![]() |
ذكر هامان في القرآن الكريم بقلم فراس نور الحق قال تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38) يخاطب فرعون وجهاء قومه ، أنه لا يعرف معبوداً لهم غيره ، فينادي هامان طالباً منه أن يبني له من الطين المحروق و هو القرميد بناءً شاهقاً ، لعله يرى إله موسى... تشير هذه الآية إلى معجزات عديدة منها: 1. تأليه فرعون نفسه : في قوله مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي و الأبحاث الأثرية التي قامت حول الحضارة المصرية القديمة تؤكد أن الفراعنة منذ الأسرة الرابعة كانوا يصرحون ببنوتهم للإله رع الذي يمثل إله الشمس والذي كان يعبدها قدماء المصريين، بل إن اسم رع دخل في ألقاب الفراعنة ، مثل (رع نب ) أي الرب الذهبي ولعل أوضح دليل على تأليه الفراعنة لأنفسهم كما يقول (بريستد ) عالم الآثار، و التي حفظتها نصوص الأهرام هي أنشودة للشمس تردد فيها هوية الملك بإله الشمس ، إن هذه الأنشودة تخاطب مصر ، في تعداد طويل و رائع للمنافع التي تستمتع بها ، تحت حماية و سيادة إله الشمس ، فعلى ذلك يمُنح فرعون مصر المنافع نفسها ، ولهذا يجب أن يتسلم نفس الهبات من مصر ، و لذا الأنشودة بأكملها تعاد بوضع اسم فرعون أينما يجيء اسم رع أو حورس في الأنشودة الأصلية[1] 2. الإعجاز الثاني هو استعمال الفراعنة الآجرّ في بناء الصروح : فقد طلب فرعون من هامان أن يبني له من الطين المحروق ( الآجر ) صرحاً ، و هذا يعتبر من الإعجاز التاريخي للقرآن الكريم فقد ظل الاعتقاد السائد عند المؤرخين أن الآجر لم يظهر في مصر القديمة قبل العصر الروماني ، وذلك حسب رأي المؤرخين[2] والذي يرى في ذلكإشكالاً في أن الآيات السابقة التي تبين طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحاً من الآجر أو الطين المحروق وظل هذا هو رأي المؤرخين إلى أن عثر عالم الآثار بتري على كمية من الآجر المحروق بنيت به قبور وأقيمت به بعضاً من أسس المنشآت ، ترجع إلى عصور الفراعنة رعمسيس الثاني و مرنبتاح وسيتي الثاني من الأسرة التاسعة عشر (1308 - 1184 ق. م ) وكان عثوره عليها في : موقع أثري غير بعيد من (بي رعمسيس أو قنطير ) عاصمة هؤلاء الفراعنة في شرق الدلتا .[3] 3. أما الإعجاز الثالث هو الإشارة إلى أحد أعوان فرعون باسمه " هامان " ذكر الدكتور موريس بوكاي ما نصه :[4] (يذكر القرآن الكريم شخصاً باسم هامان هو من حاشية فرعون ، و قد طلب إليه هذا الأخير أن يبني صرحاً عالياً يسمح له ، كما يقول ساخراً من موسى ، أن يبلغ رب عقيدته . وأردت أن أعرف إن كان هذا الاسم يتصل باسم هيروغليفي من المحتمل أنه محفوظ في وثيقة من وثائق العصر الفرعوني، ولم أكن لأرضى بإجابة عن ذلك إلا إذا كان مصدرها رجلاً حجة فيما يخص اللغة الهيروغليفية وهو يعرف اللغة العربية الفصحى بشكل جيد، فطرحت السؤال على عالم المصريات Egyptologueو هو فرنسي يتوافر فيه الشرطان المذكوران تماماً . لقد كتبت أمامه اسم العلم العربي (أي هامان) ولكنني أحجمت عن إخبار مخاطبي بحقيقة النص المعني واكتفيت بإخباره أن هذا النص يعود تاريخه بشكل لا يقبل النقض إلى القرن السابع الميلادي . وكان جوابه الأول أن هذا الأصل مستحيل ، لأنه لا يمكن وجود نص يحتوي على اسم علم من اللغة الهيروغليفية وله جرس هيروغليفي و يعود إلى القرن السابع الميلادي و هو غير معروف لحد الآن و السبب أن اللغة الهيروغليفية نسيت منذ زمن بعيد جداً. بيد أنه نصحني بمراجعة ) معجم أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة Dictionary ofPersonal names of the New و البحث فيه إن كان هذا الاسم الذي يمثل عندي الهيروغليفية موجوداً فيه حقاً . لقد كان يُفترض ذلك ، و عند البحث وجدته مسطوراً في هذا المعجم تماماً كما توقعته ، و يا للمفاجأة !! .. ها أنا فضلاً عن ذلك أجد أن مهنته كما عُبر عنها باللغة الألمانية (رئيس عمال المقالع) ولكن دون إشارة إلى تاريخ الكتابة إلا أنها تعود إلى الإمبراطورية التي يقع فيه زمن موسى ، و تشير المهنة المذكورة في الكتابة إلى أن المذكور كان مهتماً بالبناء مما يدعو إلى التفكير بالمقاربة التي يمكن إجراؤها بين الأمر الذي أصدره " فرعون " في القرآن و بين هذا التحديد في الكتابة[5] قال تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص:38). |
انتصار الروم البيزنطيين قال تعالى: ( الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}(سورة الروم). سبب نزول الآيات : لما هزم الفرس الروم فرح المشركون وحزن المسلمون وذلك أن الروم كانوا أهل كتاب والفرس مشركين يعبدون النار فأنزل الله تعالى هذه الآيات التي تتنبأ بهزيمة الفرس من قبل الروم في فترة بضع سنين ولقد ورد في تفسير القرطبي عنالقشيري وابن عطية وغيرهما: أنه لما نزلت الآيات خرج أبو بكر بها إلى المشركين فقال: أسركم أن غَلبت الروم؟ فإن نبينا أخبرنا عن الله تعالى أنهم سيغلبون في بضع سنين. فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه - وقيل أبو سفيان بن حرب - : يا أبا فصيل - يعرضون بكنيته يا أبا بكر - فلنتناحب - أي نتراهن في ذلك فراهنهم أبو بكر. قال قتادة: وذلك قبل أن يحرم القمار، وجعلوا الرهان خمس قلائص والأجل ثلاث سنين. وقيل: جعلوا الرهان ثلاث قلائص. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: (فهلا احتطت، فإن البضع ما بين الثلاث والتسع والعشر ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الأجل) ففعل أبو بكر، فجعلوا القلائص مائة والأجل تسعة أعوام؛ فغلبت الروم في أثناء الأجل. تتابع الأحداث: لقد عانى الروم البيزنطيون قبل نزول الآيات من خسائر جسيمة جعلت أمر بقاء إمبراطوريتهم على المحك، ولذلك كان من المستبعد انتصارها مرة أخرى، فلم يكن الفرس فقط هم الخطر الوحيد الداهم بل كان معهم أيضاً الآفار و السلاف و اللومبارديون، فقد وصل الافار إلى أسوار القسطنطينية ، فأمر إمبراطور البيزنطيين آنذاك هرقل أن يصهر والذهب والفضة التي كانت في الكنائس ويحولها إلى أموال لتغطي الجيش، وعندما لم يكن ذلك كافياً، أذيبت حتى التماثيل البرونزية وحولت إلى أموال، مما ألب الكثير من الولاة ضد هرقل ووصلت الإمبراطورية إلى مشارف الانهيار، فقد غزوا الفرس الوثنين كلا من وادي الرافدين وكليليكيا و سوريا و فلسطين ومصر التي كانت من قبل تحت الحكم البيزنطي 0 وباختصار فإن الجميع كانوا يتوقعون أن تتدمر الإمبراطورية البيزنطية . ولكن في تلك اللحظات نزلت قوله تعالى في :(غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) لتعلن أن الإمبراطورية البيزنطية سوف تحرز النصر في غضون بضع سنوات من هزيمتها وهذا النصر بدا مستحيلاً في أعين العرب المشركين إلى درجة دفعت بهم إلى السخرية من هذه الآيات القرآنية، وظنوا أن هذا النصر الموعود في القرآن لن يتحقق . و بعد ما يقارب السبع سنوات من نزول الآيات من سورة الروم ، و في الشهر الثاني عشر من عام 627م وقعت معركة حاسمة بين الإمبراطورية الفارسية والبيزنطية هُزمت الفرس شر هزيمة وكانت هذه الهزيمة غير متوقعة وبعد أشهر قليلة توصل الفرس إلى معاهدة مع الروم أجبرتهم على إعادة الأراضي التي استولوا عليها إلى الروم. وفي نهاية الأمر فإن نصر الروم الذي أعلنه الله في القرآن الكريم تحقق كاملاً . هناك وجه إعجازي آخر في هذه الآيات، وهي أنها تقرر حقيقة جغرافية لم تكن معروفة عند أحد في ذلك الوقت. فالآية الثالثة من سورة الروم تخبرنا أن الروم سوف يخسرون المعركة في أدنى منطقة من الأرض. و تعبير " أدنى الأرض" في العربية يعني حسب بعض التفاسير مكاناً قريباً، ولكن هذا التفسير مجازي، لأن كلمة أدنى لم تأتي في هذه الآية بهذا المعنى. فكلمة أدنى باللغة العربية مشتقة من دنا يدنو بمعنى القريبة، وتأتي بمعنى المنخفضة، والأرض تعني العالم. و لذلك فإن أدنى الأرض معناها أكثر الأمكنة انخفاضاً في العالم . و المثير للاهتمام أن أهم مراحل الحرب التي خيضت بين الروم و الفرس و أسفرت عن هزيمة الروم وخسارتهم للقدس، حصلت في أكثر مناطق العالم انخفاضاً في حوض البحر الميت الذي يقع في منطقة تتقاطع فيها كل من سوريا و الأردن و فلسطين و يبلغ مستوى سطح الأرض هنا 395 متراً تحت سطح البحر ، مما يجعل هذه المنطقة فعلاً أدنى منطقة من الأرض . و أهم ما في الأمر أن ارتفاع بحر الميت لم يكن ليقاس في غياب تقنيات القياس الحديثة، ولذلك كان من المستحيل أن يعرف أي شخص في ذلك الوقت أن هذه المنطقة أكثر المناطق انخفاضاً في العالم ، ومع ذلك فإن هذه الحقيقة ذكرت في القرآن و هذا يؤكد مرة أخرى على أن القرآن هو وحي إلهي . المرجع : معجزة القرآن تأليف هارون يحيى. |
قصة سراقة مع النبي عند الهجرة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هو و صاحبه أبو بكر في قصة الهجرة المشهورة و تبعتهم قريش بفرسانها ، أدكهم سراقة بن مالك المدلجي و كاد يمسك بهم ، فلما رآه سيدنا أبي بكر قال أُتينا يا رسول الله فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على سراقة فساخت يدا فرسه في الرمل فقال سراقة : إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وفي رواية أن النبي صلى عليه وسلم قال لسراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه. فلما فتحت فارس و المدائن و غنم المسلمون كنوز كسرى أتى أصحاب رسول الله بها بين يدي عمر بن الخطاب ، فأمر عمر بأن يأتوا له بسراقة و قد كان وقتها شيخاً كبيراً قد جاوز الثماني من العمر ، و كان قد مضى على وعد رسول الله له أكثر من خمسة عشر سنة فألبسه سواري كسرى و تاجه و كان رجلاً أزب أي كثير شعر الساعدين فقال له أرفع يديك وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي، وقد روى ذلك عنه بن أخيه عبد الرحمن بن مالك بن جعشم وروى عنه بن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وطاوس . ولقد مات سراقة في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وقيل بعد عثمان . فمن أخبر محمداً بن عبد الله هذا الإنسان الهارب من القتل بأن الله سوف يغنم أمته كنوز كيسرى وتاجه و لبسها سراقة الأعرابي . المصدر : صحيح البخاري كتاب المناقب ـ باب علامات النبوة 3419 كنز العمال .35752. |
طلوع الشمس من مغربها وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث إذا خرجن، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها. والدجال. ودابة الأرض". وهذا الحديث متفق عليها، والشمس منذ خلق الله الأرض ومن عليها وهى تطلع من المشرق وتغرب فى المغرب عن طريق دوران اللأرض حول نفسها والذى ينتج عنه تعاقب الليل والنهار, بينما يؤدى دوران الأرض حول الشمس مرة كل عام الى تعاقب الفصول الأربعة. وهذا الأمر يحدث وسارى مع جميع كواكب المجموعة الشمسية. والسؤال هو : كيف ستطلع الشمس من المغرب؟ ما هى المقدمات؟ لطلوع الشمس من المغرب من الناحية العلمية لابد: أولاًً تتباطأ حركة الأرض تدريجياً عند دورانها حول نفسها حتى تتوقف ثم تبدأ فى الدوران العكسى حول نفسها أيضاً وعندها تطلع الشمس من المغرب بالإضافة لطول بعض الأيام التي تسبق التوقف عن الدوران حول نفسها لأن الحركة ستكون ببطء وفي طريقهاللتوقف لأن التوقف لو تم بشكل مفاجيء لدمر وأهلك كل من على الأرض من أحياء وحتى الجبالبل الأرض كلها. وهذا البطء في الدوران السابق للتوقف والدوران العكسي سيجعل الأيام هذه ليستأربع وعشرون ساعة كالأيامالمعتادة بل قد تطول جدا ومن هنا نفهم قول النبي صليالله عليه وسلم أن بعض ايام الدجال يكون فيها يوم كسنة ويوم كشهر وايام معتادة حتى أن بعض الصحابة سألوا عن أوقات الصلوات وعددها فقال رسول الله قدروها قدرها،والدجالكما هو معلوم سيكون من العلامات الكبرى لقرب قيام الساعة وترتيبه قبل طلوع الشمس من مغربهاكما نصت الأحاديث الصحيحة المتفق عليها. وسبحان الله ,فهذا ما حدث تماما مع اقرب الكواكب السيارة إلى الأرض وهو كوكب المريخ . حدث بالتمام كما حكي لنا رسول الله عن حدوثه عن كوكبنا الأرض. وعلماءالفضاء ذكروا أن هذا لابد ان يحدث أيضاً مع الأرض وكل الكوكب في مجموعتنا الشمسية. رسول الله الامي يتحدث في اخص علوم الفضاء بالقرن الواحد والعشرين... الله اكبر. وما دام هذا حدث مع اقرب الكواكب لنا فمن سيكون الكوكبالتالي انه كوكب الارض يقيناً. أنها معجزة عظيمة وانذار من اللهأعظم. الخبر نشره موقع www.space.com فى مقالة للكاتب الصحفى جو رايو المتخصص فى علوم الفضاء وهو مدرس ومحاضر بمركز هايدن الفلكى بنيويورك. وجاء فى المقالة التى نشرت فى 25 يوليو تموز 2003:http://www.space.com/spacewatch/mars_retrograde_030725.html في هذه السطور سنترجم ما ورد في هذا الموقع بشكل حرفي حتى تتبين للقارئ الكريم الحقائق النبوية الصادقة. "مسار عكسي ! حركة المريخ قريباً ستتحول إلى الوراء. ويطلق علماء الفلك على هذه التحرك للوراء اسم "تراجع الجسم السماوى وتحركه باتجاه مضاد للاتجاه المألوف عند الأجرام المماثلة ". ويأتى هذا التغيرفى الاتجاه وقد اصبح المريخ بشكل تدريجى مرئياً في الوقت المتأخر من المساء وهو أيضاً يأتي مع الاقتراب التاريخي للمريخ من كوكب الآرض والذى سوف يحدث فى أواخر شهر اغسطس. ....وفى بداية هذا العام كان المريخ يبعد 191 مليون ميل عن كوكب الأرض "306مليون كيلوميتر".فى هذا الاسبوع سوف تتقلص المسافة الى اقل من 40 مليون ميل "64كيلوميتر". ويشع المريخ الان بقوة اكثر 30مرة من غما كان عليه فى يوم رأس السنة. ومنذ 1يناير كانون الثاني , تقدم المريخ تجاه مسار لناحية الشرق من خلال النجوم الخلفية لدائرة البروج. ولاتبدو الحركة ملحوظة فى صبيحة يوم واحد ولكن يمكن للملاحظين الفطنين اكتشافه من يوم لآخر . فى الأشهر القليلة الماضية ظهر المريخ وقد اخذ فى التباطؤ في مساره المنحنى تجاه المشرق ، وبدا كما لو انه يتذبذب ,كما لو انه أصبح مترددا. وفى يوم الأربعاء ,30يوليو تموز, سوف يتوقف هذا المسارالشرقى المنتظم .وبعدها , وفى الشهرين التاليين , سوف يتحرك المريخ للخلف فى مسار معاكس للنجوم الخلفية-تجاه الغرب- . جميع الكواكب تتعرض لهذا التحرك العكسى مرة واحدة او اخرى ..........وسوف يؤكد هذا التحرك العكسى نفسه عندما يصل المريخ لأول نقاطه الثابتة فى30 يوليوتموز.وبعدها يبدأ المريخ فى الانقلاب تجاه الغرب وسوف تدرك الأرض المريخ في 28اغسطس . وفى نهاية المطاف ,فى 29سبتمبرايلول, فان الحركات المجتمعة للمريخ والآرض سوف توازن الحركة العكسية للمريخ مع وصول المريخ لنقطة ثبات ثانية .وحينئذ سوف يتحول المريخ إلى تجاه المشرق , مستأنفا مساره الطبيعى بين النجوم. " انتهت مقالة الكاتب الى هنا والتى اوردنا فيها أهم الأشياء المتعلقة بالتحرك العكسى والتباطؤ أو ما أسماه الكاتب بالتردد . وقد يتسائل البعض عن علاقة ذلك بطلوع الشمس من المغرب؟ الإجابة تكمن في مقالة أخرى لنفس الكاتب وموجودة بنفس الموقع http://www.space.com/spacewatch/where_is_mars.html حيث جاء فى الشرح الذى أورده جو رايو للرسم التوضيحى المرفق بالمقالة ذكر فيه عن العمود السادس من الرسم انه" يوضح الوقت الذى سوف يصل فيه المريخ لأعلى نقطة له في السماء والتى من المنتظر أن تكون فى الجنوب. وقد تم حساب هذا الأوقات لخط العرض 40º شمالا وخط الطول 0º. ولتلحظ ان ذلك لن يكون قبل انتهاء شهر يونيو حزيران وعندها يصل المريخ لاعلى نقطة له فى السماء"من المنتظر ان تكون فى الجنوب"قبل شروق الشمس. ومع نهاية شهر اغسطس اب سوف يشرق من ناحية غروب الشمس , ويصل لاعلى نقطة له فى منتصف الليل ويغرب من ناحية شروق الشمس." المسار العكسى اذا يؤدى الى انقلاب الوضع كذلك بالنسبة لشروق الشمس وغروبها.وهذا ما سجله العلماء ايضا مع كوكب الزهرة فى الستينات فى مختبر أبحاث الدفع النفاث بجولدستون , كاليفورنيا,بأن الدوران العكسى قد أدى الى أن المراقب لكوكب الزهرة يرى الشمس وهى تشرق من ناحية الغرب وتغرب من ناحية الشرق." المصدر : موسوعة انكارتا, مايكروسوفت 2002" وكما أوضح ريو سلفا فان " جميع الكواكب تتعرض لهذا التحرك العكسي " أي أن الأرض هي الأخرى ستتحرك بشكل عكسى ان اجلا أو عاجلا وصدق الله ورسوله. يتبقى طول بعض الايام التى تسبق ذلك الشروق وهو ما اخبر به الرسول فى الأحاديث المتعلقة بالدجال و الذى يسبق نزوله طلوع الشمس من المغرب كما هو وارد فى احاديث كثيرة مجمع عليها. الله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين . معجزة علمية اخرى من معجزات الرسول"صلى الله عليه وسلم" وتصديق فوق تصديق لحضرة الرسول الكريم. "هذا بلاغ للناس ولينذرو به" . وليس المقصد من هذه المقالة ان نتكاسل او أن نقول بتحديد وقت قيام الساعة , ولكن الامر محاولة منا لابراز حدث جلل الله وحده يعلم متى سيقع . ودليل فوق الأدلة على معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ."وما ينطق عن الهوى .ان هو الا وحى يوحى". ترجم البحث عن الإنكليزية السيد أحمد عبد السميع طالب في جامعة الأزهر قسم الترجمة الفورية . أعداد فراس نور الحق محرر موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن المصدر : موقع الفضاءwww.space.com وموسوعة إنكارتا (الموسوعة البريطانية |
