مشاهدة النسخة كاملة : خطبة واصل التي جانب فيها الراء


أحمد حافظ جلال
02-12-2008, 11:52 PM
كنت قد سمعت كثيرًا في كتب الأدب عن هذه الخطبة وقد ظننت أنها من باب المبالغة بفصاحة
هذا العلم الكبير-على اعتزاله-حتى وجدتها في هذا السفر العظيم الذي اجتهد فيه إمام المحققين
الأستاذ عبد السلام هارون على الإتيان بنوادر المخطوطات وكان عنوانه موفقًا كل التوفيق لأنه وصف لواقع الكتاب
وهذا نص الخطبة:

" الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في علوِّهِ، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خلق، ولم يخلقه على مثال سبق، بل أنشأه ابتداعًا، وعدّله اصطناعًا، فأحسن كلّ شيءٍ خلْقَه وتمّم مشيئته، وأوضح حكمته، فدل على ألوهيّته، فسبحانه لا معقب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلّ شيءٍ لعظمته، وذلّ كلّ شيءٍ لسلطانه، ووسع كلّ شيءٍ فضله، لا يعزب عنه مثقال حبّة وهو السميع العليم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له، إلهًا تقدّست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كلّ مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يُعصى فيحلم، ويُدعى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادة حقٍّ، وقول صِدقٍ، بإخلاص نيّةٍ وصدقِ طويّةٍ، وأنّ محمد بن عبد الله عبدُهُ ونبيُّهُ، وخالصته وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق، فبلّغ مألكته، ونصح لأمّته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومة لائمٍ، ولا يصدّه عنه زعم زاعمٍ، ماضيًا على سنّته موفيًا على قصده حتى أتاه اليقين. فصلّى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى وأتمّ وأنمى، وأجل وأعلى صلاة صلاّها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته، فأحضكم علة ما يدنيكم منه، ويزلفكم إليه، فإنّ تقوى الله أفضل زادٍ، وأحسنُ عاقبة في معادٍ.
ولا تلهينّكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها وفواتن لذاتها، وشهوات آمالها، فإنها متاع قليل، ومدة إلى حين، وكلّ شيءٍ منها يزول. فكم عاينتم من أعاجيبها، وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت من ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوًا، ومزجَتْ لهم سَمًا. أين الملوك الذين بَنَوْا المدائن، وشيّدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب، وأعدوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدوا التلاد، قبضتهم بمخلبها، وطحنتهم بكلكلها، وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم من السعة ضيقًا، ومن العزّ ذلاً، ومن الحياة فناءً، فسكنوا اللحود وأكلهم الدود، وأصبحوا لا تعاين إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا حسّ منهم من أحدٍ ولا تسمع لهم نبسًا. فتزودوا عافاكم الله فغن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا ألي الألباب لعلكم تفلحون، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظّه وسعادته، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إنّ أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله، الزكية آياته، فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله من الشيطان الغوي، إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنّان. "قل هو الله أحد، الله الصّمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوًا أحد".نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، وبالآيات والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا وإياكم جنات النعيم. أقول ما به أعظكم، وأستعتب الله لي ولكم".

من كتاب نوادر المخطوطات 1: 147
تجميع وتحقيق: عبد السلام هارون

عماد عبد الستار
03-12-2008, 04:56 PM
جزاك الله خيراً علي هذه الإضافة الجميلة.

أحمد حافظ جلال
03-12-2008, 11:14 PM
جزاك الله خيراً علي هذه الإضافة الجميلة.
شكرا لك أخي عماد علي كلماتك الدافعة

hamadahoba
17-01-2009, 11:52 AM
رائعة جدا جدا