abomokhtar
11-06-2017, 09:44 AM
[الحمد لله قاهر المتجبِّرِ ومذلِّه، ورافعِ المتواضع ومجلِّه، القريبِ مِن عَبْده فهو أقرب من ظلِّه، وهو عند المنكسرِ لأجلِه حال ذلِّه، لا يعزبُ عن سمعه وقع القَطرِ في أضعف طَلِّه، ولا بُغام ظبي البرِّ وكشيشِ صلِّه، ولا يغيب عن بصره في الدجى دبيب نملِه، رفع من شاء بإعزازه، كما حطَّ من شاء بذُلِّه، اختارَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - من الخلق فكأنّ الكلّ خلقوا من أجله، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [التوبة: 33].
أحمدُه على أجلِّ الإنعام وأقلِّه، وأشهد بوحدانيته شهادةَ مصدِّقٍ قولَه بفعله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله؛ أرسله لنقضِ الكفر وحَلِّه، فقام معجزه ينادي:*﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23] صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر الصديق واصلِ حبلِه، وعلى عمر الذي كان يفرَق الشيطان من ظِلِّه، وعلى عثمانَ مجهِّزِ جيشِ العسرة وعاقد شملِه، وعلى عليِّ أخيه وابن عمِّه ومقدّمِ أهله، وعلى عمِّه العباسِ صنوِ أبيه وأصلِه.
*
اللهم يا مَن جميعُ الخلائق مفتقرون إلى فضلِه، يا منعماً بالجزيل على من ليس من أهله، سامحْ كُلاًّ مِنَّا في جِدِّه وهزلِه، وارزقنا إقدامَ شجاعِ ولى العدوُّ وجمعُه ولم يولِّه، وارحمْنا يوم يذهلُ كلُّ خليلٍ عن خِلِّه، وانفعني والحاضرين -والمستمعين- بما اجتمعنا لأجله]. [1]
عباد الله! هذه تحذيراتٌ وتنبيهاتٌ للذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات، حيث لم يسلم من أذاهم المؤمنون حتى في شهر الرحمات والبركات رمضان.
*
قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
إن إيذاء المؤمنين والمؤمنات كبيرة من الكبائر، ومعصية عظيمة من المعاصي التي تهدد تماسك المجتمع المؤمن، وتنخر في أركانه، والناس لا يبالون في أذى المؤمنين، وأذاهم يكون في أعراضهم وأهليهم، ويكون في أنفسهم وأجسادهم، ويكون في أموالهم وممتلكاتهم، ويكون أذاهم لهم في دينهم وإسلامهم.
*
أما إيذاؤهم في أعراضهم وأهليهم، فشتم المؤمنين اليوم وسبُّهم أو غَيبتهم، أو احتقارهم وازدراءهم، أو التهكم عليهم وانتقاصهم في المجالس، وعبر الشبكات، أو التكبرُ والتعالي عليهم، أو تتبُعُ عوراتهم أو التنقيبُ عن عثراتهم، وإسقاطهم والطعن في أنسابهم، وتعييرهم بآبائهم وأزواجهم، وقذفُ المحصنات الغافلات بالقال والمقال، وغير ذلك مما يتقيَّؤه ممن*﴿ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]. إنهم كالذباب لا يقعون ولا يبحثون ولا يحبُّون إلا أن يرتعوا في النتن والقبيح.
