abomokhtar
10-12-2016, 10:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا في السوق يحمل تمرة وينادي عليها صارخا \" لقد وجدت تمرة فمن صاحبها \" ؟ ولما رأى عمر أنه يفعل ذلك تظاهراً بالورع , علاه بالدرة وقال له : دعك من هذا الورع الكاذب !.
فبعض الناس يدعي الورع وليس كذلك , وبعضهم يدعي الصلاح وهو ليس من أهله ,قال تعالى : \" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) سورة الكهف .
فهو يريد أن يخدع الناس ويتشبه بما لا يعطى, وهو بذلك كمن يلبث ثوبي زور , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِيهِ ، فَلْيُثْنِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ ، فَكَأَنَّمَا لَبِسَ ثَوْبَىْ زُورٍ.أخرجه \"البُخَارِي\" ، في (الأدب المفرد) 215 .
وجاء رجل من أهل العراق إلى ابن عمر وقت الحج يسأله عن بعوضة ***ها، فهل عليه دم أم لا؟! فقال ابن عمر: سبحان الله، يا أهل العراق ت***ون ابن رسول الله (أي الحسين بن علي) وتسألون عن دم البعوض!.
ويروي أن عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل متماوت فقالت ما هذا فقالوا أحد الفقراء فقالت قد كان عمر رضي الله عنه قارئا فكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع .
قال ويروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا مظهرا للنسك متماوتا فخفقه بالدرة وقال لا تمت علينا ديننا أماتك الله , وفي رواية : ارْفَعْ رأسَك فإن الإسلام ليس بِمَريِض.
وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي الدرداء، قال: أستعيذ بالله من خشوع النفاق. قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
وقال سفيان الثوري: سيأتي أقوام يخشعون رياء وسمعة، وهم كالذئاب الضواري، غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام. راجع : السيوطي : الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ص 20.
وجاء رجل زنى بامرأة إلى أحمد بن حنبل يسأله عن ابنه من الزنا، فقال له: لماذا لم تعزل، فقال الرجل: بلغني أن العزل مكروه، فقال أحمد: أو لم يبلغك أن الزنا حرام؟!.
فالورع الكاذب يجعل المرء يسأل فيما لا يعنيه كل ذلك رياءً وسمعة وتظاهراً .
قال أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة ص91: أخبرني الحسن بن محمد بن عبدويه قال: أخبرني بعض أهل العلم قال: كان يختلف معنا رجل إلى أبي ثور ، وكان ذا سمت ، وخشوع ، فكان أبو ثور إذا رآه جمع نفسه ، وضم أطرافه ، وقيد كلامه ، فغاب عن مجلسه مدة ، فتعرف خبره ، فلم يوقف له على أثر ، ثم عاد إلى المجلس بعد مدة طويلة ، وقد نحل جسمه ، وشحب لونه ، وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها فما كاد يتبينه أبو ثور ، ثم تأمله ، فقال له : ألست صاحبنا الذي كنت تأتينا ؟قال: بلى.قال: فما الذي قطعك عنا ؟فقال: قد رزقني الله سبحانه الإنابة إليه ، وحبب إلى الخلوة ، وأنست بالوحدة ، واشتغلت بالعبادة .قال له: فما بال عينك هذه ؟قال: نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة ، وبلاء قد ذمها الله تعالى إلينا ، وعابها ، وذم ما فيها ، فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها ، ورأيتني ، وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا ، فغمضت واحدة ، وتركت الأخرى .فقال له أبو ثور: ومنذ كم هذه الشمعة على عينك ؟قال: منذ شهرين ، أو نحوهما !قال أبو ثور: يا هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين ، وطهارة شهرين !انظروا إلى هذا البائس قد خدعه ا لشيطان ، فاختلسه من بين أهل العلم ، ثم وكل به من يحفظه ، ويتعهده ويلقنه العلم.قال أبو سليمان : فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء ، وهي من أضر شيء على الجهال ، وقد روينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة: تفقه ثم اعتزل .
بل قد يجعله هذا الورع الكاذب يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة البعد عن الشهرة .
قال الحسن البصري لمطِّرف بن عبد الله رحمهما الله: عظ أصحابك، فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول؟!، ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه عن منكر.
ولله در مالك عندما عابه العمري الزاهد باشتغاله بنشر العلم، واجتماعه بالناس وحثه على العزلة، لم يستجب له. فرد عليه مالك: (إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر).
وقال الإمام أبو محمد عبد الرحمن أبي حاتم الرازي في كتابه في فضائل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك رأيت عليه نعلا لا تشبه نعل القراء له رأس كبير معقف وشراكة مسبل كأنه اشترى له من السوق ورأيت عليه إزارا وجبه بر مخططة من أثمار جوز قال عبد الرحمن أراد بهذا والله أعلم ترك التزي بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به .
قال عليّ بن الفضيل بن عياض رحمه الله : يا أبتِ، ما أحلى كلامَ أصحابِ محمد ! قال: \"يا بنيّ، أو َتَدري لِم حَلاَ؟\" قال: لا يا أبت، قال: \"لأنّهم أرادوا به اللهَ تبارك وتعالى\".
قال أبو نواس:
وإذا نزعت عن الغواية فليكن * * * لله ذاك النزع لا للناس
وقال لقمان لابنه: اتق الله ولا تري الناس أنك تخشاه ليكرموك. وكان الناس يراؤون بما يفعلون فصاروا يراؤون بما لا يفعلون. وقيل: ما الدخان بأدل على النار من ظاهر أمر الرجل على باطنه.
ويقال: إن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاة فقال عمر: ذلك للتصنع!فقال له العلاء: أنا آتيك بخبره. فجاءه وهو يصلي فقال له: ما لي عندك أن بعثت أمير المؤمنين على توليتك العراق؟قال: عمالتي سنة، وكان مبلغه عشرين ألف درهم فقال: اكتب به خطك، فكتب إليه فجاء العلاء إلى عمر فأخبره فقال: أراد أن يغرنا بالله فكدنا أن تغتر!.
قال أحدهم :
إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا * * * ولكن حسن القول خالفه الفعل
وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها * * * أفاويق حتى ما يدر لها رسل
وصلى رجل بحضرة الشعبي فأطال، فقال الشعبي: ما أحسن صلاته!فلما سلم الرجل قال: وأنا مع هذا صائم!وقال ذو اليمينين لأبي بكر المروزي: مذ كم صرت إلى العراق؟قال: مذ عشرين سنة وأنا أصوم مذ ثلاثين سنة. الراغب الأصفهاني : محاضرات الأدباء 1/499.
وهذا النوع من الورع الكاذب هو نوع من التدين المغشوش الذي فيه دخن , عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ:كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ , قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ . قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : : قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي , وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ . فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ : نَعَمْ ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ . فَقُلْتُ : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ ؟ قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ. أخرجه البُخَارِي 4/242(3606) و\"مسلم\" 6/20(4812) و\"ابن ماجة\" 3979 .
فديننا دين عزة وكرامة وإخلاص وورع يقصد بهما وجه الله تعالى وليس التظاهر أمام الناس وإدعاء المرء بما ليس فيه , فراقب نيتك دائما وصححها واجعل أعمالك خالصة لله رب العالمين .
رزقنا الله وإياكم الإخلاص في السر والعلانية وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه .
د. بدر عبد الحميد هميسه
abomokhtar
10-12-2016, 10:39 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية عطره للجميع
موضوع قيم نقلته للاحبه...
الدين هو جوهر العقيدة ومرتكز الفطرة، والتدين سلوك يفضي في النهاية إلى تحقيق متطلبات العقيدة والتوازن بين الواجبات والمحظورات الدينية، إما تطبيقاً والتزاماً، أو إفراطاً وامتهاناً، وهناك فرق كبير بين الدين كمبدأ ثابت بتعاليمه وأحكامه وتعاملاته، وبين التدين كسلوك لفهم وتطبيق ذلك، وبالتالي يتفاوت الناس في الالتزام والتطبيق لمتطلبات هذه العقيدة من خلال مفهوم التدين، ومن هنا يبلغ هذا التفاوت درجات مختلفة لمستوى الاقتراب من درجات الورع والنزاهة والزهد والالتزام إلى ضدها من التفريط.
.. لكن الإشكالية أن هناك أشخاصاً نفوسهم مريضة يتمظهرون برداء الدين، ويتقمصون شخصية المسلم الزاهد التقي الورع، ويعملون على تكريس هذا المظهر، لدى أوساط العامة ومثلهم الخاصة، وأنهم أهل الدين، وحرّاس الفضيلة، أو أنهم في أقل الأحوال هم من أصحاب الالتزام الذي لا يقبل الحرام؛ لنجد أنفسنا أمام صورة مفرطة من صور «التدين المظهري» الذي لا يتجاوز كونه جلباباً أو رداءً لبسه كل من له غاية مرفوضة، ولنكتشف أن تحت هذا الرداء أو هذا القناع ما يسوء المراقب وما يندى له الجبين من أناس استغلوا الدين وهو جوهر الفطرة من أجل غاية أو غايات دنيئة!.
ولعله من الواجب، ومن الإنصاف أيضاً أن الغالبية ممن يتسمون بثوب التدين هم أهلٌ للتقوى والخير، ولا نزكي على الله أحداً، ولكننا هنا ننبه عن خطر فئة استغلت الدين باسم التدين، وأفرطت في ذلك الاستغلال إلى درجة الكذب والتدليس على الناس، وهؤلاء القلة لم يخرجوا عن صفة أهل النفاق والمنافقين التي أكدها الإسلام بحق هؤلاء، كاشفاً سترهم، ومحذراً منهم، وأن مآل المنافقين يوم القيامة إلى الدرك الأسفل من النار!.
لقد عانى المجتمع منذ الأزل -ولا يزال يعاني- من هذه المظاهر الخادعة، ومن هذه الوجوه المقنّعة بسمات التديّن.. تلك الوجوه التي خدعت الناس تارة لتستولي على ثقتهم واحترامهم وبالتالي الوصول إلى أموالهم، وتارة إلى تحقيق مكانة جماهيرية مؤثرة؛ توصلهم إلى مآرب وأهداف متعددة، بوسائل غير مشروعة اجتماعياً وربما دينياً..
ولعله من الواجب أن نستشعر وبقناعة تامة أننا جميعاً «مجتمع متدين» ما دمنا نلتزم بالعقيدة والشريعة الإسلامية، ولا نختلف معها أو نخالفها، لأنها في نظرنا ثوابت لا يمكن المساس بها، ولكن الاختلاف هو في سلوك التطبيق، ودوافعه، وخلط الدين بالتدين، إلى درجة أننا أصبحنا نحكم على الالتزام الديني وفق المعايير الشكلية المظهرية السائدة، دون أن نمعن النظر في حال «المضغة» التي إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد، أو أن نمنح فرصة لعقولنا لفرز «الصالح من الطالح»، وأن لا نؤخذ في ذلك على حين غرة من حيث لا ندري عبر إجلال تلك الصورة الشكلية للمتدين، والتي استغلها ضعاف النفوس وأساءوا من خلالها لإخوانهم أصحاب الفضل والطاعة والزهد والورع ممن هم يمثلون الشريحة الغالبة من أبناء مجتمعنا المسلم.
لقد أدت لغة الانغلاق، وفكره المتحجر، ولغة الجهل السائدة بسماحة الدين في فترة من الفترات إلى تكريس وتعزيز الصورة الذهنية عن التديّن، وحصره فقط في الجانب الشكلي، رغم ما يختبئ خلفها من خيانة لهذا المظهر الملتزم عند من لم يرعَ مخافة الله، حتى إن هذه اللغة المنغلقة في بعض المواقف قد حقّرت من لم يكن مستجمعاً هذه الصورة الشكلية في شخصيته واعتبرها البعض كبيرة من الكبائر، وذلك حينما وقف الخطيب داعياً من على المنبر في آخر خطبته قائلاً «اللهم قنا الزنا والزلازل والمحن – وحلق اللحى – وسوء الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..»، هكذا وبكل بساطة ومن على المنبر صار حلق اللحى في مصاف الزنا وسيئ الفواحش الظاهر منها والباطن!!
تطبيق وممارسة
وأكد «د.سليمان بن عبدالعزيز الربعي» -عضو هيئة التدريس في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالقصيم- أن الدين يمثّل أحد أهم مكونات الهوية والمعرفة والسلوك على المستويين الفردي والجمْعي، مشيراً إلى أن الفرق بين الدين والتدين أن الدين علم واعتقاد، في حين أن التدين تطبيق وممارسة، وإذا كان التدين هو التطبيق العملي للدين، فإن المعيار الصحيح فيه هو المعرفة الصحيحة بالدين، ونحن نتكلم هنا عن دين الإسلام تحديداً.
وقال:»من المعرفة الصحيحة بديننا إدراك أن التدين لا يقتصر على فئة أو طائفة أو سلوك أو مظهر بعينه، وإنما هو مفهوم شامل يصدق على كلّ مؤمن بالله واليوم الآخر وهو يعمل الصالحات، وإن تفاوت الناس فيه بقدر تفاوتهم في العلم والمعرفة والعبادة، فالله تعالى يقول:(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)، حيث دلت الآية الكريمة على أن المسلمين على درجات ثلاث: ظالم لنفسه بالمعاصي، ومقتصر على الواجبات والانتهاء عن المعاصي، وسابق بالطاعات والمندوبات، لكن يصدق عليهم جميعاً أنهم متدينون؛ لأنهم مشتركون في اصطفاء الله -عزّ وجل- وإن تفاوتوا في قدر الاصطفاء ودرجته».
أفكار خاطئة
وأضاف: إن أكثر ما يؤثر سلباً في التدين الحقيقي شيوع أفكار نمطية وذهنية خاطئة عنه في المجتمع لأسباب متعددة كارتباطه بهيئة معينة دون اعتبارات أخرى، أو أن التدين يعني الانغلاق والتشدد، بما ترتب عليه آثار سلبية كثيرة منها ما يأتي:
الأول- الخطأ المعرفي بقصر مفهوم التدين على الشكل والمظهر، مع أن التدين الصحيح في حقيقته يتجاوز المفاهيم الأولية -على أهميتها- إلى كونه منظومة من القيم العميقة التي تركز على الجوهر بوصفه الأساس الذي ينبني عليه ما عداه في الاعتقاد والشريعة والسلوك.
والنصوص الشرعية المتضافرة تؤكد على أهمية المفاهيم المعنوية في تمثّل التدين وتطبيق حقيقته؛ ومن ذلك أن القلب هو معيار صلاح بقية أعضاء المرء وجوارحه، وأن قول القلب وعمله في الإيمان كعمل الجوارح، وأن المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن مَن أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم، والمهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه، والمجاهد مَن جاهد نفسه في طاعة الله.
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة كثيرة العبادة لكنها تؤذي جيرانها بلسانها أخبر أنها في النار، وحينما سئل عن المرأة قليلة العبادة وتحسن إلى جيرانها أخبر أنها في الجنة. ولعل ذلك راجع -والله أعلم- إلى طبيعة هذا الدين - خاصة في جانب تطبيقاته السلوكية - من حيث إنه قد جاء لسعادة الناس وتحقيق السلام لهم بتلازم الإيمان بالأمن، إضافة إلى أن لتطبيق القيم والمضامين الفاضلة نفعاً متعدياً يعين على تبليغ الدين نفسه وتعميقه في النفوس. والنصوص الشرعية الشاهدة على هذا كثيرة.
كذلك فإن ارتباط التدين بالتشدد فكرة ذهنية خاطئة أيضاً؛ لأن التدين الصادق هو الموافق لصحيح الدين القائم على الوسطية في الأمر كله، وكلما زاد الفقه بصحيح الدين كان ذلك أدعى لشيوع التدين بمنهج الوسطية والاعتدال، وكلما ضعف العلم بالدين انشطر التدين إلى مفاهيم متقابلة ومتناقضة تتقابل في الإفراط والتفريط.
الثاني: الخطأ الإجرائي، المتمثل بتعميم ظواهر الخطأ التي تقع من بعض المتدينين على الدين أو على سائر المتدينين، على الرغم من أن أصول العدل في ديننا تؤكد على عدم التعميم في الأحكام والأوصاف، وإنما تلحق الأحكام والأوصاف مَن تحققت فيه، وهو ما يُعبّر عنه ب»المسؤولية الفردية» المستفادة من قوله تعالى:(ولا تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى).
نسبة قليلة
ويقول «د.الربعي»: «كما أن في ذلك مجافاة للعدل من حيث الخلل الكبير في الموازنة بين الحالتين المنظورتين؛ فإن النسبة القليلة من الواقعين في الخطأ من المتدينين باسم التدين لا تقارن مطلقاً بالنسبة الكبيرة لمطبقي المفهوم الصحيح للتدين»، وفي المقابل، لا شك أن من عوامل شيوع هذه الأفكار الذهنية والنمطية وتكريسها في المجتمع ما يقع فيه بعض المتدينين من الأخطاء باسم التديّن مع الأسف الشديد.
مظاهر سلبية
وأشار إلى أن من أبرز المظاهر السلبية والسيئة أن يكون التدين مؤسَّساً على فقه معوج خداج، أو فهم عازب عن أصول الاستدلال، أو رأي شاذ لا زمام له، بما يوقع صاحبه في دوائر الخطأ الاعتقادي أو العبادي أو السلوكي الأخلاقي مع اعتقاد أنه يحسن صُنعاً، خاصة عند النّزوع إلى التشدد والغلو، فضلاً عن أثر ذلك السلبي في موقف الآخرين من التدين -كما سلف-، موضحاً أنه لا يمكن أن يوجد تدين صحيح وحقيقي دون الالتزام بمنهج وسطي حقيقي وصحيح، والمنهج الوسطي ليس مرادفاً للتميع والتفريط، كما أنه ليس من مقتضياته التشدد والانغلاق، وإنما هو معرفة شرعية تطبيقية منضبطة تقوم على الأصلين الكبيرين العظيمين: الكتاب والسنة حسب فهم القرون المفضلة، لا وفق الآراء أو العوائد أو الأعراف أو المواقف الشخصية أو النفسية.
منهج التدين
وقال:»لقد ضمن المنهج الوسط فاعلية التطبيق الحقيقي والمثمر لمفهوم التدين المراد لله تعالى، بما تمثّل في مسيرة مضيئة لأهل السنة والجماعة من لدن عصر الصحابة حتى اليوم وإلى قيام الساعة، لكن عندما تنحرف بوصلة الفهم - وما يترتب عليها من الممارسات - عن هذا المنهج لابد أن توجد مظاهر الانحراف باسم الدين والتدين، وهو ما لا تكاد تحصى شواهده ماضياً وحاضراً في مجالات الاعتقاد والعبادة والسلوك».
انحراف المتدين
وأضاف «د.الربعي» أن انحراف المتدين إلى جهة التشدد والانغلاق هو من قبيل مصادمة الفطرة السوية، وممانعة العقل الصريح، ورد الدليل الصحيح، ناهيك عما ينطوي عليه ذلك من آثار سيئة من سوء المآل على الواقع فيه بكونه ينبري إلى ما لا طاقة له به من مشادّة الدين الوسط، ففي الحديث:(إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه).
علاج الانحراف
وأشار إلى أنه يمكن علاج انحراف التدين إلى التشدد إذا كان ناتجاً عن الجهل برفع الجهل عن صاحبه، وإقامة الحجة الشرعية عليه، لكن ما كان منه ناتجاً عن هوى أو غرض باسم الدين والتدين فلابدّ من مواجهته ببيان مفهوم التدين الحقيقي للمجتمع، وهو التدين المستند إلى الوحي بفهم صحيح من جهة كما سلف، ومن جهة أخرى بالتأكيد على المنهجية الواضحة التي يجب اعتمادها في التعامل مع الأقوال والأعيان والتي تتأسس على المبدأ الصحيح بأن الرجال يُعرفون بالحق لا أن الحق يعرف بالرجال.
أهمية التدين
ويقول «أ.د.يوسف الرميح» أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم :إن التدين ميزة ميز الله بها أمة من خلقه، وهي خصلة حميدة وطيبة وكريمة، ولكن للأسف الشديد نجد أن من بعض ضعاف النفوس والعقول من يستغل الشكل والمظهر الخارجي للتدين بدون أي معنى للتدين الصادق.
وأضاف أن التدين هو الخوف من الله وطاعته واجتناب معاصيه بكافة صورها، وأن يكون الإنسان مثالاً وقدوة صالحة للآخرين، مشيراً إلى أنه عندما يُستغل الشكل الخارجي للتدين ويلبس هذا الملبس إنسانٌ مخادع غاشّ للناس ومحتال أو نصّاب؛ فهذه فعلاً مصيبة المصائب؛ لأنه يجني على نفسه أولاً، ثم على الناس المتدينين الأخيار الطيبي ثانياً.
كسب رخيص
وأضاف: إنه من المؤسف أن نجد في كل مجتمع - مع قلتهم ولله الحمد - فئة تتسلق الأكتاف، وتتخذ من الدين والتدين وسيلة للكسب الرخيص، ووسيلة للوصول لأهداف سيئة قذرة سرعان ما تنكشف للجميع، ويبدو سواد صاحبها لأن المظاهر الخادعة سرعان ما تخبو ويظهر الباطن الحقيقي الخبيث لهذا الإنسان، مؤكداً على أن هؤلاء قلة ولكن لهم تأثير سلبي، ولكن مما يُحمد أن الغالبية العظمى من أهلنا هم متدينون بالفطرة، وأهل ذمة وهذا هو الشائع والمنتشر بين الناس ولله الحمد.
abomokhtar
10-12-2016, 10:42 PM
المقصود بالتدين المغشوش أو التدين المصلحي هو الذي لا يتقيد بالمقاصد الشرعية التي أُنزلت لأجلها الكتب وأرسلت الرسل المتمثلة في عبادة الباري سبحانه، والعمل لأجل الفوز بالمقام العالي في يوم المعاد، وتوظيف النصوص الشرعية في تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى، والنأي عن مواطن الشبه واستخدام الدين سلمًا لقطف الدنايا من حطام الدنيا.
فالتدين المغشوش هو الذي يقدم المصلحة الدنيوية على المصلحة الأخروية، والمصلحة الشخصية والجهوية على المصلحة العامة من غير مبرر شرعي، وهو الذي يصلح ظاهره لأجل الناس ويقبح باطنه، وهو التدين الذي يبدو صاحبه قديسًا أو «ملاكًا» أمام الخلق، ويصبح «إبليسًا» لعينًا أمام الخالق.
وصاحب التدين الكاذب لا يقر له قرار، وليس له حد يقف عنده، فالمحرك الرئيس له هو مصلحته الخاصة، فدرجة تدينه تزداد أو تنقص كلما غلا أو رخص هدفه المنشود، وشعاره الدائم هو «حيثما كانت مصلحتي فثم ديني».
فصاحب التدين المغشوش لا يعدم حيلة في تزيين عمله، وتجميل صنيعه، فتراه تذرف عيناه في مجالس العلم والوعظ، وتبدو أضراسه في مجالس اللهو، تجده مناصرًا للظلمة أو مؤازرًا للمظلومين، لأنه مستعد لتوظيف الدين والعلم لكل المتناقضات ما دام يصب ذلك في مصلحته، ولهذا فحين سُئل شميط بن عجلان رحمه الله: هل يبكي المنافق؟ قال: «يبكي من رأسه، أما من قلبه فلا!».
فالمنافقون في زمن النبوة كانوا يلجؤون إلى التدين المغشوش لمآرب في أنفسهم، وقد أظهرت عوراتـهم الآيات القرآنية: {إذَا جَاءَكَ الْـمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْـمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1 اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 2 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 1 - 3]، كما فصلت أخبارهم وأوصافهم وفضحت أخلاقهم سورة التوبة التي سماها بعض العلماء السورة الفاضحة.
وأصحاب التدين الشكلي لا يرون أي غضاضة في التهام أموال غيرهم باسم التدين والتزهد، وفي الذكر الحكيم: {إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]، وهذا النوع من الناس آفة في الدين والدنيا معًا، وفيهم يقول الشاعر:
وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
فباعوا النفوس ولم يربحوا
ولم تغل في البيع أثمانها
ولا يستحيي أصحاب التدين المغشوش من الاعتراض أو توجيه التهم إلى أهل العفة والنزاهة ولو كانوا أنبياء - عليهم السلام -، فهذا الخارجي وأبو الخوارج ذو الخويصرة التميمي يعترض على قسمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في غنائم حنين ويطالبه بالعدل - وهو العادل -، فلا يزيد الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن قال: «رحم الله موسى فقد أوذي أكثر من ذلك فصبر».
والغريب أن صاحب التدين الكاذب قد يعرض نفسه للمهالك، وعلمه للنشر، وماله للإنفاق؛ مع سوء الطوية، ويكون أول من تُسعر بهم جهنم يوم القيامة، فـعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار»، وفي الترمذي في هذا الحديث: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة».
وتظهر آثار الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة أصحاب التدين المغشوش فيحملون أطنانًا من الحسنات، ولكن تختفي وراء ذلك جبال من الموبقات والسيئات، فلم تكن الطاعات تحجزهم عن ركوب الخطايا، فهم أولياء فيما يظهر للناس، وظلمة فيما يختفي من أعمالهم، ومصداق ذلك قول المعصوم صلى الله عليه وسلم: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وزكاته وصيامه، وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه، ثم طرح في النار».
وصاحب التدين الكاذب يدعو ويحث الناس على فعل الخير واجتناب المحرم، ولكن لا يُخضِع نفسه لهذا القانون، كأن شعاره «خذ علمي ولا تأخذ عملي»، ومصداق ذلك قول الحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم: «يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه».
ولا يتورع صاحب التدين المغشوش في القول على الله بغير حق ما دام هذا المسلك يدر عليه بالنفع الدنيوي، يقول ابن القيم في مثل هؤلاء القوم: «كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه، في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب - سبحانه - كثيرًا ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولاسيما أهل الرئاسة، والذين يتبعون الشبهات، فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرًا، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرئاسة، متبعين للشهوات، لم يتم لهم ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق، ولاسيما إذا قامت له شبهة، فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى، فيخفى الصواب، وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهرًا لا خفاء به، ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته، وقال: لي مخرج بالتوبة» (الفوائد: ص145).
وصاحب التدين المغشوش قد يقوم ببناء مسجد أو مدرسة أو مرفق حيوي، ولكن مراده ليس وجه الله تعالى واليوم الآخر، بل له شأن وأمر آخر، وقد قَصَّ علينا القران الكريم خبر أبي عامر الفاسق وتظاهره بالتدين الكاذب وقيامه ببناء مسجد للضعفاء وأبناء السبيل، بحسب زعمه، وهدفه الحقيقي هو الكيد والمكر للدعوة، ففضح الله تعالى أمره وسمى ما بناه مسجد الضرار، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْـمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِّـمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْـحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107]، ثم قال تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّـمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْـمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
ولقد عاب عدد غير قليل من علماء الإسلام أمثال هؤلاء الحمقى الذين يوظفون دينهم لأجل اللقمة ويسترزقون به، حتى إن الحاكم روى في تاريخه عن ربيعة الرأي أنه قال للإمام مالك: يا مالك من السفلة؟ قال: «قلت من أكل بدينه»، فقال لي: ومن أسفل السفلة؟ قلت: «من أصلح دنيا غيره بفساد دينه».
