبو شامة ، الروضتين 1: 77 ، 78 .
[55] المرجع السابق 1: 78 ، 79 .
[56] المرجع السابق 1: 81 ، 82 .
[57] المرجع السابق 1: 82 .
[58] المرجع السابق 1: 84 .
[59] المرجع السابق 1: 85 ، 86 .
[60] أبو شامة ، الروضتين 1: 73 ، 74 .
[61] المرجع السابق 1: 54 .
[62] المرجع السابق 1: 38 ، 39 .
[63] المرجع السابق 1: 58 .
[64] العماد الأصبهاني ، الخريدة 1: 98 .
[65] أبو شامة ، الروضتين 1: 58 .
[66] عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 204 .
[67] المرجع السابق 3: 1058 .
[68] المرجع السابق 51 .
[69] المرجع السابق 5 .
[70] المرجع السابق 5 .
[71] المرجع السابق 84 .
[72] أبو الفوارس ، الديوان 1: 257 .
[73] المرجع السابق 1: 344 .
[74] أسامة بن منقذ ، الديوان 59 ، تحقيق د. أحمد بدوي ، وحامد عبدالحميد .
[75] المرجع السابق 53 .
[76] الديوان 244 ، 247 .
[77] أسامة بن منقذ ، الديوان 251 .
[78] العماد الأصبهاني ، الديوان 66 .
[79] المرجع السابق 107 .
[80] عبدالمنعم الجلياني ، ديوان المبشرات ، والقدسيات: 64 تحقيق د. عبدالجليل حسن عبدالهادي .
[81] الجلياني ، المبشرات والقدسيات: 58 .
[82] الجلياني ، المبشرات والقدسيات: 137 .
[83] المرجع السابق 143 .
[84] المرجع السابق 156 .
[85] المرجع السابق 160 ، 161 .
[86] السادس عشر ، الديوان 3 .
[87] المرجع السابق 9 .
[88] المرجع السابق 12 .
[89] المرجع السابق 15 .
[90] المرجع السابق 19 .
[91] بهاء الدين ، الديوان 228 .
[92] المرجع السابق 224 .
[93] المرجع السابق 230 .
[94] الأرجاني ، الديوان 3: 914 إلى 921 .
[95] المرجع السابق 3: 1225 .
[96] أبو شامة ، الروضتين 1: 101 .
[97] المرجع السابق 1: 73 .
[98] أبو الفوارس ، الديوان 1: 343 .
[99] المرجع السابق 1: 346 ، 347 .
[100] المرجع السابق 1: 144 .
[101] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، القسم العراقي ، الجزء الثاني 146 .
[102] أسامة بن منقذ ، الديوان 245 .
[103] المرجع السابق 251 ، 252 .
[104] عرقلة الكلبي ، الديوان 84 .
[105] ابن عنبر ، الديوان 9 .
[106] المرجع السابق 12 .
[107] المرجع السابق 15 .
[108] المرجع السابق 19 .
[109] مقدمة الديوان ، ابن حكال 1: 515 .
[110] الأرجاني 3: 1073 ، 1074 .
[111] المرجع السابق 3: 1300 ، 1342 .
[112] المرجع السابق 1: 1450 .
[113] ابن خلكال ، وقباب الأعمال 1/49 ، د. عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 205 ، أحمد بدوي ، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية 136 ، د. محمد الهرفي ، شعر الجهاد: 255 .
[114] أبو شامة ، الروضتين 1: 78 .
[115] المرجع السابق 1: 82 .
[116] أبو شامة بالروضتين 1: 34 .
[117] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام ودمشق 1: 12 .
[118] انظر المهذب بن الزبير ، الديوان ، حياته وشعره .
[119] المرجع السابق 186 .
[120] المرجع السابق 233 .
[121] أبو الفوارس ، الديوان 1: 39 .
[122] المرجع السابق 1: 75 .
[123] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام 1: 178 .
[124] عرقلة الكلبي ، الديوان 30 ، 49 .
[125] المرجع السابق 13 .
[126] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام 1: 183 .
[127] انظر أسامة ابن منقذ ، الديوان ، المقدمة ، انظر عمر موسى باشا الأدب في بلاد الشام .
[128] أسامة بن منقذ ، الديوان 165 .
[129] سبط التعاويذي ، مقدمة الديوان .
[130] العماد الأصبهاني ، الديوان 438 .
[131] سبط التعاويذي ، الديوان 297 . مطبعة صادر .
[132] ابن عنبر ، الديوان ، المقدمة د. عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 344 ، د. أحمد بدوي ، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية 222 .
[133] ابن عنبر ، الديوان 15 إلى 18 .

ابو وليد البحيرى
29-05-2015, 04:46 PM
الإتجاه المحافظ في الشعر إبان الحروب الصليبية

مسعد بن عيد العطوي
الجزء الثانى

التقابل والتضاد:
إن التقاء الأشياء المتقابلة، وتجريدها أمام الناظر، يدعوه إلى التأمل، والمقارنة بينها، مما يطيل التدبر فيها، ويظهر مفرداتها أكثر، ويقرب التضاد بين الأشياء، فهو يدعو إلى التفكير وإجالة النظر، والتأمل، بل إنه يؤدي إلى الجدل، والحوار، وكلاهما يفتق الوعي، ويلهم، ويبرهن، ويبلغ إلى الجودة، والقمة.
والأرجاني معتدل في استخدامه للتقابل من طباق وتعارض وقد وقع أمام ناظري قصيدته العينية في مدح أنو شروان بن خالد التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتاً فوجدت أن التقابل فيها لا يتجاوز عشرة أبيات ومنه قوله:
النار تقبس من وطيس جوانحي والماء يُورد من غدير دموعي
قلبي وعيني يغنيان ركابكم عن رحلتي قيظ لكم وربيع[94]

وله قصيدة عينية أخرى عدد أبياتها أربعة وخمسون بيتاً، والتقابل فيها لا يتجاوز خمسة أبيات[95].
ويقل التقابل عند ابن منير فهذه إحدى قصائده مكونة من واحد وثلاثين بيتاً، نجدها تحتوي على أربعة أبيات يتبلور فيها التقابل منها قوله:-
سحب إذا سبحت بأرض ذيلها فالحزن سهل والهضاب وهاد
يامن إذا عصفت زغازع بأسه خمدت جحيم الشرك فهي رماد[96]

ويوجد التقابل بقلة عند القيسراني فرائيته أثبت أبو شامة منها واحداً وخمسين بيتاً، منها تسعة أبيات يظهر فيها أحد ألوان التقابل:-
قد أدمت البيض الحداد فروضها فلا عهدت في عنق سيف ولا نذر
وصلت بمعراج النبي صوارم مساجدها شفع وساجدها وتر[97]

وأبو الفوارس المتوفي 574هـ من الشعراء البارزين في العراق، وموطنه قريباً من مواطن الحريري، وقد تعهد التقابل، والتضاد بشيء من الاهتمام لم يبلغ مرحلة الصنعة أو الإِسراف.
يقول في قصيدته اللامية يمتدح فيها الخليفة المسترشد[98]:
وكلما كثرت – والحال شاهدة – وسائلي آذنت حالي بإقلال
أمضى الخلائق عزما عند مجلبة وأثبت القوم قلبا عند أهوال
مُنكب العيش خفضاً من تهامعه ونازل شغاف المجد محلال

فالكثرة والإِقلال ثم المضي والثبات، والخفض والشغاف، كلها كلمات متضادة تدعو إلى التأمل ومقارنة الحالين.
ومن ذلك أيضاً قوله[99]:
إذا رقد النكس الدثور عن العلى تجافي ضلوعاً عن حشي ونمرق
لتبلج جياش المراجل بالدحى ال هيم ضروبا بالصباح المشرق
يضاحك شمس الصبح منه ببيضة وزهر الليالي من شباكل أزرق
ليهنك عيد أنت عيد لأهله سرور لمهموم ووجدٌ لمملق

فالتقابل الذي يسمى بالطباق في (رقد وتجافي)، والتقابل في الدجى البهيم والصباح والمشرق)، وفي (الصبح والليل)، وفي (سرور الهموم ووجد المملق) ظاهر هنا.
وقد وجدنا أن الشاعر قليل العناية بالتقابل بشتى صوره، فهذه قصيدته مكونه من ست وخمسين بيتاً تخلو من التقابل إلا أربعة الأبيات السابقة.
ولا يبدو عليه فيها التكلف أو التصنع لهذا اللون إنما يأتي عفواً موحياً[100].
والأوائل أدركوا جمال التقابل والتضاد وتأثيرهما النفسي، فالعماد الأصبهاني يشيد بأربعة أبيات من رائية الأمير مجد العرب أبي فراس علي بن محمد بن غالب العامري التي أنشدها في حسام الدين تمرتاش في عام أربعة وثلاثين وخمسمائة:-
حويت (حسام الدين) كل فضيلة سواك لها طي وأنت لها نشر
فما ينتهي إلا إلى كفك الندى ولا يعتزى إلا إلى بيتك الفخر
سُطا كلما تابعتها جزع الردى ونعمى متى فرقتها جمع الشكر
ونفس كأنّ من طبعها خلق السخا وبأس كأنَّ من حره طُبع الحر

ويقول العماد عنها: "الأبيات الأربعة حقها أن تكتب بذوب التبر، على صفحة الدهر. وترقم بسويداء الفؤاد على سواد الحدق، وترتاح لها النفوس ارتياح الرياض للديمة الغدق"[101].
والمتدبر للأبيات يلتمس أن الذي أعجب العماد هو التقابل بين (طي ونشر، وينتهي ويعتزي، وفرقتها وجمع، ونفس طيبة وبأس).
الشعراء يكثرون منها في غير ما إسراف ولا تبذل، وذلك شأن أسامة بن منقذ، وآخذ بطريقة عشوائية قصيدته الميمية التي يشكر فيها الملك الصالح بن رزيك على بعثه أهله من مصر، وهي مكونة من تسعة وخمسين بيتاً بما فيها المقدمة المفصولة عنها، وقد بلغت الأبيات التي احتوت على التقابل ثلاثة عشر بيتاً، وهذه نسبة متواضعة لا توحي بتكلف أو بعد مأخذ، يبدو أنه لا يسعى إلى إشارة جدلية من ورائه.
ومن تلك الأبيات:
يستقبل الحرب بساما، وقد كشرت بها المنية عن أنيابها الأرم
فإن سطا عن يقين أو كفا كرما فإنه خير ذي عفو ومنتقم[102]

