مشاهدة النسخة كاملة : عشر وقفات مع "الداعية أبو تريكة"


محمد عبد المنعم حسبو
13-09-2008, 12:35 AM
عشر وقفات مع "الداعية أبو تريكة"

http://ikhwanonline.com/Data/2008/2/10/ikh11.jpgأبو تريكة يرفع يديه بالشكر لله وبجواره زميله أحمد حسن




بقلم: أحمد زهران



كنت واحدًا من الذين تابعوا منتخب بلدي مصر في البطولة الإفريقية الأخيرة، وتابعت مع ملايين الناس الموقف الذي قام به اللاعب محمد أبو تريكة حينما كتب على قميصه الداخلي عبارة "تعاطفًا مع غزة"، لقد أذهلني الموقف حقًّا، وألجمني تصرفه عن النطق أو التعبير عدة دقائق، وظننت أنني في حلم؛ لأنني رأيت فعلاً لا قولاً، وعزمًا لا فتورًا، ومضاءً لا تردُّدًا.

وأحب أن أقف قليلاً مع هذا الموقف الكبير محلِّلاً ومستنتجًا الدروس والعبر منه، قدر استطاعتي وجهدي:

أولاً: توظيف القدرات والإمكانات

فاللاعب سافر وهو يحمل حقيبة ملابسه التي فيها حاجياته الشخصية كباقي زملائه، وهم في أرض غريبة لا يتحدث الناس فيها العربية إلا القليل، يقيم في الفندق نفسه الذي يقيم فيه أفراد البعثة جميعًا، يأكل معهم وينام معهم، فلا شيء يتميز فيه اللاعب عن بقية زملائه من حيث الظاهر، وإنما هي الإرادة والهمَّة والعزيمة والاهتمام بهموم الأمة.

ولو نظر كل إنسان فيما حباه الله به، فإنه سيجد ما لا يستطيع عدَّه أو حصرَه، وسيجد أنه يشترك مع أكثر الخلق في الخصائص والإمكانات والأعطيات ذاتها، ولكن ما يميز فرد عن آخر هو استغلاله وتوظيفه ما أعطاه الله إياه من قدرات شخصية، ومن عزيمة قوية، ومن همَّة عالية، ثم يأتي دور حسن التوظيف لهذه الأعطيات والمنح الإلهية، وهو ما يختلف فيه إنسان عن آخر.

وأبو تريكة وظَّف محبته في قلوب الناس واللاعبين، ووظَّف شعوره المرهف، وإحساسه بآلام إخوانه في فلسطين التوظيفَ الذي خدم القضية ونفعها، وأوصل من خلاله رسالته للعالم كله.

ثانيًا: الخير مركوز في الطباع البشرية

فأبو تريكة لاعب كرة، ليس خطيب مسجد ولا داعية يتحدث في وسائل الإعلام، والمشهور عن لاعبي الكرة أنهم لا يفكِّرون أو يهتمُّون بالأحداث الكبرى في العالم؛ لأن الكرة شغلت جزءًا كبيرًا من تفكيرهم وحياتهم واهتماماتهم، ثم حدث ما حدث في غزة، فتفاعل معه اللاعب بقلبه وفكره وعاطفته وجسده، وهو ما يؤكد أن الخير مركوز في طبيعة كل إنسان، ويحتاج فقط إلى من يزيح عنه الغبار، وهي النظرة التي ينبغي أن ينظر بها الناس إلى بعضهم البعض، وينظر بها الداعية إلى الناس جميعًا، فربما أتى أي حرفي أو عامل بسيط بفكرة تكون خيرًا من أقوال وأفعال كثيرة لا أثر لها.

ثالثًا: الشعور بالمسئولية
وهو شعور لا يحُول دونَه حاجزٌ جغرافيٌّ، ولا بُعد مكاني، ولا فارق زمني، إنه
الشعور الذي يتفجر من نفس سويَّة، تحب الحق وأهله، وتبغض الباطل وحزبه، كان يمكن للاعب أن يقول كما يقول الكثيرون: وماذا أفعل؟ أنا في مكان بعيد، لو كنت في بلدي لفعلت كذا وكذا، وسوَّيت كذا وكذا، أنا لا أعرف أحدًا يمكن أن يساعدني، أنا أخاف أن أُتَّهَم بالإرهاب أو الانتماء السياسي، أنا أخاف أن أحصل على إنذار أو أُحرم من المشاركة في البطولية أنا.. أنا..

رابعًا: الهمة العالية

وتظهر هذه الهمة في تفكيره فيما يحدث للمسلمين في غزة، ثم تفكيره في رسالة يؤديها للعالم، وهو الغريب في هذه الأرض البعيدة، يكون لها أثرها، فصَالَ وجَالَ، وهداه تفكيره إلى أن يكتب عبارته الشهيرة: "تعاطفًا مع غزة" بالعربية، ثم بحث عن مترجم ليترجِمَها له بالإنجليزية، ثم سؤاله عن دار طباعة لتطبع له الكلمة بالعربية والإنجليزية على قميصه الرياضي الداخلي، ثم في إسراره للأمر وعدم إذاعته؛ حتى لا يثنيه أحد بحجَّة أن القانون يمنع ذلك، ثم في تنفيذه بعزم وإصرار أمام الكاميرات التي تنقل الحدث للناس أجمع.

خامسًا: الانطلاق مما تتقن من فنون

فـ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: من الآية 286)، واللاعب ليس بالفقيه المتعمِّق، ولا الخطيب مفوَّه اللسان، ولا السياسي الذي يُجيد اللف والدوران على موائد المفاوضات، إنه لاعب كرة وفقط، فكر في شيء قريب منه، يستطيع تنفيذه، شيء يسهل إنجازه في زمن قياسي، وهو اللاعب المشهور والمعروف على مستوى القارة الإفريقية والعالمَين العربي والإسلامي، والذي تلتفُّ حوله قلوب الملايين من محبيه، لم يُعقِّد الأمور، أو يشترط لها مستوى معينًا من الدقَّة لتؤدَّى فيه، هو يريد أن يرى العالم كله رسالته، بأشياء بسيطة لا تَكلُّف فيها ولا إرهاق.

سادسًا: يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

وهي قاعدة فقهية أصيلة، ترجع إلى تحكيم المقاصد في دفع الضرر، وتقرر أن الضرر الخاص ينبغي تحمُّله في سبيل دفع الضرر العام؛ وذلك لأن المصلحة الكلية أهم في رعايتها من المصلحة الجزئية، وهو ما فعله هذا اللاعب الذي لم يتخرَّج من كليات أصول الفقه أو الشريعة؛ إذ قرَّر أن يتحمل عواقب الأمر ومخاطره وهي ستكون في المقام الأول على نفسه، بوصفه لاعبًا؛ إذ سيحصل على إنذار أو يُوجَّه له اللوم من قِبَل الاتحادات الدولية، وما يصنع لومٌ أو إنذارٌ مقابل نصرة شعب يُحاصر ويُجوَّع وتُسلب كرامته ويُراد له الموت صباح مساء؟! فقرر أن يتحمَّل مثل هذه الأمور في سبيل رسالته التي أراد أن تصل إلى العالم كله، وهو ما صرَّح به اللاعب إذ قال: "المهم أن رسالتي وصلت إلى العالم أجمع".

سابعًا: ميدان العمل غير ميدان القول

لقد فعل قميص أبو تريكة ما لم يفعله ألف مقال، ولا عشرات القصائد من الأشعار، ولا ملايين خطب الجمعة، من أقصى الأرض إلى أقصاها، مع الاعتراف بأهمية هذه الوسائل جميعها.

وإن الكيان الصهيوني الغاصب ما أقلقه إلا قميص هذا اللاعب، وما حرَّكت الكلمات والمقالات والخطب والبيانات والقصائد شعرةً في جسد هذا الكيان؛ لأنه يعلم أننا نُجيد فن القول والشجب والاستنكار، ولأن اللاعب بحق أتاهم من حيث لا يحتسبون ولا يشعرون ولا يتوقعون، أتاهم من الوسائل التي ابتكروها لإلهاء الشعوب وتخديرها، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وإذا بالعالم أجمع يصل إليه هذا الموقف العملي البسيط، فيتزلزل الصهاينة إلى الدرجة التي مارسوا ضغوطًا على شركة "جوجل" لتقوم بحذف موقف اللاعب وقميصه من على موقعها، وقديمًا قالوا: "فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل"

ثامنًا: لئن شكرتم لأزيدنكم

فأسهم اللاعب في صعود، ليس لمهارته الكروية وحسب، بل لسمته وخلقه ومحافظته على القيام بفرائض دينه من دون تأخير، وأشهد أنني سمعته ورأيته على إحدى القنوات الفضائية قبيل سفرهم لليابان العام قبل الماضي وأحد المذيعين كان يجري وراءه ليحدثه أبو تريكة عن شعوره، فيعتذر بلباقة وأدب قائلاً للمذيع: "بعد صلاة العصر.. حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى.. إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا".

أضف إلى ذلك حرص اللاعب البالغ على شكر الله تعالى عقب أي هدف يحرزه أو يحرزه أحد زملائه، وهو سلوك شاع في الملاعب المصرية على وجه الخصوص، وشاع بصورة جماعية رائعة بين لاعبي المنتخب المصري، وجهازهم الفني في البطولة الإفريقية الأخيرة، وهو ما يؤكد أن من يتوجه إلى الله بالشكر يزده الله عطاءً وتوفيقًا وتسديدًا ومحبةً في قلوب الخلق.

وما فعله الفلسطينيون في غزة من احتفالية تكريم خاصة بهذا اللاعب، ورفعهم لافتات كتبوا عليها: "غزة بتحبك يا أبو تريكة"، وتصريح رئيس الوزراء إسماعيل هنية بأن حكومته ستكرِّم اللاعب أبو تريكة تكريمًا خاصًّا، كل ذلك يؤكد على المعنى الذي ذكرناه.

تاسعًا: تجديد النية وإخلاص القصد

فما بلغ فعل اللاعب هذا المبلغ والانتشار الإعلامي الضخم، ورعب الكيان الصهيوني منه إلا بإخلاص اللاعب لربه، وتجديده النيه دائمًا، وكما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.

وأحسب أن اللاعب لاهتمامه بحقوق أمته كان سببًا لأن ينصرهم الله في هذه الدورة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم"، وأحسب أن الله تعالى حفظ هذا اللاعب من الأذى بسبب تصرفه ذاك، يقول الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: من الآية 24).

إن تحقيق الإخلاص عزيز، وهو يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناءه وبعده؛ حتى يكون عمل العبد لله؛ فالمخلصون كما ذكر ابن القيم: "أعمالُهم كلُّها لله، وأقوالُهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعُهم لله، وحبُّهم لله، وبُغضُهم لله؛ فمعاملتُهم ظاهرًا وباطنًا لوجهِ الله وحدَه، لا يريدون بذلك من الناسِ جزاءً ولا شكورًا، ولا ابتغاءَ الجاهِ عندَهم، ولا طلبَ المحمدةِ والمنزلة في قلوبِهم، ولا هربًا من ذمِّهم، فمن عرفَ الناسَ أنزلَهم مَنازلَهم، ومن عَرفَ اللهَ أخلصَ له أعمالَه وأقوالَه وعطاءَه ومنعَه وحُبَّه وبُغضَه".

وحينما كان الناس ينسبون لـ"أبو تريكة" أنه السبب في الفوز بالمباريات، كان يقول لهم بتواضع وإخلاص: إن لعبة كرة القدم لعبة جماعية، وأنا وزملائي شركاء في هذا الفوز، فأنا لم أصنعه بنفسي بل نحن جميعًا صنعناه.

عاشرًا: جريمة قتل عمد أن ننتمي إلى هذا الدين ولا نعمل له

وهذا ما ينبغي أن يعلمه كل إنسان ينتسب إلى هذا الدين؛ أن عليه مسئوليات وواجبات، وأن الله سائله عنها يوم القيامة، سائله عما فعله لنصرة دينه وهو يقدر أن يفعل شيئًا ولكنه لم يفعله، فماذا يقول الإنسان لربه يوم القيامة؟!

إن "أبو تريكة" لم يُبقِ عذرًا لأحد، فهل ينهض المتكاسلون؟ ويفيق الغافلون؟ ويستيقظ النائمون؟ أم نظل على حالات الإعجاب والانبهار بالفعل من دون أن نقدِّم شيئًا عمليًّا ولو بسيطًا ننصر به ديننا ونعز به إخواننا.

إننا لن ندخل الجنة لأن أسماءنا إسلامية أو لأننا نعيش في أوطان تُوصف بأنها إسلامية، لا، ولكننا ندخل الجنة بطاعتنا، وإخلاصنا، ونُصرتنا لإخواننا، وتوفيق الله لنا، ورحمته بنا.

فجزى الله اللاعب الخلوق محمد أبو تريكة خيرًا، الذي أحرجَنا كثيرًا؛ شعوبًا وقادةً، دعاةً وساسةً، متعلمين وجاهلين، كتابًا وإعلاميين، وعلمنا بحق أن الإرادة والعزيمة لا تُقهران.

ولأنني موقن بأن الداعية ليس خطيب المنبر ولا إمام المسجد فحسب، وإنما الداعية كل إنسان يدعو إلى الله بقول أو فعل أو موقف، أو حتى بسمْته أو
صمته، طالما أنه يؤثر في الناس التأثير الإيجابي المحمود، أَوَلستم معي في أن "أبو تريكة" يستحق أن يكون داعيةً؟

كامل على
13-09-2008, 12:44 AM
بارك الله فيك وانا معك فى كل ماقلت