فأصحاب التدين المغشوش موجودون في كل زمان ومكان، ويطلون رؤوسهم أو يختفون ويتوارون عن الأنظار بحسب مصالحهم، ويجيدون التلوُّن والتقمصَّ بقوالب مختلفة ومتنوعة، فهم آفة الأمم، وسبب الانتكاسة والهزائم التي تعاني منها أمة الإسلام في الأزمنة المتأخرة.
فالواجب على كل شخص أن يتقي الله تعالى وأن يكون هدفه ورأس ماله الحقيقي إخلاص العبادة لله تعالى وأن يكون شعاره: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
وفقني الله تعالى وإياكم لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.
:: مجلة البيان العدد 344 ربـيـع الثاني 1437هـ، يـنـايــر 2016م.
abomokhtar
10-12-2016, 10:48 PM
سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.
فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟
فقال الرّجلُ: لا.
فقال عمر: لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع؟
فقال الرّجلُ: لا.
فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟
فقال الرّجلُ: لا.
فقال عمر: لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً؟
فقال الرّجلُ: أجل.
فقال عمر: اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه.
كان ابن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد، ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا وينهشُ عرض ذاك!
كان يعرفُ أن اللحى من الممكنِ أن تصبحَ متاريسَ يختبىء خلفها لصوصٌ كُثر، وأنّ العباءة السّوداء ليس بالضرورة تحتها امرأةٌ فاضلة!
كان يعرفُ أن السِّواكَ قد يغدو مِسنّاً نشحذ فيه أسناننا ونأكل لحوم بعضنا.
كان يعرفُ أن الصلاةَ من الممكنِ أن تصبحَ مظهرًا أنيقاً لمحتال، وأنّ الحجّ من الممكنِ أن يصبحَ عباءةً اجتماعية مرموقة لوضيعٍ!
كان يؤمنُ أنّ التّديّنَ الذي لا ينعكسُ أثراً في السُّلوكِ هو تديّنٌ أجوف!
أندونيسيا لم يفتحها المحاربُون بسيوفهم وإنما فتحها التُّجارُ المسلمونَ بأخلاقهم وأماناتهم!
فلم يكونوا يبيعون بضائعهم بدينهم، لهذا أُعجبَ النّاسُ بهم وقالوا:
يا له من دين!
الايمان الكاذب أسوأ من الكُفر الصّريح. وفي كليهما شرّ!
والتعاملُ مع الآخرين هو محكُّ التّديّنِ الصحيح.
إذا لم يلحظ الناسُ الفرقَ بين التّاجر المتديّنِ والتّاجرِ غير المُتديّن فما فائدة التّدينِ إذاً.
وإذا لم تلحظ الزّوجةُ الفرقَ بين الزّوجِ المُتديّنِ والزّوجِ غير المتديّن، فما قيمة هذا التّديّن.
والعكس بالعكس!
وإذا لم يلحظ الأبوان الفرق بين برِّ الولد المُتدَيّنِ وغير المُتدَيّنِ فلماذا هذا التّديّن؟!
مصيبةٌ أن لا يكون لنا من حجّنا إلا التّمر، وماء زمزم، وسجاجيد الصلاةِ المصنوعةِ في الصّينِ!
مصيبةٌ أن لا يكونَ لنا من صيامنا إلا السمبوسة، والفيمتو، والتمر الهندي، وباب الحارة!
مصيبةٌ أن تكون الصلوات حركاتٍ سُويديّة تستفيدُ منها العضلاتُ والمفاصلُ ولا يستفيدُ القلب!
مظاهرُ التّديّنِ أمرٌ محمود، ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً.
ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون.
فالدّينُ الذي حوّل رعاة الغنمِ إلى قادةٍ للأممِ لم يُغيّر أشكالهم وإنّما غيّر مضامينهم.
أبو جهل كان يلبسُ ذات العباءة والعمامة التي كان يلبسها أبو بكر!
ولحية أُميّة بن خلف كانتْ طويلة كلحية عبد الله بن مسعود!
وسيف عُتبة كان من نفس المعدن الذي كان منه سيف خالد!
تشابهت الأشكالُ واختلفت المضامين.
هل أدركنا ماذا يريد منا ديننا؟
إنه العبادة بمفهومها الشامل. كل ما يحبه الله ويرضاه من اﻷقوال واﻷفعال الظاهرة والباطنة.
هذا هو الاسلام.
علي الصلابي
abomokhtar
10-12-2016, 10:53 PM
يتوارى خلف المظهر والشكل بعض من ضعاف النفوس أصحاب الذمم الواسعة، الذين وجدوا في هيئة المتدين ومظهره فرصة ثمينة لاستغلال الثقة وحسن الظن بهم؛ حيث قناعة بعض فئات المجتمع أن التدين الحقيقي والصادق يرتبط بالمظهر الخارجي دون معرفة أكيدة بمدى التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية أو المعاملات، وتلك الإشكالية وجدت من يستغلها في تحقيق مكاسبه الرخيصه أياًّ كانت، الأمر الذي أساء بالدرجة الأولى لمفهوم التدين والمتدينين.
ويُخطئ أفراد المجتمع في تقييمه للتدين بشكل عام، والتي يشترك فيها الجميع؛ المجتمع والفرد، فالمجتمع أصبح يعطي لبعض السلوكيات الإيمانية دلالات أكبر مما تنتجه في الواقع، الأمر الذي من الممكن أن يستغله ضعاف النفوس، مما يرى نفسه أنه وصل إلى مسمى داعية، دون أن يمتلك المقومات الحقيقية لذلك، مما يتطلب أخذ الدين من نبعه الصافي، ومن علمائنا الأجلاء الذين يتصفون بالحكمة، ويحرصون على لمّ الشمل والتجاوز عن الفرعيات والاختلافات المذهبية، بل ولا يحاولون إقصاء آراء الآخرين.
لا تُعمموا
وقال د. ناصر العبيد -داعية إسلامي-: إن تلك الإشكالية تعد أحد المواضيع الحساسة التي بدأ الكثير يتحدث عنها وهم فيها طرفا نقيض، فإمّا مبالغ مجحف في الطعن، وإمّا متعصب متعاطف مع المتدينين، مضيفاً أن الحق الذي يلزمنا التنبيه عليه يتعلق بجانبين أولهما ألا نُعمم في كلامنا حتى لا نبوء بإثم ذلك، فالمنهج والشرع أمرنا بالإنصاف والتثبت، مبيناً أن الجانب الثاني يتضح من خلال وقائع كثيرة تبين أن غالب من يتحدث عن متدينين فيهم سوء خلق أو كذب أو غيره من السلوكيات والمعاملات الخاطئة، فغالباً ما يعود لموقف بينهم وبين أحد من المتدينين فأطلقوا حكمهم وذمهم عليهم فصدقهم الكثير دون أن يستمعوا إلى الطرف الثاني، ذاكراً أن هؤلاء ذمّوا في قضاة وأئمة مساجد ودعاة، ولا يظن شخص ما أن مثل هؤلاء بهذا السوء من الخلق، مؤكداً على أن هناك من طعن فيهم ولعنهم وكذبهم والحق أنه هو الكذاب الأشر الأفاك الأثيم، لافتاً إلى أن تويتر مليء بمثل تلك النماذج.
طبيعة البشر
وأوضح د. العبيد أن هناك فعلاً من هو سيء الخلق والأمانة أو "غشّاش" أو غير ذلك من التصرفات السيئة، لكن قد يصدر هذا منه لا تديناً ولكن كطبيعة بشر أو زلة، مضيفاً أنه ليس في موقع دفاع عنهم كما أنه في الوقت ذاته لا يبرئهم فمنهم الفظ والغليظ ومنهم ومنهم، لكن يبقى أن هذا من سنن الله في خلقه تبعاً للبيئة والتربية التي صادفها ذلك الرجل، مبيناً أن العدل ما عرف عن ذلك المتدين من سلوكيات وعادات دائمة؛ فإن زلة منه أو كذبة عليه فلا عدل منا ولا حق ببهتانه واتهامه؛ وإن كان ذلك هو ديدنه وطبعه فحق علينا أن نحذر منه، وقبل ذلك أن ينصح ويخوف بالله، ذاكراً أن من المسلمات التي يجب ألاّ نغفل عنها أن "كل بني آدم خطاء" كما أخبر رسول الله، وأن هذا الخطأ قد يكون لسوء فهم من ذلك المتدين، وليس خبثاً منه، فإن كان خبثاً ولؤماً فقد ضمنت الشريعة حقوق الجميع، مشيراً إلى أن هناك بعض المبالغات التي يتحاملها البعض على المتدينين، فتراهم يضخمون كل هفوة وزلة ويزيدون عليها زيادات ربوية ليس لها من وجه الحق باباً.
طمع وأهداف
وأكد د. عطالله العبار -أمين عام جمعية التنمية الأسرية بالقريات- على أن الدين جوهر ومظهر واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، والبعض يفصل بين هاتين الحقيقتين، فيلتزم بالمعتقد ويهمل المظهر، وهو ربما يكون أفضل ممن يهتم بالمظهر ويهمل الجوهر؛ لأنه سيكون مخادعاً لنفسه وللآخرين وينطبق عليه قول الله جل وعلا: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، مضيفاً أن هؤلاء هم خطر على أنفسهم وعلى الدين وعلى المجتمع؛ لأن مظهرهم يخدع البعض، لذا وصية العقلاء والحكماء أن الدين هو أسمى ما يتحلى به الإنسان، فانظر ممن تأخذ دينك، فالعلماء المعروفون هم أحق بالاتباع والأخذ بآرائهم والرجوع إليهم عند النوازل، والواقع يشهد على ضياع وندم كثير من الشباب الذين اتبعوا آراء أصحاب الأهواء وتركوا العلماء الربانيين، ذاكراً أن بعض هؤلاء المتمظهرين بالدِّين لهم أهداف وأطماع دنيوية رخيصة مثل خداع الآخرين في البيع والشراء والزواج والمعاملات، ومجتمعنا متدين بالفطرة ويحب الدين وأهله ويثق بمن تبدوا عليه علامات التدين دون تمحيص لجوهره وسبر لتوجهاته، وهؤلاء الأدعياء سرعان ما ينكشفون، إلاّ أن البعض قد يقع ضحية لهم؛ لأنهم يسيطرون على بعض ضعاف العقول بالتشكيك بالعلماء وولاة الأمر والأنظمة، ويوهمون اتباعهم بأنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم ويحرسون الفضيلة بمفردهم.
فئة تلعب على «وتر العاطفة» بالتواري خلف السلوكيات الإيمانية الشكلية للتكسّب في البيع والشراء والمعاملات!
دور العلماء
وأشار د. العبار إلى أن صاحب التدين الحقيقي هو من يقبل الطرف الآخر ولا يقصيه، وإن وجد عليه ما يعيب أو يقدح في الدين أو المنهج يناصحه بلطف وبسرية ولا يفضحه أمام الآخرين، أو يشن هجوماً عليه ويؤلِّب الآخرين عليه أو يستعدي عليه المجتمع، ناصحاً الشباب بأن يأخذوا الدين من نبعه الصافي علمائنا الإجلاء الذين يتصفون بالحكمة وتقدير المصلحة، ويحرصون على لمّ الشمل والتجاوز عن الفرعيات والاختلافات المذهبية، ولا ينجرفون وراء دعاة الخراب والدمار والانقسام والتشدد، مضيفاً أننا ننتظر من علمائنا الأجلاء أن يفتحوا كل قنوات التواصل المتاحة للتحاور مع الشباب والتفاعل معهم، وأن يستثمروا كل الوسائل التي توصل صوتهم الصادق ورأيهم المعتدل للشباب، وبهذا سيقطعون الطريق على أدعياء العلم الشرعي والمتظاهرين بالتدين الكاذب.
خلل سلوكي
وتحدث د. خالد السبيت -أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك في قسم العلوم الإنسانية بكلية الملك خالد العسكرية- قائلاً: إن في ظاهرة التدين الشكلي مما ابتلينا به اليوم أخطاء يشترك فيها الجميع المجتمع والفرد، فالمجتمع أصبح يعطي لبعض السلوكيات الإيمانية -على أهميتها- دلالات أكبر مما تنتجه في الواقع، وهذه سلوكيات وشعائر إيمانية مهمة مطالب بها كل مسلم ومسلمة، لكن المجتمع بالغ في تقديرها بحيث أصبحت شعاراً -شهادة حسن سيرة وسلوك- للمتدثر بها، وكأننا بذلك نقول إن من لم يوفق في تلك المظاهر فهو لا يملك مثل هذه الشهادة، وإن كان محافظاً على الصلوات الخمس في جماعة المسلمين، صائماً لرمضان، مزكياً لأمواله، حاجاً لبيت الله الحرام، باراً بوالديه، حسنَ الخلق مع الآخرين، مضيفاً أن مثل هذا في مجتمعنا كثير، في حين أن الذي حصل على الشهادة المجتمعية المذكورة آنفاً هو مقدر ومحترم في المجتمع، وإن كان مخلاً بصلاته وصيامه وزكاته، وربما لم يكن واصلاً لرحمه، ولا محسّناً لخلقه وتعامله مع الآخرين، مبيناً أن هذا الخلل هو خلل مجتمع بالغ في تقدير بعض السلوكيات الإيمانية، في حين تجاهل -أي المجتمع- أموراً أخرى هي أكبر وأعظم وزناً في الإسلام، كما أنه خللٌ سلوكي لدى الفرد الذي يتمسك بأوامر شرعية -يُشكر عليها ابتداء ولا شك- ولكنه أهمل أو تهاون في أوامر شرعية هي أكبر وأخطر مما تمسك به، وهذه ليست دعوة إلى ترك السلوكيات الأدنى، لا بل هي دعوة إلى التفكير والتأمل لنستحث فكر أمثال هؤلاء بفعل والتمسك بما هو أهم من باب الأولى.
تقييم الأمور
وأوضح د. السبيت أن هناك فئة قد لاحظت بذكاء الخلل المجتمعي في تقدير هذه المسألة وتعاملت معه بدهاء، فأظهرت من الشعائر الإيمانية ما يعطيها شهادة حسن السيرة والسلوك في المجتمع دون غطاء إيماني حقيقي في القلب، وبذلك أصبحوا يأكلون أموال الناس بالباطل من خلال المعاملات المالية الخاسرة التي تمرر على السذج من الناس، أو ساهموا في إفساد البناء الاجتماعي من خلال إقامة روابط زواجية غرروا بالشريك من خلال مظهرهم المتدين -حسب قوله-، في حين لم يريدوا منذ اليوم الأول سوى الوصول إلى رغبات عاجلة ثم تجاوزها إلى ما بعدها إلى غير ذلك من التجاوزات، مضيفاً أنه بعيداً عن الأسباب والجذور التاريخية للمشكلة، والتي تتمثل في معظم الأحوال في نمط التنشئة الأسرية، ينبغي أن يرتفع الوعي لدى أفراد المجتمع في كيفية تقييم الأمور، وفي وضع الأشياء في نصابها الصحيح، بحيث لا تضخم الإيجابيات التي هي أقل من غيرها، ولا يقلل من الإيجابيات الكبيرة التي عليها مدار الأمر بين الإنسان وربه -أركان الإسلام-، أو التي عليها مدار الأمر بين الإنسان والمجتمع -حسن الخلق-.
غش الناس
ووجّه د. السبيت رسالة لكل من أضر بالآخرين مستغلاً حسن مظهره المتدين قائلاً: أنت تشكر على تمسكك بهذه الأحكام الشرعية، لكن اعلم أن تقصيرك في التمسك بالشعائر الإيمانية الأكبر هو خللٌ في إيمانك يجب عليك معالجته قبل أن تواجه قدرك المحتوم، وحينها لا دينار ولا درهم، فغش المسلمين من الكبائر لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" -رواه مسلم-، وظلم الناس يجعلك يوم القيامة من المفاليس المستوجبين لدخول النار، فعن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال: قال رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت ثم طرح في النار" -رواه مسلم في الصحيح-.
تحقيق - نورة العطوي