abomokhtar
26-06-2017, 04:23 PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. أما بعد:
يسعى كل إنسان على وجه البسيطة إلى السعادة، فرغم اختلاف الناس في مذاهبهم وأعراقهم، ومشاربهم ومبادئهم، وغاياتهم ومقاصدهم، إلا إنهم يتفقون في غاية واحدة؛ إنها: طلب السعادة والطمأنينة، فما من احد إلا ويبحث عنها فهي هدف اسمى وأمنية عظمى واليوم اشتغل العالم بالبحث عن السعادة وجعل له يوما سماه " اليوم العالمي للسعادة" والمؤمن كل يوم هو في سعادة وليس يوماً واحداً فقط، فظن البعض ان السعادة في كسب الأموال أو المناصب والجاه وكثرة الأولاد والأحفاد أو في ارتكاب المعاصي أو في سهرة حرام أو ضياع وقت أو شرب خزي أو تعاطي مخدر وما إلى ذلك، ولوكان هذا صحيحا لكان قارون وهامان وأمية بن خلف وأبو جهل من اسعد الناس، ويظنها البعض الآخر في أن يتزوج امرأة ذات مال وجمال ودلال.. وللناس فيما يعشقون مذاهب، فما من أحد من البشر إلا ويبحث عن السعادة.
*
السعادة كلمة خفيفة على اللسان لكن لها ثقلها في حياة البشر ولها اثرها على عموم الناس.
السعادة هي الهدف الأسمى والأمنية العظمى لكل الناس.
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته
أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان[1]
تقول إحصاءات المنظمة العالمية للصحّة ان مليون شخص في العالم ينتحرون كل سنة. ويشكل الانتحار عاشر سبب للوفاة لكنّه يمثّل ثالث سبب للانتحار بالنسبة للشريحة العمرية بين 15 و45 سنة، علما بأنّ محاولات الانتحار تفوق هذا العدد عشرين مرّة، أي بمعدّل شخص كل 40 ثانية![2]
*
ولعل الكثير من الناس صارت السعادة عندهم بعيدة المنال، وكادت أن تنضم إلى قائمة المستحيلات، فملامح الاكتئاب تكسو الوجوه، والشباب الذين مازالوا في مقتبل العمر، وأمامهم آمال عريضة، شاخت نفوسهم، وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة يتنهدون بأسى ويسألون هم أيضًا: أية سعادة؟!
*
بل كثير من المسلمين لسان حاله كيف أسعد والمسلمون ي***ون؟ كيف أحس بالسعادة؟ وهناك من تغتصب أرضه، وتنتهك حرماته، ويهدم منزله فوقه؟ في فلسطين، وسوريا، وبورما، وغيرها من البلدان الإسلامية المنكوبة.
كيف يحق لي أن أسعد، والعراق قد احتلها الصفويون بعد حصار وحرب مريرة؟
بل قال البعض: أنا أعترض على كل إنسان مسلم يفتح قلبه للسعادة، فكيف نحس بالسعادة والإسلام والمسلمون يحاربون في كل مكان في فلسطين، والعراق وأفغانستان، ولذلك أشعر بالمرارة.
*
السعادة: كلمة خفيفة على اللسان، حبيبة إلى قلب كل إنسان، وهي شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، وما من إنسان إلا وهو يسعى إلى تحقيقها في حياته
أعتقد أن الشخص الذي حصل على السعادة الحقيقية هو الشخص الذى جاد بنفسه في سبيل عقيدته ووطنه.
*
عباد الله: إنَّ فقدان السعادةِ من قلب العبد، يعني بداهةًً، حُلولَ القلقِ والاضطرابِ، فيجتمعُ عليه الهمُّ والحزنُ، والأرق والسَّهر ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي)) [3].
أقول قولي هذا واستغفروا الله.....
*
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق.
*
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام.
*
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.
*
إن هذه المتع متع دنيوية زائلة من عاش لأجلها والتكثر منها ولم يبتغ غيرها لم يذق طعم السعادة الحقيقية وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب، فالسعادة ليست في مال يجمعه الإنسان وإلا لسعد قارون! وليست في طلب المنصب ولو كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست السعادة في السلطان والمنصب والجاه؟! لا!! وألف لا؛ فلقد كان فرعون يبحث عن السعادة في الملك؛ وكان يقول بكل غرور: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾[4].
*
وليست السعادة الحقيقية في سهرة ليلية ولو على مباح ليفرط في صلاة الفجر، وليست السعادة في فلم يسهر عليه أو في تافه ينظر إليه فيترك بذلك واجبا من واجباته أو فرضا افترضه عليه ربه، ليست السعادة في سفر محرم، وليست في متعة دنيوية ما تلبث أن تنقضي بل السعادة الحقيقية في طاعة الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الأبدي ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز ﴾ [5] وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم، وأن يتبع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الإنسان ويسعد..
*
ولست أرى السّعادة جمع مال
ولكنّ التقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيدُ
وما لا بدّ أن يأتي قريب
ولكنّ الذي يمضي بعيد[6]
*
الإسلام حث على السعادة وكان منهج النبي عليه السلام جعل حياة الإنسان كلها سعادة برغم ما مر به من أحوال وظروف وأحزان ما منعه ان يكون من اسعد الناس ويعلمها صحابته رضي الله عنهم ويحثهم على تحقيقها.
*
السعادة الحقيقية في التوازن في الحياة اربع من السعادة (عن سعد بن أبي وقاص - رضِي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق)) [7]
*
ما أَحسَنَ الجود في الدُنيا وَفي الدينِ
وَأَقبَح البُخل فيمَن صِيغَ مِن طينِ
ما أَحسَنَ الدين وَالدُنيا إِذا اِجتَمَعا
لا باركَ اللَهُ في دُنيا بِلا دينِ
لَو كانَ بِاللُّبِ يَزدادُ اللَبيبُ غِنىً
لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ مِثل قارونِ
لَكِنَّما الرِزقُ بِالميزانِ مِن حَكَمٍ
يُعطي اللَبيبَ وَيُعطي كُلَّ مَأفونِ[8]
السعادة الحقيقية ان يقال لك في ذلك اليوم ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[9].
*
السعادة في الإيمان والعمل الصالح ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[10].
إبراهيم عليه السلام نجا من النار وبرغم ما كيد له وألقي في النار إلا انه كان سعيدا ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [11].
يوسف سجن وكان من اسعد الناس ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [12].
*
النبي صلى الله عليه وسلم أوذي وظل يدعو الله في أحلك الأمور (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض )[13].
إنه الإيمان نور الأمل في الصدور وسكَن النفوس.. إنه الإيمان عزاء القلوب إذا أوحشتها الخطوب، فأية لذة هذه؟ وأي نعيم هذا؟ إن أحدَهم كان لا يجد درهماً ليشتري به طعاماً يَسُدّ به رمقه، أو داراً يسكنها، أو ثوباً غير الثوب الذي يلبسه، أو أرضاً ضاقت عليه بما رحبت، ومع ذلك كان يجد حلاوة الإيمان ولذة القرب من الله، فهو أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرّهم نفساً، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في الدنيا قبل الآخرة، فآتاهم من رَوْحها وريحانها وطيبها وأُنسها ما حفّزهم لطلبها والمسابقة إليها.
*
السعادة في الإحسان إلى الخلق فمن رفق بعباد الله رفق بهم ومن رحمهم رحمه ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾[14].
الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه". قال تعالى: ﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[15].
*
السعادة في ذكر الله ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾[16]
لبيت تخفق الْأَرْوَاح فِيهِ
أحب إليّ من قصر منيف
وَلبس عباءة وتقر عَيْني
أحب إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة من كسر بيتي
أحب إليّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج
أحب إلى من نقر الدفوف[17]
ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول:" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة".[18]
السعادة الحقيقية في الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه. (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)[19].
*
إخوة الإيمان: من سعى نحو الرضا مخلصا ملأ الله قلبه بالرضا مهما زخرفت الدنيا أمامه، فلا يتأثر بما يجد عند غيره، فالصادق غنى والكاذب في ضيق دائما، والتقي غنى والفاسق في وحشة مستمرة، وفاعل الخير غنى وفاعل الشر متحسر من سوء عمله، والعالم غنى بعلمه والجاهل فقير لضيق وعيه، والصابر غنى مستبشر بجزاء صبره والقانط حزين، والواصل لرحمه غنى والقاطع لرحمه فقير مهما كان عنده من المال، والبار لوالديه غنى ببركة بره والمسيء لهما فقير محروم من نعمة البر، والمتصدق الكريم غني لأن الله تعالي يخلفه جزاء عطائه بل ويضاعفه له والبخيل مهما كثر ماله فقير لأنه يشعر بأنه يريد المزيد، والذاكر لله تعالي غني واللاهي عن ذكره فقير، والمطيع لله تعالي سعيد غني والبعيد العاصي فقير شقي، فمن يفتقد هذه الصفات الحسنه لا يعرف للسعادة طريقا مهما تناثرت عليه الثروات والنعم، لم يشعر بقيمتها بل يعيش دائماً مضطرب الأحوال ضيق الصدر.
*
فلو رضينا بما عندنا سعدنا، ولو سخطنا شقينا، ولو رضينا بالقليل من الطعام شبعنا، ولو رفضنا وتبطرنا شعرنا بالفقر، ولو رضينا بما عندنا من ملبس ومسكن هدأ بالنا، ولو نظرنا لما هو أعلي منا تعبنا. فلماذا لا نرضي وقد يأتي يوم تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال، وتشيب فيه الأطفال؟ لماذا لا نرضي ونحن نعلم أن أيامنا القادمة هي بقية أعمارنا، فإذا كنا نحلم بالغني فإن خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين، فارض بما قسم الله تعالى لك تكن أغني الناس.
جعلنا الله وإياكم من السعداء
[1] أبو الفتح البستي.
[2] (منظمة الصحة العالمية).
[3] [ أبو داود ].
[4] الزخرف ( 51).
[5] آل عمران (185).
[6] العصر الإسلامي - الحطيئة.
[7] رواه ابنُ حبَّان والحاكمُ والطبراني.
[8] العصر الإسلامي - علي بن أبي طالب.
[9] آل عمران (185).
[10] النحل (97).
[11] الأنبياء (69، 70 ).
[12] يوسف (33).
[13] رواه مسلم.
[14] النَّحل (90).
[15] النساء: [ 114].
[16] الرعد (28).
[17] ميسون بنت بحدل الكلبية.
[18] ((الوابل الصيب)) (ص35).
[19] رواه مسلم.
د. أحمد بن حمد البوعلي
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. أما بعد:
يسعى كل إنسان على وجه البسيطة إلى السعادة، فرغم اختلاف الناس في مذاهبهم وأعراقهم، ومشاربهم ومبادئهم، وغاياتهم ومقاصدهم، إلا إنهم يتفقون في غاية واحدة؛ إنها: طلب السعادة والطمأنينة، فما من احد إلا ويبحث عنها فهي هدف اسمى وأمنية عظمى واليوم اشتغل العالم بالبحث عن السعادة وجعل له يوما سماه " اليوم العالمي للسعادة" والمؤمن كل يوم هو في سعادة وليس يوماً واحداً فقط، فظن البعض ان السعادة في كسب الأموال أو المناصب والجاه وكثرة الأولاد والأحفاد أو في ارتكاب المعاصي أو في سهرة حرام أو ضياع وقت أو شرب خزي أو تعاطي مخدر وما إلى ذلك، ولوكان هذا صحيحا لكان قارون وهامان وأمية بن خلف وأبو جهل من اسعد الناس، ويظنها البعض الآخر في أن يتزوج امرأة ذات مال وجمال ودلال.. وللناس فيما يعشقون مذاهب، فما من أحد من البشر إلا ويبحث عن السعادة.
*
السعادة كلمة خفيفة على اللسان لكن لها ثقلها في حياة البشر ولها اثرها على عموم الناس.
السعادة هي الهدف الأسمى والأمنية العظمى لكل الناس.
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته
أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان[1]
تقول إحصاءات المنظمة العالمية للصحّة ان مليون شخص في العالم ينتحرون كل سنة. ويشكل الانتحار عاشر سبب للوفاة لكنّه يمثّل ثالث سبب للانتحار بالنسبة للشريحة العمرية بين 15 و45 سنة، علما بأنّ محاولات الانتحار تفوق هذا العدد عشرين مرّة، أي بمعدّل شخص كل 40 ثانية![2]
*
ولعل الكثير من الناس صارت السعادة عندهم بعيدة المنال، وكادت أن تنضم إلى قائمة المستحيلات، فملامح الاكتئاب تكسو الوجوه، والشباب الذين مازالوا في مقتبل العمر، وأمامهم آمال عريضة، شاخت نفوسهم، وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة يتنهدون بأسى ويسألون هم أيضًا: أية سعادة؟!
*
بل كثير من المسلمين لسان حاله كيف أسعد والمسلمون ي***ون؟ كيف أحس بالسعادة؟ وهناك من تغتصب أرضه، وتنتهك حرماته، ويهدم منزله فوقه؟ في فلسطين، وسوريا، وبورما، وغيرها من البلدان الإسلامية المنكوبة.
كيف يحق لي أن أسعد، والعراق قد احتلها الصفويون بعد حصار وحرب مريرة؟
بل قال البعض: أنا أعترض على كل إنسان مسلم يفتح قلبه للسعادة، فكيف نحس بالسعادة والإسلام والمسلمون يحاربون في كل مكان في فلسطين، والعراق وأفغانستان، ولذلك أشعر بالمرارة.
*
السعادة: كلمة خفيفة على اللسان، حبيبة إلى قلب كل إنسان، وهي شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، وما من إنسان إلا وهو يسعى إلى تحقيقها في حياته
أعتقد أن الشخص الذي حصل على السعادة الحقيقية هو الشخص الذى جاد بنفسه في سبيل عقيدته ووطنه.
*
عباد الله: إنَّ فقدان السعادةِ من قلب العبد، يعني بداهةًً، حُلولَ القلقِ والاضطرابِ، فيجتمعُ عليه الهمُّ والحزنُ، والأرق والسَّهر ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي)) [3].
أقول قولي هذا واستغفروا الله.....
*
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق.
*
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام.
*
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.
*
إن هذه المتع متع دنيوية زائلة من عاش لأجلها والتكثر منها ولم يبتغ غيرها لم يذق طعم السعادة الحقيقية وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب، فالسعادة ليست في مال يجمعه الإنسان وإلا لسعد قارون! وليست في طلب المنصب ولو كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست السعادة في السلطان والمنصب والجاه؟! لا!! وألف لا؛ فلقد كان فرعون يبحث عن السعادة في الملك؛ وكان يقول بكل غرور: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾[4].
*
وليست السعادة الحقيقية في سهرة ليلية ولو على مباح ليفرط في صلاة الفجر، وليست السعادة في فلم يسهر عليه أو في تافه ينظر إليه فيترك بذلك واجبا من واجباته أو فرضا افترضه عليه ربه، ليست السعادة في سفر محرم، وليست في متعة دنيوية ما تلبث أن تنقضي بل السعادة الحقيقية في طاعة الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الأبدي ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز ﴾ [5] وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم، وأن يتبع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الإنسان ويسعد..
*
ولست أرى السّعادة جمع مال
ولكنّ التقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيدُ
وما لا بدّ أن يأتي قريب
ولكنّ الذي يمضي بعيد[6]
*
الإسلام حث على السعادة وكان منهج النبي عليه السلام جعل حياة الإنسان كلها سعادة برغم ما مر به من أحوال وظروف وأحزان ما منعه ان يكون من اسعد الناس ويعلمها صحابته رضي الله عنهم ويحثهم على تحقيقها.
*
السعادة الحقيقية في التوازن في الحياة اربع من السعادة (عن سعد بن أبي وقاص - رضِي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق)) [7]
*
ما أَحسَنَ الجود في الدُنيا وَفي الدينِ
وَأَقبَح البُخل فيمَن صِيغَ مِن طينِ
ما أَحسَنَ الدين وَالدُنيا إِذا اِجتَمَعا
لا باركَ اللَهُ في دُنيا بِلا دينِ
لَو كانَ بِاللُّبِ يَزدادُ اللَبيبُ غِنىً
لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ مِثل قارونِ
لَكِنَّما الرِزقُ بِالميزانِ مِن حَكَمٍ
يُعطي اللَبيبَ وَيُعطي كُلَّ مَأفونِ[8]
السعادة الحقيقية ان يقال لك في ذلك اليوم ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾[9].
*
السعادة في الإيمان والعمل الصالح ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[10].
إبراهيم عليه السلام نجا من النار وبرغم ما كيد له وألقي في النار إلا انه كان سعيدا ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [11].
يوسف سجن وكان من اسعد الناس ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [12].
*
النبي صلى الله عليه وسلم أوذي وظل يدعو الله في أحلك الأمور (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض )[13].
إنه الإيمان نور الأمل في الصدور وسكَن النفوس.. إنه الإيمان عزاء القلوب إذا أوحشتها الخطوب، فأية لذة هذه؟ وأي نعيم هذا؟ إن أحدَهم كان لا يجد درهماً ليشتري به طعاماً يَسُدّ به رمقه، أو داراً يسكنها، أو ثوباً غير الثوب الذي يلبسه، أو أرضاً ضاقت عليه بما رحبت، ومع ذلك كان يجد حلاوة الإيمان ولذة القرب من الله، فهو أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرّهم نفساً، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في الدنيا قبل الآخرة، فآتاهم من رَوْحها وريحانها وطيبها وأُنسها ما حفّزهم لطلبها والمسابقة إليها.
*
السعادة في الإحسان إلى الخلق فمن رفق بعباد الله رفق بهم ومن رحمهم رحمه ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾[14].
الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه". قال تعالى: ﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[15].
*
السعادة في ذكر الله ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾[16]
لبيت تخفق الْأَرْوَاح فِيهِ
أحب إليّ من قصر منيف
وَلبس عباءة وتقر عَيْني
أحب إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة من كسر بيتي
أحب إليّ من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج
أحب إلى من نقر الدفوف[17]
ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول:" إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة".[18]
السعادة الحقيقية في الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه. (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)[19].
*
إخوة الإيمان: من سعى نحو الرضا مخلصا ملأ الله قلبه بالرضا مهما زخرفت الدنيا أمامه، فلا يتأثر بما يجد عند غيره، فالصادق غنى والكاذب في ضيق دائما، والتقي غنى والفاسق في وحشة مستمرة، وفاعل الخير غنى وفاعل الشر متحسر من سوء عمله، والعالم غنى بعلمه والجاهل فقير لضيق وعيه، والصابر غنى مستبشر بجزاء صبره والقانط حزين، والواصل لرحمه غنى والقاطع لرحمه فقير مهما كان عنده من المال، والبار لوالديه غنى ببركة بره والمسيء لهما فقير محروم من نعمة البر، والمتصدق الكريم غني لأن الله تعالي يخلفه جزاء عطائه بل ويضاعفه له والبخيل مهما كثر ماله فقير لأنه يشعر بأنه يريد المزيد، والذاكر لله تعالي غني واللاهي عن ذكره فقير، والمطيع لله تعالي سعيد غني والبعيد العاصي فقير شقي، فمن يفتقد هذه الصفات الحسنه لا يعرف للسعادة طريقا مهما تناثرت عليه الثروات والنعم، لم يشعر بقيمتها بل يعيش دائماً مضطرب الأحوال ضيق الصدر.
*
فلو رضينا بما عندنا سعدنا، ولو سخطنا شقينا، ولو رضينا بالقليل من الطعام شبعنا، ولو رفضنا وتبطرنا شعرنا بالفقر، ولو رضينا بما عندنا من ملبس ومسكن هدأ بالنا، ولو نظرنا لما هو أعلي منا تعبنا. فلماذا لا نرضي وقد يأتي يوم تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال، وتشيب فيه الأطفال؟ لماذا لا نرضي ونحن نعلم أن أيامنا القادمة هي بقية أعمارنا، فإذا كنا نحلم بالغني فإن خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين، فارض بما قسم الله تعالى لك تكن أغني الناس.
جعلنا الله وإياكم من السعداء
[1] أبو الفتح البستي.
[2] (منظمة الصحة العالمية).
[3] [ أبو داود ].
[4] الزخرف ( 51).
[5] آل عمران (185).
[6] العصر الإسلامي - الحطيئة.
[7] رواه ابنُ حبَّان والحاكمُ والطبراني.
[8] العصر الإسلامي - علي بن أبي طالب.
[9] آل عمران (185).
[10] النحل (97).
[11] الأنبياء (69، 70 ).
[12] يوسف (33).
[13] رواه مسلم.
[14] النَّحل (90).
[15] النساء: [ 114].
[16] الرعد (28).
[17] ميسون بنت بحدل الكلبية.
[18] ((الوابل الصيب)) (ص35).
[19] رواه مسلم.
د. أحمد بن حمد البوعلي