abomokhtar
28-03-2017, 08:04 PM
الخطبة الأولى
أما بعد:
حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن الجائزة الربانية التي أهداها لنا خير البرية صلى الله عليه وسلم..
حديثنا عن فضيلة من الفضائل وعن عمل من الأعمال يجعلك ويجمعك أيها المسلم في الجنة مع سيد الرجال..
حديثنا أيها المسلم عن سبب من سباب نقاء المجتمع وعن سبب من أسباب رقيه وسموه.
حديثنا عن وصية الله للأولين والأخرين.
إن حديثنا عن اليتيم الذي فقد أباها فجعلك الله تعالى له أباً وحميماً وراعياً وكفيلاً:
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ
إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ
فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على
كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً
للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ
تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها
وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له
عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما
يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
العنصر الأول مَن هو اليتيم؟
اليتيم في كتب اللغة هو: الفرد من كل شيء، وكلُّ شيءٍ يَعِزُّ نَظيرُه.يقال: بيت يتيم، وبلد يتيم.ودُرة يتيمة. واليتيم من الناس: مَن فقَد أباه. ومن البهائم: مَن فقَد أمه.
وذلك لأن الكفالة في الإنسان منوطة بالأب فكان فاقد الأب يتيماً دون من فقد أمه. وعلى العكس في البهائم، فإن الكفالة منوطة بالأم لذلك كان من فقد أمه يتيمًا.
واليتيم عند الفقهاء هو مَن فقد أباه ما لم يبلغ الحُلُم، فإذا بلغ الحُلُم زال عنه اليُتم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ " رواه أبو داود (2873).
أي بعد زوال صفة اليُتم عنهم.
العنصر الثاني: اليتيم في القرآن:
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن سألتم عن مكان اليتيم في القران فاسمعوا يا رعاكم الله لقد تعرض القرآن الكريم له في اثنين وعشرين آية، ذُكِرت فيها كلمة (يتيم ) بالإفراد ثماني مرات، وبالتثنية مرة واحدة،وبالجمع (يتامى) أربع عشرة مرة، و هذا من تعظيم مكانة و حرمة اليتيم الذي اصبح في كافلة الأمة فها هو القران الكريم يحثهم حثا على رعايته و حسن مصاحبته فيها لنرى فضل الكريم على كل يتيم.
أولاً: الإحسان إلى اليتيم وصية الله للأولين و الأخرين:
إن رعاية اليتيم و حسن تعهده وصية الله تعالى لجميع الأمم و ليس مقصورا على أمة محمد صلى الله عليه و سلم لان اليتيم هو قضية كل عصر و مصر لذا يخبرنا الله تعالى عن امره لبني إسرائيل بالإحسان إلى اليتامى فقد اخذ عليهم الميثاق الغليظ إن يكرموا هؤلاء قال رب الأرض و السماء: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ ﴾ [البقرة:83].
*
بل تأملوا مكانة اليتيم كيف يرسل الله تعالى نبيين كريمين للعناية بمال اليتيم ليصلحا جدار تحته كنز ليتيمين ﴿ جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَه ﴾ [الكهف:77] وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل.ويكشف القرآن سبب ذلك الإكرام في قول الخضر لموسى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ [الكهف:82].
وهكذا كان صلاح الآباء سببًا في حفظ حقوق الذرية ورعاية ما أودع لهما من كنز مالي، أو علمي على اختلافٍ في التفسير في بيان نوعية الكنز.
و قرن الله تعالى الإحسان إلى اليتامى بعبادته وحده فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ.. ﴾ [النساء:36].
*
ثانيًا: اهتمام القرآن باليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية: واعلم أن القران الكريم اهتم باليتيم في شتى مناحي الحياة ليحيى اليتيم في جو من الحب و الحنان حتى لا يشعر بمرارة الفقد و بمرارة اليتم و جاءت صورة الضحى لترسي لنا العناية الفائقة باليتيم من الناحيتين النفسية و الاجتماعية لخير البرية - صلى الله عليه وسلم - فالله تعالى يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم في باب الامتنان: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى:6 - 8].
*
فاشتملت الآيات على ثلاثية التربية:
أولا على المسكن: المعبر عنه بقوله: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾ [الضحى:6].
و في هذه الآية يستنبط منها أنه واجب على ولاة الأمور من الحكام و من الأوصياء ألا يتركوا اليتامى بدون مأوى فيتصيدهم المجرمون و ينحرفون كما هو الحال الأن تعاني الأمة الإسلامية من مشكلة تسمى بأطفال الشوارع فقد قدرت اليونسيف عدد أطفال الشوارع في مصر بنحو 2 مليون طفل.
فظهر من البلطجي والحرامي وغير ذلك.....
ثانيا: البيئة و التربية الصالحة: والعناية به ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾ [الضحى: 7].
وهذا الآية تمثل البيئة التي ينبغي أن يعيش فيها اليتيم فحتى لا تنزلق أقدام هؤلاء اليتامى لابد من توفير البيئة الصالحة الناصحة المرشدة الحانية حتى ينشا هؤلاء نشأة إيمانية صالحة تجعل من رجالا يحمون الزمار والديار.
ثالثا على توفير المال الذي هو عصب الحياة: في قوله: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8] وهو الاهتمام بالناحية المالية لليتامى وشرعت لهم موارد كثيرة يأخذون منها المال،منها ما في قول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ.. ﴾ [البقرة:177] وقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215] وفرَضَ لهم الله تعالى في قرآنه نصيبًا من الخُمُس مما يحصل عليه المسلمون من الغنائم التي غنموها من قتال الكفار قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال:41].
وفرَضَ لهم نصيبًا من الفَيْء - وهو كل مالٍ أُخِذ من الكفار من غير قتال- قال تعالى: ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر:7] وجعل لهم أيضًا نصيبًا غير محدد - جبرًا لخاطرهم- إذا حضروا قسمة الميراث،ولم يكن لهم نصيب من هذا الميراث قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [النساء: 8] سواء كان هذا النصيب على سبيل الوصية لهم من الميت فيما لا يزيد على ثلث التركة، أو كان من الورثة إحسانًا منهم لهؤلاء اليتامى وغيرهم ممن ذُكِر في الآية.
الناحية النفسية لليتيم: الاهتمام: بالناحية النفسية لليتيم له تأثير كبير على نفسيته و سلوكه و نضوجه فينبغي على المربي و الوصي أن يراعي الجانب النفسي له و يكون ذلك بالحنان الدافئ و بالسلوك الراشد حتى لا يستشعر ذلك اليتيم بالقهر أو الظلم و الحيف بسبب أنه يتيم قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى:9].
*
وحذرنا الله تعالى من قهر وردع اليتيم فقال سبحانه: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون:1 - 3].
أخي المسلم: هل استشعرت هذه الآيات حيث صور الله تعالى من يظلم ويعتدي على اليتيم بالذي يكذب بالدين يعني بالجزاء والحساب واليوم الأخر.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ ﴾ [الماعون: 1] بِالدِّينِ أي أأبصرت يا محمد الذي يكذب بالحساب والجزاء؟ أو بالمعاد والجزاء والثواب. وقوله: أَرَأَيْتَ وإن كان في صورة استفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب. وهذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر.
يقول سيد قطب - رحمه الله - إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعاً بعنف أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه. والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته.. فلو صدّق بالدين حقاً، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم، وما كان ليقعد عن الحض على طعام المسكين).
وقال تعالى: ﴿ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر:17].
ويُفهم من هذا أنه لابد من إكرام اليتيم، وهذا الإكرام يشمل كل صور حفظ اليتيم من ناحية حقوقه الاجتماعية سواء فيها الإيواء، أو الإنفاق، أو التربية.
فمن إكرامه عدم تركه بلا تربية وتعليم.
ومن إكرامه تهذيبه كما يهذب الشخص أولاده.
فليس المراد بإكرامه إذًا هو الإنفاق عليه فقط بل المقصود كل ما يحقق إكرامه.
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً
في الجاهلية والتأديب في اليتمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً
وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
*
العنصر الثالث: ما تكون به كفالة اليتيم:
فإن سألتم أيها الأخيار عن كيفية كافلة اليتيم فالجواب بحول الملك الوهاب: اعلموا أن كفالة اليتيم تكون بعدة أمور نذكر منها:
أولا: ضم اليتيم اللي الأسرة ورعايته رعاية كاملة كفرد من أفراد الأسرة:
هذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم.
