بوحامد
11-11-2008, 06:21 PM
البيان للجاحظ
قال بعضُ جهابذة الألفاظِ ونُقَّادِ المعاني: المعاني القائمة في صدور النّاس المتصوَّرَة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم والمتَّصِلة بخواطرهم والحادثة عن فِكَرهم مستورةٌ خفيّة وبعيدةٌ وحشية محجوبةٌ مكنونة وموجودةٌ في معنَى معدومةٍ لا يعرف الإنسانُ ضميرَ صاحِبه ولا حاجة أخيه وخليطِه ولا معنَى شريكِهِ والمعاونِ له على أموره وعلى مالا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره وإنما يُحيي تلك المعانيَ ذكرُهم لها وإخبارُهم عنها واستعمالُهم إيّاها وهذه الخصالُ هي التي تقرّبها من الفهم وتُجَلِّيها للعقْل وتجعل الخفيَّ منها ظاهراً والغائبَ شاهداً والبعيدَ قريباً وهي التي تلخِّص الملتبِس وتحلُّ المنعقد وتجعل المهمَل مقيَّداً والمقيَّد مطلقاً والمجهولَ معروفاً والوشيَّ مألوفاً والغُفْل موسوماً والموسومَ معلوماً وعلى قَدر وُضوح الدَّلالة وصوابِ الإشارة وحسن الاختصار ودِقّةِ المَدْخَل يكون إظهارُ المعنى وكلّما كانت الدَّلالة أوضَحَ وأفْصَح وكانت الإشارةُ أبيَنَ وأنْوَر كان أنفَعَ وأنْجَع والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ اللَّه عزّ وجلّ يمدحُه ويدعو إليه ويحثُّ عليه بذلك نَطَقَ القُرآنُ وبذلك تفاخَرَت العَرب وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع .
وأحسنُ الكلام ما كان قليلهُ يُغْنيك عن كثيرة ومعناه في ظاهر لفظِه وكان اللُّه عزّ وجلَّ قد ألبسَه من الجَلالة وغَشّاه من نُور الحكمة على حَسَب نيّة صاحبه وتقوَى قائِله فإذا كان المعنى شريفاً واللفظُ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً من الاستكراه ومنزَّهاً عن الاختلالِ مصوناً عن التكلُّف صنَعَ في القُلوب صنيعَ الغَيث في التُّربة الكريمة ومتى فَصَلت الكلمةُ على هذه الشّرِيطة ونفذَتْ من قائلها على هذه الصِّفة أصَحبَها اللَّهُ من التوفيق ومَنَحَها من التأييد ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدورُ الجبابرة ولا يذهَل عن فهمها معه عقولُ الجَهَلة
المطلوب دراسة هذا النص أدبيا وبلاغيا .
قال بعضُ جهابذة الألفاظِ ونُقَّادِ المعاني: المعاني القائمة في صدور النّاس المتصوَّرَة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم والمتَّصِلة بخواطرهم والحادثة عن فِكَرهم مستورةٌ خفيّة وبعيدةٌ وحشية محجوبةٌ مكنونة وموجودةٌ في معنَى معدومةٍ لا يعرف الإنسانُ ضميرَ صاحِبه ولا حاجة أخيه وخليطِه ولا معنَى شريكِهِ والمعاونِ له على أموره وعلى مالا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره وإنما يُحيي تلك المعانيَ ذكرُهم لها وإخبارُهم عنها واستعمالُهم إيّاها وهذه الخصالُ هي التي تقرّبها من الفهم وتُجَلِّيها للعقْل وتجعل الخفيَّ منها ظاهراً والغائبَ شاهداً والبعيدَ قريباً وهي التي تلخِّص الملتبِس وتحلُّ المنعقد وتجعل المهمَل مقيَّداً والمقيَّد مطلقاً والمجهولَ معروفاً والوشيَّ مألوفاً والغُفْل موسوماً والموسومَ معلوماً وعلى قَدر وُضوح الدَّلالة وصوابِ الإشارة وحسن الاختصار ودِقّةِ المَدْخَل يكون إظهارُ المعنى وكلّما كانت الدَّلالة أوضَحَ وأفْصَح وكانت الإشارةُ أبيَنَ وأنْوَر كان أنفَعَ وأنْجَع والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ اللَّه عزّ وجلّ يمدحُه ويدعو إليه ويحثُّ عليه بذلك نَطَقَ القُرآنُ وبذلك تفاخَرَت العَرب وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع .
وأحسنُ الكلام ما كان قليلهُ يُغْنيك عن كثيرة ومعناه في ظاهر لفظِه وكان اللُّه عزّ وجلَّ قد ألبسَه من الجَلالة وغَشّاه من نُور الحكمة على حَسَب نيّة صاحبه وتقوَى قائِله فإذا كان المعنى شريفاً واللفظُ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً من الاستكراه ومنزَّهاً عن الاختلالِ مصوناً عن التكلُّف صنَعَ في القُلوب صنيعَ الغَيث في التُّربة الكريمة ومتى فَصَلت الكلمةُ على هذه الشّرِيطة ونفذَتْ من قائلها على هذه الصِّفة أصَحبَها اللَّهُ من التوفيق ومَنَحَها من التأييد ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدورُ الجبابرة ولا يذهَل عن فهمها معه عقولُ الجَهَلة
المطلوب دراسة هذا النص أدبيا وبلاغيا .