مشاهدة النسخة كاملة : ملف تجديد الخطاب الإسلامى


aymaan noor
22-08-2015, 06:32 AM
ملف تجديد الخطاب الإسلامى

رؤية لتأصيل المفاهيم

http://www.ahram.org.eg/Media/News/2015/8/21/2015-635757853239561176-956.jpg (http://www.ahram.org.eg/NewsQ/423980.aspx)

د. محمد يونس


السبت 7 من ذو القعدة 1436 هــ 22 أغسطس 2015


تحتاج مجتمعاتنا إلى خطاب إسلامي يقدر تأثير معطيات العصر وتطور طرق التعاطي مع المعرفة، من التلقي إلى التفاعل، ومن أحادية المنبر الى تعددية الشبكة، ومن المطلقات إلى رفاهية اختيار اليقين المعرفي ، خطاب لا يقتصر على معيار الصح والخطأ وإنما يضيف إليها معايير تتعلق بالأنسب وما ينفع الناس.
نريد خطابا جديدا وليس مجرد تطوير في الخطاب القائم، ويتطلب ذلك تغييرا نوعيا في بنية الخطاب وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، وتجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حاملي هذا الخطاب ومنتجيه، لكي يلبي احتياجات الشعوب المسلمة الراهنة،ويستجيب للتحديات التي تواجهها وفق معطيات عصر الاتصال والثورة الرقمية.

نحتاج الى خطاب ينبع من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد ، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوي الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية و التقدم وتحقيق الشهود الحضاري.

هذا الهدف لا يحققه برنامج ولا مقال بصحيفة ولا حتى ندوة تنظم على عجل، فقد تابعنا على مدى الشهور القليلة الماضية ندوات ومؤتمرات، هنا وهناك حول فكرة تجديد الخطاب غلبت عليها الارتجالية والعجلة، وتدفقت انهار من الكلام في فضاء الإعلام للحديث عن الموضوع بغض النظر عن تخصص المتحدثين او مدى تأهلهم للخوض في هذا المجال، ناهيك عن مراعاة شروط التجديد ومقتضياته، وهكذا تحول التجديد عند البعض إلى تبديد وفتح اخرون النار على التراث فتحولت دعوات كبار العلماء منذ مطلع القرن الماضي الى تنقية التراث الى سيوف وخناجر لتجريحه بل وبتره من جذوره.

وتبين ان غالبية الذين خاضوا في القضية لم يحاولوا تعريف الخطاب الديني ولا كيفية تجديده؟ ولأن الكلام في المطلق وعلى الهواء مباشرة فإن المحصلة ذابت الأثير !

ثم انتهت "الهوجة" دو ان تسفر عن شىء، فلا تمت تنقية التراث ولا أنجز تجديد الخطاب.

ان اي تناول مسئول لموضوع تجديد الخطاب الإسلامي يجب ان يتوقف عند ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بالمفاهيم ليعرف الناس معنى الخطاب والمقصود بالتجديد، والثانية تستعرض ملامح الخطاب الإسلامي الحالي من منظور نقدي يوضح سلبياته ونقاط ضعفه واخفاقاته، والثالثة تطرح رؤية للتجديد تستجيب لتحديات الحاضر وتستلهم آفاق المستقبل . وهذا ما يستهدفه هذا الملف، ونستعرض اليوم النقطتين الأولى والثانية أما الثالثة فهي مفتوحة لمن اراد ان يطرح رؤاه وفق هذا الإطار العلمي.

ولأننا نقف على أعتاب مرحلة جديدة في عمر أمتنا، فإننا تحتاج ليس فقط إلى تجديد الخطاب الديني وإنما إلى تجديد الأمة.. تجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات، فلا يمكن الحديث عن خطاب إسلامي جديد فعال في أي دولة مسلمة دون تجديد مفاصل الدولة وبنيتها وأركانها ومؤسساتها وإعادة بناء المسلم المعاصر فكرا ووجدانا ليكون مشاركا فاعلا في عملية التجديد والبناء.

كما لا يمكن تناول تجديد الخطاب الإسلامي بمعزل عما أصاب الفكر الإسلامي من جمود على مدى عقود طويلة، إذ ان الخطاب الإسلامي المعاصر لم ينتج عن فراغ وإنما هو انعكاس للمراحل التي مر بها الفكر الإسلامي، لذا فإن تجديد الخطاب الإسلامي يرتبط بتجديد الفكر الإسلامي..وهو ما يتطلب التوقف عند معنى المصطلحين:

حال الخطاب الإسلامي

لا يختلف حال الخطاب الإسلامي المعاصر عن حال الأمة الإسلامية اليوم وما تشهده من تخلف مركب.حيث نجد أن غالبية الدول الإسلامية استعاضت باستهلاك أدوات الحضارة عن صنع هذه الأدوات (من الهاتف والحاسوب المحمول إلي الصاروخ والقمر الصناعي) وكأن لسان حالنا يقول: سبحان الذي سخر لنا الغرب والشرق الذي ينتج هذه المنتجات لكي نستعملها نحن العرب والمسلمون!!، كما يكثر في عالمنا الإسلامي المعاصر،عدد الأحزاب السياسية وتعدد أشكال المجالس النيابية، في حين لا نجد تداول حقيقي للسلطة، وتمتلك أمتنا أحدث وسائل الإعلام بينما تفتقر الي حرية الرأي والتعبير باستثناء وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة مثل الفيس بوك وتوتير التي هي بطبيعتها خارج نطاق سيطرة السلطات المحلية.

في هذا السياق نجد فوضى في الخطاب الإسلامي المعاصر وتشتت وتباين واسع بين حاملي هذا للخطاب ومروجيه. وتجاهل كبير لمقام وظروف متلقيه، وتتجلي هذه الحالة ليس فقط علي المنابر التقليدية وإنما ايضا عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية.

ويتأرجح الخطاب الإسلامي المعاصر بين القوة والضعف والاعتدال والتطرف، وعدم الكفاية، اعتمادا على الظروف الداخلية ، للمجتمعات الإسلامية من ناحية ، والظروف الخارجية التي تحيط بالأمة الإسلامية من ناحية أخرى، حيث تعد البلدان الإسلامية الساحة الرئيسية التي تتحرك فيها معدات الحرب اليوم والتي بدأت تحت شعار مواجهة الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م.

سمات الخطاب الإسلامي

ويمكن تمييز أربع سمات عامة توضح ملامح حالة الخطاب الإسلامي المعاصر، يعرضها د. عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في دراسته " الخطاب الإسلامي بين التقليدية والحداثة"، هي:

أولا : الضعف العام الذي يسم معظم أنماط الخطاب الإسلامي على مستوى مضمونها ويتلخص ذلك في الانحدار من المعرفة إلى الجهل، أو ما يشار إليه تقليديا بالأمية الدينية كما يظهر في هشاشة المحتوى وعدم الإدراك للمسائل والقضايا التي تناولها من الزاوية الإسلامية والتي يتم عرضها على الرأي العام داخل العالم الإسلامي ، فضلا عن الرأي العام الدولي.

ثانيا: الارتجال والعفوية الناتجة عن نقص التخطيط ، وتجاهل للنهج العلمي في الموضوعات والقضايا والأوضاع التي يتم تناولها، والاعتماد على القدرات الفردية في معظم الحالات، وذلك على حساب التعاون والتكامل والتنسيق بين الجهود.

ثالثا ضيق الأفق والتركيز على القضايا الطارئة والعابرة في تجاهل تام للمستقبل سواء المتوسط أو البعيد .وهذا يفسر إلى حد كبير لماذا تقتصر أنماط عديدة من الخطاب الإسلامي على دائرة رد الفعل ، وفي حين تكاد تغيب المبادرة تماما عن هذا الخطاب.

رابعا: انعكاس الخلافات الفكرية والثقافية والمذهبية فضلا عن الصراعات المحلية والإقليمية والدولية على الخطاب الإسلامي، مما يجعل الأطروحات التي يقدمها الخطاب الإسلامي غير مترابطة ومتناقضة، وتفتقر إلى الانسجام والتنسيق.

وتؤثر هذه الجوانب السلبية في الخطاب الإسلامي على الأوضاع العامة في العالم الإسلامي، فضلا عن صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وعلى القدرة على مواجهة التحديات ودرء الحملات المغرضة التي تستهدف الأمة الإسلامية وتهدد وجودها، وسيادة دولها واستقرار شعوبها وازدهارها.

وفي بعض الأحيان يجنح الخطاب الإسلامي الى التجريح الشخصي أو الطائفي او الفئوي أو المذهبي فيضعف أثره ويقوى ضرره ويصبح معول هدم بدلا من ان يكون أداة بناء وإصلاح. وفي أحيان اخرى تشوب الخطاب الديني لدى البعض نظرة ماضوية للأحداث الحاضرة واللحظة الراهنة بحيث يبدو المتصدي للخطاب الإسلامي كأنه قد بعث من مرقده فاقدا التواصل مع عصره ، يعالج زمنا غير زمنه واحوالا غير الاحوال الراهنة.

تضييق المباح

و نجد بعض الذين يتصدون للخطاب الديني يضيقون مساحة المباح ويوسعون من دائرة المحظور، حتى صار لا يباح فعل عندهم إلا بدليل، مع أن الأصل في الأشياء الإباحة، أما التحريم فهو الذي سيحتاج الى دليل، وكما يقول سفيان الثوري " إنما الفقه رخصة من ثقة، وإنما التشدد يحسنه كل أحد"، وقد نجد هؤلاء قد يبالغون في التحذير من المعاصي حتى نسوا سعة رحمة الله وعظيم عفوه ، بحيث رتبوا فظيع العقوبات على صغائر الذنوب.

بالإضافة إلى هذه الظروف السلبية، يتأثر الخطاب الإسلامي بحالة التخلف التي يمر بها العالم الإسلامي إلى حد يفقد هذا الخطاب الفعالية والمصداقية والنفوذ في كثير من الأحيان، ويصبح في أحيان أخرى يدور حول كلمات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، باستثناء حالات فردية هنا وهناك تعبر عن أشخاص وليس مؤسسات.

وهكذا، نجد أن الخطاب الإسلامي المعاصر - في كثير من جوانبه- ليس انعكاسا لصورة مشرقة للإسلام الحقيقي ، بقدر ما هو انعاكس لواقع المسلمين المتخلف.

ضعف المؤسسات الدينية

وتنسحب هذه السمات على المؤسسات المنوط بها مهمة الدعوة أو المفترض ان يصدر عنها الخطاب الإسلامي، إذ تعاني هذه المؤسسات من الضعف وفقدان الاستقلالية ومن ثم خضوعها لتدخلات السلطة في كثير من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، بحيث يصبح خطابا انتقائيا حيث يستدعى الدين في ظروف وأوقات بعينها، بينما يغيب في ظروف أخرى، مما افقدها مصداقيتها فتراجع دورها التاريخي والحضاري في المجتمع.وقد نتج عن هذا التراجع ظهور حركات وجماعات إسلامية تحاول ملء الفراغ ولكن يفتقد معظم افرادها المؤهلات العلمية والخبرات العلمية.

ولعل أبرز مثال على ذلك هو الأزهر الشريف الذي ظل قلعة الإسلام عبر العصور ، حيث كان الجامع الأزهر يمثل الدعوة الإسلامية بمنهجه الوسطي المعتدل وكان مستقلا عن الحكام في عصر المماليك والعثمانيين وحتى بداية عصر "محمد علي" الذي في عهده بدأ تقييد حركة الأزهر و تجريده من نفوذه على مراحل عدة انتهت لما هو عليه الآن.

وقد تراجع دور الأزهر منذ ذلك العهد من خلال التدخل في عملية اختيار شيخ الأزهر، فضلا عن نزع مصادر تمويله الذاتية والتي كان مصدرها الأوقاف، لتبدأ التبعية المالية للأزهر للجهات الحكومية بتدخلات مباشرة تارة ومن خلال قوانين ترتدي ثوب التطوير تارة أخرى، وتوالت حكومات عديدة على هذا النهج عملت على تقليص دور الأزهر، وادت هذه التبعية المالية والسياسية للجهات الحكومية الى تراجع دور الأزهر إلى حد بعيد.

وفي ظل هذا التراجع ظهرت حركات وجماعات إسلامية أخذت في منازعة الأزهر دوره كمرجعية وحيدة في مجال العلوم الشرعية و الفتوى. ومن ثم وجدنا انه الى جانب صوت الأزهر الذي وهن بفعل العوامل التي أشرنا إليها،أصوات أخرى تتصدى للخطاب الإسلامي. ونتج كل ذلك عن كل تخبط وتشتت في هذا الخطاب الذي أصبحت تتنازعه جهات وفرق عديدة ومتباينة وتفتقد الى الحد الأدنى من التنسيق.وتقدم اطروحات تتراوح بين الاعتدال والغلو والتطرف.

وهكذا أصبح المسلم العادي يقف حائرا أمام هذا التشتت في الخطاب الإسلامي المعاصر لا يعرف أيهم على حق، في حين اتاح ذلك للدوائر المعادية للإسلام والمسلمين اختيار الأصوات المتطرفة باعتبارها متحدثة باسم الإسلام لنشرها عبر وسائل الإعلام العالمية بما يخدم مصالحها ويدعم الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام والمسلمين .

من هنا تبرز أهمية الدور الذى يقوم به فضيلة الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر فى ترسيخ الازهر كمرجعية للفكر والخطاب الاسلامى الوسطى .

مفهوم التجديد

وإذا بحثنا عن أصول مفهوم تجديد الدين فى القرآن الكريم والسنة النبوية، نجد أنهما احتويا على العديد من النصوص التي تشير إلى هذا المفهوم بشكل أو بآخر، غير أن هناك نصاً واحدا يشير إلى التجديد بشكل مباشر، هو الحديث النبوي الذي رواه أبو داود فى سننه والحاكم فى مستدركه عن أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".

ولا شك أن التجديد لا يعني تغيير جوهر الدين أو أصوله، وإنما يعنى إعادته إلى النقاء الذى كان عليه يوم نشأته حيث الأصالة الفكرية لأركانه وثوابته أى تجديد الإيمان به والالتزام بتعاليمه الصحيحة بعيداً عما قد يعتريها من شوائب، هذا من ناحية.

استيعاب مستجدات العصر

ومن ناحية أخرى يعنى تجديد الدين أيضا القدرة على استيعاب مستجدات العصر وما يحمله من قضايا لم تكن معروفة من قبل، وتحتاج إلى بيان موقف الشريعة منها، ويتم ذلك من خلال الاجتهاد سواء كان فردياً أو جماعياً . وإذا كان التجديد لا يعنى تقليدا بلا بينة، فإنه لا يعنى تبديداً للشرع تحت أى مسمى كان، كما أنه يجب ألا ينصرف معنى التجديد فى هذا السياق إلى معانى التجديد فى الدين والشرع ذاته بل هو فى حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه.

فالتجديد لا يعني المساس بثوابت العقيدة والعبادات ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، إنما يعني إعمال العقل في المشكلات المعاصرة لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة والحلول الملائمة لوضع الأمة على طريق النهوض الحضاري.

المتغيرات الدولية

ونحن نتناول التجديد ينبغي ألا نغفل الظروف والمتغيرات الدولية التي تحيط بعالمنا الإسلامي، مما قد يتطلب إعادة النظر في الكثير من الأمور التي رانت على قلب الأمة فعطلت مسيرتها وجعلتها تتخلف عن الركب الحضاري للعالم المعاصر، وإن كان الحديث عن التجديد لا ينطلق من أحداث عارضة أو ظروف وقتية إنما ينطلق من أسس إسلامية واضحة، جسدها الحديث النبوي المشار إليه.

النص والخطاب

ننبه إلى أن ما نعنيه بالتجديد يتعلق بالخطاب والفكر الإسلامي ، وهنا يحسن بنا التمييز بين النص الإسلامي من ناحية، والفكر والخطاب الإسلامي من ناحية أخرى، فالنص وهو القرآن الكريم والسنة النبوية، يتسم بالثبات ، غير أن ثبات النص لا يعني أن قراءته ثابتة، وإنما متجددة ، فعطاء القرآن وفهمه واستيعابه يتجدد في كل عصر، وعلى سبيل المثال لم تتوقف الأمة عند تفسير القرآن الكريم الذي توصل إليه الجيل الأول من المسلمين وفق معطيات عصرهم، وإنما ظهرت تفسيرات أخرى، كالتفسير الدلالي والتفسير الموضوعي، والتفسير العلمي .

منهج التجديد

تجديد الخطاب الإسلامي، بخاصة محتواه ( الفكر الإسلامي) لابد أن يعتمد على منهج قويم وضوابط وشروط تحقق الهدف من التجديد في ضوء المنظر الإسلامي وليس من خارجه، بحيث يكون التجديد آلية للإحياء وليس وسيلة للتبديد.

يقوم منهج التجديد على ثلاثة محاور : عقل ونص وأدوات، و"الحرية" أول شروط العقل ، ليكون مساهماً في ذلك التجديد: والمقصود بالحرية الانطلاقة الذاتية في التجديد غير متأثرة بمنفعة شخصية ، أو هوى متَّبع ، أو فكرة سابقة مسيطرة .

وأما النص :فشرطه المناسبة والمواءمة للإنسان كله ، وكلنا يدرك أن الإنسان، كالآلة التي تحتاج إلى دليل يبين تركيبها وطريقة عملها وتشغيلها، وهذا الدليل من فعل صانع الآلة، وكذلك الإنسان .وصانعنا هو الله جل وعلا ، دليله إلينا كتابه القرآن الكريم.

أما الأدوات فهي عديدة ولا تقتصر على ما قدمه الألوان وإنما يجب استنفار كل ما كان ، وما صار لتكون في خدمة النص، تستخدمها الحركة العقلية ، لأن الاقتصار على أدوات ماضية يفقد التجديد بعض مصداقيته، كما أن الاعتماد على الأدوات المستجدة فقط يجعل التجديد قطيعة مع النص ، لأننا لم نعتبره من خلال ما فعله السابقون.

وقد اعتمد أسلافنا أدوات ، منها المنطق واللغة والبلاغة ، واليوم ظهرت علوم و أدوات جديدة ، منها اللسانيات، والإناسيات، والتحريات الأثرية، والنمطيات، والاجتماعيات، والنفسيات، و… ، فلِماذا لا نُتقن هذه الأدوات والوسائل ، لنتفاعل بها مع النص الإلهي لخدمة التشريع؟

وربما كان بعض هذه الأدوات على حساب أدوات سابقة، وهذا استمرار وليس اعتداء .ومن ثم فإن هذا التجديد لا يعني معاداة التأصيل ، فالفكر الإسلامي يدور في فلك القرآن نصاً أساساً ، والسنة الشريفة تبياناً وتفسيراً لهذا النص.

إصلاح الفكر الإسلامي

غير أن إصلاح منهجية الفكر الإسلامي بشكل عام هو المدخل للتجديد الحقيقي لدى بعض العلماء ، انطلاقا من أن الذي أصاب الفكر الإسلامي بالجمود والقصور هو أحداث تاريخية عديدة أدت في النهاية إلى انعزال العلماء عن الواقع الاجتماعي، ومن ثم فمن الضروري إدراك مدى خطورة الخلل المنهجي الذي نتج عن الانفصام بين علوم الوحي وعلوم الطبائع والوقائع، فهذا الانفصام الذي حصل بين العلماء والواقع قد أدى إلى نتيجة أخرى هي انشطار حياة المسلم إلى جانب شخصي هو مجال نظرهم، وجانب عام تركوه ولا علاقة لهم به ، وقد نتج عن هذا التفكير أن أصبح الفقه الإسلامي مهتماً فقط بحياة الفرد ، حيث يبدأ بالطهارة وينتهي بالجنازة وتتوسطهما المعاملات، أما قضية الحكم والنظام العام والشورى والعدل والتكافل وما إليها من شئون الحياة الاجتماعية العامة، فليس للفقه بها كبير عناية، وقد نتج عن ذلك أمران أساسيان، هما:

أولاً : جمود مسائل الفقه مما يجعل من الصعب على الفقيه أن يطورها وأن يستخدم الأصول لتوليد الجديد منها، وبذلك أصبحت تتعامل فقط مع حياة الفرد، ونستطيع أن نمثل لذلك بسلوك الفرد حين يسارع بالسؤال عند الحاجة إلى فهم أمر من أمور العبادة أو يتمنى لو أن بإمكانه تلافي معاملات الربا، أما إذا خالف للدولة أمراً وأصاب منها نفعاً فإنه لا يأسف لفعله ولا ينال ضميره تأنيب، لأنه أضر بالمصلحة العامة والنظام العام ومصلحة المجتمع، ذلك لأنه ربُي بطريقة الفقه فرداً ، فالخلل إذن يكمن في المنهجية، ويتجلى ذلك في تدريس الفقه وأصوله على أنهما مسائل تحفظ وتردد لا على أنهما منهجية لبناء الفقه وتطوير قضاياه ، فأصبحت دراسة الفقه والأصول دراسة لأمور تاريخية لا ينتج عنها فكر مبدع متجاوب مع الواقع ، ومن هنا فإن المنهجية التقليدية تبلورت في ظروف تاريخية معينة، في ظل عزلة العلماء وفي حالة من التعامل الجزئي مع المسلم ، بوصفه فرداً منعزلاً وليس فرداً في جماعة.

يضاف إلى ذلك أن مبادئ الأصول تلخصت في قضية القياس، وهو أداة تحليل جزئي، مما لا يتواءم مع واقع التغير الكلي الذي آلت إليه أحوال المجتمعات الإسلامية ، ويحتاج إلى منهج شمولي تحليلي منضبط .

والثاني: قد نتج عن هذه النزعة الجزئية أنه لما استقل العلماء بالحياة الفرعية وتركوا الحياة العامة للسلاطين، أن أصبح الحكم بالضرورة مستبداً، وبالقدر نفسه، فإن العلماء بعجزهم الفكري وعدم قدرتهم على تقديم البدائل، لجأوا إلى الإرهاب والتخويف الفكريين ، فمن يخالفهم يكون مصيره جهنم ، فالسجن لمن يخالف السلطان، وجهنم لمن يخالف العلماء، (عبد الجبار الرفاعي: " مناهج التجديد" ص 161-181)

ومن هنا أصبح الفكر مبنياً على التخويف والإرهاب، وأي إنسان في حالة خوف ورهبة يكون إنساناً سلبياً لا يتسم بالمبادرة أو الإبداع.

هذا الجمود الفكري والفقهي انعكس ايضا على الخطاب الإسلامي، لذا فإن اي دعوة لتجديد هذا الخطاب لابد ان تنطلق مما آل اليه الفكر الإسلامي اليوم بحيث تضع في اعتابرها كل هذه التحديات وتعمل على مواجهتها واستشراف أفاق المستقبل وفق منهج التجديدالإسلامي وليس من خارجه، وفي هذا فليتنافس المتنافسون بشرط ان يتمتعوا بالتأهيل والتخصص المطلوب، وفي الوقت نفسه لابد ان تتناغم مع ذلك استراتيجية شمالة لتجديد مفاصل الدولة وبنيتها.. تجديد البناء والدماء والمؤسسات وإعادة تشكيل العقل المسلم وفق رؤية متزنة بحيث تعود المرجعية للمؤسسة الدينية الرسمية على أن تعاد لهذه المؤسسة مكانتها وهيبتها واستقلاليتها وما تم اخذه من مواردها فضلا عن اعادة النظر في مناهجها الإداراة والتعليمية، اما مجالات تجديد وآفاقه فهي متعددة ولا يمكن اجمالها في هذه المساحة.


مفهوم الخطاب الإسلامى


اهتم علماء الإسلام الأوائل بمفهوم الخطاب، فيعرفه سيف الدين الأمدي بانه اللفظ المتواضع عليه ، المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه."

أما الإمام الجويني فيرى أن الخطاب، والتكلم، والنطق واحد في حقيقة اللغة، ، ويثبت أن معنى النص هو المعنى المفهوم بنفسه، يقوم مقام النص ، ويقدم على الألفاظ والظواهر، والإمام الجويني بذلك يثبت موقفا منهجيا له قيمته بالنسبة لتناول النصوص وتحليلها وهو عدم إعطاء مكانة للعبارات دون المعني (الكافية في الجدل للجويني إمام الحرمين،ص 78. )

ودرج علماء الأصول على استخدام الخطاب بالمفهوم الشرعي( الخطاب الشرعي) الذي قسموه إلى ثلاثة فروع تتناول خطاب الله ، وخطاب الرسول ، وخطاب الأمة. وهو يختلف عن المفهوم الذي نقصده بالخطاب الديني هنا ، إذ أننا نركز على المفهوم المتعلق باللغة والاتصال، والذي يقترب من المعنى الذي أشار إليه الإمام الجويني .

ويقصد بالخطاب عند بعض الباحثين" مجمل الرموز والإشارات التي تصدر عن مرجعية معينة، تشكل صورتها ومظهرها العام، وتبرز خطوطها الفكرية، عبر عملية تواصل بين هذه المرجعية الفكرية والجمهور، في عملية تفاعلية يكون فيها الخطاب وسيلة لا غاية".

وتطور الأمر في مجال معالجة الأطروحة المقدمة بالكامل باعتبارها بنية موحدة ،يقدمها كاتب لديه هدف تتم صياغته عبر خطاب يحتوي على بناء استدلالي ، وبناء على ذلك فإن الخطاب هو مرادف لتصور أو موقف لشخص أو جماعة بشأن قضية مطروحة.

وإذا كان الفكر الإسلامي يتجلى بشكل خاص في الكتب والندوات والأبحاث العلمية لعلماء الدين والمفكرين الإسلاميين، فإن الخطاب الإسلامي يتعلق بآليات نقل الفكر الإسلامي وتكييفه ومعالجته لغويا ودعويا وإعلاميا لكي يلائم الوسائل والطرق والتقنيات المستخدمة لتوصيله الى الجماهير سواء كانت هذه الوسائل خطبة الجمعة او درسا دينيا او صحيفة او برنامجا تليفزيونيا أو موقعا على الإنترنت. ونرى أن الخطاب الإسلامي الفكري هو الوجه الإعلامي للفكر الإسلامي أو التناول الإتصالي للفكر الإسلامي.

ومن ثم فإن الخطاب الإسلامي هو مجموعة المقولات والتصورات والرؤى التي يطرحها علماء الدين والدعاة والمفكرون إزاء قضايا المجتمع استنادا إلى الدين الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر .



مفهوم الفكر الإسلامى

شغل مفهوم الفكر اهتمام علماء المسلمين الأوائل، فيرى الجرجاني – صاحب التعريفات- أن الفكر " ترتيب أمور في الذهن يتوصل بها إلى مطلوب يكون علما أو ظنا" ويفرق الراغب الأصفهاني بين الفكر والتفكر، موضحا أن الفكر" قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم . والتفكر: جولان تلك القوة بحسب نظر العقل"

ومن خلال تحليله للعديد من تعريفات علماء المسلمين الأوائل للفكر، ذكر الدكتور أحمد حسن فرحات الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات ، في كتابه " الفكر الإسلامي : مفهومه – معالمه" أن "مجال الفكر هو ما يمكن أن يكون له صورة في القلب وهذا يعني أنه لابد أن يكون محسوسا أو متخيلا ، ومن ثم كان النهي عن التفكير في ذات الله

وعرف الفكر الإسلامي، بأنه "نتاج التأمل العقلي المنبثق عن نظرة الإسلام العامة إلى الوجود والمتوافق مع قيم الإسلام ومعاييره ومقاصده" .( كتاب الفكر الإسلامي : مفهومه – معالمه، عمان : دار عمار، 2003م، ص 36)

ويشير هذا التعريف إلى عدة أمور:

أولا: أن هذا الفكر الإسلامي اجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب، ومن ثم ليست له صفة القداسة.

ثانيا: لابد لأن يكون هذا الفكر مرتكزا على كليات الإسلام الأساسية وصادرا عنها، وتشمل "الله والكون والإنسان" وطبيعة العلاقة بينهم لما توحي به نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة.

ثالثا : ضرورة التزام المعايير الإسلامية في فهم النصوص بمراعاة أصول الاستنباط طبقا لقواعد العربية ومنطق الشريعة" أصول الفقه ، وأصول التأويل"

رابعا: لابد من استحضار المقاصد العامة في الشريعة التي تحول دون الفهم الحرفي للنصوص والذي ربما يخالف مقاصد الشريعة.

وذكر أن مجال الفكر الإسلامي أوسع من الفقه بكثير، فهو يشمل الاجتهادات الفقهية. كما يشمل التأمل في النصوص الشرعية، والتأمل في آيات الآفاق والأنفس، كما يستوعب التأمل في الدراسات الإنسانية النظرية والفكرية الصادرة عن المذاهب والفلسفات والديانات المخالفة للإسلام بقصد دراستها ونقدها وتقويمها، ومن ثم فإن مجال الفكر الإسلامي يتسع لكل شىء بالضوابط المشار إليها، فيما عدا البحث في حقيقة الذات الإلهية وحقيقة صفاتها وأفعالها، وكيفيتها، وحقائق وكيفيات ما جاء من أخبار عالم الغيب.

ومن ثم فإن هناك فرقا واضحا بين الفكر الإسلامي والوحي الإلهي، وهو أمر يؤكده قادة ورموز الفكر الإسلامي المعاصر الذين يرفضون الخطأ الذي يقع فيه البعض حينما يخلطون بين الفكر الإسلامي الذي هو انتاج بشري يقبل النقد ويحتمل الصواب والخطأ، وبين الوحي الإلهي المنزه عن كل ذلك.

أبو إسراء A
22-08-2015, 03:23 PM
(فالتجديد لا يعني المساس بثوابت العقيدة والعبادات ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، إنما يعني إعمال العقل في المشكلات المعاصرة لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة والحلول الملائمة لوضع الأمة على طريق النهوض الحضاري).

نعم تجديد ينقى السنة من الضعيف و الموضوع و ما ترتب عليهما من بدع ، و
ينقى السلوك من الشطحات الصوفية ، و ينقى العقيدة من شرك القبور و القصور و صرف أى عبادة لغير الله ، و ينقى العبادة من البدع ، و الفتوى من الهوى و السياسة و المصلحة و عدم مراعاة الزمان و المكان .
جزاك الله خيرا

aymaan noor
23-08-2015, 09:02 PM
(فالتجديد لا يعني المساس بثوابت العقيدة والعبادات ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، إنما يعني إعمال العقل في المشكلات المعاصرة لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة والحلول الملائمة لوضع الأمة على طريق النهوض الحضاري).

نعم تجديد ينقى السنة من الضعيف و الموضوع و ما ترتب عليهما من بدع ، و
ينقى السلوك من الشطحات الصوفية ، و ينقى العقيدة من شرك القبور و القصور و صرف أى عبادة لغير الله ، و ينقى العبادة من البدع ، و الفتوى من الهوى و السياسة و المصلحة و عدم مراعاة الزمان و المكان .
جزاك الله خيرا


جزاك الله خيرا على هذه الاضافة و بارك الله فيك

aymaan noor
23-08-2015, 09:10 PM
أولويات العمل الدعوى كالهرم المقلوب ..
والتجديد واجب شرعى لمواجهة الإرهاب

http://www.ahram.org.eg/Media/News/2015/8/22/2015-635758731056054354-605.jpg (http://www.ahram.org.eg/NewsQ/424094.aspx)

تمر الأمة بمرحلة عصيبة وحرجة وقد أصابها الجهل بحقائق هذا الدين وأصبح عرضة للتفسير طبقا للأهواء واتخذ وسيلة لتحقيق أهداف لأجندات داخلية وخارجية .
واقع مؤلم يستلزم الإسراع بجدية فى تجديد الخطاب والخطيب معًا يتفق على أولوية العمل بما تقتضيه ظروف المرحلة، من رأب للصدع وتوحيد للصف لمواجهة الإرهاب والفكر المنحرف، وتحصين المجتمع من آثاره المدمرة، تجديدا لا ينكر الأصول والثوابت، بل يقدمها بلغة عصرية يفهمها الجميع .

هذا ما تؤكده دراسة جاءت تحت عنوان " تجديد الخطاب الدينى " أعدها الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر قدمها " كرؤية تحليلية وسطية من "الأزهر" حول قضايا الدعوة وتجديد الخطاب الدينى والتكفير .

وأكد من خلالها أن تجديد الدين لا يعنى تغييره أو تبديله إنما المحافظة عليه ليكون غضًّا طريًّا كما أنزله الله تعالى على رسوله. وبتصحيح المفاهيم الفاسدة وترك التقليد الأعمى والسعى لبناء وعى إسلامى حضارى يصلح الدنيا ولا يفسدها ويؤمن الناس ولا يخيفهم. فالتجديد محل إجماع عند علماء المسلمين والقول بغير ذلك اتهام لهذا الدين بالجمود والرجعية والتخلف والقصور.

واستنكر الشيخ محمد زكى تجرؤ أنصاف المتعلمين ومن لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بعلوم الإسلام وفنونه على التجديد وكيفية إدارته, موضحا أن أحكام الإسلام ليست بأقل حرمة من قضايا الهندسة والطب، وان التجديد مهمة الراسخين فى العلم، عبر المجامع والمؤتمرات العلمية الجامعة التى تتمتع بالاستقلال وحرية الرأي.وهى مهمة أفاضل المؤمنين.

كما طالبت الدراسة بإتاحة الفرصة للدعاة للتعبير عن الفكر الدينى الصحيح بالنقد البناء والمجادلة بالحسنى، واعتماد الأدلة والبراهين العقلية والنقلية فى خطابهم الدينى وتجنب مخاطبة الناس بالخرافات التى تملأ كتب الوعظ والإرشاد. وتجنب الانتصارات المذهبية، والجمود على الفتاوى الموروثة.

وأكدت الدراسة أن المؤسسات التعليمية المعنية بتخريج القادة والمفكرين والدعاة المصلحين، أخفقت إلى حد كبير فى إخراج المسلم المفكر، وخرجت أجيالا ضعيفة فى انتمائها، مضطربة فى تفكيرها، عاجزة عن تسخير معارفها لخدمة الأمة، وعجزت فى هذا التوقيت العصيب أن تقدّم للأمة علماء مسلمين قادة ومفكرين ومجددين يستطيعون أن يقدموا الإسلام للأمة من خلال كلياته وغاياته ومقاصده، فانحسر الفكر الإسلامي، ولم يعد هو المهيمن على حياة المسلمين وتفكيرهم.

مظاهر الضعف

إنّ شأن الخطاب الدينى كشأن أيّ أمر فى الحياة قد تعرض له بعض الآفات التى تعوقه عن أداء الدور الأمثل فيحتاج إلى علاج. وقد تعرض الخطاب الإسلامى لعدد من مظاهر الضعف، متأثرًا فى ذلك بما يجرى على الساحة من حراك سياسى وفكرى واجتماعى منها ضعف عرض شمولية الإسلام فيُعرض مبتوراً مضخماً بعض جوانبه دون بعض , فهى تخاطب الروح وتهمل جوانب الفكر والثقافة، أو توغل فى الخطاب الفكرى والسياسى وتهمل الخطاب الإيماني، وهناك من يكثر من الخطاب العاطفى ويغفل الخطاب العقلي، وهكذا يكون الخطاب الدينى قاصرا وغير متوازن يؤدى إلى بتر الشخصية الإسلامية وتضررها .

ورغم أهمية التخصص فى علوم الإسلام كالحديث والتفسير والفقه.. إلا أن الذين تخصصوا لم ينسّقوا مع غيرهم، وربما تعدى ذلك إلى الخصام والعداء وتسفيه كل فريق الفريق الآخر وما هو عليه وعُرض الخطاب الإسلامى فى أحوال كثيرة مبتسرًا مبتورًا، حتى إن حديثى الإسلام ممن ليس لهم دراية بشمول الإسلام اعتنقوه على طريقة من اقتنعوا بخطابه، فمنهم من صار جهاديا محضا ولا يريد أن يرى أو يسمع شيئا آخر.

http://www.ahram.org.eg/Media/News/2015/8/22/2015-635758737182836529-283.jpg
الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر


وحذر فضيلته من الخلط فى الولاء فبعض الدعاة ينتمون لتيار ما أو لجماعة ما وهم بذلك يضيقون على أنفسهم فى مجال الدعوة، فما رأته الجماعة والحزب هو الصحيح ، وما خالفه فهو باطل بقطع النظر عن موافقته أو مخالفته للأدلة، فيسوى هؤلاء الدعاة بين الولاء الشرعى لله رب العالمين، وبين الولاء لجهة أو هيئة أو جماعة، بل قد يفضل ولاءه لجهته على ولائه لله وهنا يحدث الفساد العريض. فالخطاب الدينى منفتح لا ينغلق على اتجاه فقهى واحد لذا يجب على الداعية ألا يتعصب لمذهب على مذهب آخر.

ضعف التأثير

ومن العيوب الخطيرة التى تستدعى التجديد ما يبرز فى خطاب بعض الدعاة حين ينظرون إلى الناس على أنهم عصاة مذنبون وربما فساق أو مبتدعون، وما كان النبى صلى الله عليه وسلم هكذا بل كان يحترم المخاطبين، ويحلم عليهم، ويعاود دعوتهم المرة بعد الأخرى. فكيف تؤثر دعوة يقدح صاحبها فيمن يخاطبهم ويجرحهم.ومن أخطر ما يقع فيه الدعاة أيضا أن بعضهم لا يعرف واقع من يخاطب، ومن لم يعرف واقع القوم وبيئاتهم فكيف سيخاطبهم ويقنعهم؟ فعدم ارتباط الخطاب بواقع الناس وما يتعرضون له من مشكلات تنظير باهت بارد .

والدعاة الصادقون مكلَّفون أن يعيدوا إلى غيرهم الثقة بالإسلام، وتبرئة ساحته من البدع والخرافات التى تشوه تعاليمه والتى دسها خصومه فيه. وأن يعرضوا دينهم عرضًا يفهمه الجيل الجديد فينشروا تعاليمه السمحة الداعية إلى تحقيق الأمن والسلام العالميين، بعد أن حصر كثير من الناس الدين فى العبادة ورأوا أن إقامة الصلاة وتلاوة الأذكار يقيم الأمم، دون نظر لمهام إصلاح واعمار الكون، وهذا واجب يعد النكوص عنه خيانة للإسلام.

يقول الشيخ محمد أن الخطاب الدينى الإسلامى موجه للبشرية فالإسلام دين عالمى جاء للناس كافة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) . وآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية توضح بشدة أن الله تعالى لا يريد من العباد الإيمان عن طريق القهر والضغط، بل عن طريق النظر والفكر قال تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس:99) لذا يجب على الخطباء أن يقربوا أفكار الإسلام ومفاهيمه للناس كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن جعل الأفكار الإسلامية محركة لسلوك الناس وتعالج الواقع، وليس مجرد معلومات تحويها بطون الكتب وتتناقلها ألسنة الدعاة.

اتهامات مشبوهة

ويؤكد الشيخ محمد زكى أن تطاول بعض المناوئين للإسلام الذين يتهمونه بأنه دين حرب وقتال، وأنه انتشر بقوة السيف إنما يعتمدون على بعض النصوص المطلقة، ويفسرونها منفصلة عن بقية الآيات المقيدة، ومن المعلوم لدى العلماء أن المطلق يحمل على المقيد، ومن المعلوم من جملة النصوص أن المسلمين لم يؤمروا بالبدء بالقتال، بل ولو تم الاعتداء على المسلمين فإنهم مخاطبون بعدم التجاوز فى رد العدوان، قال تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.. (البقرة:194) والأعجب والأصعب على النفس أن يستخدم المسلم آية من هنا وحديثًا من هناك يستحلّ بها ال*** وإراقة الدم الذى صانه الشرع الحنيف، ويستحب بها الترويع والتخريب.

حتمية التجديد

إن تجديد الدين لا يعنى تغييره أو تبديله، وإنما يعنى المحافظة عليه والخطورة أن يستعمل التجديد بمعنى تغيير الدين وإخضاعه لعقل الإنسان وتفكيره مما يجعله عرضة للتبديل المستمر، ومع مرور الزمن يؤدى إلى ضياع الدين كليةً وتعود البشرية إلى الجاهلية مرة أخرى، فالتجديد بهذا المعنى دعوة تحريفية تسعى لإفقاد الأمة الإسلامية مصدر عزها وقوتها، فتصير أمة بلا هوية أو ثقافة وأخيرًا بلا دين لتصير أمة تابعة ذليلة ضالة.

ويكاد يكون تجديد الخطاب الدينى محل إجماع عند علماء المسلمين، فالقول بغير ذلك اتهام للدين بالجمود والرجعية والتخلف والقصور، ومن الأدلة على أنّ التجديد مشروع ما بيّنه النبى صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" , إذ يعترى الأمة فترات ضعف ، تتسلل فيها عادات وأفكار معوجة تلحق بدين الأمة ، ومن ذلك سيطرة كثير من الأوهام والخرافات على العقل الإنساني، والعزوف عن الأخذ بالأسباب، والتشبث بالتقليد والتبعية العمياء ...

ومما يؤكد الحاجة للتجديد ظهور بعض الفلسفات والتقاليد والعادات التى غيرت فهم بعض الناس لكثير من حقائق الدين الإسلامى بسبب كثرة العوامل التى تحول بين الناس وبين تطبيق مبادئ الإسلام من انتشار الفساد، وتفشى البدع والضلالات وأيضا الغزو الثقافى لبلاد الإسلام التى تسعى غالبا لاختراق منظومة التعليم، والإعلام، لتربية أبناء المسلمين على قيم وعادات وأخلاق النظام الدولى الجديد وكذلك إخضاع الأنظمة السياسية والاقتصادية للنظام الأمريكى الذى يفرز سمومه على البلدان الإسلامية ليشوه معالم وحقائق هذا الدين، بإيجاد تيارات فكرية منحرفة وجماعات متطرفة عنيفة تخدم أهدافه التى تسعى للقضاء على هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكًا، فكيف يقبل من الداعية فى ظل هذه الأوضاع أن يركز على الأمور الفرعية والهامشية، ويعظم الأمور الهينة؟ ويتهرب عن قصد أو عن غير قصد من علاج المشاكل التى تشغل بال الناس وتستغرق همومهم؟

ضوابط التجديد

وكلّ بناء يؤسس على أصول غير صحيحة أو دون ضوابط واضحة بناء منهار فى نهاية أمره، وإن تطاول إلى عنان السماء، و الخطاب الدينى لا يصحّ أن يطالب الكثير بتجديده دون ضوابط صحيحة وواضحة، وإلا كان تخريبًا لا تجديدًا. وإذا كنّا فى كثير من التخصصات العلميّة كالطّب والهندسة .. لا نرضى أن يتكلّم فيها إلا المتخصصون، فكيف نقبل أن يتكلّم فى الدين من لا يفقه شيئًا من علومه؟ ويتجرأ على تجديد الخطاب الدينى أنصاف المتعلمين، وأرباعهم، أومن لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بعلوم الإسلام وفنونه؟. لذلك فمبدأ التخصص أول ما يجب مراعاته، وقد أقر الإسلام هذا المبدأ، يقول الله تعالى: (...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) .

الضابط الثانى للتجديد الالتزام بالموضوعية والتجرد من الأهواء بأن يبحث الدعاة عن الحق، سواء اتفق مع ميولهم وانتماءاتهم أم لا. والضابط الثالث ضرورة الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية فثوابته لا تقبل التجديد، وأى تجديد يتناول شيئًا منها لا اعتبار له، كالتجديد الذى يسعى لإنكار ما أثبته الكتاب والسنة، أو التجديد الذى يتناول نقلة الدين وحملته من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن علماء الأمة بالسبّ والغمز واللمز.

ومن ثوابت الدين التى لا تقبل التجديد ولا التغيير: العقيدة الإسلامية، وأركان الإسلام الخمسة، وكل ما ثبت بدليل قطعى من المحرمات كالزنا والربا وشرب الخمر... وكذا ما ثبت بنصوص قطعية فى أمور الشريعة والحدود والقصاص والمعاملات، وأمور الأسرة من زواج وطلاق وإرث.وذلك عبر المجامع والمؤتمرات العلمية الجامعة التى تتمتع بالاستقلال وحرية الرأى.

أما الضابط الرابع فيتمثل فى الاعتراف بمحدودية العقل البشرى وعدم إحلاله محل الوحى وأى خوض فى أمور فوق طاقة العقل البشري، وخارج حدوده تخبط لا يجنى العقل من ورائه إلا الشقاء والضلال، لأن العقل الإنسانى مقيد بإطار الزمان والمكان الحسيين، والنشاط العقلى لا يتجاوز بمفرده دائرة الكون المحسوس، وأى محاولة للزيادة على ما أخبر به الوحى هو تنطع فى الدين، وشرود بالعقل فى غير مجاله ولن يعود بفائدة على الإنسان. كما أن أى تأويل غير مستقيم لهذه الأمور الغيبية إنما هو خروج بها عن حقيقتها وتجاوز واضح للعقل يفضى إلى تحريف الدين وتبديله لا تجديده .

المصالح والمفاسد

وتؤكد دراسة الشيخ محمد زكى على ضرورة التمسك بفقه الموازنات فى الخطاب الإسلامى بين المصالح بعضها مع بعض من جهة، أو المفاسد بعضها مع بعض من جهة ثانية، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد من جهة ثالثة وتقديم الراجح منها وفق ضوابط مستمدة من الشريعة الإسلامية. وأيضا فقه الأولويات فهو وضع الأحكام والقضايا فى مراتبها الشرعية بدون تقديم أو تأخير. والناظر إلى ساحة العمل الدعوى يجد هرم الأولويات مقلوبا، فبعضها يسيطر عليه المنهج الحرفى المتميز بالسطحية والجزئية فى الاهتمام، والخشونة فى الدعوة وبعضها يميل إلى الخرافة والابتداع، والتقليد، والمراهنة السياسية فتنعدم لديهم المنهجية الصحيحة فى فهم المصلحة. كما أن بعض المتحدثين باسم الإسلام لا يعرفون عن حقائقه وأهدافه، وأولوياته شيئًا.

آفة التعصب

وعلى الداعية ألا يتعصب لمذهب على مذهب آخر، ولا بأس أن يعدل عن مذهبه فى بعض المسائل التى يرى أن الدليل فى مذهب آخر أقوى وأبين, فحين يتعصب مقلدو المذاهب الفقهية لأراء معينة، ويضفون عليها قداسة كأن كلام أحد هؤلاء الأئمة المتبوعين مشابه لكلام الله ورسوله، فقد نسوا أن اجتهاد أى إمام ليس إلا طريقة فى فهم النصوص، ولا قداسة لطريقة أى فقيه فى الفهم، إنما العصمة والقداسة لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ويؤسفنا أننا تورطنا فى أخطاء علمية كبلت حاضرنا الفقهى بقيود شنعاء، فقد طويت آراء لا ينقصها التفكير الجيد ولا الإخلاص البين لفقهاء لا يقلون مكانة عن الأئمة الأربعة المشهورين ، ثم نظر إليها بإزدراء أو خصومة، ومن ثم حرم العالم الإسلامى دهرا من النظر فى فقه ابن حزم وابن القيم، و الليث، والأوزاعي، والطبري، وغيرهم .

إن من أعظم ما عنى به الإسلام فى مجال الدعوة هو تكوين الخطاب العقلى العلمي، ورفض الخطاب الظنى الخرافى المقلد، الذى ينقل كل ما يقرأ أو يسمع كقضية مسلمة، دون أن يعرضه على العقل، أو يضعه موضع اختبار . والإسلام يحتفل بالإدراك العقلي، ويقوّم منهجه فى النظر، فعلى الرغم من دور الوحى فى تحديد معالم هذا الدين، وموقفه من القضايا العقائدية والتشريعية والأخلاقية المتصلة بالإنسان والحياة، فإن دور العقل فى فهم هذه الأمور، وإدراكها يظل دورًا بارزًا لا يتصور إغفاله أو إنكاره, وأيضا إعماله شرح وتأويل النصوص بما يتناسب مع معطيات العصر حتى لا تطغى الموروثات الشعبية على النصوص، فتوجهها إلى مساندة الخرافات فى السلوك الاجتماعى وهناك مجال أوسع لإبراز دور العقل، فيما لم يرد فيه نص دينى من الكتاب أو السنة فدور العقل هنا الاجتهاد فى إطار الروح العامة للتشريع، مع مراعاته لواقع المجتمع المعاصر.

وأيضًا مراعاته للتوازن بين متطلبات الحياة المادية والروحية التى جاء بها الوحي، حتى لا تطغى مطالب الروح على الجسد والعكس , فتكون العزلة عن الحياة العامة، والتفريط فى حقوق الوطن فى العمل والإنتاج، أو إهمال مطالب الروح والانغماس فى الحياة المادية فيكون الجفاء الروحى يؤدى للشقاء فى الدنيا قبل الآخرة.

انفصام الخطاب والواقع

ومن أساليب التجديد والإحياء للخطاب الإسلامى مراعاته واقع الحياة التى يعيشها الناس. فبدون معرفة الداعية بواقع الناس ومشكلاتهم فلا تأثير لبيانه ، فلا يكفى الداعية أن يكون قد حصل العلوم الإسلامية والإنسانية، وجال فى مراجع الأدب واللغة والتاريخ..ومما يؤسف له حقًّا وجود هذا الانفصام بين الخطاب الإسلامى وواقع الحياة المعاصرة، وإغفالهم لواقع العالم الإسلامي، وما يكال ويدبر له من مكائد، وما وقع على بعض بلدانه من احتلال وغزو، وإساءة للمصحف تارة و لنبى الإسلام تارة أخرى.

والفتوى كجزء أساسى من الخطاب الإسلامي، لا بد قبل إصدارها من دراسة وتحليل الواقع، والأحوال التى تطرأ عليه والآثار المترتبة على الإفتاء برأى معين، وقد أصبح الواقع معقدًا مما يتطلب دراسته دراسة متأنية تقدر فيها المصالح والمفاسد، بل لا بد من الاستعانة قبل صدور الفتوى بأهل الخبرة فى علوم الاجتماع والإحصاء والسياسة والاقتصاد، وبذلك تصبح الفتوى صائبة لأنها حققت التلاؤم بين التشريع والواقع.

حرية التعبير

ويؤكد أمين عام اللجنة العليا للدعوة أن الاهتمام بإتاحة الفرصة للدعاة للتعبير عن الفكر الدينى الصحيح، والمبادئ الإسلامية الأصيلة، حتى لو صادمت ما عليه الحكام، من أهم أساليب التجديد، شريطة أن يكون النقد بنّاءً، ومتناولا فئات المجتمع كله، والمجادلة بالتى هى أحسن. فلا يقبل من الدعاة الذين هم مشاعل هداية أن يبصروا الخطأ دون دعوة لتصحيحه، وأن هذه الحرية التى ينشدها الدعاة والمصلحون، تقوم فى الإسلام على أساس مهم نابع من اليقين بالله وأنه رب كل شيء ومليكه، وخالق كل شيء ورازقه، وأنه المحيى والمميت.

إلا أن حرية الرأى والتعبير عن الآراء قد تكون مظلة للتيارات المنحرفة فكريًا، فتجد فى ذلك المبرر لها لتكتب وتتحدث عن ثرثرة فارغة أو أفكارٍ هدامة . فالمحزن أن مفهوم حرية التعبير شاع مقلوبًا فى أذهان عدد كبير من حملة الأقلام، فظنوه إرسال الكلام على عواهنه، وتسويد الصفحات بضروب من الهذر تضر ولا تنفع وكل ما حظره الإيمان من الوقيعة والنميمة، والغيبة والتجسس والشماتة، وإشاعة الفحش والرذيلة وصرف الناس عن الجادة وصدهم عن الحق والفضيلة والشرف، ولا يمكن عد هذه المسالك من حرية الكلام، بل هو من حرية الفسوق والتدمير، ومن المؤسف حقًّا: أن جل المتحدثين باسم الثقافة من أهل الاجتماع أو القانون، يتحدثون عن الحرية كشعار فقط، دون أن يبينوا دور الحرية فى حياة الناس، والأثر الإيجابى الذى يعود عليهم من تطبيق هذا المبدأ.

وتجديد الخطاب واجب دينى لا يعنى تجديد الأصول والثوابت، وإنما تجديد الوسائل والآليات ومفاهيم القائمين عليه وتدريبهم. ولا يقبل الكلام حول التجديد إلا من أهله المأمونين المعروفين باعتدالهم وصدق انتمائهم لهذا الدين . وللمسلم الحق فى أن يسأل عن دليل كل قول، وعن مدى صحته، وعمّن استدل بهذا الدليل على تلك المسألة من أهل العلم المتقدمين، وفى أى مرجع أو مصدر يمكن الاطلاع على ذلك. إن هذا المنهج فى التلقى والنقد يمثل دعامة قوية من دعامات إهدار أقوال أصحاب الأجندات الممولة المشبوهة.

تأهيل الداعية

وفى الإطار ذاته، كشفت الدراسة عن ضرورة قيام الجهات المسئولة العمل بشكل سريع وفعال بتأهيل الداعية الإسلامى بما يناسب المرحلة التى تمر بها البلاد، تتيح له القيام بمهامه الدعوية وتنقية الموروثات الثقافية للأمة الإسلامية وتوجيه الجماهير فى الداخل والخارج لما يحقق وحدتها،و كبح جماح الحركات المضادة للإسلام، كالحركات التكفيرية والجماعات التى تحمل فكرا عنيفًا. وضرورة الارتقاء بذوق الناس أدبيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا لإيجاد مجتمع مبدع ومثمر ومتميز.

وعلى المسلمين المخلصين الذين يعملون فى حقل الدعوة الإسلامية، ويعيشون واقع مأساة الأمة وحقيقتها تبنى مشروع قائم لاختيار مجموعة من أذكى وأنبه شبابها الامة، ويهيئوا لهم أفضل السبل لدراسة علوم الشريعة على أيدى علماء الشريعة.

وضرورة تعديل مسار الفكر لدى المسلمين، بحيث تعالج الأزمة الفكرية التى يعيشها المسلمون اليوم، ولا يدرك إلاّ القلائل أبعادها، هذه الأزمة التى تبرز بوضوح من خلال ضعف مؤسسات الأمة، وتدنى مستوى الوعى والمعرفة والتربية لدى أبنائها، وتفكك علاقاتها وانحراف الكثرة الغالبة من قياداتها، وإحباط المحاولات الخيرة للنخبة الصالحة من أبنائها، كل ذلك لأن الإسلام أقصى عن حياة الأمة.

وأشارت الدراسة إلى أن المؤسسات التعليمية المعنية بتخريج القادة والمفكرين والدعاة المصلحين، أخفقت إلى حد كبير فى إخراج المسلم المفكر، فالجامعات التى أقيمت على النمط الغربي، لم تر أن من مهمتها إعداد العالم المسلم فى سائر فروع المعرفة والذى يقوى على أسلمة جميع المعارف والعلوم على يديه، بل رأت أن مهمتها: إعداد المتعلم المفتون بعلوم الغرب، والذى سرعان ما يدير ظهره لعقيدة الأمة وأهدافها فخرجت تلك الجامعات أجيالا ضعيفة فى انتمائها، مضطربة فى تفكيرها، عاجزة عن تسخير معارفها لخدمة الأمة، فهذه المؤسسات وإن نجحت بشكل محدود فى أن تقدم للأمة بعض المتخصصين الجيدين فى العلوم والمعارف الإنسانية، إلا أنها عجزت فى هذا التوقيت العصيب أن تقدّم للأمة علماء مسلمين قادة ومفكرين ومجددين يستطيعون أن يقدموا الإسلام للأمة من خلال كلياته وغاياته ومقاصده، ويواجهوا التحديات المعاصرة، وينتصروا عليها، ولذلك انحسر الفكر الإسلامي، ولم يعد هو المهيمن على حياة المسلمين وتفكيرهم، وانفتحت عقول المسلمين وقلوبهم لكل ألوان الفكر المغاير للإسلام، ووقف المسلمون عاجزين عن معالجة قضاياهم السياسية والاقتصادية و الاجتماعية وغيرها.

شبهات المكفرين

وكشفت الدراسة أن آفة التكفير التى شاعت عند بعض التيارات والجماعات ولم ينج منها إلا قليلون, ومسألة التكفير ليست جديدة، فإطلاق الكفر على الناس لمجرد التأخر عن أداء بعض الأعمال لا يصح، إذ أن الحكم بالكفر على إنسان ليس مجرد كلمة تقال، وإنما يترتب عليها أحكام شرعية، فمن ذلك مثلًا: أنه يفرّق بينه وبين زوجته، ولا يبقى له ولاية على أولاده ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين إن مات، وغير ذلك من الأحكام. لذلك ينبغى التحرز من إطلاق الكفر على الناس، لمجرد شبهة، فإن كثيرا من النصوص حفظت على المسلمين إسلامهم بالرغم مما وقعوا فيه من مخالفات .

وأخيرا يرى الشيخ محمد زكى أن نشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فى الكتاب والسنة وفهمها على هدى وفهم العلماء الربانيين، ثم رد ما اختلف فيه إلى أصحاب العلم كما أخبر القرآن الكريم، (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) "النساء83"، وكما قال تعالى: (..فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) "الأنبياء 7". هو بداية العلاج لظاهرة التكفير، بالإضافة إلى البحث عن أسبابها، وعوامل نشرها للوصول إلى علاجها واستئصالها من جذورها.

Busy0
18-01-2016, 08:09 PM
يعطيك العافيه على الطرح القيم والرائع
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيمه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن ....