مشاهدة النسخة كاملة : في واحة العدل


ابو وليد البحيرى
01-06-2015, 05:05 AM
في واحة العدل
وحيد حامد الدهشان


يَا وَاهِبَ النُّورِ هَبْ لِي فَيْضَ أَنْوَارِ *** إِنِّي سَتَسْعَى إِلَى الفَارُوقِ أَشْعَارِي


هَذَا الَّذِي أَكْتَوِي شَوْقًا لِطَلْعَتِهِ *** فِي دَارِ عِزٍّ وَنِعْمَ العِزُّ مِنْ دَارِ


فِي وَاحَةِ العَدْلِ رَاحَ الشِّعْرُ يَطْلُبُهُ *** حَتَّى يَزِفَّ لَهُ آيَاتِ إِكْبَارِ


عَرَائِسُ الشِّعْرِ صَاحَتْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ *** فِي الخَالِدِينَ كَشَمْسٍ بَيْنَ أَقْمَارِ


يَا فَارِسَ العَدْلِ عَمَّ الظُّلْمُ عَالَمَنَا *** وَأَصْبَحَ الأَمْرُ فِي أَعْنَاقِ فُجَّارِ


الزَّاعِمِينَ بِأَنَّ العَدْلَ قِبْلَتُهُمْ *** وَالمُثْقَلِينَ بِأَكْوَامٍ مِنَ العَارِ


الزَّاكِمِينَ أُنُوفَ الخَلْقِ مِنْ عَفَنٍ *** وَالمُرْتَدِينَ نِفَاقًا زِيَّ أَطْهَارِ


يَا لُوثَةَ العَصْرِ وَالأَمْوَاجُ طَاغِيَةٌ *** تُعْلِي الغُثَاءَ عَلَى زَيْفٍ وَإِبْهَارِ


لا خَيْرَ فِي الشِّعْرِ لَوْ أَبْيَاتُهُ غَفَلَتْ *** عَنْ ذِكْرِ مَنْ تَوَّجُوا التَّارِيخَ بِالغَارِ


يَا دَعْوَةَ المُصْطَفَى فِي فَجْرِ دَعْوَتِهِ *** وَدَعْوَةُ المُصْطَفَى خَيْرٌ لأَخْيَارِ


يَا مَنْ لإِسْلامِهِ تَاقَتْ أَوَائِلُنَا *** تَوْقَ العَطَاشَى إِلَى غَيْثٍ وَأَمْطَارِ


يَا مَنْ بِإِسْلامِهِ عَزَّتْ أَوَائِلُنَا *** لا زَالَ آخِرُنَا يَشْدُو بِآثَارِ


كَمْ كَانَ يَوْمًا مَهِيبًا عِنْدَمَا خَرَجُوا *** صَفَّيْنِ كَانَا عَلَى الكُفَّارِ كَالنَّارِ


لا بُدَّ لِلحَقِّ مِنْ سَيْفٍ يُؤَازِرُهُ *** كَيْ يَدْفَعَ البَغْيَ فِي عَزْمٍ وَإِصْرَارِ


يَا مَنْ إِذَا ذُكِرَتْ إِحْدَى مَنَاقِبِهِ *** هَانَ الطُّغَاةُ وَصَارُوا دُونَ أَصْفَارِ


يَا حَاكِمًا يَتَّقِي فِي النَّاسِ خَالِقَهُ *** يَا مُخْلِصَ القَصْدِ فِي جَهْرٍ وَإِسْرَارِ


كُلُّ الَّذِينَ غَدَا الشَّيْطَانُ قَائِدَهُمْ *** كَانَ الأَمِيرُ يُوَافِيهِمْ بِبَتَّارِ


لَكِنْ إِذَا عَثَرَتْ فِي الشَّامِ رَاحِلَةٌ *** يَخْشَى الحِسَابَ وَلا يَلْغُو بِأَعْذَارِ


(مَاذَا تَقُولُ غَدًا لِلَّه) تَشْغَلُهُ *** كَيْفَ القُدُومُ عَلَى المَوْلَى بِأَوْزَارِ


تِلْكَ العِبَارَةُ صَارَتْ بَعْدَهُ مَثَلاً *** إِحْدَى نُجُومِ الهُدَى فِي ظُلْمَةِ السَّارِي


لِلَّهِ دَرُّ أَبِي حَفْصٍ وَسِيرَتِهِ *** فِيهَا تَجَلَّتْ خَبَايَا قُدْرَةِ البَارِي


مَنْ كَانَ فِي جَهْلِهِ فَظًّا وَخَافِقُهُ *** أَقْسَى القُلُوبِ الَّتِي كَانَتْ كَأَحْجَارِ


وَكَانَ رِيحًا عَلَى الإِسْلامِ عَاتِيَةً *** سُبْحَانَ مَنْ صَانَهُ مِنْ بَأْسِهِ الضَّارِي


لا تَعْجَبُوا عِنْدَمَا يَبْكِي خَطِيئَتَهُ *** قَلْبُ المُوَحِّدِ ذُو وَعْيٍ وَإِبْصَارِ


