مشاهدة النسخة كاملة : الله ليس وهما - حوار د. شيزا علي


abomokhtar
05-07-2017, 08:05 AM
س: أولًا وقبل كل شيء، أعلم بأنك متخصصة في طب العيون، أتساءل: ما الذي جعلك تركزين على الإلحاد؟
شيزا: هذا سؤال من شأنه أن يحيِّرني أيضًا، ففي ظل الظروف العادية التي أعيشها مع عائلتي في نيوزيلندا - ولا سيما عندما انضممت إلى منتدى نقاش على الإنترنت يُدعى "اوفكر" مجتمع صغير نسبيًّا على الإنترنت - اندهشتُ جدًّا من كثرة وجود الملحدين الذين ينسبون أنفسهم إلى العلم.

إنهم مؤثرون ومسموعون جدًّا، ويدعون بحماسٍ وقوةٍ لما يعتقدون، في البداية اعتَنَيْتُ بقراءة حججهم، وكنتُ مندهشةً تمامًا: كيف يعتقدون بقوة فيما فعلوه؟
قدَّمتُ حججي لمواجهتهم ببطء شديد، ودحضت حججهم؛ وللقيام بذلك قرأت الكثيرَ من البحوث، سواء على الإنترنت أم في مكتبة مدينة ولينغتون، وفي كثير مِن الأحيان كان هذا العمل تحفيزًا فكريًّا، فضلًا عن أنني أحببتُ القيام به، وبهذه الطريقة حصلت على تركيزي الكامل، وتحولت إلى التصدي للإلحاد منذ ذلك الوقت.

س: حسنٌ، قدَّمْتِ ببطء الحجج في مواجهة ودحض إلحادهم، وماذا عن النتيجة؟
شيزا: أعتقد أن القائمين على منتدى (اوثينك) لم يُحدثوا أي تغيير في الطريقة التي يتصرف بها الملحدون من المنتدى، وتوقف بعضهم عن تقديم الحجج الملحدة، وأصبح عاجزًا صامتًا، فبعض الملحدين كانوا معادين بوحشية لحججنا في البداية، وتغيَّر موقفهم تدريجيًّا، وخفتْ حدتُهم، وصارتْ أساليبهم ناعمة بعد بضعة أشهر، غير أن الملحدين المتشددين ظلوا - في الغالب (دغما) - مُتَمَسِّكين بآرائهم، ويؤكدون مجددًا على أن عبء الإثبات يقع على المؤمنين، وليس على الملحدين، ويطلبون منا باستمرار أن نبيِّنَ لهم (الاستدلالات)، ولَم يوافقوا أبدًا على الأدلة التي قدمناها، وأكثرهم لم يُظهر الكثير مِن التغيير، وحمل على أنَّ الإلحاد روح العصر، على الرغم مِن حججنا القويَّة المضادة.

س: هل يمكنك أن تُوضِّحي (الإلحاد الجديد أو الإلحاد المتشدد) الذي وصفتِه بأنه انتشر بسرعة كالطاعون عبر المحيطات، بفضل الدعاية القويَّة التي تحث عليه وتشجعه في كل مكان وبصوت عالٍ؟
شيزا: كان انتقادُ الدين في معظمه مِن المحرَّمات، ولم يُعْتَدْ أن يناقِشَ الإلحادُ الدينَ في العديد من الثقافات حتى وقت قريب، وانتقاد الدين علنًا لا يعود إلى عهد بعيد جدًّا، ولا يكون إلا من قرون قليلة، وما يمكن تسميته: (الإلحاد الجديد أو الإلحاد المتشدد الذي يمثل ميليشيا) نشأ خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، وانتشرت هذه الحركة التي أنشأها الملحدون المشهورون وكبار العلماء الملحدين - بعضهم من أساتذة الجامعات - في أنحاء العالم جميعًا، وانتشر بسرعةٍ كبيرة.

"الملحدون الجدد" نشروا الكتب، وألقوا المحاضرات العامة والمحادثات على شبكة الإنترنت، وأشركوا معهم العقول الشابة في جنونهم، وتم تمجيد حججهم باستخدام العلم، وغالبًا ما يتم ذلك بطرق مضللة، وينظر الكثير إلى كلامهم على أنه نضال ضد المذاهب الدينية والدين، ربما اشتعلت الرياح الأولى في أوروبا، ولكن الآن عبرت المحيطات.
وأتباع (الإلحاد الجديد) يمكن أن يُنظَر إليهم؛ لبريقهم في القارات، هؤلاء الملحدون لهم صخب شديد، وصوت عالٍ، وانتشروا علنًا وبقوة، وجعلوا الإلحاد تقريبًا مثل الدعاية المعادية للدين.

س: هل يمكنك أن تتوسعي في علم الفلك، باعتباره يشير إلى طريق الإيمان؟ لا سيما أنك تتحدثين عنه في الفصل الثامن: التصميم الذكي.
شيزا: علم الفلك هو موضوع رائع من العلم، فالعدد الهائل من الأجرام السماويَّة والمسافات بينها محيِّرة للبشر، مع أن حياتنا مقيدة جسديًّا على كوكب واحد، إلا أن هناك تريليونات من الأجرام السماوية التي تشكل الكون، اكتسبت المعرفة فقط حتى مستوى معين، إن قدراتنا محدودة وحدودنا مرسومة، وعلى الرغم من هذا فإن المرء يخوض في أعماق المعرفة، ويمكن للمرء أن يفهم، والكون مع كل ما به من مجرات ونجوم وكواكب وأقمار وأجرام سماوية أخرى - لا يمكن إطلاقًا أن يوجد إلا بوجود الخالق.

علم الفلك مجموعة من المعرفة التي يمكن أن ترضي العقل المفكر بالنسبة لي، فالقياسات التي نحسبها، والصيغ التي تصف حركة الكائنات السماوية، وتفسيرات الفيزياء، كلُّ نقطة تشير إلى وجود الخالق في كلِّ الطرق التي ننظر إليها، الذكاء الذي صمم به هذا الكون، يدلل على وجود الخالق، ولا مجال للمعرفة البشرية يمكن أن يخبرنا به بأفضل من علم الفلك.

س: أتساءل كيف تثبتين أن الله (تعالى) ليس وهمًا؟
شيزا: القرآن الكريم هو أكبر شهادة لله، إن قراءة الوحي الذي أنزله الله وفهمه - القرآن الكريم - يجعل من الواضح أن القرآن الكريم كتاب الله، إذا قرأت آياته بعقل مفتوح، وفهمت بشكل صحيح، فإن الكتاب علاج للإلحاد.
ثانيًا: الكون نفسه، كما ذكر مرارًا وتكرارًا في القرآن الكريم، فالكون يَحمل علامات الخالق في كل مكان ننظر إليه، هذه العلامات بسيطة للفهم وواضحة جدًّا للبعض، في حين يجادل بعضنا الآخر في أنها ليستْ واضحة تمامًا، وعلى المرء أن يُفكر مليًّا في الخلق، وأن يُفكِّر فيما إذا كان المرءُ يريد فهم هذه العلامات.

وعلى سبيل المثال: شيء بسيط جدًّا مثل الثابت الرياضي (باي pi) قيمة رياضية تقريبية (علامة تمثل رياضيًّا بـ 7/22) التي نستخدمها في حساباتنا، هي أيضًا شهادة على كونها مخلوقة، (باي pi) هي علامة على استخبارات زُرعتْ في الخلق، لم يطلب من البشر وجودها، وإنها لموجودة ومنذ بداية الزمن، البشر لَم يخترعوها، اكتشفوها فقط.

مكننا هذا الثابت الرياضي (باي pi) من تعلم الكثير عن الكون، هذه العلامات كثيرة، والأمر متروك للفرد أن يُقدرها على هذا النحو، الله يريد منا أن نتعلم مِن هذه العلامات، ويذكرنا في عدة أماكن في القرآن الكريم أن هناك آيات للناس الذين يعقلون؛ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67]، إن فهم ما يكشف عنه القرآن الكريم وانعكاسه على ما خلق الله يثبت أن الله ليس وهمًا.

س: حسنٌ، هناك العديد مِن الآيات مثل قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]، لكني أريد أن أعرفَ كيف تثبتين أن التطور ليس صحيحًا، هل يمكنك أن تشرحي ذلك؟
شيزا: التطور يوصف بأنه عملية تغيير في السمات الحيوانيَّة، لا يمكن أن يكون صحيحًا، ولا يكون بدون هداية من الأعلى، وأعتقد أن القوى الطبيعيَّة يمكن أن تحفز الطفرات العشوائيَّة، ولكن القوى الطبيعيَّة لا يمكن أن توجه التطور، يجب أن يكون هناك قوة عليا تسيطر على اتجاه التطور، يتم صبُّ كل نوع من الأنواع الحيوانيَّة في تصميم معين، ولا أعتقد أن القوى الطبيعية العمياء مثل الطفرات العشوائيَّة والانتقاء الطبيعي يمكن أن تكون قادرة على صنع مثل هذه التصاميم.

خذ حشرة العصا كمثال، إذا كانت القوى المحركة للتطور الطبيعي القوي، فهذا يعني: أنها مدفوعة بقوى عمياء، ما القوى العمياء التي يمكن أن تنتج شيئًا مثل نسخ غصن حي من غصن ميِّت تمامًا؟ إذا كانت هذه القوى ليست على علم بالتمويه، كيف يمكن أن تؤدي إلى التمويه؟ التمويه يحدث لأن تطور هذه الحشرات يعتمد لإظهار التمويه.
يقال: إن الحياة نشأت في شكل بدائي جدًّا، ويعتقد أن المخلوقات الحية نشأت من أشكال أحادية الخليَّة.

المنطقُ يتحدَّى الاعتقاد بأنه بدون خطة وبدون محرك، لا يمكن إنتاج بلايين الأنواع من هذا الشكل البسيط من الحياة، شجرة التفاح تنمو والدببة تأكل الأوراق، والفروع والزهور والفواكه بالبذور، من بذرة واحدة؛ لأن السلوك من بذور التفاح عندما تتم كتابة الإنبات في الحمض النووي لها، وبالمثل يتم إنتاج الكائنات التي تشكل شجرة الحياة؛ لأن محامل شجرة الحياة مكتوبة أيضًا في خطة الله.

أما بالنسبة للتطور البشري، فإن الكثير لا يزال غير معروف، والنتائج الجديدة للعلم في تغيير مستمر وتناقض مع ما كان يعتقد في السابق، مرة أخرى لا أعتقد أن القوى العمياء يمكن أن تخلق كائنات ذكية، بما فيها الكفاية لاستكشاف الكون وأعاجيبه فيما خلق الله، لقد خلقنا وقد لا نعرف كيف، ولكن هناك ما يكفي من الأسباب للاعتقاد بأن الوعي والذكاء البشري لا يمكن أن يكون أي شيء آخر سوى أفعال لإرادة الله.

س: لا شك أنك قرأتِ كتاب (وَهْم الله: لريتشارد داوكينز)، وأعتقد أن كتابك هو ردٌّ إسلاميٌّ لإثبات أن الله (تعالى) ليس وهمًا، وهناك 36 نقطة تتناولين فيها "داوكينز"، هل يمكن أن تتوسعي في تفاصيل ذلك، من فضلك؟
شيزا: نعم، لقد قرأتُ (وَهْم الإله) وعددًا قليلًا من أعمال ريتشارد داوكينز الأخرى، وفي القائمة المرجعية لكتابي (الله ليس وهمًا) بسهولة هناك نحو 400 فقرة مختلفة تناولت فيها بالنقد كتابه؛ وما ذكرته أن 36 نقطة مع هذا لا يبدو عددًا كبيرًا بالنسبة لي، وعلى الرغم من ذلك، فإن الرسائل ضد الإلحاد التي قدمها داوكينز في أعماله، وخاصة في كتابه "وهم الإله"، كان الكتاب مصدرَ إلهامٍ، ودفعني لكتابة كتابي.

ولقد أثر الناقد المعروف (داوكينز) في نقد الأخلاق والدين، وأثر في العديد من العقول الشابة، فهو يعتقد أن وجود الله ينبغي أيضًا أن يعامل على أنه تجربة علمية، ويستخدم النتائج العلمية لدعم حجج إلحاده، ويعتقد أن العلم قد قطع بعدم وجود الله، ولكن استخدامه للعلم في حججه - على ما أعتقد - مضلل في بعض الأحيان.
رأيي على العكس تمامًا من داوكينز، وأعتقد أن العلم هو عالم من المعرفة البشرية، يمكن استخدامها لإظهار الكون دليلًا على الخالق.

س: في الفصل الرابع بيَّنتِ بشكل جيد أن غياب الأدلة في العلم ليس دليلًا على الغياب وعدم الوجود، هذا صحيح، واستخدمت أفكارًا مماثلة لمفكرين مسلمين، مثل: فخر الدين الرازي، وابن خلدون، وابن رشد، وابن سينا، أتفق معك، كما أرى أن فخر الدين الرازي هو واحد من أعظم المفكرين، وقد نصحني أستاذي د. صالحين بدراسة أفكاره بجدية، هل يمكنك أن توضحي بعضًا من آرائه؟
شيزا: من الصعب جدًّا أن أقول أي شيء من وجهات نظر على أيٍّ من هؤلاء المفكرين المسلمين العظماء؛ لأني لم أقرأْ أعمالهم حقًّا، وما حاولتُ أن أشرحه في هذا الفصل هو القليل من المعرفة الموجودة لدينا مقارنة مع كل المعلومات الموجودة في الكون، وببساطة لا يمكننا أن نقول: إن غياب الأدلة في العلم بالطريقة التي يطالب بها العديد من الملحدين - دليلٌ على عدم وجود الله، فالمعرفة البشرية قليلة جدًّا لدرجة أنها تعجز بأن تقول بهذا.
لدينا فرصةٌ جديدةٌ للتفكير في أنَّ اللهَ ليس وهمًا، عند هذه النقطة الدكتورة شيزا علي لن تتحدث عن أن الله ليس وهمًا فحسب، لكنها تتحدث أيضًا عن طريقة استدلال طبيبة مسلمة قدمتْ أدلة قوية تثبت الإيمان بالله تعالى.
الناس ليسوا مخطئين تمامًا عندما يقولون: العلم يمكن أن يثبت الكثير من الأشياء، ولكن عندما يتم تمديد هذا البيان ليقول: إن وجود الله ينبغي أيضًا أن يكون قادرًا على اختباره في المختبر العلمي إذا كان موجودًا، وأعتقد أن هذا خطأ جسيم.
إننا لم نتمكن حتى الآن من إثبات وجود الله بالطريقة التي نثبت بها وجود الأكسجين أو الماء، والتي يعدها بعضنا غير مثبتة لله، وهذا خطأ لأسباب عديدة، فمعرفتنا في الكون معرفة محدودة جدًّا من المعلومات التي تصحَّح من حين لحين، ومهما كانت هذه المعرفة المحدودة، فهذه المعرفة شريحة بها كل علامات تدلل على عمل الخالق.

وعلى سبيل المثال: هناك البلايين من النجوم والعديد من الكواكب التي تدور حولها، نحن على واحد من هذه الكواكب، ولا نعرف شيئًا عن الغالبية العظمي من الكواكب الأخرى، ولا حتى وجودها، فقاعدتنا المعرفية ضحلة جدًّا، فكيف يمكننا أن نقول: إن الله موجود، وينبغي على العلم أن يكون قادرًا على إثبات وجوده؟! ومهما يكن من شيء، فإن العلم يخبرنا بأن الكون مصمم؛ لأن قوانين الكون هي مظاهر معقدة تتطلب ذكاء لوجودها واستيعابها.

عبدالرحمن: شكرًا جزيلًا، دكتورة شيزا.


عبدالرحمن أبو المجد