مشاهدة النسخة كاملة : كأنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قيل يُغْدَى *** بلَيْلَى العامريَّةِ أو يُرَاحُ


عبد العزيز الشراكي
15-10-2019, 09:11 PM
https://youtu.be/ZL7M6Lo6cu8
كَأَنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِيل يُغْدَى * بلَيْلَى العامِرِيَّةِ أَوْ يُرَاحُ
كَأَنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِيلَ يُغْدَى
***
بِلَيْلَى العَامِرِيَّةِ أََوْ يُرَاحُ

قَطَاةٌ غَرَّها شَرَكٌ فَبَاتَتْ
***
تُجاذِبُهُ وَقَد عَلِقَ الجَنَاحُ

لَهَا فَرْخَانِ قَدْ تُرِكَا بِوَكْرٍ
***
فَعُشُّهُمَا تُصَفِّقُهُ الرِّيَاحُ

إِذَا سَمِعَا هُبُوبَ الرِّيحِ هَبَّا
***
وَقَالَا : أُمُّنا تَأْتِي الرُّوَاحُ

فَلَا بِاللَّيْلِ نَالَتْ مَا تَرَجَّى
***
ولا فِي الصُّبْحِ كَانَ لها بَرَاحُ
تَعْلِيق :

النَّصُّ الأَدَبيّ مثْلُ منْجمِ الذَّهَبِ ، كُلَّمَا تَعَمَّقْتَ فِيه اكْتَشَفْتَ عُرُوقًا مِنَ الذَّهَب جَدِيدةً غَيْرَ الَّتِي رَأَيْتَها أَوَّلَ هُبُوطٍ لَكَ فِيه ، وهَذَا أَمْرٌ يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّاعر :
يَزِيدكَ وجْهُهُ حُسْنًا *** إِذَا مَا زِدْتَهُ نَظَرًا

والنَّصُّ الأَدَبيُّ الجَمِيلُ كَالوَجْهِ الجَمِيلِ ، يَزِيدُكَ حُسْنًا كُلَّمَا أَعَدْتَ قِرَاءَتَهُ المُتأَمِّلَةَ.
إنَّ لَيْلَى العَامِرِيَّةَ لَا تَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ نفْسِها شَيْئًا ، شَأْنَ المَرَأةِ العَرَبِيَّةِ القَدِيمَةِ ( يُغْدَى بِهَا أَوْ يُراحُ ) فَهِيَ لَا تَمْلِكُ قَرَارَهَا ؛ لذَلكَ كَانَ الفِعْلَانِ مَبْنِييْنِ للمَجْهُولِ .
والأَبْيَاتُ بِهَا تَشْبيهٌ تَمْثِيليٌّ فالقَلْبٌ هُوَ المُشَبَّهُ والقَطَاةُ مُشَبَّهٌ بِهِ وأداةُ التَّشْبيهِ ( كَأنَّ ) ووَجْهُ الشَّبَهِ الَّذِي يَجْمَعُ بيْنَ القَلْبِ والقَطَاةِ هُوَ الحَرَكَةُ المُضْطرِبَةُ المُتَلَاحِقَةُ ، فَوَجْهُ الشَّبَهِ صُورَةٌ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ .
فَإِنَّ قَلْبَ الشَّاعرِ يَضْطَربُ بِشِدَّةٍ حِينَ يَسْمَعُ أنَّ لَيْلَى العَامِرِيَّةَ يَروحُونَ بِهَا أوْ يَغْدُونَ .
إنَّ القَطَاةَ هُنَا بَدِيلُ الشَّاعِرِ العَاشِقِ الَّذِي شَبَّهَ قَلْبَهُ بِهَا ، إنَّها رَمْزٌ اخْتَفَى وَرَاءَهُ ، فَكَمَا أنَّ قَلْبَهُ يَضْطَرِبُ حِينَ يَسْمَعُ أنَّ لَيْلَى قَدْ رَحَلَ بها أهْلُها اضطربَ قَلْبُهُ اضطرابَ القَطَاةِ الَّتِى وَقَعَتْ فِي الشَّرَكِ ، وَفَقْدُهُ الأليمُ لليْلَى حِينَ تَرْحَلُ وَتَبْعُدُ عَنْهُ شَبِيهٌ بفَقْدِ الفَرْخينِ لأمٌّهِما والإحْسَاسِ الحَادِّ بالفَقدِ والضَّيَاعِ ، فَحَاجَةُ الشَّاعِرِ إلى لَيْلَى هِيَ حَاجَةُ الفَرْخينِ الصَّغِيريْنِ إلى أمِّهِما.
إنَّنا نَرَى العَذابَ الموَزَّعَ بَيْنَ مَوْقِفِ الأُمِّ المُؤْلِمِ وَموْقفِ الفرخيْنِ المُؤْلِمِ مَثَلُ ذلك مَثَلُ لَيْلَى وَشَاعِرِنا العاشِقِ ، فَقَدْ وُزِّعَ الألمُ عَلَيْهِمَا ؛ فَهِيَ في حِلِّها وَتِرْحَالِها بَعِيدةٌ عَنْهُ .