مشاهدة النسخة كاملة : حكم أحرج الحكومة – فهمي هويدي


aly almasry
23-11-2008, 09:31 AM
حكم القضاء الإداري بوقف تصدير الغاز لإسرائيل وبعض الدول الأخرى لم يحرج الحكومة فقط، وإنما أدانها أيضاً وشكك في نواياها،على نحو لو أخذ مأخذ الجد في أي بلد ديموقراطي، لأدى إلى سحب الثقة منالحكومة وإسقاطها، بل لعلي لا أبالغ إذا قلت إن محكمة القضاء الإداري فضحت تلك الصفقة المريبة، الأمر الذي يثير عددا من الأسئلة الكبيرة حول حقيقة الأطراف التي تقف وراءها وحجم النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء، الذي دفع الحكومة إلى ارتكاب مجموعة من المخالفات الجسيمة للإسراع بعقد الصفقة وتمريرها من وراء ظهر مجلس الشعب.



وهو ما دفع مجموعة من العناصر الوطنية التي استفزها هذا السلوك إلى مقاضاة الحكومة ووزير البترول والطعن في تصرفاتهما، وشاءت المقادير أن تنظر القضية بمحكمة يرأسها قاض نزيه من جيل الرجال المحترمين الذين لم ينقرضوا من مصر بعد، فجاء حكمها مفاجئا في منطوقه وحيثياته، الأمر الذي أحرج الحكومة وأربكها، إذ في حين امتنع المتحدث الرسمي باسمها عن التعليق على الحكم محتجا بأنه لم يطلع على نصه،فإن الإعلام الرسمي حاول تشويهه، فقد ذكر شريط الأخبار الذي بثه التلفزيون أن المحكمة قررت وقف بيع الغاز لإسرائيل بأسعار تقل عن الأسعار العالمية وقيمته السوقية، وهو ما أبرزته أيضا الصحف القومية الثلاث على صفحاتها الأولى، وهذا لم يكن صحيحا لأن المحكمة أصدرت قرارها استنادا إلى وجود مخالفة دستورية وقانونية في عملية البيع، وليس بسبب انخفاض سعر بيع الغاز،الذي هو بمنزلة مسألة تقديرية،



وكان واضحا في معالجة الصحف القومية حرصهاعلى التقليل من شأن الحكم والتأكيد على أن الحكومة ستطعن فيه، فعنوان الخبر في «الأهرام» كان كالتالي: «القضاء الدستوري يوقف بيع الغازلإسرائيل وهيئة قضايا الدولة تستشكل»، أما «الأخبار» فقد قدمت الاستشكال على قرار المحكمة فقال عنوان الصفحة الأولى « إن هيئة قضايا الدولة سوف تستشكل في تنفيذ حكم وقف تصدير الغاز لإسرائيل»، أما «الجمهورية» التي أبرزت في قلب الصفحة الأولى ـ بالعناوين الحمراء ـ خبر افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، فإنها نشرت في زاوية تحتية قرار المحكمة على النحوالتالي: «الحكومة تتقدم باستشكال اليوم - القضاء الاداري أوقف بيع الغازلإسرائيل بأسعار تقل عن السوق العالمية «!».



لقد مارس الإعلام القومي التدليس في عرض حيثيات الحكم، ولولا ضيق المساحة لأوردت النص الذي نشرت الصحف المستقلة خلاصة وافية له، لكن لا يفوتني أن أشير إلى نقطتين مهمتين فيه:



الأولى نص الحكم على أن الالتزام ببيع الثروات الطبيعية كان ينبغي أن يُعرض على مجلس الشعب ـ طبقا لنص الدستور ـ ولكن ذلك لم يحدث، وإنما تم التكتم على الأمر بحيث لم يعرف أحد مضمون عقد بيع الغاز أو شروطه. وهو مايجعل قرار التفويض في البيع معدوما لمخالفته أحكام الدستور، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني.



النقطة الثانية أن القاضي انتقد السرعة المتناهية التي تمت بها عملية إنشاء شركة خاصة فوضت في البيع، ومنحها دون غيرها حق امتياز واحتكار الغاز المصدّر لإسرائيل، الامر الذي يثير التساؤل عن أسباب ذلك التزامن والتكتم الشديد الذي فرضته الادارة على العملية، مما يتعارض مع الشفافية ويخل بالثقة الواجب توافرها في تعاملات جهة الادارة».



وهذه العبارة الأخيرة منقولة من منطوق الحكم الذي أصدره القاضي، المستشار محمد أحمد عطية. وفيها إشارة كافية إلى الملابسات المريبة التي أحاطت بالموضوع..

............ ......... .......

aly almasry
23-11-2008, 07:57 PM
هل ستعاند الحكومة فى صفقة الغاز أيضا؟

بقلم د.حسن نافعة
أصدرت محكمة القضاء الإدارى يوم الثلاثاء الماضى (١٨/١١) حكما قضى بإلغاء قرار وزير البترول رقم ١٠٠ لسنة ٢٠٠٤. ولأن القرار المشار إليه كان قد سمح لشركة خاصة بتصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل فليس لإلغائه سوى معنى واحد وهو وجوب الوقف الفورى لضخ غاز كان قد بدأ يتدفق على إسرائيل بغزارة منذ فبراير الماضي، وبسعر بخس.
ولأن أحكام المحكمة الإدارية واجبة النفاذ فور صدورها، يصبح لزاما على الحكومة أن تقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف ضخ هذا الغاز إلى إسرائيل فورا. صحيح أن أحكام المحاكم الإدارية ليست نهائية وقابلة للاستئناف أمام محكمة إدارية عليا تملك وحدها الحق فى إلغائها، إلا أن الاستئناف أمام المحكمة العليا لا يوقف تنفيذ أحكام محاكم الدرجة الأدنى.
وبالتالى يتعين انتظار صدور حكم جديد يلغى الحكم السابق قبل أن يصبح بمقدور الحكومة استئناف تصدير الغاز لإسرائيل مرة أخرى. غير أن كل الدلائل تشير إلى أن الحكومة المصرية لا تنوى تنفيذ الحكم الذى صدر بالفعل و لن تكتفى فقط بالاستئناف أمام المحكمة الإدارية العليا وإنما ستبذل كل ما فى وسعها لعرقلة تنفيذه، بدليل أنها قامت على الفور بتقديم استشكال أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة وتم تحديد جلسة فى ١٥ ديسمبر القادم للنظر فى طلب الحكومة.
ونظرا لحساسية ودقة هذا الموضوع، والذى لا يحتمل فى رأيى مزايدات من أى نوع، فقد سعيت جاهدا للحصول على صورة الحكم للتعرف بدقة على الحيثيات التى استندت إليها المحكمة قبل الشروع فى كتابة هذا المقال، سعياً لأكبر قدر من الدقة، غير أننى لم أفلح للأسف. لذا لا مناص من الاعتماد على ما نشر حول هذا الحكم فى الصحف المصرية والذى يستنتج منه أن المحكمة أسسته على ثلاث قناعات استقرت فى يقينها:
القناعة الأولى: تتعلق بتقديرها لوجود عيوب إدارية وقانونية ودستورية جسيمة شابت صدور قرار وزير البترول المشار إليه.
القناعة الثانية: تتعلق بقناعتها أن القرار تسبب فى إلحاق أضرار جسيمة بالمصالح الوطنية المصرية العليا، خاصة ما يتعلق منها بمصالح الأجيال القادمة والذين اعتبرتهم المحكمة أصحاب حق فى موارد الدولة.
القناعة الثالثة: تتعلق بإيمانها أن الحكومة لم تراع أى نوع من الشفافية فى تعاملها مع موضوع بهذا القدر من الحساسية وتعمدها إخفاء معلومات أساسية حول صفقة الغاز، مما أثار ويثير شبهات كثيرة حول الدوافع الحقيقية لإبرامها.
تجدر الإشارة هنا إلى رفض المحكمة طعنا تقدم به ممثل الحكومة حول عدم اختصاصها بالنظر فى القضية، استندت فيه إلى أن المنازعة «تدور حول سلطة الإدارة فى تنظيم وإدارة موارد الدولة وإحدى ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها»، وإلى أن الدستور «حريص على حماية موارد الثروة الطبيعية للبلاد باعتبارها موردا مهما من موارد الدولة ليست ملكا للأجيال الحالية فحسب بل تشترك فى ملكيتها الأجيال المقبلة».
ومن المعروف أن الاختصاص الأصيل للمحاكم الإدارية هو فحص القرارات الصادرة عن الحكومة وأجهزتها الإدارية المعنية والتأكد من سلامتها وعدم تجاوز متخذيها للصلاحيات المخولة لهم. لذا كان طبيعيا أن تعتبر نفسها مختصة بالنظر فى قضية رفعها مواطن بدرجة سفير سابق اسمه إبراهيم يسرى سبق له أن شغل منصب مدير إدارة الهيئات والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية لفترة طويلة ننتهز الفرصة لتحيته!.
وليس لصدور حكم بهذه الأهمية سوى معنى واحد وهو أن الحكومة لم تستطع إقناع المحكمة بأن القرار الذى اتخذه وزير النفط بالسماح لتصدير الغاز لإسرائيل، وبهذه الأسعار البخسة، كان عملا يتسق مع أحكام الدستور والقانون ويحقق مصالح المواطنين.
لا أظن أن أحدا يمكن أن يجادل فى وجود شعور كاسح بالارتياح من جانب شعب مصرى رحب كثيرا بهذا الحكم ويحدوه أمل كبير فى أن تؤكده المحكمة الإدارية العليا عند نظر استئناف الحكومة له. ولفهم عمق تلك المشاعر المرحبة بالحكم يتعين أن نميز بين تيارين مختلفين قد لا يتطابقان، فى دوافعهما بالضرورة.
الأول: ينطلق من رفض أى نوع من التطبيع مع إسرائيل من حيث المبدأ، بصرف النظر عن السعر الذى قد تكون مستعدة لدفعه، قبل التوصل إلى سلام شامل تقبله الدول والشعوب العربية ككل.
والثانى: ينطلق من الحرص على موارد مصر ورفض أى تصرف من شأنه المساعدة على هدرها أو تبديدها، بصرف النظر عما إذا كان هذا التصرف ناجما عن إهمال وسوء إدارة أو عن فساد يضرب بجذوره فى بنية النظام نفسه.
فالتيار الرافض للتطبيع يرى أن إسرائيل دولة عنصرية لا تسعى لسلام حقيقى وشامل فى المنطقة. بل تحاول عرقلة كل الجهود الرامية لتحقيق مثل هذا السلام، ومن ثم فلا تزال تشكل مصدر خطر كبير على أمن مصر الوطنى.
كما يرى هذا التيار أن إبرام معاهدة سلام مع دولة كهذه لا يعنى أبدا التزاما بالتبادل التجارى معها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بسلعة استراتيجية يمكن استخدامها فى أعمال عسكرية سواء ضد الفلسطينيين، الذين تمارس إسرائيل فى مواجهتهم أبشع أنواع الحصار والتجويع والعقوبات الجماعية فى خرق فاضح للقانون الدولي، أو ضد دول عربية أخرى، مثل لبنان الذى شنت عليه حربا عدوانية صيف عام ٢٠٠٦ أو سوريا التى أغارت فيها على منشأة ادعت أنها نووية، أو حتى على مصر التى وجهت إليها تهديدات متكررة بضرب سدها العالى!.
أما التيار الذى رحب بالحكم انطلاقا من حرصه على موارد وثروات مصر فلم يستطع أن يفهم كيف يمكن لدولة يعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر أن تبيع لدولة أجنبية، حتى ولو كانت صديقة، سلعة مهمة بسعر لا يتجاوز ١٥% من سعرها الحقيقي.
وحتى بافتراض أن السعر المتفق عليه كان يقترب من السعر السائد فى السوق لحظة إبرام العقد فمن الصعب على هذا التيار أن يفهم لماذا تقوم دولة بالتعاقد مع دولة أخرى (ناهيك عن كونها دولة معادية) لبيعها سلعة استراتيجية ناضبة لمدة طويلة تتراوح بين ١٥ و ٢٠ عاما رغم حاجتها الماسة إليها فى الحاضر وفى المستقبل.
فإذا كانت صفقة الغاز مع إسرائيل تعكس حالة من حالات الإهمال أو التسيب أو عدم الكفاءة فالأمر جد خطير، أما إذا كانت تعكس حالة فساد بنيوى داخل النظام، وهذا هو الاحتمال الأرجح، يصبح الأمر أشد خطورة ومن الطبيعى أن يحمل دلالات بالغة السوء بالنسبة للمستقبل.
لا أظن أن بوسع الحكومة أن تدعى فى هذه المرة أن القضية المثارة مجرد زوبعة فى فنجان تثيرها قلة مغرضة وحاقدة، ذلك أن الأمر لا يتعلق بقضية تطبيع مع إسرائيل يعترض عليها البعض لأسباب أيديولوجية، كما تدعى الحكومة عادة، وإنما هى إضافة إلى ذلك قضية فساد كبرى تمس نزاهة الحكم فى الصميم، خصوصا أن المحكمة أشارت فى حيثيات حكمها إلى مجموعة ملابسات مريبة أحاطت بالصفقة.
فالشركة التى تم التصريح لها ببيع الغاز المصرى إلى إسرائيل هى شركة مصرية-إسرائيلية مشتركة يبدو أنها أنشئت خصيصا لهذا الغرض، والشريك المصرى فيها ليس مجرد رجل أعمال عادى ولكنه وثيق الصلة بأعلى مراكز صنع القرار فى مصر، والضرر المادى الذى لحق أو سيلحق بمصر جراء هذه الصفقة يقدر بمليارات الدولارات (وليس بملايينها)، أما الضرر المعنوى والأخلاقى فلا يقدر بثمن.
وسوف يستحيل على حكومة تقبل أن تبيع واحدة من أهم سلعها الاستراتيجية لعدو تاريخى - أن تقنع الشعب المصرى أنها أمينة على ثرواته وأصوله، وأن تطالبه بالثقة فى «برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة» والذى حرص السيد جمال مبارك على أن يطرحه بنفسه على الشعب.