وظاهرة الاعتدال هذه ظاهرة في جل شعره ومنه قصيدته الرائية في بطولات الجهاد لنور الدين، التي بلغت تسعين بيتاً. وهي من أجود شعره، وأجمله تركيباً وتصويراً، ومع ذلك لم يتكلف أو يتصنع التقابل فيها، فأبيات التقابل ثمانية عشر بيتاً فقط، ومنها:
بحيث حللنا الأمن من كل حادث وفي سائر الآفاق من بأسنا ذعر
وما في ملوك المسلمين مجاهد سوانا، فما يثنيه حر ولا قر
وفي سجننا ابن الفنس خير ملوكهم وإن لم يكن خير لديهم ولا بر[103]

ومن التقابل والتضاد في شعر عرقلة:
تناءوا بعد قربهم ملالا وسرنا يمنة وسروا شمالا
بك استغنيت عن زيد وعمرو ومن طلب الهدى ترك الضلالا
محلك في النجوم إذا تدانى وضدك في التخوم إذا تعالى
أقاموا في سماحهم بحارا وأضحوا في حلومهم جبالا[104]

ويندر التقابل في شعر ابن عُنين فقصيدته اللامية في مدح الأشرف موسى بن العادل المكونة من ستة وثلاثين بيتاً بلغ التقابل فيها خمسة أبيات[105].
وقصيدته العينية مكونة من أربعة وثلاثين بيتاً منها ثلاثة أبيات في التقابل[106].
وقصيدته الرائية في مدح المعظم عيسى بلغت واحداً وثلاثين بيتاً صمت خمسة أبيات فيها تقابل[107].
وقصيدته البائية في المعظم بلغت واحداً وثلاثين بيتاً منها ثلاثة أبيات في التقابل[108].
وهذا التقابل الذي تبلور في شعرهم إنما هو امتداد لسلفهم وتقليد له فهم له يتجاوزوا رائد هذا اللون الشاعر أبي تمام بل لم يبلغوا مبلغه في هذا.

أعلام المحترفين:
1- الأرجاني:-
ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد الأرجاني نسبة إلى أرجان من كور الأهواز ولد عام 460هـ، مدح نظام الوزير الفارسي الأصل الذي يمثل الرجل الثاني في دولة ملكشاه السلجوقي، ومدح غيره من وزراء السلاجقة، فقيه تولى القضاء كثيرا، مات عام 544هـ، وله ديوان مكون من ثلاثة مجلدات حققه الدكتور محمد قاسم مصطفى[109].
يغلب على ديوانه المدائح لوزراء السلاجقة، ووزراء الخلافة العباسية، وهو يطيل في المقدمات الغزلية، ومن ذلك قصيدة في مدح تاج الملك أبي الغنائم[110].
غير العدا بسيوفكن قتيل وعيونكن الصارم المسلول
أنى لبيض الهند وهي جديدة فتكات ذاك الطرف وهو كليل

وبعد ثلاثة عشر بيتاً من الغزل يمدح فيقول:
أو ليس تاج الملك من آدابه ألا يطاع على السماح عذول
وهو الإِمام المقتدى بفعاله وهو الهمام المتقى المأمول
إن كان كاد به الزمان فإنه بجواد آخر مثله لبخيل
قل في الورى طراً إذا استثنيته القول جمّ، والفعال قليل[111]

ومدائحه تتجاوز التسعين بيتاً أحياناً كميميته في القاضي الهروي وكنونيته في عز الدين أبي نصر وغيرها[112].
ويرثي بقصائد مطولة أيضاً كنونيته في رثاء أبي المحاسن فقد بلغت ثمانية وتسعين بيتاً.

2- ابن منير الطرابلسي:
عين الزمان، مهذب الدين أبو الحسن أحمد بن منير بن مفلح الطرابلسي ولد عام 473هـ في طرابلس، وهو شيعي متعصب التحق بنور الدين ومدائحه كثيرة، وهي تمثل الحياة الحربية في تلك المرحلة مات عام 548هـ[113].
سجل له أبو شامة كثيراً من القصائد التي تصور حروب نور الدين ضد الصليبيين[114]:
شمّر فقد مدت إليك رقابها لا يدرك الغايات غير مشمر
أو لست من ملأ البسيطة عدله واجتب بالمعروف أنف المنكر
يا هضبة الإِسلام من يعتصم بها يؤمن ومن يتول عنها يكفر
كانوا على صلب الصليب سرادقا انبت بنيته بكل مذكر
ملك تساوى الناس في أوصافه عُذر المقل وبان عجز المكثر
يا أيها الملك المنادي جوده في سائر الآفاق هل من معسر

ويقول[115]:
ومنك تعلم القطع المواضي وقد زبنت بها الحرب الزبون
وأنت السيف لم تمسسه نار ولا شحذت مضاربه القيون
ترقرق فوق صفحته الأماني ويقطر من غراريه المنون
لقد أشعرت دين الله عزا تتيه له المشاعر والحجون
وقام بنصره والناس فوضى قوي منك في الجلى أمين
وكم عبر الصليب بهم صليبا فردته قناك وفيه لين
وما خطوت بدار الشرك إلا هوى الناقوس وارتفع الأذين


