مشاهدة النسخة كاملة : من مذكرات معلم على المعاش


صوت الحق
10-06-2017, 12:10 PM
من مذكرات معلم على المعاش
ورقة غير رسمية
عندما أتاح لنا الفرصة للاطلاع على مذكراته.. وجدناه نادرا ما يتكلم عن نفسه.. أو إنجازاته أو عطائه.. بل كان يسجل صعوبات.. لمواقف تربوية.. واجهته واستفاد منها.. وكان لها الأثر الطيب, في مشوار حياته المهنية.. وقد جمع هذه المواقف, ودونها في دفتر مدرسي, كتب على غلافه بخط جميل, " مذكرات معلم على المعاش " .. ومن العناوين المتعددة لصفحات هذا الدفتر.. "ورقة غير رسمية ".. يحكي فيها عن موقف تربوي.. في بداية مشوار حياته..
فما أحوجنا.. إلى الاستفادة من خبرات الآخرين.. وتطويرها.. والأخذ منها بما يناسب الوقت والتغيرات.. ولننقل من دفتره.. وعن لسانه ما جاء في هذا الموقف.. حيث يقول:
في بداية عملي بالتربية.. وفي أحد صفوف المرحلة الابتدائية.. بإحدى مدارس محافظات مصر.. كثرت المصادمات, والمخاصمات, بيني وبين والطلاب, وأولياء أمورهم.. ولا يخلو يوم.. من شاك ومشتك..
الطلاب في مرحلة التكوين .. وهي من أخطر المراحل. التي تترك أثرا بالسلب.. أو الإيجاب.. في حياتهم.. كنت شخصية جديدة على الطلاب .. قليل الخبرة .. نادر الابتسامة .. ثقيل الواجبات .. كثير الصراخ والتوعد والوعيد .. وربما أحسست, من خلال هذه المفاهيم الخاطئة.. أن أرسم شخصيتي بفرض سطوتي على الصغار. الذين كانوا يؤدون الواجبات عن خوف مني, لا عن حب, وتحاشيا لثورتي وانفعالاتي.. ومنهم من تمرد عليّ.. وآخرون انقطعوا عن المدرسة, وعادوا تحت ضغط أسرهم.. وأما عن مدير المدرسة.. والذي سجلت إعجابي به فيما بعد.. وما كان يتميز به من الخبرة والذكاء.. كان يسجل ملاحظاته على تصرفاتي.. أولا بأول.. دون علمي.. لا لشيء, إلا للوقوف على مدى قدرتي تربويا.. وعلميا.. في علاقتي بطلابي.. وكيفية معالجة كل ملحوظة.. بما يناسبها من توجيه وإرشاد.. بشيء من الحب.. وفي نهاية جلسة توجيهية بناءة وهادفة من جانب المدير أشار عليّ.. أن الزميل السابق.. كان له بعض المقترحات, والاجتهادات الشخصية.. اطلعني عليها.. ووافقته وشجعته.. وقد رأيت أن هذه المقترحات.. لا تخرج عن الإطار العام للمنظومة التربوية.. منها أوراق متابعة غير رسمية.. استأذنني أن يضعها في ملفات الطلاب.. يسترشد بها المعلم الذي يتولى مسئولية الطلاب من بعده ووافقته..
فلك أن تفحص هذه الملفات.. فربما تفيدك من الاقتراب لطلابك .. وكم كنت بادي الرأي.. قليل الخبرة.. سريع الرد.. عندما علقت باستخفاف.. وهل هي إلا ملفات رسمية.. تحمل شهادة ميلاد.. وطلب التحاق.. وبطاقات تحصيل.. تحوي رموزا.. "م . ج ج . ج . د . ه". فتبسم المدير ضاحكا من إجابتي.. واستحضر أحد الملفات.. وانتابتني الدهشة والغرابة.. عندما رأيت أن كل ملف.. يحمل إلى جانب ما ذكرته.. ورقتين غير رسميتين.. إحداهما شاملة.. والأخرى خاصة.. تمثل مفتاح شخصية كل طالب على حدة.. مدون بها كل ما يخص الطالب.. من مشكلات سلوكية وصحية وتحصيلية.. بشيء من التفصيل.. وتضمنت الورقة أيضا.. برنامجًا علاجيًا متفقًا عليه مع ولي الأمر.. إلى جانب مواهب الطالب ..وقدراته.. وابتكاراته.. وكيف أن المعلم بمساعدة ولي الأمر ساهما في تنمية هذه المواهب . وكان المدرس السابق صادقًا.. فأوضح نواحي قصوره هو شخصيا, لعل الذي يحمل مسئولية الصف يستطيع اجتياز هذه النواحي .
أما عن الرسالة الشاملة والعامة والتي كان لها الأثر المباشر والفعال في تميز أسلوب عملي فيما بعد فلنترك الورقة تتحدث عن نفسها دون تدخل في حرف منها .
الموضوع: ورقة غير رسمية
الفاضل / من يحمل راية طلابي , ومن يقود سفينة صفي من بعدي, وبرغم عدم معرفة سابقة بيني وبينك. ها أنا أترك بين يديك, مجموعة من الأصدقاء الأوفياء, وقد وجدت من الأمانة المهنية, أن أدع لك في نهاية العام, تلك السلسلة الذهبية لمفاتيح شخصياتهم, والاستحواذ على قلوبهم, وإنارة عقولهم .
ولتعلم أني ما فعلت هذا من أمري, وإنما هو وارد من الله العلي القدير, هداني إياه فحمدته على توالي عطاءاته.
" قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" "وقبل أن أبدأ تسليم أرقام مفاتيح هذه السلسلة, لابد لك من فكرة عامة, عما أورده الله علينا من خواطر, وأخذ بأيدينا في تطبيقها.
يقول أحد الصالحين: " ما تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك, وما خاب مطلب أنت طالبه بربك "
* لا تقبل على طلابك بنفسك, وبمعرفتك مهما كان لديك من خبرة ودراية, ولكن أدخل عليهم من باب العجز والافتقار والتواضع واطلب مددك من ربك.
* ادفن ذاتك وادفن قدراتك معها لأن الحبة لا تنبت إلا إذا دفنت في التراب .
* قم بالفرار والهرب من الثناء والشكر كفرار الفريسة من الأسد حتى لا تفتنك نفسك فتصفق لها فيسلب عطاؤك وتكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .
أبدأ بما يحب طلابك قبل أن تطرح عليهم ما تحب أن يأخذوه منك .
* اعلم أن لكل منا بصمة معينة تختلف عن بصمة الآخر فاعتبر كل شخصية من طلابك منفردة غير قابلة للتكرار فعايش كل شخصية على حدة حتى يشعر كل فرد منهم أنك له وحده دون غيره.
* حاول أن تكون ثقة كل طالب منهم يبحث عنك ليفرغ عندك همومه وآلامه ومغامراته واسمعهم بقلب واع غير مقاطع أو معاتب .
* لا تتعجل بالنصيحة وتملأ القدر بالمرغوب فيه من تعديل في السلوك, قبل أن تفرغه تماما من اللا مرغوب من سلوك وانفعالات حتى تجد لديهم الثقة بك والقبول منك.
* احفظ أسرارهم في قلب حر ولا تستغلها في إهانتهم من آن لآخر .
* لا تكن كثير الشكوى منهم إلى أولياء أمورهم, وإدارة المدرسة وزملائك فتفقد مروءتك معهم وتبدو نقاط ضعفك ظاهرة أمامهم.
* اجعل طلابك نجوما لامعين بتنمية القليل لديهم واجعل زملاءهم يصفقون لهم, وأسرهم يباركون خطواتك وخطواتهم.
* عند لقائك بهؤلاء الطلاب لأول مرة ستجدهم يدقون على الطاولات ويصفقون ويغنون ويتضاحكون ولا يلقون بالا أو أي اهتمام بوجودك فدعهم كما هم بل قم بمشاركتهم وصفق لهم ومعهم بتلقائية بعيدا عن التكلف حتى تشبع رغباتهم وميولهم, ثم قم بتنظيم هذه الفوضى رويدا, رويدا إلى أن تتلاشى ويصبح الذمام في يدك تبدأها وتنهيها بصورة مقننة.
* تأتيك الدروس جامدة ومجردة, فحاول تحرير الجانب الوجداني وإبرازه والتطبيق عليه ولتتفق الأهداف الظاهرة مع الأهداف الباطنة لديك, والتي تتلخص في اقتناعك الشخصي من تدريس موضوع ما، ولا يتم تحقيقها إلا بالإعداد النفسي والروحي لديك والإجابة الشافية لهذا السؤال, لماذا أدرس هذا الموضوع؟
ثم تنبع من هذه الأهداف الباطنة مجموعة من الأهداف الظاهرة والمحددة تحديدا دقيقا والتي من خلالها تستطيع توزيع الجرعات المعرفية والسلوكية والمهارات الحياتية على طلابك وليس بقدر من التساوي ولكن بما يتناسب مع قدرات كل منهم .
* حاول دائما الخروج من الانفصال إلى التوحيد وذلك بربطك المتواصل بين المواد بعضها ببعض وتحقيق هذا التوحيد في دروسك بقدر المستطاع حتى تصل إلى المكون فيكون بذلك تحقيق المراد.
* لا تقف وحيدا فتهزك الرياح ولكن استعن بزملائك وخذ ما يناسب حصتك ودرسك منهم وأنكر ذاتك وحاول إبراز جانب المساعدة منهم والثناء عليهم عند أولي الأمر تستحوذ على قلوبهم ويتفانون معك في إبداعاتهم فيحصل طلابك على أكبر قدر من الاستفادة وتجنبهم الملل منك وما يفتقدونه عندك ربما يجدونه لدى زملائك .
* لديك مجموعة من النجوم اللامعين منهم لاعب السلة , والقدم, والموسيقى ، والممثل , والمقلد ، ومنهم من يحب الشعر , وآخر يجد نفسه في القرآن الكريم , وآخر في الرسم , فاحرص كل الحرص على تقسيم أدوارك بينهم وإعطاء كل منهم ما يحب وإشباع ميوله ورغباته وأن يجدك كل منهم فيما يحب .
* لا ترهق طلابك يأسا وحاول دائما تسديد الكرة في المكان الذي يستطيعون صدها منه ثم تدرج بالمعلومة حتى تصل بهم إلى الاحتراف, وتجنب الغضب والعنف ولا تشكو من تصرفات طلابك التي من أجلها اخترت العمل معهم ولا تشكو لأسرهم من تصرفات هم استأمنوك عليها ليوفقك الله في تهذيبها فلا تذكرهم بها من وقت لآخر فيخيب أملهم في المربي والمدرسة.
* صافح أولادك كل صباح واسأل عن أحوالهم وناديهم بأحب الأسماء إليهم , واسأل عن غائبهم وشجع طلابك على ذلك لتنمي روح الصداقة لديهم .
* وأخيراً هذه سلسلة المفاتيح الذهبية أهديها إليك في ورقة غير رسمية ولتكن استرشادية وليست مفروضة لأني واثق كل الثقة في مهارتك وقدراتك وإيمانك فخذ ما يروقك منها أن شئت.
انتهت ورقة ذلك المجهول الذي لا أعرفه .. المرتجف خوفًا على طلابه وكأنه يستأمنني على أبنائه.. وفلذات أكباده.. قلت في نفسي.. بعد أن أحمر وجهي.. واشتد خجلي.. وانعقد لساني.. ربما كان محقًا أن ترك لي هذا الاسترشاد.. اتراه كان يعلم أني متواضع الخبرة ,قليل الحيلة.. فمد يده لمساعدتي ولا أجد ما أعلق به أمام مديري.. فتأبطت الملف وصافحت المدير الذي تبسم وقال: لعل زميلك الغائب الحاضر كان يرجو طالبا صالحا أو زميلاً صالحاً يدعو له وما أحوجنا لذلك.

عبد المعبود الجزار
من اسرة تحرير الوطن

أبو إسراء A
10-06-2017, 05:57 PM
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل

sayedsamy
12-06-2017, 05:09 PM
أفادكم الله على هذه المعلومات الإثرائية الطيبة وأثابكم الجنة