*
ومما يؤذي المؤمنَ دخولُ بيته أو مزرعته، أو دكانِه بغير إذنه، والعبثُ بأغراضه، وفتحُ حقيبته، أو جوالِه أو بريدِه الإلكتروني، وقراءةُ رسائلِه، وكذا التلصُّصُ عليه، وتصويرُه وتسجيلُ كلامِه دون إذنه، أو تصويرُه مع تغيير شكله بما يسمى (الفوتو شوب)، والضحكُ عليه والسخريةُ منه. عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ". [2]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
وأما إيذاؤهم في أجسادهم وأنفسهم فيكون ذلك بإيقاع الأذى والضرر المباشر على الجسد، كضربِ المؤمنين بالأيدي أو العصي، أو بالسياط أو بالهراوات، أو بإجباره على الأعمال الشاقة، أو *****ِه بالمواد الكاوية والأدواتِ الملتهبة كالحديد المحمّى، أو تقطيرِ المطاطِ والبلاستيك المشتعل على جسده، أو خلعِ أظافره وأسنانه.
*
ومن إيذاء المؤمن منعه من التنفس بالتغريق في الماء، أو تسريبِ غازٍ عليه في غرفته المغلقة، أو إلقام رأسه بكيس، أو أي وسيلة تضيّق عليه التنفس، وتعرضه للخنق.
وكذلك منعه من النوم بإبقائه واقفا منكوسا أو مكتوفا، أو بتشغيلِ موسيقى صاخبة، أو أصواتٍ مزعجةٍ تنغّص عليه نومه. وهذا ما يحدث غالبا من الحكومات والحركات والعصابات، وفي السجون، وقليلا من الأفراد.
*
ومن إيذاء المؤمنين انطلاقُ مكبراتِ الصوت ليلا في الأعراس والمهرجانات، وفي النهار من الباعة المتجولين، في وقت القيلولة، فما إن يتلاشى صوت (كلور كلور كلور)، حتى تسمع صوتَ جرسِ الغاز، وبعدها ينبعث صوتٌ يبحث عن كل شيء (خربان)، حتى الدقيق والطحينَ الفاسد لقيَ له من ينادِي عليه.
*
ترويعُ المؤمن بتخبئة متاعه، أو تعريضِه لأخبارٍ كاذبة؛ كما يحدث فيما يسمى (كذبة نيسان، أو كذبة إبريل)، أو ما يسمى بـ(الكمرة الخفية)، أو مفاجأتَه في حال غفلته وسهوِه؛ بما يصدمه من إحداث صوت مرتفع مزعج، أو دفعِه ليسقطَ في حفرة، أو إطلاقِ المفرقعات بين رجليه، أو قريبا منه، أو أن يرفع السلاح عليه، أو أن يلقي عليه ثعباناً حقيقيًّا أو مطاطيًّا (بلاستيكيًّا) ونحوه من الحشرات المؤذية، أو يخيفه بأن يتلثمَ ويخفيَ شخصيتَه، أو يلبَسَ قناعا ذا صورة مخيفة أو بشعة، مما يلبَسه عبدة الشياطين، وكذلك ما يؤذي المؤمن ويخيفُه من إلباسِه نظاراتٍ ثلاثيةَ الأبعاد، ليرى وكأن سيلا من الحشرات والعقارب والدبابير قد اجتاحت جسده وملأت المكان، أو يرى نفسه في غابة وقد احتوشته الحيوانات المفترسة بأنواعها.*﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
وأما إيذاؤهم في أموالهم وممتلكاتهم، فحدث ولا حرج فيكون بامتصاص أموال المؤمنين بالطرق المحرمة، والحيل الماكرة، ومنها الغش والسرقة، والغُبن والخداع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، يَقُولُ: (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ)؛ -لأن في عقله ضعف، والناس تخدعه في البيوع-.
*
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ"، -يعني إذا خُدِعَ رجع إليه ماله- (فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ). -رضي الله عنه.- [3]
لا يستطيع أن ينطق لا خلابة فينطقها خيابة، لا خيابة.
وكلُ المعاملات المالية المحرمة؛ كالربا والقمار والرشوة ونحوها، كلها لا تجوز، وهي من إيذاء المؤمنين... أهـ.
*
حرمانُ العامل من أجرته، أو خصمُ شيء من حقِّه دون وجه حقّ، أو التسويفُ والتأجيلُ في إيفائه حقه، كله إيذاء للمؤمنين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ". [4]
سنّ الضرائب المجحفة، والجماركِ الظالمة، والمخالفاتِ الجائرة، واستنباطُ مصطلحاتٍ وتقنينها وفرضها ظلما وعدوانا على المؤمنين، ل****** أموالهم، وابتزاز عرقهم. وكلُّ أنواع أكلِ أموال الناس بالباطل، فيه أذى للمؤمنين والمؤمنات.
*
منعُهم من أدنى حقوقهم، مثلُ قطعِ المياه عن البيوت، وفصلِ التيار الكهربائي عنهم، أو تقليصِ ساعاته، مما يسبب أضرارا بالغة في أموال المواطنين المؤمنين وممتلكاتهم.
ابتكارُ أساليبَ لامتصاصِ الأموالِ عن طريق صناعةِ وبيعِ ألعابٍ للأطفال، مؤذية وتسبب أضرارا نفسية وجسدية ومادية بالمؤمنين، مثلُ الألعابِ النارية والمفرقعات، والوجوه البشعة، فلا يجوزُ بيعها ولا شراؤها، ويجبُ التحذير منها.
*
مما يؤذي المؤمنين في أموالهم التسوُّل تكثُّرا من غير حاجة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْمَسْأَلَةَ)، وفي رواية: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ)، -شابٍّ قويّ- (إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ)، وفي رواية: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ، وَرَضْفًا) -أي جمرا- (يَأكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ") (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟! قَالَ: ("خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ")[5].
*
انتشارُ بعض هؤلاء الذي يؤذون المؤمنين في المساجد يوم الجمعة؛ لجمع الأموال، زاعمين أنها تصرفُ في وجوه البر والخير، وفي الحقيقة تؤخذ لأهداف أخرى، هذه لا تجوز.
وضع مطبات صناعية غيرِ هندسية، تضرُّ بالسيارات والمركبات، مما يلحق الأذى بالأموال.
*
فيا من تؤذي المؤمنين بأكل أموالهم! ماذا تقول؟ وبماذا تجيب عندما تسأل عن مالك: (مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبتهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقتهُ؟)، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
*
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين:
وأما إيذاء المؤمنين في دينهم وإسلامهم؛ فمنها منع المؤمنين من أداء عباداتهم، كأن يمنع مسجونٌ من أداء الصلاة، وتُمنعُ مدينةٌ أو شعبٌ بأكمله من حجٍّ أو عمرة. وهذا فيه أذى للمؤمنين.
*
بثُّ الفتاوى الباطلة، ونشرُ الأفكار المضلة والمضلِّلة، والترويجُ للبدع والخزعبلات، وفشوُّ السحر والشعوذة، كل ذلك يؤذي المؤمنين.
ويؤذي المؤمنين التعرضُ لربهم سبحانه وتعالى، أو لنبيهم صلى الله عليه وسلم، أو لآلِ بيته وصحابته رضي الله عنهم، أو لدينهم وإسلامهم أو لسنة نبيهم، بأيِّ نوع من أنواع الأذى؛ من سب أو شتم أو احتقار، أو استهزاء، قال سبحانه: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57].
*
إيذاء المؤمنين يكون من الإعلام الهابط؛ بالمسلسلات الهابطة، والأفلامِ الساقطة، والأغاني ذات الأهداف ال*****ة المنحلّة، طيلة السنة عامة، وفي رمضان خاصة.
ومما يؤذي المؤمنين ما يحدث في بعض المساجد من إنزال خطيب أو منع مؤذن، أو طرد إمام، غيرِ مرغوب فيه؛ لخلاف في الفكر أو الرأي.
إن اصطحابَ الأطفالِ دون التمييز وعبثُهم في المساجد، مما يؤذي المؤمنين.
*
انبعاث رنَّاتٍ من الجوالاتِ ذات الموسيقى، أو تصدحُ منها أصواتُ من يقرأ القرآن، أو يؤذن بالأذان، أو يصرخ بالدعاء، فيقطعه للمكالمة، أو مَن يتكلم بكلام فيه حِكَم، أو كلامٍ مضحك، وما شابه ذلك لتنبيه صاحبه، كلُّه مؤذٍ للمؤمنين؛ خصوصا أثناء الصلاة أو الخطبة أو الدرس.
تكاثرُ الباعة على بعض أبوابِ المساجد، وإيذاءُ المصلين بأصواتهم المزعجة، أو نهيقِ حميرهم، أو زعيقِ أبواقِهم وميكروفوناتهم.
*
بعضهم يؤذون المؤمنين فـلا يصلون التراويح، فيجلسون فقط؛ لإيذاء المصلين بضحكهم وحديثهم الجانبي في نهاية المسجد، أو على أبوابه.
خطباء وأئمةٌ يطيلون في خطبهم وإمامتهم التطويلَ المملّ، أو التقصيرَ المخِلّ، وخير الأمور أوساطها.
*
بدل أن يأتيَ إلى المسجد إلى بيت من بيوت الله نظيفا متطيبا، متطهرا متعطرا، يأتي وسِخا قِذرا، مهلهل الثياب، تفوح منه رائحة العرق، أو يأتي ورائحةُ البصل والثوم والدخان تنبعث من أنحائه، فلا يؤذي المؤمنين فقط، بل ويؤذي ملائكة رب العالمين، عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا)، فَقَالَ:
"مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ".[6]
*
العبث واللعب بسيارات المصلين ودراجاتهم النارية، فتصدُرُ منها أصواتٌ منبهةٌ تزعجُ أصحابَها، وتشغل المصلين. عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ".[7]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
هذا فيمن يؤذي المؤمنين والمؤمنات، فكيف بمن يؤذي الوالدين والأرحام والأقارب، كيف يمن أصحابه وأحبابه.
صلوا على رسول الله، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
*
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدمنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
[1] من التبصرة لابن الجوزي بتصرف يسير.
[2] (د) 4883، (حم) 15687.
[3] (م) 48- (1533).
[4] (جة) (2443).
[5] ت د حب.
[6] (م) 72- (563).
[7] (طب) (3050)، صَحِيح الْجَامِع (5923)، والصحيحة (2294).
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
أحمدُه على أجلِّ الإنعام وأقلِّه، وأشهد بوحدانيته شهادةَ مصدِّقٍ قولَه بفعله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله؛ أرسله لنقضِ الكفر وحَلِّه، فقام معجزه ينادي:*﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23] صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر الصديق واصلِ حبلِه، وعلى عمر الذي كان يفرَق الشيطان من ظِلِّه، وعلى عثمانَ مجهِّزِ جيشِ العسرة وعاقد شملِه، وعلى عليِّ أخيه وابن عمِّه ومقدّمِ أهله، وعلى عمِّه العباسِ صنوِ أبيه وأصلِه.
*
اللهم يا مَن جميعُ الخلائق مفتقرون إلى فضلِه، يا منعماً بالجزيل على من ليس من أهله، سامحْ كُلاًّ مِنَّا في جِدِّه وهزلِه، وارزقنا إقدامَ شجاعِ ولى العدوُّ وجمعُه ولم يولِّه، وارحمْنا يوم يذهلُ كلُّ خليلٍ عن خِلِّه، وانفعني والحاضرين -والمستمعين- بما اجتمعنا لأجله]. [1]
عباد الله! هذه تحذيراتٌ وتنبيهاتٌ للذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات، حيث لم يسلم من أذاهم المؤمنون حتى في شهر الرحمات والبركات رمضان.
*
قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
إن إيذاء المؤمنين والمؤمنات كبيرة من الكبائر، ومعصية عظيمة من المعاصي التي تهدد تماسك المجتمع المؤمن، وتنخر في أركانه، والناس لا يبالون في أذى المؤمنين، وأذاهم يكون في أعراضهم وأهليهم، ويكون في أنفسهم وأجسادهم، ويكون في أموالهم وممتلكاتهم، ويكون أذاهم لهم في دينهم وإسلامهم.
*
أما إيذاؤهم في أعراضهم وأهليهم، فشتم المؤمنين اليوم وسبُّهم أو غَيبتهم، أو احتقارهم وازدراءهم، أو التهكم عليهم وانتقاصهم في المجالس، وعبر الشبكات، أو التكبرُ والتعالي عليهم، أو تتبُعُ عوراتهم أو التنقيبُ عن عثراتهم، وإسقاطهم والطعن في أنسابهم، وتعييرهم بآبائهم وأزواجهم، وقذفُ المحصنات الغافلات بالقال والمقال، وغير ذلك مما يتقيَّؤه ممن*﴿ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]. إنهم كالذباب لا يقعون ولا يبحثون ولا يحبُّون إلا أن يرتعوا في النتن والقبيح.
*
ومما يؤذي المؤمنَ دخولُ بيته أو مزرعته، أو دكانِه بغير إذنه، والعبثُ بأغراضه، وفتحُ حقيبته، أو جوالِه أو بريدِه الإلكتروني، وقراءةُ رسائلِه، وكذا التلصُّصُ عليه، وتصويرُه وتسجيلُ كلامِه دون إذنه، أو تصويرُه مع تغيير شكله بما يسمى (الفوتو شوب)، والضحكُ عليه والسخريةُ منه. عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ". [2]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
وأما إيذاؤهم في أجسادهم وأنفسهم فيكون ذلك بإيقاع الأذى والضرر المباشر على الجسد، كضربِ المؤمنين بالأيدي أو العصي، أو بالسياط أو بالهراوات، أو بإجباره على الأعمال الشاقة، أو *****ِه بالمواد الكاوية والأدواتِ الملتهبة كالحديد المحمّى، أو تقطيرِ المطاطِ والبلاستيك المشتعل على جسده، أو خلعِ أظافره وأسنانه.
*
ومن إيذاء المؤمن منعه من التنفس بالتغريق في الماء، أو تسريبِ غازٍ عليه في غرفته المغلقة، أو إلقام رأسه بكيس، أو أي وسيلة تضيّق عليه التنفس، وتعرضه للخنق.
وكذلك منعه من النوم بإبقائه واقفا منكوسا أو مكتوفا، أو بتشغيلِ موسيقى صاخبة، أو أصواتٍ مزعجةٍ تنغّص عليه نومه. وهذا ما يحدث غالبا من الحكومات والحركات والعصابات، وفي السجون، وقليلا من الأفراد.
*
ومن إيذاء المؤمنين انطلاقُ مكبراتِ الصوت ليلا في الأعراس والمهرجانات، وفي النهار من الباعة المتجولين، في وقت القيلولة، فما إن يتلاشى صوت (كلور كلور كلور)، حتى تسمع صوتَ جرسِ الغاز، وبعدها ينبعث صوتٌ يبحث عن كل شيء (خربان)، حتى الدقيق والطحينَ الفاسد لقيَ له من ينادِي عليه.
*
ترويعُ المؤمن بتخبئة متاعه، أو تعريضِه لأخبارٍ كاذبة؛ كما يحدث فيما يسمى (كذبة نيسان، أو كذبة إبريل)، أو ما يسمى بـ(الكمرة الخفية)، أو مفاجأتَه في حال غفلته وسهوِه؛ بما يصدمه من إحداث صوت مرتفع مزعج، أو دفعِه ليسقطَ في حفرة، أو إطلاقِ المفرقعات بين رجليه، أو قريبا منه، أو أن يرفع السلاح عليه، أو أن يلقي عليه ثعباناً حقيقيًّا أو مطاطيًّا (بلاستيكيًّا) ونحوه من الحشرات المؤذية، أو يخيفه بأن يتلثمَ ويخفيَ شخصيتَه، أو يلبَسَ قناعا ذا صورة مخيفة أو بشعة، مما يلبَسه عبدة الشياطين، وكذلك ما يؤذي المؤمن ويخيفُه من إلباسِه نظاراتٍ ثلاثيةَ الأبعاد، ليرى وكأن سيلا من الحشرات والعقارب والدبابير قد اجتاحت جسده وملأت المكان، أو يرى نفسه في غابة وقد احتوشته الحيوانات المفترسة بأنواعها.*﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
وأما إيذاؤهم في أموالهم وممتلكاتهم، فحدث ولا حرج فيكون بامتصاص أموال المؤمنين بالطرق المحرمة، والحيل الماكرة، ومنها الغش والسرقة، والغُبن والخداع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، يَقُولُ: (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ)؛ -لأن في عقله ضعف، والناس تخدعه في البيوع-.
*
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ"، -يعني إذا خُدِعَ رجع إليه ماله- (فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ). -رضي الله عنه.- [3]
لا يستطيع أن ينطق لا خلابة فينطقها خيابة، لا خيابة.
وكلُ المعاملات المالية المحرمة؛ كالربا والقمار والرشوة ونحوها، كلها لا تجوز، وهي من إيذاء المؤمنين... أهـ.
*
حرمانُ العامل من أجرته، أو خصمُ شيء من حقِّه دون وجه حقّ، أو التسويفُ والتأجيلُ في إيفائه حقه، كله إيذاء للمؤمنين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ". [4]
سنّ الضرائب المجحفة، والجماركِ الظالمة، والمخالفاتِ الجائرة، واستنباطُ مصطلحاتٍ وتقنينها وفرضها ظلما وعدوانا على المؤمنين، ل****** أموالهم، وابتزاز عرقهم. وكلُّ أنواع أكلِ أموال الناس بالباطل، فيه أذى للمؤمنين والمؤمنات.
*
منعُهم من أدنى حقوقهم، مثلُ قطعِ المياه عن البيوت، وفصلِ التيار الكهربائي عنهم، أو تقليصِ ساعاته، مما يسبب أضرارا بالغة في أموال المواطنين المؤمنين وممتلكاتهم.
ابتكارُ أساليبَ لامتصاصِ الأموالِ عن طريق صناعةِ وبيعِ ألعابٍ للأطفال، مؤذية وتسبب أضرارا نفسية وجسدية ومادية بالمؤمنين، مثلُ الألعابِ النارية والمفرقعات، والوجوه البشعة، فلا يجوزُ بيعها ولا شراؤها، ويجبُ التحذير منها.
*
مما يؤذي المؤمنين في أموالهم التسوُّل تكثُّرا من غير حاجة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْمَسْأَلَةَ)، وفي رواية: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ)، -شابٍّ قويّ- (إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ)، وفي رواية: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ، وَرَضْفًا) -أي جمرا- (يَأكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ") (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟! قَالَ: ("خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ")[5].
*
انتشارُ بعض هؤلاء الذي يؤذون المؤمنين في المساجد يوم الجمعة؛ لجمع الأموال، زاعمين أنها تصرفُ في وجوه البر والخير، وفي الحقيقة تؤخذ لأهداف أخرى، هذه لا تجوز.
وضع مطبات صناعية غيرِ هندسية، تضرُّ بالسيارات والمركبات، مما يلحق الأذى بالأموال.
*
فيا من تؤذي المؤمنين بأكل أموالهم! ماذا تقول؟ وبماذا تجيب عندما تسأل عن مالك: (مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبتهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقتهُ؟)، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
*
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين:
وأما إيذاء المؤمنين في دينهم وإسلامهم؛ فمنها منع المؤمنين من أداء عباداتهم، كأن يمنع مسجونٌ من أداء الصلاة، وتُمنعُ مدينةٌ أو شعبٌ بأكمله من حجٍّ أو عمرة. وهذا فيه أذى للمؤمنين.
