مشاهدة النسخة كاملة : جواز البدء بالسلام على الكافر غير الحربي


abomokhtar
23-02-2017, 07:13 AM
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: (قيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال: نعم، قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]، .. وقال إبراهيم لأبيه: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ [مريم: 47] قلت [القائل القرطبي]: الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة،.. قال النخعي: إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأه بالسلام، فبان بهذا أن حديث أبي هريرة: ((لا تبدؤوهم بالسلام)) إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدؤوهم بالسلام، من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة أو جِوار أو سفر. قال الطبري: وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب. وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه، قال علقمة: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يُبدؤوا بالسلام؟! قال: نعم، ولكن حق الصحبة. وكان أبو أمامة إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك فقال: أُمرنا أن نفشي السلام) ((تفسير القرطبي)) (11/ 111، 112).

وقال ابن القيم رحمه الله: (اختلف السلف والخلف في ذلك، فقال أكثرهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُرد عليهم، روي ذلك عن ابن عباس، وأبي أمامة، وابن محيريز، .. وقالت طائفة: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون له إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك، يروى ذلك عن إبراهيم النخعي، وعلقمة. وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 388).

وسبب الخلاف في هذه المسألة ورود حديث صريح في النهي عن ابتداء السلام على الكافرين لكن تكلم بعض العلماء في صحته، روى هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه (2167) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه))، وقد ذكره الإمام مسلم في آخر أحاديث الباب وبين اختلاف الرواة في لفظه فقال: (وفي حديث وكيع: ((إذا لقيتم اليهود))، وفي حديث ابن جعفر عن شعبة قال: ((في أهل الكتاب)) وفي حديث جرير: ((إذا لقيتموهم)) ولم يسم أحدا من المشركين).

وقد عد الحافظ ابن عدي رحمه الله هذا الحديث من الأحاديث التي أُنكرت على سهيل بن أبي صالح لتفرده بها، فإنه لم يرو هذا الحديث أحد غير سهيل عن أبيه أبي صالح، ولا يوجد هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وإذا تفرد سهيل بن أبي صالح بحديث فإن كثيرا من المحدثين لا يقبلون تفرده وإن كان ثقة؛ لأنهم وجدوا في أحاديثه بعض الأخطاء، قال يحيى بن معين: لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه. وقال البخاري: سمعت علي بن المديني يقول: كان سهيل قد مات له أخ فوجد عليه فنسي كثيرا من حديثه. وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتج به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وقال الذهبي: أحد العلماء الثقات وغيره أقوى منه، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق تغير حفظه بأخرة. ينظر: ((الثقات)) لابن حبان (6/ 418)، ((الكامل في ضعفاء الرجال)) لابن عدي (4/ 522 - 526)، ((ميزان الاعتدال في نقد الرجال)) للذهبي (2/ 243، 244)، ((من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق)) للذهبي (ص: 96)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص: 259).

وللدكتور حاكم المطيري وفقه الله بحث ماتع حول حديث سهيل منشور في منتدى المجلس العلمي بعنوان: ((الإعلام بدراسة حديث: لا تبدؤوا المشركين بالسلام)) رجح فيه ضعف حديث سهيل لثلاث علل:
الأولى: أن سهيل بن أبي صالح ساء حفظه كما قال البخاري، ولهذا تجنب الاحتجاج به في صحيحه، وقال أبو حاتم ويحيى بن معين: لا يُحتج به.
الثانية: أنه تفرد به، ولم يُتابع على روايته هذه، لا عن أبيه، ولا عن أبي هريرة، حتى ذكر حديثه هذا ابن عدي في الكامل، ولم يرو أحد غير سهيل لفظة: ((واضطروهم إلى أضيق الطريق)).
الثالثة: أنه ثبت اضطرابه في روايته، فتارة يقول: (المشركين)، وتارة: (أهل الكتاب)، وتارة: (اليهود).

وقد روى هذا الحديث ثلاثة من الصحابة بلفظ آخر يدل على وجه الحديث، ويكشف عن وهم سهيل فيه، وأنه قد يكون اختصره ورواه بالمعنى فلم يضبطه أو يكون نسيه.
1- روى ابن ماجه (3699) وصححه الألباني عن أبي عبد الرحمن الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم)).
2- روى البخاري في الأدب المفرد (1102) وصححه الألباني عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني راكب غدا إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم)).
3- روى البيهقي في السنن الكبرى (18721) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم لاقون اليهود غدا, فلا تبدؤوهم بالسلام, فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليك)). وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (5/ 111)، وأصله في الصحيحين.

فهذا هو اللفظ الصحيح للحديث، وفيه بيان سبب ورود الحديث، وليس فيه ما زاده سهيل من اضطرارهم إلى أضيق الطريق، وقد فسر الإمام إسحاق بن راهويه هذا الحديث بأن المراد منه منع بذل الأمان لليهود حين خرج إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحصارهم لكونهم أهل حرب، قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: (في مصافحة غير أهل الملة تعظيم، وقد أُمرنا بتذليلهم، إلا أن تكون حاجة أو أردت أن تدعوه إلى الإسلام وما أشبه ذلك من أمر الآخرة كالسلام، ليس لك أن تبدأه لما فيه تعظيم وتشبيه بتحية المسلم، فإذا كانت حاجة إليه فلك أن تبدأه بالسلام، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبدؤوهم بالسلام)) لما خاف أن يدَّعُوا ذلك أماناً، وكان قد غدا إلى اليهود) ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه)) (2/ 337).
وكذا فسره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما نقله عنه تلميذه ابن قيم الجوزية، قال ابن القيم رحمه الله: (وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبدؤوهم بالسلام)) - وهذا لـمَّا ذهب إليهم ليحاربهم وهم يهود قريظة - فأمر ألا يُبدؤوا بالسلام؛ لأنه أمان، وهو قد ذهب لحربهم. سمعت شيخنا يقول ذلك) ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (3/ 1326).

وقد وردت آثار عن السلف الصالح تدل على جواز البدء بالسلام على الكافر غير الحربي:
1) روى ابن أبي شيبة (25865) بسند صحيح على شرط الشيخين عن علقمة قال: أقبلت مع عبد الله بن مسعود من السيلحين فصحبه دهاقين من أهل الحيرة، فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريق غير طريقهم، فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا، فأتبعهم السلام، فقلت: أتسلم على هؤلاء الكفار؟! فقال: (نعم، صحبوني، وللصحبة حق).

2) قال ابن أبي شيبة (25867): حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن شعيب بن الحبحاب قال: كنت مع علي بن عبد الله البارقي، فمر علينا يهودي أو نصراني عليه كارة من طعام، فسلم عليه علي، فقال شعيب: فقلت: إنه يهودي أو نصراني! فقرأ علي آخر سورة الزخرف: ﴿ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 88، 89]. قال الدكتور حاكم المطيري: إسناده صحيح.

3) قال ابن أبي شيبة (25750):حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال: سأل محمد بن كعب عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال: (نرد عليهم ولا نبدؤهم)، فقلت: وكيف تقول أنت؟ قال: (ما أرى بأسا أن نبدأهم)، قلت: لم؟ قال: لقول الله: ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 89]. وصحح إسناده حاكم المطيري.

4) قال ابن أبي شيبة (5/ 248) في باب أهل الذمة يُبدؤون بالسلام رقم (25748): حدثنا وكيع عن سفيان عن عمار الدهني عن رجل عن كريب عن ابن عباس: أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: السلام عليك)، وإسناده ضعيف لوجود رجل مبهم في إسناده، قال ابن القيم: (قلت: إن ثبت هذا عن ابن عباس - وهو راوي حديث أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر: ((سلام على من اتبع الهدى)) - فلعله ظن أن ذلك مكاتبة أهل الحرب ومن ليس له ذمة) ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (3/ 1326).

5) قال ابن أبي شيبة (25749): حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي قال: (إذا كتبت إلى اليهودي والنصراني في الحاجة فابدأ بالسلام)، وقال مجاهد: (اكتب: السلام على من اتبع الهدى)، قلت: الأمر واسع تقول هذا أو هذا بحسب الحال والمصلحة، وقد قال الأوزاعي: (إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون).

6) قال ابن أبي شيبة (25751): حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة: أنه كان لا يمر بمسلم، ولا يهودي، ولا نصراني، إلا بدأه بالسلام. وسنده صحيح. ورواه البيهقي في شعب الإيمان (8378) عن محمد بن زياد قال: كنت آخذ بيد أبي أمامة فأنصرف معه إلى بيته، فلا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال: سلام عليكم، سلام عليكم، سلام عليكم، حتى إذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا، ثم قال: ((يا بني أخي، أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام))، قال البيهقي بعد روايته: قال الإمام أحمد: (السلام على النصراني رأيٌ من أبي أمامة، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ابتدائهم بالسلام). قلت: الإمام أحمد وأكثر الفقهاء ينهون عن ابتداء الكافر بالسلام للحديث الوارد في النهي عن ابتدائهم بالسلام، وهذا من تعظيمهم للسنة النبوية وعدم مخالفتهم لها بالرأي، ولكن قد علمت من سبب ورود الحديث أن النهي وارد في سبب خاص عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لمحاصرة اليهود، فنهى أصحابه أن يسلموا عليهم لأنه يريد أن يحاربهم، فإن سلم عليهم أحد من أصحابه فسيكون ذلك أمانا لهم، وقد أشار إلى ذلك إسحاق بن راهويه وابن تيمية كما تقدم، وقد ذهب إلى جواز ابتداء الكافر غير الحربي بالسلام غير واحد من الصحابة، ولم يتفرد بهذا القول أبو أمامة، قال ابن عبد البر رحمه الله: (روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أنهم كانوا يبدؤون بالسلام كل من لقوه من مسلم أو ذمى، .. روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم قال: رأيت أبا أمامة الباهلي يُسلِّم على كل من لقي من مسلم وذمي ويقول: هي تحيةٌ لأهل ملتنا، وأمانٌ لأهل ذمتنا، واسمٌ من أسماء الله نُفشيه بيننا) ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (ص: 160).

7) قال ابن أبي شيبة (25752): حدثنا إسماعيل بن عياش عن ابن عجلان: أن عبد الله، وأبا الدرداء، وفضالة بن عبيد كانوا يبدؤون أهل الشرك بالسلام.

8) روى البخاري في الأدب المفرد (1101) وصححه الألباني عن أبي عثمان النهدي قال: كتب أبو موسى الأشعري إلى رهبان يسلِّم عليه في كتابه، فقيل له: أتسلم عليه وهو كافر؟! قال: إنه كتب إليَّ فسلَّم عليَّ، فرددت عليه.

مسألة مهمة: الكافر إذا سلم سلاما واضحا وقال: السلام عليكم، يُرد عليه بالمثل: وعليك السلام، ولا يقال له: وعليك فقط، لعموم قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]، وذا هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة، والله يأمر بالعدل والإحسان، وإنما نقول لهم: وعليك إذا تأكدنا أنهم قالوا لنا: السام عليكم. ينظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/ 425).

وقال الألباني رحمه الله: (إذا قالوا: السلام عليك، يُرد عليهم بالمثل: وعليك السلام، ويؤيد أن الآية على عمومها أمران:
الأول: ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1107) والسياق له وابن جرير الطبري في التفسير (10039) من طريقين عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: (ردوا السلام على من كان، يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا؛ ذلك بأن الله يقول: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾. قلت [القائل الألباني]: وسنده صحيح لولا أنه من رواية سماك عن عكرمة، وروايته عنه خاصة مضطربة، ولعل ذلك إذا كانت مرفوعة وهذه موقوفة كما ترى، ويقويها ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لو قال لي فرعون: بارك الله فيك قلت: وفيك. وفرعون قد مات) أخرجه البخاري في أدبه (113)، وسنده صحيح على شرط مسلم.

والآخر: قول الله تبارك وتعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8] فهذه الآية صريحة بالأمر بالإحسان إلى الكفار المواطنين الذين يسالمون المؤمنين ولا يؤذونهم، والعدل معهم، ومما لا ريب فيه أن أحدهم إذا سلم قائلا بصراحة: السلام عليكم، فرددناه عليه باقتضاب: وعليك! أنه ليس من العدل في شيء بله البر؛ لأننا في هذه الحالة نسوي بينه وبين من قد يقول منهم: السام عليكم، وهذا ظلم ظاهر. والله أعلم) ينظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها)) للألباني (2/ 322)، ((صحيح الأدب المفرد)) للألباني (ص: 425).

مسألة: هل يجوز عند السلام على الكافر ابتداءً أو ردًا أن نكمل له التحية فنقول: ... ورحمة الله وبركاته، أو يُكتفى بلفظ السلام فقط من غير أن ندعو له بالرحمة والبركة؟
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 186): الذين جوزوا ابتداءهم بالسلام صرحوا بالاقتصار على: السلام عليك دون الجمع، ودون أن يقول: ورحمة الله.
قلت: تقدم الأثر الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان (8378) عن محمد بن زياد قال: كنت آخذ بيد أبي أمامة فأنصرف معه إلى بيته، فلا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال: سلام عليكم. والله أعلم.

وبالنسبة للدعاء للكافر بالرحمة ورد حديث صحيح فيه أن الدعاء بالرحمة خاص بالمسلمين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله، فكان يقول لهم: ((يهديكم الله ويصلح بالكم)) رواه أحمد (19586) والترمذي (2739) وأبو داود (5038) وصححه الألباني والأرناؤوط.

قال المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث: (لا يقول لهم: يرحمكم الله؛ لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين، بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق والإيمان) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (8/ 10). وينظر: ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 336)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 604)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/ 309).

وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية (1/ 522، بترقيم الشاملة آليا): الراجح مشروعية تشميت الكافر العاطس إذا حمد، ولكن يُدعى له بالهداية ولا يُدعى له بالرحمة.

قلت: أجمع العلماء على أن الوالدين إذا ماتا كافرَين فلا يجوز لولدهما الاستغفار لهما بعد موتهما. ينظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 671).

ودليل هذا الإجماع قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 113، 114]
وقد اختلف المفسرون رحمهم الله في قول الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24] هل هذا الدعاء بالرحمة خاص بالوالدَين المسلمَين دون الكافرين أو هو عام لكل والدَين وإن كانا كافرَين في حال حياتهما؟

فذهب إمام المفسرين ابن جرير الطبري إلى أن هذا الدعاء بالرحمة خاص بالوالدين المسلمَين دون الكافرَين. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 555)، وممن رجح هذا القول ابن أبي زمنين، قال رحمه الله: (﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ هذا إذا كانا مسلمَين، وإذا كانا كافرَين فلا تقل: رب ارحمهما) ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/ 17).

وذهب البيضاوي رحمه الله إلى أن الدعاء بالرحمة عام لكل والدَين وإن كانا كافرَين. ينظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/ 252).

وممن رجح هذا القول ابن عجيبة وابن باديس، قال ابن باديس رحمه الله: (يدعو لهما هكذا في حياتهما وبعد مماتهما، أما في حياتهما فيدعو لهما بالرحمة سواء كانا مسلمَين أم كافرَين، ورحمة الكافرَين بهدايتهما إلى الإسلام، وأما بعد الموت فلا يسأل الرحمة لهما إلا إذا ماتا مسلمَين) ((آثار ابن باديس)) (1/ 228). وينظر: ((البحر المديد)) لابن عجيبة (3/ 193).
والخلاصة أنه لا يثبت حديث مطلق في النهي عن ابتداء الكافر غير الحربي بالسلام، بل ثبت أن النهي وارد لسبب خاص، فالراجح أنه يجوز للمسلم أن يبتدئ الكافر غير المحارب بالسلام، ومن بابٍ أولى أن يرد عليه السلام إذا سلَّم، والأفضل أن يكون السلام على الكافر الواحد بلفظ الإفراد دون الجمع، والأحوط أن يقتصر على لفظ السلام دون ذكر الرحمة، والله أعلم.

وللتوسع في البحث يراجع:
• الإعلام بدراسة حديث: لا تبدؤوا المشركين بالسلام للدكتور حاكم المطيري.
• تعليل أحاديث الصحيحين بين المحدثين والمغرضين للكاتب/ محمد بن جميل المطري.
• رواية الإمام مسلم لبعض الأحاديث في صحيحه مع بيان علة في لفظ أو رواية للكاتب/ محمد بن جميل المطري.


محمد بن علي بن جميل المطري

abomokhtar
23-02-2017, 07:18 AM
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

إذا دخل المسلم إلى مكان فيه خليط من المسلمين وغيرهم، ولو كان المسلم واحداً وغير المسلمين كثر، فمن السنة أن يسلّم عليهم، لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ” مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري ومسلم والترمذي.


أما قول: “السلام على من اتبع الهدى” فهي عبارة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم بها رسائله إلى الملوك غير المسلمين، وقد وردت في رسالته إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى أسقف إيلة وأهلها، وإلى الهلال صاحب البحرين. لكن جميع هذه الرسائل بدأها بقوله (سلم أنتم).


فليس هناك ما يمنع من إلقاء السلام على غير المسلمين، وإن كان المشهور في المذاهب تحريم ذلك أو كراهته، إلا أن عدداً كبيراً من العلماء، وفي مختلف المذاهب أجازه ومنهم ابن عباس وابن مسعود وأبو أمامة وابن محيريز وعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينه والشعبي والأوزاعي، ورجح هذا القول السيد رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان).


هذا يختص بالسلام الشرعي، وهو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لأن فيه تعظيماً أو إكراماً ولأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ولذلك فأكثر الفقهاء الذين يمنعون السلام بهذا اللفظ على غير المسلمين، يمنعونه أيضاً على المسلمين أرباب المعاصي أو الفساق، كلاعب القمار وشارب الخمر والمغتاب وأمثالهم.

أما السلام بغير هذا اللفظ كقولك بالعربية أو الأجنبية (صباح الخير) أو (مساء الخير) أو مثل ذلك، فالأصل جوازه عند الجميع، ولم أجد من يمنعه، إلا قولاً عند الحنابلة.


والذي نرجحه جواز السلام على غير المسلمين، بلفظ السلام أو بأي لفظ آخر تعارف عليه الناس ما لم يتضمن معنى محرماً، بل نرجح وجوب الابتداء بالسلام ورده، لأنه تعبير عن الدعوة التي نحملها للناس، وأنها تدعو إلى كل خير.

والله أعلم.

فتوى الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

abomokhtar
23-02-2017, 07:19 AM
قال الشيخ فيصل مولوي أمين عام الجماعة الإسلامية بلبنان ،والقاضي الشرعي في فتوى مشابهة

في كتابي (السلام على أهل الكتاب) رجحت أن الابتداء بالسلام هو الأصل، ولكني ذكرت أيضاً أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابتداء اليهود بالسلام كان نتيجة لوجود حالة حرب بينهم وبين المسلمين، أو كان نتيجة لأنهم يستغلون بدء المسلمين بالسلام فيردون عليهم بعبارات سيئة أو يبدءونهم بمثل هذه العبارات كأن يقولوا: (السام عليكم) بدل السلام أو يقولوا: (وعليكم السام) بدل وعليكم السلام. والسام هو الموت. فكان المسلم إذا بدأ اليهودي بالسلام يرد عليه بالدعاء عليه بالموت، ولذلك نُهي المسلم أن يبدأ بالسلام، وأُمر إذا بدأه اليهودي بذلك أن يقول له: (وعليكم) لأنه قد يكون قال (السام عليكم) بدل السلام عليكم. وبناء على ذلك فإن حالة الحرب الموجودة بيننا وبين اليهود في فلسطين المحتلة تمنع من إلقاء السلام عليهم. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ليلة الخروج إلى بني قريظة: (إنا غادون غداً إلى بني قريظة فلا تبدءوهم بالسلام).
أما اتخاذ الكتابيين أصدقاء بمعنى التعامل معهم بصدق وإخلاص وبمكارم الأخلاق فهو أمر جائز، لكن الصداقة الحميمة تعني مودة كبيرة، والأصل أن مثل هذه المودة لا تكون إلا لمسلم، وقد يكون بينك وبين صديقك الكتابي مودة جزئية وليست مودة شاملة أو حميمة كما لو كنت تحب فيه بعض الصفات الطيبة كالصدق والوفاء بالعهود وما إلى ذلك، فإن مثل هذا يؤدي إلى نوع من المودة لا حرج فيه ولكنها ليست مودة كاملة.
انتهى
والخلاصة أن بدء اليهود المحاربين للسلام،أمر منهي عنه شرعًا
والله أعلم

abomokhtar
23-02-2017, 07:20 AM
يقول الدكتور خالد محمد عبدالقادر أستاذ الشريعة بالجامعات اللبنانية:


ذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام على المخالفين من أهل الكتاب والمشركين، وقد فعله ابن مسعود وقال : إنه حق الصحبة. وكان أبو أمامة لا يمر بمسلم ولا كافر إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك، فقال : (أمـــرنا أن نفشي الســـــلام) .وبمثلـه كــان يفعـل أبــــو الــدرداء.‏
وكتب ابن عباس لرجل من أهــل الكتاب : (الســــلام عليك) ، وكــــان عمر بن عبد العزيز يقول : (لا بأس أن نبدأهم بالسلام).‏
‎‎ وذهب جمع آخر إلى المنع من إلقاء السلام على الكافرين، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه و سلم : (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام) .
‎‎ وقالوا : في الحديث دليل على تحريم ابتداء المسلم لليهود والنصارى بالسلام، لأن ذلك أصل النهي، وهو قول جمهور أهل العلم.
‎‎ قال ابن حجر : (والأرجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث، ولكنه مختص بأهل الكتاب) .
‎‎ قلت : لكن النهي عن مبادرة أهل الكتاب بالسلام، معلل بكونهم يردون بـ (وعليكم السام) يعني الموت.‏
‎‎ يؤخذ هذا التعليل مما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن رهطًا (جماعة) من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا : (السام عليك)، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم)، وفي رواية أخرى : (فإن أحدهم يقول : (السام عليك) .
‎‎ وعليه فإذا غيّر أهل الكتاب من أسلوب ردهم وألفاظهـــم الخبيثـــة، فلا مانع من السلام عليهم، لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.‏
‎‎ فقد نهانا النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى لا يكون هناك مقابل (إلقاء السلام) دعاء علينا بالموت، فإذا انتفى ذلك فلا أرى وجهًا للمنع.‏
‎‎ وهذا ما فهمه جمع من الأئمة، فقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلّم عليه، فقال : إن سلمتَ فقد سلّم الصالحون، وإن تركتَ فقد ترك الصالحون قبلك.‏
‎‎ كل ما تقدّم من خلاف فإنه إذا كانت تحيتنا لهم (بالسلام عليكم)، أما إذا كانت بعبارة أخرى (كصباح الخير، أو مســاء الخيـــر، أو مرحبًا)، وما شابه ذلك، فلا أرى أن النهي يتناوله، وقد قال بذلك السدي، ومقاتل، وأحمد وغيرهم.
‏ اتفق أهل العلم على أنه يرد على أهل الكتاب بـ : (وعليكم) ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم)
‎‎ ولكن هل يزاد على ذلك؟‏
‎‎ ذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز الرد على الكفار بـ (وعليكم السلام)، كما يرد على المسلم، وهو قول ابن عباس، والأشعري، والشعبي، وقتادة، وحكاه الماوردي وجهًا للشافعية، ولكن لا يقول : (ورحمة الله)، وقيل يجوز مطلقًا وتكون الرحمة بمعنى الهداية.‏
‎‎ وذهب الجمهور إلى المنع من الرد بـ(وعليكم السلام). ولم يأتوا بدليل على ما ذهبوا إليه إلا بالحديث السابق.‏
‎‎ قلت : ولكنه مقيّد بسبب، فإذا زال فلا مانع من الرد بـ (وعليكم السلام).‏
‎‎ فيترجح قـــول القائلين بفرضيـــة الـــرد كامــلاً بالصيغــة التي تصلــح ردًا لتحيته.‏
‎‎ قال ابن القيم : (فإذا تحقق السامع أن الكافر قال له : (السلام عليكم)، فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له : (وعليكم السلام)، فإن هذا من باب العدل والإحسان، وقد قال تعالى : (وإذا حيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).‏

والله أعلم

abomokhtar
23-02-2017, 07:24 AM
الســؤال
يسكن بجانبي جار غير مسلم، وقد اشتهر أبوه بتعصبه الشديد لديانته وعمله على نشرها والتشكيك في الإسلام من خلال المؤسسات الاجتماعية التي كان يُشرِف عليها، وقد توفي هذا الرجل قريبًا، فهل يشرع لي تعزية جاري فيه، وماذا أقول له في تعزيته؟
الجـــواب
شرع الإسلام أحكامًا كثيرة تدل على رسالته في التعايش ونبذ التفرق، وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى رقم (189) سنة 2011م بتاريخ: 18/ 5/ 2011م تحدثت فيها عن المنهج الإسلامي في التعايش، وبيَّنت صور التشريعات العملية التي تؤصِّل وتعضد مبدأ التعايش مع الآخر، فليس الإسلام بِدِين الانغلاق المفضي إلى الانعزال والتخلف، بل هو نَسَقٌ ربانيٌّ متكامل للبشرية عمومًا على اختلاف الأماكن والألوان والنوع. ومن صور التشريعات التي تؤكِّد مبدأ التعايش مع الآخر في الإسلام ما شرعه من التعزية في غير المسلم ومواساة أهله وحثهم على الصبر، وللفقهاء تفصيل في حكم التعزية من حيث المُعزَّى والمُعزَّى فيه، ففي تعزية غير المسلم بغير المسلم يرى جمهور الفقهاء أنها جائزة، وعلى ذلك الحنفية والشافعية، وهو قول لمالك، وإحدى روايات المذهب الحنبلي، ومدرك هذا الرأي أن تعزية غير المسلمين تدخل في عموم البر الوارد في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، كما يصح قياس التعزية على زيارة المرضى؛ فقد ((كان صلى الله عليه وسلم يزور مرضى غير المسلمين كما في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم)). [رواه البخاري]. والجامعُ بين التعزية والزيارة المواساةُ والتخفيف عنه في المصاب. لكنهم مع الجواز اشترطوا أن يتخيَّر المعزِّي من ألفاظ التعزية لأهل الميت ما يناسب حالهم، كحثهم على الصبر وتذكيرهم بأن هذه سنة الله في خلقه، بأن يقول: عوَّضكم الله خيرًا، أو أخلفكم خيرًا ونحو ذلك. وقد خصَّ الشافعية الكافرَ بالمحترم ليخرج الحربي والمرتد فلا يُعَزَّيَان في ميتهما إلا أن يُرجى إسلامهما، ويلحق بالحربي والمرتد مَن اشتُهِر بعدائه للإسلام والعمل على تشكيك المسلمين في دينهم من خلال نشر الشبهات والدعوة إلى غير دين الإسلام، فلا يعزَّى في مثل هذا إلا أن يرجى إسلام المعزَّى.

وخالف الحنابلة فيما ذكر وقالوا بحرمة تعزية الكافر مطلقًا، وهو المذهب كما نصَّ عليه المرداوي، وهو قول بعض الحنفية، وبعض المالكية، ويستدل على ذلك بعموم قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ...﴾ الآية [المجادلة: 22]، وتعزية الكافر نوع من الموادة فتكون محرمة، كما تقاس التعزية على البدء بالسلام، وقد نُهِينا عن البدء بالسلام معهم فكذلك تعزيتهم.

وهذه نصوص العلماء التي تُبَيِّن ما أسلفنا إجماله:
يقول ابن نجيم في البحر الرائق (8/ 232، ط. دار الكتاب الإسلامي): «(وعيادته) يعني تجوز عيادة الذمي المريض لما روي أن يهوديا مرض بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((قوموا بنا نعود جارنا اليهودي))، فقاموا ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقعد عند رأسه، وقال له: ((قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله))، فنظر المريض إلى أبيه، فقال: أَجِبْهُ، فنطق بالشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار)). الحديث، ولأن العيادة نوع من البر وهي من محاسن الإسلام فلا بأس بها ... وإذا مات الكافر قيل لوالده أو لقريبه في تعزيته: أخلف الله عليك خيرًا منه، وأصلحك ورزقك ولدًا مسلمًا؛ لأن الجزية تطهر».

وقال ابن عابدين الحنفي: «وفي كتب الشافعية: ويعزي المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك وصبرك، والكافر بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك». (رد المحتار 2/ 242، ط. دار الفكر).

وقال المواق في التاج والإكليل (3/ 38، ط. دار الكتب العلمية): «وقد روي عن مالك أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر لذمام الجوار».

وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (2/ 42، ط. دار الكتب العلمية): «(و) يعزى المسلم أي يقال في تعزيته (بالكافر) الذمي: (أعظم الله أجرك وصبَّرك و) يعزى (الكافر) المحترم جوازًا إلا إنْ رُجِيَ إسلامُه فندبًا أي يقال في تعزيته (بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاءك)، ولم يذكر المصنف تعزية الكافر بالكافر؛ لأنها غير مستحبة، اقتضاه كلام الشرح والروضة، بل هي جائزة إن لم يُرْجَ إسلامه كما مرت الإشارة إلى ذلك، وإن كان قضية كلام التنبيه استحبابها مطلقًا كما نبهت على ذلك في شرحه».

وقال المرداوي في الإنصاف (4/ 234، ط. دار إحياء التراث العربي): «قوله: (وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان) إحداهما: يحرم، وهو المذهب، صححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع. والرواية الثانية: لا يحرم، فيكره، وقدمه في الرعاية، والحاويين في باب الجنائز، ولم يذكر رواية التحريم، وذكر في الرعايتين والحاويين رواية بعدم الكراهة فيباح، وجزم به ابن عبدوس في تذكرته. وعنه: يجوز لمصلحة راجحة كرجاء إسلامه، اختاره الشيخ تقي الدين، ومعناه اختيار الآجري، وأن قول العلماء: يعاد ويعرض عليه الإسلام. قلت: هذا هو الصواب، وقد عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيًّا يهوديًّا كان يخدمه، وعرض عليه الإسلام فأسلم. وحيث قلنا: يعزيه. فقد تقدم ما يقول في تعزيتهم في آخر كتاب الجنائز، ويدعو بالبقاء وكثرة المال والولد».

ونرى ترجيح رأي الجمهور لقوة ما استدلوا به، أما ما استدل به مَن حرم التعزية بأنها من قبيل الموادة فغير صحيح، بل هي من قبيل البِرِّ المأمور به في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وقد أوضح القرافي في الفرق التاسع والعشرين بعد المائة الفرق بين قاعدة البر والموادة، وأورد كلامًا نفيسًا في الفرق بينهما، ومما قاله: «وأما ما أمر به من بِرِّهِمْ ومن غير مودة باطنية فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولِينُ القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفًا منا بهم لا خوفًا وتعظيمًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يُعَانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم لجميع حقوقهم، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله، ومن العدو أن يفعله مع عدوه؛ فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم». (الفروق 3/ 15، ط. عالم الكتب).

وأما قياس التعزية على البدء بالسلام فقياس مع الفارق؛ لأن البدء بالسلام فيه إكرام من كل وجه، ويمكن تخريجه على قاعدة المودة المنهي عنها، بخلاف التعزية والعيادة فإن فيها احتمالًا، كما أنها تلحق بقاعدة البر السابق بيانها.

فعلى ما ذكر: فيجوز لك تعزية جارك غير المسلم في وفاة أبيه، وعليك انتقاء الألفاظ التي تقولها له، كـ«عوَّضك الله خيرًا مما أخذ منك»، أو تذكيره بالصبر والثبات، وعليك أن تنوي بذلك البر وحسن الجوار ودعوته إلى دين الإسلام. والله تعالى أعلم.

من دار الافتاء المصرية

abomokhtar
23-02-2017, 07:28 AM
من مظاهر سماحة الإسلام: مشروعية البر والإحسان إلى المسالمين من الكفار، فالإسلام حث على البر والإحسان وبذل المعروف والنصح لجميع الناس، إلا من حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتربص بالمسلمين الدوائر، وهؤلاء هم الذين يسمون بالحربيين، فمن لم يكونوا حربيين يجوز أن يبروا وأن يسالموا؛ لأن الإسلام لا يمانع من برهم والعطف عليهم ما داموا مسالمين موادعين، كحال أهل الذمة الذين لهم عهد مع الخليفة أو الحاكم المسلم، فتراعى ذمتهم ويحسن إليهم، كذلك أيضاً أهل الصلح ونحوهم، يقول تبارك وتعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9]. يقول شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة:8] من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم؛ لأن الله عز وجل عمهم في الحكم، وذلك بقوله: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [الممتحنة:8] لأن (الذين) اسم موصول يفيد العموم، فتعم جميع من كانت تلك صفته، فلم يخصص به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ. ويقول الشوكاني أيضاً حول هذه الآية: ومعنى الآية: أن الله سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى ألا يظاهروا الكفار عليهم. وخلاصة الكلام: أن الإحسان وحسن الخلق وبذل المعروف مرغب فيه لكل أحد ولو كان لغير المسلمين، يقول ابن المرتضى اليمني: المخالفة والمنافعة وبذل المعروف، وكظم الغيظ، وحسن الخلق، وإكرام الضيف ونحو ذلك يستحب بذله لجميع الخلق، إلا ما كان يقتضي مفسدة كالذمة، فلا يبذل للعدو في حال الحرب. يعني: إظهار المودة للكافر الحربي مما يجعلك في صورة المتذلل له المضطهد له حتى لا يؤذيك، أو يؤدي إلى نوع من الاعتزاز على المسلم، فمثل هذا لا يشرع، لكن فيما عدا ذلك كما أشرنا من قبل أن التسامح الإسلامي هو تسامح القوي، ورحمة الإسلام رحمة العزيز بلا ذل ولا هوان. إذاً: حسن الخلق مطلوب مع كل الناس، بعض الناس يتكلف إساءة الخلق مع الكافر غير الحربي، يظن أن هذا هو حقيقة الولاء والبراء، لكن إذا تأملنا موقف موسى عليه السلام من فرعون، وفرعون لا يرتاب أحد في أنه من أشد الناس كفراً، وأنه قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ومع ذلك أمر الله عز وجل موسى وهارون أن يقولا له قولاً ليناً قال عز وجل: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، فإلانة القول وحسن الأسلوب في الكلام والأدب وحسن الخلق هذا مرغوب مع كل أحد. أقول: وهذا القيد الذي ذكره ابن المرتضى قيد في محله، ففعل البر كله لابد أن يكون من يد عليا عزيزة، فإذا كان يفضي إلى ذل واستكانة فلا ينبغي فعله لغير المسلم.....

منقول

abomokhtar
23-02-2017, 07:35 AM
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ إن الأصل في علاقة المسلم مع غير المسلم أن تنبني على التعارف والتثاقف وتبادل الحاجات، وتحين المسلم للفرص السانحة لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، مشيراً إلى أنه يجوز إلقاء السلام على غير المسلم حيث أن النهي عن ذلك كان مرتبطا بظرف خاص.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الاثنين من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائية mbc، والتي جاءت تحت عنوان "الحوار مع غير المسلمين" ـ : إن الأصل في العلاقة بين المسلم وغير المسلم هي السلم، مشيرا إلى الخلاف في المسألة قديم معروف، فهناك من يرى أن الأصل في العلاقة بين المسلم وغير المسلم هي الحرب، وهو قول لبعض أهل العلم، وهناك من يرى أن الأصل في العلاقة هو السلم وليس الحرب، وهو مذهب سفيان الثوري وجماعة من المتقدمين وكثير من المتأخرين، وهو ما نسبه بعض الباحثين لابن تيمية وابن القيم و رشيد رضا.
التأصيل والالتباس
وأردف الدكتور العودة : إن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي:
1 ـ علاقة الدعوة : يقول تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ).
2 ـ علاقة الحكمة : في التعامل، يقول تعالى (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).
3 ـ علاقة الحوار: يقول تعالى (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
4 ـ علاقة الخُلق الكريم : يقول تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
5 ـ علاقة البر والإقساط، يقول تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
تعاون..وتدافع
6 ـ علاقة تعاون : فلقد نهى الله سبحانه المسلمين عن الاعتداء على المشركين وإن كانوا قد صدوا المسلمين عن البيت الحرام، فقال ـ سبحانه ـ : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)، أي : لا تعتدوا عليهم وإن ظلموكم، ثم قال -سبحانه وتعالى- : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِى خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا)، واليوم نجد المصلحة قائمة أن يكون ثمة تعاون بين المسلمين وغيرهم في المجالات الصحية، فما يتعلق بمنظمة الصحة العالمية، وفي المجالات البيئية، وما يتعلق بخدمة البيئة والحفاظ عليها، فالأرض للبشر جميعا، و ليست للمسلمين فحسب، (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ).
7 ـ علاقة تدافع : يقول تعالى (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فالتدافع سنة إلهية، كما أن التدافع ليس المقصود به افتعال الصراع والقتال والمسارعة إلى المواجهة، وإنما هو مرحلة وسيطة ما بين القطيعة والتباعد والسكون المطلق وما بين الحرب والصراع، هنا يأتي التدافع الذي فيه قدر من المزاحمة والمنافسة والتثاقف والتعلم والتعليم والأخذ والعطاء، وهو أيضاً مضبوط قدر المستطاع بالتي هي أحسن، كما أن التدافع قد يكون داخل الدائرة الإسلامية، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

علاقة صراع وقتال أيضاً
8 ـ علاقة صراع وقتال : وهي علاقة يجب أن تكون في بعض الظروف؛ كما في دفع المحتل والصائل والمستعمر، ومواجهة العدوان حتى ولو كان من المسلمين، فإن المسلم إذا بغى واعتدى وقاتل الناس بغير حق فهو صائل يجب أن يكف شره، موضحا أن هذا جزء من الشريعة لكن من الخطأ اختصاره.
وضرب فضيلته مثالا لذلك، قائلا : قال لي أحد الدكاترة الأكاديميين: إن علاقتنا مع الكفار تنحصر في ثلاث نقاط هي: الإسلام أو الجزية أو القتال. فقلت له: هذا خطأ علمي وشرعي وأكاديمي؛ لأن هذه هي علاقة الجيش الإسلامي بالجيش غير المسلم فحسب، وهذه من الجمل التي تقال للجيش في الفتوحات، ادعهم إلى الإسلام فإن أبو، فالجزية فإن أبو، فالقتال.
وأكد الشيخ سلمان على أن الإسلام ليس جيشاً، كما أن المجتمع الإسلامي ليس عسكراً فقط، فالحياة لا يجوز عسكرتها، مشيرا إلى أن هناك علاقة تبادل تجاري ومصالح وقرابة وصلح وعلاقات واسعة جداً مع الغرب، كما أن هناك علاقة المتاركة، وقد جاء في السنة النبوية "نتركهم ما تركونا"، وكان عمر -رضي الله عنه- يحاذر أن يرسل جيشه إلى بعض الأطراف، وهكذا عبر التاريخ ـ حتى في أزهى عصور الإسلام ـ كانت هناك مناطق واسعة لم يصلوا إليها وكانت هناك متاركة ظاهرة، وقد يكون السبب هو عدم الإمكان، وإلا لو أمكن أن يكن هناك التواصل والحوار والدعوة والإصلاح فلا شك أن هذا مطلب.
عدوان الغرب الجائر
وأوضح فضيلته أن أحد أسباب الجدل حول العلاقة مع الغرب هو العدوان الجائر من قبل بعض معسكرات الغرب على المسلمين، مشيرا إلى تأثر الناس بواقعهم سلباً وإيجاباً.
ودلل الشيخ سلمان على ذلك بأن هذا الكلام الذي يقوله الآن، إذا قيل في أيام التوتر الشديد للعلاقات، فإن الناس لا يقبلونه حتى وإن كانوا يعتقدون صوابه، فهم على الأقل سيقولون ليس هذا وقته؛ ولذلك فإن العدوان الذي يحصل سواء في فلسطين أو في العراق أو في أي بلد آخر ينعكس ليس فقط على أهل البلد بل على كل الذين يشاركونهم أصل التدين والإسلام.
من المسئول ؟!!
وأكد الدكتور العودة أن الغرب مسئول أكثر من المسلمين عن هذه العلاقات المتوترة؛ لأن الغرب بحكم أنه يملك القوة والسلاح والإعلام فقدراته وإمكانياته في صياغة العلاقة أكثر من المسلمين وهو مسئول إلى حد كبير حتى عن المشاعر السلبية الموجودة عند المسلمين.
وأضاف فضيلته : كما أن الواقع السيئ هو سبب لكن أيضاً من الأسباب في وجود الالتباس في العلاقة أصل الاختلاف لأن الاختلاف يولّد النفرة، والناس بطبعهم عندما يكتشفون أن ثمة اختلافاً بينهم وبين أحد من الناس يحسون بشيء من النفور يحتاج إلى تأليف وإلى إعادة الأمور إلى مجاريها، وهذا شيء طبيعي.
وأوضح الشيخ سلمان : أنه في حالات كثيرة توجد مجتمعات إسلامية خالصة لا تخالطها أقليات من أديان اخرى، فيكون من طبع هذا المجتمع أنه قد لا يتقن فقه العلاقة مع غير المسلمين، ولا فقه التعامل مع الآخر؛ لأنه أصلا لم يتعامل مع غير المسلم، ولذا فلا يحتاج إلى هذا الفقه، بينما تحتاجه الدول وتحتاجه الجماعات التي تعيش في المجتمعات غير الإسلامية..
مجتمع متنوع
وأردف فضيلته : إن من حكمة الله أن جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقيم بعد هجرته في بيئة مدنية مختلطة وهي المجتمع الإسلامي الأول في المدينة، والتي كان فيها قبائل من اليهود معروفة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عقد معهم عقد صلح واتفاق على الحماية المشتركة.
وكذلك كان فيها الوثنيون فعاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملةً رشيدةً فأسلموا ولم يبق منهم أحد، كما كان فيها المنافقون، وهم شريحة جديدة تولّدت من مجيء الإسلام، وكذلك وفد نصارى نجران على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعقد معهم عقداً، وكذلك أخذ الجزية من مجوس هجر، وفي بعض الآثار : سنوا بهم سنة أهل الكتاب وإن كان في الحديث ضعف.
وتابع فضيلته: إن كل ذلك يؤكد أن المجتمع الإسلامي الأول كان مجتمعا متنوعا، يمنحنا فقهاً واضحاً في التعامل مع غير المسلمين المساكنين لنا وغير المساكنين، مشيرا إلى أن هذه الأوضاع الحالية تحمل بعض الباحثين على أن يأخذ نصاً واحداً يتناسب مع قناعته ويهمل ما سوى ذلك، فتجد إنساناً -مثلاً- مولعاً بالحديث عن أن العلاقة هي علاقة صراع وقتال؛ لقول الله تعالى : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)(التوبة: من الآية36) ويستدل بهذا النص وعنده قابلية واستعداداً مبرمجا على أن يؤول أي نص آخر يختلف مع هذا الذي يقول.
في حين أنك تجد في مقابل هذا من يلهج بالاستدلال بقوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)(الأنفال: من الآية61)، وهذا نص قرآني وبناء عليه فإنه ينبغي أن نجنح للسلم في كل مناسبة، ويكون عنده جاهزية داخلية وقابلية مبرمجَة أن يؤول أي نص آخر لا يتفق مع هذا المعنى، ولو أن هذا وذاك جمعا النصوص الشرعية في المسألة لأدركوا أن للتعامل مع الكافر حالات عديدة حسب الظروف والأحوال، وكلها صحيحة مؤيدة بالنصوص الشرعية.
مضايقة..وعدم إلقاء السلام
وتعقيبا على مداخلة تسأل عما ورد في السنة من الأمر للمسلمين بأن يضطروا أهل الكتاب لأضيق الطرق عند ملاقاتهم في الطرقات، ومن النهي عن ابتدائهم بالسلام، كيف يمكن أن يؤول، فأجاب الدكتور سلمان قائلاً: إن إبراهيم عليه السلام سلّم على والده (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ)، والله سبحانه وتعالى ذكر لفظ السلام (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (القصص: من الآية55) وقال سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) (الزخرف: من الآية89). وأضاف فضيلته : ولذلك وقع الخلاف بين السلف في هذه المسائل بعد أن اتفق عامتهم على جواز الرد على سلام الكافر بلفظ "وعليكم السلام" سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو غيره، ولكن اختلفوا في بداءته بالسلام وفي لفظ السلام، أما بَداءته بالتحية مثل مساء الخير صباح الخير فلا إشكال فيها، ولكن الإشكال في لفظ: السلام عليكم، وذلك على قولين :
القول الأول : بجواز إلقاء السلام على الكافر، وهذا مذهب أبي أمامه وحذيفة وابن مسعود وابن عباس والحنفية وكثير من فقهاء الشافعية وفقهاء الحنابلة وغيرهم، كما أن الأوزاعي -رضي الله عنه- عندما سئل عن ذلك قال : "إن سلمت فقد سلّم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون"، مما يدل على أن الأمر فيه سعة.
القول الثاني: بعدم إلقاء السلام عليهم؛ ولكن يُحيَّون بتحية أخرى.
ظرف خاص
وأوضح فضيلته : إن حديث « لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ » الذي ربما هو أساس الحجة، قيل في ظرف خاص، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إني راحل لليهود غداً، وذلك في ظل توتر في العلاقات وتهيؤ لقتال اليهود بعدما خانوا، فكان عدم إلقاء السلام عليهم -في نظري- أنه من الأمانة النبوية، فكيف ألقي عليه السلام وأنا أحضر لحربه بعدما نقض العهد والميثاق مما يتطلب وضوحاً في المعاملة.
وعلى ذلك فإن النبي عليه السلام عندما نهى عن الإلقاء كان هذا في ظرف خاص له اعتبار تاريخي، حيث أشار ابن القيم في "زاد المعاد" إلى هذا الاحتمال وإن لم يرجحه ولكن هو الراجح ـ في نظري ـ بمقتضى مجموع النصوص الواردة في الباب.

تسمية المخالف بـ"الكافر" !!
وأردف الدكتور العودة قائلاً: إن بعض الناس يتساءلون عن حكم إطلاق مصطلح " الآخر " على الكافر، هل فيه من بأس ؟، موضحاً أن هذه مصطلحات ينبغي ـ حتى لو توسعنا في التعبير بها واستخدامها ـ لابد أن نفهم أنها لا تعارض الحكم الشرعي الأصلي المستقر، وكذلك الأمر فيما يتعلق بأحكام الآخرة، بأن ندخل فلان الجنة وندخل فلان النار، مشيرا إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : " الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة " وهذا يؤكد أن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون.
وتابع : ولكن هناك كثير من الناس لم تبلغهم الحجة بالإسلام، ولا عرفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تعرّفوا على رسالته، ثم ماتوا وهم على هذه الجهالة، فهؤلاء أمرهم إلى الله -سبحانه وتعالى- وينطبق فيهم ما ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة، وذكره غيره من أهل العلم، من أنهم يشملهم حكم أهل الفترة، وأنهم يمتحنون يوم القيامة تصديقاً لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"، والله أعلم بما كانوا عاملين، وثمة أقوال فقهية في المسألة معروفة.
تدافع إيجابي
وتعقيبا على سؤالٍ مفاده: أن بعض الناس يرون أن التحرّج من وصف الكفار بالكفر ليس للتأويل الشرعي وإنما هو لهزيمة نفسية، قال الشيخ سلمان : يوجد الكثير من المنهزمين بلا شك؛ لأن طبيعة العلاقة مع الغرب أنها تنحو أحد منحييْن:
1 ـ علاقة إعجاب وانبهار: بما لدى الغرب من الإنتاج والإبداع التقني والمادي ؛ ولذلك يصبح الإنسان يتقبّل الأمر كله بما فيه من قيم وأخلاقيات ومعاني واعتبارات، بل ويتقبل حتى أحياناً الأساطير الغربية ويستشهد بها ويستعذبها.
2 ـ علاقة رفض وقطيعة : حيث يوجد في بالمقابل اتجاه آخر وهو اتجاه الرفض والقطيعة المطلقة، في حين أن المفترض أن يكون هناك قدر من التفاعل أو كما سماه القرآن التدافع، وهذا التفاعل الإيجابي الذي يقتبس الجوانب الإيجابية ويرفض الجوانب السلبية هو الموقف السليم.
وأضاف فضيلته أن هناك من تقع له الهزيمة، ولكن هذه الهزيمة لها وجهان:
الوجه الأول: تقبل ما يأتي من الآخرين بخيره وشره وحلوه ومره.
الوجه الثاني : القطيعة والعزلة والخوف المفرط من الآخر.
البراء..والتعامل مع الآخر
وردا على سؤالٍ عن مفهوم عقيدة البراء من الكفار ومقتضياتها قال الشيخ سلمان : إنه فيما يتعلق بالبراءة، هناك أربع نقاط :
أولا : البراءة واجب حتم فيما يتعلق بشعائر أديان الكفار ومعتقداتهم وكفرهم وظلمهم وعدوانهم وبغيهم وكل المعاني المنحرفة والفاسدة، وهذا لا خلاف عليه ثانيا : يجب على المسلم اجتناب ممارسة الأفعال التي تدل على الميل القلبي لأيٍ من أديان الكفار والفرح بظهور دينهم، مثل أن يكون يتمنى انتصارهم وعلوهم على المسلمين، وما أشبه ذلك من الأفعال التي مقتضاها ودلالتها الميل القلبي لدينهم.
ثالثا : فيما يتعلق بجوانب الحب البشري الفطري الطبيعي، فهذا لا يؤاخذ عليه المسلم، فإنه إذا تزوج زوجةً كتابية فهو بطيعة الحال سوف يحبها وسيحصل بينهما مودةٌ ورحمة، والله سبحانه وتعالى أشار إلى هذه المحبة الفطرية الطبيعية في القرآن الكريم في مواضع، منها قوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ)(آل عمران: من الآية119)، وكذلك قوله تعالى في علاقة المسلم بأبويه الكافرَين (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)(لقمان: من الآية15)، كذلك في محبة الأب لولده المحبةَ الطبيعية، فإنه لا يؤاخذ على هذا الحب الفطري الذي لم يكن دافعه حب الكفر الذي عليه الولد أو الوالد.
رابعا : بغض المعتدين والمحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(المجادلة: من الآية5)، (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(المجادلة: من الآية22).
عالم ملائكي!!
وأردف الشيخ سلمان : لقد سألني سائل عن الآية الكريمة في قصة إبراهيم عليه السلام (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة: من الآية4) فسألته: متى قال إبراهيم هذه الكلمة ؟ هل تظن أنه قالها عندما أوحي إليه أول مرة؟ أم أنه صبر عليهم ودعاهم إلى توحيد الله كثيراً ثم آمن به من آمن وكفر به من كفر ووقعت العزلة عنهم (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً) (مريم:48).
فالله عز وجل نهاه عن الاستغفار لكن لم ينهه عن السلام، وعلى ذلك فإن إبراهيم تبرأ منهم بعدما بلغ الأمر حد المحادة والمحاربة لدين الله وللمؤمنين، وهذه نتيجة طبيعية لهكذا معاملة، ونحن نعرف ما جرى لإبراهيم عليه السلام من المحادة له ولدينه كما في إلقائهم له في النار، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما أوذي بمكة ومن الأنبياء من *** ومنهم من أوذي، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)(آل عمران: من الآية146)، فالعالم الآن يشهد عدداً من الحروب الوحشية الباغية التي لا يمكن تجاوزها ؛ ولذلك لا ينبغي أن نتجاهل هذا الموضع أو يكون حديثنا فيه حديثاً تنظيرياً بحتاً، وكأننا نتخيل أن هناك عالم ملائكي لا يوجد فيه أشرار ولا يوجد فيه ***ة ولا يوجد فيه محاربون.
تأليف القلوب
وتعقيبا على عما ذكره أحد المداخلين من تقديره لما عند بعض غير المسلمين من نواحٍ إنسانية وقيم حضارية وصدق في التعامل وإتقان في العمل لا يوجد كثير منه لدى المسلمين قال الشيخ سلمان: لاشك أن هذا واقع لا ينكر، ولكن استحضار أن يكون هذا الإنسان الكافر أيضاً بحاجة إلى هداية ، فهذا من كمال الوعي وكمال الإدراك ؛ لأن استحضارك أن في داخله ظلمة تحتاج إلى تجلية وتغشية بما أوتيته من نور الهداية والحق، فهذا مطلب لا يعارض عمله وإتقانه ومحاسبته على جودة العمل.
وأضاف فضيلته : لكنه يضاف إلى ذلك كله أن تكون أكثر صبراً وحلماً وحسن خلق عند التعامل، فتأليف القلوب أمر مهم في الدعوة إلى دين الله الحق، ولا شيء يؤلّف القلوب مثل: الكرم والصبر والتسامح وحسن الخلق والتجاوز عن الخطأ واللطف في المعاملة والسلوك الحسن والتوافق مابين الظاهر والباطن، فهذه الأشياء من شأنها أن تؤلف قلوب الناس على الإسلام، والهداية بحسن الخلق وصدق المعاملة سبيل من سبل الدعوة لا ينبغي إهماله.
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى
وجواباً على سؤال سأله أحد المتصلين عن التوفيق بين أن تكون العلاقة مع غير المسلم علاقة سلم واختلاط مدني لمصلحة العالم الذي نعيش فيه، وقول الله عز وجل (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(البقرة: من الآية120)، فهناك من يحتج بهذه الآية على أنه مهما بذلنا من حيادية في النظرة والتعامل مع الآخر الكتابي على وجه الخصوص إلا أن هذا الآخر لن يرضى عنا، قال الشيخ سلمان : إن من أسباب اللبس أن يأخذ الإنسان نصاً ويهمل ما عداه من النصوص، فلو أن الإنسان الذي يستدل بهذه الآية تذكّر قول الله سبحانه وتعالى : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة) ، فهناك أناس أسلموا من النصارى لكن السؤال هؤلاء الذين أسلموا كانوا قبل قليل ممن لن يرضوا عنّا حتى نتبع ملتهم ثم انتقلوا إلى الإسلام هكذا دفعة واحدة دون مقدمات، هذا غير متصوّر.
وأضاف فضيلته : هم قرءوا وسمعوا القرآن وبحثوا حتى وصلوا إلى هذه القناعة، وكذلك اليهود، فعبد الله بن سلام وهو حبر من أحبار اليهود ومع ذلك دخل في الإسلام، ولا شك أن دخوله في الإسلام لم يأت اعتباطا ولا من تلقاء نفسه دون تبصر في وجوه الحق ودلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك يمكن القول أن هذه الآية الكريمة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى)(البقرة: من الآية120)، لا تعني أفرادهم وآحادهم وإنما تعني جملتهم ومجموعهم، وهو أن مجموع هذه الطائفة لن يرضوا عنّا إلا إذا اتبعنا ملتهم، لكن يوجد من آحادهم وأفرادهم وبعض مؤسساتهم من ليس كذلك.
ماذا نقصد بـ"الغرب" ؟!!
وفيما يتعلق بإطلاق مصطلح الغرب على أوروبا الغربية والشرقية، أكد الشيخ سلمان العودة أن مصطلح الغرب فيه تسطيح وعمومية وأنه ليس مصطلحاً علمياً، مشيرا إلى أن لفظ "الغرب" يشير إلى منطقة جغرافية في حين لا يتم الحديث عن منطقة جغرافية فنحن حينما نتحدث عن الغرب نقصد الشرق أيضاً، لافتا إلى أن الذين يطلقونه لا يفرقون بين الغرب والشرق بمفهومه الثقافي، والذي يتمثل في روسيا أو غيرها، أو حتى اليابان، فالكثيرون يطلقون هذا اللفظ ويقصدون ما هو أعم من المنطقة الجغرافية.
وأوضح فضيلته: أن الغرب الذي نتحدث عنه هو في حقيقته "غرب متنوع"، فهناك "الغرب الاستعماري" و "الغرب التبشيري" و "الغرب التقني أو الحضاري" و "الغرب الإنساني أو الثقافي" كتجربة بشرية لها جوانب إيجابية كثيرة ولها جوانب سلبية كثيرة إذن نحن نتحدث عن تشكيلة واسعة جداً تشمل تنوعات وأطياف متباعدة.
نحن الأكثر تدينا
وتعقيبا على مداخلة مفادها أن كثيراً من القيادات الكنسية يرمون باللائمة على المسلم في تفهم الآخر، قال الشيخ سلمان : إن المسلمون في الغالب هم الأكثر تديناً والتزاماً وحضوراً وهذا واقع مشاهد، مشيرا إلى أننا لو قارنا المساجد بالكنائس من حيث حجم الحضور و المحافظة على الصلوات لوجدنا الفرق كبير، وهذا التدين يعطي آثاراً على سلوك المسلم المتدين وعلى عمله وعلى علاقته.
وأضاف فضيلته: إنه بطبيعة الديانات كلها هناك فرق بين المسلم والنصراني وبين اليهودي والوثني، فليس الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان فحسب، ولكن النصراني من منطلق كونه نصرانياً يعتقد أن من لا يدين بدينه فهو كافر في عقيدته، وهكذا اليهودي والوثني وهكذا أي مجموعة، فإن المتدين يعتقد أن من لا يعتقد بقناعاته فهو كافر وفق معاييره الدينية الذاتية.
وأوضح الدكتور العودة : ولذلك فإننا نحن المسلمين نعتقد أن الإنسان الذي لا يدين بدين الإسلام هو كافر تنطبق عليه أوصاف الكفر وتشمله أحكام الكفر في الدنيا.
لا علاقة له بأنفلونزا الخنازير
ورداً على سؤال من مشاركة ، تقول : هل أنفلونزا الخنازير مذكورة في حديث أبو هريرة رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقصداً ، قال الشيخ سلمان :
لا داعي للتكلف أحياناً في البحث عن نصوص تؤيّد ما يحدث ، فهذا نوع من الاستجداء الذي لايسوغ ؛ لأن الحديث لا علاقة له بأنفلونزا الخنازير وإنما هو فيه نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه يضع الجزية وي*** الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام ، فأرى أن هذا التشابه ، هو مجرد تشابه في *** بعض الخنازير كيف نصنع إذاً بأنفلونزا الطيور ولو جاءت لنا أنفلونزا البعارين ولا غيرها لا داع لهذه الملاحقات

توظيف غير المسلم !
ورداً على سؤال لأحد المتصلين عن توظيف غير المسلم وهل يمحق البركة؟ ، قال الشيخ سلمان : لا يلزم ذلك، بل إن توظيف غير المسلم ربما يكون سبباً في هدايته وإسلامه والانتفاع بعلمه .