ابو وليد البحيرى
16-06-2015, 03:27 PM
صور من الابتلاء في حياة خاتم الأنبياء
محمد صلى الله عليه وسلم
أحمد بن محمد محروس
يتمه صلى الله عليه وسلم:
وُلِد صلى الله عليه وسلم يتيمًا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلَت من شهر ربيع الأول من عام الفيل، ثم اكتمَل يُتمه بموت أُمه وهو في السادسة من عمره:
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبدالمطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه، يُنبته الله نباتًا حسنًا لما يريد به من كرامته، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين، تُوفِّيت أمه آمنة بنت وهب؛ قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفِّيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تُزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة.
فكفَله جدُّه عبدالمطلب، وأحسن إليه، ثَم لم يلبث عبدالمطلب أن مات والنبي صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، ليزداد حزنًا على حزنه، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه.
قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن العباس عن بعض أهله أن عبدالمطلب توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبدالمطلب مع عمه أبي طالب، وكان عبدالمطلب - فيما يزعمون - يوصي به عمه أبا طالب؛ وذلك لأن عبدالله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأُم.
معاداة قريش له بعد الجهر بالدعوة:
1- في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "لَما نزلت: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا، فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو لهب: تبًّا لك ما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام، فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1].
2- روى الترمذي وصحَّحه الألباني عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل، فقال: ألم أنْهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فزبره، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ﴾ [العلق: 17، 18]؛ قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه، لأخذته زبانية الله.
3- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم ينظرون، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيُّكم يقوم إلى جَزور آل فلان، فيعمِد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد، وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاها، فجاء به، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا وضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة رضي الله عنها وهي جويرية، فأقبلت تسعى حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبُّهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاثًا، ثم سمى: ((اللهم عليك بعمرو بن هشام، وبعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد ))، قال عبدالله: والله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر يسحبون إلى قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأتبع أصحاب القليب لعنةً))؛ رواه البخاري في الصحيح عن أحمد بن إسحاق عن عبيدالله بن موسى.
4- عن عروة بن الزبير قال سألت عبدالله بن عمرو بن العاص، قال قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبيه، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر: 28]؛ أخرجه البخاري.
5- في صحيح ابن حبان، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح بشواهده عن ابن عباس: لَمَّا أنزل الله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال أبو بكر: يا نبي الله، أنها ستؤذيك، فقال: إنه سيحال بيني وبينها، قال: فلم تره، فقالت لأبي بكر: هجانا صاحبك، فقال: والله ما ينطق الشعر ولا يقوله، فقالت: إنك لمصدق، قال: فاندفعت راجعةً، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما رأتك، قال: فقال: لم يَزَل ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهَبت.
6- روى الترمذي وصححه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أخفت في الله ما لم يخف أحد، وأُوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، ولقد أتى عليّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعام إلا شيء يواريه إبط بلال))؛ أخرجه الترمذي، وقال: ومعنى هذا الحديث: "حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربًا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه".
7- عن عروة بن الزبير قال: سألت عبدالله بن عمرو بن العاص، قال قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبيه، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر: 28]؛ أخرجه البخاري في الصحيح من حديث الأوزاعي.
وفاة خديجة وأبي طالب:
قال ابن إسحاق: إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة، وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها، وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدًا وحرزًا في أمره، ومنعةً وناصرًا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابًا قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: ((لا تبكي يا بُنية، فإن الله مانع أباك))، قال: ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب.
محنة الطائف:
عن عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟ قال: ((لقد لقيتُ من قومك ما لقيتُ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليّ، ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت أن أُطبق عليهم الأخْشَبين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده، لا يُشرك به شيئًا)).
مؤامرة لاغتياله صلى الله عليه وسلم:
عن عُروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجُمحي مع صفوان بن أُمية بعد مُصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطانًا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويلقون منه عناءً وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارَى بدر؛ قال ابن هشام: أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق، قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير، قال له عمير: صدقتَ والله، أما والله لولا دَيْنٌ عليّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أ***ه، فإن لي قبلهم علةً ابني أسير في أيديهم، قال: فاغتنمها صفوان، وقال عليّ دَينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أُواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويَعجِز عنهم، فقال له عمير: فاكتم شأني وشأنك، قال: أفعل، قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشُحِذ له، وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدِم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوِّهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحًا السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو، قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلبَّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذٌ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، ادنُ يا عمير، فدنا، ثم قال: انعموا صباحًا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيَّتك يا عمير بالسلام تحيَّة أهل الجنة، فقال: أما والله يا محمد، إن كنت بها لحديث عهد، قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنتْ عنا شيئًا؟ قال: اصدقني، ما الذي جئتَ له؟ قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْن علي وعيال عندي، لخرجت حتى أ*** محمدًا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن ت***ني له، والله حائل بينك وبين ذلك، قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنتَ تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهِد شهادة الحق، فقال صلى الله عليه وسلم: فقِّهوا أخاكم في دينه، وأقرِئوه القرآن، وأطلقوا له أسيرَه.
يتبع
محمد صلى الله عليه وسلم
أحمد بن محمد محروس
يتمه صلى الله عليه وسلم:
وُلِد صلى الله عليه وسلم يتيمًا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلَت من شهر ربيع الأول من عام الفيل، ثم اكتمَل يُتمه بموت أُمه وهو في السادسة من عمره:
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبدالمطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه، يُنبته الله نباتًا حسنًا لما يريد به من كرامته، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين، تُوفِّيت أمه آمنة بنت وهب؛ قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفِّيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تُزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة.
فكفَله جدُّه عبدالمطلب، وأحسن إليه، ثَم لم يلبث عبدالمطلب أن مات والنبي صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، ليزداد حزنًا على حزنه، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه.
قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن العباس عن بعض أهله أن عبدالمطلب توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبدالمطلب مع عمه أبي طالب، وكان عبدالمطلب - فيما يزعمون - يوصي به عمه أبا طالب؛ وذلك لأن عبدالله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأُم.
معاداة قريش له بعد الجهر بالدعوة:
1- في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "لَما نزلت: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا، فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو لهب: تبًّا لك ما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام، فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1].
2- روى الترمذي وصحَّحه الألباني عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل، فقال: ألم أنْهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فزبره، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ﴾ [العلق: 17، 18]؛ قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه، لأخذته زبانية الله.
3- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم ينظرون، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيُّكم يقوم إلى جَزور آل فلان، فيعمِد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد، وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاها، فجاء به، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا وضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة رضي الله عنها وهي جويرية، فأقبلت تسعى حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبُّهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاثًا، ثم سمى: ((اللهم عليك بعمرو بن هشام، وبعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد ))، قال عبدالله: والله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر يسحبون إلى قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأتبع أصحاب القليب لعنةً))؛ رواه البخاري في الصحيح عن أحمد بن إسحاق عن عبيدالله بن موسى.
4- عن عروة بن الزبير قال سألت عبدالله بن عمرو بن العاص، قال قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبيه، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر: 28]؛ أخرجه البخاري.
5- في صحيح ابن حبان، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح بشواهده عن ابن عباس: لَمَّا أنزل الله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾، جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال أبو بكر: يا نبي الله، أنها ستؤذيك، فقال: إنه سيحال بيني وبينها، قال: فلم تره، فقالت لأبي بكر: هجانا صاحبك، فقال: والله ما ينطق الشعر ولا يقوله، فقالت: إنك لمصدق، قال: فاندفعت راجعةً، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما رأتك، قال: فقال: لم يَزَل ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهَبت.
6- روى الترمذي وصححه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أخفت في الله ما لم يخف أحد، وأُوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، ولقد أتى عليّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعام إلا شيء يواريه إبط بلال))؛ أخرجه الترمذي، وقال: ومعنى هذا الحديث: "حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربًا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه".
7- عن عروة بن الزبير قال: سألت عبدالله بن عمرو بن العاص، قال قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبيه، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [غافر: 28]؛ أخرجه البخاري في الصحيح من حديث الأوزاعي.
وفاة خديجة وأبي طالب:
قال ابن إسحاق: إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة، وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها، وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدًا وحرزًا في أمره، ومنعةً وناصرًا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابًا قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: ((لا تبكي يا بُنية، فإن الله مانع أباك))، قال: ويقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب.
محنة الطائف:
عن عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟ قال: ((لقد لقيتُ من قومك ما لقيتُ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليّ، ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت أن أُطبق عليهم الأخْشَبين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده، لا يُشرك به شيئًا)).
مؤامرة لاغتياله صلى الله عليه وسلم:
عن عُروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجُمحي مع صفوان بن أُمية بعد مُصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير، وكان عمير بن وهب شيطانًا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويلقون منه عناءً وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارَى بدر؛ قال ابن هشام: أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق، قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير، قال له عمير: صدقتَ والله، أما والله لولا دَيْنٌ عليّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أ***ه، فإن لي قبلهم علةً ابني أسير في أيديهم، قال: فاغتنمها صفوان، وقال عليّ دَينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أُواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويَعجِز عنهم، فقال له عمير: فاكتم شأني وشأنك، قال: أفعل، قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشُحِذ له، وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدِم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوِّهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحًا السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو، قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلبَّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذٌ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، ادنُ يا عمير، فدنا، ثم قال: انعموا صباحًا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيَّتك يا عمير بالسلام تحيَّة أهل الجنة، فقال: أما والله يا محمد، إن كنت بها لحديث عهد، قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنتْ عنا شيئًا؟ قال: اصدقني، ما الذي جئتَ له؟ قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْن علي وعيال عندي، لخرجت حتى أ*** محمدًا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن ت***ني له، والله حائل بينك وبين ذلك، قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنتَ تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهِد شهادة الحق، فقال صلى الله عليه وسلم: فقِّهوا أخاكم في دينه، وأقرِئوه القرآن، وأطلقوا له أسيرَه.
يتبع