مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة القارئ علي بن حمزة الكسائي (نحو 120 - 189هـ)


ابو وليد البحيرى
06-06-2015, 11:06 PM
ترجمة القارئ علي بن حمزة الكسائي[1]








(نحو 120 - 189هـ)





د. طه فارس



( مخطط توضيحي لسند قراءة علي الكسائي وراوييه)

أولاً: اسمه ونسبته وكنيته ومولده:
علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز، الأسديُّ بالولاء، الكوفيُّ، أبو الحسن الكسائيُّ، أصله من أولاد الفرس من سواد العراق[2]، ولد في الكوفة نحو (120هـ)، وقيل: في سبب تسميته الكسائي: أنه كان يحضر مجلس حمزة بالليل ملتفًا في كساء، وقيل: أحرم في كساء، فلقب الكسائي[3].
وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي في منظومته:
وأمَّا عليٌّ فالكسائيُّ نعتُه = لـِمَا كان في الإِحرام فيه تَسَرْبَلا[4]
ثانياً: مكانته وعلمه:
أحد القُرَّاء السبعة، وإمام من أئمة اللغة والنَّحو والقراءة في بغداد، انتهت إليه الإمامة في القراءة والعربية في عصره بعد حمزة الزيات، وكان يأخذ النَّاسُ عنه ألفاظه بقراءته عليهم، وقد اختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءةً متوسطة، غير خارجة عن آثار من تقدَّم من الأئمة.
قال عنه ابن الأنباريّ[5]: كان أعلمَ النَّاس بالنَّحو والعربية والقِرَاءات، وكانوا يكثرون عليه في القِرَاءات، فجمعهم وجلس على كرسيٍّ وتلى القرآن من أوله إلى آخره، وهم يستمعون ويضبطون عنه، حتى الوقف والابتداء[6].
وأثنى عليه الشافعي في النَّحو فقال: من أراد أن يتبحَّر في النَّحو فهو عِيَال على الكسائي[7]، وقد تعلَّم النَّحو على كبر سِنِّهِ.
قال أبو عبيد في كتاب القراءا[8]: كان الكسائيُّ يتخيَّر القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضًا، وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمُهُ وصناعتُه، ولم نجالس أحدًا كان أضبط ولا أقوم بها منه[9].
وقال يحيى بن معين: ما رأيتُ بعيني هاتين أصدقَ لهجةً من الكسائي[10].
وقيل لأبي عمر الدُّوريِّ: كيف صحبتُم الكسائي على الدُّعَابة[11] التي فيه؟ قال: لصدق لسانه[12]، وقيل للكسائيِّ: لم لا تهمز الذِّيب؟ قال: أخاف أن يأكلني[13].
قال الذهبيُّ: وكان في الكسائي تيه[14] وحِشْمَة[15] لما نال من الرِّياسة، بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد وتأديبه، وتأديبه أيضًا للرشيد، فنال ما لم ينله أحد من الجاه والمال والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدُّنيا[16].
وكان من شأنه أن يتنقل في البلاد، فلم يُقِم بالكوفة بل خرج إلى البوادي، فغاب مُدَّة طويلة، وكتب الكثير من اللغات والغريب عن الأعراب بنجد وتِهَامة، ثم قَدِمَ وقد أنفدَ خمسَ عشرةَ قنينةَ حِبْر، غيرَ ما حفظه[17].
واستوطن بعد ذلك بغداد وعلَّم الرشيد، ثم علَّم ولده الأمين، وكانت له وجاهة تميُّزه عندهم.
قال الجاحظ[18]: كان أثيرًا عند الخليفة، حتى أخرجه من طبقة المؤدِّبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين[19].
قال عنه الرشيد وكان مُعجباً به: ما رأيت أفضل منه ولا أورع ولا أبصر بالقرآن والعربية[20].
وقد صنَّف عدداً من الكتب، منها: (معاني القرآن)، و (المُتشابه في القُرآن)، و (مقطوع القرآن)، و (ما يلحَنُ فيه العَوام)، و (مختصر في النَّحو)، و (كتاب النَّوادِر الكبير والأوسط والصغير)، و (المصادر)، و (كتاب الحروف)، و (القراءات)، و (العدد)، و (الهاءات)، و (الهجاء)[21].
ثالثاً: شيوخه في القراءة:
قرأ الكسائيُّ على: الأعمش سليمان بن مهران، وعاصم بن أبي النجود، وحمزة بن حبيب الزيَّات، رُوي أنه قرأ عليه القرآن أربع مرات، وقرأ على أبي بكر بن عيَّاش، ومحمد بن سهل، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعيسى بن عمر الهمداني، ويعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن نافع بن أبي النَّجود.
رابعاً: رواة القراءة عنه:
قرأ عليه عدد كبير[22]، منهم: الليث بن خالد أبو الحارث، وأبو عُمَر حفص الدوريُّ، وأبو عُبيد القاسم بن سلَّام، وإبراهيم بن زاذان، وأحمد بن أبى سريج النَّهشلي، ونصير بن يوسف الرازي، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، ويحيى الفرَّاء، وخلف بن هشام، وأحمد بن جبير الأنطاكي، وعيسى بن سليمان الشيزري، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وغيرهم.
خامساً: منزلته في الرواية والحديث:
حدَّث الكسائي عن: سليمان بن أرقم، وجعفر بن محمد الصادق، والأعمش سليمان بن مهران، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وسفيان بن عيينة، وآخرين.
وحدَّث عنه: يحيى الفَرَّاء، وخلف بن هشام البَزَّار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن سعدان، وآخرون.
وقد ذكره ابن حِبَّان في الثِّقَات[23].
سادساً: وفاته:
توفي برنبويه، قرية من قرى الرَّيِّ، وهو في صحبة الرشيد، وكان ذلك في سَنَة (189هـ)، وقيل غير ذلك، وقد تُوفِّيَ في اليوم نفسِه محمدُ بن الحسن الشيبانيُّ صاحبُ أبي حنيفة[24]، فقال الرشيد: دَفَنَّا الفقه والنَّحو بالرَّي[25].



كلمة (تقدَّم) تُفيد بأن السند سبق ذكره، فينظر في موضعه.
[1] السبعة في القراءات ص 78؛ الجرح والتعديل للرازي 6/182؛ الثقات لابن حبان 8/457؛ وفيات الأعيان 3/295؛ معرفة القراء الكبار1/120ـ 128؛ سير أعلام النبلاء 9/131ـ134؛ تاريخ الإسلام 12/299 ـ 304؛ غاية النهاية 1/535؛ تهذيب التهذيب 7/275؛ الأعلام 4/283.
[2] وإنما قيل له السواد: لأن العرب لما رأت خضرة الأشجار، قالت: ما هذا السواد فبقي الاسم عليه. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 482.
[3] تهذيب التهذيب 7/275.
[4] حرز الأماني، البيت رقم: 39.
[5] محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري (271- 328 هـ ): مقرئ نحوي، من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظًا للشعر والأخبار، ولد في الانبار (على الفرات) وتوفي ببغداد، ألف دواوين كباراً مع الصدق والدين وسعة الحفظ، من كتبه: الزاهر في اللغة، وعجائب علوم القرآن، وإيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزوجل. معرفة القراء الكبار 1/280؛ سير أعلام النبلاء 15/274؛ الأعلام للزركلي 6/ 334.
[6] معرفة القراء الكبار 1/123؛ تهذيب التهذيب 7/275.
[7] تاريخ الإسلام 12/301.
[8] القاسم بن سلام بن عبد الله، الهروي بالولاء، الخراساني البَغدادي، أبو عبيد (157- 224 هـ ): من كبار العلماء بالقراءة والحديث والأدب والفقه، من أهل هراة، ولد وتعلم بها، كان أبوه سلَّام مملوكاً رومياً لرجل هروي، ورحل إلى بغداد فولي القضاء بطرسوس، وحج فتوفي بمكة، صنف التصانيف المؤنقة التي سارت بها الركبان، من كتبه: الغريب المصنف في غريب الحديث، وأدب القاضي، وفضائل القرآن، والأموال. معرفة القراء 1/170؛ سير أعلام النبلاء 10/490؛ الأعلام للزركلي 5/176.
[9] معرفة القراء الكبار 1/122.
[10] جمال القراء 2/476؛ معرفة القراء 1/122.
[11] الدُّعَابَةُ: المِزَاح، والمُدَاعَبةُ الممازحة. ينظر: مختار الصحاح ص: 218.
[12] معرفة القراء 1/123.
[13] المصدر السابق 1/123.
[14] تاهَ يتيه تِيهاً: تكبر، وهو أتيه الناس. ينظر: مختار الصحاح ص: 83.
[15] الحِشْمَة: تأتي بمعنى الاستحياء والغضب، وقال الأصمعي: الحشمة إنما هي بمعنى الغضب لا بمعنى الاستحياء. الصحاح للجوهري 7/ 202.
[16] معرفة القراء 1/123.
[17] معرفة القراء 1/121؛ تاريخ الإسلام 12/300.
[18] عمرو بن بحر بن محبوب، الكناني بالولاء، الليثي البصري، أبو عثمان (163- 255 هـ): إمام علَّامة، من أكابر أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظيّة من المعتزلة، مات والكتاب على صدره، ***ته مجلدات من الكتب وقعت عليه، له تصانيف كثيرة، منها: الحيوان، والبيان والتبيين، والمحاسن والأضداد. سير أعلام النبلاء 11/526؛ الأعلام للزركلي 5/74.
[19] الأعلام للزركلي 4/120.
[20] جمال القراء 2/477.
[21] انظر: سير أعلام النبلاء 9/134؛ الأعلام 4/283.
[22] قال الإمام السخاوي في جمال القراء 2/478: وقد أُحصي جميع من أخذ عنه فكان ذلك ثمانية وأربعون، كلهم أئمة قدوة.
[23] الثقات لابن حبان 8/457.
[24] محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني الكوفي، أبو عبد الله (132- 189هـ): إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، ولَّاه الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الرَّي، قال الشافعي: (ما ناظرت سميناً أذكى منه، ولو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن، لقلت، لفصاحته)، له كتب كثيرة منها: (المبسوط) في فروع الفقه، و(الزيادات)، و(الجامع الكبير)، و(الجامع الصغير)، و(الآثار)، و(السير)، و(الموطأ)، و(المخارج في الحيل) فقه. سير أعلام النبلاء 9/134؛ الأعلام للزركلي 6/80.
[25] معرفة القراء 1/128.

على العربى
09-08-2016, 10:23 PM
جزاك الله خيراً وبارك فيك