في ظهور نار الحجاز عن أبي ذر، قال : " أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا ذا الحُليقة، فتعجل رجالٌ إلى المدينة، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه، فلما أصبح سأل عنهم، فقالوا إلى المدينة، فقال : تعجلوا إلى المدينة والنساء، أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت "[1]. ووراه ابن شبة من غير ذكر : " بأرض اليمن "، ولفظه : " ليتركنها أحسن ما كانت، ليت متى تخرج نار من جبل الوراق تضيء لها أعناق الإبل ببصرى بروكاً كضوء النهار " [2]. و أخرج الطبراني، في آخر حديث لحذيفة بن أسيد : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من رومان أو ركوبة (و هي ثنية بين مكة والمدينة ) تضيء منها أعناق الإبل ببصرى "[3] قلت : وركوبة ـ كما ـ سيأتي ـ ثنية قريبة من ورقان، ولعله المراد بجبل الوراق . قال الحافظ ابن حجر : ورمان لم يذكرها البكري، ولعل المراد : رومة، البئر المعروفة بالمدينة[4] . وهذه النار مذكورة في الصحيحين، في حديث : " لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز " [5]. و لفظ البخاري : " تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى "[6] . و روى الطبراني، بسند ضعيف، عن عاصم بن عدي الأنصاري، قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثان ما قدم، فقال : أين جئت ؟ فقال : من حبس سيل، فدعوت بنعلي، فانحدرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله، سألتنا عن حبس سيل فقلنا : لا علم لنا به، وإنه مرَّ بي هذا الرجل فسألته فزعم أنَّ به أهله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : أين أهلك ؟ فقلا : بحبس سيل، فقال : أخرج أهلك منها، فإنه يوشك أن تخرج منها نار تضيء أعناق الإبل ببصرى " [7]. و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوشك نار تخرج من حبس سيل، تسير سير بيطيئة الإبل، تسير النهار وتقيم الليل " [8]. و ظهور النار المذكورة بالمدينة الشريفة قد اشتهر اشتهاراً بلغ حدَّ التواتر عند أهل الأخبار، وكان ظهورها لإنذار العباد بما حدث بعدها، فلهذا ظهرت على قرب مرحلةٍ من بلد النذير صلوات الله وسلامه عليه، وتقدمها زلازل مهولة، وقد قال تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (الاسراء:59) ، وقال تعالى : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16) ظهور النار : و لما ظهرت النار العظيمة الآتية وصفها، وأشفق منها أهل المدينة غاية الإشفاق، التجأوا إلى نبيهم المبعوث بالرحمة، فصرفت عنهم ذات الشمال وزاحت عنهم الأوجال، وظهرت بركة تربته صلى الله عليه وسلم في أمته، ولعل الحكمة في تخصيصها بهذا المحل ـ مع ما قدمناه من كونه حضرة النذير ـ الرحمة لهذه الأمة فإنها إن ظهرت بغيره، وسلطان القهر والعظمة التي هي من آثاره قائمٌ لربما استولت على ذلك القطر ولم تجد صارفاً، فيعظم ضررها على الأمة، فظهرت بهذا المحل الشريف لحكمة الإنذار، فإذا تمت قابلتها الرحمة فجعلتها برداً وسلاماً، إلى غير ذلك من الأسرار . و كان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهل جمادى الآخرة، أو آخر جمادى الآخر، أو آخر جمادى الأول سنة أربعة وخمسين وست مئة، لكنها كانت خفيفة لم يدركها بعضهم مع تكررها بعد ذلك، واشتدت في يوم الثلاثاء على ما حكاه القطب القسطلاني . وظهرت ظهوراً عظيماً، اشترك في إدراكه العام والخاص، ثم لما كان ليلة الأربع ثالث الشهر أو رابعه، في الثلث الأخير من الليل حدث بالمدينة زلزلة عظيمة أشفق الناس منها، وانزعجت القلوب لهيبتها، واستمرت تزلزل بقية الليل، واستمرت إلى يوم الجمعة ولها دوي أعظم من الرعد، فتموج الأرض وتتحرك الجدران، حتى وقع في يوم واحد دون ليلة ثماني عشرة حركة، على ما حكاه القسطلاني . و قال القرطبي : قد خرجت نار الحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة، الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وست مئة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت بقريظة، بطرف الحرة ترى في صفة البلد العظيم، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموعه ذلك مثل النهر أحمر وأزرق، له دوي كدوي الرعد، يأخذ الصخور بين يديه، وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردمٌ صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم ٌ باردٌ، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر . و قال لي بعض أصحابنا : رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى أهـ و قال النووي : تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام . و نقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضي المدينة الشريفة وغيره أنَّ في ليلة الأربعاء ثالثة جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت في تلك الليلة تزلزل، ثم استمرت تزلزل كل يوم وليلة مقدار عشر مرات . قال : والله لقد زلزلت مرة ونحن حول الحجرة فاضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتاً للحديد الذي فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف (1). زاد القاشاني : ثم في اليوم الثالث ـ وهو يوم الجمعة ـ زلزلت الأرض زلزلة عظيمة، إلى أن اضطربت منائر المسجد، وسمع لسقف المسجد صرير عظيم (2) . قال القطب القسطلاني : فما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار، فثار من محل ظهورها في الجو دخان متراكم غشى الأفق سواده، فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار، وظهرت مثل المدينة العظيمة في جهة الشرق . قال القاضي سنان : وطلعت إلى الأمير ـ وكان عز الدين منيف بن شيحة وقلت له : قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله، فأعتق كل مماليكه، وردَّ على الناس مظالمهم زاد القاشاني : وأبطل المكس . ثم هبط الأمير للنبي صلى الله عليه وسلم وبات في المسجد ليلة الجمعة وليلة السبت، ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار، ولم يبق أحد في النخل إلا جاء إلى الحرم الشريف وبات الناس يتضرعون ويبكون، وأحاطوا بالحجرة الشريفة كاشفين رؤوسهم مُقرين بذنوبهم مبتهلين مستجيرين بنبهم صلى الله عليه وسلم . و قال القطب : ولما عاين أمير المدينة ذلك أقلع عن المخالفة واعتبر، ورجع عما كان عليه من المظالم وانزجر، وأظهر التوبة والإنابة، وأعتق جميع مماليكه، وشرع في ردِّ المظالم وعزم أهل المدينة على الإقلاع عن الإصرار وارتكاب الأوزار، وفزعوا إلى التضرع والاستغفار، وهبط أميرهم من القلعة مع قاضيهم الشريف سنان وأعيان البلد، والتجأوا إلى الحجرة الشريفة، وباتوا بالمسجد الشريف بأجمعهم حتى النساء والأطفال، فصرف الله تعالى تلك النار العظيمة ذات الشمال، ونجوا من الأهوال، فسارت تلك النار من مخرجها وسالت ببحر عظيم من النار، وأخذت في وادي أُحيليين وأهل المدينة يشاهدونها من دورهم كأنها عندهم ومالت من مخرجها إلى جهة الشمال، واستمرت مدة ثلاثة أشهر على ما ذكره المؤرخون . وذكر القطب القسطلاني في كتاب أفرده لهذه النار، وهو ممن أدركها لكنه كان بمكة فلم يشاهدها: إن ابتداءها يوم الجمعة السادس من شهر جمادى الآخرة، وأنها دامت إلى يوم الأحد السابع والعشرين من رجب، ثم خمدت ـ فجملة ما أقدمت اثنين وخمسين يوماً، لكنه ذكر بعد ذلك أنها أقامت منطفئة أياماً ثم ظهرت، قال: وهي كذلك تسكن مرة وتظهر أخرى، فهي لا يؤمن عودها وإن طفيء وقودها أهـ. فكأن ما ذكره المؤرخون من المدة باعتبار انقطاعها بالكلية، وطالت مدتها ليشتهر أمرها فينزجر بها عامة الخلق ويشهدوا من عظمها عنوان النار التي أنذرهم بها حبيب الحق صلى الله عليه وسلم. و ذكر القسطلاني عن من يثق به : أن أمير المدينة أرسل عدة من الفرسان إلى هذه النار للإتيان بخبرها، فلم تجسر الخيل على القرب منها، فترجل أصحابها وقربوا منها فذروا أنها ترمي بشرر كالقصر، ولم يظفروا بجلية أمرهم، فجرد عزمه للإحاطة بخبرها، فذكر أن ه وسل منها إلى قدر غلوتين بالحجر ولم يستطع أن يجاوز موقفه من حرارة الأرض وأحجار كالمسامير تحتها نار سارية ومقابلة ما يتصاعد من اللهب، فعاين ناراً كالجبال الراسيات، والتلال المجتمعة السائدات، تقذف بزبد الأحجار كالبحار المتلاطمة الأمواج، وعقد لهيبها في الأفق قتاماُ حتى ظن الظان أن الشمس والقمر كسفاً إذ سلبا بهجة الإشراق في الأفاق، ولولا كفاية الله كفتها لأكلت ما تقدم عليه من الحيوان والنبات والحجر، أهـ . قلت : وذكر القسطلاني : إن هذه النار لم تزل مارةً على سيلها حتى اتصلت بالحرة ووادي الشظاة، وهي تسحق ما والاها، وتذيب ما لاقاها من الشجر الأخضر والحصى من قوة اللظى، وأن طرفها الشرقي أخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت، وأن طرفها الشامي وهو الذي يلي الحرم ـ اتصل بجبل يقال له : وعيرة، على قرب من شرقي جبل أحد، ومضت في الشظاة الذي في طرفه وادي حمزة رضي الله عنه، ثم استمرت حتى استقرت تجاه حرم النبي صلى الله عليه وسلم فطفئت . و قال القسطلاني : إن ضوءها استوى على ما بطن من القيعان وظهر من التلال، حتى كأن الحرم النبوي عليه الشمس مشرقة، وجملة أماكن المدينة بأنوارها محدقة، ودام على ذلك لهبها حتى تأثرت له النيران، صار نور الشمس على الأرض تعتريه صفرة، ولونها من تصاعد الالتهاب يعتريه حمرة، والقمر كأنه قد كسف من اضمحلال نوره . قال : وأخبرني جمع ممن توجه للزيارة على طريق المشيان أنهم شاهدوا ضوءها على ثلاثة مراحل للمجدِّ وآخرون : أنهم شاهدوا من جبال سارية . قلت :نقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضي المدينة : أن هذه النار رؤيت من مكة ومن الفلاة جميعها، ورآها أهل ينبع . قال أبو شامة : وأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب . قال أبو شامة : وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف النور على الحيطان، وكنا حيارى من سبب ذلك، إلى أن بلغنا الخبر عن هذه النار . و كل من ذكر هذه النار يقول في آخر كلامه : وعجائب هذه النار وعظمتها يكل عن وصفها البيان والأقلام، وتجل عن أن يحيط بشرحها البيان والكلام، فظهر بظهورها معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لوقوع ما أخبر به وهي هذه النار، إذ لم تظهر من زمنه صلى الله عليه وسلم قبلها ولا بعدها نار مثلها . قلت : قد تقدم عن القرطبي أنه بلغه أنها رؤيت من جبال بصرى . و صرح الشيخ عماد الدين ابن كثير بما يقضي أنه أضاءت من هذه النار أعناق الإبل ببصرى، فقال : أخبرني قاضي القضاة صدر الدين الحنفي قال : أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس مدرسة بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة الليلة التي ظهرت فيها هذه النار ممن كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار، فقد تحقق بذلك أنها الموعودة بها، والحكمة في إنارتها بالأماكن البعيدة من هذا المظهر الشريف حصول الإنذار، ليتم به الإنزجار . المصدر : عن كتاب وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى تأليف نور الدين بن عبد الله السمهودي ج 2 . |
محو آية الليل قال تعالى : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا) في هذه الآية الكريمة يذكرنا ربنا تبارك وتعالى بأنه قد جعل الليل والنهار آيتين من آياته الكونية المبهرة التي تدل علي طلاقة قدرته, وبالغ حكمته, وبديع صنعه في خلقه, فاختلاف هيئة كل من الليل والنهار في الظلمة والنور, وتعاقبهما علي وتيرة رتيبة منتظمة ليدل دلالة قاطعة علي أن لهما خالقاً قادرا عليما حكيما.. والآية في اللغة العلامة والجمع آي, وآيات والآية من كتاب الله جماعة حروف تكون كلمة أو مجموعة كلمات تبني منها الآية لتحمل دلالة معينة. آراء المفسرين يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد جعل من صفات الليل أنه مظلم, كما جعل من صفات النهار أنه منير, وربما كان ذلك هو آية كل منهما, وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين إلي القول بأن من معاني قوله تعالى:فمحونا آية الليل.. أي جعلنا الليل, وهو آية من آيات الله ـ مظلما, وجعلنا من صفاته تلك الظلمة, وأن من معاني قوله تعالى:وجعلنا آية النهار مبصرة أي جعلنا الآية( التي هي النهار) منيرة تعين علي الإبصار فيها, من نحو قول العرب:أبصر النهار إذا أنار وصار بحالة يبصر فيها, ولكن المقابلة بين محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك, مما يحتاج إلي توظيف العديد من الحقائق العلمية الحديثة من أجل حسن فهم دلالة تلك المقابلة. فواضح نص الآية الكريمة أن الله تعالى قد محا آية الليل, وأبقي آية النهار مبصرة لكي يتيح الفرصة للخلق لابتغاء الفضل منه, والسعي علي كسب الرزق أثناء النهار, وللخلود إلي السكينة والراحة بالليل, وأن في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيلة ميسرة لتحديد الزمن, ولتأريخ الأحداث, فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن, وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها, ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى في ختام هذه الآية الكريمة بأنه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القرآن الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله, وليست من بعده أية رسالة ربانية, ولذلك جاء ذلك التفصيل الإلهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل أمر من أمور الدين الذي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيه أية ضوابط صحيحة. آيتا الليل والنهار الليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق, تشهدان بدقة بناء الكون, وانتظام حركة كل جرم فيه, وإحكام السنن الضابطة له, ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس, والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية, والتعاقب الرتيب لليل والنهار, وما يصاحب ذلك كله من دقة وإحكام بالغين..!! فنحن نعلم اليوم أن التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة علي الأرض, ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة حتي يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة, وكميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف بيئاتها الأرضية, كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس, والنتح, والتمثيل الضوئي, والأيض, وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالأرض, وضبط صفاته الطبيعية, وتتم دورة المياه بين الأرض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض كما يتم ضبط حركات كل من الأمواج المختلفة في البحار والمد والجزر, والرياح والسحاب, ونزول المطر بإذن الله, ويتم تفتيت الصخور وتكون التربة بمختلف أنواعها ومنها الصالحة للانبات, وغير الصالحة, وترسب الصخور ومنها القادرة علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادرة علي ذلك, وتركيز مختلف الثروات الأرضية, وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة للحياة. وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض هو كذلك ضروري, لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت, فالإنسان والحيوان والنبات, وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة يحتاج إلي الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار أو عكس ذلك بالنسبة لانماط الحياة الليلية فالإنسان ـ علي سبيل المثال ـ يحتاج إلي أن يسكن بالليل فيخلد إلي شيء من الراحة والعبادة والنوم مما يعينه علي استعادة نشاطه البدني والذهني والروحي, وعلي استرجاع راحته النفسية, واستجماع قواه البدنية حتي يتهيأ للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, وقد ثبت بالتجارب العملية والدراسات المختبرية أن أفضل نوم الإنسان هو نومه بالليل, خاصة في ساعات الليل الأولي, وأن إطالة النوم بالنهار ضار بصحته لأنه يؤثر علي نشاط الدورة الدموية تأثيرا سلبيا, ويؤدي إلي شيء من التيبس في العضلات, والتراكم للدهون علي مختلف أجزاء الجسم, وإلي زيادة في الوزن, كما يؤدي إلي شيء من التوتر النفسي والقلق, وربما كان مرد ذلك إلي الحقيقة القرآنية التي مؤداها أن الله تعالى قد جعل الليل لباسا, وجعل النهار معاشا, وإلي الحقيقة الكونية التي مؤداها أن الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحماية في الغلاف الغازي للأرض ليلا, وتمددها نهارا يؤدي إلي زيادة قدراتها علي حماية الحياة الأرضية بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحماية الجوية تلك رقة شديدة قد تسمح لعدد من الأشعات الكونية بالنفاذ إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, وهي أشعات مهلكة مدمرة لمن يتعرض لها لمدد كافية, ومن هنا كان ذلك الأمر القرآني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا أيضا كان أمره إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالى من شر الليل إذا دخل بظلامه, وأن يلتجئ إلي الله ويعتصم بجنابه من أخطار ذلك فقال عز من قائل: ومن شر غاسق إذا وقب*[ الفلق:3] فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمة وما يمكن أن يتعرض فيها المرء إلي مخاطر البشر, بل قد يمتد إلي مخاطر الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالى. ثم إن هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير, يعين الإنسان علي إدراك حركة الزمن, وتأريخ الأحداث, وتحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال, ولأداء جميع العبادات, وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الأنشطة الإنسانية, فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل أو نهار ما استقامت الحياة وما استطاع الإنسان أن يميز من حياته ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا, وبالتالي لتوقفت الحياة, ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في ختام الآية: .. لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ولذلك أيضا يمن علينا ربنا وهو تعالى صاحب الفضل والمنة بتبادل الليل والنهار في العديد من آيات القرآن الكريم, ومع إيماننا بذلك, وتسليمنا به يبرز التساؤل في الآية الكريمة التي نحن بصددها رقم12 من سورة الإسراء عن مدلول آيتي الليل والنهار, وعن كيفية محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة؟.. محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة عند المفسرين في شرح معني هذه الآية الكريمة ذكر نفر من المفسرين أن آيتي الليل والنهار نيراهما, فآية الليل هي القمر, وآية النهار هي الشمس, وإذا كان الأمر كذلك فكيف محيت آية الليل, والقمر لا يزال قائما بدورانه حول الأرض ينير ليلها كلما ظهر؟, فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما أنه قال: كان القمر يضئ كما تضئ الشمس, والقمر آية الليل, والشمس آية النهار, وعلي ذلك فمعني قول الحق تبارك وتعالى:فمحونا آية الليل هو السواد الذي في القمر أي انطفاء جذوته, وأضاف: أن مدلول وجعلنا الليل والنهار آيتين أي ليلا ونهارا, وكذلك خلقهم الله عز وجل. وتبع ابن عباس في ذلك قتادة( يرحمه الله) الذي قال: كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه, وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة, وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم. وفي الكلام إشارة دقيقة إلي الفارق الذي حدده القرآن الكريم في آيات عديدة بين ضوء الشمس ونور القمر, والذي لم يدركه العلماء إلا متأخرا بأن الأول ينطلق من نجم ملتهب شديد الحرارة, مضئ بذاته بينما الثاني ينتج عن انعكاس أشعة الشمس علي سطح القمر البارد المعتم. وقال نفر آخر من المفسرين إن آية الليل هي ظلمته, كما أن آية النهار هي نوره ووضاءته, فالله تعالى جعل من الظلام آية لليل, كما جعل من النور آية للنهار, فيعرف كل منهما بأيته, أي بعلامته الدالة عليه, ومن هؤلاء المفسرين ابن جريج( يرحمه الله) الذي نقل عن عبدالله بن كثير( رحمة الله عليه) قوله: آيتا الليل والنهار هما ظلمة الليل, وسرف النهار. وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال التالي: كيف يستقيم هذا الفهم مع قول الحق( تبارك وتعالى): فمحونا آية الليل وظلمة الليل باقية مع بقاء نور النهار؟ وإذا كانت آية الليل هي ظلمته فكيف محيت تلك الظلمة وهي لاتزال باقية؟ وعلي الرغم من هذا التعارض فقد أيد عدد من المفسرين المعاصرين هذا الفهم بصورة أو أخري ومنهم صاحب الظلال( يرحمه الله) الذي كتب مانصه... والليل والنهار آيتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقة الناموس الذي لايصيبه الخلل مرة واحدة, ولايدركه التعطل مرة واحدة, ولا يني يعمل دائبا بالليل والنهار, فما المحو المقصود هنا وآية الليل باقية كآية النهار؟ يبدو ـ والله أعلم ـ أن المقصود به ـ ظلمة الليل التي تخفي فيها الأشياء, وتسكن فيها الحركات والأشباح.., فكأن الليل محو إذا قيس إلي ضوء النهار, وحركة الأحياء فيه والأشياء, وكأنما النهار ذاته مبصر بالضوء( بالنور) الذي يكشف كل شئ فيه للأبصار. من هذا الاستعراض يتضح اختلاف آراء المفسرين ـ قدامي ومعاصرين ـ في اجتهادهم لفهم دلالة الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها( الآية الثانية عشرة من سورة الإسراء) فمنهم من قال بأن آية النهار هي نوره الوضاء, أو هي الشمس مصدر ذلك الضياء, بينما آية الليل هي ظلمته, أو هي القمر المتميز بظلمة سطحه الذي لا ينير إلا بسقوط أشعة الشمس عليه, وانعكاسها من ذلك السطح المعتم المظلم, وقد دفع ذلك ببعض المفسرين إلي القول بإحتمال كون القمر في بدء خلقه ملتهبا, شديد الحرارة, مشتعلا, مضيئا بذاته تماما كالشمس, ثم انطفأت جذوته وخبت, فمحي ضوءه الأصلي, ولم يعد له نور إلا مايسقط علي سطحه من أشعة الشمس, وهذا الاحتمال لاتدعمه الملاحظات العلمية الدقيقة في صفحه الكون, وفي تاريخ الأرض القديم, فكتلة القمر المقدرة بحوالي735 مليون مليون مليون طن البالغة حوالي80/1 من كتلة الأرض لاتمكنه من أن يكون نجما ملتهبا بذاته فالحد الأدني لكتلة الجرم السماوي كي يكون نجما لاتقل عن8% من كتلة الشمس المقدرة بألفي مليون مليون مليون مليون طن, أي لايجوز للنجم أن تقل كتلته عن160 مليون مليون مليون مليون طن وهو أكثر من مائتي ض عف كتلة القمر, ولو افترضنا جدلا امكانية أن يكون القمر نجما لأحرق لهيبه الأرض لقربه منها ـ(380000 كيلومتر في المتوسط), ولأدي إلي خلخلة غلافها الغازي, وإلي تبخير مياهها, وإلي تركها جرداء قاحلة لا أثر للحياة فيها علي الإطلاق...!!! إضاءة السماء في ظلمة الليل كانت آية الليل, ومحوها هو حجبها عنا. علي الرغم من الظلام الشامل للكون, والذي لم يدركه الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين, وعلي الرغم من محدودية الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك; لايتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس حتي أن الانسان في انطلاقه من الأرض إلي فسحة الكون في أثناء النهار فإنه يفاجأ بتلك الظلمة الكونية الشاملة التي يري فيها الشمس قرصا أزرق في صفحة حالكة السواد, لايقطع من شدة سوادها إلا أعداد من النقاط المتناثرة, الباهته الضوء التي تحدد مواقع النجوم. علي الرغم من كل ذلك فإن العلماء قد لاحظوا في سماء الأرض عددا من الظواهر المنيرة في ظلمة الليل الحالك نعرف منها: (1) ظاهرة توهج الهواء في طبقات الجو العليا Airglowin theupperatmosphere وهي عبارة عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائية في نطاق التأين Ionosphere المحيط بالأرض من ارتفاع90 إلي1000 كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وهو نطاق مشحون بالإلكترونات مما يساعد علي رجع الموجات الراديوية إلي الأرض. (2) ظاهرة أنوار مناطق البروج ZodiacalLights وتظهر علي هيئة مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يري في جهة الغرب بمجرد غروب الشمس, كما يري في جهة الشرق قبل طلوعها بقليل, وتفسر تلك الأنوار بانعكاس وتشتت ضوء الشمس غير المباشر علي بعض الأجرام الكونية التي تعترض سبيله في أثناء تحركها متباعدة عن الأرض أو مقتربة منها. (3) ظاهرة أضواء النجوم Stellar Lights وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفة, ثم تتشتت في المسافات الفاصلة بينها حتي تصل إلي غلاف الأرض الغازي. (4) ظاهرة أضواء المجرات Galactic Lights وتصدر من نجوم مجرة من المجرات القريبة منا, والتي تتشتت أضواؤها في داخل المجرة الواحدة, ثم يعاد تشتتها في المسافات الفاصلة بين المجرات حتي تصل إلي الغلاف الغازي المحيط بالأرض. (5) ظاهرة الفجر القطبي وأطيافه Aurora and Auroralspectra وتعرف هذه الظاهرة أيضا بإسم الأضواء القطبية Polar Lights أو باسم فجر الليل القطبي Polar Nights Dawn وهي ظاهرة نورانية تري بالليل في سماء كل من المناطق القطبية وحول القطبية PolarandSubpolar Regions وتتركز أساسا في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الأرض المغناطيسيتين وخطي العرض المغناطيسيين67 درجة شمالا,67 درجة جنوبا, وقد تمتد أحيانا لتشمل مساحات أوسع من ذلك. وتبدو ظاهرة الفجر القطبي عادة علي هيئة أنوار زاهية متألقة جميلة, تختلف باختلاف الارتفاع الذي تري عنده( ويغلب عليها اللون الأخضر والأحمر والأبيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي وهي تتوهج وتخبو( أي تزداد شدة ولمعانا ثم تهدأ) بطريقة دورية كل عدة ثوان( قد تمتد إلي عدة دقائق), وتتباين ألوان الشفق القطبي في أجزائه المختلفة تباينا كبيرا, وإن تناقصت شدة نورها إلي أعلي بصفة عامة, حيث تتدلي تلك الأنوار من السماء إلي مستوي قد يصل إلي80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وتمتد أفقيا إلي مئات الكيلومترات لتملأ مساحات شاسعة في صفحة السماء, علي هيئة هالات حلقية أو قوسية متموجة, تكون عددا من الستائر النورانية المطوية المتدلية من السماء, والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي. ويفسر العلماء حدوث ظاهرة الفجر القطبي بارتطام الأشعة الكونية الأولية بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تأينه( أي شحنه بالكهرباء), وإصدار أشعة كونية ثانوية, ثم تصادم الأشعات الكونية( وهي تحمل شحنات كهربية مختلفة) مع بعضها البعض, ومع غيرها من الشحنات الكهربية الموجودة في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تفريغها, وتوهجها, وتكثر الشحنات الكهربائية في الغلاف الغازي للأرض في كل من أحزمة الإشعاع RadiationBeltsالمعروفة باسم أحزمة فان ألن Van Allens Belts والموجودة في داخل نطق التأين المحيطة بالأرض Ionos phere Zones وفي نطق التأين ذاتها. والأشعة الكونية الأولية Primary Cosmic Rays تملأ فسحة الكون علي هيئة الجسيمات الأولية المكونة للذراتElementaryorsubatomic particles وهي جسيمات متناهية في الدقة, ومشحونة بشحنات كهربائية عالية, وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء. وتنطلق الأشعة الكونية الأولية من الشمس, وإن كان أغلبها يصلنا من خارج المجموعة الشمسية, ولم تكتشف تلك الأشعة الكونية إلا في سنة1936 م. وتتسرب الأشعة الكونية الأولية إلي الأرض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل إلي أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تكون الأشعة الكونية الثانوية Secondary cosmicrays التي قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فيخترق صخورها, أما الأشعة الكونية الأولية فلا يكاد يصل منها إلي سطح الأرض قدر يمكن قياسه. والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض, والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين ساحبة معها موجات الأشعة الكونية, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, وحينما تنفذ تلك الأشعة من قطبي الأرض المغناطيسيين فإنها تؤدي إلي زيادة تأين الغلاف الغازي للأرض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين, ويؤدي اصطدام الشحنات المختلفة إلي تفريغها من شحناتها الكهربائية, ومن ثم إلي توهج الغلاف الغازي للأرض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهرة تعرف بظاهرة الوهج القطبي أو الشفق القطبي أو الأضواء القطبية أو فجر الليل القطبي وهي ظاهرة تري بوضوح في ظلمة الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للأرض, خاصة في أوقات الثورات الشمسية العنيفة حين يتزايد اندفاع الأشعة الكونية الأولية من الشمس, فتصل كميات مضاعفة منها في اتجاه الأرض. ويتزايد الإشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للأرض إلي نسب مهلكة مدمرة خاصة في نطق التأين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات( الموجبة) والإليكترونات( السالبة), ويحتبس المجال المغناطيسي للأرض الغالبية العظمي من تلك الإشعاعات, ويوجهها إلي قطبيها المغناطيسيين في حركة لولبية موازية لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمالي إلي القطب الجنوبي وبالعكس, وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الأشعة الكونية تلك من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين فإنه يرده إلي الآخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للأرض اتجاهات تحرك الأشعة الكونية وتركزها حول قطبي الأرض المغناطيسيين. ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة الموجودة في الغلاف الغازي للأرض ومنها نطاق الأوزون, نطق التأين المتعددة, أحزمة الإشعاع, والنطاق المغناطيسي للأرض, لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض, ولم تتكون إلا علي مراحل متطاولة من بداية خلق الأرض الابتدائية Proto-Earth وعلي ذلك فقد كانت الأشعة الكونية وباقي صور النور المتعددة في صفحة الكون تصل بكميات هائلة إلي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض ككل, فتؤدي إلي إنارتها وتوهجها ليلا بمثل ظاهرة الشفق القطبي, توهج الهواء, أضواء النجوم, أضواء المجرات وغيرها مما نشاهد اليوم, ولكن بمعدلات أشد وأقوي, وكان هذا التوهج وتلك الإنارة يشملان كل أرجاء الأرض فتنير ليلها إنارة تقضي علي ظلمة الليل. وبعد تكون نطق الحماية المختلفة للأرض أخذت هذه الظواهر في التضاؤل التدريجي حتي اقتصرت علي بقايا رقيقة جدا وفي مناطق محددة جدا مثل منطقتي قطبي الأرض المغناطيسيين, لتبقي شاهدة علي حقيقة أن ليل الأرض في المراحل الأولي لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق, وشاهدة علي رحمة الله بنا أن جعل للأرض هذا العدد الهائل من نطق الحماية المتعددة والتي بدونها تستحيل الحياة علي الأرض, وشاهدة علي حاجتنا إلي رحمة الله تعالى ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الأخطار المحيطة بنا من كل جانب, وشاهدة علي صدق تلك الإشارة القرآنية المعجزة. وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا. وهي حقيقة لم يدركها العلم المكتسب إلا في السنوات المتأخرة من القرن العشرين, ولم يكن لأحد من البشر إدراك لها وقت تنزل القرآن الكريم ولا لعدد من القرون بعد ذلك..!! وانطلاقا من هذه الحقيقة يمن علينا ربنا( تبارك وتعالى) بتبادل الليل والنهار فيقول( عز من قائل): قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. (القصص:71 ـ73) وجاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين(92) مرة, منها ثلاثة وسبعون(73) مرة بلفظة الليل, ومرة واحدة بلفظة ليل, وثماني(8) مرات بلفظة ليلة, وخمسة(5) مرات بلفظة ليلا, وثلاث(3) مرات بلفظة ليال, ومرة واحدة بكل من اللفظين ليلها و ليالي. كذلك ورد ذكر النهار في القرآن الكريم سبعا وخمسين(57) مرة, منها أربعة وخمسون(54) مرة بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كما وردت ألفاظ الصبح, و الإصباح و الفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخري كثيرة, كذلك وردت كلمة اليوم أحيانا بمعني النهار. ونعمة الله تعالى علي أهل الأرض جميعا بمحو إنارة الليل, وإبقاء إنارة النهار نعمة ما بعدها نعمة, لأنه لولا ذلك ما استقامت الحياة علي الأرض, ولا استطاع الإنسان الإحساس بالزمن, ولا التأريخ للأحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار, ولتلاشت الحياة, ومن هنا جاءت إشارة القرآن الكريم إلي تلك الحقيقة سبقا لكافة المعارف الإنسانية. وإن دل ذلك علي شئ فإنما يدل علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي أن هذا النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) ما كان ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي كما وصفه ربنا( تبارك وتعالى). وإذا كان صدق القرآن الكريم جليا في إشاراته إلي بعض أشياء الكون وظواهره, فلابد أن يكون صدقه في رسالته الأساسية وهي الدين( بركائزه الأربع: العقيدة, والعبادة, والأخلاق والمعاملات) جليا كذلك. وهنا يتضح جانب من جوانب الإعجاز في كتاب الله, وما أكثر جوانبه المعجزة ـ هو الإعجاز العلمي, وهو خطاب العصر ومنطقه, وما أحوج الأمة الإسلامية, بل ماأحوج الإنسانية كلها إلي هذا الخطاب في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه, وزمن العولمة الذي تحاول فيه القوي الكبري ـ علي ضلالها ـ فرض قيمها الدينية والأخلاقية والإجتماعية المنهارة علي دول العالم الثالث وفي زمرتها الدول الإسلامية, بحد غلبتها العلمية والتقنية, وهيمنتها الاقتصادية والعسكرية, وقد عانت الدول الغربية, ذاتها ولاتزال من الإغراق المادي الذي دمر مجتمعاتها, وأدي إلي تحللها الأسري والاجتماعي والأخلاقي والسلوكي والديني, وإلي ارتفاع معدلات الجريمة, والأدمان, والانتحار, وإلي الحيود عن كل قوانين الفطرة السوية التي فطر الله خلقه عليها, وإلي العديد من المشاكل والأزمات النفسية والمظالم الاجتماعية والسياسية علي المستويين المحلي والدولي...! وماأحوج علماء المسلمين إلي إدراك قيمة الآيات الكونية في كتاب الله فيقبلوا عليها تحقيقا علميا منهجيا دقيقا بعد فهم عميق لدلالة اللغة وضوابطها وقواعدها, ولأساليب التعبير فيها, وفهم لأسباب النزول, ومعرفة بالمأثور من تفسير الرسول( صلي الله عليه وسلم) وجهود السابقين من المفسرين, ثم تقديم ذلك الإعجاز العلمي إلي الناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين.مما يعد دليلا ماديا ملموسا علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وعلي أن سيدنا ونبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) هو خاتم أنبيائه ورسله, في غير تكلف ولا اعتساف, لأن القرآن الكريم غني عن ذلك, وهو أعز علينا وأكرم من أن نتكلف له. وهذا المنهج في الاهتمام بالآيات الكونية في كتاب الله, وشرح الإشارات العلمية فيها من قبل المتخصصين ـ كل في حقل تخصصه ـ هو من أكثر وسائل الدعوة إلي دين الله قبولا في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه. المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريد الأهرام |
فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِالْقِيَامَةِ (1) قال الله تبارك وتعالـى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيـمٍ) (مريـم:37). (2) قال تبارك وتعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:14) . التفـسـيـر : تبين الآية الأولى أن المسيحيين انقسموا أحزاباً . بعض هذه الأحزاب على حق وبعضها الآخر على ضلال . و تبين الآية الثانية شيئين : أولهما : أن فريقاً من المسيحيين قد نسي كثيراً من تعاليم دينهم مما كان سبباً في أن أصبح بعضهم لبعض عدواً . و ثانيها : أن هذه العداوة لن تزول ولكنها ستستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها . تطابق الحقائق : ولكي ترى عظمة هاتين الآيتين في مجال حقائق التاريخ يجب علينا أن نتتبع سيرة المسيحية من بدء ظهورها حتى الآن وسنجد حينئذ أن هذا التاريخ لم يحِد يوماً عن منطوق هاتين الآيتين بل سار على نهجهما وتَرَسَم خطاهما فقد بدأت النصرانية في فلسطين واحتكت أول الأمر باليهودية التي اضطهدت دعاتها فرحل بعضهم إلى الإسكندرية ورحل آخرون إلى روما ؟ وقد أخذت المسيحية تنتشر في الإمبراطورية الرومانية انتشاراً سريعاً وأخذ الأباطرة في بادئ الأمر يضطهدون معتنقيها لأنها بدعوتها إلى عبادة الله كانت تحرم الرق الذي كان عماد النظام الاقتصادي الروماني، وكذلك كانت تدعو إلى المساواة في مجتمع ساده نظام الطبقات والإغريق في طلب الثروة والجاه، ولكن الاضطهاد لم يزد المسيحية إلا انتشاراً وقوة حتى أصبح عدد المسيحيين أكثر من الوثنيين فجعلها ( قسطنطين ) دين الدولة الرسمي. ولما تولى( ثيودوسيوس ) أخذ يحارب الوثنية فأغلق معابدها وجعل الناس يُعَمَدّون قسراً، ومع ذلك فلم يلبث المسيحيون أن انقسموا فرقاً اشتد الخلاف بينها اشتداداً صحبه اضطراب في الأمن مما اضطر الأباطرة إلى التدخل بينها ومناصرة بعضها عل البعض الآخر وانقسموا إلى ثلاثة فرق : الملكانية والنسطورية واليعاقبة . و الملكانيون هم اتباع أريوس الذي قال بأن المسيح مخلوق وليس مولوداً من الأب ولذا لا يساويه في الجوهر . أما النسطوريون وهم أتباع نسطور فقد قالوا إن للمسيح طبيعتين إحدهما إلهية والثانية بشرية، فهو بالأولى ابن الله وبالثانية ابن مريم. وإلى ذلك يشير القرآن بقوله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30)، ويعني القرآن الكريم بهذا أنهم قلدوا الديانات الوثنية القديمة في هذه العقيدة مثل( الزردشتية والبراهمية والهندستانية والبوذية والرومانية والمصرية ). فقد كان المصريين يعتقدون أن ( حوريس ) ولد من الإله الأعظم ( أوزوريس ) والعذراء ( ايزس ) . كما أن الرومان كانوا يعتقدون أن الإله ( جوبيتر) أنجب( بريسيوس ) من العذراء ( داناي ) وأنجب ( ديونيسيس ) من العذراء ( سيميل ) وأنجب (هرقل ) من العذراء ( ألكمين ) . أما في الهند فقد ولد كيرشنا في كهف بينما كانت أمه العذراء وخطيبها هاربين من غضب الملك . و قد بلغ من تأثر المسيحية بالديانات المجوسية في هذه العقيدة أن تاريخ ولادة المسيح غُير مراراً إلى إن استقر يوم 25 ديسمبر وهو اليوم الذي كان المصريون يحتفلون فيه بمولد مخلصهم (حورس )، وهو نفس اليوم الذي كان الفرس يحتفلون فيه بميلاد (متزا)، كما كان هذا اليوم أحد الأعياد الدينية المماثلة في الدولة الرومانية وتخالف الكنيسة الشرقية الكنيسة الغربية في ذلك فتجعل يوم ميلاد المسيح اليوم السابع من يناير . أما الحزب الثالث وهو حزب اليعاقبة فيعتقدون أن المسيح هو الله نزل إلى الأرض، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في سورة المائدة بالآية التاسعة عشرة التي تقول : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72) . وليت الأمر اقتصر على هذا الانقسام، بل أن الخلاف أخذ يزداد اتساعا ًوتعدداً كلما تقدمت الأيام، ففي القرن الحادي عشر انقسمت الكنيسة إلى فرعين : الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية ثم أخذ الخلاف يتسع ويتشعب وأخذت الفرق تتوالد فتنشأ منها فرق جديدة وأحزاب جديدة رغماً من الجهود العديدة التي بذلت لتوحيد الكنيسة . أسباب الانقسام بنيت المسيحية على دعائم أربع : 1. الإيمان بالله . 2 . الزهد . 3 . الحب والتراحم . 4 . التسامح المطلق وعدم الاعتداء حتى حين يكون دفعاً لشر . هذه هي المبادئ الأربعة التي جاءت بها المسيحية، فقد جاءت بوحدانية خالصة وإيمان مطلق حتى كان المسيح عليه السلام إذا دعا لمريض بالشفاء قال له بعد أن يبرأ : ( شقاك إيمانك ) . غير أن اختلاط المسيحية بالوثنية أدخل فيها مبدأ تقديس الأشخاص والأشياء، فوجد من بين المسيحيين من ينادي بألوهية المسيح، وأباح الكاثوليك منهم عبادة القديسين والصور ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في سوري التوبة إذ يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31). وما صكوك الغفران التي يمنحها البابا للعصاة فتغفر ذنوبهم إلا أثر من آثار هذا التقديس الذي ورثته المسيحية عن الوثنية . وبذلك يكون قد اختل أول ركن من أركان المسيحية من أساسه وهو إيمانهم بالله . أما الزهد في المسيحية فحدث عنه ولا حرج، إذ كان يفترش الغبراء ويلتحف السماء ويتخذ القمر له مصباحاً، ومع ذلك كان يقول : من أغنى مني ؟ لم يكن له مسكن يأوي إليه، ويظهر ذلك من رده على شخص قال له : (يا سيد أتبك أين تمضي ) فقال له : (للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له مكان يسند رأسه ). كما أنه ضرب المثل الأعلى في الصوم فواصل الصوم أربعين يوماً لم يذق فيها طعاماً . كان يشترط فيمن يتبعه أن يتجرد من الدنيا كتجرده فيترك كل شيء وراءه، ويظهر ذلك من قوله لأحد من تقدم غليه : ( إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني .) . و أقوال عيسى عليه السلام في السلام وفي الحث على الزهد كثيرة أهمها ما ورد في صلاة المسيحيين الرئيسية: ( خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم ) ويحذر الناس من الاكتناز بقوله : ( لا تكتنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكتنزوا لكم كنوزاً في السماء). ويحذرهم من المال بقوله : ( لا بقدر أحدكم أن يخدم سيدين . لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحقر الآخر . لا تقدرون أن تخدموا الله والمال لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون ) . ويبغضهم في الغنى بقوله : (الحق أقول لكم أنه يعسر أن يدخل غني ملكوت السماوات، وأقول لكم إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله ). هذه نظرة المسيحية في الحياة نظرة احتقار للمادة وبعد عن النعيم والترف وتحذر من المال لأنه العدو الأكبر للإنسان، ولكن هذا الركن من أركان المسيحية ما لبث أن انهار هو أيضاً فقد انصرف دعاة المسيحية عن الشؤون الدينية وانغمسوا في أعمال السياسة والحرب وتناسوا أقوال المسيح عليه السلام ( أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) فنازعوا الملوك ممالكهم وسيادتهم وتحايلوا على اصطياد المال بكل طريق وما كانت تحصل عليه من أملاكها الواسعة كان الباباوات يجمعون المال بأساليب شتى كبيع الوظائف الدينية وحل عقود الزواج وبيع صكوك الغفران . يشير القرآن إلى ذلك حيث يقول في سورة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة:34) . وقد أخذ الجزء الأكبر من إيراد الكنيسة يتسرب إلى جيوب الأساقفة ورؤساء الأديرة الذين ألقوا عبء القيام بأعمالهم الدينية على عاتق صغار القساوسة نظير أجور بخسة وقد تأثرت الكنيسة بأسرها مساوئ رعاتها حتى أن الأديرة التي نشأت فيما مضى لقمع الشهوة الدنيوية ونشر الهدى والصلاح قد تحولت إلى بؤرٍ للفساد والجهل وانتقل الفساد من رجال الدين على المجتمع بصورة أعم . أما المبدأ الثالث الذي امتازت به دعوة المسيحية وهو الحب والتراحم الذي يتمثل في أعلى درجاته في قول المسيح عليه السلام : ( أحبوا أعداءكم . باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى من أساء إليكم ) فقد تلاشى كذلك نتيجة لتعلقهم بالمادة وتكالبهم عليها وانعدام الصلة بينهم وبين الله. وكذلك نسي المسيحيون ما دعا إليه المسيح عليه السلام من عدم الاعتداء والتسامح المطلق بقوله : ( من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ومن سلبك قميصك فأعطه رداءك ) . نسوه لأنهم كلما انغمسوا في المادة باعدت بينهم وبين الله فتعلقوا باللذات وغمرتهم الشهوات وكثرت بينهم الإحن وقادهم التكالب على الدنيا إلى الحروب والاعتداءات. العداوة بينهم وازديادها على مر الأيام : اختلف المسيحيون أول ما اختلفوا على شخصية المسيح فنشأت بينهم أحزاب مختلفة لم يقتصر الخلاف بينها على خلاف في النظريات والعقائد والطقوس بل تعداه إلى فتن دموية قامت بين تلك الطوائف، ومن أمثال تلك الفظائع التي تقشعر منها الأبدان ما ارتكبه الرومان مع أقباط مصر، فقد كان الرومان على المذهب الملكاني والمصريون معظمهم من اليعاقبة وعقب استرداد هرقل لمصر من الفرس حاول أن يوفق بين المذهبين فأبى القبط ذلك فلجأ الرومان إلى القوة وكان جزاء من يرفض تغيير عقيدته أن يجلد أو يضرب أو يلقى في السجن حتى يلقى حتفه وكان القساوسة من القبط يقتلون أو يشردون . أما بطرقهم بنيامين فقد اختفى وطلبه الرومان فلم يعثرا له على أثر . وقد استمر هذا الإرهاب عشر سنين فتن فيها الناس عن عقيدتهم وأخذ الباقون يظهرون غير ما يبطنون تفادياً للعقاب ونستطيع أن نتصور ما كان في قلوب الفريقين من حقد إذا نحن تأملنا قليلاً هذه الحادثة التي يرويها التاريخ فقد ذكر المؤرخون أن الروم حينما اتفقوا مع المسلمين على تسليم حصن بابليون أعطاهم المسلمون مهلة ثلاثة أيام لإخلاء الحصن وكان آخر أيامهم في ذلك اليوم هو يوم عيد الفصح ولكن نكبتهم هذه وحرمة ذلك اليوم لم تمنعهم من إرواء غليلهم والتنكيل بأسرى الأقباط الذين سجنوهم من قبل في الحصن فسحبوهم من سجونهم وضربوهم بالسياط وقطَّع الجند أيدهم ؟ فأي فظاعة أشد من هذه الفظاعة وأي قسوة أبلغ من هذه القسوة وهل ذلك كان نتيجة أتباع دين نبي كان يدعوا إلى الحب والتراحم والتسامح ؟ . و ليت الأمر اقتصر على مصر فقط ، بل إن أباطرة الدولة الرومانية الشرقية اضطهدوا النسطوريين أيضاً في آسيا الصغرى والشام وفلسطين مما كان سبباً في التجاء علمائهم إلى العراق وفارس . و تظهر البغضاء الكامنة في قلوب المسيحيين بعضهم لبعض بوضوح في أيام الحروب الصليبية فعلى الرغم من وحدة غرضهم وهو القضاء على المسلمين وعلى الرغم من موجة التحمس الديني التي سادت أوروبا في ذلك الوقت فان سيرتها من أولها إلى آجرها تدل على انعدام الإخلاص وأول مظهر يدل على ذلك هو تغرير إمبراطور القسطنطينية بحملة بطرس الناسك وعمله على التخلص منها لما كانت تتطلبه من تموينات وما كان سيلازم بقاء ثلاثمائة ألف محارب من اختلال في الأمن في عاصمة ملكه فسهل لهم العبور إلى الضفة الأخرى من البسفور فكانوا لقمة سائغة ابتلعها السلجوقيون بدون مشقة إذ أبادوا الحملة عن آخرها . فبما نفسر عمل الإمبراطور الذي أخذ يستغيث بمسيحيي أوربا لإنقاذه من السلاجقة حتى إذا هبوا لنجدته عمل إلى التخلص منهم. و من أظهر الأمثلة على انعدام الإخلاص بين المسيحيين بعضهم مع بعض قصة الحروب الصليبية الثالثة فقد أدى الخلاف بين ريتشارد قلب السد ملك إنجلترا وبين فيليب أغسطس ملك فرنسا إلى عودة ملك فرنسا إلى بلاده وترك ريتشارد وحيداً ليحارب صلاح الدين وزاد الطين بلة أن فيليب اخذ يدس الدسائس لريتشارد بالاستعانة ببعض ملوك أوربا كما أخذ أخوا ريتشارد في إنجلترا يعمل على ****** العرش منه وكان من جراء ذلك أن حرم ريتشارد ثمن انتصاراته واضطر إلى العودة وإلى عقد صلح مع صلاح الدين . وليت الأمر اقتصر على هذا فان هذا الفارس الصليبي المغوار الذي أحرز انتصارات عظيمة في الشرق لقي من المسيحيين جزاء سنمار . فبدلاً من أن يحتفلوا به ويكرموه كبطل من أبطالهم قبضوا عليه وسجنوه . و لقد كانت حركة الإصلاح الديني فيما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر أعنف حركة دينية شهدها التاريخ فقد أدت الخلافات الدينية إلى مشاحنات ومطاحنات واضطهادات كانت أشد ما عرف من نوعها في تاريخ الأديان ولكي نرى مبلغ ما أثاره من عداوة يجب أن نستعرض أهم مظاهرها وهي : (1) حرب الثلاثين عاماً وقد استمرت من 1618 على 1648 وكان تأثيرها في ألمانيا تأثيراً سيئاً إذ ظلت ميداناً للحرب فريسة للنهب مدة ثلاثين سنة هلك فيها نصف سكانها تقريباً واندثرت فيها معالم الصناعة والتجارة والفنون . (2) اضطهاد هيجونوت فرنسا : كان بروتستانت فرنسا يدعون الهيجونوت وكانوا أقلية ضئيلة في وسط أغلبية كاثوليكية عظيمة ولذلك كان تاريخهم فيها حافلاً بالاضطهادات والحروب والمذابح التي من أشهرها ( سان برثلميوا) في 24 أغسطس سنة 1572 إذ بينما كان (كوليني ) زعيم الهيحونوت وأحد وزراء الملك شارل التاسع في ذلك الوقت ماراً أطلق عليه رجل الرصاص فأصابه إصابة غير قاتلة فعزم الملك على الانتقام فخاف الكاثوليك عاقبة التحقيق وانفضاح أمرهم فبيتوا يوم ( عيد القديس _ ثلميو) مذبحة هائلة ووضعوا علامات على بيوت الهيجونوت وانتقل الخبر من باريس إلى الأقاليم فقلدوها وكانت النتيجة أن قتل من الهيجونوت ألفا نفس في باريس وثمانية آلاف في الأقاليم وحينما تولى رشيليو مقاليد الأمور في فرنسا عمل على إخضاع الهيجوند وكانوا إذ ذاك يقيمون في مدن محصنة فاستلزم إخضاعهم حروباً طويلة الأمد. (3) محاكم التفتيش : و هي محاكم لم ير التاريخ لها مثيلاً كان شعارها القسوة التي لا رحمة فيها والاضطهاد الذي لا هوادة فيه لأعداء الكاثوليك وكانت تستمد سلطتها من البابا مباشرة ولا دخل للحكومات في تصرفاتها اللهم إلا القيام بتنفيذ أحكامها . كانت جسامتها سرية وكانت تتجسس بكل الطرق وتقبض على من تشاء وتعذب المقبوض عليهم بما تراه حتى تكرهم على الاعتراف بإلحاد وحينئذ توقع عليهم عقوبة الإحراق أو السجن المؤبد ومصادرة الأملاك حتى التائبون منهم يسجنون طول حياتهم تطهيراً لهم من جريمة الإلحاد وكانت هذه المحاكم تراقب المطبوعات وتحرق ما لا يتفق منها مع المذهب الكاثوليكي . ويذكر التاريخ هذه المحاكم كأعظم نقطة سوداء في تاريخ المسيحية لما أجرته على الشعوب البريئة من الويلات . (4) مجلس الدم : لما كثر في سكان الأرض المنخفضة مذهب كلفن أشتد شارل في معاملتهم وأقام محاكم التفتيش بها فأحرقت عدداً من البروتستانت ولما خلفه ابنه فليب الثاني ملك أسبانيا استمر في سياسة الاضطهاد وأخذت الجنود تتحرش بالأهالي فقامت الثورة وأنقض الناس على الكنائس الكاثوليكية وكسروا ما فيها من تماثيل وصور فما كان من فليب إلا أن أرسل (دوق الفا ) على رأس جيش عظيم من الأسبان لمعاقبة الثور فكون المجلس المعروف بمجلس الدم لكثرة ما اهرقه من الدماء وقد اقترف ( الفا ) من الفظائع ما يندر وجود مثله في التاريخ . القرن الماضي من هذا القرن حدثت في أوربا وحدها الحروب التالية : (1) الحرب العالمية الأولى . (2) الحرب الأسبانية الأهلية . (3) الحرب اليونانية الإيطالية . (4) الحرب العالمية الثانية . (5) الحرب الروسية الفنلندية . أما الحروب التي حدثت بين المسيحيين في غير أوربا فأهما الحروب التي كانت تنشب من حين لآخر بين جمهوريات أمريكا الجنوبية وأهمها : (1) الحرب بين البرازيل والأرجنتين 1851 1852م. (2) الحرب بين باراجوي وبولفيا 1922 1925م. (3) الحرب بين باراجواي والبرازيل وأرجواى 1864 1870 م (4) الحرب بين شيلي من جهة وبين بوليفيا وبيرو1879 1883 م . (5) الحرب بين بيرو وكولومبيا 1932 1934 م . (6) الحرب بين جواتمالا من جهة والسلفادور وهندوراس وكوستاركا من جهة أخرى 1906م. (7) الحرب بين نيكارجوا وهوندوراس 1907م . كذلك الحرب بين أمريكا والمكسيك 1846م 1848م . و لو أنك أردت أن تتخذ القرن التاسع مقياساً نقيس به مقدار ما يكنه المسيحيون بعضهم لبعض من عداوة كما دل عليه القرآن الكريم لوجدت فيه من الحروب والثورات ما يصعب تتبعه وحصره وأبرز حروب هذا القرن الحروب النابليونية التي شملت أوربا كلها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى شمال أوربا كلها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب ولو أمك رجعت إلى ما سبقه من القرون لوجدت أن تاريخ معظم المسيحيين مخضب بالدماء لا أثر للسلم أو التسامح فيه ومن حروبهم المشهورة حرب السنين السبع التي امتدت من سنة 1756 إلى سنة 1763 م هي حرب من سلسلة الحروب التي كثرت في القرن الثامن عشر ومما يستحق الإشارة إليه أيضاً من تلك الحروب حرب المائة عام بين إنجلترا وفرنسا التي ابتدأت سنة 1338 واستمرت مستعرة ما يزيد على قرن من الزمان |
من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم السرّ الأول : ظاهرة النسبية في القرآن الكريم بين يدي الظـاهرة ولدى تمعننا في آيات الله فقد جذب انتباهنا جانب اعتبرناه في حينه جديرا بالدراسة، بل اعتقدنا بأنه يخفي خلفه ظاهرة أصيلة من الظواهر التي يوحي بها النص القرآني الكريم، وتلك الظاهرة هي "ظاهرة النسبية في القرآن الكريم"، لكن وقبل أن نخوض في أمر تلك الظاهرة ؛ فلابد من بعض التقديم بين يديها.. القرآن: كلامُ الله وفي تعريف مبسط له يمكن القول بأنه: كلام الله المنزّل على محمدٍ e؛ المتعبد بتلاوته. والقرآنُ لغةً: مشتقٌ من مادة الفعل "قرأ"(1) والذي يأتي بمعنى: الجمع والضمّ. والقراءةُ هي: ضمُّ الحروفِ والكلماتِ إلى بعضها. والقرآن في الأصل كالقراءة، مصدر: قرأ؛ قراءة؛ وقرآناً. قال تعالى: {إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}(القيامة:17-18) أي قراءته. وهو مصدرٌ على وزن "فُعلان" ،بالضم، كالغُفران، والشُكران. تقول: قرأته قرءاً وقُرآناً، بمعنى واحد. ويُطلقُ "القرآن" بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وكذلك على كلّ آيةٍ من آياته، فإذا سمعتَ من يتلو آيةً من القرآن الكريم صحّ أن تقول: إنه يقرأُ القرآن، مثال ذلك قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(الأعراف:204). وقد ذُكر كذلك بأن تسميته "قرآناً" إنما جاءت لجمعِهِ ثمرةَ كتبِ الله كلِها، ولجمعِهِ ثمرةَ جميعِ العلوم، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}(النحل:89).. وقد سُمي القرآنُ "قرآناً" كونه متلواً بالألسنة، كما روعي في تسميته "كتاباً" كونه مدوناً بالأقلام. وللعلماء في تعريفِ "القرآن" قولاً يميزه عن غيره من الكتب المنزّلة، فهو (كلامُ الله المنزّل على محمدe، المتعبد بتلاوته). إعجازُ القرآن الكريم وسحرُ بيانه وقد ثبتت حجةُ الله على البشر بثبوتِ إعجاز القرآن الكريم لكل من تحداهم الله من العقلاء، وهذه الحجة لا تقتصر على من نزل القرآن الكريم فيهم في العصر الأول للنبوة، بل ثبتت كذلك في حق من نُقل إليهم فيما بعد ،بالتواتر، وإلى يومنا هذا. وقد ثبتت حجة الله عزّ وجلّ على البشر بثبوت عجزهم أمامه وحيرتهم في مواجهته. و"العجز" حسبما هو مُتعارفٌ عليه: اسمٌ للقصور وعدم الاستطاعة عن فعل الشيء. وهو ضد "القدرة"، وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المُعجِز، ويكون الهدف من الإعجاز: إظهارُ صدق النبيّ e في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة؛ وهي القرآن الكريم، وعجز الأجيال المتتابعة من بعدهم، فالقرآن الكريم ،من هذه الناحية، جاء بالتحدي الدائم والمستمر إلى يوم القيامة؛ في مواجهة الجنِّ والإنس؛ وذلك عندما تحداهم أن يأتوا بمثله: {وإن كنتم في ريبٍ مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة:23).. كذلك فقد تحدّاهم أن يأتوا ببعضٍ من مثله: {قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات}(هود:13).. وعندما ثبتَ عجزُهم أمام هذا التحدي؛ كان القول الفصل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً}(الإسراء:88) وأمام هذا الإعجاز؛ وذلك التحدّي.. تعددت الآراء حول إعجاز القرآن الكريم؛ والقدرِ المعجز منه، فقد ذهب المعتزلةُ إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن الكريم لا ببعضه أو بكل سورة برأسها. لكنّ آخرين ذهبوا إلى أن القليل والكثير منه مُعجِز؛ دون تقييد بسورة معينة، لقوله تعالى: {فليأتوا بحديثٍ مثله}(الطور:34). وذهبت فئةٌ ثالثةٌ إلى أن الإعجازَ يتعلقُ بسورةٍ تامةٍ ولو كانت قصيرة، أو قدْرِها من الكلام؛ كآيةٍ واحدةٍ أو آيات. كذلك وجدنا من ذهب إلى أن إعجاز القرآن الكريم لا يقعُ في قدرٍ معينٍ منه فحسب؛ بل نجد ذلك الإعجاز كذلك في (أصواتِ حروفِه، ووقعِ كلماتِه، كما نجده في الآية والسورة، فالقرآن كلام الله وكفى)(2).. وهي حجةٌ ،ولا شكّ قوية تسترعي الانتباه إلى حقيقةٍ في غاية الأهمية؛ وهي أن إعجاز القرآن الكريم لم يقتصر ، فقط، على الحقائق الموضوعية التي يطرحها، ولا في قدراته البلاغية وحسب، بل في تمتعه كذلك بإعجازٍ غيرِ عاديّ حتى على مستوى تناسقِ حروفِ الكلمة الواحدة. سحرٌ يأخذ بالقلوب والألباب ولقد أثار القرآن الكريم ،ومنذ بداياته الأولى، ردودَ فعلٍ تميزت بالحيرة، فلم يكن من السهل ،بدايةً، استيعابُ حقيقة إرسال نبيّ افترضوا وجوب أن يكون واحداً من أرفعِهم مكانةً، أو أكثرِهم مالاً وولداً!!.. أما محمد e وما تميز به من مكانةٍ رفيعةٍ ،سواءً من حيث نَسَبِه أو أخلاقه ،والتي لم يعرفوا لها مثيلاً، فقد كان بالنسبة لهم آخر من يصلح لتلك المهمة! {وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم}(الزخرف:31)... ولم يكن مهماً ،بالنسبة لبعضهم، ما كان يتمتعُ به محمدٌ e من رفيعِ خصالٍ وصِدْقِ حديث، إذ أضمروا له التكذيب حتى وإن كان صادقاً! (ومرّوا ينتظرون وهم مُعِدّون له التكذيب، مُتربصون به حالةً من تلك الأحوال؛ فإذا هو قَبِيلٌ(5) غيرِ قبيلِ الكلام، وطبعٌ غيرِ طبعِ الأجسام، وديباجةٌ كالسماء في استوائها لا وهيٌ ولا صدعٌ، وإذا عصمةٌ قويةٌ، وجمرةٌ متوقدةٌ، وأمرٌ فوق الأمر، وكلامٌ يحارون فيه بدءاً وعاقبة)(6). وباختصار؛ فإن الشكّ في تلك اللحظات كان شريعةَ الجميع ،إلا من رحم ربُك، والشكُ ،في حدّ ذاته، حقٌ مشروعٌ يمكن من خلاله التمييز بين الأصيل وبين ما كان ادعاءً، لذا؛ فلم يكن مستغرباً أن يجمعَ الشكُ تجاه محمدe ودعوته بين عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة، إضافة إلى ما أصابهما من صدعٍ وذهول بالتأثير المحكم لآيات القرآن الكريم!. وتنقلُ لنا كتبُ التاريخ روايتين متشابهتين تؤرخان لإسلام عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه وأرضاه، الأولى منهما لعطاء ومجاهد، نقلها ابن إسحق وقد جاء فيها على لسانه: (كنتُ للإسلام مُباعداً، وكنتُ صاحبَ خمرٍ في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلسٌ يجتمعُ فيه رجال قريش... فخرجتُ أريدُ جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحداً. فقلت: لو أنني جئت فلاناً الخمّار. فخرجتُ فجئته، فلم أجِدْه. قلت: لو أنني جئتُ الكعبةَ فطفتُ بها سبعاً أو سبعين، فجئتُ المسجدَ أريدُ أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللهe قائمٌ يصلي، وكان إذا صلّى استقبلَ الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، واتخذ مكانه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعتُ لمحمدٍ الليلةَ حتى أسمعَ ما يقول. وقام بنفسي أنني لو دنوتُ منه أسمع؛ لأروّعنه، فجئتُ من قِبَل الحِجْر؛ فدخلتُ تحت ثيابِها، وما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعتُ القرآنَ رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام!. والرواية الأخرى تشير إلى أن عمر ،رضي الله عنه، خرجَ مُتوشحاً سيفه؛ يريدُ رسولَ اللهe ورهطاً من أصحابه قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريبٌ من أربعين بين رجالٍ ونساء، وفي الطريق لقيه نعيم بن عبد الله فسأله عن وجهته؛ فأخبره بغرضه، فحذّره (أي نعيم) بني عبد مناف، ودعاه أن يرجع إلى بعض أهله؛ خِتنه(7) سعيد بن زيد بن عمرو، وأخته فاطمة بنت الخطاب زوج سعيد، فقد صبئا عن دينهما. فذهب إليهما عمر، وهناك سمع "خَبّاباً" يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب، وبطشَ بِخِتْنِهِ سعيد، وشجّ أخته فاطمة... ثم أخذ الصحيفة ،بعد حوار، وفيها سورة "طه"، فلما قرأ صدراً منها قال: (ما أحسن هذا الكلام وأكرمه) ثم ذهب إلى النبيّ e فأعلن إسلامه، فكبّر النبيّ e تكبيرةً عرف أهلُ البيتِ من أصحابِه أن عمر قد أسلم(8). كذلك فقد واجهت المعاندين والمستكبرين من قريش مواقفُ مشابهة، وذلك من خلال ما أحدثه القرآنُ الكريمُ من تأثيرٍ مزلزلٍ في نفوسهم، فقد حدثَ مثلُ ذلك مع الوليد بن المغيرة؛ والذي أذهلته الآياتُ بِسِحْرِها وأَلَقِها، فتصرفَ مقهوراً مُنساقاً تحت وطأة تأثيرها، حتى وجدناه لا يقوى على إنكار ما أصابه!، ووجدناه يصفُ القرآنَ الكريمَ والحيرةُ تأخذُ بلبّه وجنانه، فأصبح لا يمتلك لنفسه حولاً ولا قوة، وسمعناه يُقرُ مُعترفاً: (فوا لله ما منكم رجلٍ أعلمَ مني بالشعر ولا بِرَجَزِهِ ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبهُ الذي يقولُه شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه)!!. لكنّ اعترافه هذا لم يكن ليقنعَ قريشاً، فهو ،أي الوليد، لم يذمّ القرآن، بل امتدحه!!.. فلما زادوا عليه من ضغوطهم؛ لم يجدْ مخرجاً إلا أن يلويَ أعناقَ الألفاظ، وأن يتلاعب بالكلمات، فبدلاً من أن يعترف بأن هذا السحر إنما يدل ،بالضرورة، على عدم بشرية مصدره، وجدناه يتجاوب مع دعوة أبي جهلٍ له؛ والتي قال له فيها: (والله لا يرضى قومُك حتى تقول فيه(9))... وهنا تتجلّى قدرةُ بعض البشر على التحايل!، واتباع الأساليبِ الملتويةِ لوصفِ حقيقةٍ ما بغيرِ ما يجبُ أن توصفَ به!.. فجاءَ ردّ الوليد هذه المرة: (دعني أفكر فيه). فلما أنْ فكّر قال: (إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه)؟!. وبهذا الرد يكون الوليد قد أفشى لنا ،عن غير قصدٍ بالطبع، سراً من الأسرار التي استأثر بها القرآنُ الكريم دون غيره من كلام العرب، ذلك هو الاستحواذُ الغريب؛ والسطوةُ التي لا تردّ؛ لكلمات الله على كلّ من سمعها، بل لعل الوليد في استخدامه لتلك الألفاظ قد أسدى لنا خدمةً أخرى كبيرة، فهو باستخدامه لألفاظٍ من قبيل "سِحْرْ" قد أشار إلى ذلك المصدر الغامض؛ والمجهول لسحر القرآن الكريم، والذي لا يمكن إلا أن يكون وجهاً من الوجوه التي استأثر بها القرآن الكريم؛ فتميزت به لغته عن لغة البشر!. وفي قولٍ ،يمكنُ تعميمه، فإن ذلك التأثير الاستحواذي للقرآن الكريم لم يكن أمراً مقصوراً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو الوليد بن المغيرة، فلطالما ارتبط ذلك الانفعال تجاه القرآن الكريم بعلاقةٍ جدليةٍ مع عامل آخر كان له أبلغ الأثر في تجلية تلك الميزة وذلك السحر، ولم يكن ذلك العامل إلا تلك المقدرةِ اللغويةِ العالية التي طالما تميزّ بها العرب في ذلك الوقت، والتي مكّنت لهم سُبُلَ التفريق بين الأصيل وما هو غير ذلك، تلك المقدرة التي لو لم تُوجد ،في حينه، لما أمكن لنا ،أبداً، أن نشعر بإعجاز القرآن الكريم، ولاستوى لدينا حينها الغث والسمين!.. وأمام تلك السطوة المثيرة للانفعال؛ فلم يكن أمام بعض المستكبرين إلا اختراع الحجج؛ الواحدة تلو الأخرى، وشقّ سُبُلِ الإنكار، سبيلاً في إثر آخر؛ فاتجه البعضُ لوصف القرآن الكريم بأنه: {أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا}(الفرقان:5).. لكنهم ،هنا أيضاً، لم يفلحوا في إخفاء الأثر العميق الذي أحدثه القرآن الكريم في نفوسهم.. فبوصفهم للقرآن الكريم بـ "الأساطير" ،بعد أن أطلقوا عليه صفة "السحر"، وجدناهم قد أثبتوا عجزَهُم عن ردّه إلى أصلٍ بيّنٍ واضح، فهو بالنسبة لهم سحرٌ غير معلوم المصدر!، أو أسطورةٌ تأتيهم من أعماق التاريخ المجهول، فهم لا يملكون لها ردّا، ولا يعرفون لها تفسيراً!. بيانٌ يورثُ الحيرة باختصار؛ فقد تجلت الحيرةُ في كلّ ردود الأفعال التي فوجئت بِنَظْمِهِ البديع، فمن آمن كان في حيرةٍ من أمره؛ قبل أن يشرح الله صدره للإيمان، ولعل من آمن ،فيما بعد، كان دائم التساؤل مُتعجباً: ما الذي فعله القرآن بي؟!... ومن كذب على نفسه وخدعها بوصفه للقرآن بالسحر ،ليخلُص إلى نتيجة مفادها أن محمداً ليس أكثر من ساحر، كان في حيرةٍ من أمرهِ كذلك، ولعله قضى لياليه مُسَهَدّا(10) متعجباً يسائل نفسه: أيةُ قوةٍ تلك التي سيطرت عليّ فجعلتني أذهب إلى ما ذهبت إليه؟!... وقد بيّن القرآنُ الكريم ،في لقطاتٍ نادرةٍ، ردودَ أفعال الفئة الأخيرة، فَصَوّرَها في حيرتها لا تكاد تثبت على حال، فهي متقلبةُ الفكر، مبلبلةُ الخاطر والوجدان، تتناوشها الوساوسُ؛ وتختلطُ عليها الأفكارُ بغير ما انضباط!، ولننظر إلى اللقطات النفسية العجيبة، والتي تجلت في حججهم المبتورة: {قد سمعنا...} ... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...} {إن هذا إلا أساطير الأولين...}(الأنفال:31) {أضغاث أحلام...} {بل افتراه...} {بل هو شاعر}(الأنبياء:5).. ولنتأمل الجُمَلِ القصيرةِ؛ والعباراتِ القلقةِ التي صوّرت حالهم، فهي لا تكاد تقذفها الألسِنةُ حتى تنقطع!!... وكأن القرآن الكريم ،وهو يرسم لنا ردود أفعالهم تلك؛ إنما يصوّر لنا حالةً تنطبقُ على البشرِ جميعاً عندما يتنكرون لما هو واضحٌ جليّ، تلك الحالة التي إذا ما تلبست قوماً حوّلتهم إلى حالةٍ من القلق تُفقدهم توازنهم، فنراهم يتلجلجون في الوصف على غيرِ هدىً: {قد سمعنا...}... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...}... الخ.. لكنهم ما إن يبدأوا باستعادة توازنهم، والسيطرة على انفعالاتهم؛ حتى نجدَهم يبدأون مرحلةً جديدةً من مراحل الكَذِبِ؛ لكنه كذب صُراح هذه المرة؛ كذبٌ مع سبق الإصرار؛ وبغيرما خجلٍ أو حياء!... وهي المرحلة التي انتهى إليها بعض من تنكر للرسالة المحمدية في مراحلها الأولى؛ حيث لجأوا إلى الادعاء ببشرية المصدر الذي أُخذ عنه القرآن الكريم، والادعاء بعدم اختلافه عن أقوال البشر في شيء؟!: {فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر، إن هذا إلا قول البشر}(المدثر:24-25).. من هنا أمكننا أن ندرك عُمق ما أحدثه القرآن الكريم من تأثيٍر غير مسبوق في النفس المتلقية لآياته، تلك التي آمنت، أو هاتيك التي كَفَرَتْ به على حدٍ سواء، لكن تظلُ أشدّ صورِ ذلك التأثير وضوحاً تلك الحيرة الكاملة؛ وذلك الجهل المطبق بماهية السرّ الذي مكّنّ للقرآن أن يُحدث كلّ ذلك الأثر، ولعل ذلك السرّ هو ما ترك الجميع يتساءلون وهم حائرون: أين يكمن السر؟!.. أين يكمن السر؟! ... فهل كان السرّ كامناً في الموضوعات ذاتها؛ والتي تناولها القرآن الكريم في أول عهده؟!... ...أم كان السرّ في صُلب التشريعات التي أرساها؟... ... أو لعله كان موجوداً في تلك النبوءات المستقبلية التي تنبأ بها قبل حدوثها بسنوات؟!... فإذا ما رحنا نستقرئُ الآياتِ الكريمةِ الأولى التي تنزّلت في مكة فلن نجد فيها هذا ولا ذاك، فهي لم تكن تحتوي تشريعاً مُحكماً، ولا علوماً كونيةً سابقة(11) ولن نجد فيها إخباراً بالغيب يقع بعد سنين، مثل ذلك الذي ورد في سورة "الروم"(12). يجب إذنْ (أن نبحث عن "منبع السحر في القرآن" قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح وحدةً مكتملةً تشمل هذا كله)(13).. وهنا لابد لنا من إعادة السؤال كَرّةً أخرى: ما الذي احتواه القرآن الكريم من أسرار مكّنَتْ له كلّ ذلك التأثير الذي لا يردّ؛ وجعلت له تلك السطوة التي لا تقهر؟!.. لعل ما أحدث كلّ ذلك كان يتمثل في شحناتِ الانفعال التي دفعتها الآياتُ الكريمة في قلوب من استمع إليها، بغضّ النظر عن الموضوع المراد الإخبار عنه... ...ولعله كان متمثلاً في أسلوب الأداء القرآني غير المسبوق، فحيث كان القومُ في مكة أهلَ مُماراةٍ ولجُاجةٍ في القول عن فصاحةٍ وبيان، تجدُ في مكيّ القرآن الكريم ألفاظاً شديدةَ القرعِ على المسامع، تقذفُ حروفُها شَررَ الوعيدِ وألسِنةَ العذاب، وكلّ ذلك قد حدث بشكل استعصى على الفهم، فضلاً عن التحليل والتفسير: (وما درى عربيّ واحدٌ من أولئك: لِمَ جعلَ اللهُ في كتابه هذه المعاني المختلفة، وهذه الفنون المتعددة التي يُهيجُ بعضُها النظر، ويشحذُ بعضُها الفكر، ويمُكِنُّ بعضُها اليقين، ويبعثُ بعضُها على الاستقصاء)(14)... وكان هذا كلُه يقال، وذلك كلُه يقعُ و (القومَ في شغلٍ عن بيانِ هذه الصورة بما يتملونه منها في نفوسِهم، وما يحُسونه منها في شُعورِهم، وهم حَيارى مُضطربون، أو مُلبون مهطِعون)(15). ولعل الصورةَ الآن قد بدأت بالاتضاح، فكلّ ذلك القدر من التأثير الذي أحدثه القرآن الكريم ،ومنذ اللحظة الأولى، لم يكن إلا استجابةً لذلك السمّو القرآني، والذي أمكن إدراكه؛ وتذوقه؛ والانفعال به.. بفضل ما كان للعرب ،في ذلك الوقت، من إتقانٍ لفنونِ القراءةِ والاستماع، مما مكن للنص القرآني أن يُظهرَ كلّ قُدُراتِه الكامنة، وتجلياتِه اللطيفة، وأحاسيسه الدافقة!. واستمرت محاولات العلماء ،على مرّ العصور، للتعامل مع النص القرآني بحثاً عن الأسرار المخبوءة فيه، وذلك عبر محاولاتهم الإجابة على بعض التساؤلات المتعلقة بأسرار الإعجاز المبثوثة فيه، وفيما إذا كان ذلك الإعجاز كامناً في حروفه، أو في كلماته، أو هو في مجموع آياته؟!... ليستقر بهم المطاف ،أخيراً، إلى أن كلّ ما في القرآن عجيب، لكنهم استقروا على أن مناط التحدي والإعجاز في القرآن الكريم إنما هو في ناحيته البلاغية، وهي الناحية التي تحدّى القرآن الكريم بها العرب!... بعضٌ من أشكال استعلاء القرآن وكان الإمام "عبد القادر الجرجاني" واحداً ممن تحدثوا عن إعجاز القرآن الكريم، وعن تعلّق ذلك الإعجاز بنظم القرآن ذاته؛ وذلك في كتابه "دلائل الإعجاز". ونظراً لجهود الإمام "الجرجاني" في استقراء الإعجاز القرآني؛ فقد اعتُبِر القرنُ الخامس عصراً ذهبياً للإعجاز، وقد كان الانتصار قَبْلَهُ لِلَفظِ على المعنى؛ وذلك في القضية الجدلية "اللفظ والمعنى" في أيهما تكون الفصاحة والبلاغة؟!. ولـ "ابن عطية" مقولةٌ رائعةٌ حول إعجاز ألفاظ القرآن الكريم يقول فيها: (وكتاب الله لو نُزعت منه لفظةٌ، ثم أُديرَ لسانُ العربِ على لفظةٍ أحسنَ منها لم يوجدْ!، ونحن يتبينُ لنا البراعةُ في أكثره، ويخفى علينا وجهُها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب ،يومئذ، في سلامةِ الذوق وجودةِ القريحة)(17). وكان "مصطفى صادق الرافعي" ،رحمه الله، معتقداً بأن مظاهر الإعجاز في نظم القرآن الكريم تتمثل في ثلاثةِ وجوه: الحروف وأصواتها، الكلمات وحروفها، والجُمَل وكلماتها(18). أما الدكتور "محمد عبد الله دراز" فقد قسّم ألفاظَ القرآن الكريم إلى قسمين: الصّدف؛ وسماه "القشرة السطحية"، و اللؤلؤة؛ وسماها "لب البيان القرآني"، ولما تكلم عن "القشرة السطحية" لجمال اللفظ القرآني لاحظ أنها تتألف من عنصرين مؤثرين: الأول: الجمال التوقيعي: ويتمثلُ في توزيعِ حركاتِ ألفاظِ القرآن الكريم وسكناتِها، ومدّاتِها وغُنّاتِها. أما الثاني فالجمال التنسيقي: ويتمثل في رصف الحروف في الكلمات وتأليفها معاً(19). وحول المعجزة البيانيّة في القرآن الكريم يقول الدكتور "عدنان زرزور": (إن الكلام والبيان هو ما امتاز به الإنسان.. فجاءت معجزةُ محمدe بيانية، للإشارة إلى أن هذه الرسالة هي رسالة الإنسان، حيث كان الإنسان، وفي أي زمانٍ وُجد... ولم يكن البيانُ وقفاً على لغةٍ من اللغات، أو أمةٍ من الأمم، لكنّ اختيارَ لغةِ العربِ لينزلَ بها القرآن؛ وليحملَ بها إلى العالَمِ رسالةَ الإنسان؛ يشيرُ إلى فضيلةٍ بيانيةٍ جامعةٍ؛ امتاز بها اللسانُ العربيّ على كلّ لسان)(20). من هنا؛ فقد أجمع الدارسون لهذا الجانب من علومِ القرآن على رأيٍ لم يختلفوا حوله!؛ ألا وهو فضيلةُ اللغةِ التي تنزّل بها القرآن الكريم على ما عداها، وعلى تميّزِ القرآن الكريم وبلاغتهِ من هذه الناحية.. ويقودنا هذا الإجماع إلى البحث عن أسرار هذا البيان؛ وذلك عبر الغوص في أعماقِ الأسئلةِ الباحثةِ عن سرّ اللغة؛ التي شرّفها الله عزّ وجلّ بأن حمّلها كلماتِه إلى عباده!. ولئن كان من المستحيل تناول وحصر كل أسرار السمو اللغوي الموجود في القرآن الكريم من خلال كتاب واحد؛ فإننا نخصص الصفحات التالية لتناول ظاهرة لغوية فريدة، يمكن تبيُنُها وتَتَبُعُها في ألفاظ القرآن الكريم؛ بحيث باتت ذات أثر كبير في تحديد معانيه.. وهذه هي ظاهرة النسبية في القرآن الكريم ظاهرة النسبية في القرآن الكريم و"ظاهرة النسبية في القرآن الكريم" ؛ نحسب(21) أنها تشكلُ قانوناً عاماً يحكمُ ألفاظ القرآن الكريم. فاللفظ ،بطبيعته، يمكنه أن يتدرج في قدرته على استيعاب المعاني، حيث يمكن للفظٍ ما أن يأخذ من المعاني (من الناحية النظرية على الأقل) القيم من صفر إلى ما لا نهاية!!.. فكلمة: يَدْ، أو رِجْلْ أو عَيْنْ... الخ هي من الألفاظ التي يمكن أن ننسبَها إلى أدني الكائنات الحية، فنقول: يد القرد، رِجْل النحلة، وعين الفراشة...الخ، لكن يمكن لها ،في الوقت ذاته، أن تأخذ قيماً مطلقةً، كقوله تعالى: {يدُ اللهِ فوقَ أيديهم}(الفتح:10) وكذلك قوله عز من قائل: {ولتصنع على عيني}(طه:39)... فاللفظ هنا واحد، لكنّ شتان بين دلالاته المختلفة!!. ولا تقتصر النسبية على المدلولات المادية، بل تتعداها للقيم المعنوية، مثل العدل، والرحمة، والقدرة.. فهي صفات يمكن أن يتمتع الإنسان بنصيبٍ وافرٍ منها، إلا أن قيمها المطلقة مقصورة على الله عز وجل!.. ولعل اللغة العربيّة هي واحدة من أشدّ اللغات قبولاً لصفة المرونة، حيث تعتبر مرونتها معياراً لخصوبة هذه اللغة وقدرتها على الاستيعاب. فاللفظُ الواحدُ في العربيّة يمكن أن تتنازعه عدةُ معانٍ، والتي منها ما هو قريبٌ مما تعارف عليه الناس في حياتهم العملية ونشاطاتهم اليومية، وأن يكون له في الوقت ذاته معنىً ،أو عدة معانٍ، أخرى مما هو مستترٌ خلف المعنى العُرفيّ الشائع. وتعتبر الاحتمالات النظرية لمعاني لفظٍ ما (والموجودة في معجمات اللغة) معاني محتملة له. فلفظة "الشريعة" ،على سبيل المثال، هي في معناها الشائع الذي تعارف عليه الناس: ما شرعَ الله لعباده من أمرِ الدين(22). بينما تتقبل من المعاني اللغوية المحتملة معنى: الطريقة، أو المنهج.. وهي جمعُ شرائع؛ والتي تعني مورد الشاربة. كذلك؛ فإنَّ "الفقه" يعني عُرفاً واصطلاحاً: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية) بينما له من وجوه المعاني اللغوية المحتملة معاني: العلم بالشيء؛ والفهم له، وكذلك: الحذق، والفطنة.. وشتان ما بين المعنى الاصطلاحي (الذي يشيعُ عادةً في زمانٍ ومكانٍ معينين) وبين المعاني اللغوية ذات الأبعاد: المتدرجة؛ والمتعددة؛ وحتى المطلقة في كثيرٍ من الأحيان!.. وتعتبر "ظاهرة النسبية" بشكل عام الوجه المقابل لمشكلةٍ كثيراً ما اعاقت قدرتنا على الفهم السليم لمراد الآخرين من كلامهم (وهي صحيحة بالنسبة لكتاب الله عز وجل بوجه خاص) إذ كثيراً ما أحدث الأخذُ بالمعاني القريبة ،للفظٍ ما، خللاً في الفهم لدى من يسمع، حيث يَقصدُ المتحدثُ معنىً بعيداً، ويفهمُ السامعُ المعنى القريب!... ومن الأمور الجديرة بالاهتمام والملاحظة أنّ المعنى اللغوي المحدد والمقصود للفظ ما؛ كثيراً ما اسْتُمِدَّ نتيجةَ اقترانه بقرينةٍ تُعطي إيحاءاً ما حول المعنى المقصود من بين الاحتمالات الممكنة لذلك اللفظ.. لأجل ذلك، وبغرض فهم الأمور على حقيقتها؛ وعلى كلّ أوجهها المتاحة، كان لا بد لنا ،ونحن نتعامل مع المعاني القريبة للفظٍ ما؛ عدم تجاهل معانيه الأخرى الممكنة مما هو مستترٌ أو بعيد. إنَ حاجَتَنا إلى تلك المرونة (وهي جوهر ظاهرة النسبية) لا تقتصر على الألفاظ المستخدمة في تعاملاتنا اليومية؛ ومطالعاتنا العلمية، بل تتجلى ،أشد ما تتجلى، لدى تعاملنا مع القرآن الكريم، حيث مرونةُ اللغةِ وقدرتُها اللانهائية على الاستيعاب تمثلُ واحدةً من أهم خصائص النص القرآني الكريم؛ ولعل بعض آيات(23) القرآن الكريم قد أشارت إلى تلك الخاصية. ومن الجدير ملاحظته أنه وبدون قدرة اللفظ القرآني على استيعاب المعاني؛ فإن النصّ القرآني يمكن أن يفقدَ ميْزَتَه الإلهية!؛ والمتمثلة في القدرة غير المحدودة على احتواء المضامين واستيعابها، وقدرتة تلك الألفاظ على اختراق حواجز الزمان والمكان، تلك الميزة التي يمكن أن تُقْتَل بين أيدي الناس إذا ما نحواْ إلى تحديد معاني ألفاظ القرآن الكريم؛ وقَصروها على وجوه محددة ومحدودة؛ هي بعضُ الوجوه التي يمكنُ للنصّ القرآني أن يحتملها!. وفي اعتقادنا فإن تلك "المرونة" أو "المقدرة على الاستيعاب" أو "ظاهرة النسبية" ،سمّها ما شئت؛ ليست أمراً عارضاً نجدُه في بعض المواضع في القرآن الكريم دون غيرها(24)، بل هي سُنَّة من سُننه الأصيلة التي لا تنفصل عنه، وصفةٌ ملتصقة به التصاق المفردات بمعانيها اللغوية المحتملة.. وسنحاولُ فيما يلي البرهنة على وجود ظاهرة "النسبية في القرآن الكريم"؛ (كظاهرة عامة لا تقتصر على ألفاظه فحسب) وذلك من خلال إيرادنا لمجموعةٍ من الأمثلة؛ والتي نعتقد بانطباق مفهوم "النسبية" عليها، وهي أمثلة معروضةٌ هنا على سبيل المثال لا الحصر: يتعرضُ القرآنُ الكريم لمفهوم "السماء" في آياتٍ كثيرة، لكن المدقق فيها سيلاحظ أنها لا تشيرُ دائماً إلى نفس المعنى والمضمون، حيث تأخذ تلك اللفظة معاني متدرجة من الأدنى إلى الأعلى، ومما هو قريب إلى ما هو أبعد!. فالسماء ،في واحدةٍ من حالاتها القريبةِ التي يطرحها القرآن الكريم، هي مكانُ نزول المطر: {وأنزل من السماء ماء}(البقرة:22).. ثم تبدأ معانيها بالاتساعِ لتشيرَ إلى معنىً أرحب هو الغلافُ الجويِّ المحيط بالأرض: {ومن يُرد أن يضلَهُ يجعل صدره ضَيِّقاً حرجاً كأنما يَصَّعّدُ في السماء}(الأنعام:125).. ثم يبدأ القرآن الكريم بإعطاء لفظة "السماء" معانٍ إضافية أبعد من كل ما ذكرناه، تكون فيه السماء ذات معنى شامل مُتسع، وذلك عندما يتحدثُ القرآنُ الكريم عن "سماءٍ" ترتبطُ بعلاقةٍ مكانية مع "النجم الثاقب"، وفي هذا يقول الله عز وجل: {والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب}(الطارق:1-3) ولا يخفى أن العلاقة المكانية التي تربط بين "السماء" من جهة و"النجم الثاقب" من الجهة الأخرى هي علاقة احتواء، فالسماء هنا هي الحيّز المكاني الذي تتواجد فيه النجوم، وهي القرينةُ التي تشيرُ إلى المعنى المقصود للسماء في هذه الآية... وهو معنى مقارب لما ورد في الآية الكريمة {ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين}(الملك:5)... ثم تمتدُ "السماء" في معناها إلى ماهيّةٍ مجهولةٍ، كما في قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماءِ وهي دُخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين، فقضاهنَّ سبعَ سمواتٍ في يومين، وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها}(فصلت:10) وهو معنىً بحاجة إلى كثيرٍ من التدقيق لإدراكه على وجهه الصحيح!... كذلك فإن لفظة "أرض" في القرآن الكريم نَحَت نفس المنحى، ونسجت على نفس المنوال، فقد وردت "الأرض" في أحد معانيها لتشير إلى مكانٍ محدودٍ صالحٍ للرعي، وذلك في قوله تعالى: {فذروها تأكلُ في أرض الله}(هود:64) والقرينة الموضحة للمعنى هنا هي: الحيّز المكاني الذي يمكن أن ترعى فيه الدابّة. ثم وجدنا معانيها تمتدُ لتتسعَ لمعنى: الأرض الزراعية لبلدٍ ما، كما في قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبرَ على طعامٍ واحد فادعُ لنا ربك يُخرجُ لنا مما تنبتُ الأرض}(البقرة:61).. والأرضُ هنا ذات معنىً أبعد وأرحب منها في المثال الأول.. ثم وجدنا مدلولها يتسعُ متجاوزاً البلدَ الواحدَ ليفيدَ معنى: "البلاد"، وذلك كما في قوله تعالى: {ألم تكن أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها}(النساء:97)، والقرينة هنا هي الفعل "فتهاجروا"، والذي يعني التنقل من مكان إلى مكان، ومن بلادٍ إلى أخرى... ثم وجدنا مضمونها يأخذُ مدىً أوسع عندما أفاد مُصطلحاً فلكياً حديثاً هو "الكرة الأرضية" أو "كوكب الأرض"، وذلك كما في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء}(البقرة:29).. والقرينة المشيرة إلى هذا المعنى هي اقتران الأرض بالسماء، والذي يعني كل كوكب الأرض بما يحيط به من سماء، كذلك يمكن أن تكون طبيعة الخطاب ،والموجهة للعموم (خلق لكم) قرينةً أخرى توضح المعنى المقصود. ويمكن للفظتي "سماء" و "أرض" أن تردا لتفيدا معنىً إضافيا غاية في الاتساع، كما في قوله تعالى: {إن في خلقِ السموات والأرض واختلافِ الليلِ والنهارِ لآياتٍ لأولي الألباب}(آل عمران:190).. فمضمون الآية الكريمة يمكن أن ينطبق على الكرة الأرضية وما يحيطُ بها من سماء، لكن يمكن له كذلك أن يتجاوز ذلك المعنى لينطبق على أرض كلّ كوكب سيّار من أمثال: أرض المريخ، أرض الزهرة، وأرض المشتري...الخ بما يحيطُ بكلٍ منها من سماءٍ خاصةٍ به، وبهذا فإن المفاضلة في الآية الكريمة (اختلاف ظاهرتي الليل والنهار) يمكن أن تتجاوز المفاضلة بين الليل والنهار على كوكب الأرض لتنطلق إلى مفاضلةٍ ومقارنةٍ أرحبَ وأوسعَ بين ليل ونهار الكواكب المختلفة فيما بينها، حيث لكل أرض (كوكب) سماؤها الخاصة، ولعل السموات قد جاءت جمعاً لتشير إلى اختلاف سماء كل كوكب (أي غلافه الجوي) عن غيرها من سموات الكواكب الأخرى، أما الأرض فقد جاءت مفردة لأنها تشير إلى جنس الأرض، وقد يكون في ذلك إشارة إلى الأصل الواحد لها جميعاً؟!... ولعل أعجب المواضع التي وردت فيها لفظتا "السماء" و "الأرض" هي ما ورد في سورة "هود" : {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها شهيق وزفير، خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك}(هود:106-107)... فأية سموات وأية أرض تلك التي ستكون موجودة والناس يعذبون في النار خالدين فيها؟!.. كذلك من الأمثلة التي يمكن ضَرْبُها لنسبية المعاني في القرآن الكريم مفهوم أُمِيّة الرسول e، وقد عبرّت الآيات الكريمة عن تلك الصفة وذلك في قوله تعالى:{الذين يَتَبِعونَ الرسولَ النبيَّ الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل}(الأعراف: 157)... و"الأميةُ" بمعناها المتعارفُ عليه في عالمِ اليوم هي أميةٌ تستمدُّ معناها من "الأمومة" (أي نسبة المرء إلى أُمِهِ)، فيقال: رجلٌ أميّ؛ بمعنى: أنه لا يعرف شيئاً وكأنه يوم ولدته أمه!، وهي في معناها الشائع تعبّرُ عن المعنى المقابل لإتقان القراءة والكتابة.. فهل أرادت الآيات الكريمة أن تشير إلى عدم قدرة النبي e على القراءة والكتابة؟!.. إنّ المفارقة ستزدادُ وضوحاً إِذا علمنا أن صفةَ "الأمية" قد أُشير إليها هنا في معرضِ خطاب ربِّ العزة لبني إسرائيل {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل}(الأعراف:157)؟!.. وبذا يتبين لنا أن الأمية في هذا الموضع إنما هي علامةٌ أعطاها الله لبني إسرائيل ليتعرفوا بها على نبيِّ آخر الزمان!!.. فهل تُعتبرُ أميّة النبيّ محمد e (بمعنى عدم القراءة والكتابة) علامة مميزة يمكنُ أن يَستدلَّ بها بنو إسرائيل على النبيّ الخاتم، نبيّ آخر الزمان؟!... وقد وردت لفظة "أمي" كذلك في قوله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}(الأعراف:158).. وفي هذا الموضع يمكن ملاحظة المفهوم العالمي الذي تتحدث الآيات من خلاله القرآن، حيث يوجَهُ الحديثُ إلى الناس كافة، ويؤكدها بـ كلمة "جميعا"، وكأن مفهوم "الأمية" هنا يقابل نفس المفهوم العام... إن مفهوم "النسبية" الذي نناقشه هنا يسمحُ لنا أنْ نلقيَ نظرةً أبعدَ مدىً، وأن ننسبَ أُمِيَّةَ النبيّ e إلى لفظةِ "أُمّة" لا إلى لفظة "أم"!، وبالتالي فإنّ صفة النبيّ الأميّ تكتسبُ معنىً جديداً هو: "نبيّ الأمة"، أو "نبي الأمم جميعاً".. وتصبح دلالةً على النبيّ المُرسل للناسِ كافة، وللعالمين جميعاً، وهو مفهومُ متأصل في القرآن الكريم. فكثيرةٌ هي الآيات التي تحملُ هذا المضمون؛ ومنها: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}(سبأ:28). وكذلك قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}(الأنبياء:107) وبهذه الدلالة فقط يتسنى لأُميّةُ النبي محمد e أن تصبح دليلاً واضحاً يستعين به بنو إسرائيل للتعرف على النبي الخاتم!، فهو من هذه الناحية نبيٌ مرسلٌ للناسِ جميعاً بعد أن كان الأنبياءُ يُبعثون لأقوامهم خاصة!!!... ونضربُ مثالاً إضافياً واضحاً على "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم وذلك باللفظ "كَفَرَ"؛ والذي ورد في القرآن الكريم بمعانٍ متعددةٍ؛ كان المعنى اللغوي لها(25) قاسماً مُشتركاً بينها جميعاً... لقد ورد اللفظ "كَفَرَ" في قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لآوتينّ مالاً وولدا}(مريم:77).. وهي تشير هنا إلى المعنى الاصطلاحي الدارج للكفر، والمتعارف عليه بين الناس، والمستمد لغوياً من معنيي "التغطية" و"الستر"، وما سُمي الكافرُ كافراً إلا لتغطيته على الأنْعُمِ التي أنعمَ اللهُ بها عليه؛ وعدم اعترافه بها!... لكن ليس كلُّ كافرٍ كافراً؟!!.. فقد وردت اللفظة عينها في القرآن الكريم لتفيدَ معنىً آخر وذلك في قوله تعالى: {فاستوى على سوقِه يعجبُ الزُرَاعَ ليغيظَ بهم الكُفَار}(الفتح:29) وكذلك في قوله تعالى: {كمثلِ غيثٍ أعجبَ الكُفارَ نباتُه}(الحديد:20) فالكفار المقصودون هنا هم الزُراع، والقرينة هنا واضحة حيث السياق كله يتحدث عن النبات والزراعة والمطر.. لكن لماذا سُمي المزارع كافرا؟!.. لقد سمي كذلك لأنه هو منْ يكفرُ البذرةَ (أي يغطيها) بالتراب!... لكنّ اللفظ ذاته ورد في موضعٍ ثالثٍ ليشيرَ إلى معنىً نظنه مُختلفاً عن سابقيه!، وذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئسَ الكُفارُ من أصحاب القبور}(الممتحنة:13).. فمن هم الكفار المقصودون في هذه الآية(26)؟!.. هل هم الكفار بالمعنى الأول للفظ... أي من يغطي نِعَمَ الله ويخفيها ولا يعترف بها؟!، ولماذا اختُص الكفار باليأس من الموتى مع أن المؤمنَ أيضاً يمكنه أن ييأس من أصحاب القبور كالكافر تماماً ذلك أننا أمام حقيقة إنسانية عامة هي الموت!.. أم أن اللفظ يشير إلى الكفر بمعناه الثاني والذي يعني تغطية البذرة بالتراب انتظاراً لإنباتها؟!.. أم أن هناك معنىً ثالثاً يمكن أن نضيفه إلى سابقيه؟!!... من الواضح أن نظرةً متسرعةً نلقيها على الآية الكريمة المشارُ إليها سوف تدفعنا باتجاه المعنى الأول لكلمة "كافر"؛ وهو المعنى الأكثر شيوعاً؛ والأكثر تعارفاً عليه بين الناس.. لكن هل يمكن أن يوجد لهذا اللفظ معنىً ثالثاً يكون مُشتقاً من الأصل اللغوي، ولا يكون مجرد إسقاطٍ لمعنىً على آخر؟!... لنبحث عن القرينة التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي يمكنها أن تفيدنا في تحديد أي وجوه معاني اللفظ المذكور هي المقصودة، ولنسأل أنفسنا سؤالاً: من هم أصحاب القبور؟!... والجواب: هم الأموات بالطبع!!.. ونسألُ أنفسنا مرةً أخرىً: فما علاقة الكُفار بالأموات؟!... والجواب: أن من يَدفن(28) ميتاً فهو كافرٌ له، وهو أكثرُ الناسِ علماً بحقيقةِ موته، فهو الذي يدفعه في حفرته، ويغطيه ،من ثمَّ، ليهيل عليه التراب بعد ذلك!!... والمعنى هنا يشترك مع غيره من المعاني السالفةِ الذكر (تغطية أنعم الله وسترها، وتغطية البذرة بالتراب) في أن جميعها تشترك في الأصل اللغوي الذي انبثقت عنه، ألا وهو التغطية والستر؟!!... وهي وجوهُ معانٍ متعددة، وذات مضامين نسبية للفظ لغويٍّ واحد!!.. ومع اعتقادنا بأن ظاهرة "النسبية" في القرآن الكريم هي قانون عام؛ إلا أننا نظن بأنها تناسب المصطلحات الخاصة بالزمن بشكلٍ خاص؛ حيث لم يحدد القرآنُ الكريم قيماً محددةً لكثيرٍ من الألفاظ الواردة فيه ذات الدلالة الزمنية؛ والمتداولةٌ بشكلٍ واسعٍ في حياتنا اليومية، حيث نعبر من خلالها عن قيم محددةٍ ثابتةٍ تختص بالوقت. فالقرآن الكريم يتحدث عن "اليوم"، لكنه لا يقصدُ ،دائما، اليوم الذي نعرفه، والذي حدده الإنسان حديثاً بمقدار الزمن الذي تسستغرقه الكرة الأرضية لكي تكمل دورةً كاملةً حول نفسها، والمقدّر بأربعٍ وعشرين ساعة من زمننا الأرضي. وُجلُّ حديثِ القرآن الكريم في هذا الشأن (كلمة يوم) يتمحورُ حول مفهوم "اليوم الآخر": {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمْانِهِم، بُشْراكُمُ اليومَ جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها}(الحديد:12)، وكذلك في قوله تعالى: {لن تنفعكم أرحامُكم ولا أولادُكم يوم القيامة يفصل بينكم}(الممتحنة:3) والقرينة الموضحة للمعنى المقصود واضحةٌ في سياق كلتا الآيتين سالفتي الذكر.. لكنَّ كلمة "يوم" في القرآن الكريم لا يقتصر ورودها على المواضع غير محددة المضمون كيوم القيامة، إذ يمكن أن يطال معناها ما تعارفنا عليه في حياتنا اليومية من معانٍ، وذلك باقترانها بقرينةٍ تُقيدها على وجهٍ يفيدُ هذا الفهم، وذلك كما في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاةِ من يومِ الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}(الجمعة:9) وقد حُدِد مفهومُ كلمةِ "يوم" هنا من خلال اقترانها بكلمة "الجمعة"، فهو إذن أحد أيام الأسبوع على كوكب الأرض؟!... وهو عينه المعنى المراد في قوله تعالى: {فانطلقوا وهم يتخافتون، أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}(القلم:24) والقرينة في المثال الأخير واضحةٌ، فهو حديثُ البشرِ للبشر عما هم متعارفون عليه من أيام الأسبوع!.. أما الإطلاقات العجيبة لكلمة "يوم" في القرآن الكريم فهي تجعله مدةً زمنيةً حائرة؟!؛ فهي ليست مما تعارفنا عليه نحنُ سكان كوكب الأرض، كما أنها لا تحمل قيمةً محددةً في حدّ ذاتها، بل جاءت لتحملَ قيمةً نسبيةً ،بالقياس إلى قيمة اليوم على كوكب الأرض؛ وذلك كما في قوله تعالى: {تعرجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقدارُه خمسيَن ألف سنة)(المعارج:4)... وكذلك قوله تعالى: {وإن يوماً عند ربك كألفِ سنةٍ مما تعدون}(الحج:47)... وهنا تبدو الآيات الكريمة وكأنها تحملُ إشاراتٍ واضحةً لمفاهيم فيزيائية حديثة حول "نسبية الزمن" والتي ناقشتها نظريةُ النسبية لآينشتاين بعد ذلك بمئات السنين!!.. كذلك فإن مصطلح "الساعة" كان من المفاهيم الزمنية التي تحدث عنها القرآن الكريم، لكنه لم يقصد به ،على الإطلاق، ما نتداوله اليوم من معانيها، فهو لم يقصد الفترة الزمنية المكونة من ستين دقيقة!.. بل قصد من ورائه ،في بعض المواضع، فترةً زمنيةً قصيرةً نسبياً؛ وذلك كما في قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة}(التوبة:117)، وكذلك قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف:34).. وهي لم تأتِ في كلّ المواضع لتعبرَ عن نفس القيمة الزمنية القصيرة، بل إن أكثر إطلاقاتها قد جاءت لتخبرَ عن يوم الهول العظيم: {ويوم تقومُ الساعةُ يومئذ يتفرقون}(الروم:14)، كذلك قوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا يا حسرتنا}(الأنعام:31).. وقد يبدو لنا ،في كثيرٍ من المواضع القرآنية، تلاشي واختفاء الحدود الزمنية المعهودة لدينا، فنرى في بعض المواضع أن الآيات تتحدث عن المستقبل بصيغة الماضي، وتتحدثُ عما سيأتي كما لو أنه قد تَمّ بالفعل!، كما في قوله تعالى: {إذا السماءُ انفطرت، وإذا الكواكبُ انتثرت، وإذا البحار فجّرت}(الانفطار:1-3)، وقوله تعالى:{إذا السماء انشقت}(الانشقاق:1).. والآية الكريمة: {وسيق الذين اتقواْ ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاءوها وفُتحت أبوابُها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73).. وهي ،بلا شك، ظاهرةٌ تستحقُ التوقف عندها من خلال دراسةٍ متأنيةٍ واعية. ولعل من ملامح "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم استخدام بعض الأدوات اللغوية ،في بعض المواضع، للتعبير عن معانٍ غير تلك التي شاع استخدامها للتعبير عنها!!... فالفعل "كان" ،على سبيل المثال، والذي شاع استخدامه للتعبير عن حدوث فعلٍ ما في الزمن الماضي، قد ورد في مواضعَ معينةٍ من القرآن الكريم للتعبير عن: "الحقيقة الثابتة"؛ والتي لا علاقة لها بالتحولات الزمنية؛ كقوله تعالى:{وكان الله غفوراً رحيماً}(الأحزاب:50) وكذلك قوله تعالى: {كنتم خير أمةِ أُخرجت للناس}(آل عمران:110) حيث أشير إلى أن المقصود من ورائها هو وجودُ شيءٍ ما في زمانٍ ماضٍ على سبيل الإبهام، وليس فيه دليلٌ على عَدَمٍ سابق، ولا على انقطاع طارئ. كذلك من ملامح ظاهرة النسبية، استخدام الحرف "ثم" ،ذو الدلالة الزمنية المعروفة(29)؛ بشكل غير مألوف، ففي الوقت الذي يردُ فيه هذا الحرف في بعض المواضع لتكونَ له دلالةٌ زمنيةٌ واضحةٌ كما في قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثم اتخذتم العجلَ من بعده وأنتم ظالمون}(البقرة:51-52) وجدناه في مواضع أخرى يفتقدُ إلى تلك الدلالة، وليتجاوزَ مهمة "التعبير عن الزمن" إلى مهمةٍ جديدةٍ هي "التعبير عن الربط الموضوعي" بين كيانين موضوعيين، ولتصبح الدلالة الزمنية وفق الاستخدام الجديد ذات قيمة هامشية غير ذات أهمية!. مثالُ ذلك: التعبير غير المألوف الوارد في قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون (ثم) كُلي من كلّ الثمرات}(النحل:68)... فحرف (ثم) هنا إنما يقوم بمهمة الربط الموضوعي بين مقامين موضوعيين هما مقام (اتخاذ البيوت) و مقام (الأكل)، ولو دققنا النظر فسنجدُ أنْ ليست هناك علاقة تراتُبٍ زمنيٍ بين عملية (اتخاذ البيوت) وبين عملية (الأكل)، إذ لا يُعقلْ أن يظَلَّ النحلُ بدون أكل إلى أن ينتهي من عملية اتخاذ البيوت!؛ وهي العملية التي يُعتقد أنها استنفدت آلاف السنين لتستقرَ على حالها النهائي؛ بعد تنقلها من الجبال، إلى الشجر، وإلى ما يعرشون!!... إن من شأن النظر إلى حرف (ثم) من خلال المنظور الجديد ،الذي لا يشترط الدلالة الزمنية في الحرف، من شأنه أن يلقي مزيداً من الضوء على بعض المواضع في القرآن الكريم غير كاملة الوضوح بالنسبة لنا كبشر، في الإطار الزمني الذي نعيش فيه وذلك مثل قوله تعالى : {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام (ثم) استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا}(الفرقان:59)... بقي أن نذكر أنّ "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم هي المبرر الوحيد لصلاحية الألفاظ "المحدودة" للتعبير عن معانٍ "مطلقة"، فالدين ،أي دين، مجالُه عالم الغيب المطلق، لكن ذلك لا يعني انفصاله عن عالم الواقع المحدود، وهو في الوقت الذي يتناولُ فيه غيرَ المُدرَك من المعاني المطلقة؛ فإنه يتعامل في الوقت ذاته مع المدرك والمحسوس في حياة الناس، لذلك كان من المنطقي أن يقرِن القرآنُ الكريم بين هاتين الحقيقتين فيأتي بهما في آيةٍ واحدة {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}(البقرة:3) فالإيمان هنا يمس عالم الغيب، بينما الصلاة حقيقةٌ من حقائق الواقع المحسوس!.. وهو ما يوضح حقيقة أن قيّم المعاني المحتملة للفظٍ ما يمكن أن تكون جدّ متباعدة؛ وذلك إذا ما تم استخدام تلك اللفظة للتعبير عن معنيين من عالمين مختلفين يفصل بينهما كلّ ذلك التباعد، كأن يكون الأول غيبياً والآخر محسوس!... من هنا فقد زادت الحاجة لدينا للتفريق بين الوجوه المتعددة والمحتملة للفظٍ ما، لأن الخلط بين تلك الوجوه كثيراً ما كان يؤدي إلى خلل خطير في الفهم... مثال ذلك ما كان يحدث عندما يتم فهم صفات الله عز وجل (وهي غيب) على ضوء فهمنا وإدراكنا لمعاني تلك الصفات في عالمنا المادي المحسوس!. المهم هنا هو أننا أصبحنا الآن ندركُ جيداً مدى حاجتنا إلى إرساء قاعدة "المحتوى النسبي المتدرج للألفاظ"؛ والتي بدونها لا يمكن لنا أن نقترب من فهم النص القرآني على وجهه الصحيح.. إن ما يبدو لنا واضحاً الآن هو أن تجاهل قاعدة "النسبية" في القرآن الكريم؛ إنما سيجعل المرءَ أسيراً للمعاني القريبة للألفاظ، بما ينعكس سلباً على طريقة إدراكنا لمعاني الآيات فيحدّ من آفاقها!.. ولعلنا ندرك اليوم حاجتنا إلى إفراد تلك الظاهرة بدراسة خاصة بها، تجلي معناها، وتقدم مزيدا من الشرح والتوضيح لأمثلتها، وهو العمل الذي يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت. الباحث الفلسطيني محمد صبحي السويركي swairky************* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ ((2) مباحث في علوم القرآن، مرجع سابق، ص297. (3) السحر المشار إليه هنا هو السحر بمعناه الطيب، وهو السحر الكلامي والذي يقصد به: (غرابة الكلام ولطافته المؤثرة في القلوب؛ المحوِلة إياها من حالٍ إلى حال) (المنجد في اللغة والأدب والعلوم، مرجع سابق، ص323). ((5) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، ط3، ص221. (6) قبيل غير قبيل الكلام: أي ليس مثل الكلام البشري، ولا يشابهه. ((7) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مرجع سابق، ط3، ص221. ((8) ختنه: بكسر الخاء وتسكين التاء، أي: زوج أخته. (9) عن سيرة ابن هشام، نقلا عن التصوير الفني في القرآن، ص10. ((10) أي في القرآن. (11) باتَ مُسَهَداً، أي بات مؤرقا وقد جافاه النوم. (12)لا إشارةً خفيفةً في السورة الأولى التي تحدثت عن خلق الإنسان من علق. (13)وهي السورة الرابعة والثمانون من حيث ترتيب النزول. (14) التصوير الفني في القرآن، سيد قطب، دار الشروق، ص16. (15) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مرجع سابق، ط3، ص152. (16) التصوير الفني في القرآن، مرجع سابق، ص23. (17) نقلا عن كتاب مباحث في علوم القرآن، مرجع سابق، ص301. (18) البيان في إعجاز القرآن، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي، دار عمّار، ص114، نقلا عن "فكرة إعجاز القرآن، ص95. ( 19)البيان في إعجاز القرآن، مرجع سابق، ص124.) البيان في إعجاز القرآن، مرجع سابق، ص124-125. (20) علوم القرآن الكريم، عدنان زرزور، ص254، بتصرف (نقلا عن البيان في إعجاز القرآن)، مرجع سابق، ص142. (21) لا يصلح ما نورده في هذا الكتاب للدلالة القاطعة على صحة "ظاهرة النسبية في القرآن الكريم"، إلا أننا نتمنى أن تثبت صحتها إما من خلال كتاب منفصل يخصص لهذه الغاية، وإما من خلال دراسات متخصصة يقوم بها باحثون متخصصون في الدراسات القرآنية. (22) من أمرٍ، ونهيٍ، وحلالٍ، وحرامٍ، وفرائض، وحدود.. ( 23){قل لو كان البحرُ مداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تنفدّ كلماتُ ربي}(الكهف:109) ( 24)أو هكذا يبدو لنا؛ إلى أن يتم إثبات هذا الأمر أو نفيه. (25) كفر: كُفرا، كفر الشيء: أي ستره وغطاه، يقال: كفر درعه بثوبه: أي غطاها به ولبسه فوقها. (المنجد في اللغة والأدب والعلوم، مرجع سابق، ص691). (26) قال الحسن البصري في تفسيرها: الكفار الأحياء قد يئسوا من الأموات، وقال قتادة: كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحابُ القبور الذين ماتوا، وكذا قال الضحاك.(تفسير القرآن العظيم،ج4، مرجع سابق، ص457). (27) أو هو الحانوتي بلهجة إخواننا المصريين. (28) يستخدم حرف "ثم" عادةً للتعبير عن تعاقُب حدثين من الناحية الزمنية، كأن نقول: دخل التلاميذُ الفصلَ ثم تبعهم المدرس. (29) هذا الوصف لأستاذي الدكتور يونس محيي الدين الأسطل، وأرجو أن يكون حجة لي لا عليّ!! |
اليهود والتحالف مع الأقوى قال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران:112) ضربت عليهم الذلة أي اليهود ، أينما ثقفوا أي أينما وجدوا ، إلا بحبل من الله وحبل من الناس ، أكثر المفسرين فسرها بعهد الله وعهد الناس . أخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قال: بعهد من الله وعهد من الناس . ومن معاني الحبل هو العهد والوصل والسبب . فمعنى الحبل في هذه الآية السبب فاليهود ضربت عليهم الذلة أينما وجودا إلا بسبب من الله وهو إتباعهم الوحي والهدي النبوي عندما اتبعوا سيدنا موسى عليه السلام فأعزهم الله بعدما كانوا أذلة، أو بسبب من الناس من خلال تملق الأقوياء والتحالف معهم وجعلهم أداة ووسيلة تحقيق أهدافهم . وهذا ما يصدقه الواقع والتاريخ فاليهود قوم انتهازيين وصوليين ، يتملقون الأقوياء ويتحالفون معهم من أجل خدمة أهدافهم . فحين ظهر قورش الفارسي في بلاد فارس ، وأصبح قوة جبارة، ساعده اليهود واعتبروه مخلصاً ربانياً لهم ، بل وصفوه بالمسيح المنتظر ، وجاء في سفر أشعيا (هكذا يقول الرب لمسيحه ، لقورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمماً ، وأحل أحزمة ملوك ، لأفتح أمامه المصراعين ، فلا تغلق الأبواب ، إنني أمشي أمامك ، وأمهد الهضاب ، وأحطم مصراعي النحاس ، وأكسر مزاليج الحديد ، وأعطيك مكنونات الكنوز وذخائر المخابئ ، حتى تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك ، لقبتك وأنت لا تعرفني). و قد قدم قورش هذا وعداً لليهود بالعودة إلى فلسطين ، على نفس الطريقة التي صدر بها وعد بلفور . و عندما كانت العلاقات بين الكلدانيين والمصريين متوترة ، ومرشحة للاصطدام ، قدر اليهود أن النصر سيكون حليف المصريين ، لذلك سارعوا للتحالف معهم ، وخالفهم في ذلك النبي " أرميا الكاهن " فقد كان أعتقاده أن النصر سكون من نصيب بختنصر وجيشه. و لما انتصر جيش بختنصر ، اقتحم بختنصر القدس وساق اليهود أسرى إلى بابل ، وقَدَر للنبي " أرميا " موقفه فترك له الحرية في البقاء أو الهجرة . وحين برز المسلمون كقوة عالمية سارع اليهود للتحالف معهم وكسب ودهم، بل راحوا يتجسسون لهم على الروم وغيرهم . وفي الأندلس استقبلوا المسلمين ، فلما خرجوا منها كانوا معهم ، واستقروا في أقطار المغرب وتركيا ، فلما أفل نجم المسلمين، راحوا يتجسسون عليهم لمصلحة الاستعمار الغربي ، بل راحوا يغرونه بالغزو. وحين سطع نجمهولاكوا في المشرق كاتبه يهود بغداد وحالفوه وقدموا له المال والمشورة، قبل أن يصل إلى بغداد، فلما دخلها وقتل الخليفة ومليوناً من المسلمين سلم اليهود ، فلم يقتل منهم أحد ، كما سلمت أموالهم من النهب والسلب وفي العصر الحديث ابتدأ رهانهم على فرنسا فحالفوها ، وراحوا يتعلمون الفرنسية ، ويعلمون في خدمة النفوذ الفرنسي، فلما برزت إنكلترا قوة جديدة ، تحولوا إليها وربطوا مصيرهم بها ، وراحوا يغرون الإنكليز باستعمار فلسطين وغيرها ، واتخذوا من " لندن " مقراً لحركتهم ونشاطهم ، فلما توحدت ألمانيا وبرزت قوة سياسية ، تركوا لندن ، توجهوا إلى برلين ، وقام بعضهم بترجمة التوراة للألمانية ، كما راحوا يتعلمون الألمانية ، ويعقدون المؤتمرات هناك ، ويكتبون بالألمانية كافة القرارات ، وبقي الحال هكذا حتى بعد ظهور هتلر ، حيث ظلوا على صلة به ، يحاولون استثمار كرهه للمساعدة في الهجرة إلى فلسطين . في كتاب الصهيونية في زمن الدكتاتورية " لكاتبه اليهودي ليني برينر " والذي قام بترجمته والتقديم له د. محجوب عمر وأصدرته :" مؤسسة البحوث العربية " قد كشف المؤلف عن وثيقة باسم " أنقرة " وفيها أدلة على اتصال الإرهابي " شتيرن " صاحب العصابة التي حملت اسمه ، وقد قام بالاتصال أولاً بالفاشيين الإيطاليين ثم جانبهم ، بشرط المساعدة على قيام دولة إسرائيل ، وكان هذا عام 1940 حين كان نجم " المحور " في صعود وانتصاراتهم تدوي في العالم ، وخسارتهم للحرب تبدوا بعيدة جداً . ففي عام 1940 م جرى اتصال بيهودي يعمل مع الشرطة البريطانية في القدس وكان عميلاً " لموسليني " ، وكان الاتفاق يقضي بأن يعترف ( موسليني ) بدولة عبرية في فلسطين ، وفي مقابل ذلك يحارب اليهود إلي جانب المحور . و لم يكتف " شتيرن " بهذا الاتصال ، فأراد أن يكون مع الألمان وبشكل مباشر ، لذا أرسل " نفتالي لونستيك " إلى بيروت ( وكانت بحكم حكومة " فيشي" التي أقامها المحور في فرنسا ) . و في كانون الثاني 1941 م قابل " لونستيك" الألماني " رودلف روزين وأوتوفرن " الذي كان مسؤلاً عن الإدارة الشرقية في الخارجية الألمانية . إن تاريخ الوثيقة هو 11كانون الثاني 1941 م ، وكانت جماعة " شتيرن " لا يزالون يعتبرون أنفسهم " الأرجون الحقيقي" . ولم يتبنوا اسم " المقاتلين من أجل الحرية " إلا فيما بعد ، ( حيث حصل الانشقاق ) وفي الوثيقة قالت مجموعة " شتيرن " للنازيين : (إن جلاء اليهود عن أوروبا هو شرط مسبق لحل المسألة اليهودية ، وهذا لا يمكن إلا من خلال إقامة الدولة اليهودية وفي حدودها التاريخية ، وإن المصالح المشتركة يمكن أن تكون في إقامة نظام جديد في أوروبا، متسق مع المفهوم الألماني والطموحات القومية للشعب اليهودي ، كما تجسدها المنظمة العسكرية القومية ، وإن التعاون بين ألمانيا الجديدة وبين عبرانية شعبية متجددة ممكن ، كما أن إقامة الدولة اليهودية التاريخية على أسس قومية شمولية ، ومرتبط بمعادة مع الريخ الألمانية ، ستكون في مصلحة الحفاظ على موقع نفوذ ألماني مستقبلي في الشرق الأوسط وتقويته . وانطلاقاً من هذه الطموحات القومية المذكورة والخاصة بحركة الحرية الإسرائيلية من جانب الرايخ الثالث ( هتلر) ، تعرض أن تشارك بنشاط في الحرب إلى جانب ألمانيا ) . و الغريب أن " شتيرن " ويشاركه آخرون يشعرون بأن الصهاينة هم الذي خانوا المحور وليس العكس . و يوم أن قام هتلر بإغلاق النوادي اليهودية ، ومصادرة صحفها ، استثنى الصحف الصهيونية ، حيث استمرت على الكتابة والنشر ، وهذه الصلة صارت البحث فيها ، من المحرمات ومن يبحث فلن يجد داراً تنشر له ، لأن سيف الإرهاب الصهيوني مسلط فوق الرؤوس في الغرب . ثم تحولوا بعد ذلك إلى لندن وحالفوا الإنكليز . وبعد الحرب العالمية الثانية أدركوا أن مركز القوة قد تحول إلى أمريكا ، فتوجهوا إلى هناك، رامين بثقلهم المالي والإعلامي والتنظيمي . و غداً إذا ما شعروا بان روسيا أو الصين مرشحة للصعود |
ذكر كلمة الملك في سورة يوسف عندما يذكر القرآن حكام مصر القدامى لا يذكرهم إلا بلقب (فرعون) وذلك في حوالي ستين آية كريمة إلا في سورة واحدة ذكر فيها حاكم مصر بلقب (ملك) وذلك في سورة يوسف ، قال تعالى : ) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ((1)، وقوله تعالى: )وقـال الـملك ائتـوني به ((2) .إنها سورة يوسف … لم يذكر فيها لقب فرعون مع أن يوسف عليه السلام عـاش في مصر … وذكرت السورة في ثلاث آيات هي ( 43 و 50 و 54 ) أن حاكم مصر كان لقبه ملكاً وليس فرعوناً فكيف هذا ؟.. بقيت هذه الآيات الثلاث إعجازاً قرآنياً، حتى فكك ( شامبليون ) حجر رشيد وتعرف على الكتابة الهيرروغلوفية في أواخر القرن التاسع عشر، فتعرف العالم على تاريخ مصر في مطلع القرن الحالي بشكل دقيق فظهرت المعجزة. إن حياة يوسف عليه السلام في مصر كانت أيام ( الملوك الرعاة : الهكسوس ) الذين تغلبوا على جيوش الفراعنة ، وظلوا في مصر من 1730 ق.م إلى 1580 ق.م حتى أخرجهم أحمس الأول وشكل الدولة الحديثة (الإمبراطورية) . لذلك كان القرآن العظيم دقيقاً جداً في كلماته لم يقل : قال فرعون ائتوني به ، ولم يقل : وقال فرعون إني أرى سبع بقرات سمان ، بل قال : ) وقال الملك(. لأن يوسف عليه السلام عاش في مصر أيام ( الملوك الرعاة ) حيث تربع على مصر ملوك بدل الفراعنة الذين انحسر حكمهم إلى الصعيد وجعلوا عاصمتهم طيبة . أليس هذه معجزة قرآنية تاريخية تشهد بدقته وصحته… وتشهد بالتـالي بنبـوة محمد بن عبدالله r ؟!(3)". (1) سورة يوسف : الآية (43). (2) سورة يوسف : الآيات (50) و (54). |
و إنه لفي زبر الأولين لقد أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إذا بعث وهم أحياء ، وأن يبلغوا أقوامهم بذلك ليشيع خبره بين جميع الأمم .قال تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾(آل عمران:81).وذلك لأن الرسل كانوا يبعثون في أقوامهم خاصة ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة،فبشر به جميع الأنبياء، وكان مما قاله عيسى عليه السلام لقومه كما ذكر الله تعالى عنه﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾(الصف:6)(2) .والبشارات في الكتب السابقة(3) هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مقدم محمد صلى الله عليه وسلم مبينة اسمه وصفاته البدنية والمعنوية ونسبه ومكان بعثته، وصفة أصحابه وصفة أعدائه ، ومعالم الدين الذي يدعو إليه، والحوادث التي تواجهه، والزمن الذي يبعث فيه، ليكون ذلك دليلاً على صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه ، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة. وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد صلى الله عليه وسلم . فقال تعالى﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾(الرعد:43).وقال تعالى﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾(الشعراء:197).وقال تعالى﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾(الشعراء:196).وقال تعالى عن محمدصلى الله عليه وسلم :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾(البقرة:146).وهذا يعني أن انطباق البشارات على محمدصلى الله عليه وسلم يدل على أنه المقصود بها ، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه ، ومن هذه البشارات ما يأتي: 1- النبي الأمي: لقد أشار القرآن الكريم إلى أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل.قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾(الأعراف:157). إن أمية النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلى يومنا هذا .فقد جاء في سفر أشعيا: " ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا أرجوك فيقول: أنا أمي " (4) أي لست بقارئ . (أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارى وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم(5) . وفي النسخة المسماة Bible Good Newsورد ما ترجمته كالآتي: " إذا تعطيه إلى شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ." (ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي : "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة" (6).(ت) فانظر كيف حرفوا النص ! فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة ! وهذا التحريف مقصود لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومطالبته له بالقراءة فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه القدرة على القراءة. قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ" (7) .وكم من الزمن قد مر بعد عيسى عليه السلام ، وما نزل وحي على نبي أمي إلا على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتى يومنا هذا . 2- اسم النبي: أ - لا تزال نسخ التوراة باللغة العبرية تحمل اسم محمد جلياً واضحاً إلى يومنا هذا. ففي نشيد الأنشاد من التوراة في الاصحاح الخامس الفقرة السادسة عشر وردت هذه الكلمات: حِكو مَمْتَكيم فِكلّو محمديم زيه دُودي فَزيه ريعي.(ث) ومعنى هذا : "كلامه أحلى الكلام إنه محمد العظيم هذا حبيبي وهذا خليلي". فالفظ العبري يذكر اسم محمد جلياً واضحاً ويلحقه بـيم التي تستعمل في العبرية للتعظيم. واسم محمد مذكور أيضاً في المعجم المفهرس للتوراة8))(ث) عند بيانه هذا اللفظ المتعلق بالنص السابق "محمد يم"(9) . لكن يد التحريف عند اليهود والنصارى تأبى التسليم بأن لفظ "محمد" هو اسم النبي وتصر على أنه صفة للنبي وليس اسماً له . فيقولون إن معنى لفظ "محمد يم" هو "المتصف بالصفات الحميدة" كما جاء في نسخة الملك جيمس المعتمدة عند النصارى .(ج) وعليه فيكون المعنى لهذه الإشارة عندهم "كلامه أحلى الكلام(10)إنه صاحب الصفات الحميدة ". (ح) فمن هو ، يا أهل الكتاب ، غير "محمد يم" محمد العظيم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كلامه أحسن الكلام وهو المحمود في صفاته كلها ، وهو حبيب الله وخليله كما جاء ذلك في نفس النشيد عقب ذكر اسمه . "هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي".(ج،ح) ب- وأما ما جاء عن اسمه عند النصارى ، فقد ورد في عدة أماكن، منها ما جاء في إنجيل يوحنا(11) في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه : "لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط."(خ) وكلمة "المعزي" أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني محمد أو أحمد. "إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ، ثم رجح أهل التثليث هذه النسخة على النسخ الأخرى."(12) جـ وهناك إنجيل اسمه إنجيل "برنابا" استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس ، وحرّمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب. وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه "فرامرينو" الذي عثر على رسائل "الإبريانوس" وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ. يقول إنجيل برنابا في الباب "22":" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله".وقد اسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس(13) . د- هذا وقد كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بجلاء في كتب اليهود والنصارى عبر التاريخ ، وكان علماء المسلمين يحاجون الأحبار والرهبان بما هو موجود من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم،قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157) ومن ذلك: • جاء في سفر أشعيا :" إني جعلت اسمك محمداً ، يا محمد يا قدوس الرب ، اسمك موجود من الأبد " ذكر هذه الفقرة علي بن ربّن الطبري الذي كان نصرانياً فهداه الله للإسلام في كتابه : الدين والدولة ، وقد توفي عام 247هـ(14) . • وجاء في سفر أشعيا أيضاً :" سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد "(15) • وجاء في سفر حبقوق :" إن الله جاء من التيمان ، والقدوس من جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده " ذكره علي بن ربن الطبري في كتابه الدين والدولة(16) وذكره إبراهيم خليل احمد ، الذي كان قساً نصرانياً فاسلم في عصرنا ونشر العبارة السابقة في كتاب له عام 1409هـ . • وجاء في سفر أشعيا أيضاً : "وما أعطيه لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً ، يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البَرّية وسكانها ، ويوحدون الله على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية"(17) . وذكره عبد الله الترجمان الذي كان اسمه : انسلم تورميدا ، وكان قساً من أسبانيا فأسلم وتوفي عام 832هـ . ولقد روى جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله e يقول : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي،وَأَنَا الْعَاقِبُ(18) .قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين﴾(الصف:6). • ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري في كتابه : محمد في الكتاب المقدس(19) : إن العبارة الشائعة عند النصارى : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " لم تكن هكذا ، بل كانت : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد " هـ و لقد جاء ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند الهندوس فقد جاء في كتاب "السامافيدا"(20)ما نصه " أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس ".. (د) و- وجاء في كتاب أدروافيدم أدهروويدم وهو كتاب مقدس عند الهندوس(21) " أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد"(22) . (ذ) ز- وجاء في كتاب هندوسي آخر هو بفوشيا برانم "بهوشى بهوشى برانم"(23): " في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم(24) ، والملك يطهره بالخمس المطهرات" . (ر) وفي قوله الخمس المطهرات إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم(25) 3- نسبه صلى الله عليه وسلم لقد دعا سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام الله وهما بمكة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له ، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى دعاءهما في قوله تعالى﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ128رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ129﴾(البقرة:128-129). أ- وقد جاء في التوراة ذكر للوعد الإلهي لإبراهيم أن يجعل من ذرية إسماعيل أمة هداية عظيمة ، فقد ورد في سفر التكوين(26) مايأتي:" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، هاأنا أباركه وأثمّره وأكثّره كثيراً جداً. اثنى عشر رئيساً يلد ، واجعله أمة كبيرة ." (ز) ب- وورد فيه أيضاً: "وابن الجارية أيضاً سأجعله أمة لأنه نسلك"(27).(س) ولم تكن هناك أمة هداية من نسل إسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال الله عنها :﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾(آل عمران:110). ج- وقد جاء في التوراة في سفر التثنية(28)على لسان موسى عليه السلام :" قال لي الرب : قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه. "(ش)والمقصود باخوتهم أبناء إسماعيل عليه السلام لأنه أخو إسحاق عليه السلام الذي ينسب إليه بنو إسرائيل، حيث هما ابنا إبراهيم الخليل عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه و سلم من ذرية إسماعيل ولو كانت البشارة تخص أحداً من بني إسرائيل لقالت: "منهم"(29) . فمحمدصلى الله عليه وسلم هو من وسط أخوتهم ، وهو مثل موسى عليه السلام نبي ورسول وصاحب شريعة جديدة ، وحارب المشركين وتزوج وكان راعي غنم ، ولا تنطبق هذه البشارة على يوشع كما يزعم اليهود لأن يوشع لم يوح إليه بكتاب ، كما جاء في سفر التثنية : " ولم يقم بعُد نبي في إسرائيل مثل موسى. "(30) (ض) كما أن البشارة لا تنطبق على عيسى عليه السلام كما يزعم النصارى، إذ لم يكن مثل موسى عليه السلام من وجوه ، فقد ولد من غيرأب وتكلم في المهد ولم تكن له شريعة كما لموسى عليه السلام ، ولم يمت بل رفعه الله تعالى إليه . د- وفي إنجيل متى(31)جاء ما يلي:" قال لهم يسوع(32)أما قرأتم قط في الكتب.الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية.من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ".(ط)وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل . أ- تذكر التوراة المكان الذي نشأ فيه إسماعيل عليه السلام، فقد جاء في سفر التكوين(33):"وفتح الله عينيها(34)فأبصرت بئرماء(35)فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام(36)وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران"(ظ)وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن إسماعيل عليه السلام كان رامياً، فقد مر على نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم:( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا )(37). ب- كما جاء في التوراة في سفر أشعيا(38): " وحي من جهة بلاد العرب " (ع) وهذا إعلان عن المكان والأمة التي سيخرج منها الرسول حاملاً الوحي من الله إلى الناس . ج- ويأتي تحديد آخر للمكان الذي سترتفع فيه الدعوة الجديدة بشعاراتها الجديدة التي ترفع من رؤوس الجبال ويهتف بها الناس، فتقول التوراة في سفر أشعيا(39):" غنوا للرب أغنية جديدة ، تسبيحهُ من أقصى الأرض ، أيها المنحدرون في البحر وملؤه، والجزائر وسكانها ، لترفع البرّية ومدنها صوتها(40)الديار التي سكنها قيدار(41). لتترنم سكان سالع(42)من رؤوس الجبال ليهتفوا(43)"(غ) والأغنية عندهم هي الهتاف بذكر الله الذي يرفع به الصوت من رؤوس الجبال ، وهذا لا ينطبق إلا على الأذان عند المسلمين ، كما أن سكان سالع ، والديار التي سكنها قيدار هي أماكن في جزيرة العرب،وكل ذلك يدل على أن مكان الرسالة الجديدة والرسول المبشر به هو جزيرة العرب. د- وجاء في التوراة في سفر التثنية(44):"جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلالأ من جبل فاران".(ف) ويرى بعض شراح التوراة ممن أسلم أن هذه العبارة الموجودة في التوراة تشير إلى أماكن نزول الهدى الإلهي إلى الأرض فمجيئه من سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام . وإشراقه من ساعير : إعطاؤه الإنجيل للمسيح عيسى عليه السلام. وساعير : سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة في فلسطين وهي الأرض التي عاش فيها عيسى عليه السلام .وتلألؤه من جبل فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وفاران هو الاسم القديم لأرض مكة التي سكنها إسماعيل عليه السلام . هـ وجاء في التوراة أن داود عليه السلام يترنم ببيت الله ويتمنى أن يكون فيه ، ويعلل ذلك بمضاعفة الأجر هناك(45) وتقول التوراة نقلاً عنه(46): " ما أسعد أولئك الذين يتلقون قوتهم منك، الذين يتوقون لأداء الحج إلى جبل المجتمع الديني الذي خَلُصَ لعبادة الله(47)وهم يمرون عبر وادي بكه الجاف فيصبح مكاناً للينابيع"(48).(ق) وفي نسخة أخرى : " فيصيرونه بئراً(49)أو ينبوعاً(50)" ووادي بكة قد ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه هو الذي فيه البيت الحرام قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ96فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ97﴾ (آل عمران:96-97). وقد ذكر الله جفاف هذا الوادي بقوله سبحانه وهو يذكر دعاء إبراهيم عليه السلام:﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …﴾ (إبراهيم:37).ومعلوم أن هذا الوادي الجاف قد جعل الله فيه بئر زمزم عندما سكنت هاجر فيه مع ابنها إسماعيل عليه السلام . وقد أُحرج النصارى العرب بالنص على وادي بكة ! فحرفوه كما في الكتاب المقدس عندهم في الطبعة العربية فقالوا : " عابرين في وادي البكاء " (ل) وحذفوا أيضاً لفظ "الحجاج" الذي ورد في النص الإنجليزي المذكورة ترجمته سابقاً . ولا توجد صلة بين وادي بكة والبكاء ، وقد ورد اسم "بكة" في النص الإنجليزي مبتدئاً بحرف كبير مما يدل على أنه علم غير قابل للترجمة Baca . و كما جاء في الكتب الزرادشتية(51)بشارات تشير إلى المكان الذي تظهر فيه دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك : "إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام "(52) (ن) 5- صفاته صلى الله عليه وسلم : من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه أمي ، وقد سبق بيانه . أ- كما وصف في سفر أشعيا(53) بأنه راكب الجمل وفي هذا إشارة إلى أنه من الصحراء وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم . ب- ووصف في المزامير(54)بـأن : " ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية "(هـ)، وقد انتهى ملوك اليمن ولم يظهر نبي دان له ملوك اليمن إلا محمد صلى الله عليه وسلم . جـ ووصف فيها أيضاً(55)بأنه " يصلى عليه ويبارك عليه كل وقت" وهكذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم فالمسلمون يباركون عليه كل يوم عدة مرات في صلاتهم . د- ووصف فيها أيضاً(56)بأنه "متقلد سيفاً" ، وفيها أيضاً(57)مايلي: " وأنه يرمي بالنبل " . هـ وجاء في إنجيل متى(58) وصفه بأنه الحجر الذي أتم بناء النبوة ، ففيه : " قال لهم يسوع(59)أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره "(ط) وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة أمية ، لم يكن لها شأن بين الأمم ، وكان من العجيب أن يكون الرسول الذي يخرج منها هو رأس الزاوية في بناء النبوة. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ )(60)وتذكر هذه البشارة على لسان عيسى عليه السلام أن صاحب هذا الوصف ليس من بني إسرائيل ، وأن النبوة ستنزع من بني إسرائيل وتعطى لأمة أخرى "تعمل أثماره" أي تحقق ثماره، فكانت هذه الأمة التي كانت مزدراة في أعين الناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،وهي الأمة الجديدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس و- وجاء في سفر أشعيا(61): "وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين(62). هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار وبقية عدد قِسِيّ أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم ".(ع) تفيد هذه البشارة أن الله أوحى إلى أشعيا :" لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " بأن وحياً سيأتي من جهة بلاد العرب : " وحي من جهة بلاد العرب " وأن تلك الجهة من بلاد العرب هي الوعر التي تبيت فيها قوافل الددانيين ، وددان قرب المدينة النبوية المنورة كما تدل على ذلك الخرائط الكنسية القديمة . ويأمر الوحي الذي تلقاه أشعيا أهل تيماء أن يقدموا الشراب والطعام لهارب يهرب من أمام السيوف ، ومجيئ الأمر بعد الإخبار عن الوحي الذي يكون من جهة بلاد العرب قرينة بأن الهارب هو صاحب ذلك الوحي الذي يأمر الله أهل تيماء بمناصرته : " هاتوا ماءً لملاقاة العطشان ، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه " وأرض تيماء منطقة من أعمال المدينة ، وفيها يهود تيماء الذين انتقل معظمهم إلى يثرب. ويذكر المؤرخون الإخباريون العرب نقلا عن اليهود في الجزيرة العربية أن أول قدوم اليهود إلى الحجاز كان في زمن موسى عليه السلام عندما أرسلهم في حملة ضد العماليق في تيماء، وبعد قضائهم على العالميق وعودتهم إلى الشام بعد موت موسى منعوا من دخول الشام بحجة مخالفتهم لشريعة موسى لاستبقائهم إبناً لملك العماليق. فاضطروا للعودة إلى الحجاز والاستقرار في تيماء(63)ثم انتقل معظمهم إلى يثرب(64). فأهل يثرب من اليهود هم من أهل تيماء المخاطبين في النص. وكان تاريخ مخاطبة اشعياء لاهل تيماء في هذا الاصحاح هو النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. ويفيد الوحي إلى أشعيا أن الهارب هرب ومعه آخرون:"فإنهم من أمام السيوف قد هربوا".ثم يذكر الوحي الخراب الذي يحل بمجد قيدار بعد سنة من هذه الحادثة ، مما يدل على أن الهروب كان منهم ، وأن عقابهم كان بسبب تلك الحادثة : " فإنه هكذا قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " وتنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته تمام الانطباق ، فقد نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب ، وفي الوعر من بلاد العرب، في مكة والمدينة. وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من أرض بني قيدار(65)قريش الذين كانوا قد عينوا من كل بطن من بطونهم شاباً جلداً ليجتمعوا لقتل محمد صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته ، فجاء الشباب ومعهم أسلحتهم فخرج الرسول مهاجراً هارباً ، فتعقبته قريش بسيوفها وقسيها كما تذكر العبارة : " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ". ثم عاقب الله قريشاً أبناء قيدار بعد سنة ونيف من هجرته صلى الله عليه وسلم بما حدث في غزوة بدر من هزيمة نكراء أذهبت مجد قريش ، وقتلت عدداً من أبطالهم : " كما قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل " .وتؤكد العبارة أن هذا الإخبار وأن هذا التبشير بنزول الوحي في بلاد العرب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجري له من هجرة ونصر هو بوحي من الله : " لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " إن ما حملته هذه البشارة من معانٍ لابد أن يكون قد وقع ، لأنه يقع في عصرٍ آلة الحرب فيه السيف والنبل ، وقد انتهى عصر الحرب بالسيف والنبل . • فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟! • و هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماء غير محمد صلى الله عليه وسلم ؟! • وهل هناك هزيمة لقريش بعد عام من الهجرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ؟! إن هذه البشارة تدل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها إعلان إلهي عن مقدمه ينقلها أحد أنبياء بني إسرائيل أشعيا(66) ، وبقي هذا النص إلى يومنا هذا على الرغم من حرص كفرة أهل الكتاب على التحريف والتبديل . ز- وجاء في صفته في المزامير(67):" انسكبت النعمة على شفتيك،لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك " (و) ح- وجاء في التوراة في سفر أشعيا(68)في وصفه: " هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته " (ي) وهذا يتطابق مع ما نقله الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنه من التوراة التي قرأها في زمنه ، فقد قال عطاء بن يسار له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي،سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ(69)فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ،وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا(70). ط- وجاء في صفة الدين الذي يأتي به ما يأتي : أولاً : الأذان للصلاة كما سبق بيانه . ثانياً : الصلاة كتفاً إلى كتف : فقد جاء في التوراة في سفر صفنيا(71)ما يأتي: "لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شَفة نقية ليدعوا كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة"(أً) وبالإسلام توحدت لغة العبادة لله ، فيقرأ القرآن في الصلاة بلغة واحدة هي العربية، ويصفون كتفاً إلى كتف . ثالثاً : تحويل القبلة : فقد جاء في إنجيل يوحنا(72)ما يأتي : إن امرأة سامرية تقول لعيسى عليه السلام : " آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم(73)الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال لها يسوع(74)يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون " (بً) وهذا إعلان بأن القبلة ستتحول من بيت المقدس. ولا يكون ذلك إلا على يد رسول، كما حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم وفقاً لأمر الله القائل﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:144). رابعاً : الهداية إلى جميع الدين الحق : فقد جاء في إنجيل يوحنا(75)ما يأتي: يقول عيسى عليه السلام :" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه " (تً) قال الله تعالى:﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89). وقال تعالى﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى3إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4﴾(النجم:3-4). خامساً : ذكر بعض شعائر دينه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة : فقد جاء في كتاب: بفوشيا برانم(76)وصف لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم: "هم الذين يختتنون ، ولا يربون القزع، ويربون اللحى ،وهم مجاهدون وينادون الناس للدعاء(77)بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء(78)للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون ، ويسمون"بمسلي"(79)بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا وأنا الخالق".(ثً) وجاء في كتاب "محمد في الأسفار العالمية" ما ترجمه الأستاذ عبدالحق من كتب الزرادشتية بشأن محمد وأصحابه" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النارفي هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام،ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين،وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ. (80)وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات" (81). (ن) المصدر :بحث للشيخ عبد المجيد الزنداني . المراجع : ( 1 ) زبر الأولين أي كتبهم . ( 2 ) وقد كان عيسى عليه السلام يرسل المبشرين للتبشير بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، بل إن معنى الإنجيل : البشارة ، وبقي المبشرون إلي يومنا هذا يحملون هذا الاسم .( 3 ) هي الكتب الدينية المقدسة عند أصحابها مثل التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى. ( 4 ) الإصحاح 29 الفقرة 2 .( 5 ) تجد في نهاية المبحث النصوص التوارتية والإنجيلية وغيرها المقتبسة مصورة من مراجعها المشار إليها ، ومتسلسلة حسب ورودها في المبحث ومعلمة بالحروف العربية .( 6 ) النصوص العربية كلها مقتبسة من "الكتاب المقدس" / دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.( 7 ) فتح الباري ك/ التفسير ب/ تفسير سورة "اقرأ باسم ربك الذي خلق" .( 8 ) The New Stصلى الله عليه وسلم ong Exhaustive Concoصلى الله عليه وسلم dance of the Bible, James Stصلى الله عليه وسلم ong, LL.D. 5.T.D, Thomas Nelson Publisheصلى الله عليه وسلم s, Nashville , USA ,1984, p.64 (Hebصلى الله عليه وسلم ew Dictionaصلى الله عليه وسلم y) ( 9 )عند كتابة هذا اللفظ باللغة الإنجليزية يكتبونه كما يلي:machmad . ولإفتقار اللغة الإنجليزية للحرف "ح"فإنهم يعبرون عنه بالحرفين "ch" ويجعلونه أقرب إلى حرف الخاءكما ورد ذلك في المعجم المفهرس المذكوربأن هذا الحرف المكون من "ch" أقرب ما يكون للخاء الألمانية،أي أن استعمال "ch" جاء بدلاً عن حرف الحاء، فيكون الاسم هو محمد، اسم النبيصلى الله عليه وسلم . ( 10 ) كما جاء في النسخة القياسية المنقحة صلى الله عليه وسلم evised Standaصلى الله عليه وسلم d Veصلى الله عليه وسلم sion of the Bible ,The Inteصلى الله عليه وسلم national Council of Chuصلى الله عليه وسلم ches of Chصلى الله عليه وسلم ist in the United States, 1971 ( 11 ) الإصحاح :16 ، الفقرة : 7( 12 ) إظهار الحق لمؤلفه رحمة الله بن خليل الهندي ، ط الدار البيضاء جـ2 ص280 ، وأشار إلى هذا التحريف مطران الموصل الذي أسلم ، وسمى نفسه عبد الأحد ، وهو عبد الأحد داود الآشوري ، وذلك في كتابه : محمد في الكتاب المقدس ص216 .( 13 ) خليل سعادة في مقدمته لترجمته لإنجيل برنابا إلى اللغة العربية ، وقد نقل قصة فرامرينو مما هو مدون في مقدمة النسخة الأسبانية كما رواها المستشرق سايل، في مقدمة له لترجمة القرآن .( 14 ) وذكرها صالح بن حسين الهاشمي المتوفى عام 668هـ في كتابه : تخجيل من حرف التوراة والإنجيل، وذكرها القرافي المتوفى عام 682هـ في كتابه : الأجوبة الفاخرة ، وذكرها ابن تيمية المتوفى عام 728هـ في كتابه : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح؛ وذكرها ابن قيم الجوزية المتوفي عام 751هـ في كتابه : هداية الحيارى من اليهود والنصارى .( 15 ) ذكره الأئمة : صالح الهاشمي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم السابق ذكرها.( 16 ) وذكره علي بن محمد الماوردي المتوفى عام 450هـ في كتابه : أعلام النبوة ، وأبو عبيده الخزرجي المتوفى عام 582هـ في كتابه : مقامع هامات الصلبان ومراتع روضات الإيمان؛ وذكره القرطبي المتوفى عام 671هـ في كتابه الإعلام؛ وكذلك ذكره الهاشمي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم التي سبق ذكرها .( 17 ) ذكره الأئمة : الخزرجي والهاشمي والقرطبي والقرافي وابن تيمية وابن القيم في كتبهم التي سبق ذكرها.( 18 ) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسلم ك/ الفضائل ب/ في أسمائه صلى الله عليه وسلم ، والترمذي ك/ الأدب ب/ ما جاء في أسماء النبي ، والنسائي في السنن الكبرى 6/489 وأحمد في المسند 4/80 وغيرهم .( 19 ) فصل : الإسلام والأحمديات التي أعلنتها الملائكة ص 145- 154 .( 20 ) في الفقرتين 6 وَ 8 من الجزء الثاني .( 21 ) الجزء العشرين ، الفصل 127، الفقرة 1-3 .( 22 ) محامد : محمد .( 23 ) الجزء3 ، الفصل 3 ، العبارة 5 وما بعدها . ( 24 ) أستاذ العالم أي رسول للعالم.( 25 ) مأخوذ من كتاب التيارات الخفية في الديانات الهندية القديمة لمؤلفه "تى محمد" . أما النصوص الفارسية والهندية في نهاية هذا المبحث فمأخوذة من كتاب Muhammad in Paصلى الله عليه وسلم si , Hindoo and Buddhist Scصلى الله عليه وسلم iptuصلى الله عليه وسلم es , A.H. Vidyaصلى الله عليه وسلم thi and U.Ali. ( 26 ) الإصحاح 17 العبارات من 19-1 .( 27 ) الإصحاح.21 فقرة 12وَ 13.( 28 ) الإصحاح 18 الفقرة 17 . ( 29 ) لقد تنبه المحرفون لهذا فبدلوا العبارة التي تعني "من وسط اخوتهم" في النسخة الإنجليزية الحديثة Good News Bible إلى عبارة تعني "من بين قومهم" (fصلى الله عليه وسلم om among theiصلى الله عليه وسلم own people) ص ( 30 ) الإصحاح 34 ، الفقرة 10. ( 31 ) الإصحاح 21 الفقرة 41 – 42 .( 32 ) هو عيسى عليه السلام .( 33 ) الإصحاح 21 الفقرات 21 –22 . ( 34 ) هاجر أم إسماعيل .( 35 ) بئر زمزم .( 36 ) إسماعيل عليه السلام .( 37 ) أخرجه البخاري ك/ الجهاد والسير ب/ التحريض على الرمي ، وابن ماجه في السنن ك/ الجهاد ب/ الرمي في سبيل الله ، وأحمد في مسنده 1/364 و 4/50 وابن حبان في صحيحه 10/ 548 وغيرهم .( 38 ) الإصحاح 21الفقرة 12.( 39 ) الإصحاح 42 الفقرة 10-11. ( 40 )رفع الصوت بالأذان.( 41 )هو أحد أبناء إسماعيل عليه السلام كما تذكر ذلك التوراة في سفر التكوين إصحاح 25 فقرة 12-13 ( 42 ) جبل سلع بالمدينة .( 43 ) رفع الصوت بالأذان .( 44 ) الإصحاح 33 الفقرة 2.( 45 ) المزمور 84 الفقرة 1-2-3-4 وَ 10 .( 46 ) المزمور 84 الفقرة 6 .( 47 ) هو بالنص الإنجليزي جبل Zion ، ومعنى Zion : المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله ، أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس : Websteصلى الله عليه وسلم s Seventh New Collegiate Dictionaصلى الله عليه وسلم y ، وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. وعند الرجوع إلى أصل الكلمة (Zion) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني : جفاف ، صحراوي ، أجرد (أرض أو مكان) جاف ، مكان مقفر ، برية. وهذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة، راجع كتاب The New Stصلى الله عليه وسلم ong Exhaustive Concoصلى الله عليه وسلم dance of the Bible, James Stصلى الله عليه وسلم ong, LL.D. 5.T.D والمعجم العبري ص99 فقره: رقم 6723 . أنظر نهاية المبحث ( 48 ) ص585 Good News Bible. (49) وادي بكه يصيرونه بئراً من المعجم سترونغ المفهرس الشامل للكتاب المقدس ص95 . ( 50 ) الكتاب المقدس الذي تصدره جمعية الكتاب المقدس بالشرق الأدنى .( 51 ) يذهب بعض الباحثين إلى أن الزرادشتية هي المجوسية ، وقيل بل المجوسية أسبق من الزرادشتية ، وإنما زرادشت أظهر المجوسية وحددها في القرن الثالث الميلادي . قال النبي صلى الله عليه وسلم "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/435 ومالك في الموطأ 1/278 ومن طريقه الشافعي في مسنده 1/209 ومن طريق الشافعي البيهقي في السنن الكبرى ، وكذلك رواه الطبراني في المعجم الكبير 19/437 قال في مجمع الزوائد 6/13 : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم ، وقال في تلخيص الحبير : ورواه (يعني الحديث) ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن . أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 2/1149 . ( 52 ) من كتاب " محمد في الأسفار العالمية " للأستاذ عبدالحق.( 53 ) الإصحاح : 21 الفقرة : 6.( 54 ) في مزمور : 72 الفقرة :10 .( 55 ) مزمور :72 الفقرة :15.( 56 ) مزمور :45 الفقرة :3 .( 57 ) الفقرة : 5 من المزمور السابق .( 58 ) الإصحاح : 21 الفقرات : 41-44 .( 59 ) هو عيسى عليه السلام .( 60 ) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ خاتم النبيين ، ومسلم ك/ الفضائل ب/ ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وابن حبان في صحيحه 14/315 .( 61 ) الإصحاح 21 الفقرة 13-17 .( 62 ) ددان : بلد أقرب من تيماء إلى المدينة النبوية المنورة .( 63 ) كان ذلك منذ اثني عشر قرناً قبل الميلاد .( 64 ) الروض المعطار في خبر الأقطار ، معجم جغرافي ، محمد بن عبدالمنعم الحميري ، مكتبة لبنان ، 1984م ص 146-147. وجاء مثل ذلك في : وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، للسمهودي ، دار احياء التراث العربي بيروت ج1 ص 159. ( 65 ) سبق البيان أن قيدار أحد أبناء إسماعيل الذي سكن برية فاران (مكة) .( 66 ) عاش في النصف الأخيرمن القرن الثامن قبل الميلاد.كماورد في Good News Bible ص665( 67 ) المزمور 45 الفقرة 3 .( 68 ) الإصحاح 42 الفقرة 1.( 69 ) السخب ويقال فيه الصخب هو رفع الصوت بالخصام .( 70 ) أخرجه البخاري ك/ البيوع ب/ كراهية السخب في الأسواق ، والبيهقي في السنن الكبرى 7/45 وأحمد في المسند 2/678 .( 71 ) الإصحاح 3 الفقرة 9-10 .( 72 ) الإصحاح 4 الفقرة 20-21 .( 73 ) هي القدس .( 74 ) هو عيسى عليه السلام .( 75 ) الإصحاح 16 الفقرة 12-13 .( 76 ) الجزء 3 - فصل 3 ، وهو من كتب الهندوس كما سبق ذلك .( 77 ) ينادون للدعاء : أي ينادون للصلاة لأن الصلاة دعاء. ( 78 ) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا. ( 79 )" مسلي" أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.( 80 ) وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.( 81 )"محمد في الأسفار العالمية"ص 47 |
شكرا على المعلومات القيمة
جزاك الله خيرا وجعله فى ميزان حسناتك |
الف شكر على الموضوع الجميل
|
|
مشكور على هذا المجهود الرائع
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:21 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.