مشاهدة النسخة كاملة : الإخوان البداية والنهاية


صوت الحق
09-10-2015, 09:35 PM
الإخوان البداية والنهاية الحلقة الأولى

http://www.islamist-movements.com/upload/libfiles/0/0/11.jpg




مدخل
حسن البنا..
اسم فرض نفسه على العالمين العربى والإسلامى، منذ نهاية الربع الأول من القرن العشرين.
الإخوان المسلمون..
من الذى لا يعرفهم ؟!
قد تتفق معهم أو تختلف، تتعاطف أو تعارض، تراهم حلما للخلاص أو كابوسا يقود إلى الهادية، لكن أحدا لا يملك أن ينكر وجودهم وقوتهم النسبية وقدرتهم على التأثير.
حسن البنا.. والإخوان المسلمون
الزعيم.. والجماعة
التأسيس.. والتطور
كيف تكون البداية ؟
أهى مع ميلاد الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن البنا، الشهير بحسن البنا، فى الثانى عشر من أكتوبر سنه 1906؟
أم أن البداية الحقيقية تتطلب العودة إلى ما قبل ذلك التاريخ بربع قرن؟!.



يتبع

صوت الحق
09-10-2015, 09:42 PM
مصرعلى مشارف القرن العشرين...اسرة البنا

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/783.jpg


والد البنا

ولد الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا سنة 1882 ميلادية، التى توافق سنه 1300 هجرية، وكان مولده فى قرية “,”شمشيرة“,”، التابعة لمركز “,”فوة“,”، بمديرية الغربية. قرية عادية صغيرة لا تختلف عن مئات القرى فى الدلتا، لكنها تتميز بالوقوع على ضفة النيل مباشرة، كما أن المركز الذى تتبعه: “,”فوة“,”، ذو تاريخ عريق حافل.
فى العام نفسه، كان الزعيم الوطنى أحمد عرابى قد تعرض لهزيمة قاسية، أفضت إلى الاحتلال الانجليزي لمصر، وتعرض عرابى للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، و حُكم عليه بالإعدام، قبل أن يستبدل الحكم بالنفى ومصادرة الأملاك.
هزيمة عرابى كانت نتيجة منطقية لمواجهة قوى لا قبل له بها: الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، الخديو محمد توفيق الذى أعلن عصيانه، والسلطان العثمانى الذى أفتى بتمرده، والخونة الذين باعوه بالثمن البخس.
لم تكن أسرة الشيخ أحمد البنا فى القاع، فهى تملك فدادين قليلة، يزرعها الأخ الأكبر محمد، الفلاح الماهر الذى يحسن الزراعة، ويجيد التعامل مع الأراضى البور.
لماذا تحمل الأسرة الزراعية لقب “,”البنا“,” ؟!.
هل كان الجد الأكبر يعمل بصناعة البناء؟
سؤال منطقى مبرر، لكن الإجابة الحاسمة عنه ليست متاحة، وإن كان الأبن الأصغر جمال البنا يرجح اشتغال أحد الجدود الأوائل للأسرة بصنعة البناء.
حلم غير مسار أحمد البنا!.
رأت أمه فى منامها، وهى حامل به، أنها ستلد ذكرا أسمه أحمد، وأن هذا الطفل سيحفظ القرآن الكريم.
من هنا جاء إصرارها على أن يتعلم فى كتاب القرية، بدلا من مساعدة أخيه الأكبر محمد فى أعمال الزراعة، ووافق الأب.
فى الرابعة من عمره، ذهب الطفل أحمد البنا إلى “,”سيدنا“,” فى الكتاب، وتلقى دروسه الأولى على يد الشيخ الكفيف محمد أبو رفاعى.
ما المهنة التى تناسبه بعد أن ابتعد عن عالم الزراعة، الذى يمثل النشاط الرئيسى فى القرى المصرية؟
لقد تحولت هواية أحمد البنا فى إصلاح الساعات إلى مهنة، وساعده إمام مسجد القرية، الشيخ أحمد الجارم، الذى أرشده إلى محل كبير للساعات فى الإسكندرية، يملكه الحاج محمد سلطان.
هناك، فى الإسكندرية، يستطيع أن يعمل، وأن يستكمل فى الوقت نفسه دراسته الدينية فى جامع الشيخ إبراهيم باشا، وهو مثل الأزهر فى القاهرة.
توجه احمد البنا إلى الإسكندرية، والتقى بالحاج محمد سلطان، وأبلغه تحيات الشيخ الجارم وتوصيته. بعدها اندمج أحمد فى مجالين: إتقان إصلاح الساعات، ومواصلة الدروس الدينية فى جامع إبراهيم باشا.
وهو على مشارف العشرين، عاد الشيخ أحمد إلى قريته، وسرعان ما ادى امتحان القرعة العسكرية، وتم إعفاؤه من التجنيد لأنه من حفظة القرآن الكريم.
ولأن القرى الصغيرة لا متسع فيها لمهنة مثل إصلاح الساعات، فقد اتجهت أنظار الشيخ الشاب إلى المحمودية والتى زارها مع احد أصدقائه زيارة خاطفة فاعجب بها أيما إعجاب.
المحطة التالية فى حياة الشيخ أحمد البنا هى الزواج، وهو ما تم فى الخامس والعشرين من إبريل سنه 1904.

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/792.jpg

أم السعد.. والدة حسن البنا.
عروس فى الخامسة عشر من عمرها، هى الأبنة الصغرى لتاجر مواشى القرية إبراهيم صقر.
جميلة، بيضاء البشرة، متناسبة الملامح، ذكية مدبرة واعية عنيدة، ولعل هذه الصفات جميعا قد انتقلت إلى ابنها البكر، حسن البنا.
المحمودية..
أخذت اسمها من اسم السلطان محمود، سلطان تركيا، عندما شق محمد على باشا ترعة تبدأ منها، وأطلق عليها ترعة المحمودية، وهى الترعة التى تزود الإسكندرية بالماء العذب.
لم تكن المحمودية قرية صغيرة، فهى بندر نشط ملئ بالحركة والحيوية. حيث كان للبنادر شأن وتأثير آنذاك، وكانت الحياة الاجتماعية نشيطة بفضل الطبقة الوسطى، ووقودها من صغار الملاك والتجار والموظفين.
اشترى الشيخ أحمد البنا بيتا صغيراً فى المحمودية، واشترى دكانا لإصلاح وبيع الساعات، واتسع نشاطه أيضاً ليشمل بيع أجهزة الجراموفون والأسطوانات.
الحياة الأسرية وتجارة الساعات والأسطوانات، لم تحل دون الشيخ الشاب ومواصلة القراءة والإطلاع وتحصيل العلوم الإسلامية، وهنا يبرز اسم الشيخ محمد زهران. شيخ كفيف موفور النشاط، يصدر مجلة عنوانها “,”الإسعاد“,”، يقوم بإدارتها وتحرير معظم مادتها العلمية.
علاقة الأستاذ بالتلميذ، انتهت إلى صداقة حميمة. أتت أكلها مع الطفل حسن البنا
12 أكتوبر سنه 1906م
25 شعبان 1324هـ.
ميلاد حسن البنا.. الأبن الأكبر للشيخ أحمد.
كيف كانت مصر فى ذلك الوقت؟
كان حاكم مصر الرسمى آنذاك هو الخديو عباس حلمى الثانى، و لكن القوة الحقيقية كانت بيد اللورد كرومر، ممثل دولة الاحتلال الانجليزي، والشعب غائب عن الساحة، الساحة كانت مهيأة لظهور الأحزاب بعد عام واحد من ميلاد حسن البنا.
زعيم وطنى شاب يتسم بالرومانسية، اسمه مصطفى كامل، واتجاه أخر عقلانى يرفض الانفعال العاطفى، يمثله أحمد لطفى السيد، وثمة اتجاه ثالث يدين بالولاء للجالس على العرش.
أغلبية طاغية من الفقراء، وأقلية ضئيلة فاحشة الثراء. النشاط الزراعى هو المهيمن، وكبار ملاك الأراضى هم أصحاب المصلحة الحقيقية والتحكم الاقتصادى، والمرأة محجوبة غائبة عن الحياة الاجتماعية، والتعليم متدهور، والأمية متفشية، والثقافة تنحصر فى الشعر، الذى يحمل رايته شاعر الأمير: أحمد شوقى، ويزاحمه شاعر النيل: حافظ إبراهيم.
الفن الغنائى هو الأكثر انتشارا، والمسرح الغنائى يحمله الشوام المهاجرون، ونجوم المرحلة منيرة المهدية وسلامة حجازى.
المعاناة تشتد وتزداد حدتها كل يوم، وقبل شهور قليلة من ميلاد حسن البنا كانت مأساة دنشواى، تعبيرا عن الهوان الذى يعانيه المصريون فى ظل الاحتلال والقهر.
كانت مصر تتهيأ للاستيقاظ من السبات الطويل الذى حل بها بعد صدمة الاحتلال، وكانت الجامعة الإسلامية حلما يراود الكثيرين، لكن معطيات الواقع تصدمهم فدولة الخلافة الإسلامية أضحت أشبه بالرجل المريض، الذى لا حول له ولا قوة فى مواجهة الغرب الاستعمارى، الذى ينهش فى جسد الإمبراطورية العثمانية ولا يبقى لها شيئاً.
قبل عامين من ميلاد حسن البنا، رحل الإمام المجدد الشيخ محمد عبده، الرجل الذى حاول أن يبعث الحيوية والشباب فى الأزهر، لكن جحافل التقليديين والمحافظين من الشيوخ لم تتح له فرصة النجاح، ومات الإمام وهو يردد فى أسى:
“,”ولكنه دين أردت صلاحه
أحاذر أن تقضى عليه العمائم“,”
كان الأزهر مؤسسة تقليدية محافظة، تقاوم التجديد فى شراسة، وتتحصن بالموروث والمحفوظ، وتتباعد كل يوم عن إيقاع الحياة المتجددة التى لا تعرف الركود.
هكذا كانت مصر عند ميلاد حسن البنا.
حسن البنا هو الأبن الأكبر للشيخ أحمد البنا، الذى توالى بعده قدوم الأخوة والأخوات تباعا: عبد الرحمن فى الثامن والعشرين من سبتمبر سنه 1908، وفاطمة فى الثالث من فبراير سنه 1911، ومحمد فى العاشر من فبراير سنه 1913، وعبد الباسط فى الخامس عشر من أغسطس سنه 1915، وزينب فى السادس عشر من يناير سنه 1919، وأحمد جمال الدين فى الخامس عشر من ديسمبر سنه 1920، واخيراً فوزية فى العاشر من مارس سنه 1923.
وباستثناء زينب، التى ماتت قبل أن تتم العام، ترعرع الأبناء السبعة وشقوا طريقهم فى الحياة، وتباينت أقدارهم ومصائرهم.
فى غضون ذلك، كان الشيخ أحمد البنا يواصل رحلته مع القراءة والكتابة الدينية، ويصلح الساعات، ويبيع الأسطوانات، ويعمل إماما وخطيباً لأحد مساجد المحمودية، وفضلاً عن ذلك كله عين الشيخ مأذونا للبلدة اعتبارا من عام 1913.
فى المحمودية، أقام الشيخ أحمد البنا صداقات وثيقة مع كثير من أبنائها: الشيخ أحمد الطباخ، والشيخ محمود دريدة، وعوض الباسوس، وغيرهم. ولم تقتصر صداقات الشيخ على المحمودية، فقد امتدت إلى أماكن أبعد، وصولا إلى القاهرة والإسكندرية، ولعل أشهر وأهم هؤلاء الأصدقاء هو الكاتب والمفكر الإسلامى المعروف محمد فريد وجدى.
فى القرن الثالث الهجرى، وضع الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى مسنده، وقد طبع الكتاب فى ستة مجلدات كبيرة. الإنجاز الأهم للشيخ أحمد البنا يتمثل فى تصنيفه لكتاب “,”الفتح الربانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى“,”، وهو عمل ضخم اشتغرق من الشيخ عمرا كاملا، وينم عن البيئة الدينية التى وُلد فى أحضانها حسن البنا.
إذا كان الشيخ محمد زهران هو الأستاذ الأول لأحمد البنا، فقد كان – أيضاً – الأستاذ الأول لابنه حسن، وفى مدرسة الرشاد الدينية، تلقى حسن البنا دروسه الدينية الأولى، وحفظ القرآن الكريم، وتهيأ لمواصلة طريق التعليم.


يتبع

صوت الحق
09-10-2015, 09:50 PM
طفولة وصبا البنا

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/784.jpg

ثمة مثل شائع يقول : من شب على شئ شاب عليه، وفى طفولة حسن البنا مشاهد تستدعى التأمل، وتومئ إلى ما سيئول إليه فى شبابه ورجولته.


مثل كل الأطفال، كانت لحسن البنا ألعابه المفضلة، وقد كان مولعا بلعبة شعبية شهيرة، ينقسم فيها الأطفال اللاعبون إلى فريقين متصارعين: عسكر وحرامية، ولكن الطفل حسن البنا أثر أن يحولها إلى مؤمنون وكافرون.


وكان هو دائما ما يقود فريق المؤمنين، ممسكا بسيف خشبى، ومندمجاً إلى درجة ينسى فيها أنه يلعب، فينهال بخشبة اللعب الخشبية على أقرانه، وكأنها حرب حقيقية جادة لا هزل فيها.


قد تكون الحكاية بسيطة، لكنها تشير إلى ثلاثة ملامح مهمة، نمت مع الطفل ولازمته طوال حياته:


الملمح الأول هو الاختيار الحاسم للمعسكر الذى يراه معبرا عن الإيمان من وجهة نظره، فى مواجهة الآخرين الذين يراهم معبرين عن الكفر والشر والضلال.


الملمح الثانى هو الجدية المفرطة، فهو يندمج فى اللعب متناسيا أنه هزل وتمثيل، ومخالفا بذلك للأعراف التى تحكم عالم الصغار.


أما الملمح الثالث فهو الميل المبكر إلى القيادة، والقدرة على فرض رؤيته ورؤاه على من يلعبون معه. هو الذى يقرر نوع اللعب، وهو الذى يقود المعسكر الذى ينحاز إليه.


لقد قرر حسن البنا، فى مرحلة مبكرة من عمره، ان ينحاز إلى معسكر المؤمنين ضد الكفار، وثمة حكاية أخرى، تنتمى إلى المرحلة نفسها، تكشف عن الاتجاه المبكر للإنتقال من اللعب إلى الجد، ومن القناعات النظرية والفكرية إلى العمل والسلوك.


مما يرويه البنا فى مذكراته، ولم يكن قد تجاوز الثامنة من عمره بعد، أنه مر ذات يوم على شاطئ النيل، فلاحظ أن أحد أصحاب السفن قد علق فى ساريتها تمثالا خشبيا عاريا، يتنافى مع التقاليد والآداب، وبخاصة أن هذا الجزء من الشاطئ تتردد عليه السيدات والفتيات لجلب الماء.


هل يقنع الطفل حسن البنا بالاستنكار القلبى؟


هل يتجه إلى صاحب المركب لمناقشته ونصحه؟


هل يشكو إلى أبيه أو أحد الكبار القادرين على التصرف؟


لم يفعل البنا شيئا من هذا كله، فقد ذهب غاضباً إلى ضابط النقطة محتجا معترضاً، واستجاب الضابط له فتوجه إلى صاحب السفينة ونهره، فأنزل التمثال.


وطبقاً لرواية البنا، فقد ذهب الضابط فى صباح اليوم التالى إلى المدرسة، وأخبر الناظر بما حدث فى إعجاب وسرور، سر الناظر بدوره وأذاع الخبر على التلاميذ فى طابور الصباح!.


قد لا تخلو القصة من بعض مواطن الخلل والضعف، فكيف لطفل فى الثامنة أن ينتبه إلى ما يجسده التمثال الخشبى من تهديد للآداب، واى ضابط هذا الذى يستجيب لشكوى طفل فى الثامنة، ويتحرك معه بمثل هذه السرعة، ثم يتوجه بنفسه إلى المدرسة لإشاعة الخبر وإذاعته؟!.


المسألة ليست فى تماسك القصة ومصداقيتها، لكنها فى الدلالات المستمدة منها: الثقة المبكرة بالنفس، المبادرة السريعة إلى الحركة، الولع بالدعاية والسرور بما يترتب عليها.


هذا هو حسن البنا.


ضاق الطفل حسن بنظام التعليم فى الكتاتيب، وصارح والده بأنه لم يعد يطيق الاستمرار، ولابد له من الذهاب إلى المدرسة الإعدادية. وعارض الأب الحريص على أن يحفظ ولده كتاب الله، لكنه وافق بعد أن تعهد الأبن بان يتم حفظ القرآن الكريم.


وهكذا صار الغلام طالبا بالمدرسة الإعدادية وهى الشهادة المعادلة للابتدائية الآن، يدرس فيها نهارا، ويتعلم صناعة الساعات بعد الانصراف منها، ويذاكر دروسه من بعد صلاة العشاء إلى النوم.


كان انصراف الشيخ محمد زهران عن الاهتمام بمدرسة الرشاد الدينية، أهم الأسباب التى دفعت الطفل حسن إلى الزهد فيها، ولم يكن من عهد إليهم بالإشراف على المدرسة فى مثل علمه وأدبه، ولم يصبر البنا على صحبتهم التى لم ترق له.


من الثامنة إلى الثانية عشرة من عمره، أى بين عامى 1914 إلى 1918، ارتبط حسن البنا بالمدرسة التى اسهمت فى تشكيل شخصيته، وخلال الفترة نفسها، اشتعلت الحرب العالمية الأولى، التى تركت أعظم الأثر على خريطة العالم، وعلى مصر بالضرورة.


الحرب العالمية الاولى:
مع اشتعال الحرب، فرضت انجلترا الحماية على مصر، وحالت بين الخديو عباس حلمى الثانى والعودة، وأصبح السلطان حسين كمال بديلا له، دفع المصريون ثمنا فادحا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.


مشاعر المصريين مع التحالف الألمانى التركى، ومراهنتهم أن يؤدى الانتصار الألمانى إلى إزاحة الاحتلال الانجليزي، وعودة الخلافة الإسلامية إلى سابق عهدها.


أزمات اقتصادية طاحنة، وقلق اجتماعى عاصف، وركود سياسى دام طوال سنوات الحرب، ولا جديد إلا وفاة السلطان حسين وصعود الأمير أحمد فؤاد مكانه.


انتهت الحرب بما خيب الآمال المعقودة عليها: هزيمة الأتراك، وترسيخ النفوذ الإنجليزيى، ودعوة الرئيس الأمريكي ويلسون إلى مبادئ جديدة تحكم العالم، ومؤتمر للصلح أعاد ترتيب الخريطة الدولية، بمعزل عن مشاركة مصر.


بعد إعلان الهدنة، وفى الثالث عشر من نوفمبر سنه 1918، توجه سعد زغلول وعلى شعراوى وعبد العزيز فهمى، وكلهم أعضاء فى الجمعية التشريعية، لمقابلة المندوب السامى الإنجليزي، ومطالبته بالسماح لوفد مصرى بالمشاركة فى مؤتمر الصلح.


من هنا بدأ تشكيل الوفد، وجاء الاعتقال والنفى لتشتعل الثورة الشعبية فى مارس سنه 1919.


وتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ مصر.


عندما تحرك سعد زغلول وزميلاه لتحريك القضية المصرية، كان حسن البنا يبدأ رحلته مع التعليم الإعدادى. وإذا كان الشيخ محمد زهران هو الأستاذ المؤثر فى المرحلة السابقة، فقد التقى البنا فى مدرسته الجديدة بأستاذه الثانى، محمد أفندى عبد الخالق، وشرع معه فى تشكيل أول جماعة وهى “,”جماعة السلوك الاجتماعى“,”، التى تهدف إلى إلزام التلاميذ بالأخلاق الحميدة فى سلوكهم اليومى، والتعفف عن الشتائم ومخالفة تعاليم الدين.


سرعان ما تولى حسن البنا رئاسة الجماعة، وانطلق منها إلى تأسيس جماعة جديدة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هدفها فرض الالتزام بتعاليم الدين، وتوجيه خطابات تهديد إلى سكان المدينة، الذين لا يلتزمون بهذه التعاليم.







يتبع

الفيلسوف
10-10-2015, 01:25 AM
متابع لموضوع حضرتك

نسر الشرق 2010
10-10-2015, 06:00 AM
متابع الموضوع لحين انتهائه
شكرا جزيلا

صوت الحق
10-10-2015, 06:04 AM
حسن البنا على الطريقة الحصافية




ومن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، انتقل البنا إلى الطريقة الحصافية الصوفية، يحضر جلسات الذكر، ويلتقى بأحد أهم أصدقاء عمره: تؤأم روحه أحمد السكرى.
وحول تأثره بالطريقة الحصافية وشيخها يروى حسن البنا “,” وفى هذه الأثناء وقع فى يدى كتاب المنهل الصافى فى مناقب حسنين الحصافى وهو شيخ الطريقة الأول والذى توفى ولم أره حيث كانت وفاته الخميس 17 من جمادى الآخره 1328 الهجرية، وكنت إذ ذاك فى سن الرابعة عشرة فلم اجتمع به على كثرة تردده على البلد فأقبلت على القراءة فيه وعرفت منه كيف كان السيد حسنين رحمه الله عالماً أزهرياً تفقه على مذهب الإمام الشافعى ودرس علوم الدين دراسة واسعة وامتلأ منها وتضلع فيها ثم تلقى بعد ذلك الطريق على كثير من شيوخ عصره ، وجد واجتهد فى العبادة والذكر والمداومة على الطاعات حتى إنه حج أكثر من مرة وكان يعتمر مع كل حجة أكثر من عمره .
وكان رفقاؤه وأصحابه يقولون ما رأينا أقوى على طاعة الله وأداء الفرائض والمحافظة على السنن والنوافل منه – رحمه الله – حتى فى آخر أيام حياته وقد كبرت سنه ونيف الستين. ثم أخذ يدعو إلى الله بأسلوب أهل الطريق ، ولكن فى استنارة وإشراق وعلى قواعد سليمة قويمة، فكانت دعوته مؤسسة على العلم والتعليم، والفقه والعبادة والطاعة والذكر، ومحاربة البدع والخرافات الفاشية بين أبناء هذه الطرق والانتصار للكتاب والسنة على اية حال والتحرز من التأويلات الفاسدة والشطحات الضارة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبذل النصيحة على كل حل حتى إنه غير كثيراً من الأوضاع التى اعتقد أنها تخالف الكتاب والسنة ، ومما كان عليه مشايخه أنفسهم. وكان أعظم ما أخذ بمجامع قلبى وملك على لبى من سيرته رضى الله عنه شدته فى الأمر بالمعروف والنهر عن المنكر وأنه كان لا يخشى فى ذلك لومة لائم ولا يدع الأمر والنهى مهما كان فى حضرة كبير أو عظيم .
فى هذه المرحلة، حكاية مهمة تكشف بعدا جديدا من أبعاد شخصية حسن البنا، وتؤكد طموحه إلى الأفعال العملية المباشرة، دون إفراط فى الدعوة النظرية.
كان حسن وزملاؤه فى المدرسة يصلون الظهر فى مسجد صغير يجاور المدرسة، وذات يوم مر إمام المسجد فرأى كثيرا من التلاميذ يؤدون الصلاة، فخشى الإسراف فى الماء والبلى للحصير.
ما كان من الإمام إلا أن انتظر حتى أتم المصلون صلاتهم، ثم فرقهم بالقوة مهدداً منذراً متوعدا، فمنهم من فر ومنهم من ثبت.
جاء رد الطفل حسن عمليا سريعا، وكتب إلى إمام المسجد خطابا لا يتضمن إلا الآية القرآنية الكريمة (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك فى حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم فى شئ فتطردهم فتكون من الظالمين).
بعث الخطاب بالبريد، وعرف الشيخ مصدر الرسالة فقابل والد حسن شاكياً، وانتهى الأمر بمعاهدة تتضمن أن يملأ التلاميذ صهريج المسجد بالماء قبل انصرافهم، وأن يعاونوه فى جمع التبرعات!.



http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/793.jpg

لم يسلم من خطابا البنا أحد حتى أستاذه الشيخ محمد زهران، فقد شاهده البنا يصلى بين السوارى فبعث إليه بخطاب يوضح له فيه أن الصلاة فى هذا المكان مكروه، وعندما رآه الشيخ استدعاه وأمره بفتح كتب الفقه واستخراج هذا النص، الذى لدقته فات على الشيخ المعلم.
ميل مبكر إلى الحركة العملية، واستعداد للزعامة والقيادة، وإصرار على الرد السريع، وقدرة على الجدل والمناظرة للحصول على ما يراه الطفل حقاً دينيا أصيلا لا يقبل التنازل عنه.
من ذكريات المرحلة نفسها، أن البنا كان يؤذن الظهر والعصر فى مصلى المدرسة، وكان يستأذن المدرس إذا كان وقت العصر يصادف حصة من الحصص، لأداء الأذان.
بعض الأساتذة يسمح وهو مسرور، وبعضهم الآخر يريد المحافظة على النظام فيرفض، وعندها يتصدى له البنا لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، ويناقشه فى إلحاح يدفع المدرس المعارض إلى الموافقة حتى يتخلص منه!.
فى فترة وجيزة، أسس البنا الصغير جمعيات عدة، المشترك بينها واحد الدعوة إلى الفضيلة والدفاع عن الدين، وكان البنا فى الثالثة عشرة من عمره عندما تولى سكرتارية “,”جمعية الحصافية الخيرية“,”، التى ترأسها أحمد السكرى. زاولت الجمعية عملها فى ميدانين : الأول هو نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، والثانى مقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية التى استقرت فى المحمودية، وأخذت تبشر بالمسيحية فى ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات.
دمنهور ومدرسة المعلمين الأولية..
محطة جديدة فى حياة حسن البنا
استمرت من سنه 1920 إلى سنة 1923.
كانت فترة استغراق فى التعبد والتصوف، ولم تخل من مشاركة فعلية فى الواجبات الوطنية.
عندما اشتعلت ثورة 1919، كان البنا دون الثالثة عشرة من عمره، لكنه يشير فى مذكراته إلى المظاهرات الجامعة والأضراب الشامل الذى شهدته المحمودية، ولا ينسى منظر أعيان البلد ووجهائه وهم يتقدمون المظاهرات ويحملون اعلامها ويتنافسون فى ذلك.. ويعترف البنا بأنه كان يحفظ الأناشيد العذبة التى كان يرددها المتظاهرون فى قوة وحماس :
حب الأوطان من الإيمان وروح الله تنادينا
إن لم يجمعنا الاستقلال ففى الفردوس تلاقينا
ويذكر البنا كذلك منظر الجنود الإنجليز الذين هبطوا القرية وعسكروا فى كثير من نواحيها، واحتك بعضهم ببعض الأهالى، فأخذ يعدو خلفه بحزامه الجلدى، حتى انفرد الوطنى بالانجليزي فأوسعه ضربا ورده على أعقابه خاسئا وهو حسير.








يتبع

صوت الحق
10-10-2015, 06:06 AM
هل شارك حسن البنا فى ثورة 1919؟

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/786.jpg
سعد زغلول

الإجابة بالايجاب، فقد أضرب مع زملائه الطلاب، وشارك فى بعض المظاهرات، ولم يكن عمره يسمح باكثر من ذلك.
سؤال يتكرر كثيرا، عبر عقود تالية، عن التداخل بين السياسي والدينى عند حسن البنا وجماعة الإخوان : أهم حزب سياسي أم جماعة دعوية؟ هل تنحصر أهدافهم فى الدعوة الدينية وحدها، أم أنها تمتد لتشمل طموحا سياسياً ؟!.
واقعة مهمة فى حياة حسن البنا المبكرة، تكشف عن الارتباك الواضح الذى يترتب على الجمع بين القيم الدينية والقواعد السياسية.
أضرب الطلاب فى يوم من أيام الثورة، وشارك البنا مع المضربين. اجتمعت اللجنة الثورية فى منزل الحاجة خضرة شعير بدمنهور، وداهم البوليس المجتمعين واقتحم البيت يسأل عنهم، وأجابت الحاجة : أنهم خرجوا منذ الصباح الباكر ولم يعودوا.
إجابة سياسية منطقية للابتعاد عن الشبهة ومخاطر العقوبة، لكن الأمر لا يروق للبنا، فالإجابة غير الصادقة عنده تعنى الكذب، ولذلك خرج إلى الضباط مصارحا بالحقيقة، دون نظر إلى الحرج الذى أصاب صاحبة البيت، بل إن حسن البنا اندفع فى مناقشة حماسية مع الضابط، وقال له إن واجبه الوطنى يفرض عليه أن يكون معهم، وليس أن يعطل عملهم ويقبض عليهم!.
وفقا لراوية البنا، فقد استجاب الضابط، وأمر المصاحبين له بالانصراف، وعاد الفتى الشجاع إلى أصدقائه المختبئين، ليباهى ببركة الصدق، ويؤكد لهم ضرورة أن يكونوا صادقين، وأن يتحملوا تبعة أعمالهم دون كذب!
الكذب رذيلة دينية، لكن الأمر ليس كذلك فى العمل السياسي. أى جدوى فى شجاعة الاعتراف بالحقيقة، تجنبا للكذب، إذا ما ترتب عليها هلاك الطلاب الوطنيين؟ وما الضمان أن يكون الضابط قادراً على الاستجابة والتفهم؟!.
هذا إذا لم يكن البنا يقصد من وراء إبلاغه الضابط أن يقبض على الطلاب المضربين لأن الدافع لم يكن دينياً محضاً.
كانت أيام مدرسة المعلمين، فى سنواتها الثلاث، استغراقا فى التصوف والتعبد، كما أنها شهدت إقبالا من الفتى البنا على تحصيل العلوم والمعارف خارج حدود المناهج الدراسية.
من أين استقى البنا هذه المعارف والعلوم؟!
المصدر الأول هو مكتبة أبيه العامرة بالكتب، وكان الأب يشجعه على القراءة والدرس، ويهديه كتب يرى أنها مناسبة له. وفى هذا الإطار، قرأ البنا كتب تركت أعظم الأثر فى نفسه، مثل “,”الأنوار المحمدية“,” للنبهانى، و“,”مختصر المواهب اللدنية“,” للقسطلانى، و “,”نور اليقين فى سيرة سيد المرسلين“,” للشيخ الخضرى.
المصدر الثانى يتمثل فى مكتبة كونها حسن لنفسه، وتضم كتبا متنوعة ومجلات قيمة. يوم السوق، كان يترقب وصول الشيخ حسن الكتبى بفارغ الصبر، ليستأجر منه كتب بالأسبوع، لقاء مليمات زهيدة، ثم يردها إليه ليأخذ غيرها. واللافت للنظر، أن البنا قد تأثر كثيرا بقصة “,”الأميرة ذات الهمة“,”، ورأى فيها دروساً فى الحماسة والشجاعة والذود عن الوطن.
أما المصدر الثالث فهو أساتذته فى المدرسة، ومنهم عبد العزيز عطية وفرحات سليم وعبد الفتاح أبو علام وعلى سليمان والشيخ البسيونى. كانوا جميعاً يشجعون البنا ويعجبون بنشاطه، فاندفع يقرأ كتب لا علاقة لها بالمناهج المقررة، وبعضها يفوق مرحلته السنية، ومع ذلك، على سبيل المثال “,”ملحةالإعراب“,” للحريرى، و“,”الألفية“,” لابن مالك، و“,”الياقوتية فى المصطلح“,”، و“,” الجوهرة فى التوحيد“,”، و “,”الرجعية فى الميراث“,”.









يتبع

صوت الحق
10-10-2015, 06:13 AM
الشيخ صاوى دراز وفكرة الإخوان


فى هذه الفترة التقى البنا بالشيخ دراز الذى سيوحى له من خلال حكايته عن السيد البدوي بفكرة جماعة الإخوان المسلمون وأهدافها يقول البنا: “,”كنا نتحدث عن الأولياء والعلم، وتطرق بنا الحديث إلى سيدى إبراهيم الدسوقى المجاور لبلدهم “,”يقصد الشيخ دراز“,” ، ثم إلى سيدى احمد البدوى بطنطا فقال: أتدري ما نبأ سيدى أحمد البدوي؟ فقلت له: لقد كان ولياً كريماً وتقياً صالحاً وعالماً فاضلاً. فقال: ذلك فقط؟ .. فقلت هذا ما نعلم، فقال : اسمع وأنا أحدثك“,”.
جاء السيد البدوي إلى مصر من مهجره من مكة وكان أهله من المغرب، ولما نزل مصر كانت محكومة بالمماليك، مع أن ولايتهم لا تصح لأنهم ليسوا أحراراً وهو سيد علوى اجتمع له النسب والعلم والولاية، واهل البيت يرون الخلافة حقاً لهم، وقد انقرضت الخلافة العباسية وانتهى أمرها فى بغداد، وتفرقت أمم الإسلام دويلات صغيرة يحكمها أمراء تغلبوا عليها بالقوة، ومنهم المماليك هؤلاء. فهناك أمران يجب على السيد أن يجاهد فى سبيلها: إعادة الخلافة وتخليص الحكم من أيدى المماليك الذين لا تصح ولايتهم. كيف يفعل هذا؟
لابد من ترتيب خاص. فجمع بعض خواصه ومستشاريه – ومنهم سيدى مجاهد وسيدى عبد العال وأمثالهما – واتفقوا على نشر الدعوة وجمع الناس على الذكر والتلاوة وجعلوا إشارات هذا الذكر السيف الخشبي أو العصا الغليظة لتقوم مقام السيف والطبل يجتمعون عليه، والبيرق ليكون علماً لهم والدرقة – وهذه شعائر الأحمدية – فإذا اجتمع الناس على ذكر الله وتعلموا أحكام الدين استطاعوا بعد ذلك أن يشعروا وأن يدركوا ما عليه مجتمعهم من فساد فى الحكم وضياع فى الخلافة فدفعتهم النخوة الدينية، واعتقاد واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إلى الجهاد فى سبيل تصحيح هذه الأوضاع وكان هؤلاء الأتباع يجتمعون فى كل سنة. واختار السيد طنطا مركزاً لحركته – لتوسطها فى البلدان العامرة فى مصر، ولبعدها عن مقر الحكم – فإذا اجتمع الأتباع سنوياً على هيئة “,”مولد“,” استطاع هو أن يدرك إلى أى مدى تأثر الناس بالدعوة. ولكنه لا يكشف لهم عن نفسه بل يعتكف فوق السطح ويضرب اللثام مضاعفاً ليكون ذلك أهيب فى نفوسهم، وهذا عرف ذاك الزمان، حتى كان أتباعه يشيعون أن النظرة بموتة، فمن أراد أن ينظر إلى القطب فليستغن عن حياته فى سبيل هذه النظرة. وهكذا انتشرت هذه الدعوة حتى اجتمع عليها خلق كثر.
ولكن الظروف لم تكن مواتية لتنجح هذه الحركة، فقد تولى مصر الظاهر بيبرس البندقدارى، فانتصر على الصليبين مرات، وانتصر على التتار مع المظفر قطز . ولمع اسمه وارتفع نجمه وأحبه العامة، ولم يكتف بذلك بل استقدم أحد أبناء العباسيين وبايعه بالخلافة فعلاً، فقضى على المشروع من أساسه، ولم يقف عند هذا الحد، بل أحسن السياسة مع السيد واتصل به ورفع من منزلته، وكلفه بأن يكون القيم على توزيع الأرس حين تخليصهم من بلاد العداء لأهليهم لما فى ذلك من تكيم وإعزاز، وكل ذلك قبل تمام هذا المشروع الخطير، واستمر الملك والحكم فعلياً فى المماليك، وإسمياً لهذا الخليفة الصوري حيناً من الدهر.
وقد ظلت هذه الحكاية تداعب خيال البنا حتى أسس جماعة الإخوان لتأخذ كثيراً من سمات ما فعله السيد البدوى له ، الحكاية المذكورة بدون أن يخفى البنا وجهه عن الناس .
فى المرحلة نفسها، توثقت صداقة حسن البنا مع الأقرب إلى روحه وعقله من أقران الصبا، أحمد السكرى.
كان الأسبوع الدراسى فى دمنهور ينتهى يوم الخميس، وظهر هذا اليوم يعود حسن إلى المحمودية ليقضى ليلة الجمعة وليلة السبت. أجازة قصيرة يزور فيها الأهل ويقضى الوقت معهم، ويسعد بلقائهم ثم يعود صباح السبت إلى دمنهور حيث صديقه أحمد أفندى السكرى، والذى توثقت أواصر الصداقة بينهما إلى درجة أن أحدا منهما لم يكن يصبر أن يغيب عن صديقه أسبوعا كاملاً دون لقاء.











يتبع

نسر الشرق 2010
10-10-2015, 06:27 PM
http://i653.photobucket.com/albums/uu254/moraddorgham/d8a7d8b3d8af20d985d8aad.gif

http://i650.photobucket.com/albums/uu226/al_gawhara/photo/g5g5-7a4489092c.gif

http://i13.servimg.com/u/f13/14/69/00/99/sigpic10.gif

صوت الحق
11-10-2015, 06:33 AM
البنا فى القاهرة


صحت نية حسن على التقدم إلى دار العلوم، وتم إخطاره بالموعد المحدد للكشف الطبى والامتحان. كان عليه أن يسافر إلى القاهرة، وصادف ذلك شهر رمضان، أراد أبوه أن يصحبه فلم ير لذلك موجبا، واكتفى بدعائه وخطاب إلى صديق من كبار تجار الكتب الميسورين بالقاهرة.
رأى القاهرة للمرة الأولى بعد أن تجاوز السادسة عشرة بشهور. نزل فى باب الحديد عصرا، وركب الترام إلى العتبة، ثم ركب السوارس إلى حى الحسين، متوجها إلى التاجر صديق أبيه. لم يكترث الرجل به لكنه صادق عاملاً أهتم لأمره واستضافه حتى الصباح، وفى اليوم التالى اتخذ طريقه إلى دار العلوم.
دار العلوم..
أنشئت عام 1873، كأول محاولة مصرية لتقديم تعليم جديد يتسم بالعصرية، دون إهمال العلوم الدينية التقليدية. لقد أصبحت دار العلوم، من الوجهة الأساسية، مدرسة عليا للمعلمين، لكنها اصطبغت أكثر فأكثر، مع تطور نظام التعليم المدنى للجامعة المصرية، بالصبغة التقليدية السلفية.
اتيحت للبنا فرصة أن يعمل مدرسا، بمؤهله المتوسط، فى قرية قريبة تتيح له أن يعاون أباه ويساند أسرته، لكن الفتى الطموح، بعد تفكير عميق، قرر أن ينبذ الوظيفة المتاحة، فى سبيل الالتحاق بمدرسة عليا تشبع نهمه إلى المزيد من العلم والتفوق.
كيف كانت القاهرة التى سافر إليها البنا؟!
لم تكد الحرب العالمية الأولى تنتهى، حتى اشتد ساعد الحركة القومية المطالبة بحقوق البلاد، على أساس المبادئ التى بشر بها الرئيس الأمريكى ولسن، وكان حزب الوفد هو بطل المرحلة الجديدة.
لقد تغيرت معالم وجه المسألة المصرية، بعد ثورة سنه 1919، تغييرا جوهرياً عميقا. بعد أن كان الاستقلال رهينا بأمر وإرادة الغرب، أصبح للمصريين كلمتهم وطموحهم. وبعد أن كانت غاية الحزب الوطنى لا تتجاوز الاستقلال تحت الراية العثمانية، أصبح الاستقلال التام، عن تركيا وبريطانيا معا، عقيدة راسخة يؤمن بها المصريون من مختلف الطبقات والثقافات. وبعد أن كان العمل السياسي احتكار لمثقفى المدن، أصبح الجميع يتحدثون فى السياسة، ويحلمون بالسيادة والاستقلال والدستور.
لم تكن ثورة 1919 ذات توجه إسلامى، وقد شاركت فيها جميع طوائف الأمة، وترددت شعارات جديدة مثل “,”الوحدة الوطنية“,” و “,”الاستقلال التام“,” و “,”الدستور“,”.
ثورة 1919، بكل شعاراتها الليبرالية العصرية، لم تحقق الأهداف المأمولة، فقد اشتعل الصراع الحزبى بعد إقرار دستور سنه 1923، وانقسمت الأمة بين أغلبية تؤيد الوفد، وأقلية تنتمى إلى أحزاب أخرى. وكان منطقيا أن يزداد القلق والتوتر عند أصحاب الأفكار والتوجهات الإسلامية، بعد أن سقطت دولة الخلافة فى تركيا، وانتشرت الأفكار الليبرالية والعلمانية، التى تدعو إلى الفصل بين الدين والدولة.
توافق وصول البنا إلى القاهرة مع فترة الغليان الفكرى والسياسى التى ميزت العشرينيات، وبعينى ريفى متدين، استطاع حسن البنا أن يميز المشكلات الأكثر خطورة من وجهة نظره : الصراع المحتدم بين الوفد والأحرار الدستوريين على حكم مصر من ناحية، والمجادلات السياسية الصاخبة التى أسفرت عن الانقسام فى أعقاب ثورة 1919 من ناحية أخرى. كان المناخ الجديد يهيئ لبعث الأفكار الإسلامية فى أشكال شتى، ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين، التى أسسها البنا بعد سنوات قليلة، إلا أحد هذه الأشكال.
قاهرة العشرينيات..



http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/794.jpg
مصطفى كمال اتاتورك

حراك سياسى وثقافى وفكرى واجتماعى
أفكار جديدة تصطدم مع القديم الراسخ
مصطفى كمال أتاتورك يعلن عن سقوط الخلافة، والشيخ على عبد الرازق يفجر قنبلة فى كتابه الصغير الخطير “,”الإسلام وأصول الحكم“,”، ويعلن أن الخلافة ليست فريضة دينية، لكنها اجتهاد بشرى.
الأزهر يعجز عن التجدد والتطور، والأزهرى القديم المتمرد الدكتور طه حسين، يلقى قنبلة أخرى من خلال كتابه “,”فى الشعر الجاهلى“,”، حيث يبشر بمذهب جديد غير مسبوق فى الثقافة التقليدية، قواعد الشك فيما يظن أنه من الثوابت التى تعلو فوق الشكوك.
فكر جديد ينطلق من قاعات الجامعة المصرية، ومفكرون جدد يتحمسون لكل ما هو عصرى غربى، وانعكاسات اجتماعية وأخلاقية تترتب على هذا المناخ.
المقيمون فى الأقاليم البعيدة عن العاصمة، مثل المحمودية ودمنهور، لا يشعرون بما يحدث من حراك، فهم متقوقعون داخل شرنقة الحياة التقليدية التى اعتادوها وألفوها، ولا تتجلى صدمة التغيير العاصف إلا عند الاحتكاك بالعاصمة، وهذا ما حدث مع حسن البنا عندما هبط إلى القاهرة ليلتحق بدار العلوم.
كان من نتيجة الظروف السياسية الجديدة، بعد ثورة 1919، وما تبعها من صراخ فكرى بين التيار التحديثى والتيار المحافظ، أثر واضح على الحياة الاجتماعية، والمقارنة بين الحياة العامة فى المدن المصرية، قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، تكشف عن بعض أبعاد هذا التغيير.
كان منطقيا أن يسعى التيار المحافظ لنشر أفكاره الدينية والمحافظة عليها، وتوالى ظهور الجماعات والجمعيات الإسلامية، تمثل أهمها فى جمعية “,”الشبان المسلمين“,”، التى ترأسها صالح باشا حرب قرب نهاية سنة 1927، والتى مهدت لظهور جماعة الإخوان المسلمين، التى أسسها البنا فى مدينة الإسماعيلية سنه 1928.
لم يكن البنا سلبيا عند إقامته فى القاهرة، وقادته بوصلته الفكرية الدينية إلى التجمعات التى تناسب أفكاره وتوجهاته، ولذلك ساند جمعية الشبان المسلمين، وعمل مندوبا لمجلة “,”الفتح“,” المعبرة عن الخط الإسلامى المحافظ، وهى المجلة التى أشرف على تحريرها محى الدين الخطيب، مدير المكتبة السلفية وأحد مؤسسى الشبان المسلمين.
كانت القاهرة شيئاً مختلفا عن المحمودية ودمنهور.







يتبع

صوت الحق
11-10-2015, 06:35 AM
بذور ميلاد الداعية

وتوقف حسن البنا عند تنامى ما يسميه موجة التحلل فى النفوس وفى الآراء والأفكار باسم التحرر العقلى، ورصد فى استياء انعكاس ذلك على المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصى، ورأى أن الخريطة الجديدة تمهد لمزيد من الإلحاد وال*****ة، وأن الطوفان من القوة بحيث يكتسح كل شئ.
بمزيج من الحسرة والأسى والغضب، راقب البنا انقلاب مصطفى كمال أتاتورك على دولة الخلافة، وقيامه بالفصل بين الدين والدولة، فى أمة كانت مقر أمين المؤمنين والقلبة التى تتوجه إليها عقول وقلوب المسلمين فى كل مكان.
ولاحظ البنا أن الجامعة المصرية، بعد تحولها من معهد أهلى إلى جامعة حكومية تديرها الدولة، أصبحت تصطدم مع الكثير من الثوابت المقدسة، وترسخ عند ابنائها شعور بأن الجامعة لن تكون جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين، وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، واندفعت وراء التفكير المادى المنقول عن الغرب بحذافيره، وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والانطلاق من كل القيود.
الحيرة تعصف بالشاب القادم من مجتمع تقليدى محافظ، إلى عاصمة تزدحم بكل ما هو بعيد عما اعتاده وآمن به.
وبحكم طبيعته العملية، كان عليه أن يفكر فى وسيلة عملية يسهم بها فى إيقاف التدهور والانهيار.
القاهرة، على اتساعها، لم تكن تضم من الجمعيات الإسلامية، عند وصول البنا، إلا جمعية “,” مكارم الأخلاق الإسلامية “,”، التى يرأسها الشيخ محمد محمود، ويتركز نشاطها على إلقاء المحاضرات الإسلامية فى مقرها ببركة الفيل.
واظب حسن البنا على المشاركة فى أنشطة الجمعية، وانضم إلى عضويتها لكنه كان يعتزم أمراً آخر. بعد ما شاهدة فى القاهرة من مظاهر بدت له على أنها تحلل وبعد عن الأخلاق الإسلامية، وبعد ما قرأ فى الصحف والمجلات عن أمور تتنافى من وجهة نظره مع التعاليم الإسلامية، وبعد أن لاحظ الجهل المتفشى بين العامة بأحكام الدين، آمن الشاب أن المساجد وحدها لا تكفى لإيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس. لا يكفى أن يذهب الناس إلى المساجد، فلابد للأئمة والوعاظ والحريصين على تعاليم دينهم أن يذهبوا إلى الناس.
وكانت هذه بذور ميلاد الداعية حسن البنا.
هل كان يعلم بما يفوق طاقته وقدرته ؟!.
ربما كان كذلك، فالحلم من سمات وملامح شخصيته.
يؤكد البنا، فى مذكراته، أنه ليلة امتحان النحو والصرف للالتحاق بدار العلوم، رأى فيما يرى النائم أنه يركب زورقاً مع بعض الأفاضل من العلماء، وتقدم أحدهم إليه وقال :
- أين شرح الألفية لابن عقيل ؟
وبادر البنا بالرد :
- ها هو ذا..
وعندها، قال له العالم فى المنام :
- تعال نراجع فيه بعض الموضوعات..
وطلب منه صفحات بعينها، وأخذ يراجع معه موضوعاتها.
وفى الصباح، فوجئ حسن البنا أن الكثير من أسئلة الامتحان قد جاءت من هذه الموضوعات !.
ويعلق البنا على هذا الحلم بقوله إن الرؤيا الصالحة بشرى للمؤمن تستأهل حمد الله رب العالمين.
ما أكثر الحالمين، وما أكثر الذين يصدقون أحلامهم، وما أقل الذين تصدق أحلامهم..
كان البنا حالماً، ومؤمناً بأنه صاحب رسالة. وإذا كانت الأماكن الصغيرة النائية المحدودة لا تتسع لطاقته الكبيرة فى الحلم والعمل، فقد آن له أن يمارس فى العاصمة ما يناسب قدراته.
كان انتقال الأسرة كلها إلى القاهرة أمراً ضرورياً، فالابن الأكبر حسن البنا فى دار العلوم، وعبد الرحمن الذى يليه أتم الدراسة الابتدائية ولابد له من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، أما محمد فقد أتم الأولية، وكان أبوه راغباً فى إلحاقه بالأزهر، والأخوة الآخرون لا بد لهم من مواصلة رحلة التعليم، ومعاهد العلم ليست متوفرة فى المحمودية.
لابد إذن من القاهرة، ولا بديل لها.
سافر الأب إلى القاهرة بحثاً عن العمل والمسكن، وسرعان ما انتقلت الأسرة إلى العاصمة، فالتحق عبد الرحمن بمدرسة التجارة، وانتسب محمد إلى الأزهر، والتحق الأخوة الباقون بالمدارس المناسبة.
مما ساعد على اتخاذ القرار، أن الشيخ أحمد البنا قد فقد والديه سنة 1924، فانقطع بذلك أكبر خيط كان يربطه بالبلد. وفضلاً عن ذلك، فقد تعرض حسن البنا لاعتداء من أحد زملائه، وهو ما أثار مخاوف الأم، فأصرت على الإنتقال إلى القاهرة لتراعى أكبر أبنائها.
الاعتداء الذى تعرض له حسن من أحد زملائه، لا تفسير له عند المعتدى عليه إلا الحسد والحقد.
وفقاً لرواية البنا، فقد انتهز الزميل الحقود فرصة نوم جميع الطلاب، وأخذ يصب زجاجة من صبغة اليود المركزة على وجهه وعنقه، قبل أن يعود إلى التظاهر بالنوم، لكن المؤامرة فشلت لاستيقاظ حسن واسراعة إلى دورة المياه ليغسل وجهه وعنقة.
ووفقاً لرواية البنا أيضاً، فقد عفا عن زميله المعتدى وسامحه، وأبى أن يقوم الزملاء بتبليغ النيابة وإدارة المدرسة. اللافت للانتباه، أن البنا يختتم حكاية الاعتداء بقوله إن هذه الحادثة كانت خيراً وبركة وسبباً لانتقال الأسرة كلها من المحمودية إلى القاهرة.
كان فى اعماقه إذن حنين للارتباط بالقاهرة، والتخلص من عالمه القديم الذى ضاق بأحلامه.
من بلكونات قاهرة العشرينيات، تتدلى يافطات كثيرة مكتوب عليها “,”شقة للإيجار“,”، وكان ملاك البيوت يبذلون كل الجهد الممكن للظفر بمستأجر، وفى سبيل ذلك يقدمون التسهيلات والإغراءات ويتفننون فى جذب الزبائن والعمل على الاحتفاظ بهم.
وفرة المساكن لا تبرر انتقال أسرة الشيخ أحمد بين شقق مختلفة فى فترة وجيزة.
كانت البداية فى بيت بشارع ممتاز بالسيدة زينت، وبعد شهرين غادرته الأسرة إلى مسكن جديد ن وبعد شهر واحد كان الانتقال إلى بيت عطفة مندور بشارع سلامة، وبعد ثلاثة شهور منزل جديد فى درب صبيح بقسم الخليفة، ومنه – بعد شهرين – إلى حارة العسل، حيث لم يطل المقام إلا شهران، وانتقل الأب وأبناؤه إلى طالون، ومن طالون، بعد شهر واحد، إلى حارة العبيد، ثم إلى عطفة عطايا.
القائمة طويلة تضم كثيراً من المنازل والبيوت، فى أحياء شعبية متقاربة، ولا تفسير لكثرة الانتقال إلا عجز الأسرة الريفية عن التوافق مع حياة العاصمة.
كان الأب الشيخ قد تعود على مجتمع المحمودية المألوف الأليف، ولم يكن ميسوراً أن يتأقلم سريعاً مع القاهرة.
أزمة نفسية تترتب على الإنتقال، وازمة أخرى مادية يواجهها الشيخ، بعد أن كبر الأبناء وتضاعفت مصاريفهم.
لم يكن الشيخ مستعداً لتخصيص وقت كبير لكسب المال، فقد كان تركيزه منصباً على إنجاز مشروع “,” الفتح الربانى “,”، وهو مشروع يحتاج بدورة إلى نفقات طائلة.
كان الاب هو رب الأسرة والمسئول وحده عن توجيهها وإرشادها، وهو ما يتجلى بوضوح فى الاتجاه الذى سلكه الابنان الكبيران حسن وعبد الرحمن، لكن الجانب الأكبر من المسئولية انتقل إلى الأم فى مرحلة القاهرة، وهو ما أدى إلى تنوع ملحوظ فى مسارات الأبناء الآخرين، فقد التحق عبد الباسط، المولود سنة 1915، بمدرسة البوليس، وأصبح ضابطاً قبل أن يستقيل ويعمل بالسعودية فى الخمسينات، أما الابن الأصغر أحمد جمال الدين، جمال البنا، فقد اتخذ طريقاً لا يتناقض أو يتصادم وأخيه، لكنه يختلف عنهما بالضرورة.
الدعوة على المقاهي
آمن حسن أن توجه الناس إلى المساجد لا يكفى، فلابد للدعاة والوعاظ أن ينتقلوا من المساجد إلى حيث ينفق العاديون من الناس أوقاتهم، فى الشوارع والقهاوى. وهؤلاء الدعاة مطالبون بالإنتشار فى القرى والريف والمدن لنشر الدعوة الإسلامية.
دعا البنا لفيفاً من اصدقائه للمشاركة فى مشروعة الدعوى الجديد، وكان منهم محمد مدكور وحامد عسكرية وأحمد عبد الحميد، وغيرهم يجتمعون فى مسكن الطلاب فى مسجد شيخون بالصليبة، ويتباحثون عما تستلزمه هذه المهمة من استعداد علمى وعملى.
خصص حسن جزءاً من كتبه لتكون مكتبه دورية خاصة بإخوانه، يستعيرونها ويحضرون موضوعات الخطب والمحاضرات منها.
لا يقنع حسن البنا بهذا الإطار النظرى، فيعرض على اصدقائة الخروج للوعظ فى المقاهى، وهو ما استغربوه وعجبوا منه. كان منطقهم ينطلق من ان أصحاب المقاهى لن يسمحوا بذلك الوعظ لأنه يعطل أشغالهم، وأن المترددين على مثل هذه الأماكن لن يرحبوا بالوعظ وهم الغارقون فى اللهو.
للبنا رأى آخر يعارض به إجماعهم، فهو يؤمن أن هذا الجمهور أكثر استعداداً لسماع العظات من أى جمهور آخر، حتى جمهور المسجد نفسه، لأن الفكرة جديدة وطريفة، المهم أن يتم اختيار الموضوع بعناية، وألا يكون فى الوعظ ما يجرح شعورهم أو يعرضهم لنوع من الحرج، وأن يكون الأسلوب شائقاً جذاباً ومختصراً حتى لا يحط عليهم الملل.
لم ينجحوا فى اقناعه، ولم ينجح بدوره فى التأثير عليهم، فاقترح عليهم أن تكون التجربة هى الحد الفاصل فى الأمر.
بدأت الجولة فى المقاهى الواقعة بميدان صلاح الدين وأول السيدة عائشة، ومنها إلى المقاهى المنتشرة فى طولون، وصولاً إلى شارع سلامة والسيدة زينب. القى حسن أكثر من عشرين خطبة فى هذه المقاهى، وكانت الخطبة الواحدة تستغرق ما يتراوح بين خمسة دقائق إلى عشرة.
يؤكد البنا أن التجربة نجحت، ولاقت القبول والاستحسان من أصحاب المقاهى وزبائنها، وقرر أن يواصل المسيرة.
فى السنة الدراسية الأخيرة بدار العلوم، طلب الشيخ أحمد يوسف نجاتى من طلابه كتابة موضوع مضمونه : “,” اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك “,” وبين الوسائل التى تعدها لتحقيقها “,”.
استهل البنا موضوعه بالتأكيد على أن خير النفوس هى تلك النفوس الطيبة التى ترى سعادتها فى سعادة الناس، وأن أجل غاية يجب أن يرى الإنسان إليها هى أن يحوز رضا الله. لا سبيل إلى ذلك عنه “,” إلا بسلوك طريقين : أولهما طريقة التصوف الصادق، وثانيهما طريقة التعليم والإرشاد.
الأمر الخاص للبنا هو اسعاد أسرته، أما الهدف العام فهو أن يكون مرشداً معلماً، يقضى فى تعليم الأبناء سحابة النهار، وينفق الليل فى تعليم الآباء.
لقد اختار طريقة : ان يكون مرشداً.
تخرج البنا فى دار العلوم وجاء تعيينه فى مدينة الإسماعيلية، المدينة التى لا يعرف أين تقع على وجه الدقه، وتقترن فى ذهنه، مثل الغالبية العظمى من المصريين، بقناة السويس والشركة الأجنبية التى تديرها.
يوم الاثنين، السادس عشر من سبتمبر سنة 1927، اجتمع أصدقاء حسن البنا لتوديع زميلهم المسافر لاستلام عمله فى الإسماعيلية، مدرساً بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية.
لم يكن حسن يعرف شيئاً ذا بال عن المدينة، فهى عنده بلد ناء بعيد شرق الدلتا، يفصله عن القاهرة فضاء فسيح من رمال الصحراء الشرقية، وتقع على بحيرة التمساح المتصلة بقناة السويس.
فى لقاء الوداع هذا، قال محمد افندى الشرنوبى إن الرجل الصالح يترك اثراً صالحاً فى كل مكان ينزل فيه،
وتمنى لصديقة المسافر ان يترك اثراً صالحاً فى البلد الجديد عليه.
واستقرت الكلمات فى اعماق حسن البنا.
قبل سفره باسابيع قليلة، ودعت مصر زعيمها سعد زغلول، وبدا أنها تتهيأ لمرحلة جديدة، تتوارى فيها الزعامات التى صنعت أمجاد الثورة واساطيرها، وبدت الساحة مهيأة لمتغيرات جديدة.






يتبع

صوت الحق
11-10-2015, 06:37 AM
الاسماعيلية...مولد الجماعة ابريل 1928


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/790.jpg

وصل القطار إلى محطة الإسماعيلية، وكان الانطباع الأول عن المدينة إيجابياً عند الوافد الجديد. كانت نية البنا أن يقيم فى فندق، لكنه لم ير مانعاً فى مشاركة صديقة القديم إبراهيم البنهاوى غرفة فى بنسيون السيدة “,”أم جيمى“,” الإنجليزيى، ثم انتقلا معاً إلى منزل مدام ببيتا الإيطالية.
لم يستغرق وقتا طويلاً للإندماج فى عالم المدينة، وكانت كلمات الشرنوبى تسيطر عليه : الرجل الصالح يترك أثراً صالحاً فى كل مكان ينزل فيه.
عن طريق المسجد، استطاع البنا أن يعرف الكثير عن طبيعة المدينة وظروفها الاجتماعية والاقتصادية. أدرك أن النزعة الأوروبية مهيمنة، بفضل المعسكرات البريطانية من ناحية، وبسبب وجود إدارة شركة قناة السويس من ناحية أخرى، لا عمل لأهل الإسماعيلية إلا فى هذين المجالين، ولا مهرب لهم من الاتصال عن قرب بالحياة الاوروبية.
وعلى الرغم من هذا كله، فقد شعر المدرس الشاب أن المشاعر الدينية قوية وحية فى النفوس، وأن الطريق إلى الدعوة لا ينبغى أن ينطلق من المسجد، فالمقاهى أولى بدعوته.
اختمرت الفكرة فى رأسه، وبدأ فى تنفيذها.
اختار ثلاث مقاه كبيرة، ورتب فى كل منها درسين فى الأسبوع، وواظب على التدريس والوعظ بلا كلل. للوهلة الأولى بدا الأمر غريباً فى نظر الناس، لكنهم ما لبثوا أن ألفوه وأقبلوا عليه.
كان خطته أن يكون وعظه عاماً لا قسوة فيه، وأن يكون الأسلوب سهلاً جذاباً مشوقاً، لا يخلو من مفردات عامية لتبسيط وتقريب المفاهيم. ولم تكن الخطبة تزيد عن عشرة دقائق، فإن طالت فإنها لا تتجاوز ربع الساعة.
وكم كان البنا سعيداً وهو يرصد بوادر النجاح، لكن الدرس الذى نظمة فى المسجد أثار غضب بعض رجال الدين، وكانت للبنا مع واحد منهم حكاية مهمة، تكشف عن التطور الذى لحق بشخصيته، وقدرته على تجنب الصدام.
واحد من قدامى المشايخ، المولعين بالجدل والحواشى وإحراج الوعاظ، حاول إحراج الداعية الشاب ذات مرة. كان البنا يقص قصة ابى الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، فسأله الشيخ – كأنه يتحداه ويمتحنه – عن اسم أبى إبراهيم !.
واستمر الشيخ فى استخدام أسلوبه الاستفزازى فى كل درس، وخاف البنا أن يهرب المستمعون.
فكر فى أسلوب عملى لعلاج المشكلة، فدعى الشيخ إلى منزلة، واكرمه، وأهداه كتابين، فسر الشيخ بالتكريم والهدية، فإذا به يواظب على الدرس، ويكف عن الجدال، ويدعو الناس إلى الحضور.
تجنب الصدام والجدال، وأثر أن يقترب من خصمه ويحتويه، ولم يكن ذلك شاقاً أو صعباً!.
كان من أثر محاضرات ودروس البنا أن حضر إليه من الذين تأثروا بها من أهالى الإسماعيلية : حافظ عبد الحميد، نجار، أحمد الحصرى، حلاق، فؤاد إبراهيم، مكوجى، وعبد الرحمن حسب الله، سائق، إسماعيل عز، جناينى، زكى المغربى، عجلاتى.
وكان ذلك فى أبريل 1928.
حدثوه عن الطريق العملى الذى ينبغى ان يسلكوه، لعزة الإسلام وخير المسلمين، وعرضوا عليه ما يملكون من مال بسيط، وحملوه تبعية أمرهم، فكان القسم والبيعة.
أى اسم يحمله التنظيم الوليد ؟!
قال لهم البنا : نحن اخوة فى خدمة الإسلام، فنحن إذن الإخوان المسلمون.
وهكذا ولدت الجماعة




أنتهاء الجزء الاول
يتبع

الاهلاوى 2007
12-10-2015, 04:48 PM
كتاب على عشماوى

التاريخ السرى لجماعة الاخوان المسلمين

لا رابطة أقوى من العقيدة . ولا عقيدة أقوى

من الاسلام . هذه الصحية كانت كلمة حق

اريد بها باطل .
فقد كانت النداء الذى سيطر به الاخوان على
شباب هذه الامة . ثم قاموا بغسل ادمغتهم
والسيطرة عليهم يوجهونهم الى اى اتجاه
يريدون .
ص 6

صوت الحق
12-10-2015, 04:54 PM
الإخوان البداية .. والنهاية
(الحلقة الثانية)

صوت الحق
12-10-2015, 04:56 PM
النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين

قبل أن يصل إلى عامه الثانى والعشرين بسته أشهر، كان المدرس الشاب حسن البنا قد أسس جماعة الإخوان المسلمين فى مدينة الإسماعيلية .
نظرة سريعة على من شاركوه فى بناء النواة الأولى، تكشف عن طبيعة الأساس الاجتماعى والاقتصادى والثقافى للجماعة الوليدة. نجار وحلاق ومكوجى وسائق وجناينى وعجلاتى، من القاع الاجتماعى والاقتصادى فى الحياة المصرية، وبحصيلة علمية وثقافية محدودة، بدأت الرحلة التى يقودها شاب حالم بقدر ما هو عملى .
كان البنا ذا ثقافة دينية تتناسب مع اهتماماته ومستوى تحصيله العلمى فى دار العلوم، لكن المعروف عنه أنه كان زاهداً فى النشاط الثقافى وتأليف الكتب، فغايته الحقيقية هى أن يجتمع حوله الأنصار المؤمنون بالفكرة، دون نظر إلى الثقافة المتعمقة أو العلم الدينى الكبير.
وعندما سُئل حسن البنا: لماذا لا يؤلف كتباًٍ؟، أجاب بأن مهمته هى تأليف الرجال والقذف بهم فى البلاد لإحيائها، فالرجل منهم كتاب حى ينتقل إلى الناس، ويقتحم عليهم عقولهم وقلوبهم، ويبثهم كل ما فى قلبه ونفسه وعقله، ويؤلف منهم رجالا كما ألف هو من قبل.
بدأت مجموعة الإسماعيلية نشاطها باتخاذ مقر لها، لا يزيد عن حجرة واحدة مؤجرة، وقاموا فيها بالتدريب على إلقاء الخطب والمواعظ، إلى جانب حفظ القرآن الكريم وتلاوته.
ومع ازدياد أعداد المحيطين بالبنا، شرعت الجماعة فى بناء أول مسجد لها، وكان جمع التبرعات هو السبيل الوحيد المتاح.