يَخْلُو إِلَى النَّفْسِ فِي صِدْقٍ يُحَاسِبُهَا *** يَرْجُو نَجَاةً لَهَا مِنْ بَطْشِ جَبَّارِ


لا تُخْطِئُ العَيْنُ إِنْ أَحْصَتْ مَلامِحَهُ *** خَطَّيْنِ فِي وَجْهِهِ مِنْ دَمْعِهِ الجَارِي


ذَاقَ النَّصَارَى بِمِصْرَ الذُّلَّ فِي زَمَنٍ *** كَانَتْ سَفِينَتُهُمْ رُومِيَّةَ الصَّارِي


حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ كَانُوا كَمَنْ نُقِلُوا *** مِنْ جَوْفِ نَارٍ إِلَى أَفْيَاءِ أَشْجَارِ


لا زَالَ سَمْعُ الدُّنَا يُصْغِي لَنَا طَرَبًا *** إِمَّا شَدَا مُنْصِفٌ يَوْمًا بِتَذْكَارِ


هَذَا أَخُوهُمْ أَتَى يَشْكُو إِلَى عُمَرٍ *** أَنَّ ابْنَ عَمْرٍو أَصَابَ ابْنِي بِأَضْرَارِ


لَمَّا أَبَى جَاهُهُ إِلاَّ إِهَانَتَهُ *** أَنْ كَانَ سَابِقَهُ يَوْمًا بِمِضْمَارِ


فَاسْتَاءَ وَاشْتَدَّ فِي اسْتِدْعَاءِ عَامِلِهِ *** وَكَانَ لا يَنْثَنِي مِيلاً لأَنْصَارِ


حَتَّى إِذَا اقْتَصَّ لِلمَظْلُومِ أَرْسَلَهَا *** فِي سَمْعِ عَمْرٍو وَلِلدُّنْيَا كَإِنْذَارِ


إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَسْتَعْبِدُوا أَحَدًا *** فَالنَّاسُ قَدْ خُلِقُوا فِي ثَوْبِ أَحْرَارِ


وَرَايَةُ المُلْكِ فَوْقَ العَدْلِ قَائِمَةٌ *** وَالظُّلْمُ يَفْعَلُ فِيهَا فِعْلَ نَخَّارِ


يَا أَعْصُرَ العِزِّ فِي التَّارِيخِ صَفْحَتُهَا *** بَيْضَاءُ مَا لُوِّثَتْ يَوْمًا بِأَوْضَارِ


تَزْهُو بِقُرَّائِنَا تَزْهُو بِقَادَتِنَا *** كَيْفَ البُكَاءُ غَدًا لَحْنًا لِقِيثَارِي


أَبْكِي حَزِينًا عَلَى الأَمْجَادِ ضَيَّعَهَا *** نَهْجُ الخِيَانَةِ يُعْلِي قَادَةَ العَارِ


قَدْ مَزَّقُونَا فَصِرْنَا أُمَّةً شِيَعًا *** تَلْقَى المَهَانَةَ مِنْ وَغْدٍ وَغَدَّارِ


سَاءَلْتُ نَفْسِي وَبِي غَيْظٌ تُؤَجِّجُهُ *** هَذِي الدِّمَاءُ الَّتِي تَجْرِي كَأَنْهَارِ


وَالمُسْلِمُونَ غُثَاءٌ رَغْمَ كَثْرَتِهِمْ *** صَارُوا خِرَافًا تُرَجِّي عَطْفَ جَزَّارِ


كَيْفَ الحَيَاةُ بِأَوْصَالٍ مُمَزَّقَةٍ *** هَلْ تَسْتَوِي رِيشَةٌ فِي وَجْهِ إِعْصَارِ


يَا رَبِّ هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *** وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِذِي فَهْمٍ..بِمِغْوَارِ


يَحْدُو جُنُودَ الهُدَى طُرًّا لِغَايَتِهِمْ *** يَسْتَنْقِذُ النَّاسَ مِنْ نَابٍ وَأَظْفَارِ


يَسْتَأْصِلُ الحِقْدَ وَالأَضْغَانَ يَمْلَؤُنَا *** بِالحُبِّ يُبْنَى عَلَى بَذْلٍ وَإِيثَارِ


لا يَسْتَهِينُ بِهِ الأَعْدَاءُ مِنْ وَهَنٍ *** لا يَرْتَضِي أَنْ يُرَى يَوْمًا بِخَوَّارِ


إِنَّا مَلِلْنَا دُعَاةَ اليَأْسِ قَاطِبَةً *** مِنْ كُلِّ غِرٍّ وَمَأْجُورٍ وَمُنْهَارِ


نَسْعَى جِهَادًا نُرَوِّي شَوْقَنَا أَمَلاً *** وَكُلُّ شَيْءٍ لَدَى المَوْلَى بِمِقْدَارِ[1]
____________
[1] هذه القصيدة كتبت في أعقاب إعلان نتيجة مسابقة نادي القصيد حول موضوع "أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - سيرة ومواقف" في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي