مشاهدة النسخة كاملة : عبيد وعباد


abomokhtar
02-12-2016, 06:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

قال ربنا سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، هذه الآية ذكر الله فيها لماذا خلقنا، علة خلقنا أن نكون عبادًا، والله عز وجل لما أمرنا بهذا وبين لنا أن هذه هي علة خلقنا علم أن بعض عباده لن يستجيب إلا بتشوق فشوقنا.

لكن قبل ذلك أريد أن أقدم بين يدي كلامي بفذلكة عربية،
العباد: جمع مفرده عبد.
والعبيد: جمع مفرده عبد.

العبد في اللغة العربية يطلق على المملوك، وهو ضد الحر، لكن العبد أحيانًا يجمع على عباد وأحيانًا يجمع على عبيد، الفرق بينهما في الغالب أن العبد الذي هو المملوك المشترى بالمال يجمع على عبيد، والعبد الذي هو العابد يجمع على عباد في الغالب.

على هذا، كل خلق الله عبيد وليس كل خلق الله عبادًا، كل من خلق الله عبيد، لماذا؟ لأنهم مملوكون له، مقهورون له، إذا قال لأحدهم مت! مات، وإذا قال لأحدهم امرض! يمرض، لاأحد يقدر أن يقول أنا لا أموت الآن إذا أتاه الأمر من الله بأن يموت. وليس كل الناس عبادًا، فمنهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، في جملة المسلمين منهم من قيل له زك ولم يزك، ومنهم من قيل له زك فزكى ، فكل الناس عبيد وليس كلهم عبادًا، ولو أدرك الناس ما أعد الله لعباده لرجوا أن يكونوا كلهم عبادًا.

سأبين لكم ما أعد الله للعباد:

الله عز وجل يحفظ عباده من الشيطان الرجيم، ويلطف بهم، ويكون قريبا منهم، ويغفر ذنوبهم، ويقبل توبتهم، ويرحمهم، ويؤمنهم يوم الفزع الأكبر، ويدخلهم الجنة، ويؤتيهم في الجنة نعيمًا ليس مثله شيء.

والآن أفصل لكم هذا الذي أجملته:
الله عز وجل يحفظ عباده من الشيطان الرجيم {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر من الآية:42].
الله عز وجل يلطف بهم: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى من الآية:19].
الله عز وجل يكون قريبًا منهم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة من الآية:186].
الله عز وجل يغفر ذنوبهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر من الآية:53].
الله عز وجل يقبل توبتهم: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى من الآية:25].
الله عز وجل يرحمهم: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49].
الله عز وجل يِؤمنهم يوم الفزع الأكبر، يوم يخاف كل بشر: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68].
الله عز وجل يدخلهم الجنة: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} [مريم من الآية:61]، وإذا أدخلهم الجنة أعطاهم نعيمًا لا يحيط بكنهه أحد. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، إقرأوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة من الآية:17]».

هذا بعض ما شوقنا الله به لندخل في زمرة العباد. هل تعلمون خلقًا أرحم بخلق من أم بولدها؟ هذه الدنيا لايعرف فيها خلق أرحم بخلق من أم بولدها، ولذلك قال شوقي:

وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء

الله عز وجل أرحم بعبده من الأم بولدها، روى الشيخان في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي في غزوة من الغزوات وقد تحلب ثديها (أي امتلأ لبنًا) فتحتاج أن ترضع وقد غاب عنها ولدها لاتدري أين هو، فرأت صبيًا من السبي فأخذته فألزقته ببطنها فألقمته ثديها، ثم نظرت فرأت صبيها فأخذته وضمته.. النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرون ذلك المنظر، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار»، أتظنون أن هذه تطرح ولدها وتلقيه في النار، فقلنا: "لا يا رسول الله وهي قادرة على أن لا تطرحه"، يعني: لا تطرحه اختيارًا أبدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لًله أرحم بعباده من هذه بولدها» (صحيح مسلم[2754]).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

سعيد الكملي

abomokhtar
02-12-2016, 06:36 AM
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

من أراد أن يعلم، وأن يقف على شرف العبودية لله، لينظر إلى آيات من القرآن العظيم، أنتم تعلمون قصة الإسراء وتلك الرحلة العجيبة التي أسرى الله فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وتلا ذلك عروجه به إلى حيث لم يعرج أحد، في هذه الرحلة العجيبة، في هذا التقريب العظيم، وصف الله نبيه بوصف العبد: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ} [الإسراء من الآية:1]، ولم يختر له وصفًا غيره، لم يقل سبحان الذي أسرى بنبيه ولا برسوله ولا بمحمد، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ} [الإسراء من الآية:1] لماذا يختار له هذا الوصف في تلك المقامات العالية؟ لنستشف منه عظم هذه المسألة.

قال ربنا سبحانه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، يصفه في مقام الدعوة إليه وفي مقام الرسالة، وفي مقام طلب الجماهير بالعبودية {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن من الأىية:19]، في مقام القرب منه، في العروج ، في مقام الدعوة إلى الله الذي هو أشرف المقامات.

في مقام إنزال القرآن عليه وهو الاصطفاء، لما اصطفاه الله لإنزال الوحي عليه يقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ} [الفرقان من الآية:1]، فيصفه بالعبودية، لماذا؟ لأنك إذا بلغت مقام العبودية لله فهذا أشرف مقاماتك، لا مقام يعلو فوقه أبدًا.

وهذا ينبه إليه أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم لما قال صلى الله عليه وسلم: ( «أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» (صحيح مسلم [2132])، لماذا كان هذان الاسمان أحب الأسماء إلى الله؟ معناه أن هذا الإسم أحب من اسم محمد وهو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم "أحب الأسماء إلى الله" أو «أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» لماذا هذه الإضافة؟.. إضافة العبودية، ولذلك كان العلماء الذين يفهمون عن الله ويعقلون عنه يرون أن أشرف نسبهم وأحبها وأحسنها وأفضلها وأعظمها أن يقال له عبد الله.

قال القاضي عياض السبتي المغربي رحمة الله عليه:

ومما زادني شرفاً وعزا *** وكدت بأخمصي أطأ الـثريا[1]
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبيًا

صلى الله عليه وسلم.

وقد خمسها بعضهم فقال:

إذا كان السماح إليك يعزى *** فحاشا بالذي قدمت أجزى
وذا فقري إليك أراه كنزًا *** ومما زادني شرفاً وعزًا
وكدت بأخمصي أطأ الثريا *** على مأمول رحمتك اعتمادي
دعاني للجراءة والتمادي *** وأطمعني الرجا بك لاعتقادي
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبيًا


إذا علم هذا، الله عز وجل لما شوقنا إلى الدخول في زمرة العباد لم يتركنا هملاً، وكل واحد يتصور كيف هو العبد، بل أخبرنا ووصف لنا عباده المرضي عنهم الذين كل من سلك سبيلهم وصل إلى ذلك المقام وهو قول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان من الآية:63]، {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ} من أراد أن يعرفهم ويعرف صفتهم وأخلاقهم ليستن بسنتهم، ويتبع سبيلهم هاهي مذكورة في القرآن:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا . وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا . وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا . وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا . وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا . وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان:63-75].

نسأل الله أن يسلكنا في عباده الصالحين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

---

[1] (أي: وكدت ببطن قدمي أطأ أنجم السماء).

سعيد الكملي