*
الواقع التطبيقي:
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ) قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ من هما؟ قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) رواه البخاري ومسلم. والشاهد في الحديث: ( وعلى أيتام في حجورهما ).
*
وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
*
• وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل:
و هذه الصورة هي المنتشرة و الموجودة حاليا في كثير من بقاع الأمة الإسلامية كما تقوم بذلك الجمعيات و المؤسسات الخيرة و هذه الدرجة ادني من الأولى و إن كانت تحقق معنى الكفالة.
*
قال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية.
*
وأما قوله: وله أو لغيره فالذي له أن يكون قريباً له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبياً] شرح النووي على صحيح مسلم.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
*
أما بعد:
العنصر الرابع: ثمرات كفالة اليتيم:
وختاما أيها الأحباب نقف مع عظم الأجر والثواب الذي رتبه الكريم الوهاب على كفالة اليتيم:
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ
مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ
منها نجهِّز للحياةِ عظيما
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي
نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما
1- صدقة جارية، لأنك تكفل يتيما حتى يرشد:
قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". (مسلم-1631).
*
2- صدقة سر، وخدمات التحويل والاستقطاع البنكي خير وسيلة لذلك:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم:وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".. الحديث (البخاري-660).
*
3- فيها تفريج لكربة اليتيم وتييسر له وسترٍ له من سؤال الناس، وإعانة له على العيش في الحياة:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".. الحديث (مسلم-2699).
*
الواقع التطبيقي:
يقول رئيس قسم الكفالات بفرع الخرج: في صباح يوم من الأيام دخل لقسمنا رجل في الثلاثينات من عمره، ويظهر عليه أثر الهم والحزن، وبعد استقباله والترحيب به طلب معرفة طرق التبرع بالجمعية، وعند شرح طريقة الكفالة الخاصة قال: إنه لا يستطيع أن يدفع المبلغ بصفة مستمرة بسبب عدم وجوده بالخرج، وأنه سيحضر للمحافظة بشكل متقطع، وذلك لوجود معاملة له بإحدى الدوائر الحكومية منذ قرابة خمس سنوات، ولم تُنهَ إلى الآن، ولعل الله أن ينهيها بهذا التبرع، ثم دفع مبلغاً قليلاً واتجه لمدينة الرياض وبعد خروجه بقرابة الساعتين اتصل علي، وأخبرني بأنه قبل أن يصل لنقطة التفتيش التي بين الرياض والخرج جاءه اتصال من نفس الدائرة الحكومية التي بها معاملته يخبرونه بانتهائها، ويطلبون منه الحضور لاستلامها، فسبحان الله!
*
3- سبب لمحو الذنوب والخطايا:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قال فيه: "وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيَّةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ".. الحديث (صحيح ابن حبان-1723).
*
4-علاج لقسوة القلب، وقضاء الحاجات:
فعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسوة قلبه فَقَالَ: "امسح رَأس الْيَتِيم وَأطْعم الْمِسْكِين".رَوَاهُ أَحْمد.
وفي رواية الطبراني: عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يشكو قسوة قلبه قَالَ: "أَتُحِبُّ أَن يلين قَلْبك وتدرك حَاجَتك ارْحَمْ الْيَتِيم وامسح رَأسه وأطعمه من طَعَامك يلن قَلْبك وتدرك حَاجَتك".
*
5- مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة:
عن سَهْلٍ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. (البخاري - 6005).
*
الواقع التطبيقي:
قصة عن أجر كفالة اليتيم واقعية حدثت مع داعية من دعاة الإسلام في الكويت.
يقول الداعية:
بينما أنا نائم إذ رأيت الرسول يقول لي: "أخبر فلان بن فلان الفلاني أنه من أهل الجنة"، فلما استيقظت وقد حفر اسم الرجل في ذاكرتي، لكني تعجبت من الأمر لأني لا أعرف رجلا بهذا الاسم، ولم أفعل شيئا لعدم معرفتي بالرجل، لكني كنت في ضيق كوني لم أجد طريقة لتنفيذ أمر رسول الله.
*
لأني أعلم أن رؤياه حق وأنه يقع علي تنفيذ ما أمرني به. وفي ليلة تالية رأيت رسول الله ثانية وردد علي ما قال في الرؤيا الأولى "أخبر فلان بن فلان الفلاني أنه من أهل الجنة" استيقظت وبدأت أسأل وأتحرى أمر الرجل بحثت في دليل الهاتف، وسألت الاستعلامات، بل طلبت من بعض الأخوة في دوائر الأحوال المدنية أن يستطلعوا لي هذا الأمر، وكل محاولاتي باءت بالفشل.
*
ومرت أيام وأنا أكثر من دعاء الله أن يعرفني بهذا الرجل، وكنت أكثر من الصلاة على النبي محمد، ومرت أيام وأنا على هذا الحال، حتى رأيت رسول الله في رؤيا ثالثة يقول لي: "أخبر فلان بن فلان الفلاني في مدينة الرياض وعنوانه كذا أنه من أهل الجنة" لقد سرت عني هذه الرؤية، ولم أتردد في السفر إلى الرياض للبحث عن هذا الرجل المبارك، ولما وصلت العنوان، وسألت عن الرجل في حيه، دلني جيرانه عليه، طرقت بابه، ففتح لي رجل عادي المظهر، فسألته: أين أجد فلان بن فلان الفلاني؟ قال: أنا هو تفضل قصصت على الرجل القصة فأجهش في البكاء وأعلن توبة إلى الله من كل الذنوب والمعاصي. سألته: بالله عليك أخبرني بسرك، هل تقوم بعمل معين حتى تكون من أهل الجنة؟ فأطرق الرجل وقال بعد تردد: أقول لك على شرط ألا تذكر اسمي بين الناس، فإنه لا يعلم سري إلا الله، فوافقت دون تردد.
*
قال لي: كان لي جار له زوجة وعيال وتوفاه الله، وأنا رجل موظف لكني أشعر بحاجة هذه العائلة فأقسم راتبي إلى نصفين أعطيهم نصفه دون أن يعرفوا من الذي ينفق عليهم، ولا يعلم أحد بهذا حتى زوجتي. عندها عرفت السر فإن هذا الرجل كان مخلصا وصادقا في كفالة هؤلاء الأيتام، وأنفق من أعز ماله على قلته. فاستحق أن يكون رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الدعاء..
السيد مراد سلامة
أما بعد:
حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن الجائزة الربانية التي أهداها لنا خير البرية صلى الله عليه وسلم..
حديثنا عن فضيلة من الفضائل وعن عمل من الأعمال يجعلك ويجمعك أيها المسلم في الجنة مع سيد الرجال..
حديثنا أيها المسلم عن سبب من سباب نقاء المجتمع وعن سبب من أسباب رقيه وسموه.
حديثنا عن وصية الله للأولين والأخرين.
إن حديثنا عن اليتيم الذي فقد أباها فجعلك الله تعالى له أباً وحميماً وراعياً وكفيلاً:
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ
إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ
فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على
كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً
للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ
تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها
وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له
عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما
يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
العنصر الأول مَن هو اليتيم؟
اليتيم في كتب اللغة هو: الفرد من كل شيء، وكلُّ شيءٍ يَعِزُّ نَظيرُه.يقال: بيت يتيم، وبلد يتيم.ودُرة يتيمة. واليتيم من الناس: مَن فقَد أباه. ومن البهائم: مَن فقَد أمه.
وذلك لأن الكفالة في الإنسان منوطة بالأب فكان فاقد الأب يتيماً دون من فقد أمه. وعلى العكس في البهائم، فإن الكفالة منوطة بالأم لذلك كان من فقد أمه يتيمًا.
واليتيم عند الفقهاء هو مَن فقد أباه ما لم يبلغ الحُلُم، فإذا بلغ الحُلُم زال عنه اليُتم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ " رواه أبو داود (2873).
أي بعد زوال صفة اليُتم عنهم.
العنصر الثاني: اليتيم في القرآن:
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن سألتم عن مكان اليتيم في القران فاسمعوا يا رعاكم الله لقد تعرض القرآن الكريم له في اثنين وعشرين آية، ذُكِرت فيها كلمة (يتيم ) بالإفراد ثماني مرات، وبالتثنية مرة واحدة،وبالجمع (يتامى) أربع عشرة مرة، و هذا من تعظيم مكانة و حرمة اليتيم الذي اصبح في كافلة الأمة فها هو القران الكريم يحثهم حثا على رعايته و حسن مصاحبته فيها لنرى فضل الكريم على كل يتيم.
أولاً: الإحسان إلى اليتيم وصية الله للأولين و الأخرين:
إن رعاية اليتيم و حسن تعهده وصية الله تعالى لجميع الأمم و ليس مقصورا على أمة محمد صلى الله عليه و سلم لان اليتيم هو قضية كل عصر و مصر لذا يخبرنا الله تعالى عن امره لبني إسرائيل بالإحسان إلى اليتامى فقد اخذ عليهم الميثاق الغليظ إن يكرموا هؤلاء قال رب الأرض و السماء: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ ﴾ [البقرة:83].
*
بل تأملوا مكانة اليتيم كيف يرسل الله تعالى نبيين كريمين للعناية بمال اليتيم ليصلحا جدار تحته كنز ليتيمين ﴿ جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَه ﴾ [الكهف:77] وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل.ويكشف القرآن سبب ذلك الإكرام في قول الخضر لموسى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ [الكهف:82].
وهكذا كان صلاح الآباء سببًا في حفظ حقوق الذرية ورعاية ما أودع لهما من كنز مالي، أو علمي على اختلافٍ في التفسير في بيان نوعية الكنز.
و قرن الله تعالى الإحسان إلى اليتامى بعبادته وحده فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ.. ﴾ [النساء:36].
*
ثانيًا: اهتمام القرآن باليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية: واعلم أن القران الكريم اهتم باليتيم في شتى مناحي الحياة ليحيى اليتيم في جو من الحب و الحنان حتى لا يشعر بمرارة الفقد و بمرارة اليتم و جاءت صورة الضحى لترسي لنا العناية الفائقة باليتيم من الناحيتين النفسية و الاجتماعية لخير البرية - صلى الله عليه وسلم - فالله تعالى يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم في باب الامتنان: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى:6 - 8].
*
فاشتملت الآيات على ثلاثية التربية:
أولا على المسكن: المعبر عنه بقوله: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾ [الضحى:6].
و في هذه الآية يستنبط منها أنه واجب على ولاة الأمور من الحكام و من الأوصياء ألا يتركوا اليتامى بدون مأوى فيتصيدهم المجرمون و ينحرفون كما هو الحال الأن تعاني الأمة الإسلامية من مشكلة تسمى بأطفال الشوارع فقد قدرت اليونسيف عدد أطفال الشوارع في مصر بنحو 2 مليون طفل.
فظهر من البلطجي والحرامي وغير ذلك.....
ثانيا: البيئة و التربية الصالحة: والعناية به ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾ [الضحى: 7].
وهذا الآية تمثل البيئة التي ينبغي أن يعيش فيها اليتيم فحتى لا تنزلق أقدام هؤلاء اليتامى لابد من توفير البيئة الصالحة الناصحة المرشدة الحانية حتى ينشا هؤلاء نشأة إيمانية صالحة تجعل من رجالا يحمون الزمار والديار.
ثالثا على توفير المال الذي هو عصب الحياة: في قوله: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8] وهو الاهتمام بالناحية المالية لليتامى وشرعت لهم موارد كثيرة يأخذون منها المال،منها ما في قول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ.. ﴾ [البقرة:177] وقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215] وفرَضَ لهم الله تعالى في قرآنه نصيبًا من الخُمُس مما يحصل عليه المسلمون من الغنائم التي غنموها من قتال الكفار قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال:41].
وفرَضَ لهم نصيبًا من الفَيْء - وهو كل مالٍ أُخِذ من الكفار من غير قتال- قال تعالى: ﴿ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر:7] وجعل لهم أيضًا نصيبًا غير محدد - جبرًا لخاطرهم- إذا حضروا قسمة الميراث،ولم يكن لهم نصيب من هذا الميراث قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [النساء: 8] سواء كان هذا النصيب على سبيل الوصية لهم من الميت فيما لا يزيد على ثلث التركة، أو كان من الورثة إحسانًا منهم لهؤلاء اليتامى وغيرهم ممن ذُكِر في الآية.
الناحية النفسية لليتيم: الاهتمام: بالناحية النفسية لليتيم له تأثير كبير على نفسيته و سلوكه و نضوجه فينبغي على المربي و الوصي أن يراعي الجانب النفسي له و يكون ذلك بالحنان الدافئ و بالسلوك الراشد حتى لا يستشعر ذلك اليتيم بالقهر أو الظلم و الحيف بسبب أنه يتيم قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى:9].
*
وحذرنا الله تعالى من قهر وردع اليتيم فقال سبحانه: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون:1 - 3].
أخي المسلم: هل استشعرت هذه الآيات حيث صور الله تعالى من يظلم ويعتدي على اليتيم بالذي يكذب بالدين يعني بالجزاء والحساب واليوم الأخر.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ ﴾ [الماعون: 1] بِالدِّينِ أي أأبصرت يا محمد الذي يكذب بالحساب والجزاء؟ أو بالمعاد والجزاء والثواب. وقوله: أَرَأَيْتَ وإن كان في صورة استفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب. وهذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر.
يقول سيد قطب - رحمه الله - إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعاً بعنف أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه. والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته.. فلو صدّق بالدين حقاً، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم، وما كان ليقعد عن الحض على طعام المسكين).
وقال تعالى: ﴿ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر:17].
ويُفهم من هذا أنه لابد من إكرام اليتيم، وهذا الإكرام يشمل كل صور حفظ اليتيم من ناحية حقوقه الاجتماعية سواء فيها الإيواء، أو الإنفاق، أو التربية.
فمن إكرامه عدم تركه بلا تربية وتعليم.
ومن إكرامه تهذيبه كما يهذب الشخص أولاده.
فليس المراد بإكرامه إذًا هو الإنفاق عليه فقط بل المقصود كل ما يحقق إكرامه.
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً
في الجاهلية والتأديب في اليتمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً
وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
*
العنصر الثالث: ما تكون به كفالة اليتيم:
فإن سألتم أيها الأخيار عن كيفية كافلة اليتيم فالجواب بحول الملك الوهاب: اعلموا أن كفالة اليتيم تكون بعدة أمور نذكر منها:
أولا: ضم اليتيم اللي الأسرة ورعايته رعاية كاملة كفرد من أفراد الأسرة:
هذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم.
*
الواقع التطبيقي:
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ) قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ من هما؟ قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) رواه البخاري ومسلم. والشاهد في الحديث: ( وعلى أيتام في حجورهما ).
*
وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
*
• وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل:
و هذه الصورة هي المنتشرة و الموجودة حاليا في كثير من بقاع الأمة الإسلامية كما تقوم بذلك الجمعيات و المؤسسات الخيرة و هذه الدرجة ادني من الأولى و إن كانت تحقق معنى الكفالة.
*
قال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية.
*
وأما قوله: وله أو لغيره فالذي له أن يكون قريباً له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبياً] شرح النووي على صحيح مسلم.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
*
أما بعد:
العنصر الرابع: ثمرات كفالة اليتيم:
وختاما أيها الأحباب نقف مع عظم الأجر والثواب الذي رتبه الكريم الوهاب على كفالة اليتيم:
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ
مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ
منها نجهِّز للحياةِ عظيما
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي
نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما
1- صدقة جارية، لأنك تكفل يتيما حتى يرشد:
قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". (مسلم-1631).
*
2- صدقة سر، وخدمات التحويل والاستقطاع البنكي خير وسيلة لذلك:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم:وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".. الحديث (البخاري-660).
*
3- فيها تفريج لكربة اليتيم وتييسر له وسترٍ له من سؤال الناس، وإعانة له على العيش في الحياة:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".. الحديث (مسلم-2699).
*
الواقع التطبيقي:
يقول رئيس قسم الكفالات بفرع الخرج: في صباح يوم من الأيام دخل لقسمنا رجل في الثلاثينات من عمره، ويظهر عليه أثر الهم والحزن، وبعد استقباله والترحيب به طلب معرفة طرق التبرع بالجمعية، وعند شرح طريقة الكفالة الخاصة قال: إنه لا يستطيع أن يدفع المبلغ بصفة مستمرة بسبب عدم وجوده بالخرج، وأنه سيحضر للمحافظة بشكل متقطع، وذلك لوجود معاملة له بإحدى الدوائر الحكومية منذ قرابة خمس سنوات، ولم تُنهَ إلى الآن، ولعل الله أن ينهيها بهذا التبرع، ثم دفع مبلغاً قليلاً واتجه لمدينة الرياض وبعد خروجه بقرابة الساعتين اتصل علي، وأخبرني بأنه قبل أن يصل لنقطة التفتيش التي بين الرياض والخرج جاءه اتصال من نفس الدائرة الحكومية التي بها معاملته يخبرونه بانتهائها، ويطلبون منه الحضور لاستلامها، فسبحان الله!
*
3- سبب لمحو الذنوب والخطايا:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قال فيه: "وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيَّةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ".. الحديث (صحيح ابن حبان-1723).
*
4-علاج لقسوة القلب، وقضاء الحاجات:
فعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسوة قلبه فَقَالَ: "امسح رَأس الْيَتِيم وَأطْعم الْمِسْكِين".رَوَاهُ أَحْمد.
وفي رواية الطبراني: عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يشكو قسوة قلبه قَالَ: "أَتُحِبُّ أَن يلين قَلْبك وتدرك حَاجَتك ارْحَمْ الْيَتِيم وامسح رَأسه وأطعمه من طَعَامك يلن قَلْبك وتدرك حَاجَتك".
*
5- مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة:
عن سَهْلٍ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. (البخاري - 6005).
*
الواقع التطبيقي:
قصة عن أجر كفالة اليتيم واقعية حدثت مع داعية من دعاة الإسلام في الكويت.
يقول الداعية:
بينما أنا نائم إذ رأيت الرسول يقول لي: "أخبر فلان بن فلان الفلاني أنه من أهل الجنة"، فلما استيقظت وقد حفر اسم الرجل في ذاكرتي، لكني تعجبت من الأمر لأني لا أعرف رجلا بهذا الاسم، ولم أفعل شيئا لعدم معرفتي بالرجل، لكني كنت في ضيق كوني لم أجد طريقة لتنفيذ أمر رسول الله.
*
لأني أعلم أن رؤياه حق وأنه يقع علي تنفيذ ما أمرني به. وفي ليلة تالية رأيت رسول الله ثانية وردد علي ما قال في الرؤيا الأولى "أخبر فلان بن فلان الفلاني أنه من أهل الجنة" استيقظت وبدأت أسأل وأتحرى أمر الرجل بحثت في دليل الهاتف، وسألت الاستعلامات، بل طلبت من بعض الأخوة في دوائر الأحوال المدنية أن يستطلعوا لي هذا الأمر، وكل محاولاتي باءت بالفشل.
*
ومرت أيام وأنا أكثر من دعاء الله أن يعرفني بهذا الرجل، وكنت أكثر من الصلاة على النبي محمد، ومرت أيام وأنا على هذا الحال، حتى رأيت رسول الله في رؤيا ثالثة يقول لي: "أخبر فلان بن فلان الفلاني في مدينة الرياض وعنوانه كذا أنه من أهل الجنة" لقد سرت عني هذه الرؤية، ولم أتردد في السفر إلى الرياض للبحث عن هذا الرجل المبارك، ولما وصلت العنوان، وسألت عن الرجل في حيه، دلني جيرانه عليه، طرقت بابه، ففتح لي رجل عادي المظهر، فسألته: أين أجد فلان بن فلان الفلاني؟ قال: أنا هو تفضل قصصت على الرجل القصة فأجهش في البكاء وأعلن توبة إلى الله من كل الذنوب والمعاصي. سألته: بالله عليك أخبرني بسرك، هل تقوم بعمل معين حتى تكون من أهل الجنة؟ فأطرق الرجل وقال بعد تردد: أقول لك على شرط ألا تذكر اسمي بين الناس، فإنه لا يعلم سري إلا الله، فوافقت دون تردد.
*
قال لي: كان لي جار له زوجة وعيال وتوفاه الله، وأنا رجل موظف لكني أشعر بحاجة هذه العائلة فأقسم راتبي إلى نصفين أعطيهم نصفه دون أن يعرفوا من الذي ينفق عليهم، ولا يعلم أحد بهذا حتى زوجتي. عندها عرفت السر فإن هذا الرجل كان مخلصا وصادقا في كفالة هؤلاء الأيتام، وأنفق من أعز ماله على قلته. فاستحق أن يكون رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الدعاء..
السيد مراد سلامة