ابو وليد البحيرى
30-05-2015, 10:03 PM
تواضع المعلم
د. طه فارس
التواضع من أَجَلِّ أخلاق المؤمنين السلوكيَّة[1]؛ به يَعْرِف الإنسان حقيقةَ نفسِه، فلا تُهْلكه الصفاتُ المنافية للتواضع كالكبر والعُجب والغُرور، ولا يسعى لإثبات ذاته بِسَرَاب لا حقيقة له، بل يرضى بإمكاناته، ويقنع بما آتاه الله تعالى[2].
ولذلك لا بُدَّ للمعلِّم من أن يكون مُتَواضعاً لينَ الجانبِ رحيماً، فلا يُصيبه الكِبرُ، ولا يستبد به العُجب لما أُوتي من العلم؛ بل يعرف حدَّه فيقف عنده، و"ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى"[3].
ومِن تواضُعِ المعلِّم لزملائِه المعلِّمين: أن لا يترفَّع عليهم، ولا يستقلَّ بإمكاناتهم، ولا يستهجِنَّ قولَهم إن حاورَهم أو بادَلَهم الرَّأي، بل عليه أن يحفظ حقَّهُم، ويحترم رأيَهُم، ويبادلَهم النُّصح والتَّشاورَ، مع لينِ جانبٍ، وهضم للذَّاتِ، ورَحَابَةٍ في الصَّدرِ، وإشراقةٍ في الوَجه[4].
وأمَّا تواضع المعلِّم لطلابه: فهو أن يسمع لهم بعنايةٍ واهتمام، ويقدِّرَ آراءَهم وإن خالفت رَأيَه، ولا يستهجنَ قولَهُم وإن جانبَ الصَّواب، ويقبلَ تصويبَهم إن وقع منه خطأٌ، ويبادلَهم التَّحيةَ والسَّلامَ، ويسألَ عن مريضِهم ويعودَه إن تيسَّرَ له ذلك، ويتفقدَ أحوالَهم، ويمدَّ يدَ العون والمساعدة لمحتاجهم، ويقبلّ هديتَهم مهما صَغُرَت ويكافئهم عليها، ويباسطَهُم في بعض الأحيان ولا يأنَفَ من ذلك، ويكون معهم هيناً ليِّناً لا فظَّاً غَلِيْظَاً[5].
[1] التَّوَاضُع لغة: منَ الوَضع، الذي يدلُّ على الخَفْضِ للشيء وحَطِّهِ، وهو ضِدُّ التَّكبر، ويعني: إظهارَ التذللِ والتَّخَاشُعِ والخضوع. والتواضعُ يُعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. انظر: تهذيب اللغة، والصحاح في مادتي: وضع، وخضع؛ والفروق اللغوية للعسكري ص215.
أما اصطلاحاً: فهو إظهار التَّنَـزُّلِ عن المرتبة لمن يُرَاد تعظيمه، وقيل: هو تذلُّلُ القلوب لعلاّم الغُيُوبِ بالتسليم لمجاري أحكام الحقِّ، وقيل: هو خُضُوعُ العبدِ لصَوْلَةِ الحقِّ وانقيادُهُ لها، فلا يقابلُهَا بصولته عليها. انظر: فتح الباري 11/ 341؛ التوقيف على مهمات التعاريف ص212؛ مدارج السالكين 2/ 333.
[2] وقد حذر الله تعالى من كل خلق ينافي خلق التواضع فقال: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]؛ وقال على لسان لقمان عليه السلام وهو يوصي ولده: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].
[3] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب برقم 2588؛ والترمذي في البر والصلة برقم 2029.
[4] كما ينبغي على المعلم أن لا يستنكف من التَّعلم والاستفادة ممن هو دونه في العلم أو الخبرة أو المنصب أو السنِّ أو الشهرة، بل ينبغي عليه أن يحرص على الفائدة ممن كانت عنده أيَّاً كان، وقد قال سعيد بن جبير: "لا يزال الرجلُ عالماً ما تعلم، فإذا ترك التَّعلم وظن أنَّه قد استغنى واكتفى بما عندَه فهو أجهل ما يكون"، تذكرة السامع لابن جماعة ص27.
[5] فقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعلم الأول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال له: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهراً من مظاهر التواضع لله ولعباد الله في كل شؤونه وأحواله، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم: أن تأتيَه أَمَةٌ مِن إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فتَأْخُذ بِيَدِه فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ ليقضيَ لها حاجتها.[أخرجه البخاري في الأدب برقم 5724].
د. طه فارس
التواضع من أَجَلِّ أخلاق المؤمنين السلوكيَّة[1]؛ به يَعْرِف الإنسان حقيقةَ نفسِه، فلا تُهْلكه الصفاتُ المنافية للتواضع كالكبر والعُجب والغُرور، ولا يسعى لإثبات ذاته بِسَرَاب لا حقيقة له، بل يرضى بإمكاناته، ويقنع بما آتاه الله تعالى[2].
ولذلك لا بُدَّ للمعلِّم من أن يكون مُتَواضعاً لينَ الجانبِ رحيماً، فلا يُصيبه الكِبرُ، ولا يستبد به العُجب لما أُوتي من العلم؛ بل يعرف حدَّه فيقف عنده، و"ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى"[3].
ومِن تواضُعِ المعلِّم لزملائِه المعلِّمين: أن لا يترفَّع عليهم، ولا يستقلَّ بإمكاناتهم، ولا يستهجِنَّ قولَهم إن حاورَهم أو بادَلَهم الرَّأي، بل عليه أن يحفظ حقَّهُم، ويحترم رأيَهُم، ويبادلَهم النُّصح والتَّشاورَ، مع لينِ جانبٍ، وهضم للذَّاتِ، ورَحَابَةٍ في الصَّدرِ، وإشراقةٍ في الوَجه[4].
وأمَّا تواضع المعلِّم لطلابه: فهو أن يسمع لهم بعنايةٍ واهتمام، ويقدِّرَ آراءَهم وإن خالفت رَأيَه، ولا يستهجنَ قولَهُم وإن جانبَ الصَّواب، ويقبلَ تصويبَهم إن وقع منه خطأٌ، ويبادلَهم التَّحيةَ والسَّلامَ، ويسألَ عن مريضِهم ويعودَه إن تيسَّرَ له ذلك، ويتفقدَ أحوالَهم، ويمدَّ يدَ العون والمساعدة لمحتاجهم، ويقبلّ هديتَهم مهما صَغُرَت ويكافئهم عليها، ويباسطَهُم في بعض الأحيان ولا يأنَفَ من ذلك، ويكون معهم هيناً ليِّناً لا فظَّاً غَلِيْظَاً[5].
[1] التَّوَاضُع لغة: منَ الوَضع، الذي يدلُّ على الخَفْضِ للشيء وحَطِّهِ، وهو ضِدُّ التَّكبر، ويعني: إظهارَ التذللِ والتَّخَاشُعِ والخضوع. والتواضعُ يُعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. انظر: تهذيب اللغة، والصحاح في مادتي: وضع، وخضع؛ والفروق اللغوية للعسكري ص215.
أما اصطلاحاً: فهو إظهار التَّنَـزُّلِ عن المرتبة لمن يُرَاد تعظيمه، وقيل: هو تذلُّلُ القلوب لعلاّم الغُيُوبِ بالتسليم لمجاري أحكام الحقِّ، وقيل: هو خُضُوعُ العبدِ لصَوْلَةِ الحقِّ وانقيادُهُ لها، فلا يقابلُهَا بصولته عليها. انظر: فتح الباري 11/ 341؛ التوقيف على مهمات التعاريف ص212؛ مدارج السالكين 2/ 333.
[2] وقد حذر الله تعالى من كل خلق ينافي خلق التواضع فقال: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]؛ وقال على لسان لقمان عليه السلام وهو يوصي ولده: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].
[3] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب برقم 2588؛ والترمذي في البر والصلة برقم 2029.
[4] كما ينبغي على المعلم أن لا يستنكف من التَّعلم والاستفادة ممن هو دونه في العلم أو الخبرة أو المنصب أو السنِّ أو الشهرة، بل ينبغي عليه أن يحرص على الفائدة ممن كانت عنده أيَّاً كان، وقد قال سعيد بن جبير: "لا يزال الرجلُ عالماً ما تعلم، فإذا ترك التَّعلم وظن أنَّه قد استغنى واكتفى بما عندَه فهو أجهل ما يكون"، تذكرة السامع لابن جماعة ص27.
[5] فقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعلم الأول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال له: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهراً من مظاهر التواضع لله ولعباد الله في كل شؤونه وأحواله، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم: أن تأتيَه أَمَةٌ مِن إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فتَأْخُذ بِيَدِه فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ ليقضيَ لها حاجتها.[أخرجه البخاري في الأدب برقم 5724].