همسه
04-07-2006, 12:06 AM
صنائع المعروف تقى مصارع السوء
يذكر أن رجلاً يسمى ابن جدعان قال : خرجت فى فصل الربيع ،
وإذا بى أرى إبلى سماناً ، يكاد الحليب ينفجر من ضرعها ، وكلما اقترب
الحَوار ( ابن الناقة ) من أمه درت عليه ، وانهال الحليب منها لكثرة
الخير والبركة ، فنظرت إلى ناقة من نياقى ابنها خلفها ، وتذكرت جاراً
لى له بنيات سبع فقير الحال ، فقلت : والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها
لجارى ، والله يقول والله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل
عمران ) . وأحب حلالى هذه الناقة . يقول : فأخذتها وابنها وطرقت الباب
على الجار ، وقلت له : خذها هدية منى لك . فرأيت الفرح فى وجهه لا
يدرى ماذا يقول ، فكان يشرب من لبنها ، ويحتطب على ظهرها ، وينتظر
وليدها يكبر ليبيعه ، وجاءه منها خير عظيم
فلما انتهى فصل الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه تشققت الأرض وبدأ
البدو يرتحلون يبحثون عن الماء فى الدحول ( حفر فى الأرض توصل
إلى مجالس مائية ، أو أقبية مائية تحت الأرض ، وله فتحات فوق الأرض يعرفها البدو ) . يقول : فدخلت فى هذا الدحل حتى أحضر الماء لنشرب
وأولاده الثلاثة ينتظروه خارج الدحل ، فتاه تحت الأرض ، ولم يعرف
الخروج ، وانتظر أبناؤه يوماً ويومين وثلاثة حتى يئسوا وقالوا : لعل ثعباناً
لدغه ومات ، أو لعله تاه تحت الأرض وهلك ، وكانوا ينتظرون هلاكه
طمعاً فى تقسيم المال والحِلال ، فذهبوا إلى البيت وقسموا ، وتذكروا أن
أباهم قد أعطى ناقة لجارهم الفقير ، فذهبوا إليه وقالوا له : أعِد الناقة خيراً
لك ، وخذ هذا الجمل مكانها ، وإلا سنسحبها عنوة الآن ، ولن نعطيك شيئاً
قال: أشتكيكم إلى أبيكم . قالوا : اشتكِ إليه ، فإنه قد مات . قال : مات ؟
كيف مات ؟ وأين مات ؟ ولِمَ لم أعلم بذلك ؟ قالوا : دخل دحلاً فى
الصحراء ولم يخرج . قال : ناشدتكم الله اذهبوا بى إلى مكان الدحل ، ثم
خذوا الناقة ، وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم . فذهبوا به فلما رأى المكان
الذى دخل فيه صاحبه الوفى ، ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شمعة ، ثم
ربط نفسه خارج الدحل ، ونزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى أماكن
فيها يحبو ، وأماكن فيها يزحف ، وأماكن يتدحرج فيها ، ويشم رائحة
الرطوبة تقترب ، وإذا به يسمع أنين الرجل عند الماء ، فأخذ يزحف تجاه
الأنين فى الظلام ويتلمس الأرض ، فوقعت يده على الطين ، ثم وقعت يده
على الرجل . فوضع يده على أنفاسه فإذا هو حىّ يتنفس ، فقام وجره وربط
عينيه حتى لا تنبهر بضوء الشمس ، ثم أخرجه معه خارج الدحل ، ومرس
له التمر وسقاه ، وحمله على ظهره ، وجاء به إلى داره ، ودبت الحياة
فى الرجل من جديد ، وأولاده لا يعلمون . فقال له : أخبرنى بالله عليك
أسبوعاً كاملاً وأنت تحت الأرض ولم تمت . قال : سأحدثك حديثاً عجباً
لما نزلت ضِعت ، وتشعَّبَت بى الطرق ، فقلت : آوى إلى الماء الذى
وصلت إليه ، وأخذت أشرب منه ، ولكن الجوع لا يرحم ، فالماء لا يكفى
يقول : وبعد ثلاثة أيام ، وقد أخذ الجوع منى كل مأخذ ، وبينما أنا مستلقى
على قفاى ، قد أسلمت وفوضت أمرى إلى الله ، وإذا بى أحس بدفء اللبن يتدفق على فمى . يقول : فاعتدلت فى جلستى ، وإذا بإناء فى الظلام لا أراه ،
يقترب من فمى فأشرب حتى أرتوى ، ثم يذهب ، فأخذ يأتينى ثلاث مرات فى اليوم .
ولكنه منذ يومين انقطع ، ولا أدرى ما سبب انقطاعه
يقول : فقلت له : لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت ، ظن أولادك أنك مت ، وجاءوا إلىَّ وسحبوا الناقة التى كان الله يسقيك منها ، والمسلم فى ظل صدقته
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب
يذكر أن رجلاً يسمى ابن جدعان قال : خرجت فى فصل الربيع ،
وإذا بى أرى إبلى سماناً ، يكاد الحليب ينفجر من ضرعها ، وكلما اقترب
الحَوار ( ابن الناقة ) من أمه درت عليه ، وانهال الحليب منها لكثرة
الخير والبركة ، فنظرت إلى ناقة من نياقى ابنها خلفها ، وتذكرت جاراً
لى له بنيات سبع فقير الحال ، فقلت : والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها
لجارى ، والله يقول والله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( آل
عمران ) . وأحب حلالى هذه الناقة . يقول : فأخذتها وابنها وطرقت الباب
على الجار ، وقلت له : خذها هدية منى لك . فرأيت الفرح فى وجهه لا
يدرى ماذا يقول ، فكان يشرب من لبنها ، ويحتطب على ظهرها ، وينتظر
وليدها يكبر ليبيعه ، وجاءه منها خير عظيم
فلما انتهى فصل الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه تشققت الأرض وبدأ
البدو يرتحلون يبحثون عن الماء فى الدحول ( حفر فى الأرض توصل
إلى مجالس مائية ، أو أقبية مائية تحت الأرض ، وله فتحات فوق الأرض يعرفها البدو ) . يقول : فدخلت فى هذا الدحل حتى أحضر الماء لنشرب
وأولاده الثلاثة ينتظروه خارج الدحل ، فتاه تحت الأرض ، ولم يعرف
الخروج ، وانتظر أبناؤه يوماً ويومين وثلاثة حتى يئسوا وقالوا : لعل ثعباناً
لدغه ومات ، أو لعله تاه تحت الأرض وهلك ، وكانوا ينتظرون هلاكه
طمعاً فى تقسيم المال والحِلال ، فذهبوا إلى البيت وقسموا ، وتذكروا أن
أباهم قد أعطى ناقة لجارهم الفقير ، فذهبوا إليه وقالوا له : أعِد الناقة خيراً
لك ، وخذ هذا الجمل مكانها ، وإلا سنسحبها عنوة الآن ، ولن نعطيك شيئاً
قال: أشتكيكم إلى أبيكم . قالوا : اشتكِ إليه ، فإنه قد مات . قال : مات ؟
كيف مات ؟ وأين مات ؟ ولِمَ لم أعلم بذلك ؟ قالوا : دخل دحلاً فى
الصحراء ولم يخرج . قال : ناشدتكم الله اذهبوا بى إلى مكان الدحل ، ثم
خذوا الناقة ، وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم . فذهبوا به فلما رأى المكان
الذى دخل فيه صاحبه الوفى ، ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شمعة ، ثم
ربط نفسه خارج الدحل ، ونزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى أماكن
فيها يحبو ، وأماكن فيها يزحف ، وأماكن يتدحرج فيها ، ويشم رائحة
الرطوبة تقترب ، وإذا به يسمع أنين الرجل عند الماء ، فأخذ يزحف تجاه
الأنين فى الظلام ويتلمس الأرض ، فوقعت يده على الطين ، ثم وقعت يده
على الرجل . فوضع يده على أنفاسه فإذا هو حىّ يتنفس ، فقام وجره وربط
عينيه حتى لا تنبهر بضوء الشمس ، ثم أخرجه معه خارج الدحل ، ومرس
له التمر وسقاه ، وحمله على ظهره ، وجاء به إلى داره ، ودبت الحياة
فى الرجل من جديد ، وأولاده لا يعلمون . فقال له : أخبرنى بالله عليك
أسبوعاً كاملاً وأنت تحت الأرض ولم تمت . قال : سأحدثك حديثاً عجباً
لما نزلت ضِعت ، وتشعَّبَت بى الطرق ، فقلت : آوى إلى الماء الذى
وصلت إليه ، وأخذت أشرب منه ، ولكن الجوع لا يرحم ، فالماء لا يكفى
يقول : وبعد ثلاثة أيام ، وقد أخذ الجوع منى كل مأخذ ، وبينما أنا مستلقى
على قفاى ، قد أسلمت وفوضت أمرى إلى الله ، وإذا بى أحس بدفء اللبن يتدفق على فمى . يقول : فاعتدلت فى جلستى ، وإذا بإناء فى الظلام لا أراه ،
يقترب من فمى فأشرب حتى أرتوى ، ثم يذهب ، فأخذ يأتينى ثلاث مرات فى اليوم .
ولكنه منذ يومين انقطع ، ولا أدرى ما سبب انقطاعه
يقول : فقلت له : لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت ، ظن أولادك أنك مت ، وجاءوا إلىَّ وسحبوا الناقة التى كان الله يسقيك منها ، والمسلم فى ظل صدقته
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب