aymaan noor
22-11-2015, 02:31 AM
مِنْ بِئر الأكاذيب
http://www.ahram.org.eg/Media/Writer/2014-635340574088580822-858_main.jpg (http://www.ahram.org.eg/NewsQ/455205.aspx)
م يحيى حسين عبد الهادى
يمتلئ فضاؤنا بأكاذيب من كل نوعٍ وفى كل اتجاهٍ .. بعضُها مفضوحٌ وبعضُها مَحْبُوكٌ .. أَسوأُها تلك الأكاذيب الأمنية المُسَرَّبة التى لم تَترك شريفاً ولا مُعارِضاً ولا رمزاً من رموز يناير إلا وشَوَّهَته .. لكن أحقَرَها على الإطلاق تلك التى تُلَوِّثُ الجيشَ وتُلصِقُ به من الجرائم ما يَعجَزُ عنه إبليسُ نفسه.
أثناء ما عُرِفَ بأحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011، تَسَابَقَت الصُحف لنشر أحاديث مع أ.د/ أحمد معتز أستاذ الجراحة والأعصاب بكلية طب قصر العينى وعضو لجنة تحليل القنابل والغازات المستخدمة ضد ثوار محمد محمود (هكذا أُطلِقَ عليه) .. وكان خلاصة ما قاله (إن الجيش المصرى استخدم فى ميدان التحرير 90 ألف قنبلة كيماوية بمعدل 2000 قنبلة فى الساعة، والأنواعُ المُستخدَمة هي: غاز الخردل الذى أباد به صدام حسين قرية حلابجة، وغاز vx وهو لا يُستخدم إلا فى الحروب، وغاز cs وقد عُثر على قنبلتين لم تنفجرا مكتوبٌ عليهما صُنع فى مصنع حيفا بإسرائيل، وذخائر اليورانيوم المخصب، و قذائف الفوسفور والكلور التى تم تصنيعها فى بنسلفانيا بواسطة هيئة عسكرية أمريكية).
وقال إن كل ذلك تم بتعليماتٍ مِن طنطاوى الذى أسماه مُتهكماً (رئيس المجلس الكيماوي) .. وأضاف أنه قام بمعاينة الجثث بمشرحة زينهم ووجد أن الهجوم الكيماوى أدى إلى تنشيف الجلد وخروج العينين، وعندما حَلَلَّ المواد الكيماوية الموجودة على جثث الشهداء وجد فيها نسبة يورانيوم مخصب 1%.
وأشار إلى إن الجهات التى اشتركت فى تحليل القنابل هي: (المركز القومى للبحوث والمركز المصرى للدواء ومركز فحص الحرب الكيماوية فى ألمانيا ومصر)، وأن عدد المصابين 8000 تم علاجهم فى 12 مستشفى ولكنهم مُهدَدُون بالإصابة بالسرطان خلال 6 شهور. ثم فجّر مفاجأةً مدويةً بإعلانه أن عدد الشهداء ليس 34 كما جاء فى البيانات الرسمية وإنما 1004 شهداء، منهم 8 أطباء تمت مُداهمتُهم كيماوياً فى المستشفى الميداني، وقام المجلس العسكرى بإخفاء 960 جثة فى الصحراء بالتعاون مع كبير الأطباء الشرعيين بالإنابة. وأعلن أن تقرير اللجنة التى شكلتها المفوضية الأوروبية من 100 عالم متخصص (ذَكَرَ أسماء 16 منهم على سبيل المثال) قد أعدّت تقريرها الطبى الذى وَثَقّت فيه جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المتظاهرين بالتحرير فى الفترة من 19 إلى 24 نوفمبر وسيتم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
قامت الائتلافات الثورية (التى أكادُ أُجزم أن أمن دولة مبارك قام بتوليدها بالآلاف لتمييع المسائل وخلط الغث بالسمين والإساءة للثورة) بترويج هذه التصريحات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى حيث كان الهجوم على الجيش والمجلس العسكرى هو الموضة السائدة ونوعاً من أنواع البطولة المجانية لثوار ما بعد الثورة. وعبثاً حاولتْ القواتُ المسلحةُ أن تُدافع عن سُمعتِها أمام شعبها، فأرسلت عدداً من علمائها لأحد البرامج التليفزيونية الذى استقبلهم على مضض، وقاموا بنفى هذه القصص جملةً وتفصيلاً طالبين مُناظرة الدكتور/ أحمد معتز، فأعلن سيادته امتناعه عن الوجود مع (القَتَلَة) فى الاستديوهات .. فتعاطف معه (الثوار) مبررين ذلك بالخشية عليه من بطش (العسكر).. خلال أسابيع أصبح معتز عَلَماً من أعلام المستشفى الميدانى وأصبح يُلقب بالعالم الجليل طبيب الثورة .. وتلقفت وسائلُ الإعلام الغربية هذه القصة وقامت بترويجها.
فى هذا التوقيت كنتُ أُقابل الكثيرين من الأصدقاء يرددون هذه الأقاويل أمامى فأقول لهم إن هذا مستحيلٌ، ليس فقط لأن ذلك ليس من أخلاقيات الجيش المصري، ولكن لاستحالة ذلك علمياً بحكم تخصصى الدقيق .. فلم يقتنع بكلامى أحدٌ، بل إن أحدَهم أفحمنى بأنه استنشق الغازات السامة شخصياً فى ميدان التحرير !!!.
ما سبق هو المعلوم من هذه القصة التى تم تتويجها بتلويث سمعة الجيش المصرى على موقع ويكيبيديا وغيره، وتأكيد قَتُلِه لآلاف المصريين فى ميدان التحرير بالأسلحة الكيماوية! .. نسى الجميعُ هذه القصة لِكثرة الأحداث بعدها .. ولكننى تَتَبعتُها لأن ما سَبَق يتناقض مع كل ما تَعَلَّمْتُه كضابطٍ مهندسٍ متخصصٍ .. واتضح أن نقابةَ الأطباء تَقَدَّمَتْ ببلاغٍ بعد ما فَشلتْ فى استدعاء مُعتز الذى لم تجد له فى سِجِلاّتها أى أثرٍ .. وبعد أسابيع وأثناء أحداث مجلس الوزراء تم القبضُ على أحمد معتز وأظهرت تحقيقات قضاة التحقيق المنتدبين من وزارة العدل أن أحمد معتز ليس أستاذاً فى كلية طب القصر العيني، بل هو ليس طبيباً أصلاً وإنما حاصلٌ على بكالوريوس التجارة وهو عاطلٌ ويضارب فى البورصة .. وكانت قمة المهزلة هى أن اسمه ليس أحمد معتز وإنما فتحى أحمد عبد الخالق !!!.
فى 24 أغسطس 2012 نُشر خبرٌ صغيرٌ جداً فى صفحةٍ داخليةٍ بإحدى الصحف يُفيد بأن محكمة جنح مستأنف قصر النيل قَضَتْ بحبس العاطل فتحى أحمد عبد الخالق لمدة عامين لأنه ادّعى كذباً أنه أستاذ مخ وأعصاب بطب القصر العينى ومارس علاج المصابين بالمستشفيات الميدانية وأشاع أخباراً كاذبةً.
لماذا أُعيد هذه القصة الآن؟ لأننى لاحظتُ فى الأسبوعين الماضيين أن بعض المواقع تُعيد نشر نصفِها الكاذب فقط بمناسبة الذكرى الرابعة لأحداثها .. مِن حقنا (بل وواجبنا) أن ننتقد تصرفاتِ أى مسئولٍ فى الدولة .. بَدءاً من السيسى وانتهاءً به .. مدنياً كان أم عسكرياً .. فالعسكريون ليسوا مُقَدَّسين .. ولكن الجيش مُقَدَّس .. النَيْلُ مِنْه خيانةٌ .. لا سيما إذا كان كَذِبَاً.
http://www.ahram.org.eg/Media/Writer/2014-635340574088580822-858_main.jpg (http://www.ahram.org.eg/NewsQ/455205.aspx)
م يحيى حسين عبد الهادى
يمتلئ فضاؤنا بأكاذيب من كل نوعٍ وفى كل اتجاهٍ .. بعضُها مفضوحٌ وبعضُها مَحْبُوكٌ .. أَسوأُها تلك الأكاذيب الأمنية المُسَرَّبة التى لم تَترك شريفاً ولا مُعارِضاً ولا رمزاً من رموز يناير إلا وشَوَّهَته .. لكن أحقَرَها على الإطلاق تلك التى تُلَوِّثُ الجيشَ وتُلصِقُ به من الجرائم ما يَعجَزُ عنه إبليسُ نفسه.
أثناء ما عُرِفَ بأحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011، تَسَابَقَت الصُحف لنشر أحاديث مع أ.د/ أحمد معتز أستاذ الجراحة والأعصاب بكلية طب قصر العينى وعضو لجنة تحليل القنابل والغازات المستخدمة ضد ثوار محمد محمود (هكذا أُطلِقَ عليه) .. وكان خلاصة ما قاله (إن الجيش المصرى استخدم فى ميدان التحرير 90 ألف قنبلة كيماوية بمعدل 2000 قنبلة فى الساعة، والأنواعُ المُستخدَمة هي: غاز الخردل الذى أباد به صدام حسين قرية حلابجة، وغاز vx وهو لا يُستخدم إلا فى الحروب، وغاز cs وقد عُثر على قنبلتين لم تنفجرا مكتوبٌ عليهما صُنع فى مصنع حيفا بإسرائيل، وذخائر اليورانيوم المخصب، و قذائف الفوسفور والكلور التى تم تصنيعها فى بنسلفانيا بواسطة هيئة عسكرية أمريكية).
وقال إن كل ذلك تم بتعليماتٍ مِن طنطاوى الذى أسماه مُتهكماً (رئيس المجلس الكيماوي) .. وأضاف أنه قام بمعاينة الجثث بمشرحة زينهم ووجد أن الهجوم الكيماوى أدى إلى تنشيف الجلد وخروج العينين، وعندما حَلَلَّ المواد الكيماوية الموجودة على جثث الشهداء وجد فيها نسبة يورانيوم مخصب 1%.
وأشار إلى إن الجهات التى اشتركت فى تحليل القنابل هي: (المركز القومى للبحوث والمركز المصرى للدواء ومركز فحص الحرب الكيماوية فى ألمانيا ومصر)، وأن عدد المصابين 8000 تم علاجهم فى 12 مستشفى ولكنهم مُهدَدُون بالإصابة بالسرطان خلال 6 شهور. ثم فجّر مفاجأةً مدويةً بإعلانه أن عدد الشهداء ليس 34 كما جاء فى البيانات الرسمية وإنما 1004 شهداء، منهم 8 أطباء تمت مُداهمتُهم كيماوياً فى المستشفى الميداني، وقام المجلس العسكرى بإخفاء 960 جثة فى الصحراء بالتعاون مع كبير الأطباء الشرعيين بالإنابة. وأعلن أن تقرير اللجنة التى شكلتها المفوضية الأوروبية من 100 عالم متخصص (ذَكَرَ أسماء 16 منهم على سبيل المثال) قد أعدّت تقريرها الطبى الذى وَثَقّت فيه جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المتظاهرين بالتحرير فى الفترة من 19 إلى 24 نوفمبر وسيتم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
قامت الائتلافات الثورية (التى أكادُ أُجزم أن أمن دولة مبارك قام بتوليدها بالآلاف لتمييع المسائل وخلط الغث بالسمين والإساءة للثورة) بترويج هذه التصريحات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى حيث كان الهجوم على الجيش والمجلس العسكرى هو الموضة السائدة ونوعاً من أنواع البطولة المجانية لثوار ما بعد الثورة. وعبثاً حاولتْ القواتُ المسلحةُ أن تُدافع عن سُمعتِها أمام شعبها، فأرسلت عدداً من علمائها لأحد البرامج التليفزيونية الذى استقبلهم على مضض، وقاموا بنفى هذه القصص جملةً وتفصيلاً طالبين مُناظرة الدكتور/ أحمد معتز، فأعلن سيادته امتناعه عن الوجود مع (القَتَلَة) فى الاستديوهات .. فتعاطف معه (الثوار) مبررين ذلك بالخشية عليه من بطش (العسكر).. خلال أسابيع أصبح معتز عَلَماً من أعلام المستشفى الميدانى وأصبح يُلقب بالعالم الجليل طبيب الثورة .. وتلقفت وسائلُ الإعلام الغربية هذه القصة وقامت بترويجها.
فى هذا التوقيت كنتُ أُقابل الكثيرين من الأصدقاء يرددون هذه الأقاويل أمامى فأقول لهم إن هذا مستحيلٌ، ليس فقط لأن ذلك ليس من أخلاقيات الجيش المصري، ولكن لاستحالة ذلك علمياً بحكم تخصصى الدقيق .. فلم يقتنع بكلامى أحدٌ، بل إن أحدَهم أفحمنى بأنه استنشق الغازات السامة شخصياً فى ميدان التحرير !!!.
ما سبق هو المعلوم من هذه القصة التى تم تتويجها بتلويث سمعة الجيش المصرى على موقع ويكيبيديا وغيره، وتأكيد قَتُلِه لآلاف المصريين فى ميدان التحرير بالأسلحة الكيماوية! .. نسى الجميعُ هذه القصة لِكثرة الأحداث بعدها .. ولكننى تَتَبعتُها لأن ما سَبَق يتناقض مع كل ما تَعَلَّمْتُه كضابطٍ مهندسٍ متخصصٍ .. واتضح أن نقابةَ الأطباء تَقَدَّمَتْ ببلاغٍ بعد ما فَشلتْ فى استدعاء مُعتز الذى لم تجد له فى سِجِلاّتها أى أثرٍ .. وبعد أسابيع وأثناء أحداث مجلس الوزراء تم القبضُ على أحمد معتز وأظهرت تحقيقات قضاة التحقيق المنتدبين من وزارة العدل أن أحمد معتز ليس أستاذاً فى كلية طب القصر العيني، بل هو ليس طبيباً أصلاً وإنما حاصلٌ على بكالوريوس التجارة وهو عاطلٌ ويضارب فى البورصة .. وكانت قمة المهزلة هى أن اسمه ليس أحمد معتز وإنما فتحى أحمد عبد الخالق !!!.
فى 24 أغسطس 2012 نُشر خبرٌ صغيرٌ جداً فى صفحةٍ داخليةٍ بإحدى الصحف يُفيد بأن محكمة جنح مستأنف قصر النيل قَضَتْ بحبس العاطل فتحى أحمد عبد الخالق لمدة عامين لأنه ادّعى كذباً أنه أستاذ مخ وأعصاب بطب القصر العينى ومارس علاج المصابين بالمستشفيات الميدانية وأشاع أخباراً كاذبةً.
لماذا أُعيد هذه القصة الآن؟ لأننى لاحظتُ فى الأسبوعين الماضيين أن بعض المواقع تُعيد نشر نصفِها الكاذب فقط بمناسبة الذكرى الرابعة لأحداثها .. مِن حقنا (بل وواجبنا) أن ننتقد تصرفاتِ أى مسئولٍ فى الدولة .. بَدءاً من السيسى وانتهاءً به .. مدنياً كان أم عسكرياً .. فالعسكريون ليسوا مُقَدَّسين .. ولكن الجيش مُقَدَّس .. النَيْلُ مِنْه خيانةٌ .. لا سيما إذا كان كَذِبَاً.