![]() |
قتل النفس الكبيرة الثانية قال تعالى : " و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذاباً عظيما" و قال تعالى : " و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً * إلا من تاب و آمن و عمل عملاً صالحاً " و قال تعالى : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " و قال تعالى : " و إذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت " .و قال النبي صلى الله عليه و سلم " اجتنبوا السبع الموبقات " فذكر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق . و قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم : أي ذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال : " أن تجعل لله نداً و هو خلقك قال : ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قال : ثم أي ؟ قال أن تزاني حليلة جارك " فأنزل الله تعالى تصديقها : " و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون " الآية . و قال صلى الله عليه و سلم " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار " قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال " لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه " . قال الإمام أبو سليمان رحمه الله : هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتلان على تأويل ، إنما على عداوة بينهما و عصبية أو طلب دنيا أو رئاسة أو علو ، فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها ، أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه لا يدخل في هذه ، لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه إلا إن كان حريصاً على قتل صاحبه . و من قاتل باغياً أو قاطع طريق من المسلمين فإنه لا يحرص على قتله ، إنما يدفعه عن نفسه ، فإن انتهى صاحبه كف عنه و لم يتبعه . فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة . فأما من خالف هذا النعت فهو الذي يدخل في هذا الحديث الذي ذكرنا ، و الله أعلم . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً " و قال صلى الله عليه و آله و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ، و في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " ، و قال صلى الله عليه و سلم : " الكبائر الإشراك بالله و قتل النفس و اليمين الغموس " و سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار ، و قال صلى الله عليه و سلم : " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل " مخرج في الصحيحين ، و قال صلى الله عليه و سلم " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، و إن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً " أخرجه البخاري . فإذا كان هذا في قتل المعاهد ـ و هو الذي أعطى عهداً من اليهود و النصارى في دار الإسلام ـ فكيف يقتل المسلم . و قال صلى الله عليه و سلم " ألا و من قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله و ذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله و لا يرح رائحة الجنة و إن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفاً " صححه الترمذي و قال صلى الله عليه و سلم " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى " رواه الإمام أحمد . و عن معاوية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " . نسأل الله العافية . |
الزنا الكبيرة العاشرة : الزنا و بعضه أكبر من بعض قال الله تعالى : " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " و قال الله تعالى : " و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً * إلا من تاب " . و قال الله تعالى : " الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " . قال العلماء : هذا عذاب الزانية و الزاني في الدنيا إذا كانا عزبين غير متزوجين فإن كانا متزوجين أو قد تزوجا و لو مرة في العمر فإنهما يرجمان بالحجارة إلى أن يموتا . كذلك ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه و سلم : " فإن لم يستوف القصاص منهما في الدنيا و ماتا من غير توبة فإنهما يعذبان في النار بسياط من نار " . كما ورد أن الزبور مكتوباً : إن الزناة معلقون بفروجهم في النار يضربون عليها بسياط من حديد ، فإذا استغاث من الضرب نادته الزبانية أين كان هذا الصوت و أنت تضحك و تفرح و تمرح و لا تراقب الله تعالى و لا تستحي منه ؟ ! و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ، و لا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن " . و قال صلى الله عليه و سلم : " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كاظلة على رأسه ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان " . و قال صلى الله عليه و سلم : " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه " و الحديث النبوي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم ، شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر " . و " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، أي الذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال : أن تجعل لله نداً و هو خلقك فقلت : إن ذلك لعظيم ، ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قلت ثم أي ؟ قال أن تزني بحليلة جارك " ـ يعني زوجة جارك ـ فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك : " و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً * إلا من تاب " . فانظر رحمك الله كيف قرنا الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله و قتل النفس التي حرم الله عز و جل إلا بالحق ، و هذا الحديث مخرج في الصحيحين . و في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه و سلم الذي رواه سمرة بن جندب ، و فيه أنه صلى الله عليه و سلم جاءه جبريل و ميكائيل قال : فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع ، فيه لغط و أصوات . قال : فاطلعنا فيه فإذا رجال و نساء عراة ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة حره ـ فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الزناة و الزواني ـ يعني من الرجال و النساء فهذا عذابهم إلى يوم القيامة . نسأل الله العفو و العافية . و عن عطاء في تفسير قول الله تعالى عن جهنم " لها سبعة أبواب " : قال : أشد تلك الأبواب غماً و حراً و كرباً و أنتنها ريحاً للزناة الذين ارتكبوا الزنى بعد العلم و عن مكحول الدمشقي قال : يجد أهل النار رائحة منتنة فيقولون ما وجدنا أنتن من هذه الرائحة ، فيقال لهم هذه ريح فروج الزناة . و قال ابن زيد أحد أئمة التفسير : إنه ليؤذي أهل النار ريح فروج الزناة . و في العشر الآيات التي كتبها الله لموسى عليه السلام : و لا تسرق و لا تزن فأحجب عنك وجهي ، فإذا كان الخطاب لنبيه موسى عليه السلام فكيف بغيره ؟! "و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أن إبليس يبث جنوده في الأرض و يقول لهم : أيكم أضل مسلماً ألبسته التاج على رأسه ، فأعظمهم فتنة أقربهم إليه منزلة فيجيء إليه أحدهم فيقول له : لم أزل بفلان حتى طلق امرأته ، فيقول : ما صنعت شيئاً سوف يتزوج غيرها ، ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى ألقيت بينه و بين أخيه العداوة ، فيقول ما صنعت شيئاً سوف يصالحه ، ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى زنى ، فيقول إبليس . نعم فيدنيه منه و يضع التاج على رأسه ، نعوذ بالله من شرور الشيطان و جنوده " . " و عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء ، فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان ، فإن تاب رده عليه ، و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : يا معشر المسلمين اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا و ثلاث في الآخرة ، فأما التي في الدنيا : فذهاب بهاء الوجه و قصر العمر و دوام الفقر و أما التي في الآخرة فسخط الله تبارك و تعالى و سوء الحساب و العذاب بالنار " . و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من مات مصراً على شرب الخمر سقاه الله تعالى من نهر الغوطة و هو نهر يجري في النار من فروج المومسات " يعني الزانيات ، يجري من فروحهن قيح و صديد في النار ، ثم يسقى ذلك لمن مات مصراً على شرب الخمر . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج رسول الله لا يحل له ، و قال أيضاً عليه الصلاة و السلام : في جهنم واد فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه . و إن في جهنم وادياً اسمه جب الحزن فيه حيات و عقارب كل عقرب بقدر البغل لها سبعون شوكة في كل شوكة راوية سم ، ثم تضرب الزاني و تفرغ سمها في جسمه يجد مرارة وجعها ألف سنة ، ثم يتهرى لحمه و يسيل من فرجه القيح و الصديد " . وورد أيضاً : أن من زنى بامرأة كانت متزوجة كان عليها و عليه في القبر نصف عذاب هذه الأمة ، فإذا كان يوم القيامة يحكم الله سبحانه و تعالى زوجها في حسناته هذا إن كان بغير علمه ، فإن علم و سكت حرم الله عليه الجنة لأن الله تعالى كتب على باب الجنة أنت حرام على الديوث . و هو الذي يعلم بالفاحشة في أهله و يسكت و لا يغار . و ورد أيضاً أن من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه ، فإن قبلها قرضت شفتاه في النار ، فإن زنى بها نطقت فخذه و شهدت عليه يوم القيامة ، و قالت : أنا للحرام ركبت ، فينظر الله تعالى إليه بغضب ، فيقع لحم وجهه فيكابر ، و يقول : ما فعلت فيشهد عليه لسانه فيقول : أنا بما لا يحل نطقت ، و تقول يداه : أنا للحرام تناولت ، و تقول عيناه أنا للحرام نظرت ، و تقول رجلاه : أنا لما لا يحل مشيت ، و يقول فرجه : أنا فعلت ، و يقول الحافظ من الملائكة : و أنا سمعت ، و يقول الآخر : و أنا كتبت و يقول الله تعالى : و أنا اطلعت و سترت . ثم يقول الله تعالى : يا ملائكتي خذوه و من عذابي أذيقوه ، فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني ، و تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل : " يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون " . و أعظم الزنا الزنا بالأم و الأخت و امرأة الأب و بالمحارم و قد صحح الحاكم : من وقع على ذات محرم فاقتلوه ، و عن البراء أن خاله بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يقتله و يخمس ماله . فنسأل الله المنان بفضله أن يغفر لنا ذنوبنا إنه جواد كريم . |
اللواط الكبيرة الحادية عشرة : اللواط قد قص الله عز و جل علينا في كتابه العزيز قصة قوم لوط في غير موضع من ذلك قول الله تعالى : " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل " . أي من طين طبخ حتى صار كالآجر " منضود " أي يتلو بعضه بعضاً ، " مسومة " أي معلمة بعلامة تعرف بها بأنها ليست من حجارة أهل الدنيا ، " عند ربك " أي في خزانته التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه ، " و ما هي من الظالمين ببعيد " ما هي من ظالمي هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم أن يحل بهم ما حل بأولئك من العذاب . و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : " أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط و لعن من فعل فعلهم ثلاثاً فقال : لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط " . و قال عليه الصلاة السلام : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط . و أجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى : " أتأتون الذكران من العالمين * و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون " أي مجازون من الحلال إلى الحرام . و قال الله تعالى في آية أخرى مخبراً عن نبيه لوط عليه السلام : " و نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين " . و كان اسم قريتهم سدوم ، و كان أهلها يعملون الخبائث التي ذكرها الله سبحانه في كتابه كانوا يأتون الذكران من العالمين في أدبارهم و يتضارعون في أنديتهم مع أشياء أخرى كانوا يعملونها من المنكرات . و روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : عشر خصال من أعمال قوم لوط ـ تصفيف الشعر ، و حل الأزرار ، و رمي البندق ،و الحذف بالحصى ، و اللعب بالحمام الطيارة ، و الصفير بالأصابع ، و فرقعة الأكعب ، و إسبال الإزار ، و حل أزر الأقبية ، و إدمان شرب الخمر ، و إتيان الذكور ، و ستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء النساء . و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " **** النساء بينهن زنا " و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أربعة يصبحون في غضب الله و يمسون في سخط الله تعالى قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : المتشبهون من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال ، و الذي يأتي البهيمة ، و الذي يأتي الذكر يعني اللواط " و روي أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتز عرش الرحمن خوفاً من غضب الله تعالى ، و تكاد السموات أن تقع على الأرض فتمسك الملائكة بأطرافها و تقرأ قل هو الله أحد إلى آخرها حتى يسكن غضب الله عز و جل . و جاء النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " سبعة يلعنهم الله تعالى و لا ينظر إليهم يوم القيامة ، و يقول ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل و المفعول به ـ يعني اللواط و ناكح البهيمة ، و ناكح الأم و ابنتها ، و ناكح يده إلا أن يتوبوا " . و روي أن قوماً يحشرون يوم القيامة و أيديهم حبالى من الزنا كانوا يعبثون في الدنيا بمذاكيرهم . و روي أن من أعمال قوم لوط : اللعب بالنرد ، و المسابقة بالحمام ، و المهارشة بين الكلاب ، و المناطحة بين الكباش ، و المناقرة بالديوك ، و دخول الحمام بلا مئزر ، و نقص الكيل و الميزان . ويل لمن فعلها . و في الأثر من لعب باحمام القلابة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر . و قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيراً . و قال صلى الله عليه و سلم : " لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكراً أو امرأة في دبرها " ، و قال أبو سعيد الصعلوكي : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون ، و هم على ثلاثة أصناف صنف ينظرون ، و صنف يصافحون ، و صنف يعملون ذلك العمل الخبيث . و النظر بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا ، لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " زنا العين النظر و زنا اللسان النطق ، و زنا اليد البطش ، و زنا الرجل الخطى ، و زنا الأذن الاستماع ، و النفس تمني و تشتهي ، و الفرج يصدق ذلك و يكذبه " . و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم . قال الحسن بن ذكوان : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور العذارى ، فهم أشد فتنة من النساء . و قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه . و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد . و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " . و في المردان من يفوق النساء بحسنه ، فالفتنة به أعظم ، و إنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ، و يتسهل في حقه من طريق الريبة و الشر ما لا يتسهل في حق المرأة ، فهو بالتحريم أولى . و أقاويل السلف في التنفير منهم و التحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر و سموهم الإنتان لأنهم مستقذرون شرعاً . و سواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح و غيره . و دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه صبي حسن الوجه فقال : أخرجوه عني أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً ، و أرى مع كل صبي حسن بضعة عشر شيطاناً . و جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله و معه صبي حسن فقال الإمام ما هذا منك ؟ قال ابن أختي . قال : لا تجيء به إلينا مرة أخرى ، و لا تمش معه في طريق لئلا يظن بك من لا يعرفك و لا يعرفه سوءاً . و روي أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم كان فيهم أمرد حسن فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم خلف ظهره و قال : إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر و أنشدوا شعراً : كل الحوادث مبدؤها من النظر و معظم النار من مستصغر الشرر و المرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس و لا وتر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر و كان يقال النظر بريد الزنا ، و في الحديث : النظر سهم مسموم من سهام إبليس ، فمن تركه لله أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة . فصل : في عقوبة من أمكن من نفسه طائعاً : عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد في بعض النواحي رجلاً ينكح في دبره فاستشار أبو بكر الصحابة رضي الله عنهم في أمره فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن هذا ذنب لم يعمله إلا أمة واحدة قوم لوط و قد أعلمنا الله تعالى بما صنع بهم ، أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إليه أحرقه بالنار فأحرقه خالد رضي الله عنه . و قال علي رضي الله عنه : من أمكن من نفسه طائعاً حتى ينكح ألقى الله عليه شهوة النساء و جعله شيطاناً رجيماً في قبره إلى يوم القيامة . و أجمعت الأمة أنه من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم ، و مما روي أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر في سياحته على نار توقد على رجل فأخذ عيسى عليه السلام ماء ليطفىء عنه ، فانقلبت النار صبياً و انقلب الرجل ناراً فتعجب عيسى عليه السلام من ذلك ، و قال : يا رب ردهما إلى حالهما في الدنيا لأسألهما عن خبرهما ، فأحياهما الله تعالى فإذا هما رجل و صبي ، فقال لهما عيسى عليه السلام : ما خبركما ؟ فقال الرجل : يا روح الله إني كنت في الدنيا مبتلي بحب هذا الصبي فحملتني الشهوة إن عملت معه الفاحشة ، فلما أن مت و مات الصبي صير ناراً يحرقني مرة و أصير ناراً أحرقه مرة فهذا عذابنا إلى يوم القيامة . نعوذ بالله من عذاب الله و نسأل الله العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى . فصل : و يلتحق باللواط إتيان المرأة في دبرها مما حرمه الله تعالى و رسوله ، و قال الله عز و جل : " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " أي كيف شئتم مقبلين و مدبرين في صمام واحد أي موضع واحد . و سبب نزول هذه الآية أن اليهود في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يقولون : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول ، فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية تكذيباً لهم : " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " مجيبة أو غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه مسلم . و في رواية اتقوا الدبر و الحيضة ، و قوله في صمام واحد أي في موضع واحد و هو الفرج لأنه موضع الحرث أي موضع مزرع الولد ، و أما الدبر فإنه محل النجو و ذلك خبيث مسقذر .و قد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ملعون من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها " . و روى الترمذي " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد " . فمن جامع امرأته و هي حائض أو جامعها في دبرها فهو ملعون و داخل في هذا الوعيد الشديد ، و كذا إذا أتى كاهناً . و هو المنجم و من يدعي معرفة الشيء المسروق و يتكلم على الأمور المغيبات فسأله عن شيء منها فصدقه . و كثير من الجهال واقعون في هذه المعاصي ، و ذلك من قلة معرفتهم و سماعهم للعلم ، و لذلك قال أبو الدرداء : كن عالماً أو متعلماً أو محباً و لا تكن الخامس فتهلك ، و هو الذي لا يعلم و لا يتعلم و لا يستمع و لا يحب من يعمل ذلك . و يجب على العبد أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب و الخطايا . و يسأل الله العفو عما مضى منه في جهله ، و العافية فيما بقي من عمره . اللهم إنا نسألك العفو و العافية في الدين و الدنيا و الآخرة إنك أرحم الراحمين . |
السحر الكبيرة الثالثة في السحرلأن الساحر لا بد و أن يكفر . قال الله تعالى " و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " . و ما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به . قال الله تعالى مخبراً عن هاروت و ماروت : " و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق " أي من نصيب . فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر و يظنونه حراماً فقط ، و ما يشعرون أنه الكفر فيدخلون في تعليم السيمياء و عملها و هي محض السحر و في عقد الرجل عن زوجته و هو سحر ، و في محبة الرجل للمرأة و بغضها له و أشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك و ضلال . و حد الساحر : القتل ، لأنه كفر بالله أو مضارع الكفر . قال النبي صلى الله عليه و سلم " اجتنبوا السبع الموبقات " . فذكر منها السحر . و الموبقات المهلكات . فليتق العبد ربه و لا يدخل فيما يخسر به الدنيا و الآخرة . و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " حد الساحر ضربه بالسيف " و الصحيح أنه من قول جندب . و عن بجالة بن عبدة أنه قال : أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة . و عن وهب بن منبه قال : قرأت في بعض الكتب : يقول الله عز و جل لا إله إلا أنا ليس مني من سحر و لا من سحر له ، و لا من تكهن له ، و لا من تطير و لا من تطير له . و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، و قاطع رحم ، و مصدق بالسحر " . رواه الإمام أحمد في مسنده . و عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً قال : " الرقي و التمائم و التولة شرك " . التمائم : جمع تميمة ، و هي خرزات و حروز يعلقها الجهال على أنفسهم و أولادهم و دوابهم يزعمون أنها ترد العين ، و هذا من فعل الجاهلية ، و من اعتقد ذلك فقد أشرك . و التولة بكسر التاء و فتح الواو : نوع السحر ، و هو تحبيب المرأة إلى زوجها ، و جعل ذلك من الشرك لاعتقاد الجهال أن ذلك يؤثر بخلاف ما قدر الله تعالى قال الخطابي رحمه الله : و أما إذا كانت الرقية بالقرآن ، أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرقي الحسن و الحسين رضي الله عنهما ، فيقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة و من كل عين لامة " . و بالله المستعان و عليه التكلان |
الخيانة الكبيرة التاسعة و الثلاثون : الخيانة قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون " . قال الواحدي رحمه الله تعالى : نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة لما حاصرهم و كان أهله و ولده فيهم ، فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي أنه الذبح فلا تفعلوا ، فكانت تلك منه خيانة لله و رسوله . قال أبو لبابة : فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله و رسوله ، و قوله : " و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون " . عطف على النهي أي و لا تخونوا أماناتكم . قال ابن عباس : الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد ، يعني الفرائض يقول : لا تنقضوها . قال الكلبي : أما خيانة الله و رسوله فمعصيتهما ، و أما خيانة الأمانة : فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه ، إن شاء خانها و إن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى . و قوله " و أنتم تعلمون " أنها أمانة من غير شبهة ، و قال تعالى : " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " : أي لا يرشد كيد من خان أمانته يعني أنه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية ، و قال عليه الصلاة و السلام : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له " . و الخيانة قبيحة في كل شيء و بعضها شر من بعض ، و ليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك و مالك و ارتكب العظائم . و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك " . و في الحديث أيضاً : " يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه " . و فيه أيضاً : " أول ما يرفع من الناس الأمانة ، و آخر ما يبقى الصلاة ، و رب مصل لا خير فيه " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إياكم و الخيانة فإنها بئست البطانة " . و قال عليه الصلاة و السلام : " هكذا أهل النار و ذكر منهم رجلاً لا يخفى له طمع و إن دق إلا خانه " . و قال ابن مسعود : يؤتى يوم القيامة بصاحب الأمانة الذي خان فيها فيقال له : أد أمانتك ، فيقول : أنى يا رب و قد ذهبت الدنيا ؟ قال فتمثل له كهيئتها يوم أخذها في قعر جهنم ، ثم يقال له إنزل إليها فأخرجها ، قال : فينزل إليها فيحملها على عاتقه فهي عليه أثقل من جبال الدنيا ، حتى إذا ظن أنه ناج هوت و هوى في أثرها أبد الآبدين ثم قال : الصلاة أمانة ، و الوضوء أمانة ، و الغسل أمانة ، و الوزن أمانة ، و الكيل أمانة ، و أعظم ذلك الودائع . اللهم عاملنا بلطفك و تداركنا بعفوك . ( موعظة ) عباد الله ! ما أشرف الأوقات و قد ضيعتموها ، و ما أجهل النفوس و قد أطعتموها ، و ما أدق السؤال عن الأموال فانظروا كيف جمعتموها و ما أحفظ الصحف بالأعمال فتدبروا ما أودعتموها ، قبل الرحيل عن القليل و المناقشة عن النقير و الفتيل قبل أن تنزلوا بطون اللحود ، و تصيروا طعاماً للدود في بيت بابه مسدود ، و لو قيل فيه للعاصي ما تختارلقال أعود و لا أعود : أين أهل الديار من قوم نوح ثم عاد من بعدهم و ثمود بينما القوم في النمارق و الإستبـ رق أفضت إلى التراب الخدود و صحيح أضحى يعود مريضاً و هو أدنى للموت ممن يعود |
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور مجهود رائع
|
منع الزكاة الكبيرة الخامسة : منع الزكاة قال الله تعالى : " لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " . و قال الله تعالى : " و ويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة " فسماهم المشركين . و قال الله تعالى : " و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " . و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه و جنبيه و ظهره . كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس ، فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار . قيل يا رسول الله فالإبل ؟ قال : و لا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطؤه بأخفافها و تعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار قيل : يا رسول الله فالبقر و الغنم ؟ قال : و لا صاحب بقر و لا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ليس فيها عقصاء و لا جلحاء و لا عضباء تنطحه بقرونها و تطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس ، فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار " . و قال صلى الله عليه و سلم : " أول ثلاثة يدخلون النار ـ أمير مسلط ، و ذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله ، و فقير فخور" . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى و لم يحج أو تجب فيه الزكاة و لم يزك سأل الرجعة عند الموت ، فقال له رجل : اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار . فقال ابن عباس : سأتلوا عليك بذلك قرآناً ، قال الله تعالى : " و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق " . أي أؤدي الزكاة " و أكن من الصالحين " أي أحج . قيل له : فما يوجب الزكاة ؟ قال : إذا بلغ المال مائتي درهم وجبت فيه الزكاة ، قيل فما يوجب الحج ؟ قال : الزاد و الرحلة . و لا تجب الزكاة في الحلي المباح إذا كان معداً للإستعمال ، فإن كان معداً للقنية أو الكراء و جبت فيه الزكاة .و تجب في قيمة عروض التجارة ، و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزميته ـ أي بشدقيه ـ فيقول : أنا مالك ، أنا كنزك . ثم تلا هذه الآية : " و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم ، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " " أخرجه البخاري . و عن ابن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى في ما نعي الزكاة : " يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم " قال : لا يوضع دينار على دينار و لا درهم على درهم و لكن يوسع جلدة حتى يوضع كل دينار و درهم على حدته . فإن قيل : لم خص الجباه و الجنوب و الظهور بالكي ؟ قيل : لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه و زوى ما بين عينيه و أعرض بجنبه ، فإذا قرب منه ولي بظهره فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل . و قال صلى الله عليه و سلم : " خمس بخمس ، قالوا : يا رسول الله و ما خمس بخمس ؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، و ما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، و ما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، و لا طففوا المكيال و الميزان إلا منعوا النبات و أخذوا بالسنين ، و لا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر " . موعظة : قل للذين شغلهم في الدنيا غرورهم إنما في غد ثبورهم ما نفعهم ما جمعوا . إذا جاء محذورهم . يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . فكيف غابت عن قلوبهم و عقولهم . يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . أخذ المال إلى دار ضرب العقاب فجعل في بودقة ليحمي ليقوي العذاب . فصفح صفائح كي يعم الكي الإهاب ، ثم جيء بمن عن الهدى قد غاب . يسعى إلى مكان لا مع قوم يسعى نورهم . ثم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . إذا لقيهم الفقير لقي الأذى . فإن طلب منهم شيئاً طار منهم لهب الغضب كالجذا . فإن لطفوا به قالوا أعنتكم ذا . و سؤال هذا لذا . و لو شاء ربك لأغنى المحتاج و أعوز ذا .و نسوا حكمة الخالق في غنى ذا و فقر ذا . واعجبا كم يلقاهم من غم إذا ضمتهم قبورهم . يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . سيأخذها الوارث منهم غير تعب . و يسأل عنها الجامع من أين اكتسب ما اكتسب . ألا إن الشوك له و للوارث الرطب . أين حرص الجامعين ، أين عقولهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . لو رأيتهم في طبقات النار . يتقلبون على جمرات الدرهم و الدينار . و قد غلت اليمين مع اليسار لما بخلوا مع الإيسار لو رأيتهم في الجحيم يسقون من الحميم . و قد ضج صبورهم ، يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . كم كانوا يوعظون في الدنيا و ما فيهم من يسمع . كم خوفوا من عقاب الله و ما فيهم من يفزع كم أنبئوا بمنع الزكاة و ما فيهم من يدفع . فكأنهم بالأموال و قد انقلبت شجاعاً أقرع . فما هي عصا موسى و لا طورهم . يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم . ( حكاية ) : روي عن محمد بن يوسف الفريابي قال : خرجت أنا و جماعة من أصحابي في زيارة أبي سنان رحمه الله ، فلما دخلنا عليه و جلسنا عنده قال : قوموا بنا نزور جاراً لنا مات أخوه و نعزيه فيه فقمنا معه و دخلنا على ذلك الرجل ، فوجدناه كثير البكاء و الجزع على أخيه ، فجلسنا نسليه و نعزيه و هو لا يقبل تسلية و لا تعزية ، فقلنا : أما تعلم أن الموت سبيل لا بد منه ! قال : بلى و لكن أبكي على ما أصبح و أمسى فيه أخي من العذاب ، فقلنا له : هل أطلعك الله على الغيب ؟ قال : لا و لكن لما دفنته و سويت التراب عليه و انصرف الناس جلست عند قبره ، إذ صوت من قبره يقول : آه أقعدوني وحيداً أقاسي العذاب ، قد كنت أصلي ، قد كنت أصوم . قال : فأبكاني كلامه فنبشت عنه التراب لأنظر حاله ، و إذا القبر يشتعل عليه ناراً و في عنقه طوق من نار ، فحملتني شفقة الأخوة و مددت يدي لأرفع الطوق عن رقبته فاحترقت أصابعي و يدي ، ثم أخرج إلينا يده فإذا هي سوداء محترقة . قال فرددت عليه التراب و انصرفت ، فكيف لا أبكي على حاله و أحزن عليه ؟ فقلنا : فما كان أخوك يعمل في الدنيا ؟ قال : كان لا يؤدي الزكاة من ماله ، قال فقلنا هذا تصديق قول الله تعالى : " و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " . و أخوك عجل له العذاب في قبره إلى يوم القيامة . قال : ثم خرجنا من عنده و أتينا أبا ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكرنا له قصة الرجل ، و قلنا له : يموت اليهودي و النصراني و لا نرى فيهم ذلك ! فقال :أولئك لا شك أنهم في النار ، و إنما يريكم الله في أهل الإيمان لتعتبروا . قال الله تعالى : " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " . فنسأل الله العفو و العافية إنه جواد كريم . |
شرب الخمر الكبيرة التاسعة عشر : شرب الخمر قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " . فقد نهى عز و جل في هذه الآية عن الخمر و حذر منها ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث " فمن لم يجتنبها فقد عصى الله و رسوله و استحق العذاب بمعصية الله و رسوله . قال الله تعالى : " و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذاب مهين " . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض و قالوا حرمت الخمر و جعلت عدلاً للشرك . و ذهب عبد الله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر ، و هي بلا ريب أم الخبائث و قد لعن شاربها في غير حديث . و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كل مسكر خمر و كل خمر حرام و من شرب الخمر في الدنيا و مات و لم يتب منها و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة " رواه مسلم ، و روى مسلم : "عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال . قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار " . و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة " . ذكر أن مدمن الخمر كعابد وثن : رواه الإمام أحمد في مسنده " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مدمن الخمر كعابد وثن " . ذكر أن مدمن الخمر إذا مات و لم يتب لا يدخل الجنة : روى النسائي " من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة عاق و لا مدمن خمر " و في رواية " ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه ، و الديوث و هو الذي يقر السوء في أهله " . ذكر أن السكران لا يقبل منه حسنة : روى " جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا تقبل لهم صلاة و لا ترفع لهم حسنة إلى السماء : العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم ، و المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها ، و السكران حتى يصحو " . و الخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطباً أو يابساً أو مأكولاً أو مشروباً ، و " عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها " . و في رواية " من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئاً ، و من سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن تاب ثم عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من مهل جهنم " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من شرب الخمر و لم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة ، و من شرب الخمر و سكر لم يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً أربعين ليلة ، فإن مات فيها مات كعابد وثن ، و كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال . قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عصارة أهل النار القيح و الدم " . و قال عبد الله بن أبي أوفى : من مات مدمناً للخمر مات كعابد اللات و العزى . قيل : أرأيت مدمن الخمر هو الذي لا يستفيق من شربها ؟ قال : لا و لكن هو الذي يشربها إذا وجدها و لو بعد سنين . ذكر أن من شرب الخمر لا يكون مؤمناً حين يشربها : " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ،و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن ، و التوبة معروضة بعد " . أخرجه البخاري و في الحديث : " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه " و فيه : من شرب الحمر ممسياً أصبح مشركاً ، و من شربها مصبحاً أمسى مشركاً . و فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام و لا يجد ريحها عاق و لا منان و لا مدمن خمر و لا عابد وثن " . و روى الإمام أحمد من " حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة مدمن خمر و لا مؤمن بسحر و لا قاطع رحم ، و من مات و هو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة و هو ماء يجري من فروج المومسات ـ أي الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله بعثني رحمة و هدى للعالمين ، بعثني لأمحق المعازف و المزامير و أمر الجاهلية ، و أقسم ربي تعالى بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم ، و لا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء " . ذكر من لعن في الخمر : روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لعنت الخمر بعينها و شاربها و ساقيها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها " . و رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و مبتاعها و شاربها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و ساقيها و مستقيها " . ذكر النهي عن عيادة شربة الخمر إذا مرضوا و كذلك لا يسلم عليهم : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا . قال البخاري ، و قال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر ، و قال صلى الله عليه و سلم : " لا تجالسوا شراب الخمر و لا تعودوا مرضاهم و لا تشهدوا جنائزهم ، و إن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسوداً وجهه ، مدلعاً لسانه على صدره ، يسيل لعابه يقذره كل من رآه و عرفه أنه شارب خمر " . قال بعض العلماء : إنما نهى عن عيادتهم و السلام عليهم لأن شارب الخمر فاسق ملعون ، قد لعنه الله و رسوله كما تقدم في قوله : لعن الله الخمور و شاربها الحديث فإن اشتراها و عصرها كان ملعوناً مرتين ، و إن سقاها لغيره كان ملعوناً ثلاث مرات ، فلذلك نهى عن عيادته و السلام عليه إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه . ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها : " عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يغلي ، فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فذكرت له أني أداوي به ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " . ذكر أحاديث متفرقة رويت في الخمر : من ذلك ما ذكره أبو نعيم في الحلية عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : أتي النبي صلى الله عليه و سلم بنبيذ في جرة له نشيش فقال : " اضربوا بهذا الحائط فإن هذا شرب من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من كان في صدره آية من كتاب الله و صب عليها الخمر يجيء يوم القيامة كل حرف من تلك الآية فيأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تبارك و تعالى فيخاصمه ، و من خاصمه القرآن خصم . فالويل لمن كان القرآن خصمه يوم القيامة " . و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم : " ما من قوم اجتمعوا على مسكر في الدنيا إلا جمعهم الله في النار فيقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، يقول أحدهم للآخر : يا فلان لا جزاك الله عني خيراً فأنت الذي أوردتني هذا المورد ، و يقول له الآخر مثل ذلك " . و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساودة شربة يتساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها ، فإذا شربها تساقط لحمه و جلده يتأذى به أهل النار ، ألا وشاربها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها شركاء في إثمها ، لا يقبل الله منهم صلاة و لا صوم و لا حجاً حتى يتوبوا ، فإن ماتوا قبل التوبة كان حقاً على الله أن يسقيهم بكل جرعة شربوها في الدنيا من صديد جهنم ألا و كل مسكر خمر و كل خمر حرام " . و يدخل في قوله صلى الله عليه و سلم كل مسكر خمر : الحشيشة كما سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى . روي : " أن شربة الخمر إذا أتوا على الصراط يتخطفهم الزبانية إلى نهر الخبال فيسقون بكل كأس شربوها من الخمر شربة من نهر الخبال ، فلو أن تلك الشربة تصب من السماء لأحرقت السماوات من حرها " . نعوذ بالله منها . ذكر الآثار عن السلف في الخمر : ذكر ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا مات شارب الخمر فادفنوه ، ثم اصلبوه على خشبة ، ثم انبشوا عنه قبره فإن لم تروا وجهه مصروفاً عن القبلة و إلا فاتركوه مصلوباً . و عن الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضرته الوفاة فجعل يلقنه الشهادة و لسانه لا ينطق بها ، فكررها عليه فقال : لا أقولها و أنا بريء منها ، فخرج الفضيل من عنده و هو يبكي ، ثم رآه بعد مدة في منامه و هو يسحب به إلى النار ، فقال له : يا مسكين بم نزعت منك المعرفة ؟ فقال : يا أستاذ كان بي علة فأتيت بعض الأطباء فقال لي تشرب في كل سنة قدحاً من الخمر و إن لم تفعل تبقى بك علتك ، فكنت أشربها في كل سنة لأجل التداوي ! فهذا حال من شربها للتداوي فكيف حال من يشربها لغير ذلك ؟ نسأل الله العفو و العافية من كل بلاء . و سئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال : كنت أنبش القبور فرأيت فيها أمواتاً مصروفين عن القبلة ، فسألت أهليهم عنهم فقالوا : كانوا يشربون الخمر في الدنيا و ماتوا من غير توبة و قال بعض الصالحين : مات لي ولد صغير ، فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام و قد شاب رأسه . فقلت : يا ولدي دفنتك و أنت صغير فما الذي شيبك ؟ فقال : يا أبتي دفن إلى جانبي رجل ممن كان يشرب الخمر في الدنيا ، فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منها طفل إلا شاب رأسه من شدة زفرتها ، نعوذ بالله منها ، و نسأل الله العفو و العافية مما يوجب العذاب في الآخرة . فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يدركه الموت و هو على أشر حالة ، فيلقى في النار ، نعوذ بالله منه . فصل : و الحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها ، كما يحد شارب الخمر و هي أخبث من الخمر ، من جهة أنها تفسد العقل و المزاج حتى يصير في الرجل تخنث و دياثة و غير ذلك من الفساد . و الخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة و المقاتلة و كلاهما يصد عن ذكر الله و عن الصلاة . و قد توقف بعض العلماء المتأخرين في حدها ، و رأى أن أكلتها تعزر بما دون الحد حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة البنج و لم يجد العلماء المتقدمين فيها كلاماً ، و ليس كذلك بل أكلتها ينشون و يشتهونها كشراب الخمر و أكثر ، حتى لا يصبروا عنها و تصدهم عن ذكر الله و الصلاة إذا أكثرا منها ، مع ما فيها من الدياثة و التخنث و فساد المزاج و العقل و غير ذلك . لكن لما كانت جامدة مطعومة ـ ليست شراباً ـ تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد و غيره ، فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة ، و هذا هو الإعتبار الصحيح و قيل : لا ، لجمودها ، و قيل يفرق بين جامدها و مائعها ، و بكل حال : فهي داخلة فيما حرم الله و رسوله من الخمر المسكر لفظاً و معنى ، قال أبو موسى : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع و هو من العسل ينبذ حتى يشتد ، و المزر و هو الذرة و الشعير ينبذ حتى يشتد قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه ، فقال صلى الله عليه و سلم : " كل مسكر حرام " رواه مسلم ، و قال صلى الله عليه و سلم : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ، و لم يفرق صلى الله عليه و سلم بين نوع و نوع لكونه مأكولاً أو مشروباً ، على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز ، و هذه الحشيشة قد تذاب بالماء و تشرب ، و الخمر يشرب و يؤكل و الحشيشة تشرب و تؤكل ، و إنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي و إنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام و قد قيل في وصفها شعراً : فآكلها و زارعها حلالاً فتلك على الشقي مصيبتان فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها و استرخصوها : قل لمن يأكل الحشيشة جهلاً عشت بأكلها بأقبح عيشة قيمة المرء جوهر فلماذا يا أخا الجهل بعته بحشيشة حكاية : عن عبد الملك بن مروان : أن شاباً جاء إليه باكيا حزيناً فقال : يا أمير المؤمنين إني ارتكبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة ؟ قال و ما ذنبك ؟ قال : ذنبي عظيم . قال : و ما هو فتب إلى الله تعالى فإنه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات . قال : يا أمير المؤمنين كنت أنبش القبور و كنت أرى فيها أموراً عجيبة قال : و ما رأيت ؟ قال يا أمير المؤمنين نبشت ليلة قبراً فرأيت صاحبه قد حول وجهه عن القبلة فخفت منه ، و أردت الخروج فإذا أنا بقائل يقول في القبر : ألا تسأل عن الميت لماذا حول وجهه عن القبلة ؟ فقلت : لماذا حول ؟ قال : لأنه كان مستخفاً بالصلاة . هذا جزاء مثله . ثم نبشت قبراً آخر فرأيت صاحبه قد حول خنزيراً و قد شد بالسلاسل و الأغلال في عنقه ، فخفت منه و أردت الخروج و إذا بقائل يقول لي : ألا تسأل عن عمله ، و لماذا يعذب ؟ فقلت : لماذا ؟ فقال : كان يشرب الخمر في الدنيا و مات من غير توبة . و الثالث يا أمير المؤمنين نبشت قبراً فوجدت صاحبه قد شد بالأرض بأوتار من نار و أخرج لسانه من قفاه ، فخفت و رجعت ، و أردت الخروج فنوديت : ألا تسأل عن حاله لماذا ابتلي ؟ فقالت : لماذا ؟ فقال : كان لا يتحرز من البول ، و كان ينقل الحديث بين الناس فهذا جزاء مثله . و الرابع يا أمير المؤمنين نبشت قبراً فوجدت صاحبه قد اشتعل ناراً فخفت منه و أردت الخروج ، فقيل : ألا تسأل عنه و عن حاله ؟ فقلت و ما حاله ؟ فقال : كان تاركاً للصلاة . و الخامس يا أمير المؤمنين نبشت قبراً فرأيته قد وسع على الميت مد البصر و فيه نور ساطع ،و الميت نائم على سرير ، و قد أشرق نوره و عليه ثياب حسنة فأخذتني منه هيبة ،و أردت الخروج فقيل لي : هلا تسأل عن حاله لماذا أكرم بهذه الكرامة . فقلت : لماذا أكرم ؟ فقيل لي : لأنه كان شاباً طائعاً نشأ في طاعة الله عز و جل و عبادته فقال عبد الملك عند ذلك : إن في هذا لعبرة للعاصين و بشارة للطائعين . فالواجب على المبتلي بهذه المعائب المبادرة إلى التوبة و الطاعة ، جعلنا الله و إياكم من الطائعين ، و جنبنا أفعال الفاسقين ، إنه جواد كريم . |
النمام الكبيرة الثالثة و الأربعون : النمام و هو من ينقل الحديث بين الناس على جهة الإفساد بينهم . هذا بيانها : و أما أحكامها فهي حرام بإجماع المسلمين ، و قد تظاهرت على تحريمها الدلائل الشرعية من الكتاب و السنة قال الله تعالى : " و لا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم " و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا يدخل الجنة نمام " و في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بقبرين قال : " إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير ، أما أنه كبير . أما أحدهما فكان لا يستبرىء من بوله ، و أما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، ثم أخذ جريدة رطبه فشقها اثنتين و غرز في كل قبر واحدة ، و قال لعله أن يخف عنهما ما لم ييبسا " . و قوله : و ما يعذبان في كبير أي ليس بكبير تركه عليهما ، أو ليس بكبير في زعمهما . و لهذا قال في رواية أخرى : " بلى إنه كبير " و " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه ، و من كان ذا لسانين في الدنيا فإن الله يجعل له لسانين من نار يوم القيامة " . و معنى من كان ذا لسانين أي يتكلم مع هؤلاء بكلام و هؤلاء بكلام و هو بمعنى صاحب الوجهين . قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله : إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه بقوله فلان يقول فيك كذا . و ليست النميمة مخصوصة بذلك بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث ، و سواء أكان الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإيماء أو نحوها ، و سواء كان من الأقوال أو الأعمال ، و سواء كان عيباً أو غيره . فحقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه . و ينبغي للإنسان أن يسكت عن كل ما رآه من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدة للمسلمين أو دفع معصية . قال : و كل من حملت إليه نميمة و قيل له قال فيك فلان كذا و كذا لزمه ستة أحوال : الأول : أن لا يصدقه لأنه نمام فاسق و هو مردود الخبر . الثاني : أن ينهاه عن ذلك و ينصحه و يقبح فعله . الثالث : أن يبغضه في الله عز و جل فإنه بغيض عند الله و البغض في الله واجب . الرابع : أن لا يظن في المنقول عنه السوء لقوله تعالى : " اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " . الخامس : أن لا يحمله ما حكي له على التجسس و البحث عن تحقق ذلك ، قال الله سبحانه و تعالى : " و لا تجسسوا " . السادس : أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته . و قد جاء أن رجلاً ذكر لعمر بن عبد العزيز رجلا بشيء فقال عمر : يا هذا إن شئت نظرنا في أمرك ، فإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " ، و إن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية " هماز مشاء بنميم " ، و إن شئت عفونا عنك . فقال : العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً . و رفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عباد رحمه الله يحثه فيها على أخذ مال اليتيم و كان له مال كثير فكتب على ظهر الرقعة : النميمة قبيحة و إن كانت صحيحة ، و الميت رحمه الله ، و اليتيم جبره الله ، و المال ثمره الله ، و الساعي لعنه الله . و قال الحسن البصري : من نقل إليك حديثاً فاعلم أنه ينقل إلى غيرك حديثك و هذا مثل قول الناس : من نقل إليك نقل عنك فاحذره . و قال ابن المبارك : ولد الزنا لا يكتم الحديث أشار به إلى أن كل من لا يكتم الحديث و مشى بالنميمة دل على أنه ولد الزنا استنباطاً من قول الله تعالى : " عتل بعد ذلك زنيم " ، و الزنيم هو الدعي . و روي أن بعض السلف الصالحين زار أخاً له و ذكر له عن بعض إخوانه شيئاً يكرهه ، فقال له : يا أخي أطلت الغيبة و أتيتني بثلاث جنايات : بغضت إلي أخي ، و شغلت قلبي بسببه ، و اتهمت نفسك الأمينة . و كان بعضهم يقول : من أخبرك بشتم عن أخيك فهو الشاتم لك . و جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال : إن فلاناً شتمك و قال عنك كذا و كذا ، فقال : اذهب بنا إليه ، فذهب معه و هو يرى أنه ينتصر لنفسه ، فلما وصل إليه قال : يا أخي إن كان ما قلت في حقاً فغفر الله لي ، و إن كان ما قلت في باطلاً فغفر الله لك . و قيل في قول الله تعالى : " حمالة الحطب " يعني امرأة أبي لهب ، إنها كانت تنقل الحديث بالنميمة . سمى النميمة حطباً لأنها سبب العداوة ، كما أن الحطب سبب لاشتعال النار . و يقال عمل النمام أضر من عمل الشيطان لأن عمل الشيطان بالوسوسة و عمل النمام بالمواجهة . حكاية : روي أن غلاماً يباع و هو ينادي عليه ليس به عيب إلا أنه نمام فقط ، فاستخف بالعيب و اشتراه ، فمكث عنده أياماً ثم قال لزوجة سيده : إن سيدي يريد أن يتزوج عليك أو يتسرى ، و قال أنه لا يحبك فإن أردت أن يعطف عليك و يترك ما عزم عليه فإذا نام فخذي الموسى و احلقي شعرات من تحت لحيته و اتركي الشعرات و اتركي الشعرات معك ، فقالت في نفسها : نعم . و اشتغل قلب المرأة ، و عزمت على ذلك إذا نام زوجها ، ثم جاء إلى زوجها و قال سيدي : إن سيدتي زوجتك قد اتخذت لها صديقاً و محباً غيرك و مالت إليه ، و تريد أن تخلص منك ، و قد عزمت على ذبحك الليلة ، و إن لم تصدقني فتناوم لها الليلة و انظر كيف تجيء إليك و في يدها شيء تريد أن تذبحك به ، و صدقه سيده . فلما كان الليل جاءت المرأة بالموسى لتحلق الشعرات من تحت لحيته و الرجل يتناوم لها فقال في نفسه : و الله صدق الغلام بما قال ، فلما وضعت المرأة الموسى و أهوت إلى حلقه قام و أخذ الموسى منها و ذبحها به ، فجاء أهلها فرأوها مقتولة فقتلوه ، فوقع القتال بين الفريقين بشؤم ذلك العبد المشئوم . فلذلك سمى الله النمام فاسقاً في قوله تعالى : " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " . ( موعظة ) يا من أسره الهوى فما يستطيع له فكاكا ، يا غافلاً عن التلف و قد أدركه إدراكا ، يا مغروراً بسلامته و قد نصب له الموت أشراكا ، تفكر في ارتحالك و أنت على حالك فإن لم تبك فتباكى . بكيت فما تبكي شباب صباك كفاك نذير الشيب فيك كفاك ألم تر أن الشيب قد قام ناعياً مكان الشباب الغض ثم نعاك ألم تر يوماً مر إلا كأنه بإهلاكه للهالكين عناكا ألا أيها الفاني و قد حان حينه أتطمع أن تبقى فلست هناكا ستمضي و يبقى ما تراه كما ترى فينساك ما خلفته هو ذاكا تموت كما مات الذين نسيتهم و تنسى و يهوى الحي بعد هواكا كأنك قد أقصيت بعد تقرب إليك و إن باك عليك بكاكا كأن الذي يحثو عليك من الثرى يريد بما يحثو عليك رضاكا كأن خطوب الدهر لم تجر ساعة عليك إذا الخطب الجليل أتاكا ترى الأرض كم فيها رهون دفينة غلقن فلم يقبل من فكاكا |
المنان الكبيرة الأربعون : المنان قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى " . قال الواحدي هو أن يمن بما أعطى ، و قال الكلبي بالمن على الله في صدقته و الأذى لصاحبها ، و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل، و المنان ، و المنفق سلعته بالحلف الكاذب " . المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو قميصه أو سراويله حتى تكون إلى القدمين ، لأنه صلى الله عليه و سلم قال : " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " و في الحديث أيضاً : " ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه ، و المدمن الخمر ، و المنان " رواه النسائي و فيه أيضاً : " لا يدخل الجنة خب و لا بخيل و لا منان " . و الخب هو المكر و الخديعة ، و المنان هو الذي يعطي شيئاً أو يتصدق به ثم يمن به . و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إياكم و المن بالمعروف فإنه يبطل الشكر و يمحق الأجر " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم قول الله عز و جل : " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى " . و سمع ابن سيرين رجلاً يقول لآخر : أحسنت إليك و فعلت و فعلت . فقال له ابن سيرين : اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي . و كان بعضهم يقول : من بمعروفه سقط من شكره ، و من أعجب بعمله حبط أجره . و أنشد الشافعي رحمه الله تعالى : لا تحملن من الأنام بأن يمنوا عليك منه و اختر لنفسك حظها و اصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب أشد من وقع الأسنة و أنشد أيضاً بعضهم فقال : و صاحب سلفت منه إلي يد أبطأ عليه مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربني أبدى الندامة مما كان أولاني أفسدت بالمن ما قدمت من حسن ليس الكريم إذا أعطى بمنان ( موعظة ) يا مبادراً بالخطايا ما أجهلك إلى متى تغتر بالذي أمهلك ، كأنه قد أهملك ؟ فكأنك بالموت و قد جاء بك و أنهلك ، و إذا الرحيل و قد أفزعك الملك ، و أسرك البلا بعد الهوى و عقلك ، و ندمت على وزر عظيم قد أثقلك . يا مطمئناً بالفاني ما أكثر زللك ، و يا معرضاً عن النصح كأن النصح ما قيل لك ، أين حبيبك الذي كان و أين انتقل ؟ أما وعظك التلف في جسده و المقل ، أين كثير المال ، أين طويل الأمل ، أما خلا وحده في لحده بالعمل ، أين من جر ثوبه الخيلاء غافلاً و رفل ؟ أما سافر به و إلى الآن ما وصل ، أين من تنعم في قصره فكأنه في الدنيا ما كان و في قبره لم يزل ، أين من تفوق و احتفل ؟ غاب و الله نجم سعوده و أفل . أين الأكاسرة و الجبابرة العتاة الأول ، ملك أموالهم سواهم و الدنيا دول . |
الكبر الكبيرة السابعة عشر : الكبر الكبر و الفخر و الخيلاء و العجب و التيه ـ قال الله تعالى : " و قال موسى إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " . و قال الله تعالى : " إنه لا يحب المستكبرين " . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " بينما رجل يتبختر في مشيه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم القيامة " و قال عليه الصلاة و السلام : " يحشر الجبارون المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس يغشاهم الذل من كل مكان " . و قال بعض السلف أول ذنب عصي الله به الكبر ، قال الله تعالى : " و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين " . فمن استكبر على الحق لم ينفعه إيمانه كما فعل إبليس . و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : " لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر " رواه مسلم ، و قال الله تعالى : " إن الله لا يحب كل مختال فخور " . و قال صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : " العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار " . رواه مسلم ، المنازعة : المجاذبة . و قال صلى الله عليه و آله و سلم : " اختصمت الجنة و النار ، فقالت الجنة مالي ما يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ و قالت النار أوثرت بالجبارين و المتكبرين " الحديث ، و قال الله تعالى : " و لا تصعر خدك للناس و لا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور " . أي لا تمل خدك معرضاً متكبراً . و المرح التبختر . و قال سلمة بن الأكوع : " أكل رجل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بشماله ، قال: كل بيمينك . قال : لا أستطيع ، فقال : لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه بعد " رواه مسلم . و قال عليه الصلاة و السلام : " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر " : العتل الغليظ الجافي و الجواظ : الجموع المنوع ، و قيل الضخم المختال في مشيته ، و قيل البطين . " عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من رجل يختال في مشيته و يتعاظم في نفسه إلا لقي الله و هو عليه غضبان " . و صح من حديث أبي هريرة : " أول ثلاثة يدخلون النار : أمير مسلط أي ظالم ، و غني لا يؤدي الزكاة ، و فقير فخور " . و في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل ، المنان ، و المنفق ، سلعته بالحلف الكاذب " . و المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو سراويله حتى يكون إلى قدميه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : " ما أسبل من الكعبين من الإزار فهو في النار " . و أشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه و يتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه وخشع قلبه و استكانت نفسه ، و كان على نفسه بالمرصاد فلا يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت و يتفقدها ، فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم و أهلكته . و من طلب العلم للفخر و الرياسة و بطر على المسلمين و تحامق عليهم و ازدراهم ، فهذا من أكبر الكبر ، و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم . |
الجدل و المراء و اللدد الكبيرة الستون : الجدل و المراء و اللدد قال الله تعالى : " و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام * و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد " . و مما يذم من الألفاظ : المراء ، و الجدال ، و الخصومة . قال الإمام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله : المراء طعنك في كلام لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله و إظهار مزيتك عليه . و قال : و أما الجدال فعبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب و تقريرها . قال : و أما الخصومة فلجاج في الكلام ليستوفي به مقصوداً من مال غيره و تارة يكون ابتداءً و تارة يكون اعتراضاً و المراء لا يكون إلا اعتراضاً . هذا كلام الغزالي . و قال النووي رحمه الله : اعلم أن الجدال قد يكون بحق و قد يكون بباطل ، قال الله تعالى : " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " ، و قال الله تعالى : " و جادلهم بالتي هي أحسن " ، و قال الله تعالى : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " ، قال : فإن كان الجدال للوقوف على الحق و تقريره كان محموداً ، و إن كان في مدافعة الحق أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً ، و على هذا التفصيل تنزل النصوص الواردة في إباحته و ذمه . و المجادلة و الجدال بمعنى واحد . قال بعضهم : ما رأيت شيئاً أذهب للدين و لا أنقص للمروءة و لا أشغل للقلب من الخصومة . ( فإن قلت ) لا بد للإنسان من الخصومة لاستيفاء حقوقه ، ( فالجواب ) ما أجاب به الغزالي رحمه الله : اعلم أن الذم المتأكد إنما هو لمن خاصم بالباطل و بغير علم كوكيل القاضي فإنه يتوكل في الخصومة قبل أن يعرف الحق في أي جانب هو فيخاصم بغير علم . و يدخل في الذم أيضاً من يطلب حقه لأنه لا يقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد و الكذب و الإيذاء و التسليط على خصمه ، كذلك من خلط بالخصومة كلمات تؤذي و ليس له إليها حاجة في تحصيل حقه ، كذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم و كسره فهذا هو المذموم . و أما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد و إسراف و زيادة لجاج على الحاجة من غير قصد عناد و لا إيذاء ، ففعل هذا ليس حراماً و لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا ، لأن ضبط اللسان في الخصومة على حد الإعتدال متعذر ، و الخصومة توغر الصدور و تهيج الغضب ، و إذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما حتى يفرح كل واحد منهما بمساءة الآخر و يحزن لمسرته و يطلق لسانه في عرضه . فمن خاصم فقد تعرض لهذه الآفات ، و أقل ما فيها اشتغال القلب حتى أنه يكون في صلاته ، و خاطره متعلق بالمحاججة و الخصومة فلا تبقى حاله على الإستقامة ، و الخصومة مبدأ الشر و كذا الجدال و المراء فينبغي للإنسان ألا يفتح عليه باب الخصومة إلا لضرورة لا بد منها . روينا في كتاب للترمذي " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كفى بك إثماً أن لا تزال مخاصماً " . و جاء عن علي رضي الله عنه قال : إن الخصومة لها قحم . قلت القحم بضم القاف و فتح الحاء المهملة و هي : المهالك ( فصل ) " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط حتى ينزع " . و " عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدال ثم تلا " ما ضربوه لك إلا جدلاً " الآية " . و قال صلى الله عليه و سلم : " أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم و جدال منافق في القرآن و دنيا تقطع أعناقكم " . رواه ابن عمر . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " المراء في القرآن كفر " . ( فصل ) : يكره التغيير في الكلام بالتشدق ، و تكلف السجع بالفصاحة بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون ، فكل ذلك من التكلف المذموم ، بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته لفظاً يفهمه جلياً و لا يثقله . روينا في كتاب الترمذي " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة " . قال الترمذي : حديث حسن و روينا فيه أيضاً " عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، و إن من أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون . قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون و المتشدقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون " . قال الترمذي حديث حسن . قال : و الثرثار هو كثير الكلام ، و المتشدق من يتطاول على الناس في الكلام و يبذو عليهم . و اعلم أنه لا يدخل في الذم تحسين ألفاظ الخطب و المواعظ إذا لم يكن فيها إفراط و أغراب ، إلا أن المقصود منها تهييج القلوب إلى طاعة الله تعالى و لحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر ، و الله أعلم . |
اليمين الغموس الكبيرة الخامسة و العشرون : اليمين الغموس قال الله تعالى : " إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم " . قال الواحدي : نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة ، فهم المدعي عليه أن يحلف ، فأنزل ، فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه . و عن " عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف على يمين و هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان " . فقال الأشعث : في و الله نزلت ، كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا ، قال لليهودي : احلف . قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي . فأنزل الله تعالى : " إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً " أي عرضاً يسيراً من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " أي لا نصيب لهم في الآخرة " و لا يكلمهم الله " أي بكلام يسرهم " و لا ينظر إليهم " نظر اً يسرهم ، يعني نظر الرحمة " و لا يزكيهم " و لا يزيدهم خيراً و لا يثني عليهم . و " عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق لقي الله و هو عليه غضبان " . قال عبد الله . ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تصديقه من كتاب الله " إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً " إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين . و " عن أبي أمامة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة ، فقال رجل : و إن كان يسيراً يا رسول الله ؟ قال : و إن كان قضيباً من أراك " أخرجه مسلم في صحيحه . قال حفص بن ميسرة : ما أشد هذا الحديث فقال : أليس في كتاب الله تعالى :" إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً " ؟ الآية . و " عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم . فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر : خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال : المسبل و المنان ، و المنفق سلعته بالحلف الكاذب . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر الإشراك بالله ، عقوق الوالدين ، و قتل النفس ، و اليمين الغموس " أخرجه البخاري في صحيحه و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها ، سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم ، و قيل تغمسه في النار . فصل : و من ذلك الحلف بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة و الأمانة ، و هي من أشد ما هنا ، و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة السلطان و تربة فلان . " عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت " . و في رواية في الصحيح " فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت " . و " عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم " رواه مسلم . الطواغي : جمع طاغية و هي الأصنام ، و منه الحديث : هذه طاغية دوس أي صنمهم و معبودهم . و " عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف بالأمانة فليس منا " رواه أبو داود و غيره ، و " عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال إني بريء من الإسلام ، فإن كان كاذباً فهو كما قال ، و إن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً " . و " عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول : و الكعبة ، فقال : لا تحلف بغير الله . فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك " . رواه الترمذي و حسنه ابن حبان في صحيحه و الحاكم ، و قال صحيح على شرطهم . قال : و فسر بعض العلماء قوله " كفر أو أشرك " على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " الرياء شرك " . و قال صلى الله عليه و سلم : من حلف فقال في حلفه و اللات و العزى فليقل لا إله إلا الله ، و قد كان في الصحابة من هو حديث عهد بالحلف بها قبل إسلامه ، فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يبادر بقوله : لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى لسانه ، و بالله التوفيق . |
نقص الكيل و الزراع و ما أشبه ذلك الكبيرة الثانية و الستون : نقص الكيل و الزراع و ما أشبه ذلك قال الله تعالى : " ويل للمطففين " يعني الذين ينقصون الناس و يبخسون حقوقهم بالكيل و الوزن . قوله : " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون " يعني يستوفون حقوقهم منها قال الزجاج : المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم و كذلك إذا اتزنوا و لم يذكر إذا اتزنوا لأن الكيل و الوزن بهما الشراء و البيع فيما يكال و يوزن فأحدهما يدل على الآخر . " و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " أي ينقصون في الكيل و الوزن . و قال السدي : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و بها رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر . فأنزل الله هذه الآية . و " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس بخمس قالوا يا رسول الله و ما خمس بخمس ؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، و ما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، و ما ظهرت فيهم الفاحشة إلا أنزل الله بهم الطاعون ـ يعني كثرة الموت ـ و لا طففوا الكيل إلا منعوا النبات و أخذوا بالسنين ، و لا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر " " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " قال الزجاج : المعنى لو ظنوا أنهم مبعوثون ما ما نقصوا في الكيل و الوزن " ليوم عظيم " أي يوم القيامة . " يوم يقوم الناس " من قبورهم " لرب العالمين " أي لأمره و لجزائه و حسابه ، و هم يقومون بين يديه لفصل القضاء . و عن مالك بن دينار قال دخل علي جار لي و قد نزل به الموت و هو يقول : جبلين من نار ، جبلين من نار . قال قلت : ما تقول ؟ قال يا أبا يحيى كان لي مكيالان كنت أكيل بأحدهما و أكتال بالآخر و قال مالك بن دينار : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر ، فقال يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد الأمر عظماً و شدة فمات في مرضه . و المطفف : هو الذي ينقص الكيل و الوزن مطففاً لأنه لا يكاد يسرق إلا الشيء الطفيف ، و ذلك ضرب من السرقة و الخيانة و أكل الحرام . ثم وعد الله من فعل ذلك بويل و هو شدة العذاب و قيل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره . و قال بعض السلف : أشهد على كل كيال أو وزان بالنار لأنه لا يكاد يسلم إلا من عصم الله ، و قال بعضهم : دخلت على مريض و قد نزل به الموت فجعلت ألقنه الشهادة و لسانه لا ينطق بها ؟ فلما أفاق قلت له : يا أخي ما لي ألقنك الشهادة و لسانك لا ينطق بها ؟ قال يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها . فقلت له : بالله أكنت تزن ناقصاً ؟ قال : لا و الله و لكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني . فهذا حال من لا يعتبر صحة ميزانه فكيف حال من يزن ناقصاً ؟ ! و قال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : اتق الله و أوف الكيل و الوزن ، فإن المطففين يوقفون حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم ، و كذا التاجر إذا شد يده في الذراع وقت البيع و أرخى وقت الشراء ، و كان بعض السلف يقول : ويل لمن يبيع بحبة يعطيها ناقصة جنة عرضها السماوات و الأرض ، و ويح لمن يشتري الويل بحبة يأخذها زائدة . فنسأل الله العفو و العافية من كل بلاء و محنة إنه جواد كريم . |
عقوق الوالدين الكبيرة الثامنة : عقوق الوالدين قال الله تعالى : " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " أي براً و شفقة و عطفاً عليهما . " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما " : أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و ينبغي أن تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم و كيف يقع التساوي ، و قد كانا يحملان أذاك راجين حياتك و أنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما . ثم قال الله تعالى : " و قل لهما قولاً كريما " أي ليناً لطيفاً . " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " . و قال الله تعالى : " أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير " . فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ( إحداهما ) قول الله تعالى : " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول " . فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه . ( الثانية ) قول الله تعالى : " و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة " . فمن صلى و لم يزك لم يقبل منه . ( الثالثة ) قول الله تعالى : " أن اشكر لي و لوالديك " فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه . و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم " رضى الله في رضى الوالدين و سخط الله في سخط الوالدين " . و " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد " . مخرج في الصحيحين ، فانظر كيف فضل بر الوالدين و خدمتهما على الجهاد ! . و في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله و عقوق الوالدين " . فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك و في الصحيحين أيضاً " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر " . و عنه صلى الله عليه و سلم قال : " لو علم الله شيئاً أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة . و ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار " . و قال صلى الله عليه و سلم : " لعن الله العاق لوالديه " . و قال صلى الله عليه و سلم : " لعن الله من سب أباه ، لعن الله من سب أمه " . و قال صلى الله عليه و سلم : " كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه ، يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة " . و قال كعب الأحبار رحمه الله : إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ، و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً و خيراً . و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا . فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي . فقال صلى الله عليه و سلم : " أنت و مالك لأبيك " و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها ، و إذا أمره بأمر لم يطع أمرهما ، و إذا سألاه شيئاً لم يعطهما ، و إذا ائتمناه خانهما . و سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم و ما الأعراف ؟ فقال : أما الأعراف فهو جبل بين الجنة و النار ، و إنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة و النار و عليه أشجار و ثمار و أنهار و عيون ، و أما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم و أمهاتهم فقتلوا في الجهاد ، فمنعهم القتل في سبيل الله من دخول النار ، و منعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة ، فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره و في الصحيحين " أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال أمك . قال ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أبوك ، ثم الأقرب فالأقرب " . فحض على بر الأم ثلاث مرات ، و على بر الأب مرة واحدة . و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها أعظم ، مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل . رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة . فقال : يابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال : و لا بطلقة واحدة من طلقاتها و لكن قد أحسنت ، و الله يثيبك على القليل كثيراً . و " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن خمر ، و آكل ربا ، و آكل مال اليتيم ظلماً ، و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا ". و قال صلى الله عليه و سلم : " الجنة تحت أقدام الأمهات " ، و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال : يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها . فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه " . و قال صلى الله عليه و سلم : " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم ، و دعوة المسافر ، و دعوة الوالد على ولده " . و قال صلى الله عليه و سلم : " الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان " . و عن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك ، فإن من وقر والديه مددت في عمره و وهبت له ولداً يوقره ، و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولداً يعقه . و قال أبو بكر بن أبي مريم : قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل . و قال وهب : قرأت في التوراة : على من صك والده الرجم . و عن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس ، و صمت رمضان ، و أديت الزكاة ، و حججت البيت ، فماذا لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من فعل ذلك كان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين إلا أن يعق والديه " . و قال صلى الله عليه و سلم : " لعن الله العاق والديه " و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " رأيت ليلة أسري بي أقواماً في النار معلقين في جذوع من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء . قال : الذين يشتمون آباءهم و أمهاتهم في الدنيا " . و روي أن من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض . و يروى أنه إذا دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه و أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة : المشرك و الزاني و العاق لوالديه . و قال بشر : ما من رجل يقرب من أمه حيث حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله و النظر إليها أفضل من كل شيء ، " و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي لهما فقال الرجل : يا رسول الله ولدي خرج من صلبي ، و قالت المرأة : يا رسول الله حمله خفاً و وضعه شهوة و حملته كرهاً و وضعته كرهاً و أرضعته حولين كاملين ، فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه " . ( موعظة ) : أيها المضيع لآكد الحقوق ، المعتاض من بر الوالدين العقوق ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، بر الوالدين عليك دين ، و أنت تتعاطاه باتباع الشين ، تطلب الجنة بزعمك ، و هي تحت أقدام أمك . حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج . و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج ، و أرضعتك من ثديها لبناً ، و أطارت لأجلك وسناً ، و غسلت بيمينها عنك الأذى ، و آثرتك على نفسها بالغذاء ، و صيرت حجرها لك مهداً ، و أنالتك إحساناً و رفداً ، فإن أصابك مرض أو شكاية ، أظهرت من الأسف فوق النهاية ، و أطالت الحزن و النحيب ، و بذلت مالها للطبيب ، و لو خيرت بين حياتك و موتها ، لطلبت حياتك بأعلى صوتها ، هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مراراً ، فدعت لك بالتوفيق سراً و جهاراً . فلما احتاجت عند الكبر إليك ، جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فشبعت و هي جائعة و رويت و هي قانعة . و قدمت عليها أهلك و أولادك بالإحسان ، و قابلت أياديها بالنسيان و صعب لديك أمرها و هو يسير ، و طال عليك عمرها و هو قصير ، هجرتها و مالها سواك نصير ، هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف ، و عاتبك في حقها بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين ، و في أخراك بالبعد من رب العالمين ، يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ( ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد ) : لأمك حق لو علمت كثير كثيرك يا هذا لديه يسير فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة و زفير و في الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير و كم غسلت عنك الأذى بيمينها و ما حجرها إلا لديك سرير و تفديك بما تشتكيه بنفسها و من ثديها شرب لديك نمير و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها حناناً و إشفاقاً و أنت صغير فآها لذي عقل و يتبع الهوى و آها لأعمى القلب و هو بصير فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير " حكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه و سلم شاب يسمى علقمة و كان كثير الإجتهاد في طاعة الله في الصلاة و الصوم و الصدقة ، فمرض و اشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن زوجي علقمة في النزع ، فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله . فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم عماراً و صهيباً و بلالاً و قال : امضوا إليه و لقنوه الشهادة فمضوا إليه و دخلوا عليه فوجدوه في النزع ، فجعلوا يلقنونه ( لا إله إلا الله ) ، و لسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هل من أبويه أحد حي ؟ قيل : يا رسول الله أم كبيرة السن ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال للرسول : قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلا فقري في المنزل حتى يأتيك . قال : فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : نفسي لنفسه فداء ، أنا أحق بإتيانه . فتوكـأت و قامت على عصا ، و أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت فرد عليها السلام و قال لها : يا أم علقمة أصدقيني و إن كذبت جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول الله كثير الصلاة ، كثير الصيام كثير الصدقة . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما حالك ؟ قالت : يا رسول الله أنا عليه ساخطة . قال : و لم ؟ قالت : يا رسول الله كان يؤثر علي زوجته و يعصيني . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة . ثم قال : يا بلال انطلق و اجمع لي حطباً كثيراً . قالت يا رسول الله و ما تصنع ؟ قال : أحرقه بالنار بين يديك . قالت : يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي . قال : يا أم علقمة عذاب الله أشد و أبقى ، فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته و لا بصيامه و لا بصدقته ما دمت عليه ساخطة . فقالت : يا رسول الله إني أشهد الله تعالى و ملائكته و من حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني . فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا إله إلا الله ، فدخل بلال فقال : يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة ، و أن رضاها أطلق لسانه . ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بغسله و كفنه ثم صلى عليه و حضر دفنه ، ثم قام على شفير قبره و قال : يا معشر المهاجرين و الأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا إلا أن يتوب أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليها و يطلب رضاها ، فرضى الله في رضاها و سخط الله في سخطها . فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه ، و أن يجنبنا سخطه ، إنه جواد كريم رؤوف رحيم " . |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:48 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.