abomokhtar
15-02-2017, 07:13 AM
إِنَّ أول من استعمل مصطلح ال*** بدافع الشفقة هو الطبيب فرانسوا باكون، وذلك في القرن السابع عشر الميلادي، في كتابه ((علاج المرضى الميئوس من شفائهم))[1].
ويرى أصحابُ هذه النظرية أَنَّ هذا ال*** يتم بدافع تخليص المريض من المعاناة والآلام، شفقةً به عند اليأس مِن شفائِه طبيًّا فإذا كان تطور المرض حتميًّا في نظرة الطب، وكان علاج المرض ميئوسًا منه، فهنا يرى أصحاب هذه النظرية التدخُّل ب***ِ هذا المريض شفقة به بل رأَى هؤلاء ***َ أصحاب الآلام الكبيرة والتكاليف الباهظة، والبلهاء، والأطفال ناقصي الخلقة، وأصحاب الآلام النفسية للمريض والأهل؛ كالإحباط والفشل واليأس نتيجةً لمرضٍ ما[2].
ومنذ أيام فاجأنا البرلمان التايواني بالموافقة على مشروع تعديل قانوني يسمح للأقارب من الدرجة الأولى بطلب سحب أجهزة المساعدة على الحياة بالنسبة للمرضى الميئوس من شفائهم والفاقدين للوعي..
ويعد هذا تعديل لقانون سابق كان يقضي بالحصول على موافقة مسبقة من المريض بفصل أجهزة المساعدة على الحياة في حالة المرضى الميئوس من شفائهم[3].
ويتم *** وإزهاق روح المريض أو صاحب المعاناة بأحد الوسائل المتاحة والممكنة لذلك، بدون آلام، أو عن طريق ال*** البطيء، أو ال*** الحسَن كما يسمِّيه البعض.
فال*** بدافع الشفقة يتم عند أصحاب هذه النظرية لتخليص المريض من الآلام أو الأهل من التكاليف الباهظة، عند اليأس طبيًّا من شفاء المريض... ومن هنا يمكننا رصد ثلاثة أمور مهمة:
الأول: أنَّ ال*** بدافع الشفقة لدى هؤلاء هو ***ٌ مُتَعَمَّدٌ، توفَّر فيه ركن القصد الجنائي لارتكاب ال***، والإصرار على ذلك.
الثاني: أَن الباعث على هذا ال*** هو تخليص المريض من الآلام والأهل من التكاليف الباهظة.
الثالث: أَنَّ تقدير اليأس في الشفاء وعدمه يرجع إلى وجهةِ النظر الطبية البحتةِ.
ويمكننا بناءً على هذه الثلاثية استخلاص النتائج الآتية:
الأولى: أن ال*** بدافع الشفقة أيًّا كان شكله أو وسيلته المستخدمة فيه لا يخرج عن كونه ***ًا مُتَعَمَّدًا، توفرَّتْ فيه أركان القصد والتعمُّد مع الإصرار عليه.
الثانية: أَنَّ مرجعية هذا ال*** إلى وجهة نظر الأطباء، وهذه بلا شك تختلف من طبيبٍ إلى آخر، ومِن لجنةٍ إلى أخرى تبعًا لما لدى كلٍّ من العلم بالطب وتطوراته وأبحاثه، ونحن نرى العالم من حولنا يزخر بعشرات الأمثلة على اختلاف وجهات نظر الأطباء في عشرات القضايا العصريَّة، فمجرَّد الاعتماد على هذه المرجعيَّة فقط يجعل الأمر متأرجحًا غير ثابتٍ، فما تراه اللجنة اليوم،.. قد ترجع عنه غدًا، وربما عادت بعد غدٍ لرأيها الأول، وهكذا.
الثالثة: وبناءً عليه قد يُ*** عشرات من الناس ثم يُظهر الطب الحديث أَنَّهُ كان بالإمكان علاجهم بطرقٍ ما.
الرابعة: أَنَّ الباعث على هذا ال*** قد يتغيَّر من شخصٍ لآخر، فما يكون شفقةً عند البعض قد لا يكون كذلك عند آخرين، وربما كان العلاج في الْمُرِّ أحيانًا.
هذا وغيره مِمَّا يستدعيه العقل ويناقشه حول برامج هذه النظريَّة ومفرداتها.. ونحن نرى أنها لا تسلم من المناقشة، ولا تسوِّغها العقول كما ترى.
لكن أصحابها لم يروا بها بأسًا حين تشرَّبوا قواعد المادة والإلحاد ونظريات اللادينية والانفصال عن الوحي.
نرجع إلى الإسلام العظيم لنرى الفارق في المعاملة، ونرصد ما قرَّرَه الإسلام في هذا المجال حفاظًا على النَّفْس البشرية، هنا ستقابلنا الآية الكريمة لتقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[4] ويقول تعالى أيضًا: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾[5].
فحرَّم سبحانه وتعالى بذلك *** النَّفْس المؤمنة بغير حقٍّ، وقد بيَّنَتِ السُّنَّةُ النبويَّةُ هذا الحق، في مِثْلِ ما أخرجه الشيخان مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنيِّ رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثيَّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ"[6].
فصان الإسلام بذلك النَّفْس المسلمة المؤمنة عن تَعَمُّدِ ال*** لها بأية وسيلة من الوسائل، مهما كانت الوسيلة، ومهما كان الدَّافع على ال***..
بل وصل الحال إلى أَبْعَد من هذا فوضع الإسلام عقوبة لل*** الخطأ كما سبق في الآية الكريمة..
وعلى الرغم من وضع الخطأ والنسيان عن الأمة الإسلامية، وعدم مؤاخذة الله عز وجل للمسلمين بالخطأ إلاَّ أَنَّه سبحانه وتعالى قد شرع الكفارة في ال*** الخطأ بتحرير الرَّقَبَة، أو الدية، أو صيام شهرين متتابعين..
وإنما شرع سبحانه وتعالى هذه الكفارة في ال*** الخطأ صيانةً وتوقيرًا وتكريمًا للنَّفْس المؤمنة من الإزهاق وال***..
بل حتى غير المؤمنين قد صان الله عز وجل أنفسهم ومنع المؤمنين من ***هم إلا في ساحات الحروب والقتال، فمن قاتلنا قاتلناه، ومن عاهدنا وسالمنا عاهدناه وسالمناه.
بل وصل تكريم النَّفْس البشرية في الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، حيث احترم الإسلام النَّفْس البشرية، وإِن كانت غير مسلمة، بعد موتها أيضًا.
ويتجَلَّى هذا فيما رواه الشيخان أيضًا من روايةِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لهما: إِنهَّا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ! فقَالا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيل لَهُ: إِنهَّا جِنَازَةُ يهَودِيٍّ! فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نفَسًا"[7].
وبناءً على هذا التكريم الإسلامي السَّامِي للنَّفْسِ البشرية رأينا الدستور الإسلامي للمهنة الطبيَّة في الباب السابع منه والخاص بحرمة الحياة الإنسانية ينص على أَنَّه يحرم على الطبيب أَن يهدرَ الحياةَ ولو بدافع الشفقة[8].
ثم اليأس من الشفاء مصادمٌ لعقائد المسلمين القائمة على الثقةِ بالله عز وجل، واعتقاد أَنَّ الشفاء بيد الله عز وجل، عملًا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾[9].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ ييَأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾[10] ويقرن سبحانه وتعالى بين وصفه بالرحمة بعباده وبين النهي عن *** النَّفْس فيقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[11]
ويقُرِّر رحمته بعباده في مواضع؛ منها قوله سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[12] وربما كان التداوي بالرُّقَى أو الذِّكْر والدُّعاء أنفع وأسرع مِن التداوي بالعلاجات الطبية متى صلحت النوايا وخلصت الدعوات.
وقد حكى القرافي وغيره الإجماع على المنع من *** الآدمي لشدة ألمه..
بل وصل الأمر إلى الحيوان الذي لا يرُجى هل يُذْبح تسهيلًا عليه وإراحةً له من ألم الوجع؟ قال القرافي: ((الذي رأيتُه المنع، إلا أن يكون مما يذكى لأخذ جلده كالسباع، وأجمع الناس على منع ذلك في حقِّ الآدمي وإِن اشتدَّ ألمه، واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن الإهانة بال***، فلا يتعدَّى ذلك إلى غيره))[13].
لكنَّ الملاحدة واللادينين لا يؤمنون برحمة الله عز وجل، ولا يعترفون ببعثٍ أو حسابٍ..
فلتقارن البشريَّة بنفسِها بين نظريَّات الملاحدة واللادينين التي فتحت الآفاق لإزهاق الأرواح، وبين أصول الإسلام الرصينة التي تحفظ النَّفس البشرية وتصونها عن إزهاقها وإهدار قيمتها وحياتها، ثم هي تُكَرِّم النَّفْس البشرية حيةً وميتةً على ما سبق..
[1] انظر القانون الجنائي والطب الحديث د.أحمد شوقي ص 186، دار النهضة بالقاهرة، ومسئولية الطبيب الجنائية في الشريعة الإسلامية، أسامة التايه ص 157، و(ال*** بدافع الشفقة) سليم حربة، مجلة القانون العدد 18، السنة 1986، ص 121.
[2] انظر المسئولية الطبية الجزائية لعبد الوهاب حومد، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية د.أحمد شرف الدين، موت القلب أو موت الدماغ د.محمد علي البار، والمصادر السابقة.
[3] انظر القدس بتاريخ 10/ 1/ 2011.
[4] النساء: 29.
[5] النساء: 92 – 93.
[6] متفق عليه: البخاريُّ (6878)، مسلم (1676).
[7] متفق عليه؛ البخاري (1313)، مسلم (961).
[8] [القانون الجنائي والطب الحديث، د.أحمد أبو خطوة ص 188].
[9] [الشعراء: 80].
[10] [يوسف: 87].
[11] [النساء: 29].
[12] [الأعراف:156].
[13] شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول للقرافي ص 455.
د. عادل محمود آل سدين مكي
ويرى أصحابُ هذه النظرية أَنَّ هذا ال*** يتم بدافع تخليص المريض من المعاناة والآلام، شفقةً به عند اليأس مِن شفائِه طبيًّا فإذا كان تطور المرض حتميًّا في نظرة الطب، وكان علاج المرض ميئوسًا منه، فهنا يرى أصحاب هذه النظرية التدخُّل ب***ِ هذا المريض شفقة به بل رأَى هؤلاء ***َ أصحاب الآلام الكبيرة والتكاليف الباهظة، والبلهاء، والأطفال ناقصي الخلقة، وأصحاب الآلام النفسية للمريض والأهل؛ كالإحباط والفشل واليأس نتيجةً لمرضٍ ما[2].
ومنذ أيام فاجأنا البرلمان التايواني بالموافقة على مشروع تعديل قانوني يسمح للأقارب من الدرجة الأولى بطلب سحب أجهزة المساعدة على الحياة بالنسبة للمرضى الميئوس من شفائهم والفاقدين للوعي..
ويعد هذا تعديل لقانون سابق كان يقضي بالحصول على موافقة مسبقة من المريض بفصل أجهزة المساعدة على الحياة في حالة المرضى الميئوس من شفائهم[3].
ويتم *** وإزهاق روح المريض أو صاحب المعاناة بأحد الوسائل المتاحة والممكنة لذلك، بدون آلام، أو عن طريق ال*** البطيء، أو ال*** الحسَن كما يسمِّيه البعض.
فال*** بدافع الشفقة يتم عند أصحاب هذه النظرية لتخليص المريض من الآلام أو الأهل من التكاليف الباهظة، عند اليأس طبيًّا من شفاء المريض... ومن هنا يمكننا رصد ثلاثة أمور مهمة:
الأول: أنَّ ال*** بدافع الشفقة لدى هؤلاء هو ***ٌ مُتَعَمَّدٌ، توفَّر فيه ركن القصد الجنائي لارتكاب ال***، والإصرار على ذلك.
الثاني: أَن الباعث على هذا ال*** هو تخليص المريض من الآلام والأهل من التكاليف الباهظة.
الثالث: أَنَّ تقدير اليأس في الشفاء وعدمه يرجع إلى وجهةِ النظر الطبية البحتةِ.
ويمكننا بناءً على هذه الثلاثية استخلاص النتائج الآتية:
الأولى: أن ال*** بدافع الشفقة أيًّا كان شكله أو وسيلته المستخدمة فيه لا يخرج عن كونه ***ًا مُتَعَمَّدًا، توفرَّتْ فيه أركان القصد والتعمُّد مع الإصرار عليه.
الثانية: أَنَّ مرجعية هذا ال*** إلى وجهة نظر الأطباء، وهذه بلا شك تختلف من طبيبٍ إلى آخر، ومِن لجنةٍ إلى أخرى تبعًا لما لدى كلٍّ من العلم بالطب وتطوراته وأبحاثه، ونحن نرى العالم من حولنا يزخر بعشرات الأمثلة على اختلاف وجهات نظر الأطباء في عشرات القضايا العصريَّة، فمجرَّد الاعتماد على هذه المرجعيَّة فقط يجعل الأمر متأرجحًا غير ثابتٍ، فما تراه اللجنة اليوم،.. قد ترجع عنه غدًا، وربما عادت بعد غدٍ لرأيها الأول، وهكذا.
الثالثة: وبناءً عليه قد يُ*** عشرات من الناس ثم يُظهر الطب الحديث أَنَّهُ كان بالإمكان علاجهم بطرقٍ ما.
الرابعة: أَنَّ الباعث على هذا ال*** قد يتغيَّر من شخصٍ لآخر، فما يكون شفقةً عند البعض قد لا يكون كذلك عند آخرين، وربما كان العلاج في الْمُرِّ أحيانًا.
هذا وغيره مِمَّا يستدعيه العقل ويناقشه حول برامج هذه النظريَّة ومفرداتها.. ونحن نرى أنها لا تسلم من المناقشة، ولا تسوِّغها العقول كما ترى.
لكن أصحابها لم يروا بها بأسًا حين تشرَّبوا قواعد المادة والإلحاد ونظريات اللادينية والانفصال عن الوحي.
نرجع إلى الإسلام العظيم لنرى الفارق في المعاملة، ونرصد ما قرَّرَه الإسلام في هذا المجال حفاظًا على النَّفْس البشرية، هنا ستقابلنا الآية الكريمة لتقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[4] ويقول تعالى أيضًا: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾[5].
فحرَّم سبحانه وتعالى بذلك *** النَّفْس المؤمنة بغير حقٍّ، وقد بيَّنَتِ السُّنَّةُ النبويَّةُ هذا الحق، في مِثْلِ ما أخرجه الشيخان مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنيِّ رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثيَّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ"[6].
فصان الإسلام بذلك النَّفْس المسلمة المؤمنة عن تَعَمُّدِ ال*** لها بأية وسيلة من الوسائل، مهما كانت الوسيلة، ومهما كان الدَّافع على ال***..
بل وصل الحال إلى أَبْعَد من هذا فوضع الإسلام عقوبة لل*** الخطأ كما سبق في الآية الكريمة..
وعلى الرغم من وضع الخطأ والنسيان عن الأمة الإسلامية، وعدم مؤاخذة الله عز وجل للمسلمين بالخطأ إلاَّ أَنَّه سبحانه وتعالى قد شرع الكفارة في ال*** الخطأ بتحرير الرَّقَبَة، أو الدية، أو صيام شهرين متتابعين..
وإنما شرع سبحانه وتعالى هذه الكفارة في ال*** الخطأ صيانةً وتوقيرًا وتكريمًا للنَّفْس المؤمنة من الإزهاق وال***..
بل حتى غير المؤمنين قد صان الله عز وجل أنفسهم ومنع المؤمنين من ***هم إلا في ساحات الحروب والقتال، فمن قاتلنا قاتلناه، ومن عاهدنا وسالمنا عاهدناه وسالمناه.
بل وصل تكريم النَّفْس البشرية في الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، حيث احترم الإسلام النَّفْس البشرية، وإِن كانت غير مسلمة، بعد موتها أيضًا.
ويتجَلَّى هذا فيما رواه الشيخان أيضًا من روايةِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لهما: إِنهَّا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ! فقَالا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيل لَهُ: إِنهَّا جِنَازَةُ يهَودِيٍّ! فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نفَسًا"[7].
وبناءً على هذا التكريم الإسلامي السَّامِي للنَّفْسِ البشرية رأينا الدستور الإسلامي للمهنة الطبيَّة في الباب السابع منه والخاص بحرمة الحياة الإنسانية ينص على أَنَّه يحرم على الطبيب أَن يهدرَ الحياةَ ولو بدافع الشفقة[8].
ثم اليأس من الشفاء مصادمٌ لعقائد المسلمين القائمة على الثقةِ بالله عز وجل، واعتقاد أَنَّ الشفاء بيد الله عز وجل، عملًا بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾[9].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ ييَأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾[10] ويقرن سبحانه وتعالى بين وصفه بالرحمة بعباده وبين النهي عن *** النَّفْس فيقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[11]
ويقُرِّر رحمته بعباده في مواضع؛ منها قوله سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[12] وربما كان التداوي بالرُّقَى أو الذِّكْر والدُّعاء أنفع وأسرع مِن التداوي بالعلاجات الطبية متى صلحت النوايا وخلصت الدعوات.
وقد حكى القرافي وغيره الإجماع على المنع من *** الآدمي لشدة ألمه..
بل وصل الأمر إلى الحيوان الذي لا يرُجى هل يُذْبح تسهيلًا عليه وإراحةً له من ألم الوجع؟ قال القرافي: ((الذي رأيتُه المنع، إلا أن يكون مما يذكى لأخذ جلده كالسباع، وأجمع الناس على منع ذلك في حقِّ الآدمي وإِن اشتدَّ ألمه، واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن الإهانة بال***، فلا يتعدَّى ذلك إلى غيره))[13].
لكنَّ الملاحدة واللادينين لا يؤمنون برحمة الله عز وجل، ولا يعترفون ببعثٍ أو حسابٍ..
فلتقارن البشريَّة بنفسِها بين نظريَّات الملاحدة واللادينين التي فتحت الآفاق لإزهاق الأرواح، وبين أصول الإسلام الرصينة التي تحفظ النَّفس البشرية وتصونها عن إزهاقها وإهدار قيمتها وحياتها، ثم هي تُكَرِّم النَّفْس البشرية حيةً وميتةً على ما سبق..
[1] انظر القانون الجنائي والطب الحديث د.أحمد شوقي ص 186، دار النهضة بالقاهرة، ومسئولية الطبيب الجنائية في الشريعة الإسلامية، أسامة التايه ص 157، و(ال*** بدافع الشفقة) سليم حربة، مجلة القانون العدد 18، السنة 1986، ص 121.
[2] انظر المسئولية الطبية الجزائية لعبد الوهاب حومد، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية د.أحمد شرف الدين، موت القلب أو موت الدماغ د.محمد علي البار، والمصادر السابقة.
[3] انظر القدس بتاريخ 10/ 1/ 2011.
[4] النساء: 29.
[5] النساء: 92 – 93.
[6] متفق عليه: البخاريُّ (6878)، مسلم (1676).
[7] متفق عليه؛ البخاري (1313)، مسلم (961).
[8] [القانون الجنائي والطب الحديث، د.أحمد أبو خطوة ص 188].
[9] [الشعراء: 80].
[10] [يوسف: 87].
[11] [النساء: 29].
[12] [الأعراف:156].
[13] شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول للقرافي ص 455.
د. عادل محمود آل سدين مكي