مشاهدة النسخة كاملة : زين العابدين.. حامل لواء النبوة


aymaan noor
19-11-2016, 08:19 PM
زين العابدين.. حامل لواء النبوة

د.ناجح إبراهيم

http://islam.ahram.org.eg/Media/NewsMedia/2016/11/19/2016-636151770883466516-346_Inner_630x371.jpg

خرج زين العابدين بن الحسين يومًا من المسجد فسبه رجل فحاول البعض الفتك به فقال: دعوه، ثم أقبل عليه قائلًا: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها، فاستحيا الرجل فألقى إليه زين العابدين خميصة كانت عليه (مثل الجبة)، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول: «إنك من أولاد الأنبياء».

كان زين العابدين السجاد إذا نقده أو انتقصه أحد قال «اللهم إن كان صادقًا فاغفر لي، وإن كان كاذبًا فاغفر له».

بهذه الأخلاق العظيمة والحلم الجميل والأدب الراقي ساد زين العابدين الدنيا بأسرها، فقد أسرتني أخلاق هذا الرجل العظيم من آل النبوة، حتى توقفت طويلًا أمام نمط حياة هذا العملاق العظيم الذي يدل على مقدار السمو والنبل الأخلاقي الذي يتميز به ومقدار الحب للناس جميعًا بلا استثناء.

لقد شعرت وأنا أتابع تاريخه المرة تلو الأخرى أن هذا الرجل لا يكره أحدًا على الإطلاق، حتى الذين آذوه رفض أن يدعو عليهم، كما رفض أن يدعو على الذين ***وا أباه الحسين سيد الشهداء في مجزرة مؤلمة كان هو أحد شهودها.

لقد بلغ من درجة السمو مبلغًا ندر أن يبلغه أحد.. إنني أشعر بعمق القرب والوصال بين أخلاق زين العابدين السجاد وأخلاق جده الرسول (صلي الله عليه وسلم)، ذلك النبي العظيم الذي ضرب أروع الأمثلة في العفو والصفح الجميل، كما أشعر بعمق القرب الروحي والأخلاقي بينه وبين سيدنا يوسف (عليه السلام)، وهو رمز آخر من رموز الإحسان والفضل..

كان السجاد إذا خرج من بيته دعا ربه قائلًا: «اللهم إني أتصدق اليوم بعرضي على من استحله» أي حلم هذا، وأي عفو هذا، وأي رحمة تلك، وهل يمكن أن يصدر هذا العفو الكبير والحب الجارف للناس جميعًا من رجل رأى م***ة كربلاء الشنيعة، رأى أباه الحسين ي*** غريبًا شريدًا لا يجد له مأوى، رأى آل البيت ي***ون عن آخرهم، ونساءهم تسجن، وتساق كالسبايا لبيت يزيد، ليبت ويفصل مع غيره في أمرهم.

لقد كان زين العابدين وقتها مريضًا لم يحضر معركة ومحنة كربلاء كمقاتل، ولكنه عاشها وخبر مآسيها لحظة بلحظة، كان عمره خلال المعركة قد تجاوز العشرين عامًا، ولكنه مرض مرضًا شديدًا مقعدًا قبل المعركة وأثناءها وبعدها، حتى أسر مع النساء ثم أطلق سراحه.

وبرغم ذلك الكرب الكبير لم يدع على أحد أو يحقد على أحد، ولم يدع على يزيد أو بني أمية، إنه كان يدعو كل يوم نيابة عن العاصي الذي لم يتب عن معصيته، وصاحب النعمة الذي لم يشكرها، والإنسان الذي غفل عن ذكر ربه، فإذا هو يذكر الله بدلًا منه، ما هذا الحب للناس الذي ملأ قلب هذا الإنسان الطاهر؟! إنه من فيض حبه لله المحبوب الأعظم الذي إن أحببته أحببت خلقه حتى وإن عصوا الله فيك.

آه يا زين العابدين، إنه من نسل طيب طاهر، فأبوه الحسين بن علي، وأمه سلافة بنت يزد جرد ملك الفرس، وجده علي بن أبي طالب، وجدته فاطمة بنت محمد (صلي الله عليه وسلم)، ورسول الله خاتم الأنبياء جده لأمه، أما جده لأبيه فهو أبوطالب المدافع الأعظم عن الرسول الكريم، حتى وإن لم يسلم، إنه سليل الكرم والجود والتضحية والبذل والعفو والنبل.

روي ابن إسحاق أعظم مؤرخي السيرة أنه كان هناك أناس من يتامي وأرامل المدينة يعيشون علي صدقات المحسنين دون أن يعرفوهم، فلما مات علي زين العابدين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم بالليل دون أن يعرفه أحد.

ولما مات السجاد وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلي بيوت الأرامل والمساكين بالليل.. ودخل السجاد يومًا علي محمد بن أسامة بن زيد يعوده في مرضه فبكي ابن أسامة فقال له: ما يبكيك، قال علي دين، قال: كم هو؟، قال: خمسة عشر ألف دينار، قال السجاد: هي علي.. وكان السجاد يقول في مثل هذا المعني: « إني لأستحي من الله أن أري الأخ من أخواني فأسال الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل له: إذا كان الجنة بيدك كنت بها أبخل وأبخل».

رحم الله آل البيت أجمعين، ورضي عنهم وجمعنا بهم في عليين، ورزقنا حسن الاقتداء بهم، وألا نكون ممن يحبهم ولا يقتدي بهم أو يحبهم دون أن يصنع صنيعهم.