يتبع

صوت الحق
12-10-2015, 04:57 PM
التبرع المشبوه


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/876.jpg

أكبر التبرعات، وأكثرها إثارة للجدل، جاء من شركة قناة السويس .
خمسمائة جنيه مصرى، وفقا لقيمة العملة ومستويات الأسعار خلال المرحلة التاريخية، يعد بمثابة ثروة هائلة.
وهنا يظهر سؤالان متداخلان متكاملان: لماذا اتجه حسن البنا إلى الشركة الأجنبية ذات السمعة السيئة فى أوساط المصريين؟ ، ولماذا قبلت الشركة فكرة أن تتبرع بسخاء لجماعة جديدة مجهولة بلا تأثير؟! .
أثار التبرع حفيظة كثير من سكان مدينة الإسماعيلية، وتساءلوا فى استنكار له ما يبرره: كيف نؤدى شعائر الصلاة فى مسجد تبرع الخواجات الأجانب لبنائه؟!
كان الدفاع الذى قدمه البنا شكليا، وقوامه أن مال الشركة هو مال المصريين! . منطق قد يبرر أى وكل شئ، لكنه – فى الوقت نفسه – لا يبرر شيئاً على الإطلاق ! .
تكون البناء الجديد من مسجد ومدرستين: إحداهما للبنين والأخرى للبنات، واكتمل للجماعة إطارها القانونى .
وخلال الفترة التى قضاها حسن البنا فى مدينة الإسماعيلية، حتى قرب نهاية سنه 1932، تم تأسيس عدد من الشعب والفروع خارجها، فى شبراخيت والمحمودية وأبو صوير وبورسعيد والبحر الصغير والسويس والبلاح .
أختار البنا أن يطلق على المدرستين اللتين أسسهما اسمين إسلاميين يعبران بوضوح عن توجه الجماعة : "معهد حراء الإسلامى" لمدرسة البنين، و"مدرسة أمهات المؤمنين" لمدرسة البنات .
وإذا كان اختيار مثل هذه الأسماء ينبئ مبكراً عن إيمان حسن البنا بأهمية الشعارات والعلامات الإسلامية لاكتساب الشعبية والجماهيرية، فإن النشأة قد شهدت أيضاً ميلاد تيار من العداء المستريب فى حقيقة نوايا الجماعة وطبيعة أهدافها، فقد تناثرت الإشاعات التى تشكك وتطعن، كما توالت الشكاوى الكيدية المقدمة ضد البنا بشكل شخصى.
ثمة إجماع على أن البداية كانت ذات طابع وعظى تربوى تهذيبي أخلاقى، ولم يكن الشأن السياسى مطروحا خلال سنوات العمل فى الإسماعيلية، على الرغم من خطورة وسخونة الأحداث السياسية التى شهدتها مصر .
لقد بدأ حسن البنا نشاطه فى الإسماعيلية، التى كانت تقطنها جاليات أوربية متنوعة، تحيا حياتها الخاصة المخالفة للأنماط الإسلامية، وسرعان ما اجتذب إلى صفه جموع أبسط طبقات الشعب والحرفيين والطلاب، ومما جذب الكثيرين إلى دعوته أنه كان يبشر بمنطق جديد يستلهم التفسير الأصولى للإسلام، ويرفض المؤثرات الغربية جملة وتفصيلاً.
ولقد ساعدت شخصية البنا، فضلا عن أوضاع مصر الموضوعية العامة، على سرعة انتشار دعوته، التى مست وترا حساسا لدى قسط كبير من الكتل الجماهيرية .
الأغلب الأعم من هذه الكتلة ينتمى إلى حزب الوفد، لكنهم لم يجدوا تعارضا بين ولائهم السياسي للحزب الشعبى الكبير، وبين اقتناعهم بالمبادئ والأفكار الدينية لحسن البنا، الذى تعمد تجاهل المسائل السياسية، ولم تتطرق أنشطته إلى ما كان يحدث فى مصر بين عامى 1928 و 1932.
فما الذى كان يحدث فى مصر ؟!








يتبع

صوت الحق
12-10-2015, 04:58 PM
الحياة السياسية في مصر بين1928 :1932


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/877.jpg
مصطفى النحاس باشا

بعد وفاة الزعيم سعد زغلول فى أغسطس سنه 1927، تم انتخاب مصطفى النحاس رئيساً للوفد .
فى مارس 1928، تولى النحاس رئاسة وزارة ائتلافية، لكن تحالف الملك فؤاد مع الأحرار الدستوريين أفشل الائتلاف وأسقط الوزارة، لتبدأ مرحلة حكم محمد محمود.
كان قراره الأول هو تأجيل انعقاد البرلمان، ذى الأغلبية الوفدية، لمدة شهر. وقبل نهاية فترة التأجيل، استصدر مرسوما بحل البرلمان بمجلسيه وتعطيل المواد التى تكفل استمرار الحياة الدستورية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
حكم محمد محمود باليد الحديدية، فقد أعاد قانون المطبوعات الذى يجيز تعطيل وإلغاء الصحف، وأهدر الحريات الفردية، ومنع اجتماعات المعارضة، وحرم الموظفين والطلاب فى العمل السياسي.
كانت حجة محمد محمود، لتبرير سياسته التعسفية، أن النظام البرلمانى فى ظل حكم الأغلبية الوفدية لم يحقق مصالح الشعب، لكن سياسته لم تستطع الصمود طويلاً، واضطر إلى تقديم استقالته فى أكتوبر 1929، وجاء عدلى يكن ليجرى انتخابات جديدة، ولم تستمر الحياة النيابية إلا سبعة أشهر، وبعد فشل محادثات النحاس – هندرسون، استقالت الوزارة الوفدية، وجاء إسماعيل صدقى، لتبدأ مرحلة الحكم الديكتاتورى من يونيو 1930 إلى ديسمبر 1935.














يتبع

سفيرة المستقبل
14-10-2015, 07:26 AM
تسجيل متابعة
لان الموضوع ليس بيه كلمة خارجة
ولا قابلة للتشكيك

وبهذا سوف يمتنع كل من هو ضعيف النفس عن الرد

صوت الحق
14-10-2015, 07:31 AM
إسماعيل صدقى ..


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/878.jpg
إسماعيل صدقي

السياسى المصرى الداهية، الذى عاش بين عامى 1875 و 1950، ولعب أخطر الأدوار فى الحياة السياسية المصرية. كان ذا عقلية متميزة وكفاءة عالية، لكنه ينظر بكثير من التعالى والاحتقار لمفهوم الحكم الشعبى، ويناصب الوفد عداء لا تهاون فيه أو اعتدال.
بعد توليه الوزارة، أصدر قرارا بتأجيل انعقاد البرلمان، ثم فض الدورة البرلمانية، وصولا إلى إلغاء دستور 1923، وتشكيل حزب جديد يحمل اسم "الشعب"، أصدر جريدة باسمه، وسعى إلى اكتساب الأنصار والمؤيدين بالتهديد والإغواء .
أجرى انتخابات مزورة، بعد أن أصدر دستوراً جديداً يتسم بالأحكام الرجعية التى تمثل ردة عن الدستور القديم، فقد كان غير قابل للتعديل لمدة عشر سنوات، ويقيد حق مجلس النواب فى سحب الثقة من الحكومة، ويعطى سلطات واسعة للحكومة فى غيبة البرلمان، ونص على حق تعطيل الصحف، كما منح الملك سلطات واسعة.
تحالف حزبا الوفد والأحرار الدستوريين لمقاومة صدقى، الذى استقال فى سبتمبر 1933، ليخلفه فى الحكم عبد الفتاح يحي ثم توفيق نسيم، واصطدمت الوزارة الأخيرة بالطلاب فى نوفمبر 1935، عقب تصريح وزير الخارجية البريطانية "هور" ، الذى عارض فيه عودة دستور 1923.
قرب نهاية 1935، وبعد معارك طويلة امتدت لسنوات، كانت ملامح الخريطة تتغير، ومصر تتهيأ لمرحلة جديدة، كما كان العالم كله مشحونا باحداث جسام، تهيئ لاشتعال الحرب العالمية الثانية، بعد صعود هتلر فى ألمانيا، وموسولينى فى إيطاليا، وارتفاع التوتر الإقليمي والعالمى إلى درجة غير مسبوقة.

صوت الحق
14-10-2015, 07:31 AM
إسماعيل صدقى ..


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/878.jpg
إسماعيل صدقي

السياسى المصرى الداهية، الذى عاش بين عامى 1875 و 1950، ولعب أخطر الأدوار فى الحياة السياسية المصرية. كان ذا عقلية متميزة وكفاءة عالية، لكنه ينظر بكثير من التعالى والاحتقار لمفهوم الحكم الشعبى، ويناصب الوفد عداء لا تهاون فيه أو اعتدال.
بعد توليه الوزارة، أصدر قرارا بتأجيل انعقاد البرلمان، ثم فض الدورة البرلمانية، وصولا إلى إلغاء دستور 1923، وتشكيل حزب جديد يحمل اسم "الشعب"، أصدر جريدة باسمه، وسعى إلى اكتساب الأنصار والمؤيدين بالتهديد والإغواء .
أجرى انتخابات مزورة، بعد أن أصدر دستوراً جديداً يتسم بالأحكام الرجعية التى تمثل ردة عن الدستور القديم، فقد كان غير قابل للتعديل لمدة عشر سنوات، ويقيد حق مجلس النواب فى سحب الثقة من الحكومة، ويعطى سلطات واسعة للحكومة فى غيبة البرلمان، ونص على حق تعطيل الصحف، كما منح الملك سلطات واسعة.
تحالف حزبا الوفد والأحرار الدستوريين لمقاومة صدقى، الذى استقال فى سبتمبر 1933، ليخلفه فى الحكم عبد الفتاح يحي ثم توفيق نسيم، واصطدمت الوزارة الأخيرة بالطلاب فى نوفمبر 1935، عقب تصريح وزير الخارجية البريطانية "هور" ، الذى عارض فيه عودة دستور 1923.
قرب نهاية 1935، وبعد معارك طويلة امتدت لسنوات، كانت ملامح الخريطة تتغير، ومصر تتهيأ لمرحلة جديدة، كما كان العالم كله مشحونا باحداث جسام، تهيئ لاشتعال الحرب العالمية الثانية، بعد صعود هتلر فى ألمانيا، وموسولينى فى إيطاليا، وارتفاع التوتر الإقليمي والعالمى إلى درجة غير مسبوقة.









يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:36 AM
التأسيس الفعلي للجماعة

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/879.jpg

فى أكتوبر سنه 1932، انتقل حسن البنا من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة، ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية، وكان ذلك إيذانا بدخول الجماعة مرحلة جديدة.
كانت مصر تغلى عندما انتقل البنا إلى العاصمة، وترزح تحت نير حكم استبدادى ديكتاتورى، واستمر السخط ثلاث سنوات بعد انتقاله.
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً إيجابيا يتوافق مع تطلع الشعب إلى الحرية والديمقراطية؟
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً مقاوماً للحكم الاستبدادى الذى يمثله صدقى وحزبه؟
فى مذكراته، يستعيد البنا سنوات التأسيس الأولى، ويشير إلى هموم الأمة وأمراضها والعلاج الذى يفكر فيه: ويفيض بنا التآثر إلى ما وصلنا إليه، وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا فى مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة، والخليعون هاجعون يتسكعون بين المقاهى ويترددون على أندية الفساد.
لا كلمة واحدة عن إلغاء الدستور والتسلط والحكم الديكتاتورى، ولا إدانة عابرة لرموز مثل محمد محمود وصدقى. المشكلة كلها، مشكلة الأمة التى ينشغل بها البنا، هى التردد على القهاوى وأندية الفساد!.
لم تكن القاهرة التى انتقل إليها البنا تشبه مدينة الإسماعيلية التى جاء منها، والفارق بينهما هو الفارق بين العاصمة والمدن الإقليمية الصغيرة.
إذا كان البنا قد حقق نجاحاً سريعاً فى الإسماعيلية، فإن النجاح السريع المماثل فى القاهرة ليس متاحاً، وكان عليه أن يتحلى بالكثير من الصبر والدأب، وما يرويه البنا نفسه يدل على ذلك الإحساس الذى سيطر عليه، إحساس الانتقال من مكان محدد محدود يسهل التحرك فيه، إلى مكان متسع مزدحم متعدد التوجهات.
يروى حسن البنا أن أحد الإخوان جاء من الإسماعيلية إلى القاهرة لزيارته، فلما نزل من القطار فى محطة مصر سأل أول من قابلهم من أهل القاهرة عن المركز العام للإخوان المسلمين، وهو يظن أنه يسأل عن أحد معالم القاهرة، فاعتقدوا أنه شخص ساذج، وقالوا له: اتجه من هذا الطريق، ثم إسأل هناك، فاتجه ثم سأل .. وهكذا . حتى قابل حسن البنا صدفة، وقد جاوز المركز العام بمسافة، فأخذه ورجع به .
الضحك هو رد فعل حسن البنا على القصة التى يرويها، وقد أدرك بذكائه أن الدعوة التى يتزعمها، وكان ذلك بعد وصوله إلى القاهرة بثلاث سنوات، لازالت مجهولة حتى عند جيرانه قرب المركز العام.
كان البنا مثابراً فى القيام بواجباته اليوميةنحو مركز الإخوان، فهو يزوره فى الصباح ليوصى القائمين عليه بتنفيذ بعض الأعمال، ثم يعاود المرور عليه فى الفترة المسائية ليلتقى مع الزوار والأعضاء، ويلقى المحاضرات والدروس. وفى فصل الصيف، كان يخصص جزءاً كبيراً من وقته لزيارة القرى والتجمعات السكانية القريبة من القاهرة.




يقول عمر التلمسانى فى كتابه "ذكريات .. لا مذكرات" :

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/880.jpg
عمر التلمساني

"ذهبت مع الإمام الشهيد مرة إلى طنطا بدعوة من أحد وجهائها لافتتاح مسحد، وقضينا ليلة طيبة مليئة بأعمال الخير والدعوة إلى الله.
وفى الصباح ذهبنا جميعاً إلى محطة طنطا لنأخذ القطار إلى القاهرة، وصلينا الفجر على رصيف المحطة.
ووصلنا القاهرة، وذهب كل منا إلى منزله ليستكمل راحته، ولكن الإمام الشهيد ذهب إلى مدرسته بالسبتية ليلقى دروس الحصة الأولى" .
رحلة شاقة من القاهرة إلى طنطا، والعودة السريعة دون راحة، والتوجه إلى المدرسة للقيام بأعماله الوظيفية، ثم استكمال نشاطه مع الإخوان. طاقة على العمل، وتكتمل الأهمية بسمات الشخصية التى تتقن التعامل مع البشر وتتجنب إغضابهم. كان البنا يسعى، ما وسعه الجهد، إلى احتواء الخصوم، ولم يكن الأمر يتطلب منه إلا سعة الحيلة واللجوء إلى سلاح المجاملة وإظهار الاهتمام والاحترام. حكايته مع بعض شيوخ الأزهر تستحق أن تروى، لاكتشاف أسلوبه فى تهدئة الخواطر.
مما يحكى عن حسن البنا أنه عقد اجتماعاً مهماً مع بعض الإخوان والضيوف، وأصدر أمراً بتأجيل أى مقابلة حتى ينتهى الاجتماع.
وفى أثناء الاجتماع، جاء شيخان أزهريان يريدان الدخول لمقابلته، فقيل لهما إن المرشد مشغول ولا يستطيع مقابلة أحد
واحتج الشيخان على ما قيل لهما، وعلت أصواتهما، فخرج البنا من الاجتماع ليحتوى الموقف. احتوى الشيخين الثائرين بكلمات المجاملة، وعاتب من حال دون دخولهما إليه، متناسياً أنه من أصدر الأمر بذلك، وأصر أن يشربا معه الشاى ولا يغادران المكان إلا وقد رضيا.
سلوكه دليل عملى على أنه لا يهمل الأشياء الصغيرة التى قد تؤثر على مسار الدعوة، والمنطلق فى حركته هو الاحتواء واللجوء إلى الحيلة قبل الصدام واللجوء إلى المواجهة .
هل كان حسن البنا يسعى لتكوين جماعة دينية أم سياسية ؟! ينبئ الظاهر أنه لم يكن يهتم بالسياسة وصراعاتها، فمشكلة الأمة عنده تكمن فى الانحلال والفساد، وليس فى التسلط والاستبداد والطغيان.
لم تكن الأهداف التى حددها البنا، خلال سنوات العمل التأسيسى فى الإسماعيلية، إلا جملة من الدعاوى والأفكار الدينية الوعظية، تدعو إلى مكارم الأخلاق، وتنادى بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، وتجنب الرذائل والموبقات، والاهتمام بالتدين والعبادة وتربية النفس.
أهداف تتسم بالعمومية وتبتعد عن الموقف السياسى، وكان حسن البنا حريصا على إبراز جماعة الإخوان على اعتبار أنها جمعية دعوية، شعارها الحكمة والموعظة الحسنة، وغايتها بث المشاعر والأحاسيس الدينية، ومثل هذا التوجه لا يمثل تهديداً للعاملين فى السياسة، ولذلك غابت الأنظار عنه، ولم يجد فيه إسماعيل صدقى عدواً معارضاً، ولم يجد فيه مقاومو صدقى خطورة تستوجب الاهتمام.
وهكذا استثمر البنا مناخ التوتر والصراع ليحقق مزيدا من التقدم والازدهار. يمكن اعتبار فترة الإسماعيلية مرحلة التأسيس واختبار التربة والتأقلم مع المناخ، واستطاع الإخوان خلال هذه السنوات أن يكونوا عددا من الشعب فى شرق الدلتا، لكن عام 1933، الذى شهد انعقاد المؤتمر الأول للإخوان المسلمين بالإسماعيلية، هو بمثابة الطور الثانى فى رحلة الجماعة التنظيمية وإطارها الحركى.

صوت الحق
14-10-2015, 07:37 AM
التأسيس الفعلي للجماعة

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/879.jpg

فى أكتوبر سنه 1932، انتقل حسن البنا من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة، ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية، وكان ذلك إيذانا بدخول الجماعة مرحلة جديدة.
كانت مصر تغلى عندما انتقل البنا إلى العاصمة، وترزح تحت نير حكم استبدادى ديكتاتورى، واستمر السخط ثلاث سنوات بعد انتقاله.
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً إيجابيا يتوافق مع تطلع الشعب إلى الحرية والديمقراطية؟
هل اتخذ البنا والإخوان موقفا سياسياً مقاوماً للحكم الاستبدادى الذى يمثله صدقى وحزبه؟
فى مذكراته، يستعيد البنا سنوات التأسيس الأولى، ويشير إلى هموم الأمة وأمراضها والعلاج الذى يفكر فيه: ويفيض بنا التآثر إلى ما وصلنا إليه، وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا فى مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة، والخليعون هاجعون يتسكعون بين المقاهى ويترددون على أندية الفساد.
لا كلمة واحدة عن إلغاء الدستور والتسلط والحكم الديكتاتورى، ولا إدانة عابرة لرموز مثل محمد محمود وصدقى. المشكلة كلها، مشكلة الأمة التى ينشغل بها البنا، هى التردد على القهاوى وأندية الفساد!.
لم تكن القاهرة التى انتقل إليها البنا تشبه مدينة الإسماعيلية التى جاء منها، والفارق بينهما هو الفارق بين العاصمة والمدن الإقليمية الصغيرة.
إذا كان البنا قد حقق نجاحاً سريعاً فى الإسماعيلية، فإن النجاح السريع المماثل فى القاهرة ليس متاحاً، وكان عليه أن يتحلى بالكثير من الصبر والدأب، وما يرويه البنا نفسه يدل على ذلك الإحساس الذى سيطر عليه، إحساس الانتقال من مكان محدد محدود يسهل التحرك فيه، إلى مكان متسع مزدحم متعدد التوجهات.
يروى حسن البنا أن أحد الإخوان جاء من الإسماعيلية إلى القاهرة لزيارته، فلما نزل من القطار فى محطة مصر سأل أول من قابلهم من أهل القاهرة عن المركز العام للإخوان المسلمين، وهو يظن أنه يسأل عن أحد معالم القاهرة، فاعتقدوا أنه شخص ساذج، وقالوا له: اتجه من هذا الطريق، ثم إسأل هناك، فاتجه ثم سأل .. وهكذا . حتى قابل حسن البنا صدفة، وقد جاوز المركز العام بمسافة، فأخذه ورجع به .
الضحك هو رد فعل حسن البنا على القصة التى يرويها، وقد أدرك بذكائه أن الدعوة التى يتزعمها، وكان ذلك بعد وصوله إلى القاهرة بثلاث سنوات، لازالت مجهولة حتى عند جيرانه قرب المركز العام.
كان البنا مثابراً فى القيام بواجباته اليوميةنحو مركز الإخوان، فهو يزوره فى الصباح ليوصى القائمين عليه بتنفيذ بعض الأعمال، ثم يعاود المرور عليه فى الفترة المسائية ليلتقى مع الزوار والأعضاء، ويلقى المحاضرات والدروس. وفى فصل الصيف، كان يخصص جزءاً كبيراً من وقته لزيارة القرى والتجمعات السكانية القريبة من القاهرة.




يقول عمر التلمسانى فى كتابه "ذكريات .. لا مذكرات" :

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/880.jpg
عمر التلمساني

"ذهبت مع الإمام الشهيد مرة إلى طنطا بدعوة من أحد وجهائها لافتتاح مسحد، وقضينا ليلة طيبة مليئة بأعمال الخير والدعوة إلى الله.
وفى الصباح ذهبنا جميعاً إلى محطة طنطا لنأخذ القطار إلى القاهرة، وصلينا الفجر على رصيف المحطة.
ووصلنا القاهرة، وذهب كل منا إلى منزله ليستكمل راحته، ولكن الإمام الشهيد ذهب إلى مدرسته بالسبتية ليلقى دروس الحصة الأولى" .
رحلة شاقة من القاهرة إلى طنطا، والعودة السريعة دون راحة، والتوجه إلى المدرسة للقيام بأعماله الوظيفية، ثم استكمال نشاطه مع الإخوان. طاقة على العمل، وتكتمل الأهمية بسمات الشخصية التى تتقن التعامل مع البشر وتتجنب إغضابهم. كان البنا يسعى، ما وسعه الجهد، إلى احتواء الخصوم، ولم يكن الأمر يتطلب منه إلا سعة الحيلة واللجوء إلى سلاح المجاملة وإظهار الاهتمام والاحترام. حكايته مع بعض شيوخ الأزهر تستحق أن تروى، لاكتشاف أسلوبه فى تهدئة الخواطر.
مما يحكى عن حسن البنا أنه عقد اجتماعاً مهماً مع بعض الإخوان والضيوف، وأصدر أمراً بتأجيل أى مقابلة حتى ينتهى الاجتماع.
وفى أثناء الاجتماع، جاء شيخان أزهريان يريدان الدخول لمقابلته، فقيل لهما إن المرشد مشغول ولا يستطيع مقابلة أحد
واحتج الشيخان على ما قيل لهما، وعلت أصواتهما، فخرج البنا من الاجتماع ليحتوى الموقف. احتوى الشيخين الثائرين بكلمات المجاملة، وعاتب من حال دون دخولهما إليه، متناسياً أنه من أصدر الأمر بذلك، وأصر أن يشربا معه الشاى ولا يغادران المكان إلا وقد رضيا.
سلوكه دليل عملى على أنه لا يهمل الأشياء الصغيرة التى قد تؤثر على مسار الدعوة، والمنطلق فى حركته هو الاحتواء واللجوء إلى الحيلة قبل الصدام واللجوء إلى المواجهة .
هل كان حسن البنا يسعى لتكوين جماعة دينية أم سياسية ؟! ينبئ الظاهر أنه لم يكن يهتم بالسياسة وصراعاتها، فمشكلة الأمة عنده تكمن فى الانحلال والفساد، وليس فى التسلط والاستبداد والطغيان.
لم تكن الأهداف التى حددها البنا، خلال سنوات العمل التأسيسى فى الإسماعيلية، إلا جملة من الدعاوى والأفكار الدينية الوعظية، تدعو إلى مكارم الأخلاق، وتنادى بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، وتجنب الرذائل والموبقات، والاهتمام بالتدين والعبادة وتربية النفس.
أهداف تتسم بالعمومية وتبتعد عن الموقف السياسى، وكان حسن البنا حريصا على إبراز جماعة الإخوان على اعتبار أنها جمعية دعوية، شعارها الحكمة والموعظة الحسنة، وغايتها بث المشاعر والأحاسيس الدينية، ومثل هذا التوجه لا يمثل تهديداً للعاملين فى السياسة، ولذلك غابت الأنظار عنه، ولم يجد فيه إسماعيل صدقى عدواً معارضاً، ولم يجد فيه مقاومو صدقى خطورة تستوجب الاهتمام.
وهكذا استثمر البنا مناخ التوتر والصراع ليحقق مزيدا من التقدم والازدهار. يمكن اعتبار فترة الإسماعيلية مرحلة التأسيس واختبار التربة والتأقلم مع المناخ، واستطاع الإخوان خلال هذه السنوات أن يكونوا عددا من الشعب فى شرق الدلتا، لكن عام 1933، الذى شهد انعقاد المؤتمر الأول للإخوان المسلمين بالإسماعيلية، هو بمثابة الطور الثانى فى رحلة الجماعة التنظيمية وإطارها الحركى.







يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:39 AM
مكتب الإرشاد

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/881.jpg


قبل ذلك، لم يكن للجماعة تركيب بنائى بالمعنى الاصطلاحى المعروف، فقد كانت الشعب فى الأقاليم تتلقى تعليماتها من المركز الرئيسى، وبتحديد أكثر من حسن البنا شخصياً.
تكونت هيئة مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، لأول مرة، بناء على قرار مجلس الشورى العام، الذى انعقد بالإسماعيلية فى شكل المؤتمر الأول للإخوان المسلمين بالقطر المصرى، يوم الخميس الثانى والعشرين من صفر سنه 1352 هجرية، 1933 ميلادية، وكان المؤتمر يمثل 15 فرعاً.
ومع تنامى الجماعة وزيادة عضويتها ونشاطها، يمكن رصد بداية المرحلة الثالثة فى تاريخ البناء التنظيمي للحركة، الذى اتخذ شكلاً هرميا، يتربع على قمته المرشد العام، ويليه مكتب الإرشاد العام، فالمكاتب الإدارية، والمناطق والأقسام والشعب، وتقسم الشعب إلى أسر، والأسرة الواحدة إلى مجموعة أفراد لهم نقيب.
وكان المؤتمر الثالث، فى 1935، تجسيدا لهذه الأطر التنظيمية، وأدى إلى استكمال التشكيلات التنظيمية على النحو التالى:
- فضيلة الأستاذ المرشد .
- مكتب الإرشاد .
- مجلس الشورى العام.
- نواب المناطق والأقسام .
- نواب الفروع.
- مجالس الشورى المركزية.
- مؤتمرات المناطق .
- مندوبو المكتب.
- فرق الرحلات.
- فرق الأخوات.
أما عن المؤتمر العام الرابع، الذى انعقد فى عام 1936، فلم ينشغل كثيراً بالأوضاع التنظيمية والحركية، وغلبت عليه النزعة الاحتفالية، ترحيباً بصعود الملك فاروق إلى العرش، واستعراض للقوة النسبية التى وصلت إليها الجماعة.



متى صعد فاروق إلى العرش؟ ، وما المناخ الذى صعد فيه ؟!

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/882.jpg
الملك فاروق


انتشرت الدعاية النازية والفاشية فى مصر خلال حقبة الثلاثينيات، وانهمر سيل من الكتب التى تمجد إيطاليا وألمانيا، وتمتدح الزعيمين الصاعدين فى أوربا: هتلر وموسولينى. ومن هذه الكتب:
- أدولف هتلر زعيم الاشتراكية الوطنية، لأحمد محمد السادات.
- بين الأسد الأفريقى والنمر الإيطالى، لمحمد لطفى جمعة.
- الإمبراطورية الإيطالية، لرياض جيد .
- موسولينى، لفتحى رضوان.
- ألمانيا اليوم، لثابت ثابت.
- هتلر، لمحمد صبيح .وفضلاً عن هذه الكتب، فقد ازدادت نسبة الاستماع إلى المحطات الإذاعية الألمانية الموجهة باللغة العربية .

لماذا نجحت الدعاية الفاشية والنازية فى التأثير على قلوب وعقول المصريين؟! الإجابة

ينطلق العامل الوطنى من فكرة أن عدو عدوى هو صديقى بالضرورة، ولأن دول المحور، ألمانيا وإيطاليا، تعادى بريطانيا، فإنها مرشحة لصداقة المصريين. ويعبر عبد الرحمن باشا عزام، أول أمين عام لجامعة الدول العربية، عن هذا المعنى فى قوله: إننى لا أخجل من أن يكون لى ميولاً ألمانية، لأن الألمان لم يكونوا فى يوم من الأيام أعداء بلادى، لكن الذين يخجلنى حقاً أن يُقال إن لى ميولا إنجليزية.
أما العامل الدينى فيرتبط بالاشاعات الكثيرة التى راجت عن اعتناق بعض زعماء ألمانيا وإيطاليا للإسلام.
بدأت الأفكار القومية فى الانتشار بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية، وتصاعد الإحساس بالمخاطر الاستعمارية فى ظل غياب الرابطة التى تجمع بين الشعوب العربية، وخاصة بعد تزايد التهديد الصهيونى لفلسطين.كانت الفكرة العربية بديلاً للرابطة الشرقية، ورداً على النزعة الفرعونية، ومقاومة لمن يدعون إلى القومية المصرية.
وربما يعود الفضل الأول والأكبر فى انتشار الفكرة القومية إلى حزب الوفد، فقد عاد سكرتيره العام مكرم عبيد من جولة عربية، عام 1931، تضمنت زيارته لسوريا ولبنان وفلسطين، ليعبر عن الانتماء المشترك. وفى أعقاب توقيع معاهدة 1936، أبدى زعيم الوفد مصطفى النحاس اهتماماً ملموسا بالقضية الفسلطينية، وطرحها على مائدة التفاوض مع الإنجليز أثناء المفاوضات حول المسألة المصرية. واللافت للانتباه، أن أول مجال مارست فيه مصر استقلالها الخارجى، بعد توقيع المعاهدة، كان القضية الفلسطينية، فقد وقف وزير الخارجية الوفدى واصف بطرس باشا، فى عصبة الأمم، معارضا لمشروع التقسيم البريطانى.
كانت حركة الإخوان المسلمين أقرب إلى رد الفعل العنيف ضد الفشل الأيديولوجى الذى مُنى به قادة المثقفين، أيا كانت اتجاهاتهم، وضد الفشل السياسى والاجتماعى للنظام الليبرالى فى مصر.
قامت باعتبارها حركة سياسية دينية، تستلهم التفسير الأصولى للإسلام لمواجهة المسائل الاجتماعية والسياسية، ولم تأخذ بالأساليب الحديثة للتنظيم السياسى.
لم يكن البنا يعترف بالأفكار الوطنية والقومية، وأكد على ضرورة قيام الجامعة الإسلامية والخلافة، ذاهبا إلى أن دولة ومجتمعا يقومان على القرآن والسنة، يستطيعان أن يضعا حداً لكل أمراض المجتمع، فى الوقت الذى لم تكن لديه هو وأتباعه أية فكرة واضحة عن المشكلات المعقدة التى تواجه مجتمعا حديثاً، وبالتالى كانوا على استعداد لاعتبار كل من يعترض على برنامجهم عدوا للإسلام.
لم تكن ساحة الثلاثينات فى مصر خالية لهم، فقد ازدحمت بالأحزاب التقليدية، الوفد وخصومه، وظهرت حركات وأفكار جديدة، مبشر بالأفكار القومية والفاشية والاشتراكية، لكن الغلبة كانت للإخوان.





يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:41 AM
ما السر فى تفوقهم ؟!


الإجابة تستدعى وقفة قصيرة تتأمل هذه الاتجاهات وأفكارها وأسلوب عملها فى الشارع المصرى.
المنطلق الذى يحدد موقف الإخوان المسلمين من الأحزاب، ينبع أساسا من تشبث البنا وجماعته بالعودة إلى نظام الخلافة، على اعتبار أنه رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وشعيرة يجب على المسلمين التفكير فى أمرها والاهتمام بشأنها.
الخلافة لا تتسع بطبيعة الحال للأحزاب والحق فى الاختلاف، ذلك أن الخليفة هو الحاكم الذى يجسد تعاليم الإسلام ويعبر عن مبادئه، فكيف يمكن الاختلاف معه دون تورط فى خلاف مع الدين؟
ومن ناحية أخرى، يرى الإخوان أن الحزبية وليدة الحضارة الغربية ونظمها المادية الوضعية، وأن المسلمين فى غنى عن تقليد الظاهرة الوافدة، ففى تراثهم، يفنيهم عن تقليد الآخرين، وفى دستورهم الإلهى الشامل ما يكفيهم.
إن الحزبية عند حسن البنا مؤثمة شائنة، ورذيلة ينبغى التبرؤ منها، فهى مجرد أداة للتنافر والتقسيم والكيد والانتصار للمناهج الوضعية.
مثل هذا التصور المضاد للديمقراطية، يجعل من التحالف مع القصر، والعداء للوفد، أمراً منطقياً ومبراً.
ماذا عن العلاقة بين الإخوان المسلمين والقوتين الأكثر فاعلية فى الحياة السياسية المصرية: القصر الملكى وحزب الوفد؟!





يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:45 AM
الجماعة والملك


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/885.jpg
الملك فؤاد الاول

كان الملك أحمد فؤاد حريصاً على إحكام قبضته على مؤسسة الأزهر، ليس لأنه صالح تقى، وإنما لرغبته فى استثمار الرصيد الشعبى الكبير، الذى يمثله الدين، فى صراعاته السياسية، من أجل السيطرة الكاملة على الدولة.
وقد بدأ حسن البنا دعوته وعينه على القصر الملكى، وكانت رسالته الضمنية، عبر سلوكه الذى يتجنب السياسة من ناحية، ويعادى الوفد من ناحية أخرى، أنه عون للعرش والجالس عليه، وليس قوة محسوبة ضده .
لم يكن الملك فؤاد ذا سلوك دينى ملتزم، لكن الإخوان بالغوا فى مدحه والثناء على تدينه، وتجلى ذلك بوضوح فى المراثى العديدة التى أعقبت موته، حيث أشاروا بشكل صريح إلى أنه حامى الإسلام ورافع رايته، ونشرت صحيفة الإخوان مقالات عديدة تدعو فيها فاروق إلى التمسك بالتقاليد الإسلامية لأبيه، وتصف الملك الشاب الجديد بسمو النفس وعلو الهمة، وتضفى عليه سمات المربى والأستاذ والمثل الأعلى.
وقد كتب حسن البنا فى التاسع من فبراير سنه 1937، قبل يومين فى احتفال فاروق بعيد ميلاده السابع عشر، مقالاً يحمل عنوان "حامى المصحف" ، ويقول فيه إن ثلاثمائة مليون مسلم فى العالم تهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل الذى يبايعهم على أن يكون حامياً للمصحف، فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف.


ويمضى البنا فى مقاله ليؤكد أن الإخوان هم أخلص جنود الملك.
وعندما تولى فاروق عرش مصر بشكل رسمى، ظهرت أصوات تطالب أن يكون التتويج فى حفل دينى، يقام فى القلعة، ويقلده شيخ الأزهر، أستاذ فاروق الشيخ المراغى، سيف جده محمد على، وأن يؤم الملك الناس إثر التتويج على اعتبار أنه الإمام الذى تصدر باسمه أحكام الشريعة.
وقد قاوم مصطفى النحاس، زعيم الوفد ورئيس الوزراء، تلك الدعوة ذات الصبغة الدينية، وراى فيها إقحاماً للدين فيما ليس من شئونه، وإيجاد سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية. كما رفض النحاس فكرة أن يتلقى الملك بعض سلطته من غير البرلمان، واشتم فى الأمر رائحة مؤامرة لتعطيل مؤتمر إلغاء الامتيازات الأجنبية.
كان الإخوان وزعيمهم البنا فى محبذى تتويج الملك فى إطار دينى، وعندما انتصر النحاس وفرض إرادته، قام جوالة الإخوان المسلمين باستعراض ضخم لتأييد الملك، وتكرر الأمر فى المظاهرات الإخوانية التى خرجت تهتف للملك عند اختلافه مع النحاس، وأطلق المتظاهرون على الملك لقب "أمير المؤمنين" .






يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:48 AM
البنا والوفد


http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/886.jpg
سعد باشا زغلول

كان الإخوان، بتوجيه حسن البنا، يبحثون عن دعم ملكى لمواجهة شعبية الوفد وسيطرته على الشارع السياسى، وكان الملك ومستشاره يبحثون عن كل القوى التى تنادى الوفد وتستطيع أن تهدد قوته وتشق صفوفه.
العداء للوفد هو المشترك الأكبر الذى جمع بين الإخوان والقصر الملكى، لكن أزمة الإخوان فى تصورهم أن العلاقة ندية متكافئة، ولم يكن الملك ورجاله يرون فيهم إلا أداة لتخويف الوفد.
ولقد استمر تأييد الإخوان للقصر والملك حتى سقط النظام كله، ومن ناحيته، أسدى الملك ورجاله خدمات جليلة للبنا وجماعته، لكن التحالف لم يكن مبدأياً أو قائماً على أسس تصلح للبقاء، ولم يكن إلا تعبيراً عن الاتفاق حول ضرورة العمل من أجل إضعاف الوفد.
كان منطقياً أن يكون التوتر هو السائد الحاكم فى علاقة الإخوان المسلمين مع الوفد، فالأمر فى حقيقته صراع بين مدرستين مختلفتين واتجاهين متناقضين.
منذ البدء، نشأ الوفد تجمعا وطنيا أكثر منه حزبا سياسيا، واعتبر الوفديون أنفسهم وارثى ثورة 1919 بكل مبادئها وشعاراتها. وفى المقابل، كان الإخوان يتخذون موقفاً متحفظا من الثورة الشعبية الوطنية البعيدة عن التوجه الإسلامى، وكان طموحهم فى السيطرة على الشارع، وبخاصة الفئات الدنيا منه، يصطدم بقوة الوفد وسيطرته شبه المطلقة على من ينشغلون بالعمل الوطنى والسياسي.
البدايات الأولى للإخوان لا تنم عن عداء صريح للوفد، لكن موقفهم اتسم بالسلبية عندما خاض الوفد معركته ضد ديكتاتورية محمد محمود وصدقى، وارتقى الأمر إلى درجة العداء العلنى الصريح فى منتصف الثلاثينيات .
كانت بداية هجوم الإخوان على الوفد فى عام 1935، عندما أبدى الزعيم مصطفى النحاس إعجابه بالزعيم التركى مصطفى كمال أتاتورك، وراى فيه عبقريا يفهم المعنى الحقيقى للدولة الحديثة، التى تستطيع أن تعيش وتنمو فى ظل المتغيرات الدولية.
هاجم البنا أتاتورك والنحاس معاً، و اتهم الوفد بأنه لم يحقق شيئاً من آمال المسلمين عبر حكوماته المتتالية.
واللافت للنظر هنا، استخدام البنا لكلمة "المسلمين" وليس "المصريين"، ذلك أن برنامج الوفد لا يشير من قريب أو بعيد إلى الدفاع عن مصالح المسلمين، والتركيز كله على المصريين دون نظر إلى دياناتهم .
وتكرر الهجوم على الوفد وزعيمه بعد توقيع معاهدة سنه 1936، وقال الإخوان إنها معاهدة مشئومة تخدع المصريين.
واتهم الإخوان حزب الوفد بمعارضته تطبيق الشريعة الإسلامية، وانحازوا فى كل الصراعات بين الوفد والملك إلى مصلحة السراى، وهو ما دفع بعض الصحف الوفدية إلى التحذير من مخاطر صعود الإخوان، وأثارت من جديد قضية الفصل بين الدين والدولة.
وقد استمر الإخوان فى معاداة الوفد والانحياز إلى السراى، وبخاصة أن كثيراً من الرؤى الملكية تتوافق مع الفكر الإخوانى، وبخاصة فيما يتعلق بالموقف السلبى من الدستور والحكم البرلمانى والنظام الحزبى. ولم يتورع البنا عن الهجوم على الزعيم سعد زغلول، وثورة 1919 بالتبعية، ورأى فيه زعيماً حيث لا زعيم!
تكونت جماعة مصر الفتاة عام 1933 فى مجموعة شباب جامعى، وكان تأسيسها تعبيراً عن اعتقاد قطاع من الشباب بأن مصر فى حاجة إلى زعامة جديدة شابة تقود الإصلاح، بعد أن أحسوا بخيبة الأمل إزاء النظام الدستورى الذى لا يحترم، وتتعدد انتهاكاته.
تأسست الجماعة بزعامة أحمد حسين، ولم يكن قد تجاوز العشرين إلا بقليل، وكان من أبرز المؤسسين معه نائب الرئيس مصطفى الوكيل، وسكرتير الجماعة فتحى رضوان.
وليس مثل جماعة مصر الفتاة، فى تاريخ مصر السياسي، من حيث تقلباتها السياسية وتحولاتها الفكرية، وقد تنقلت من الإيمان بالفكرة العربية، إلى الترويج للإمبراطورية المصرية، وصولاً إلى التبشير بالفاشية، قبل أن تصل – بعد سنوات أخرى – إلى الاشتراكية.
كان العداء للوفد من ثوابت الجماعة، وحول هذه النقطة التقت مع القصر والإخوان وأحزاب الأقلية الأخرى، لكن علاقة الجماعة مع الإخوان لم تخل من المنافسة والصراع. لم يكن البنا يرى فى شباب مصر الفتاة إلا مجموعة من غير الناضجين، ولم يكن أحمد حسين يرى فى البنا إلا رجلاً طامحا إلى السلطة.
لقد بدأت مصر الفتاة وهى أقرب إلى جماعة الإخوان، حيث الخطاب الدينى والشعارات الإسلامية وغلبة الروح الفردية فى الزعامة والنزعة الفاشية المعادية للديمقراطية، لكن الفارق الجوهرى بينهما يكمن فى التقلبات العديدة لجماعة أحمد حسين، وغلبة الروح القومية على توجهه العام. ومن ناحية أخرى، فقد كان الصدام متوقعا لتصارع الجماعتين على جمهور واحد، فكل انتصار لأيهما يعنى هزيمة ضمنية للآخر .
فى المرحلة الأولى من تاريخ الجماعة، كان معظم نشاطها ينصب حول الإصلاح الدينى والاجتماعى، لكن التطور فى نشاط الجماعة ودخولها العراك السياسي كان يحتم عليها أن تدلى برأيها فى قضية الاحتلال. كان رأى الجماعة فى الاحتلال البريطانى فى مصر أنه السبب الرئيسي فى تدهور مظاهر المعيشة فى كافة المجالات، وأن سياسة الإنجليز تنبع من كره دفين للإسلام والحضارة الإسلامية، وترى الجماعة أن مقاومة الاحتلال جزء من الجهاد، وأن الاستعمار "كالكفر ملة واحد وشر واحد" وكانوا يربطون بين الاحتلال البريطانى فى مصر وبين الاستعمار فى العالم الإسلامى على مختلف أشكاله و***ياته ودعوا إلى توحيد الجهود "فالاستعمار الانجليزى فى مصر والسودان والعراق وشرق الأردن، والإيطالى فى ليبيا، والاستعمار الفرنسى والأسبانى فى تونس والجزائر ومراكش، والهولندى فى أندونيسيا، كل ذلك لون واحد من العذاب نزل بساحة المسلمين فاستذلهم بعد عزة، وأضعفهم بعد قوة، وافقرهم بعد غنى، وجهلهم بعد علم، وأمرضهم بعد صحة، ودنسهم بعد طهر وعفة.
وفى المؤتمر الخامس الذى عقد عام 1938 حذر حسن البنا الوفود الإسلامية فى مؤتمر المائدة المستديرة بلندن من مكر إنجلترا وخداعها، وأشار إلى إجرام الطليان فى طرابلس، وفرنسا فى المغرب، ووجه كلامه إلى الإخوان بهذا الصدد فقال أيها الإخوان: هذا كلامى يدمى القلوب ويفتت الأكباد وحسبى هذه الفواجع فى ه يتبع
ذا البيان فتلك سلسلة لا آخر لها وأنتم تعرفون هذا ولكن عليكم أن تبينوه للناس وأن تعلموهم أن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال فضلاً عن السيادة وإعلان الجهاد ولو كلفهم ذلك الدم والمال، فالموت خير من هذه الحياة، حياة العبودية والرق والاستغلال وأنتم إن فعلتم ذلك، وصدقتم الله العزيمة فلابد من النصر إن شاء الله .
وفى أعقاب توقيع معاهدة 1936، التى اعتبرت فيها الأحزاب الموقعة على المعاهدة أن الإنجليز حلفاء أو أصدقاء، دعت الجماعة إلى تصحيح ذلك المفهوم لدى جماهير المصريين واعتبارهم أعداء ومحتلين وأن لا سبيل لإخراجهم إلا السلاح.
مثل كل جماعة سياسية، مهما تتنوع وتتبدل الشعارات، فإن الإخوان المسلمين عرفوا ظاهرة الانشقاق.
كان الانشقاق الأول محدوداً وجزئياً، ولم تكن الجماعة قد اشتد عودها بعد. نشب الاختلاف حول من يحل مكان البنا فى الإسماعيلية، فى أجازة صيف 1932، ولجأ المنشقون إلى إبلاغ النائب العام بشأن مخالفات مالية، كما روجوا حوله الشائعات عند ناظر المدرسة التى انتقل ليعمل فيها. وانتهى الأمر باعتداء مجموعة من مؤيدى البنا بالضرب على خصومه!.
الانشقاق الثانى، الذى وقع سنه 1939، كان الأكثر خطورة، لأنه ترتب على العلاقة المتميزة التى جمعت بين البنا والسياسي المصرى الموالى للملك والمعادى للوفد على باشا ماهر.
انفصل المنشقون وكونوا "جمعية شباب سيدنا محمد" ، وتمثلت اعتراضاتهم حول أسلوب إنفاق الأموال التى تم جمعها لدعم أحزاب العرب فى فلسطين، والتحالف مع على ماهر، والمطالبة باستخدام القوة لردع المخالفين فى الرأى.
تلازمت نشأة فرق الرحلات، وهى نفسها فرق الجوالة، مع نشأة أول شعبة للإخوان المسلمين بالإسماعيلية وكان الهدف من نشأتها هو نشر التدريب الرياضى والتمهيد للدعوة إلى الجهاد فى سبيل الله بحجة أن الاستعمار حرص على إضعاف هذه الفريضة فى نفوس المسلمين .
وقد ألف حسن البنا بالإسماعيلية أول فرقة للرحلات وكان يزاول تدريبها بنفسه على بعض التمرينات الرياضية التى كانت تزاول فى المدارس، وبعد انتقال مركز الإخوان إلى القاهرة عين مكتب الإرشاد مدرباً بمكافأة ليتفرغ لتنظيم هذه الفرق وبفضل ممارسة التدريبات الرياضية والأنشطة الاجتماعية فقد نمت هذه الفرق بصورة منتظمة حتى كان المؤتمر الثالث عام 1935والذى اهتم بالتنظيم فوضع قواعد للعمل التنظيمي ومن هذه القواعد تنظيم تشكيلات الجوالة، وبعد المؤتمر الثالث تكثفت الجهود للتوسع فى إنشاء فرق الرحلات (الجوالة) فزاد عددها واعتبرت تنظيماً وهيكلا مستقلا تابعا للمركز العام مباشرة. ومما أشعل الحماسة للتوسع فى تكوين هذه الفرق ما كان يشاهد فى شوارع القاهرة من استعراض الوفد لفرق القمصان الزرقاء واستعراض مصر الفتاة لفرق القمصان الخضراء، وكان لابد للإخوان هم أيضاً من فرق، لردع خصومها. وفى عام 1936 استطاع الإخوان حشد ما يقرب من عشرين الفا من جوالتهم فى استعراض للقوة احتفالاً من جانبهم بمناسبة اعتلاء الملك العرش.
ومع انعقاد المؤتمر الخامس 1938، والذى حدد الطبيعة الشاملة للجماعة، دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقية صوتية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية، هذه الأفكار جعلت من فرق الجوالة، وهى فرق رياضة اجتماعية، دوراً رئيساً لتطبيق هذه الطبيعة الشاملة.
ويقدر نجاح الجماعة فى زيادة عدد فرق الجوالة بقدر ما تقترب من خطوة التنفيذ الأخيرة، ولقد ربط البنا بين هذه الأعداد وبين خطوة التنفيذ .
وفى اهتمام خاص بفرق الجوالة، اختير لها أخلص شباب الجماعة، كما عين لها قائد عاماً سنة 1939 وهو الصاغ محمود لبيب وتكون لها مجلس قيادة من سبع أشخاص واهتمت القيادة بصقل الأعضاء وتدريبهم وتعويدهم الطاعة التامة، ولقد أفادت التحالفات السياسية مع القصر والحكومة الأقلية بالحفاظ على تشكيلات الإخوان المسلمين على الرغم من أن حكومات الأقلية ألغت القمصان الخضراء والزرقاء .
فى خريف 1937، وإلى جانب الجوالة، تم إنشاء كتائب (انصار الله)، والكتائب عبارة عن مجموعة تضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين كما بدأ البنا فى تكوين ثلاث كتائب: الأولى من العمال والثانية من الطلبة والثالثة من الموظفين والتجار، وكانت كل كتيبة تلتقى على حدة فى ليلة محددة، وتمارس أكبر قدر ممكن من صلوات الفرد والجماعة والتسبح وتلاوة القرآن وتفسيره وأقل قدر من النوم، والهدف الأخير من هذه التربية كان جوهره الالتزام المطلوب من العضو والذى يتلخص فى ثلاث كلمات : العمل والطاعة والصمت، ويبدو أن الجوالة والكتائب كانت مرحلة يستخلص فيها البنا من هذين التشكيلين أخلص الخلصاء وانقى الأنبياء والأكثر طواعية من أعضائهما لتكوين تنظيم عسكرى جديد يكون أكثر انضباطاً وهو ما عرف بالجهاز الخاص.












يتبع

صوت الحق
14-10-2015, 07:49 AM
حصاد الدعوة

http://www.islamist-movements.com/upload/photo/parags/0/0/887.jpg
حسن البن

أول مكتب إرشاد للإخوان المسلمين جدير بالتأمل والتحليل، فقد تكون من أحد عشر عضوا، هم :
حسن البنا المرشد العام
الشيخ مصطفى محمد الطير نائب القاهرة الإدارى والمدرس بالمعهد الأزهرى .
الشيخ عبد الحفيظ فرغلى المدرس بالمعهد الأزهرى ومن علماء الفقه.
الشيخ حامد عسكرية نائب شبرا خيت وواعظها ومن علماء الأزهر (منتدباً).
الشيخ عفيفى الشافعى عطوه نائب الأربعين بالسويس ومأذونها الشرعى (منتدباً)
الأستاذ أحمد أفندى السكرى نائب المحمودية ومن أعيانها بالمدرسة الابتدائية بها (عضوا منتدبا) .
الأستاذ خالد عبد اللطيف أفندى أحد نواب الجمالية ومن أعيانها (عضواً منتدباً) .
الأستاذ محمد أفندى فتح الله درويش بمكتب المالية بالقاهرة.
الأستاذ عبد الرحمن أفندى الساعاتى بهندسة الوبورات بالسكة الحديد بالقاهرة
الأستاذ محمد أسعد الحكيم أفندى بهندسة الوبورات بالسكة الحديد بالقاهرة.
الأستاذ محمد أفندى حلمى نور الدين مفتش رى الجيزة بالقاهرة.
الملاحظ على التشكيل أنه يضم واحدا من خريجى دار العلوم، هو حسن البنا نفسه، وأربعة من خريجى الأزهر، وواحد من الأعيان ملاك الأراضى، وخمسة من الموظفين.
يختلف التشكيل عما كان عليه الأمر فى الإسماعيلية قبل عدة سنوات، فلا يوجد نجارون أو حلاقون أو مكوجية أو سائقون أو جناينية أو عجلاتية. المشترك الراسخ فى المرحلتين هو سيطرة الوجوه الجديدة، غير المعروفة بنشاطها السياسى أو الفكرى.
حسن البنا وحده هو الزعيم، وهو القادر على السيطرة والتوجيه، وعلى أن يكون المرشد والقائد وصاحب الكلمة المسموعة.
عن حصاد الدعوة والحركة، التى قامت بها الجماعة بين عامى 1928و 1938، أصدر الإخوان المسلمون بيانا يوضح نشأة الجماعة وغايتها ونظامها والأعمال التى قامت بها وأحوالها المالية وصلتها بغيرها من الجمعيات وحصرا كاملا بشعب الإخوان ودوائرهم وأسماء مندوبى المناطق ونواب الشعب. صدر البيان فى يونيو 1937، ونشر بجريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان "بيان موجز للإخوان المسلمين" .
انتشرت شعب وفروع الإخوان فى سبعة عشر منطقة داخل مصر : فى أحياء مختلفة من القاهرة، وفى الإسكندرية ومدن القناة والعريش وسيناء والقليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والشرقية والبحيرة والجيزة وبنى سويف والفيوم والمنيا وأسيوط وجرجا وقنا وأسوان.
ونجح الإخوان فى الوصول إلى بعض مناطق من العالم الإسلامى : السودان، الحجاز، سوريا، فلسطين، لبنان، المغرب الأقصى، البحرين، الصومال، الهند.
قد يكون الفضل فى الانتشار والتوسع مرتبطا بمجموعة من العوامل الموضوعية العامة المحيطة، لكن الجانب الأكبر للنجاح يعود إلى ميراث حسن البنا وجهده المنظم وما يتسم به من دأب ونشاط، وما أكثر الحكايات التى تبرهن على ذلك.
كان المؤتمر العام الخامس للإخوان المسلمين، فى يناير 1939، هو الأهم والأضخم فى تاريخ الجماعة، وتزامن مع الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيسها.
اهتم المؤتمر بتنظيم الشأن الداخلى للجماعة، وحدد البنا للأعضاء نطاق حركتهم، وصاغ الشعار العام الذى تمسكت به الجماعة عبر تاريخها كله: الحركة دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، ومنظمة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.
كان المؤتمر مؤشراً واضح الدلالة على أن الجماعة قد اشتدت وقويت واستقلت، وأنها تتعامل بقدر من الندية والشعور بالقوة مع الأحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة، فضلاً عن القصر الملكى ورجاله من مستشارى الملك.
ولقد سجل حسن البنا، فى "مذكرات الدعوة والداعية" أهم الأهداف والأنشطة التى يسعى الإخوان جاهدين إلى تحقيقها :
- المحاضرات والدروس فى مقر الجماعة وفى المساجد .
- إصدار القانون الأساسى للإخوان واللائحة الداخلية .
- إصدار عددين من رسالة المرشد العام .
- إصدار مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية .
- إصدار مجلة النذير.
- إنشاء الشعب فى القاهرة والأقاليم.
- تكوين التشكيلات الكشفية والرياضية .
- الاهتمام بنشر الدعوة فى المدارس والجامعات .
- تشجيع التعليم الدينى ومقاومة التبشير.
- الدعوة إلى المنهاج الإسلامى ومهاجمة الحكومات المقصرة إسلامياً.
- مناصرة القضايا الإسلامية والوطنية.


وفى المؤتمر، حدد البنا خصائص دعوة الإخوان فى مجموعة من العناصر، التى تتمثل فى :
1- البعد عن مواطن الخلاف.
2- البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان.
3- البعد عن الهيئات والأحزاب.
4- التدرج فى الخطوات.
5- إيثار النواحى العملية على النواحى المظهرية.
6- تواؤمها مع روح الشباب.
7- سرعة الانتشار فى المدن والقرى.


ورداً على المتسائلين عن الثورة واستخدام القوة، فقد نفى البنا أن تكون الثورة طريق

(إن وطناً كمصر جرب حظه فى الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون رده وفى هذا تفخر الثورة العرابية وثورة 1919) ثم يقول وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون منطقها ونتائجها.
أما عن القوة فيقول: أما الإخوان فإنهم سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة.
وفى محاولة لتهدئة المتحمسين من الشباب، قال أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم اسمعوها منى كلمة عالية مدوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع: " إن طريقكم هذا مرسومه خطواته وموضوعة حدوده ولست مخالفاً هذه الحدود التى اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول وأجل قد تكون طريقاً طويلاً ولكن ليس هناك غيرها إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال" .
كانت شعبة جيبوتى أول انتشار لدعوة الإخوان المسلمين خارج مصر، وقد بدأت بحضور أحد أبناء جيبوتى إلى القاهرة وزيارته لمقر الإخوان، وبعد عودته إلى وطنه أرسل خطابا يعلن فيه عن إنشاء شعبة للإخوان فى جيبوتى، ويطلب من حسن البنا أن يمده بالدروس والمحاضرات اللازمة لإنجاح جهوده فى نشر الدعوة
كان ذلك فى عام 1932، وقد أعلنت جريدة الإخوان الأسبوعية عن الخطوة الجديدة، وقالت إن مكتب الإرشاد قد انتدب الأخ المهذب عبد الله أفندى حسن على نور اليمانى ليكون الصلة بين شعبة جيبوتى والمركز العام.
وجاءت ثورة فلسطين سنه 1936 لتزيد من انتشار الدعوة الإخوانية فى فلسطين وسوريا ولبنان، بعد أن تعمقت الصلة مع مفتى فلسطين وبعض الشخصيات المصرية ذات الاهتمام بالشأن العربى من منظور إسلامى.
إذا كان التبرع الذى حصل عليه الإخوان من شركة قناة السويس عند بدء نشاطهم فى الإسماعيلية، سنه 1928، قد أثار اختلافا وجدلاً لم تنته آثاره حتى الآن، فإن قضية اقتصاديات الإخوان وأساليب تمويل الحركة تمثل أمراً شائكاً . ويتسم بقدر كبير من الغموض وغياب الشفافية والوضوح.
فى الاجتماع الثانى لمجلس شورى الإخوان، فى يناير 1934، اتخذ المجتمعون قراراً بإنشاء مطبعة وتشكلت لذلك الغرض شركة مساهمة تعاونية، بقيمة عشرين قرشاً للسهم. بلغ عدد الأسهم 544 سهماً.
فى 1936، مع ثورة فلسطين، رأت الجماعة أن الوضع مناسب للدعاية لأفكارهم وقد استغلوا هذا الحدث فى جمع التبرعات التى من المفترض أن تذهب إلى فلسطين، لكن التبرعات كانت تذهب إلى دعم نشاط الجماعة وتقوية الشعب المختلفة. ويذكر ميتشل أن كثيراً من الرأسمالين والإقطاعين قدموا تبرعات مالية للجماعة بحجة تشجيعها على محاربة الشيوعيين، والملاحظ أن محلات التبرع كانت تحظى بسرعة لا تتلاءم مع إمكانات الأعضاء ففى عام 1938 فشلت الجماعة فى تنفيذ مشروع سهم الدعوة – الذى اقترحه عبد الحكيم عابدين – وذلك لمواجهة حاجة الدعوة إلى المال، والذى كان يقضى بأن يتبرع العضو بخمس أو عشر إيراده لجماعة الإخوان، وقد كتب صالح عشماوى فى مجلة النذير يعلن أسفه لعدم نجاح هذا المشروع الذى لم يستجب له إلا قلة قليلة وقال "دعونا من نشر الأرقام فهى لا تشرف أما أنت أيها الأخ الكريم عبد الحكيم عابدين فلنطو سوباً "صفحة الرعيل الأول صفحة حمراء صنعة الخجل كتبت بحداد الشخ والبخل .
ومع هذا الاعتراف بالفشل من جانب صالح عشماوى فقد ذكر حسن البنا فى مذكرات الدعوة والداعية أن الإخوان تسابقوا إلى تنفيذ مشروع سهم الدعوة مشكورين!
ومع ذلك لم ينف البنا المساعدات الحكومية فكتب فى مذكراته بعنوان أول مساعدة حكومية للإخوان أن مجلس مديرية الدقهلية بجلسته المنعقدة بتاريخ 14 ربيع الأول سنه 1356 هـ 24 مايو سنه 1937 برئاسة صاحب العزة "أحمد بك فهمى" وكيل المديرية قرر منح شعبة الإخوان المسلمين بالمنصورة إعانة سنوية قدرها مائة وخمسون جنيهاً مصرياً وذكر حسن البنا أن مجلة الإخوان قد نشرت ذلك .
ومن المعروف أن وزارة الشئون الاجتماعية كانت تمنح كثيراً من الشعب إعانات مادية وكانت هيئة الكشافة تمنح الجوالة كثيرا من الامتيازات .
كان اشتعال الحرب العالمية الثانية نقطة تحول، فى تاريخ العالم ومصر والإخوان المسلمين.
العالم قبل الحرب يختلف عن العالم أثناء الحرب، والعالمان يختلفان عن الخريطة الجديدة التى تشكلت بعد نهاية الصراع العالمى الدموى الذى أسفر عن سقوط ملايين الضحايا.
بعد نهاية الحرب اختلفت كل الأوضاع، ولن يتأتى فهم حقيقة التغيير الذى حدث بمعزل عن إدراك طبيعة سنوات الحرب نفسها.
ماذا حدث فى العالم؟
ماذا حدث فى مصر؟
ماذا حدث للإخوان؟!
يتبع : الحلقة الثالثة

نسر الشرق 2010
14-10-2015, 10:51 AM
ولا يخفى على أحد أن أي دولة في الشرق أو الغرب يمكن أن تسمح لأي تنظيم ذو علاقات دولية مريبة - مثل جماعة الاخوان - أن يعمل على أراضيها إلا بالتنسيق مع جهاز مخابراتها ، وبما يحقق مصالح هذه الدولة ولا يمس أمنها وأهدافها ، ومن ثم يمكننا إدراك حقيقة مهمة مفادها أن التنظيم الدولي للإخوان المتواجدة أفرعه في جميع هذه الدول انما يعمل بالتنسيق والتعاون مع أجهزة مخابرات هذه الدول ، وبما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط، وجوهرها بسط الهيمنة السياسية والأمنية والاقتصادية على دول هذه المنطقة ، واستنزاف ثرواتها .. وان مصر علي قائمه الاهداف لانها الدوله ذات الموقع الاستراتيجي والشعب الكبير صاحب الحضاره والنسيج المتماسك والتدين الفطري والمؤثر الرئيسي في العرب خاصه والشرق الاوسط عامه فالسيطره عليها او تحيدها خارج الاحداث يمكنهم بمنتهي السهوله واليسر السيطره علي الشرق الاوسط بكامله لذا كانت مصر بدايه الجماعه. وقد أكد بعض قادة التنظيم السري الخاص العلاقة الوثيقة بين التنظيم العالمي لجماعة الاخوان ومخابرات الدول الأجنبية ، فقد ذكر على العشماوي آخر قادة هذا التنظيم في كتابه "التاريخ السري لجماعة الاخوان” (ص 82) تعليقا على تولى يوسف ندا لمنصب المشرف على التنظيم الدولي للإخوان ” والمسمى بالمفوض العام للإخوان في العالم" : "لقد اصبح يوسف ندا شخصية عالمية تتعامل بالمليارات ، وأصبحت علاقاته وثيقة بالملوك والرؤساء ورجالات الامم المتحدة وكبار رجال المال في العالم.. ولا يمكن لشخص أن يمر في هذا الطريق إلا بتدعيم مخابرات الدول الكبرى ومباركة ودعم بيوت المال العالمية التي يسيطر عليها رأس المال الصهيوني. ومن المعروف أن أموال كبار رجال جماعة الاخوان وشركاتهم، بل وأيضا معظم شركات توظيف الأموال الإسلامية التي برزت في الثمانينات من القرن الماضي وأبرزها شركات "الريان" و"السعد" و"الشريف" - ونهبت معظم مدخرات المصريين - وأورثتهم الفقر والمرض والحسرة ، كان يوسف ندا يودعها بنك التقوى في جزر الباهاما ،