مشاهدة النسخة كاملة : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى


سراج منير
06-04-2018, 06:00 AM
"{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى }


بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى

{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى }


الْآيَةَ وَفِيهَا قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْقَوَدُ وَهُوَ أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلُ الْقَتْلِ كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الدِّيَةَ فَقَالَ :


{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ }


وَالْعَفُوُّ هُوَ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ


{ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ }


مِمَّا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى . قَالَ قتادة :


إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ فِيهِمْ بَغْيٌ وَكَانَ الْحَيُّ إذَا كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ وَعُدَّةٌ فَقَتَلَ عَبْدُهُمْ عَبْدَ قَوْمٍ آخَرِينَ قَالُوا :


لَنْ يُقْتَلَ بِهِ إلَّا حُرٌّ تَعَزُّزًا عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ آخَرِينَ قَالُوا لَنْ يُقْتَلَ بِهَا إلَّا رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ .


2- " الْقَوْلُ الثَّانِي


" أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى يَكُونُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْن قِتَالَ عَصَبِيَّةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ فَيُقْتَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ وَعَبِيدٌ وَنِسَاءٌ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَدْلِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ بِأَنْ يُقَاصَّ دِيَةُ حُرٍّ بِدِيَةِ حُرٍّ وَدِيَةُ امْرَأَةٍ بِدِيَةِ امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ بِعَبْدِ فَإِنْ فَضَلَ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ شَيْءٌ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ فَلْتُتْبَعْ الْأُخْرَى بِمَعْرُوفِ وَلْتُؤَدِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا بِإِحْسَانِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ


3-؛ لَكِنَّ الْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ مَدْلُولُ الْآيَةِ وَمُقْتَضَاهُ وَلَا إشْكَالَ عَلَيْهِ


4-وَالْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ قَتْلَى فَيُقَاصُّ هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى بِهَؤُلَاءِ الْقَتْلَى أَمَّا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَالْمَقْتُولُ مَيِّتٌ فَهُنَا الْمَقْتُولُ لَا مُقَاصَّةَ فِيهِ وَلَكِنَّ الْقِصَاصَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ قَتْلِ الْقَاتِلِ لَا غَيْرِهِ


5-وَفِي اعْتِبَارِ الْمُكَافَآتِ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ قِيلَ :


تُعْتَبَرُ الْمُكَافَآتُ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيِّ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَقِيل لَا تُعْتَبَرُ الْمُكَافَآتُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُكَافَآتُ لَا تُسَمَّى قِصَاصًا


6- وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ }


وَإِنْ أُرِيدَ بِالْقِصَاصِ الْمُكَافَآتُ فَتِلْكَ لَمْ تُكْتَبْ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْتَصَّ فَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ الِاقْتِصَاصُ


7-وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ :


هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُقَالُ لَهُ :


هُوَ تَعَالَى قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى }


وَلَيْسَ هَذَا خِطَابًا لِلْقَاتِلِ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى


{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }


ثُمَّ لَا يُقَالُ لِلْقَاتِلِ :


كُتِبَ عَلَيْك الْقِصَاصُ فِي الْمَقْتُولِ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ لَا قِصَاصَ فِيهِ .


8-الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ :


{ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى }


وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَبِالْحُرِّ وَالْأُنْثَى تُقْتَلُ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ وَالْحَرُّ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ وَبِالْأُنْثَى أَيْضًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ


9- وَقَوْلُهُ : { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ }


فَطَلَب مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مَالًا أَوْ قَوْمًا أَوْ آذَاهُمْ بِسَبَبِ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ الدَّمِ


{ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }


وَهَذَا كَقَوْلِهِ :


{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }


{ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }


و " الْأُخُوَّةُ "


هُنَا كَالْأُخُوَّةِ هُنَاكَ وَهَذَا فِي قَتْلَى الْفِتَنِ .


واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين