مشاهدة النسخة كاملة : الزجر والردع في العقوبات الشرعية


abomokhtar
26-01-2017, 07:00 AM
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران: الآية 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [سورة النساء: الآية 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [سورة الأحزاب: الآية 70 -71].

وبعد:
فهذا بحث في الزجر والردع في العقوبات الشرعية بينت فيه أن العقوبات في الشريعة الإسلامية من بين أهم أهدافها الزجر والردع حتى لا يعود المجرم للجريمة مرة أخرى، والردع له ولغيره حتى لا أحد يقلده أو يقتدي بفعله الإجرامي.

قال ابن عابدين – رحمه الله -: (شرعت العقوبة لمصلحة تعود على كافة الناس، من صيانة الأنساب والأموال، والعقول، والأعراض، وزجراً عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد) [1].
وقال الإمام الزيلعي - رحمه الله -: (إن الغرض من التعزير الزجر، وسميت التعزيرات الزواجر غير المقدرة) [2].

لذلك يجب على القاضي الشرعي أن يظهر الزجر في طيات حكمه بشكل واضح لا لبس فيه، كما يجب أن لا يغفل عن ربط العقوبة بالوازع الديني والأخلاقي، لذلك بين العلماء اتصال الشريعة الإسلامية بالأخلاق، والوازع الديني، وأن له فائدة جميلة في أمور كثيرة، ولعل من أهمها ما يلي:
1- الوقاية: فهو يمنع الوقوع في الجريمة، فإنه إذا استيقظ الوازع الديني ذهب الحقد الذي قد يولد الجريمة، ذلك بأن الذين يقعون في الجرائم سبب وقوعهم في كثير من الأحيان أنهم يحقدون على المجتمع وأفراده فيلجئون إلى الإجرام لتحقيق ما يريدون أما إذا كان هناك وازع ديني فإنه لا يسمح لهذا الأحقاد بالسيطرة على لتفعل كل شر.

2- يقظة الخوف: إن إيقاظ الخوف من الله تعالى يسهل الثبات على الحق، لأن الجرائم لا تقع إلا في جوٍّ من الظلام، ولعبودية لغير الله تعالى، فإذا أحس الذين عاينوا الجريمة، وشاهدوا أن عليهم واجباً دينياً أن يبلغوه تنفيذاً لحكم ربهم العلي القدير.

3- يقظة الضمير: إن يقظة الضمير الديني، وإحساس الجاني بأن العقوبة التي تفرض عليه هي من الله جل جلاله لا من العبد يقتضي عليه سرعة الندم، وتعجيل التوبة، وأنه إن أفلت من حكم الدنيا والسلطان، فإنه يفلت من حكم الله تعالى في الآخرة.[3]

وحيث أن الزجر والردع من أهم أهداف العقوبة الشرعية، فما هو تعريف الزجر، والردع عند أهل اللغة، والاختصاص؟.
أما عن معنى الزجر عند أهل اللغة: فهي بمعنى المنع، والنهي والانتهار.[4]
والزجر اصطلاحا هو: المنع أو المنع بالتهديد [5].
نلاحظ أن التعريف اللغوي يحمل نفس المعنى الاصطلاحي.
أما عن معنى الردع، فقد قال الرازي في مختار الصحاح: (ردعه عن الشيء، فارتدع، أي كفّه...) [6].
والملاحظ أن الزجر مختصة بالمجرم حتى يتوب، ولا يعود إلى فعله الجرمي مرة أخرى.

أما الردع: فهو لمرتكب الجريمة وغيره حتى لا يقلد أحد المجرم في سلوكه الإجرامي، فيتكامل الزجر، والردع في معالجة الجريمة، والمجرم ومن يفكر بالفعل الإجرامي.

وقد تحدث كثير من الفقهاء عن فكرة الردع والزجر، من هؤلاء الفقهاء ابن عابدين - رحمه الله عندما قال: (شرعت العقوبة لمصلحة تعود إلى كافة الناس من صيانة الأنساب، والأموال؛ والعقول؛ والأعراض، وزجراً عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد) [7].

وقال القرافي - رحمه الله -: (الزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة....، الزواجر معظمها على العصاة زجراً لهم عن المعصية، وزجراً لمن يقدم بعدهم على المعصية) [8].

واستند الفقهاء لمشروعية الردع في العقوبات على قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [9].

والردع على نوعين: ردع عام، وردع خاص.
1- الردع العام: ذلك أن توقيع العقوبات على الجاني يزجره، ويردع الناس عن اقتراف الجرائم، ويمنع كل من تسول له نفسه بالجرائم عن ارتكابها، ففي إقامة التعزيرات تنبيه للناس على أنهم إن ارتكبوها، فقد تلحقهم من العقوبة المؤلمة مثلما أصاب الجاني، والنفس البشرية مجبولة على الابتعاد عن الإيلام، فإذا عرفت أن ارتكاب الجرائم تقضي إلى نزول العقوبة بها كفت عن الإجرام والتفكر بها. فإقامة العقوبات تساعد من في قلبه مرض على مقاومة دوافعه الشريرة، والسيطرة عليها وإلا وقع عليهم ما يقع على المجرمين من تعزيرات شديدة زاجرة رادعة.
وإلى هذا المعنى يشير منطوق الآية الكريمة: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [10]

ومما يؤكد معنى الردع العام حرص الشريعة الإسلامية على شهود طائفة من الناس إقامة الحدود والتعزيرات، ويظهر هذا جلياً بقوله سبحانه تعالى في سورة النور:
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [11].

2- الردع الخاص: إن إقامة العقوبة التعزيرية على المجرم يهدف إلى ردع الجاني حتى لا يعود إلى ارتكاب أي جريمة مرة أخرى، ذلك أن العقوبة، وما يترتب عليها من أذى، وألم مادي ؛ ومعنوي تصده عن العودة إلى اقتراف الجريمة.

فهل العقوبات التعزيرية زاجرة فقط أم جابرة [12] أيضاً؟.
اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن العقوبات التعزيرية زاجرة في الدنيا، وأن بعضها جابرة بالدنيا من مثل التعزير بالمال.
وقد شرعت الجوابر لاستدراك المصالح الفائتة، فشرع الجبر مع الخطأ والعمد والجهل والنسيان وعلى المجانين والصبيان، والجوابر تقع في العبادات، والأموال والنفوس والأعضاء، ومنافع الأعضاء والجراح.[13].

أما حدوث الجبر في الآخرة فقد اختلف فيه الفقهاء على اجتهادين:
الاجتهاد الأول: وهو رأي الحنفية، فقد قالوا: بأن العقوبة الأخروية لا تسقط بالعقاب الدنيوي، وإنما يلزم لسقوطها التوبة.[14]
الاجتهاد الثاني: وهو قول الجهور، فقد قالوا: بأن العقوبة الدنيوية مسقطة للعقاب في الآخرة.[15]
أدلة الاجتهاد الأول:
استدل أصحاب هذا الاجتهاد بالعديد من الأدلة، ولعل أهم تلك الأدلة ما يلي:
قوله سبحانه وتعالى:
﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [16].
إن اسم الإشارة يعود إلى التقتيل أو التصليب أو النفي، فقد جمع الله تعالى عليهم عذاب الدنيا والآخرة، وأسقط عذاب الآخرة بالتوبة، فإن الاستثناء عائد إليه للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا بعد وصولها للسلطان [17].
كما أن العقوبة تقام على الكافر ولا تطهره في الآخرة اتفاقاً، ثم إنها تقام على كراهة من يقام عليه الحد [18].

أدلة الاجتهاد الثاني:
استدل جمهور العلماء بأدلة كثيرة منها ما روي عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا ت***وا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك، فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله عفا عنه، وإن شاء عذبه) [19].

وما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصاب حداً، فعجل الله له عقوبته في الدنيا، فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدا، فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه).[20]

وقد اعترض أصحاب الاجتهاد الأول بقولهم:
إن عقوبة الدنيا، والآخرة لا يلزم اجتماعها، فقد دل الدليل على أن عقوبة تسقط عقوبة الآخرة، وأما استثناء الذين تابوا فإنما استثناهم من عقوبة الدنيا خاصة، ولهذا خصهم بما قبل القدرة، وعقوبة الآخرة تندفع بالتوبة قبل القدرة، وبعدها.

ويدل على أن الحد يطهر الذنب ما ورد عن الغامدية قولها: (إني قد زنيت فطهرني). وكذلك فعل ماعز ولم ينكر عليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فدل على أن الحد طهارة لصاحبه. [21]

وحمل أصحاب الاجتهاد الأول مفهوم حديث: (من أصاب حداً فعجل الله له عقوبته)[22] على من تاب في العقوبة، لأنه هو الظاهر، لأن الظاهر أن ضربه أو رجمه يكون معه توبة منه لذوقه سبب فعله، فتقيد به جمعاً بين الأدلة.[23].

ولعل الراجح ما بين الاجتهادين هو: رأي الجمهور القائل بأن العقوبات زواجر جوابر، وذلك لقوة أدلتهم وسلامة منطقها، واستدلالاتها.
وخلاصة الأمر في الردع والزجر أن الهدف منه: هو منع الجاني من معاودة الجريمة مرة أخرى، ومنع غير الجاني من تقليده بالإجرام، لأن التعزير الذي أقيم على من ارتكب الجريمة يمكن أن يقع عليه إذا وقعت منه الجريمة، فيرتدع وينزجر عن ارتكاب أي جريمة، لذا يجب أن تكون العقوبات التعزيرية زاجرة رادعة لاستئصال الجريمة، والمجرمين؛ ومن في قلبه مرض من جنبات المجتمع، والجماعة.

وفي الختام:
نسأل الله تعالى أن يهدينا، وإخواننا بالعودة إلى كتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة 285 - 286].
والحمد لله رب العالمين.

[1] - حاشية ابن عابدين، ج6/ 126.
[2] - تبيين الحقائق، للزيلعي، ج3/ 210.
[3] - الجريمة للشيخ محمد أبو زهرة، ص 11وما بعدها.
[4] - انظر لسان العرب لابن منظور، ج4/ 318. معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ج3 / 47.
[5] - حاشية العدوي، للعدوي، ج1/ 121.
[6] - مختار الصحاح للرازي ،محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، دار الكتاب العربي، ص 239.
[7] - حاشية ابن عابدين، ج4/ 3.
[8] - الفروق للقرافي، ج1/ 213.
[9] - سورة النور الآية 2.
[10] - سورة البقرة، الآية 179.
[11] - سورة النور من الآية 2.
[12] - الجوابر لغة جمع جابر وهو اسم الفاعل، وهي على وزن منتهى الجموع الممنوع من الصرف، وأصلها الفعل جبر وهو *** من العظمة والعلو والاستقامة، فالجبر أن تغني الرجل من فقر، أو تصلح عظمه كسر. (انظر الصحاح في اللغة والعلوم للجوهري، ج2/ 607. معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ج1/ 501 ). أما تعريف الاصطلاحي للجبر، فلم يشتهر بين الفقهاء.
[13] - انظر الفروق للقرافي، ج1/ 213.
[14] - رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، ج4/ 4.
[15] - حاشية العدوي للعدوي، ج 2/ 288. العدة شرح العمدة لأبي محمد بهاء الدين المقدسي، تحقيق صلاح بن محمد عويضة، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الثانية، ج2/ 103
[16] - سورة المائدة الآية 33- 34.
[17] - انظر البحر الرائق، ج 5/ 3.
[18] - انظر البحر الرائق، ج5 / 3. تبيين الحقائق للزيلعي، ج3/ 163.
[19] - رواه الشيخان البخاري في صحيحه باب بيعة النساء، برقم 6787، ج6/ 2637، ومسلم في صحيحه، باب الحدود كفارات لأهلها، برقم 1709، ج1709.
[20] - رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم 13، ج1/ 48.
[21] - عبد الله بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي، وزنيت وإني أريد أن تطهرني، فرده فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول الله إني قد زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه، فقال: أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا، فقالوا ما نعلمه إلا، وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم. قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى. قال: إما لا فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة وقالت: هذا قد ولدته قال اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها فسمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - سبه إياها فقال مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت. رواه مسلم في صحيحه، برقم 1695، ج3/ 1323.
[22] - رواه الترمذي في سننه، برقم 2626، برقم ج5/ 16. ونص الحديث وارد عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أصاب حدا، فعجل عقوبته في الدنيا، فالله أعدل من أن يثني على في الآخرة، ومن أصاب حدا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه) قال أبو عيسى، وهذا حديث حسن غريب صحيح، وهذا قول أهل العلم لا نعلم أحدا كفر أحدا بالزنا، أو السرقة، وشرب الخمر.
[23] - انظر البحر الرائق، ابن نجيم، ج5/ 3.


د. مسلم اليوسف