3- القيسراني:-
هو شرف الدين محمد بن نصر بن صغير الملقب بالقيسراني ولد في عكا سنة 478هـ ويدعي أنه من نسل خالد بن الوليد، خرج أبوه من عكا بأسرته فراراً من الصليبيين، واستوطن قيساريه ومن هنا لقب الشاعر بالقيسراني، وليس أبوه كما وهم الكثير، وصاحب الروضين يطلق عليه القيسراني.
تتلمذ على الشاعر المشهور ابن الخياط، ومدح أمراء دمشق، ثم التحق بعماد الدين ومدحه، ولما *** عماد الدين في عام 541هـ عاد إلى دمشق لكنه لم يلبث طويلاً حتى التحق بنور الدين زنكي وصحبه في حروبه وأسفاره، ونافسه على تلك المكانة الشاعر أحمد بن منير الطرابلسي ثم عاد في عام 548هـ إلى دمشق وحُمّ ومات بعد عشرة أيام من مرضه.
وشعره يتكون من شريحتين كبيرتين إحداهما: المتمثل في المدائح وهذه الشريحة يصور فيها حياة الجهاد ضد الصليبيين حتى وفاته، وهو شعر تقليدي ينهج فيه أثر أبي تمام، والمتنبي، وأبي فراس الحمداني، ويمتح من معان ثرة في الجهاد وأبطاله، ووصف المعارك والحصور، وحسن القيادة والتدبير، وأماني وحدة المسلمين، واسترداد بيت المقدس.
لذلك كان أسلوبه جزلاً قوياً، كان يطيل القصائد وينظمها على الأوزان الطويلة.
ومصدر أشعاره في الجهاد، كتاب الروضتين، والخريدة وغيرهما.
وقد صحب عماد الدين سنة 534هـ ومدحه لما استرد المهرة وكفر طاب[116]:
حذار منا وأنى ينفع الحذر هي الصوارم لا تبقى وتذر
وأين ينجو ملوك الشرك من ملك من خيله النصر لا بل جنده القدر
سلوا سيوفاً كأغماد السيوف بها صالوا فأغمدوا نصلاً ولا شهروا
حتى إذا ما عماد الدين أرهقهم في مأزق من سناه يبرق البصر
وفي المسافة من دون النجاة لهم طول وإن كان في أقطارها قصر
وأصبح الدين لا عيناً ولا أثراً يخاف والكفر لا عين ولا أثر
فلا تخف بعد الإِفرنج قاطبة فالقوم إن نفروا ألوى بهم نفر

والشريحة الثانية تتجسد في ديوانه الثغريات حيث كان يزور أنطاكية والرها ويتردد على الأديرة والكنائس، فأخذت لبه بنات الإِفرنج، وقال شعراً عاطفياً رقيقاً يفيض شعوراً وإحساساً، ويتحلى بقشيب الفن، ومتعة الذوق وسهولة النطق، وسلامة الترتيب وصدق العاطفة، وواقعية المضمون[117]:
كم بالكنائس من مبتلة مثل المهاة يزينها الخفر
من كل ساجدة لصورتها لو أنصفت سجدت لها الصورُ
قدسية في حيل عاتقها طول وفي زنارها قِصر
غرسَ الحياءُ بصحن وجنتها وردا سقى أغصانه النظرُ
وتكلمتْ عنها الجفون فلو حاورتها لأجابك الحَوَرُ


4- المهذب بن الزبير:-
هو أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير المصري ينتمي إلى غسان من أسرة معروفة بالمال والرياسة، ولد في أسوان بمصر مدح الملك الصالح نور الدين زنكي مات سنة 561هـ، حقق ديوانه الدكتور محمد عبدالحميد سالم، وكتب عن حياته وأدبه في ثلاث وسبعين وماية صفحة، ثم أتبع ذلك بالديوان ويبدو أن الذي عثر عليه أقل مما نظمه الشاعر بكثير وربما ضاع أكثره[118].
له في المقدمة قصيدة مدح:
بالله يا ريح الشما ل إذا اشتملت الليل بُردا
وحملت من نشر الخزا مى ما اغتدى للند نداً
ونسجت في الأشجار بي ن غصونهن هوى ووداً
وهززت عند الصبح من أعطافها قدا فقدا
ونثرت فوق الماء من أجيادها الزهر عقدا
فملأت صفحة وجهه حتى اكتسى آسا ووردا[119]

وأطول قصائده في الديوان النونية التي يمدح الصالح طلائع بن رزيك، بلغت سبعة وستين بيتاً منها:
أعلمت حين تجاور الحيان أن القلوب مواقد النيران
وعرفت أن صدورنا قد أصبحت في القوم وهي مرابض الغزلان
وعيوننا عوض العيون أمدها ما غادروا فيها من الغدران
ولقد بعثت إلى الفرنج كتائباً كالأسد حين تصول في خفّان
وتيمموا أرض العدو بقفرة جرداء خالية من السكان
وثللت في يوم العريش عروشهم بشبا ضراب صادق وطعان[120]


5- أبو الفوارس: حَيص بيَص
هو شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي ينتهي نسبه إلى أكثم بن صيفي، ولد في بغداد سنة 492هـ ومات عام 574هـ درس في المدار النظامية ((اشتهر أبو الفوارس بصدق اللهجة، ورصانة الخلق، والترفع عن الصغائر، والتنزه عن المقابح، والتزام السلوك الكريم، والتأدب بآداب الشرع))[121].
يعد من كبار الشعراء في بغداد له مكانته، يلتزم بالزي الأعرابي، يُدل ويفخر بأرومته التميمية، يعرض كثيراً عن الغزل الفاحش، ويقدم مدائحه بالفخر أحياناً.
له ديوان شعر مكون من جزأين، حققه مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر، نشر عام 1974م بالعراق.
مدح خلفاء بني العباس ووزراءهم وملوك بني أسد ومدح نور الدين زنكي وهو يجنح إلى الصور البدوية في شعره يقول في مقدمة يمدح بها أنو شروان بن خالد الوزير[122].
وفتيان صدق من تميم تناثلوا دروعهم والليل ضافي الوشائع
وقيذين من عرق السرى وقلوبهم شداد على مر الخطوب الصوادع
يقودون جردا مضمرات كأنها كواسر عقبان الشريف الأباقع
وكنت إذا ما سورتني كريهة برزت لها في جحفل من مجاشع
فلم استكن من صرف دهرٍ لحادث ولا ارتعت من وقع الخطوب لرائع

وشعره يمتاز بقوته فهو يلجأ إلى الحروف ذات المخارج الحلقية، والأصوات الجهورية، ومن هذه الألفاظ القوية تتكون تراكيبه الجزلة القوية.

6- عرقلة الكلبي:-
هو أبو الندى حسان بن نمير، يلقب بالكلبي ولد عام 486هـ، عاش في دمشق، يقول عن العماد الأصبهاني: "لقيته في دمشق شيخاً خليعاً ربعة مائلاً إلى القصر، أعور مطبوعاً حلو المنادمة، لطيف النادرة، معاشراً للأمراء، شاعراً مستعراً في الهجاء". مات عام 567هـ[123].
مدح شيركوه وصلاح الدين لما ذهبا إلى مصر عام 562هـ[124].
وهو يتقلب في مدائحه فتارة يمدح الوزير ابن رزيك، ويعلن أنه على مذهبه يتشيع، وبعد ذلك يمدح أسد الدين شيركوه، وصلاح الدين. وتارة يعلن الابتعاد عن الصراع))[125].
ذَرِ الأتراك والعربا وكن في حزب من غلبا
بجلّق أصبحت فتن تجر الويل والخربا
لئن غمت فواأسفا ولم تخرب فواعجبا

وهو قصير النفس يغلب على ديوانه المقطوعات الشعرية، والقصائد القصيرة؛ فهي لا تتجاوز خمسة وعشرين بيتاً، وقد أشار إلى ذلك الأصبهاني: ((ثم وقع بيدي بعد ذلك ديوان شعره فطالعته، وقصائده قصار، وفي النادر أن تزيد قصيدته على خمسة وعشرين بيتاً، ومقطعته على عشرة أبيات وكلها نوادر))[126].

7- أسامة بن منقذ:
ولد أسامة بن منقذ في شيزر عام 488هـ في أسرة توارثت الإِمارة في حصن شيزر كان (أبوه صالحاً) علمه الفروسية، وحفَّظه القرآن. وألحقه بالعلماء ورعاه عمه أبو العساكر حاكم شيزر حتى جاء به أبناء، فضيق على أسامة وأخرجه منها، فولى وجهه شطر عماد الدين زنكي، والتحق بجنده ثم عاد مرة أخرى إلى شيزر ليفك حصار الصليبيين عنها، ثم أخرجه عمه مرة أخرى هو وأسرته فاتجه إلى دمشق، وأصبح مستشاراً، ثم انتقل إلى مصر عام 539هـ واستقبل حافلاً، وأصبح من رجال الدولة لكنه عاد إلى الشام 549هـ والتحق بنور الدين زنكي واعتكف في حصن (كيفا) للتأليف ثم التحق بصلاح الدين عام 570هـ وقربه إليه وتقدمت به السن ومات عام 583هـ.
وشعره يمثل حياته فهو أمير فارس أبي النفس، له مكانة عالية عند علية القوم ليس بالمدح لكن بسجل الأحداث ولاسيما في مكاتباته مع الصالح طلائع بن رزيك، وله ديوان شعر مطبوع حققه الدكتور أحمد بدوي، وحامد عبدالمجيد، وله كتاب الاعتبار، وبديع البديع، والعصا، ولباب الآداب وغيره وقد اقتفى بشعره آثار أبي فراس. والمتنبي وأبي تمام وغيرهم من شعراء العربية[127] يقول في الشكوى[128]:
وما أشكو تلون أهل ودي ولو أجدتُ شكيتهُم شكوتُ
مطلتُ عتابَهم، ويئستُ منهم فما أرجوهم فيمن رجوتُ
إذا أدمت قوارصُهم فؤادي كظمت على أذاهم وانطويتُ
ورحت عليهم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيتُ
تجنوا لي ذنوباً ما جنتها يداي، ولا أمرت ولا نهيت
ولا والله ما أضمرت غدرا كما قد أظهروه ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا وتبدو صحيفةُ ما جنوه وما جنيتُ


8- سبط التعاويذي:-
هو أبو الفتح محمد بن عبيدالله بن عبدالله الكاتب المعروف بابن التعاويذي، ولد عام 519هـ ومات عام 583هـ، شاعر عراقي، ولكن له مدائح في صلاح الدين الأيوبي وله هبات وهدايا منه، يقول عنه ابن خلكان: "شاعر وقته ولم يكن مثله جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، وهو في غاية الحسن والحلاوة"[129].
كان معاصراً للعماد الأصهاني وصديقاً له بينهما معارضات شعرية[130] وله ديوان ضخم مطبوع ولكنه لم يحقق.
وشعره ينبئ عن موهبة ودربة شاعرية، ونظرة واعية، وطول نفس، وتفوق في النظم، وقدرة في توظيف اللغة حيث السهولة والانسيات والتأثر الشعوري، وهو بعيد عن التكلف في المضمون والشكل، وبعيد عن صنعة البديع وتصنعه:
لما رأوك وأنت أثبت منهم جأشفا وأفئدة الفوارس تخفق
ولو على الأدبار لا يدرون أن همُ إلى ورد المنية أسبق
وأدرتهن كؤوس موت أحمر عاف الشراب به العدو الأزرق
فنجا وصدر الأشرفية واغر منه وقلب الزاغبية محنق
نبذته أقطار البلاد فأصبحت من دونه والرحب فيها ضيق
حتى كأن الأرض حلقة خاتم في عينه والجو سقف مطبق
يرتاع من ذ**** إن خطرت له وبراك في حلم المنام فيفرق[131]


9- ابن عُنين:-
هو شرف الدين أبو المحاسن محمد بن نصر الأنصاري الدمشقي، ولد سنة 549هـ وتوفي سنة 630هـ نشأ بدمشق قبلي الجامع الأموي قال الشعر وعمره ستة عشرة عاماً، وشب في مرحلة تكوين الدولة الأيوبية، فلم يكن عهد نور الدين محمد زنكي بعهد استقرار، ولم تظهر سمات القوة والجهاد عند صلاح الدين مما جعل ابن عنين يشك في الحكام الجدد ويسخر منهم فقال في صلاح الدين، والقاضي الفاضل:-
سلطاننا أعرج وكاتبه ذو عمش والوزير متحدب


فأخرج من دمشق وتوجه إلى اليمن، والحجاز، والعراق والهند، وطوف كثيراً ثم عاد إلى دمشق في عهد العادل أخي صلاح الدين الأيوبي.
والتقى بمصر بمجموعة من الشعراء، ولهم مجالس أنس يتطارحون الشعر فيها ومن ذلك الألغاز والأحاجي.
وله ديوان حققه خليل مردم بك المتوفى عام 1959م. والديوان مصنف على أبواب: الباب الأول في المدائح، والثاني في الرثاء، والثالث في الحنين إلى دمشق، والرابع في الوقائع والمحاضرات، والخامس في الدعابة والتهكم والسخرية، والسادس في الألغاز والسابع في الهجاء[132].
وينهج ابن عنين في بناء القصيدة منهج العمود الشعري، والنسق المألوف فيستهلها بالغزل، ثم الشكوى، ثم يحسن التخلص إلى غرض المدح ويخرج أحياناً إلى ذكر محاسن دمشق كأنه يعوض به ذكر الأطلال.
وها هو يمدح الملك المعظم عيسى بن الملك العادل فيذكر دمشق[133]:
أشاقك من عُليا دمشق تصورها وولدان روض النيربين وحورها
ومنبجس في ظل أحوى كأنه ثياب عروس فاح منها عبيرها
منازل أنس ما أمحت ولا أمحت بمر العوادي والسواري سطورها

ومن الشكوى على شاكلة الأوائل حتى في التجريد واللفظ (الخليلي):
خليلي إن البين أفنى مدامعي فهل لكما من عبرة أستعيرها
لقد أنسيت نفسي المسرات بعدكم فإن عاد عيد الوصل عاد سرورها

ثم يتبلور عنده حسن التخلص:
وقد ماتت الآمال عندي وإنما إلى شرف الدين المليك نشورها
مليك تحلى الملك منه بعزمة بها طال رمح السماك قصيرها

ومن مبالغته:
همام تظل الشمس من عزماته محجبة تقع المذاكي ستورها
مهيب فلو لاقى الكواكب عابساً تساقطت الجوزا وخرت عبورها


مراجع البحث حسب ورودها في البحث
1 - الجاحظ، البيان والتبيين تحقيق عبدالسلام محمد هارون، الطبعة الرابعة 1395هـ - 1975م.
2 - ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر 1966م.
3 - ابن رشيق – العمدة – تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد الطبعة الرابعة 1972م. بيروت – دار الجيل.
4 - ابن الدهان، الديوان، تحقيق عبدالله الجبوري، الطبعة الأولى 1388هـ - 1968م بغداد دار المعارف.
5 - سبط التعاويذي، الديوان، مصور عن طبعة المقتطف بمصر 1903م دار صادر 1408هـ - 1988م.
6 - ابن عُنين، الديوان، تحقيق خليل مروم بك دار صادر.
7 - أبو الفوارس، الديوان، تحقيق مكي السيد جاسم، وشاكر هادي شكر، العراق 1974م.
8 - أبو شامة، الروضتين دار الجيل بيروت.
9 - الأبيوردي، الديوان تحقيق د. عمر الأسعد، الطبعة الثانية 1407هـ - 1987م، ومؤسسة الرسالة بيروت.
10 - الأرجاني، الديواني، تحقيق د. محمد قاسم مصطفى طبع عام 1981م دار الرشيد، العراق.
11 - العماد الأصبهاني – الخريدة، شعراء الشام تحقيق، د. شكري فيصل، الجزء السادس 1388هـ - 1968م.
12 - محمد زغلول سلام، الأدب في العصر الأيوبي، دار المعارف بمصر.
13 - د. عمر موسى باشا، الأدب في بلاد الشام عصور الزنكيين والأيوبيين والمماليك الطبعة الأولى 1409هـ - 1989م دار الفكر بيروت.
14 - عرقلة الكلبي، الديوان، تحقيق د. أحمد الجندي، دار الحياة، دمشق عام 1390هـ - 1907م.
15 - أسامة بن منقذ الديوان، تحقيق د. أحمد بدوي، وحامد عبدالحميد، الطبعة الثانية 1403هـ - 1983م، عالم الكتب بيروت.
16 - عبدالمنعم الجلياني، ديوان المبشرات والقدسيات تحقيق، د. عبدالجليل حسن عبد المهدي طبع عام 1409هـ - 1989م. دار البشير، الأردن عمان.
17 - بهاء الدين زهير، الديوان، طبع عام 1401هـ - 1981م دار بيروت للطباعة، بيروت.
18 - العماد الأصبهاني، الخريدة – القسم العراقي الجزء الثاني تحقيق بهجة الأثري، المجلد الأول، المجمع العلمي العراقي 1384هـ - ط 1966م.
19 - ابن خلكان، وفيات الأعيان، إشراف إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
20 - المهذب بن الزبير، شعر المهذب بن الزبير، تحقيق د. محمد عبدالحميد سالم، الطبعة الأولى 1409هـ و1988م هجر.
21 - د. أحمد أحمد بدوي، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام، الطبعة الثانية، دار النهضة/ مصر.
22 - د. محمد الهرفي شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام، 1400هـ - 1980م الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة – بيروت.
ــــــــــــــــــــــ
[1] الجاحظ ، البيان والتبيين 2: 13 ، ابن قتيبة ، الشعر والشعراء 1: 78 .
[2] الجاحظ ، البيان والتبيين 2: 9 .
[3] ابن قتيبة: الشعر والشعراء 1: 78 ، دار المعارف بمصر 1966م .
[4] ابن رشيق ، العمدة م: 117 .
[5] ابن الدهان ، الديوان 102 ، 103 .
[6] سبط التعاويذي ، الديوان 31 ، 32 .
[7] سبط التعاويذي ، الديوان 55 .
[8] المرجع السابق 65 .
[9] ابن عنين ، الديوان 5 .
[10] سبط بن التعاويذي ، الديوان 108 .
[11] المرجع السابق 115 .
[12] انظر ديوان ، الأرجائي ، وأبي الفوارس ، وسبط التعاويذي ، وغيرهم كثير .
[13] أبو الفوارس ، الديوان 1: 142 .
[14] أبو شامة ، الروضتين 1: 32 .
[15] المرجع السابق 1: 34 .
[16] المرجع السابق 1: 37 .
[17] المرجع السابق 1: 49 .
[18] المرجع السابق 1: 81 .
[19] المرجع السابق 1: 84 .
[20] الأبيوردي ، الديوان 2: 324 .
[21] الأرجاني ، الديوان 3: 1601 .
[22] أبو شامة ، الروضتين 1: 18 حتى 21 .
[23] أسامة بن منقذ الديوان .
[24] انظر ديوان الأرجائي (فهرس القوافي) .
[25] العماد الأصبهاني ، الخريدة شعراء الشام 1: 145 .
[26] المرجع السابق 164 و183 .
[27] انظر سبط التعاويذي – الديوان .
[28] انظر سبط التعاويذي ، الديوان .
[29] سبط التعاويذي ، الديوان 1 .
[30] ابن عنين – الديوان 22- 26 .
[31] ابن غنين – المرجع السابق .
[32] ابن غنين – المرجع السابق .
[33] محمد زغلول سلام ، الأدب في العصر الأيوبي ، 267 .
[34] الأرجاني ، الديوان 3: 914 ، 922 .
[35] المرجع السابق 3: 1230 .
[36] الأرجاني ، الديوان 3: 980 ، 982 .
[37] المرجع السابق 3: 986 وما بعدها .
[38] المرجع السابق 3: 998 .
[39] المرجع السابق 3: 1005 .
[40] المرجع السابق 3: 1044 .
[41] المرجع السابق: 1048 .
[42] المرجع السابق 3: 1058 .
[43] المرجع السابق 3: 1064 .
[44] المرجع السابق 3: 1073 .
[45] المرجع السابق 3: 1076 وما بعدها .
[46] المرجع السابق 3: 1088 .
[47] ..... غير واضح .....
[48] أبو شامة ، الروضتين 1: 101 .
[49] المرجع السابق 1: 89 .
[50] المرجع السابق 1: 78 .
[51] المرجع السابق .
[52] أبو شامة ، الروضتين 1: 82 .
[53] المرجع السابق 1: 77 .
[54] أبو شامة ، الروضتين 1: 77 ، 78 .
[55] المرجع السابق 1: 78 ، 79 .
[56] المرجع السابق 1: 81 ، 82 .
[57] المرجع السابق 1: 82 .
[58] المرجع السابق 1: 84 .
[59] المرجع السابق 1: 85 ، 86 .
[60] أبو شامة ، الروضتين 1: 73 ، 74 .
[61] المرجع السابق 1: 54 .
[62] المرجع السابق 1: 38 ، 39 .
[63] المرجع السابق 1: 58 .
[64] العماد الأصبهاني ، الخريدة 1: 98 .
[65] أبو شامة ، الروضتين 1: 58 .
[66] عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 204 .
[67] المرجع السابق 3: 1058 .
[68] المرجع السابق 51 .
[69] المرجع السابق 5 .
[70] المرجع السابق 5 .
[71] المرجع السابق 84 .
[72] أبو الفوارس ، الديوان 1: 257 .
[73] المرجع السابق 1: 344 .
[74] أسامة بن منقذ ، الديوان 59 ، تحقيق د. أحمد بدوي ، وحامد عبدالحميد .
[75] المرجع السابق 53 .
[76] الديوان 244 ، 247 .
[77] أسامة بن منقذ ، الديوان 251 .
[78] العماد الأصبهاني ، الديوان 66 .
[79] المرجع السابق 107 .
[80] عبدالمنعم الجلياني ، ديوان المبشرات ، والقدسيات: 64 تحقيق د. عبدالجليل حسن عبدالهادي .
[81] الجلياني ، المبشرات والقدسيات: 58 .
[82] الجلياني ، المبشرات والقدسيات: 137 .
[83] المرجع السابق 143 .
[84] المرجع السابق 156 .
[85] المرجع السابق 160 ، 161 .
[86] السادس عشر ، الديوان 3 .
[87] المرجع السابق 9 .
[88] المرجع السابق 12 .
[89] المرجع السابق 15 .
[90] المرجع السابق 19 .
[91] بهاء الدين ، الديوان 228 .
[92] المرجع السابق 224 .
[93] المرجع السابق 230 .
[94] الأرجاني ، الديوان 3: 914 إلى 921 .
[95] المرجع السابق 3: 1225 .
[96] أبو شامة ، الروضتين 1: 101 .
[97] المرجع السابق 1: 73 .
[98] أبو الفوارس ، الديوان 1: 343 .
[99] المرجع السابق 1: 346 ، 347 .
[100] المرجع السابق 1: 144 .
[101] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، القسم العراقي ، الجزء الثاني 146 .
[102] أسامة بن منقذ ، الديوان 245 .
[103] المرجع السابق 251 ، 252 .
[104] عرقلة الكلبي ، الديوان 84 .
[105] ابن عنبر ، الديوان 9 .
[106] المرجع السابق 12 .
[107] المرجع السابق 15 .
[108] المرجع السابق 19 .
[109] مقدمة الديوان ، ابن حكال 1: 515 .
[110] الأرجاني 3: 1073 ، 1074 .
[111] المرجع السابق 3: 1300 ، 1342 .
[112] المرجع السابق 1: 1450 .
[113] ابن خلكال ، وقباب الأعمال 1/49 ، د. عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 205 ، أحمد بدوي ، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية 136 ، د. محمد الهرفي ، شعر الجهاد: 255 .
[114] أبو شامة ، الروضتين 1: 78 .
[115] المرجع السابق 1: 82 .
[116] أبو شامة بالروضتين 1: 34 .
[117] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام ودمشق 1: 12 .
[118] انظر المهذب بن الزبير ، الديوان ، حياته وشعره .
[119] المرجع السابق 186 .
[120] المرجع السابق 233 .
[121] أبو الفوارس ، الديوان 1: 39 .
[122] المرجع السابق 1: 75 .
[123] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام 1: 178 .
[124] عرقلة الكلبي ، الديوان 30 ، 49 .
[125] المرجع السابق 13 .
[126] العماد الأصبهاني ، الخريدة ، شعراء الشام 1: 183 .
[127] انظر أسامة ابن منقذ ، الديوان ، المقدمة ، انظر عمر موسى باشا الأدب في بلاد الشام .
[128] أسامة بن منقذ ، الديوان 165 .
[129] سبط التعاويذي ، مقدمة الديوان .
[130] العماد الأصبهاني ، الديوان 438 .
[131] سبط التعاويذي ، الديوان 297 . مطبعة صادر .
[132] ابن عنبر ، الديوان ، المقدمة د. عمر موسى باشا ، الأدب في بلاد الشام 344 ، د. أحمد بدوي ، الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية 222 .
[133] ابن عنبر ، الديوان 15 إلى 18 .