ابو وليد البحيرى
01-06-2015, 09:44 PM
لغة الأداء الإعلامي
أ. د. جابر قميحة
وعَودًا على بدء نرى ضرورة التزام العربية الفُصحى لغة للأداء الإعلامي، وأقصد بالأداء الإعلامي: التعبير اللغوي عن كل ما يقدَّم في الصحف والإذاعة والتلفاز، مع مراعاة المستوى الثقافي والفِكري للمُتلقِّي، ويصدق ذلك على ما يقدَّم من برامج خاصة بالأطفال والفلاحين والعمال، ولا يعترض على ذلك بمقولة: إن التزام العربية الفُصحى لن يُمكن الفئات السابقة من الفهم، وبذلك تسقط أهم مهام اللغة العربية، وأهم أهداف وسائل الإعلام، ولكن هذا الاعتراض في غير محله، ويُمكِن نَقضُه بما يأتي:
1- اللغة العربية التي ندعو إلى استخدامها ليست العربية التراثيَّة، إنما هي العربية السهلة المُبسَّطة التي تعبر عن المادة تعبيرًا مُباشِرًا مُنتِجًا.
2- ثبَت واقعيًّا أن الأطفال - بعد السادسة - أقدر من الكبار على حفظ القرآن الكريم، مع فهم كثير من آياته، فتصويرهم بالعَجز عن فهم العربية الفصحى تصوير غير دقيق.
3- وقد عرض التلفاز عددًا كبيرًا من المسلسلات التمثيلية، ومسلسلات الصور المتحركة بالعربية الفصحى، وكان الأطفال متعلِّقين بها إلى حد كبير.
4- ولا يَستطيع أحد أن يُنكِر أن خدمة الموضوع، وبراعة المعالجة، وبراعة العرض، ودقة الأداء، وحسْن استخدام وسائل التقنية الحديثة في التصوير والإخراج، كل أولئك يرفع من قيمة العمل المقدَّم ومن تأثيره، ويفتَح الطريق رحبًا أمام العربية الفُصحى لتناسب إلى نفوس الأبناء، والعكس صحيح؛ فالأعمال والمواد المقدمة، حتى ولو كانت في ذاتها قيمة، ولم تُعالج المعالجة الفنية الجمالية ستجد طريقها إلى عقول الآخرين وقلوبهم مُغلقًا.
5- والطبقات الدنيا - من عامة الناس - بعد التقدم التقني الهائل، وبعد أن تيسَّر لها اقتناء الراديو والتلفاز، وربما الفيديو بعد أن كان دخول مذياع واحد إلى القرية يعدُّ حدثًا كبيرًا في حد ذاته، هذه الطبقات أصبحت تُعايش البرامج الدينية، وتستمع إلى الخطب السياسية، وتعي كثيرًا منها، وتستمع إلى القرآن وتفهم كثيرًا منه، ومن ثم لم يعد من الصعب عليها فهم أية مادة تقدَّم بالعربية الفصحى، بعد أن تمرَّست عشرات من السنين في الاستماع إلى المذياع، ومُشاهدَة معروضات التلفاز[1].
6- كما أن الفُصحى بمفهومها الذي قدَّمناه - تبقى بالنسبة للمُتلقي - أيًّا كان حظُّه من المعرفة أسهل بكثير من العامية أو العاميات في نِطاق الوطن الواحد كمصر مثلاً، وتزداد الصعوبة إذا أدخلنا في حسابنا العاميات الأخرى على مستوى الوطن العربي، وخصوصًا الشمال الإفريقي.
7- وتلحُّ الحاجة إلى الفصحى في هذا الوقت الذي أصبحت الوحدة العربية فيه ضرورة بقاءٍ، لا ضرورة نهوض فحسب، فالربع الأخير من هذا القرن يمثل بالنسبة لأوروبا - بخاصة - سنوات التكتُّلات والتوحُّد في مجال الاقتصاد، وأخيرًا في مجال السياسة.
8- والفُصحى في التليفزيون - كما يقول الدكتور عبدالعزيز شرف - يُمكن أن تلقى نجاحًا من جانب المشاهِد العربي في الاستقبال؛ ذلك أن لغة التليفزيون هي لغة المشاركة في أحداث، ومشكلات، من صنع الواقع أحيانًا، ومن صنعِ الخيال أحيانًا أخرى، ولقد أصبحت فرص المشاركة الاختيارية اليوم أعظم بكثير، بسبب التقدُّم التكنولوجي في قرننا هذا[2].
وإذا كانت الفُصحى التي ندعو إليها هي الفصحى المنضبطة البسيطة البعيدة عن الغريب والمهجور من الألفاظ، فثمَّة سمة أخرى يجب أن تتَّسم بها وهي البُعد عن الابتذال[3]، والابتذال يَعني أن يهبط مستوى هذه اللغة حتى تصير قريبة من العامية، أو على الأقل تتبنَّى بعض ألفاظها وتراكيبها، وإلا فسيأتي اليوم الذي تتحول فيه هذه "الفصحى" إلى عامية كعامية المثقفين في وقتنا الحاضر.
وأخيرًا علينا أن نعتمد - بصفة أساسية - في معروضاتنا الإذاعية والتلفازية على أعمال إبداعية عربية، ذات مستوى رفيع، ومعالجة فنية راقية، ومما يؤسف له حقًّا أن نجد البرامج والأفلام الأجنبية - وخصوصًا الأمريكية - تُعرَض في تلفازات الدول العربية، وتزاحم الإبداعات العربية، وتهز من وجودها إلى حد كبير.
لغة الأداء الإعلامي يجب أن تكون العربية الفصحى في صورتها السهلة الواضحة، هذه هي السمة الأساسية لهذه اللغة، وحتى تحقِّق هذه اللغة أهدافها الإعلامية بنجاح يجب الالتزام - في استخدام هذه اللغة - بما يأتي:
1- إيثار الجمل القصيرة، وتجنُّب الجمل الطويلة المُسهبة، وكذلك الجمل الاعتراضية، والحَشو اللفظي الذي لا طائل وراءه.
2- تجنُّب المشترك اللفظي، وكذلك ألفاظ الأضداد؛ لأن ذلك يوقع السامع والرائي في اللبس، وخصوصًا أن المادة المقدمة من المواد العابرة التي لا يُمكن الرجوع إليها.
3- القصد في استعمال المَجاز إلا لمُقتضيات فنية.
4- الربط في دقة بين الكلمة والصور المعينة، سواء أكانت لوحات صامتة أم مَناظر حية متحرِّكة.
5- تجنُّب العبارات المُستهلكة والألفاظ المبتذَلة.
6- التكرار غير المُملِّ؛ وذلك لترسيب الكلمات والمعاني عند المتلقي؛ لأن مادة الراديو والتلفاز مادة عابرة غير مسجَّلة.
7- تمثُّل المذيع للمعنى، وإعطاء الكلمات حقها الصوتي تبعًا لدلالتها المعنوية، مع الحرص على الوقفات المطلوبة منعًا لللبْس وإفسادِ المعنى، أو إنتاجِ العبارة غير المطلوب منها[4].
8- إيثار الفعل المبني للمعلوم على الفعل المبني للمجهول إلا ما كان مبينا للمجهول بطبيعته، وهي أفعال مذكورة في اللغة على سبيل الحصر مثل: عُني (بالأمر) احتُضر - تُوفي - استُشهد - زُهي... إلخ[5].
وقد دلَّت الأبحاث على أن استيعاب المستمع للجمل البسيطة أسهل بكثير من استيعابه للجمل المعقدة، ويُعزى هذا إلى أن التغيير في الإستراتيجية مرات عديدة - أثناء الاستماع لجُملة طويلة معقدة لكي يتفق ما يسمعه مع ما يتوقعه - يستغرق وقتًا أطول مما يحتاجه عندما لا يضطر لتغيير تلك الإستراتيجية، أي: في حالة الجملة البسيطة.
كما تبيَّن للدارسين أن المستمع يفهم الجمل ذات التركيب الأساسي العادي بأسرع مما يَفهم تلك التي تختلف عن ذلك التركيب، فالجملة المؤلفة من فعل وفاعل (وربما مفعول به) أسهل على الفهم بهذا الشكل مما لو كانت مؤلفة من فعل مبني للمجهول يعقبه نائب عن الفاعل؛ فجملة مثل: "اشترى الرجل سيارة" أسهل فهمًا من جملة: "اشتريت السيارة (من قِبَل الرجل)"، كما أن الجمل الأساسية التي لا تتضمَّن جُملاً فرعية كجملة الصفة أو الحال، أو الجملة الموصولة أسهل على الفهم من الجملة المؤلفة من جملتين؛ إحداهما أساسية، والأخرى فرعية، فجُملة: "الرجل مريض" أسهل كثيرًا على الفهم من جملة: "الرجل الذي حدَّثتُك عنه بالأمس مريض"، وكلما زاد عدد الجمل الفرعية زادت صعوبة فهم الكلام"[6].
[1] بدأ اقتناء التلفاز في القرى المصرية من أربعين عامًا تقريبًا، وكانت المقاهي أسبق إلى اقتنائه من الأفراد والأسر؛ وذلك لهدف تجاري؛ إذ زادت مبيعات المقاهي من المشروبات والمدخنات، واستبدت الدهشة بكثير من المشاهدين وهم يرون المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات في هذا الجهاز الغريب، وسألني أحد العامة من كبار السن - وهو مذهول - أن أشرح له كيف دخل هؤلاء الناس هذا الصندوق، وبالتدريج زاد الوعي، وزال الاندهاش بدخول هذا الجهاز - بأنواعه المختلفة - أغلب المنازل والمحلات والمتاجر والمصانع، ونجح في هزِّ كثير من القيم والعادات الطيبة، وترسيخ قيم وأخلاق ومعارف أخرى لا يتسع المقام للخوض فيها.
[2] شرف: المدخل إلى وسائل الإعلام (ص: 479).
[3] انظر: ريمون ودنيز طحان: اللغة العربية وتحديات العصر (ص: 131 - 132).
[4] مثال ذلك ما جاء على لسان مذيعة "التلفاز المصري" في نشرة أخبار الثانية عشرة ظهر الأربعاء 7 من ذي الحجة 1414هـ : "وقد انضمت إلى القوات الشمالية قبيلتا بكيل وحاشد بذلك/ صرح مصدر رسمي من اليمن الجنوبي أمس" فوقفَتْ بعد كلمة بذلك، فمحَتْ بهذه الوقفة الرابط بين الجملتين، كما أساءت إلى مدلولهما، والوقفة الصحيحة تكون بعد كلمة حاشد؛ على النحو التالي: "وقد انضمت إلى القوات الشمالية قبيلتا بكيل وحاشد/ بذلك صرح مصدر رسمي من اليمن الجنوبي أمس".
[5] انظر في تفصيل هذه السمات: عبدالعزيز شرف: اللغة الإعلامية (ص: 245 - 252)، ويذهب شرف إلى أنه يستحسن استخدام صيغة الفعل المضارع في لغة الإذاعة المسموعة والمرئية؛ السابق (ص: 249)، ونحن نرى أن هذا الاستحسان في غير موضعه؛ فكيف يستحسن استخدام المضارع فيما حقه الماضي أو المستقبل، فالأصح أن يقال: "ويجب الحرص على استخدام الفعل المناسب لزمنه وواقعة".
[6] د. نايف خرما: أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة (ص: 203).
أ. د. جابر قميحة
وعَودًا على بدء نرى ضرورة التزام العربية الفُصحى لغة للأداء الإعلامي، وأقصد بالأداء الإعلامي: التعبير اللغوي عن كل ما يقدَّم في الصحف والإذاعة والتلفاز، مع مراعاة المستوى الثقافي والفِكري للمُتلقِّي، ويصدق ذلك على ما يقدَّم من برامج خاصة بالأطفال والفلاحين والعمال، ولا يعترض على ذلك بمقولة: إن التزام العربية الفُصحى لن يُمكن الفئات السابقة من الفهم، وبذلك تسقط أهم مهام اللغة العربية، وأهم أهداف وسائل الإعلام، ولكن هذا الاعتراض في غير محله، ويُمكِن نَقضُه بما يأتي:
1- اللغة العربية التي ندعو إلى استخدامها ليست العربية التراثيَّة، إنما هي العربية السهلة المُبسَّطة التي تعبر عن المادة تعبيرًا مُباشِرًا مُنتِجًا.
2- ثبَت واقعيًّا أن الأطفال - بعد السادسة - أقدر من الكبار على حفظ القرآن الكريم، مع فهم كثير من آياته، فتصويرهم بالعَجز عن فهم العربية الفصحى تصوير غير دقيق.
3- وقد عرض التلفاز عددًا كبيرًا من المسلسلات التمثيلية، ومسلسلات الصور المتحركة بالعربية الفصحى، وكان الأطفال متعلِّقين بها إلى حد كبير.
4- ولا يَستطيع أحد أن يُنكِر أن خدمة الموضوع، وبراعة المعالجة، وبراعة العرض، ودقة الأداء، وحسْن استخدام وسائل التقنية الحديثة في التصوير والإخراج، كل أولئك يرفع من قيمة العمل المقدَّم ومن تأثيره، ويفتَح الطريق رحبًا أمام العربية الفُصحى لتناسب إلى نفوس الأبناء، والعكس صحيح؛ فالأعمال والمواد المقدمة، حتى ولو كانت في ذاتها قيمة، ولم تُعالج المعالجة الفنية الجمالية ستجد طريقها إلى عقول الآخرين وقلوبهم مُغلقًا.
5- والطبقات الدنيا - من عامة الناس - بعد التقدم التقني الهائل، وبعد أن تيسَّر لها اقتناء الراديو والتلفاز، وربما الفيديو بعد أن كان دخول مذياع واحد إلى القرية يعدُّ حدثًا كبيرًا في حد ذاته، هذه الطبقات أصبحت تُعايش البرامج الدينية، وتستمع إلى الخطب السياسية، وتعي كثيرًا منها، وتستمع إلى القرآن وتفهم كثيرًا منه، ومن ثم لم يعد من الصعب عليها فهم أية مادة تقدَّم بالعربية الفصحى، بعد أن تمرَّست عشرات من السنين في الاستماع إلى المذياع، ومُشاهدَة معروضات التلفاز[1].
6- كما أن الفُصحى بمفهومها الذي قدَّمناه - تبقى بالنسبة للمُتلقي - أيًّا كان حظُّه من المعرفة أسهل بكثير من العامية أو العاميات في نِطاق الوطن الواحد كمصر مثلاً، وتزداد الصعوبة إذا أدخلنا في حسابنا العاميات الأخرى على مستوى الوطن العربي، وخصوصًا الشمال الإفريقي.
7- وتلحُّ الحاجة إلى الفصحى في هذا الوقت الذي أصبحت الوحدة العربية فيه ضرورة بقاءٍ، لا ضرورة نهوض فحسب، فالربع الأخير من هذا القرن يمثل بالنسبة لأوروبا - بخاصة - سنوات التكتُّلات والتوحُّد في مجال الاقتصاد، وأخيرًا في مجال السياسة.
8- والفُصحى في التليفزيون - كما يقول الدكتور عبدالعزيز شرف - يُمكن أن تلقى نجاحًا من جانب المشاهِد العربي في الاستقبال؛ ذلك أن لغة التليفزيون هي لغة المشاركة في أحداث، ومشكلات، من صنع الواقع أحيانًا، ومن صنعِ الخيال أحيانًا أخرى، ولقد أصبحت فرص المشاركة الاختيارية اليوم أعظم بكثير، بسبب التقدُّم التكنولوجي في قرننا هذا[2].
وإذا كانت الفُصحى التي ندعو إليها هي الفصحى المنضبطة البسيطة البعيدة عن الغريب والمهجور من الألفاظ، فثمَّة سمة أخرى يجب أن تتَّسم بها وهي البُعد عن الابتذال[3]، والابتذال يَعني أن يهبط مستوى هذه اللغة حتى تصير قريبة من العامية، أو على الأقل تتبنَّى بعض ألفاظها وتراكيبها، وإلا فسيأتي اليوم الذي تتحول فيه هذه "الفصحى" إلى عامية كعامية المثقفين في وقتنا الحاضر.
وأخيرًا علينا أن نعتمد - بصفة أساسية - في معروضاتنا الإذاعية والتلفازية على أعمال إبداعية عربية، ذات مستوى رفيع، ومعالجة فنية راقية، ومما يؤسف له حقًّا أن نجد البرامج والأفلام الأجنبية - وخصوصًا الأمريكية - تُعرَض في تلفازات الدول العربية، وتزاحم الإبداعات العربية، وتهز من وجودها إلى حد كبير.
لغة الأداء الإعلامي يجب أن تكون العربية الفصحى في صورتها السهلة الواضحة، هذه هي السمة الأساسية لهذه اللغة، وحتى تحقِّق هذه اللغة أهدافها الإعلامية بنجاح يجب الالتزام - في استخدام هذه اللغة - بما يأتي:
1- إيثار الجمل القصيرة، وتجنُّب الجمل الطويلة المُسهبة، وكذلك الجمل الاعتراضية، والحَشو اللفظي الذي لا طائل وراءه.
2- تجنُّب المشترك اللفظي، وكذلك ألفاظ الأضداد؛ لأن ذلك يوقع السامع والرائي في اللبس، وخصوصًا أن المادة المقدمة من المواد العابرة التي لا يُمكن الرجوع إليها.
3- القصد في استعمال المَجاز إلا لمُقتضيات فنية.
4- الربط في دقة بين الكلمة والصور المعينة، سواء أكانت لوحات صامتة أم مَناظر حية متحرِّكة.
5- تجنُّب العبارات المُستهلكة والألفاظ المبتذَلة.
6- التكرار غير المُملِّ؛ وذلك لترسيب الكلمات والمعاني عند المتلقي؛ لأن مادة الراديو والتلفاز مادة عابرة غير مسجَّلة.
7- تمثُّل المذيع للمعنى، وإعطاء الكلمات حقها الصوتي تبعًا لدلالتها المعنوية، مع الحرص على الوقفات المطلوبة منعًا لللبْس وإفسادِ المعنى، أو إنتاجِ العبارة غير المطلوب منها[4].
8- إيثار الفعل المبني للمعلوم على الفعل المبني للمجهول إلا ما كان مبينا للمجهول بطبيعته، وهي أفعال مذكورة في اللغة على سبيل الحصر مثل: عُني (بالأمر) احتُضر - تُوفي - استُشهد - زُهي... إلخ[5].
وقد دلَّت الأبحاث على أن استيعاب المستمع للجمل البسيطة أسهل بكثير من استيعابه للجمل المعقدة، ويُعزى هذا إلى أن التغيير في الإستراتيجية مرات عديدة - أثناء الاستماع لجُملة طويلة معقدة لكي يتفق ما يسمعه مع ما يتوقعه - يستغرق وقتًا أطول مما يحتاجه عندما لا يضطر لتغيير تلك الإستراتيجية، أي: في حالة الجملة البسيطة.
كما تبيَّن للدارسين أن المستمع يفهم الجمل ذات التركيب الأساسي العادي بأسرع مما يَفهم تلك التي تختلف عن ذلك التركيب، فالجملة المؤلفة من فعل وفاعل (وربما مفعول به) أسهل على الفهم بهذا الشكل مما لو كانت مؤلفة من فعل مبني للمجهول يعقبه نائب عن الفاعل؛ فجملة مثل: "اشترى الرجل سيارة" أسهل فهمًا من جملة: "اشتريت السيارة (من قِبَل الرجل)"، كما أن الجمل الأساسية التي لا تتضمَّن جُملاً فرعية كجملة الصفة أو الحال، أو الجملة الموصولة أسهل على الفهم من الجملة المؤلفة من جملتين؛ إحداهما أساسية، والأخرى فرعية، فجُملة: "الرجل مريض" أسهل كثيرًا على الفهم من جملة: "الرجل الذي حدَّثتُك عنه بالأمس مريض"، وكلما زاد عدد الجمل الفرعية زادت صعوبة فهم الكلام"[6].
[1] بدأ اقتناء التلفاز في القرى المصرية من أربعين عامًا تقريبًا، وكانت المقاهي أسبق إلى اقتنائه من الأفراد والأسر؛ وذلك لهدف تجاري؛ إذ زادت مبيعات المقاهي من المشروبات والمدخنات، واستبدت الدهشة بكثير من المشاهدين وهم يرون المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات في هذا الجهاز الغريب، وسألني أحد العامة من كبار السن - وهو مذهول - أن أشرح له كيف دخل هؤلاء الناس هذا الصندوق، وبالتدريج زاد الوعي، وزال الاندهاش بدخول هذا الجهاز - بأنواعه المختلفة - أغلب المنازل والمحلات والمتاجر والمصانع، ونجح في هزِّ كثير من القيم والعادات الطيبة، وترسيخ قيم وأخلاق ومعارف أخرى لا يتسع المقام للخوض فيها.
[2] شرف: المدخل إلى وسائل الإعلام (ص: 479).
[3] انظر: ريمون ودنيز طحان: اللغة العربية وتحديات العصر (ص: 131 - 132).
[4] مثال ذلك ما جاء على لسان مذيعة "التلفاز المصري" في نشرة أخبار الثانية عشرة ظهر الأربعاء 7 من ذي الحجة 1414هـ : "وقد انضمت إلى القوات الشمالية قبيلتا بكيل وحاشد بذلك/ صرح مصدر رسمي من اليمن الجنوبي أمس" فوقفَتْ بعد كلمة بذلك، فمحَتْ بهذه الوقفة الرابط بين الجملتين، كما أساءت إلى مدلولهما، والوقفة الصحيحة تكون بعد كلمة حاشد؛ على النحو التالي: "وقد انضمت إلى القوات الشمالية قبيلتا بكيل وحاشد/ بذلك صرح مصدر رسمي من اليمن الجنوبي أمس".
[5] انظر في تفصيل هذه السمات: عبدالعزيز شرف: اللغة الإعلامية (ص: 245 - 252)، ويذهب شرف إلى أنه يستحسن استخدام صيغة الفعل المضارع في لغة الإذاعة المسموعة والمرئية؛ السابق (ص: 249)، ونحن نرى أن هذا الاستحسان في غير موضعه؛ فكيف يستحسن استخدام المضارع فيما حقه الماضي أو المستقبل، فالأصح أن يقال: "ويجب الحرص على استخدام الفعل المناسب لزمنه وواقعة".
[6] د. نايف خرما: أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة (ص: 203).