مشاهدة النسخة كاملة : إجارة الشيطان لأهل قريش يوم بدر


ابو وليد البحيرى
05-06-2015, 06:55 PM
إجارة الشيطان لأهل قريش يوم بدر



د. أمين بن عبدالله الشقاوي





قال ابن إسحاق: "ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير ذكروا ما كان بينهم وبين بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا، وكانت الحرب التي كانت بين قريش، وبين بني بكر في ابن الحفص بن الأخيف من بني عامر بن لؤي، ***ه رجل من بني بكر بإشارة عامر بن ثريد بن عامر بن اللوح، ثم أخذ بثأره أخوه مكرز بن حفص، ف*** عامراً، وخاض بسيفه في بطنه، ثم جاء من الليل فعلقه بأستار الكعبة، فخافوهم بسبب ذلك الذي وقع بينهم"[1].
وقال أيضاً: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: "لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكر، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعاً"[2].
قال ابن كثير: "وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 47-48]، غرهم لعنه الله حتى ساروا، وسار معهم منزلة منزلة، ومعه جنوده وراياته، كما قاله غير واحد منهم، فأسلمهم لمصارعهم، فلما رأى الجد والملائكة تتنزل للنصر، وعاين جبريل نكص على عقبيه، وقال: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله.. وهذا كقوله تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحشر: 16].
وقد قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [الإسراء: 81].
فإبليس لعنه الله لما عاين الملائكة يومئذ تنزل للنصر فر ذاهباً، فكان أول من هرب يومئذ، بعد أن كان هو المشجع لهم، المجير لهم، كما غرهم ووعدهم ومنّاهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"[3].
قريش تعد العدة، وتتأهب لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
قال ابن إسحاق: "فتجهز الناس سراعاً، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا والله، ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين، إما خارج، وإما باعث مكانه رجلاً، وأوعبت قريش، فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لأط[4] له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها، فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه، فخرج عنه، وتخلف أبو لهب"[5].
قال ابن إسحاق: "فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخاً جليلاً جسيماً ثقيلاً، فأتاه عقبة ابن أبي معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة[6] يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت به!! قال ثم تجهز فخرج مع الناس"[7].
قال ابن القيم - رحمه الله- وبلغ الصريخ أهل مكة فنهضوا مسرعين، وأوعبوا في الخروج، فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، فإنه عوض عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش، إلا بني عدي فإنه لم يخرج معهم منهم أحد، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى: ﴿ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 47].
وأقبلوا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحدهم وحديدهم تحاده وتحاد رسوله، وجاؤوا على حرد قادرين، وعلى حمية، وغضب، وحنق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، لما يريدون من أخذ عيرهم، و*** من فيها، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي، والعير التي كانت معه، فجمعهم الله على غير ميعاد كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾ [الأنفال: 42] [8].
وقال الأخنس بن شريق، وكان اسمه أبياً، وكان حليفاً لبني زهرة: يا بني زهرة، قد نجى الله عيركم، وخلص أموالكم، ونجى صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما خرجتم لتمنعوه وماله، وإنما محمد رجل منكم، ابن أختكم، فإن يك نبياً فأنتم أسعد به، وإن يك كاذباً يلي ***ه غيركم، خير من أن تلوا *** ابن أختكم، فارجعوا واجعلوا جبنها بي، فلا حاجة لكم أن تخرجوا في غير منفعة، لا ما يقول هذا الرجل، فإنه مهلك قومه، سريع في فسادهم، فأطاعوه، وكان فيهم مطاعاً، وكانوا يتيمنون به، قالوا: كيف نصنع بالرجوع إن نرجع؟
قال الأخنس: نخرج مع القوم، فإذا أمسي ت سقطت عن بعيري، فتقولون: نهش[9] الأخنس، فإذا قالوا: امضوا، فقولوا: لا نفارق صاحبنا حتى نعلم أهو حي أم ميت فندفنه، فإذا مضوا رجعنا. ففعلت بنو زهرة، فلما أصبحوا بالأبواء[10]. راجعين تبين للناس أن بني زهرة رجعوا، فلم يشهدها أحد من بني زهرة. قالوا: وكانوا مائة أو أقل من المائة، وهو أثبت، وقد قال قائل: كانوا ثلاثمائة. وقال عدي بن أبي الزغباء في منحدره إلى المدينة من بدر، وانتشرت الركاب عليه، فجعل عدي يقول:
أقم لها صُدورها يا بسبسُ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن مطايا[11] القوم لا تحبس http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وحملها على الطَّريق أكيس http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قد نصر الله وفرَّ الأخنس http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وخرجت بنو عدي مع النفير حتى كانوا بثنية لَفْت[12]، فلما كانوا في السحر عدلوا في الساحل منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان، فقال: يا بني عدي، كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير؟ قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع، فرجع من رجع، ومضى من مضى! فلم يشهدها أحد من بني عدي . ويقال إنه لاقاهم بمر الظهران، فقال تلك المقالة لهم. قال محمد بن عمر الواقدي: رجعت زُهرة من الجحفة، وأما بنو عدي فرجعوا من الطريق، ويقال من مر الظهران[13] [14].


[1] السيرة النبوية (2/201-203).
[2] السيرة النبوية (2/203)، وسنده صحيح لكنه مرسل، وقد جاء مرفوعاً عند ابن جرير في تفسيره (6/265) من حديث ابن عباس بسند ضعيف فيه الحجاج بن أرطاة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، كما تقدم، وأخرجه البيهقي في الدلائل (3/78-79) وفيه علي بن أبي طلحة، وهو لم يسمع من ابن عباس.
[3] البداية والنهاية (5/62/63).
[4] لأطه: لاطأ: أمره بأمر فألح عليه، واقتضاه فألح عليه، المعجم الوسيط (2/810-846) ويقال: لأط حبه بقلبي إذا لصق به.
[5] سيرة ابن هشام (2/200).
[6] مجمر: أي عود يتبخر به.
[7] سيرة ابن هشام (2/201)، وأخرجه الطبري في تاريخه (2/24-25)، وفي سنده محمد بن حميد بن حيان الرازي شيخ الطبري، قال الحافظ في التقريب: حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ص475 برقم (5834)، ويشهد له حديث عبد الله بن مسعود في صحيح البخاري، وقد سبق ذكره ص58-59.
[8] زاد المعاد (3/172-173).
[9] نهش: أي نهس أو لسع، القاموس المحيط، ص608.
[10] الأبواء: قال المجد: هي قرية من عمل الفرع، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، فتكون على خمسة أيام من المدينة، وقيل الأبواء جبل عن يمين آرة، ويمين الطريق المصعد إلى مكة، وهناك بلد ينسب إلى ذلج الجبل، وهو بمعنى قول الحافظ ابن حجر: "الأبواء جبل من عمل الفُرع، سمي به لوبائه على القلب"، وقيل: لأن السيول تتبوؤه أي تحله، قال السمهودي: ويجمع بأنه اسم للجبل والوادي، وقريته، وفاء الوفا (4/1119).
[11] المطايا: المطي جمع مطية، وهي الناقة التي يركب مطاها، أي ظهرها، النهاية في غريب الحديث (4/340).
[12] قال البكري: لفت بفتح أوله وكسره وسكون الفاء، موضع بين مكة والمدينة. معجم ما استعجم ص494.
[13] مران بالفتح وتشديد الراء، آخره نون، وحكي ضم أوله، موضع على ثمانية عشر ميلاً من المدينة، كذا قال عياض، وقال المجدد: مران في كتاب مكة يعني "الظهران"، قال السمهودي: "وهي بالجهة المعروفة اليوم بكشب". وفاء الوفاء (4/1303).
[14] انظر: المغازي (1/44-45).

عبدالرازق العربى
05-06-2015, 09:12 PM
جزاكم الله خيرا