*
بثُّ الفتاوى الباطلة، ونشرُ الأفكار المضلة والمضلِّلة، والترويجُ للبدع والخزعبلات، وفشوُّ السحر والشعوذة، كل ذلك يؤذي المؤمنين.
ويؤذي المؤمنين التعرضُ لربهم سبحانه وتعالى، أو لنبيهم صلى الله عليه وسلم، أو لآلِ بيته وصحابته رضي الله عنهم، أو لدينهم وإسلامهم أو لسنة نبيهم، بأيِّ نوع من أنواع الأذى؛ من سب أو شتم أو احتقار، أو استهزاء، قال سبحانه: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57].
*
إيذاء المؤمنين يكون من الإعلام الهابط؛ بالمسلسلات الهابطة، والأفلامِ الساقطة، والأغاني ذات الأهداف ال*****ة المنحلّة، طيلة السنة عامة، وفي رمضان خاصة.
ومما يؤذي المؤمنين ما يحدث في بعض المساجد من إنزال خطيب أو منع مؤذن، أو طرد إمام، غيرِ مرغوب فيه؛ لخلاف في الفكر أو الرأي.
إن اصطحابَ الأطفالِ دون التمييز وعبثُهم في المساجد، مما يؤذي المؤمنين.
*
انبعاث رنَّاتٍ من الجوالاتِ ذات الموسيقى، أو تصدحُ منها أصواتُ من يقرأ القرآن، أو يؤذن بالأذان، أو يصرخ بالدعاء، فيقطعه للمكالمة، أو مَن يتكلم بكلام فيه حِكَم، أو كلامٍ مضحك، وما شابه ذلك لتنبيه صاحبه، كلُّه مؤذٍ للمؤمنين؛ خصوصا أثناء الصلاة أو الخطبة أو الدرس.
تكاثرُ الباعة على بعض أبوابِ المساجد، وإيذاءُ المصلين بأصواتهم المزعجة، أو نهيقِ حميرهم، أو زعيقِ أبواقِهم وميكروفوناتهم.
*
بعضهم يؤذون المؤمنين فـلا يصلون التراويح، فيجلسون فقط؛ لإيذاء المصلين بضحكهم وحديثهم الجانبي في نهاية المسجد، أو على أبوابه.
خطباء وأئمةٌ يطيلون في خطبهم وإمامتهم التطويلَ المملّ، أو التقصيرَ المخِلّ، وخير الأمور أوساطها.
*
بدل أن يأتيَ إلى المسجد إلى بيت من بيوت الله نظيفا متطيبا، متطهرا متعطرا، يأتي وسِخا قِذرا، مهلهل الثياب، تفوح منه رائحة العرق، أو يأتي ورائحةُ البصل والثوم والدخان تنبعث من أنحائه، فلا يؤذي المؤمنين فقط، بل ويؤذي ملائكة رب العالمين، عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا)، فَقَالَ:
"مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ".[6]
*
العبث واللعب بسيارات المصلين ودراجاتهم النارية، فتصدُرُ منها أصواتٌ منبهةٌ تزعجُ أصحابَها، وتشغل المصلين. عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ".[7]، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
هذا فيمن يؤذي المؤمنين والمؤمنات، فكيف بمن يؤذي الوالدين والأرحام والأقارب، كيف يمن أصحابه وأحبابه.
صلوا على رسول الله، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
*
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدمنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
[1] من التبصرة لابن الجوزي بتصرف يسير.
[2] (د) 4883، (حم) 15687.
[3] (م) 48- (1533).
[4] (جة) (2443).
[5] ت د حب.
[6] (م) 72- (563).
[7] (طب) (3050)، صَحِيح الْجَامِع (5923)، والصحيحة (2294).
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد