بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   ركن الغـذاء والـدواء (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=567)
-   -   الإعجاز فى خلق السموات (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=289596)

عمروعبده 21-02-2011 09:51 PM

و السماء و الطارق

‏و السماء و الطارق




قال تعالى : ( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق‏ النجم الثاقب‏)
يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ سورة الطارق بقسم عظيم يقسم به‏(‏ سبحانه‏)‏ ـ وهو الغني عن القسم ـ بكل من السماء والطارق‏,‏ ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ويحدده بالنجم الثاقب‏,‏ فيقول‏(‏ عز من قائل‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏):‏ والسماء والطارق‏*‏ وما أدراك ما الطارق‏*‏ النجم الثاقب‏*‏
‏(‏الطارق‏:1‏ ـ‏3)‏
وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من الطارق‏,‏ فمنهم من قال إن الوصف ينطبق علي كل نجم‏,‏ ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته‏,‏ ولا ضرورة لهذا التحديد‏,‏ بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏,‏ النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏...,‏ كما قال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله رحمة واسعة‏)..‏
ومنهم من قال إنه الثريا أو النجم الذي يقال له كوكب الصباح‏,‏ أو نجم آخر محدد بذاته‏,‏
ومنهم من قال إن الوصف ينطبق علي الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة‏,‏ كما في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب‏*‏ ‏(‏ الصافات‏:10)‏
وذلك علي الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والكوكب والشهاب‏.‏
ولكن‏,‏ الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا تبارك وتعالى بـ الطارق‏,‏ ووصفه بالنجم الثاقب‏,‏ فما هو هذا النجم المحدد الذي استوجب هذا القسم القرآني التفخيمي‏,‏ وجاء مقرونا بالسماء علي عظم شأنها؟ خاصة أن القسم في القرآن الكريم يأتي من أجل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به‏,‏ وإلي ضرورته لاستقامة الكون ومكوناته‏,‏ أو لاستقامة الحياة فيه‏,‏ أو لكليهما معا‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ كما سبق وأن أشرنا وكررنا لمرات عديدة‏,‏ وعندي أن معني الطارق النجم الثاقب لا ينجلي إلا بمعرفة دقيقة لطبيعة النجوم وأنواعها ومراحل تكونها‏,‏ لأن هذه قضية علمية صرفة‏,‏ وكطبيعة كل الإشارات الكونية في القرآن الكريم‏,‏ لابد من توظيف المعارف العلمية لفهم دلالاتها‏,‏ حيث لا يمكن لتلك الدلالات أن تتضح في الإطار اللغوي وحده‏.‏

المدلول اللغوي للفظة الطارق
لفظة الطارق اسم فاعل من الطرق بمعني الضرب بشدة‏,‏ وأصل الطرق الدق‏,‏ ومنه سميت المطرقة التي يطرق بها‏,‏ وهذا هو الأصل‏,‏ ولكن استخدمت اللفظة مجازا لتدل علي الطريق أي السبيل‏,‏ لأن السابلة تطرقها بأقدامها‏,‏ ثم صارت اسما لسالك الطريق‏,‏ باعتبار أنه يطرقها بقدميه‏,‏ ولفظة الطريق تذكر وتؤنث‏,‏ وجمعها أطرقة‏,‏ وطرق‏.‏
كذلك استخدم لفظ الطريقة بمعني الوسيلة أو الحالة‏.‏
واستخدم الطرق والمطروق للإشارة إلي ماء السماء الذي تطرقه الإبل بعد سقوطه علي الأرض‏,‏ واستخدم لفظ الطارق علي سبيل المجاز للتعبير عن كل ما جاء بليل‏,‏ فسمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلي طرق الأبواب المغلقة‏,‏ ثم اتسع هذا الاستعمال المجازي ليشمل كل ما ظهر بليل‏,‏ ثم زيد في توسيعه حتي أطلق علي الصور الخيالية البادية لبعض الناس بالليل‏.‏
وطريقة القوم وطرائقهم أماثلهم وخيارهم‏,‏ والطرائق الفرق والطرق‏.‏
والطرق أيضا الضرب بالحصي‏,‏ وهو من الكهانة والتكهن‏,‏ والطراق هم المتكهنون‏,‏ والطوارق هن المتكهنات‏.‏

آراء المفسرين في الطارق النجم الثاقب
ذكر ابن كثير قول قتادة وغيره من متقدمي المفسرين‏(‏ يرحمهم الله جميعا‏)‏ مانصه‏:‏ إنما سمي النجم طارقا‏,‏ لأنه إنما يري بالليل‏,‏ ويختفي بالنهار‏,‏ ويؤيده ما جاء بالحديث‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ إلا طارقا يطرق بخير يارحمن‏),‏ وأضاف قول ابن عباس‏(‏ رضي الله تبارك وتعالى عنهما‏(‏ في شرح الثاقب بالمضيء‏,‏ وأشار إلي قول عكرمة‏(‏ رضي الله عنه‏):‏ هو مضيء ومحرق للشيطان‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ أن هذا الوصف ينطبق علي جنس النجم‏,‏ ولا سبيل إلي تحديد نجم بذاته من هذا النص‏,‏ ولا ضرورة لهذا التحديد‏,‏ بل إن الإطلاق أولي ليكون المعني‏:‏ والسماء ونجومها الثاقبة للظلام‏,‏ النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء‏...‏وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏):‏ أن‏...‏ المراد هنا النجم البادي بالليل‏,‏ وأضاف‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ النجم الثاقب‏)‏ أي المضيء‏,‏ كأنه يثقب الظلام بنوره فينفذ فيه‏,‏ والمراد به الجنس‏,‏ فإن لكل كوكب ضوءا ثاقبا‏,‏ أو هو معهود وهو الثريا‏,‏ أو النجم الذي يقال له‏(‏ كوكب الصباح‏)...‏
ووافق كل من الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏),‏ وأصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏),‏ ما قال به ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏),‏ علي الرغم من أن القسم واضح الدلالة علي نجم محدد بذاته‏,‏ وفيه من التحديد والتخصيص ما لا يمكن تجاهله‏,‏ فلو كان الوصف بالطارق ينطبق علي كل نجم‏,‏ ما خصص في هذه الآية الكريمة بهذا التحديد الدقيق‏,‏ ولما أعطي اسما محددا الطارق‏,‏ ولا صفة محددة النجم الثاقب‏,‏ ولما ورد به القسم مع السماء بهذه الصورة المفخمة‏,‏ ولما وجه السؤال إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ عقب القسم مباشرة‏:‏ والسماء والطارق‏*‏ وما أدراك ما الطارق‏*‏
ولما أتي الجواب قاطعا‏,‏ حاسما من الله‏(‏ تعالى‏)‏ بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ النجم الثاقب‏*‏
والنجوم قد ورد ذكرها في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة‏,‏ أربع منها بالإفراد‏(‏ النجم‏),‏ وتسع بالجمع‏(‏ النجوم‏),‏ ولم يوصف أي منها بالطارق النجم الثاقب‏,‏ إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها‏,‏ والتي حملت اسم الطارق تأكيدا أن الطارق نجم محدد بذاته‏,‏ ولكي نفهم حقيقة هذا النجم الطارق الثاقب‏,‏ لابد لنا من التعرف علي أنواع النجوم‏,‏ لنجد ما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف القرآني المحدد‏.‏

ماهية النجوم؟‏
النجوم هي مصابيح السماء الدنيا‏,‏ وهذه المصابيح السماوية عبارة عن أجرام غازية في غالبيتها‏,‏ ضخمة الحجم‏,‏ ولكنها تبدو لنا ضئيلة لتعاظم أبعادها عنا‏,‏ فأقرب النجوم إلينا وهي الشمس تبعد عنا بنحو مائة وخمسين مليون كيلومتر‏(149,6‏ مليون كيلومتر‏)‏ وأقرب نجوم مجرتنا إلينا بعد الشمس واسمه الأقرب القنطوري ‏(Proxima Centauri)
يقدر بعده عنا بأكثر من أربعة آلاف مليون مليون كيلومتر‏(4,3‏ من السنين الضوئية‏),‏ ومن النجوم ما يبعد عنا بأكثر من عشرة بلايين من السنين الضوئية‏.‏
والنجوم أجرام سماوية شديدة الحرارة‏,‏ ملتهبة‏,‏ مشتعلة‏,‏ ومضيئة بذاتها‏,‏ يغلب علي تركيبها غاز الإيدروجين‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم‏,‏ والقليل من العناصر الأخري الأثقل وزنا‏,‏ وتحتوي مادة النجم الغازية‏(‏ في أغلبها‏)‏ بعملية التجاذب الداخلي إلي مركز النجم الناتجة عن دورانه حول محوره‏,‏ وتؤدي هذه العملية إلي اتحاد نوي ذرات الإيدروجين مع بعضها البعض بالاندماج أو الانصهار النووي ‏(Nuclear Fusion)
وينطلق عن ذلك كميات هائلة من الطاقة علي هيئة عدد من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي من أهمها الضوء والحرارة‏.‏
ويؤدي تسلسل عملية الاندماج النووي من عنصر إلي آخر‏,‏ إلي تكوين عناصر أعلي في وزنها الذري باستمرار‏,‏ مما يؤدي بدوره إلي تعقيد كل من التركيب الكيميائي والبناء الداخلي للنجم‏,‏ الذي يتقلص حجمه بالتدريج وتزداد كثافته بطريقة مطردة‏,‏ وترتفع درجة حرارته باستمرار‏,‏ فيمر بذلك في عدد من الأطوار المتتالية حتي نهاية حياته‏,‏ وتسمي هذه المراحل المتتالية بدورة حياة النجم‏.‏

دورة حياة النجوم‏
خلقت النجوم ابتداء من الدخان الكوني‏,‏ الذي نشأ عن انفجار الجرم الأولي للكون‏(‏ فتق الرتق‏),‏ ولا تزال النجوم تتخلق أمام أنظار الفلكيين من دخان كل من السدم والمسافات بين النجمية وبين المجرية‏,‏ عبر مراحل متتالية‏,‏ وذلك بواسطة عدد من الدوامات العاتية التي تعرف باسم دوامات تركيز المادة
‏(Material Accretion Whorlsor Vertigos)
التي تعمل علي تكثيف المادة في داخل سحابات الدخان بفعل عملية التجاذب التثاقلي ‏(Gravitational Attraction)
فتؤدي إلي إحداث تصادمات متكررة بين جسيمات المادة ينتج عنها الارتفاع التدريجي في درجة حرارتها حتي تصبح قادرة علي بث الأشعة تحت الحمراء فيولد ما يسمي بالنجم الابتدائي ‏Pro-(or) Proto-Star

وتستمر جزيئات المادة في هذا النجم الأولي في التجمع والانجذاب أكثر نحو المركز حتى تتجمع الكتلة اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي‏,‏ فتزداد الاصطدامات بينها‏,‏ ويزداد الضغط إلي الدرجة التي تسمح ببدء التفاعلات النووية الاندماجية بين نوي ذرات الإيدروجين‏,‏ فيتوهج النجم الأولي وتنطلق منه الطاقة‏,‏ وينبثق الضوء المرئي‏,‏ وعند ذلك يكون النجم الابتدائي قد وصل إلي طور النضج المسمي باسم نجوم النسق الرئيسي
‏(Main Sequence Stars)
ويستمر النجم في هذا الطور غالبية عمره‏(90%‏ من عمره‏),‏ حيث يتوقف انكماش مادته نحو المركز بسبب الحرارة والضغط البالغين المتولدين في مركز النجم‏.‏
وينتج عن استمرار التفاعلات النووية في داخل نجم النسق الرئيسي استهلاك كميات كبيرة من غاز الإيدروجين الذي تحوله إلي الهيليوم‏,‏ وبالتدريج تتخلق العناصر الأثقل من مثل الكربون‏,‏ والنيتروجين‏,‏ والأوكسجين‏,‏ وفي مراحل لاحقة يتحول لب النجم إلي الحديد‏,‏ فتتوقف عملية الاندماج النووي‏,‏ ويدخل النجم في مرحلة الاحتضار علي هيئة النموذج الأول لانفجار المستعر الأعظم ‏(TypeI Supernova Explosion)
ينتهي به إلي دخان السماء عبر مراحل من العمالقة الحمر
‏(Red Giants)
ثم مرحلة النجوم الزرقاء شديدة الحرارة والمحاطة بهالة من الإيدروجين المتأين والمعروفة باسم السدم الكوكبية ‏(Planetary Nebulae)
ثم مرحلة الأقزام البيض ‏(White Dwarfs)
صورة بالاشعة السينية لسديم السرطان وبداخله نجم نيوترونى

إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم قليلة نسبيا‏(‏ في حدود كتلة الشمس تقريبا‏),‏ أما اذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم عدة مرات قدر كتلة الشمس‏,‏ فإنه يمر بمراحل من العمالقة العظام
‏(Supergiants)
ثم النموذج الثاني لانفجار المستعر الأعظم
‏(TypeII Supernova Explosion)‏
الذي تتبقي عنه النجوم النيوترونية
‏(Neutron Stars)
أو الثقوب السود
‏(Black Holes)
والتي أسميها باسم النجوم الخانسة الكانسة
‏(The Concealedor Hidden Sweeping Stars)
كما يصفها القرآن الكريم‏,‏ والتي تبتلع كل ما تمر به أو يصل إلي أفق حدثها ‏(Event Horizon)

من مختلف صور المادة والطاقة‏,‏ ثم ينتهي بها المطاف إلي دخان السماء عن طريق تفككها وتبخر مادتها عالية الكثافة‏,‏ كما يعتقد غالبية الدارسين لموضوعات الفيزياء الفلكية‏,‏ وإن كانوا لم يتمكنوا بعد من تحديد كيفية حدوث ذلك‏,‏ ويري بعض الفلكيين أن أشباه النجوم ‏(Quasars)‏
مرشحة لتكون المرحلة الانتقالية من الثقوب السود إلي دخان السماء‏,‏ وهي أجرام شاسعة البعد عنا‏,‏ ضعيفة الإضاءة‏(‏ ربما لبعدها الشاسع عنا‏),‏ منها ما يطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا ويعرف باسم أشباه النجوم الراديوية ‏(Quasi-Stellar Radio Sourcesor Quasars)
ومنها ما لا يصدر مثل تلك الموجات الراديوية ويعرف باسم أشباه النجوم غير الراديوية
‏(Radio-Quiet Quasi-Stellar Objectsor QSOs)‏
وغالبية نجوم السماء من النوع العادي‏,‏ أو ما يعرف باسم نجوم النسق الرئيسي ‏(Main Sequence Stars)
التي تمثل مرحلة نضج النجم وأوج شبابه‏,‏ وهي أطول مرحلة في حياة النجوم‏,‏ حيث يمضي النجم‏90%‏ من عمره في هذه المرحلة‏,‏ التي تتميز بتعادل دقيق بين قوي التجاذب إلي مركز النجم‏(‏ والناتجة عن دوران النجم حول محوره‏),‏ وقوي دفع مادة النجم إلي الخارج‏(‏ نتيجة لتمدده بالحرارة الشديدة الناتجة عن عملية الاندماج النووي في لبه‏),‏ ويبقي النجم في هذا الطور حتي ينفذ وقوده من غاز الإيدروجين‏,‏ أو يكاد ينفد‏,‏ فيبدأ بالتوهج الشديد حتي تصل شدة إضاءته إلي مليون مرة قدر شدة إضاءة الشمس‏,‏ ثم يبدأ في الانكدار التدريجي حتي يطمس ضوؤه بالكامل‏,‏ ويختفي كلية عن الأنظار علي هيئة النجم الخانس الكانس‏(‏ أو الثقب الأسود‏),‏ عبر عدد من مراحل الانكدار‏.‏
ومن النجوم المنكدرة ما يعرف باسم السدم الكوكبية
‏(Planetary Nebulae) والأقزام البيض ‏(White Dwarfs) والنجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars) ومنها النابض وغير النابض
‏Pulsating Neutron Stars (or Pulsars)and Non-pulsating Neutron Stars‏
وغيرها من صور انكدار النجوم‏,‏ وسبحان الذي أنزل من فوق سبع سماوات‏,‏ ومن قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏ إذا الشمس كورت‏*‏ وإذا النجوم انكدرت‏*‏ ‏(‏ التكوير‏:2).‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ فإذا النجوم طمست‏*‏ ‏(‏المرسلات‏:8)‏

والآيات الثلاث من مظاهر الآخرة‏,‏ إلا أن من رحمة الله‏(‏ تعالى‏)‏ بنا‏,‏ أن يبقي لنا في سماء الدنيا من ظواهر انكدار النجوم وطمسها‏,‏ ما يؤكد إمكانية حدوث ذلك في الآخرة بكيفيات ومعدلات مغايرة لكيفيات ومعدلات الدنيا‏,‏ لأن الآخرة لها من السنن ما يغاير سنن الدنيا‏.‏

أحجام النجوم
تتفاوت النجوم في أحجامها تفاوتا كبيرا‏,‏ فمنها العماليق العظام
‏(Supergiants)
التي تزيد أقطارها عن أربعمائة ضعف قطر الشمس‏(‏ أي نحو خمسمائة وستين مليون كيلومتر‏),‏ ومنها الأقزام البيض ‏(White Dwarfs)
التي لا تتعدي أطوال أقطارها واحدا من مائة من طول قطر الشمس في المتوسط‏(‏ أي لا تتعدي‏14000‏ كيلومتر‏),‏ ومنها النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)
التي لا يتعدي طول قطر الواحد منها ستة عشر كيلومترا‏,‏ ومنها النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ أو ما يعرف باسم الثقوب السود‏)
(Concealedor Hidden Sweeping Stars (or Black Holes)
التي يتضاءل فيها قطر النجم إلي ما لا يستطيع العقل البشري أن يتصوره‏,‏ وهي صورة واقعية راهنة تعيد إلي الأذهان نقطة البداية الأولي التي انفجرت فخلق الله تعالى منها كل السماوات والأرض‏(‏ الرتق‏)‏ مع الفارق الشاسع بين النقطتين في تناهي الحجم والكتلة‏,‏ وكم الطاقة ودرجة الحرارة وغير ذلك من الصفات‏,‏ ولكنها رحمة الله‏(‏ تعالى‏)‏ بنا‏,‏ أن يبقي لنا في صفحة السماء ما يمكن أن يعين أصحاب البصائر علي تدبر الخلق الأول‏,‏ وعلي تصور إمكانية إفنائه‏,‏ وإعادة خلقه من جديد‏,‏ وهي من القضايا التي طالما جادل فيها الكافرون والمتشككون والمنكرون بغير علم ولا هدي ولا سلطان منير‏.‏

كثافة وكتل النجوم
كما تتفاوت النجوم في أحجامها‏,‏ فإنها تتفاوت في كل من كثافة مادتها وكتلتها‏,‏ وبصورة عامة تقل كثافة النجم كلما زاد حجمه وبالعكس‏,‏ تزداد كثافته كلما قل حجمه‏,‏ وقد لوحظ أن كثافة مادة النجوم تتفاوت بين واحد من مائة من متوسط كثافة الشمس‏(‏ المقدرة بنحو‏1,41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏)‏ في العماليق العظام ‏(Supergiants)
إلي طن واحد للسنتيمتر المكعب‏(610‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في الأقزام البيض
‏(White Dwarfs)
الي بليون طن للسنتيمتر المكعب‏(1510‏ جرام‏/‏سم‏3)‏ في النجوم النيوترونية إلي أضعاف مضاعفة لتلك الكثافة في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏).‏
ويمكن تعيين كتل النجوم خاصة الثنائية والثلاثية منها‏,‏ إما بصريا أو طيفيا بتطبيق قانون الجاذبية‏,‏ أو بتطبيق قوانين الازاحة الطيفية
‏(Red Shift)
(‏ انزياح أضواء النجوم إلي الطيف الأحمر‏),‏ وهناك علاقة بين كتلة النجم ودرجة اضاءته‏(‏ في مرحلة نجوم النسق الرئيسي‏),‏ أي بين كتلة المادة التي يحتويها النجم‏,‏ وبين كمية الطاقة المتولدة في جوفه‏,‏ فإذا كان النجم في حالة اتزان بين قوي الجذب إلي مركزه وقوي الدفع إلي الخارج‏(‏ أي لا يتمدد ولا ينكمش‏)‏ فإن جميع خواصه الفيزيائية تعتمد علي كل من كتلته وتوزيع العناصر الكيميائية في مادته‏.‏
وتعتبر كثافة النجم دالة قوية علي مرحلة تطوره‏,‏ فكلما زادت كثافة النجم‏,‏ كان أكبر عمرا وأقرب إلي نهايته من النجوم الأقل كثافة‏.‏

درجات حرارة النجوم

تتفاوت النجوم في درجة حرارة سطحها بين‏2300‏ درجة مطلقة في النجوم الحمراء‏,‏و وأكثر من خمسين ألف درجة مطلقة في النجوم الزرقاء‏,‏ ويتم قياس درجة حرارة سطح النجم بعدد من التقنيات التي منها قياسات لون النجم‏,‏ لإن إشعاعه يخضع لقوانين إشعاع الجسم الأسود ‏(Black **** Radiation)
فإذا كانت درجة حرارة النجم منخفضة نسبيا‏,‏ مالت معظم الإشعاعات التي يصدرها إلي اللون الأحمر‏,‏ وإذا كانت درجة حرارته عالية مالت إشعاعاته إلي الزرقة‏,‏ وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة حرارة اللون
‏(ColourTemperature)
ومنها قياس شدة خطوط الامتصاص الطيفية لأشعة النجم في مراحل مختلفة من التأين والإثارة وتسمي درجة الحرارة المقاسة باسم درجة الحرارة الطيفية
‏(Spectral Temperature).‏
وتتفاوت النجوم أيضا في درجة حرارة جوفها بين عشرات الملايين في نجوم النسق الرئيسي‏,‏ ومئات البلايين من الدرجات المطلقة في المستعرات وما فوقها‏.‏

أقدار النجوم

هي مقاييس عددية تعبر عن درجة لمعان النجم‏,‏ وتقاس شدة الإضاءة الظاهرية للنجم بكمية الضوء الواصل منه إلي نقطة معينة في وحدة من وحدات الزمن‏,‏ والقدر الظاهري للنجم قيمة عددية لوغاريتمية تعبر عن شدة إضاءته الظاهرية بالنسبة لغيره من النجوم‏,‏ بمعني أن الأرقام الأقل تعبر عن درجة لمعان أعلي‏,‏ ويعتمد القدر الظاهري للنجم علي كمية الطاقة المنطلقة منه في الثانية‏(‏ القدر المطلق‏),‏ وعلي بعد النجم عنا‏,‏ ويمكن معرفة القدر المطلق للنجم بمعرفة بعده عن الأرض‏,‏ ويبلغ مدي القدر النجمي المطلق نحو‏27‏ درجة‏(‏ تتراوح بين‏-9‏ في أشدها لمعانا‏,‏ و‏+18‏ في أخفتها‏).‏
وتبلغ درجة لمعان الشمس‏(‏ قدرها المطلق‏)+5,‏ بينما يقترب ذلك من أقصي قدر‏(-9)‏ في كل من العماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام والمستعرات وما فوقها‏,‏ حيث تبلغ شدة إضاءة النجم أكثر من مليون ضعف إضاءة الشمس‏,‏ وتتدني شدة الإضاءة الي واحد من ألف من شدة إضاءة الشمس في النجوم المنكدرة من مثل الأقزام البيض‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ إلي الطمس الكامل والإظلام التام في النجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏)‏ وأشباهها من الأجرام المستترة في ظلمة الكون‏.‏

التغير في أقدار النجوم أو‏(‏ النجوم المتغيرة‏)‏

بالإضافة إلي التباين الشديد في درجة لمعان النجوم‏,‏ فإن بعض النجوم العادية ‏(Main Sequence Stars)
تتفاوت شدة إضاءة النجم الواحد منها من وقت إلي آخر‏,‏ عبر فترات زمنية تطول أو تقصر‏,‏ وبشكل مفاجيء أو بصورة هادئة متدرجة‏,‏ لا تكاد أن تدرك‏,‏ ولذلك عرفت باسم النجوم المتغيرة أو المتغيرات‏.‏

احتضار النجوم‏

يبدأ النجم العادي‏(‏ مرحلة النسق الرئيسي‏)‏ في الاحتضار‏,‏ بالتوهج الشديد علي هيئة عملاق أحمر ‏(Red Giant)
إذا كانت كتلته الابتدائية في حدود كتلة الشمس‏(‏ أو قريبة من ذلك‏),‏ أو علي هيئة عملاق أعظم ‏(Supergiant)
اذا فاقت كتلته الابتدائية كتلة الشمس بعدة مرات‏,‏ وينشأ في الحالة الأولي نجم أزرق شديد الحرارة محاط بهالة من الإيدروجين المتأين‏(‏ أي الحامل لشحنة كهربية‏),‏ ويعرف باسم السديم الكوكبي
‏(The Planetary Nebula)
الذي سرعان ما يتبرد وينكمش علي هيئة ما يعرف باسم القزم الأبيض‏,‏ وقد تدب الروح في القزم الأبيض فيعاود الانفجار علي هيئة عملاق أحمر‏,‏ ثم نخبو جذوته إلي قزم أبيض عدة مرات حتي ينتهي به العمر إلي الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الأول ‏(TypeI Supernova)




فتنتهي مادته وطاقته إلي دخان السماء لتدخل في دورة ميلاد نجم جديد‏.‏
وفي حالة النجوم فائقة الكتلة‏,‏ ينفجر نجم النسق الرئيسي علي هيئة عملاق أعظم‏,‏ الذي يعاود الانفجار علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني‏,‏ عائدا إلي دخان السماء عودة جزئية‏,‏ ومكدسا جزءا كبيرا من كتلته علي هيئة نجم نيوتروني أو ثقب أسود‏(‏ نجم خانس كانس‏),‏ إما مباشرة أو عبر مرحلة النجم النيوتروني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏
والمراحل المتأخرة من حياة النجوم مثل النجوم الزرقاء الحارة‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ والنجوم الخانسة الكانسة‏(‏ الثقوب السود‏),‏ وأشباه النجوم ترسل بوابل من الأشعة والجسيمات الكونية‏,‏ أو بأحزمة متصلة من الأشعة السينية أو الأشعة الراديوية عبر السماء الدنيا‏,‏ فتفقد من كتلتها باستمرار إلي دخان السماء‏.‏
ومن أهم هذه المراحل المتأخرة في حياة النجوم ما يعرف باسم النجوم النيوترونية النابضة أو النوابض‏,‏ وهي نجوم نيوترونية شديدة التضاغط ترسل بنبضات منتظمة من الأشعة الراديوية المتسارعة في كل جزء من الثانية‏,‏ أو في كل عدد قليل من الثواني‏,‏ وقد يصل عدد النبضات الي ثلاثين نبضة في الثانية‏,‏ ويعتمد عدد النبضات علي سرعة دوران النجم حول محوره‏,‏ حيث أنه من المعتقد أن كل دورة كاملة للنجم حول محوره تصاحبها نبضة من نبضات الموجات الراديوية التي تسجلها المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية بوضوح تام‏.‏

كيفية تكون النجوم النيوترونية

يعتبر انفجار العماليق العظام علي هيئة مستعر أعظم من النمط الثاني‏,‏ واحدا من أعظم الانفجارات الكونية المروعة‏,‏ التي تؤدي إلي تدمير النجم وإلي تدمير كل ما يدور في فلكه أو يقع في طريق انفجاره من أجرام سماوية في زمن قياسي‏,‏ وذلك بتكون تيارات حمل عنيفة في داخل النجم تدفع بواسطة وابل غزير من النيوترينوات
‏Neutrino-Driven Convection Currents
فتقوم بتكوين دوامات متفاوتة في أحجامها‏,‏ وفي شدة دورانها‏,‏ يؤدي تصادمها إلي مزيد من تفجير النجم‏,‏ وتندفع ألسنة اللهب بعنف شديد من داخل النجم إلي خارجه علي هيئة أصابع عملاقة ملتوية ومتكسرة‏,‏ وتظل طاقة النيوترينو تضخ في داخل النجم المتفجر لمسافة آلاف الكيلومترات في العمق‏,‏ مما يؤدي إلي تكرار عمليات الانفجار مرات عديدة حتي تخبو فتنطلق رياح عاتية مندفعة بتيار النيوترينو من نجم ذي كثافة فائقة قد تكون داخل حطام النجم المنفجر‏,‏ ويعرف هذا النجم الوليد باسم النجم النيوتروني الابتدائي‏,‏ والذي سرعان ما يتحول الي نجم نيوتروني عادي الحجم بجاذبية قليلة نسبيا‏,‏ ثم الي نجم نيوتروني شديد التضاغط بجاذبية عالية جدا‏,‏ وهو نجم ضئيل الحجم جدا‏,‏ سريع الدوران حول محوره مطلقا كمية هائلة من الأشعة الراديوية‏,‏ ولذا يعرف باسم النابض الراديوي‏(RadioPulsar)‏
وباقي نواتج الانفجار تقذف إلي صفحة السماء علي هيئة موجات لافحة من الكتل الغازية الملتهبة‏,‏ تعرف باسم فضلات انفجار المستعرات العظمي‏,‏ وهذه الفضلات الدخانية قد تدور في مدارات حول نجوم أخري لتتخلق منها أجرام تتبع تلك النجوم‏,‏ أو قد تنتهي إلي المادة بين النجوم لتشارك في ميلاد نجوم جديدة‏.‏
ومن رحمة الله بنا أن مثل هذه الانفجارات النجمية المروعة والمدمرة والمعروفة باسم انفجار المستعر الأعظم‏ Supernova Explosion
قد أصبحت قليلة جدا بعد أن كانت نشطة في بدء الخلق كما تدل آثارها الباقية في صفحة السماء‏,‏ فلا يتعدي وقوعها اليوم مرة واحدة كل عدة قرون‏,‏ فحتي سنة‏1987‏ م لم يعرف الفلكيون سوي ثلاث حالات فقط مسجلة في التاريخ المدون‏,‏ وقعت إحداها في سنة‏1054‏ م‏,‏ وخلفت من ورائها نجما نيوترونيا نابضا في سديم السرطان ‏(Crab Nebula)
الذي يبعد عنا بنحو ألف فرسخ فلكي‏(3,300‏ سنة ضوئية‏)‏ ويدور هذا النابض حول محوره ثلاثين مرة في كل ثانية مطلقا إشعاعا دوارا من الأشعة السينية‏.‏
وسجلت الثانية في سنة‏1604‏ م في مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏),‏ ولاتزال آثار هذا الانفجار باقية علي هيئة دوامات شديدة من الموجات الصدمية
‏(Shock Waves)
التي يمكن رصدها‏,‏ ووقعت الثالثة في‏1987/2/24‏ م في سحب ماجيلان الكبيرة ‏(The Large Magellanic Clouds)‏
وهي إحدي المجرات المجاورة لمجرتنا‏.‏
والانفجار الواحد من هذه الانفجارات العظمي‏,‏ تفوق شدته الطاقة المنطلقة من جميع النجوم في مجرة كاملة‏,‏ ويكون الضوء المصاحب له أشد لمعانا من ضوء المجرة بالكامل‏,‏ ويتبقي عنه نفثات كونية من أشعة جاما
‏(Cosmological Gamma Ray Bursts)‏
يطلق عليها اسم المرددات الدقيقة لأشعة جاما‏
.(Soft Gamma Ray Repeatersor SGRs)‏
التي تصدر انبثاقات هائلة من الأشعة السينية لتختفي ثم تظهر من جديد بعد عدة شهور‏,‏ أو عدة سنوات حسب بعدها عنا‏,‏ والنفثة الواحدة التي ينفثها واحد من تلك المرددات في ثانية واحدة تساوي كل ما تنفثه الشمس من الأشعة السينية في سنة كاملة من سنينا‏.‏
وفي سنة‏1992‏ م تمكن الفلكيون من اثبات أن مرددات الأشعة السينية تلك‏,‏ ما هي إلا نجوم نيوترونية شديدة المغنطة
‏(Super Magnetized Neutron Stars)‏
أطلقوا عليها اسم الممغنطات ‏(Magnetars)‏
وأثبتوا لها حقلا مغناطيسيا فائق الشدة‏,‏ تفوق شدته شدة جاذبية الحقل المغناطيسي للأرض بأكثر من ألف وخمسمائة مليون مليون مرة‏(1667‏ مليون مليون مرة‏),‏ وللشمس بنحو الألف مليون مليون مرة‏,‏ وهذه الممغنطات هي نجوم نيوترونية نابضة ‏(Pulsating Neutron Starsor Pulsars)
تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة الأشعة السينية بكميات غزيرة‏.‏

ما هو الطارق النجم الثاقب؟

ينطبق الوصف القرآني‏'‏ بالطارق النجم الثاقب‏'‏ علي مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن أهمها النجوم النيوترونية شديدة التضاغط ‏(Theultra-compact Neutronstars)
والمعروفة باسم النجوم النابضة ‏(Pulsating Stars)
أو النابضات أو النوابض ‏(Pulsars)
وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير‏,‏ ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات فائقة مطلقة كميات هائلة من الموجات الراديوية ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)
لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها‏,‏ وسرعة دورانها حول محورها‏,‏ وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلي ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة‏,‏ ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره‏,‏ وتسجل المقربات‏(‏ التليسكوبات‏)‏ الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة‏.‏
ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية‏,‏ و إلا لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر للحياة علي الأرض‏.‏
ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضا أشباه النحوم ‏(Quasars)
وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا‏,‏ ضعيفة الإضاءة‏(‏ ربما لبعدها البالغ عنا‏),‏ ومنها مايطلق أقوي الموجات الراديوية المعروفة في السماء الدنيا‏,‏ ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية
‏(Radio Sources Quasars)‏
تمييزا لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لاتصدر موجات راديوية
‏(Radio-Quiet Quasi-Stellarobjects (QSOs)
وعلي الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا‏,‏ وتبدو وكأنها علي أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا‏.‏
وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وهو قليل الكثافة جدا إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏(1510/1‏ جم‏/‏سم‏3),‏ وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏,‏ وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم علي أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخري منها لم تكتشف بعد‏.‏
وكلتا المرحلتين من مراحل حياة النجوم‏:‏

النوابض الراديوية ‏(Radio Pulsars)‏
وأشباه النجوم الراديوية ‏(Radio Quasars)
يعتبر من أهم المصادر الراديوية ‏(Radio Sources)
في السماء الدنيا‏,‏ وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وانكدارها التي تسبق الطمس والخنوس‏,‏ كما في حالة النوابض‏,‏ أو من مراحل التحول إلي دخان السماء اللاحقة علي مرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم‏.‏
ولعل هذه المراحل الراديوية المتميزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني الطارق النجم الثاقب لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد‏,‏ وموجاتها الراديوية الخاطفة‏,‏ والله تعالى أعلم‏.‏
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلي تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم‏,‏ وبنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين‏),‏ الذي تلقي هذا الوحي الخاتم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بهذه الدقة العلمية المبهرة في مجتمع لم يكن له من العلم أي نصيب‏.‏
وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم‏:‏
إن كل نفس لما عليها حافظ ‏(‏ الطارق‏:4)‏
أي أن كل نفس عليها من الله‏(‏ تعالى‏)‏ حافظ موكل بها من الملائكة‏,‏ يحفظها بأمر الله‏,‏ ويحفظ عنها بأمر الله كذلك‏,‏ في مراقبة دائمة‏,‏ فكما يصلنا طرق النوابض وأشباه النجوم عبر بلايين السنين الضوئية تعرج أعمالنا لحظة بلحظة إلي الله‏(‏ تعالى‏)‏ علام الغيوب الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏!!‏
ثم أتبع تعالى ذلك بدعوة الإنسان‏(‏ في نفس السورة‏)‏ إلي النظر في نشأته الأولي كي يعلم أن خالقه قادر علي إعادة بعثه‏,‏ وعلي محاسبته وجزائه‏,‏ فيجتهد في عمل الخير حتى يجد ما ينجيه في الآخرة‏,‏ حيث إن الأمر ليس بالهزل‏,‏ ولذلك يختتم السورة الكريمة بعدد من الآيات الكونية الأخرى وبقوله تعالى‏:‏ إنه لقول فصل‏*‏ وما هو بالهزل‏*‏
ثم بإنذار ووعيد للكافرين بالله والمشركين به والمتمردين علي أوامره‏(‏ تعالى‏)‏ بهذا الجزم الآلهي القاطع‏:‏
‏(‏ إنهم يكيدون كيدا‏*‏ وأكيد كيدا‏*‏ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا‏*)‏
‏(‏ الطارق‏:17‏ ـ‏19)‏.

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريد الأهرام

عمروعبده 21-02-2011 09:53 PM

فلا أقسم بمواقع النجوم

مواقع النجوم




قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة:76، 75 )

في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم‏,‏ ثم يأتي جواب القسم‏:‏
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة:80) .



والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم‏,‏ جمع الفوائد والمنافع‏,‏ لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏,‏ وغير ذلك من أمور الغيب وضوابط السلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها‏,‏ وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله و على عظيم قدرته‏,‏ وكمال حكمته وإحاطة علمه‏.‏
ويأتي جواب القسم‏:‏ أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم في كتاب واحد مصون بقدرة الله‏(‏ تعالى‏),‏ محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف‏,‏ وهو المصحف الشريف‏,‏ الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي‏(‏ أي المتوضئون الطاهرون‏),‏ ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله‏,‏ الموحدون لذاته العليا‏,‏ المطهرون من دنس الشرك‏,‏ والكفر‏,‏ والنفاق‏,‏ ورذائل الأخلاق‏,‏ لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم‏,‏ المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين‏,‏ أنزله الله تعالى بعلمه وهو الإله الخالق‏,‏ رب السماوات والأرض ومن فيهن‏,‏ وقيوم الكون ومالكه ‏(‏ سبحانه وتعالى‏),‏ ولذلك يقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة)

تفسير القسم بمواقع النجوم:

الفاء حرف عطف‏,‏ يُعطف بها فتدل على الترتيب والتعقيب مع الاشتراك‏,‏ أو يكون ما قبلها علة لما بعدها‏,‏ وتجري على العطف والتعقيب دون الاشتراك‏,‏ وقد تكون للابتداء‏,‏ ويكون ما بعدها حينئذ كلاماً مستأنفا‏ً,‏ وأغلب الظن أنها هنا للابتداء‏.‏
و أما لا فقد اعتبرها نحاة البصريين حرفاً زائداً في اللفظ لا في المعني‏,‏ بينما اعتبرها نحاة الكوفيين اسماً لوقوعها موقع الاسم‏,‏ خاصة إذا سُبقت بحرف من حروف الجر‏,‏ وهي تأتي نافية للجنس‏,‏ أو ناهية عن أمر‏,‏ أو جوابية لسؤال‏,‏ أو بمعني غير أو زائدة‏,‏ وتارة تعمل عمل إن‏,‏ أو عمل ليس‏,‏ أو غير ذلك من المعاني‏.‏
ومن أساليب اللغة العربية إدخال لا النافية للجنس على فعل القسم‏:‏ لا أقسم من أجل المبالغة في توكيد القسم‏,‏ بمعني أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيماً له‏,‏ كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه فيفيد تأكيد القسم به‏,‏ وقيل‏:‏ هي للنفي‏,‏ بمعني لا أقسم به إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلاً فضلا عن هذا القسم العظيم‏.‏
ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة‏,‏ وبسرعات جريها ودورانها‏,‏ وبالأبعاد الفاصلة بينها‏,‏ وبقوى الجاذبية الرابطة بينها‏,‏ واللفظة مواقع جمع موقع يقال‏:‏ وقع الشيء موقعه‏,‏ من الوقوع بمعنى السقوط‏.‏ والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها‏,‏ وحركات النجوم عديدة وخاطفة‏,‏ وكل ذلك منوط بالجاذبية‏,‏ وهي قوة لا تُري‏,‏ تحكم الكتل الهائلة للنجوم‏,‏ والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها‏,‏ والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة‏,‏ وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها القليل ...!!!

وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة‏,‏ والتي تقول أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا‏,‏ فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبدا‏ً,‏ ولكنه يري مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها‏,‏ و على ذلك فهذه المواقع كلها نسبية‏,‏ وليست مطلقة‏,‏ ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة‏,‏ والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن‏,‏ كما أنه نظراً لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية‏,‏ ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم‏,‏ وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله‏‏ تعالى‏ لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك‏.‏

ماهية النجوم

النجوم هي أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا‏,‏ كروية أو شبه كروية‏,‏ غازية‏,‏ ملتهبة‏,‏ مضيئة بذاتها‏,‏ متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي‏,‏ هائلة الكتلة‏,‏ عظيمة الحجم‏,‏ عالية الحرارة بدرجة مذهلة‏,‏ وتشع كلاً من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته‏.‏ ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف على العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية من مثل درجة لمعانه‏,‏ شدة إضاءته‏,‏ درجة حرارته‏,‏ حجمه‏,‏ كتلته‏,‏ موقعه منا‏,‏ سرعة دورانه حول محوره‏,‏ وسرعة جريه في مداره‏,‏ تركيبه الكيميائي‏,‏ ومستوي التفاعلات النووية فيه إلى غير ذلك من صفات‏.‏
وقد أمكن تصنيف النجوم العادية على أساس من درجة حرارة سطحها إلى نجوم حمراء ‏(3200‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أقلها حرارة‏,‏ إلى نجوم برتقالية‏,‏ وصفراء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الصفرة‏,‏ وبيضاء‏,‏ وبيضاء مائلة إلى الزرقة‏,‏ وزرقاء ‏(30,000‏ درجة مطلقة‏)‏ وهي أشدها حرارة‏,‏ وشمسنا من النجوم الصفراء متوسطة الحرارة إذ تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏.‏
والغالبية الساحقة من النجوم‏(90%)‏ تتبع هذه الأنواع من النجوم العادية التي تعرف باسم نجـوم النسـق الأسـاسي(Main Sequence Srars),‏والباقي هي نجوم في مراحل الانكدار أو الطمس أو في مراحل الانفجار والتلاشي‏,‏ من مثل الأقزام البيضاء‏,‏ النجوم النيوترونية‏(‏ النابضة وغير النابضة‏)‏ والثقوب السود في المجموعة الأولي‏,‏ والعمالقة الحمر‏,‏ والعمالقة العظام‏,‏ والنجوم المستعرة‏,‏ وفوق المستعرات في المجموعة الثانية‏.‏
وأكثر النجوم العادية لمعاناً هي أعلاها كثافة‏,‏ وبعضها يصل في كتلته إلى مائة مرة قدر كتلة الشمس‏,‏ وتشع قدر إشعاع الشمس ملايين المرات‏، وأقل نجوم السماء لمعاناً هي الأقزام الحمر(Red Dwarfs),‏ وتبلغ درجة لمعانها أقل من واحد من الألف من درجة لمعان الشمس‏.‏
وأقل كتلة لجرم سماوي يمكن أن تتم بداخله عملية الاندماج النووي فيسلك مسلك النجوم هو‏8%‏ من كتلة الشمس ‏(‏ المقدرة بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏),‏ والنجوم بمثل هذه الكتل الصغيرة‏,‏ نسبيا هي من النجوم المنكدرة من أمثال النجوم البنية القزمة أو ما يعرف باسم الأقزام البنية (Brown Dwarfs)..‏
والنجوم تمر بمراحل من الميلاد والشباب والشيخوخة قبل أن تنفجر أو تتكدس على ذاتها فتطمس طمساً كاملا‏ً,‏ فهي تولد من الدخان الكوني بتكدس هذا الدخان على ذاته‏(‏ بإرادة الخالق سبحانه وتعالى‏)‏ وبفعل الجاذبية فتتكون نجوم ابتدائية(Prostars),‏ ثم تتحول هذه النجوم الابتدائية إلى النجوم العادية(Main Sequence Srars),‏ ثم تنتفخ متحولة إلى العماليق الحمر (Red Giants),‏ فإذا فقدت العماليق الحمر هالاتها الغازية تحولت إلى ما يعرف باسم السدم الكوكبية (Planetary Nebulae),‏ ثم تنكمش على هيئة ما يعرف باسم الأقزام البيض (White Dwarfs),‏ وقد تتكرر عملية انتفاخ القزم الأبيض إلى عملاق أحمر ثم العودة إلى القزم الأبيض عدة مرات‏,‏ وتنتهي هذه الدورة بالانفجار على هيئة فوق مستعر من الطراز الأول (Type I Super nova Explosion)‏ أما إذا كانت الكتلة الابتدائية للنجم العادي كبيرة‏( عدة مرات قدر كتلة الشمس‏)‏ فإنه ينتفخ في آخر عمره على هيئة العمالقة الكبار (Super giants), ثم ينفجر على هيئة فوق مستعر من الطراز الثاني (Type II Super nova Explosion),‏ فينتج عن هذا الانفجار النجوم النيوترونية ‏(Neutron Stars)‏ النابضة (Pulsars),‏ وغير النابضة (Non-Pulsating Neutron Stars),‏ أو الثقوب السود (Black Holes)‏ أو ما نسميه باسم النجوم الخانسة الكانسة وذلك حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏.‏ والنجوم العادية منها المفرد‏(‏ مثل شمسنا‏)‏ والمزدوج (Binary Stars)‏ ومنها المتعدد (Multiple Stars),‏ وتشير الدراسات الفلكية إلى أن أغلب النجوم مزدوجة أو متعددة‏,‏ والنجوم المزدوجة تتشكل من نجمين يدوران في مدار واحد حول مركز ثقلهما‏Common Cente of Mass,‏ومن النجوم المزدوجة ما يتقارب فيها النجمان من بعضهما البعض بحيث لا يمكن فصلهما إلا عن طريق فصل أطياف الضوء المنبثق من كل منهما بواسطة المطياف الضوئي (Spectroscope),‏ومن هذه النجوم المزدوجة ما يمكن أن يخفي احدهما الآخر لدرجة الكسوف الكلي‏.‏
والنجوم أفران كونية يتم في داخلها سلاسل من التفاعلات النووية التي تعرف باسم عملية الاندماج النووي(Nuclear Fusion)‏ وهي عملية يتم بواسطتها اندماج نوي ذرات الإيدروجين‏(‏ أخف العناصر المعروفة‏)‏ لتكون نوي الذرات الأثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة التي تزيد من درجة حرارة النجم حتى يتحول إلى ما يعرف باسم النجم المستعر(Nova)‏والعملاق الأحمر ‏RedGiant,‏ أو النجم العملاق الأعظم (Supergiant)‏ وحينما يتحول قلب النجم المستعر إلى حديد تستهلك طاقة النجم‏,‏ وتتوقف عملية الاندماج النووي فيه‏,‏ وينفجر النجم فيتحول إما إلى قزم ابيض‏,‏ أو إلى نجم نيوتروني أو إلى ثقب اسود حسب كتلته الابتدائية فينكدر النجم أو يطمس ضوؤه طمساً كاملاً‏.‏
وعند انفجار النجوم تتناثر اشلاؤها ـ ومنها الحديد ـ في صفحة السماء‏,‏ فيبدأ بعض هذا الحديد في اصطياد الجسيمات الأولية للمادة لتكوين العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد بالتدريج‏.‏

الشمس نجم من نجوم السماء الدنيا

الشمس هي النجم الذي تتبعه أرضنا فتدور حولها مع باقي أفراد المجموعة الشمسية‏,‏ وتدور معها حول مركز المجرة‏,‏ وهي أقرب نجوم السماء إلينا‏,‏ ويقدر بُعدها عنا بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلو مترات‏,‏ ويقدر نصف قطرها بحوالي سببعمائة ألف كيلو متر‏(6.960*510‏ كيلو متر‏(,‏ وتقدر كتلتها بحوالي ألفي مليون مليون مليون مليون طن‏(1.99*10(27)‏ طن‏),‏ ومتوسط كثافتها‏)1.41‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏(‏ أي ا على قليلا من كثافة الماء‏,‏ وتبدو الشمس لنا قرصا صغيرا في السماء على الرغم من ان حجمها يزيد عن مليون ضعف حجم الأرض نظرا لبعدها الشاسع عنا‏.‏
وتقدر درجة حرارة لب الشمس بحوالي‏15‏ مليون درجة مطلقة‏,‏ ودرجة حرارة سطحها حوالي ستة آلاف درجة مطلقة‏(5800‏ درجة مطلقة‏)‏ بينما تصل درجة الحرارة في هالة الشمس‏(‏ أي اكليلها‏)‏ إلى مليوني درجة مطلقة‏,‏ وهذه الدرجات العالية من الحرارة‏,‏ والانخفاض الشديد في كثافة مادة الشمس لا يسمحان للإنسان من على سطح الأرض برؤية الشمس بالعين المجردة‏,‏ ولا باستخدام المناظير المقربة إلا إذا احتجبت الكرة المضيئة للشمس (Photosphere)‏ احتجاباً كاملا بالكسوف الكلي لها أو بالطرق المختبرية المختلفة‏,‏ والكثافة في مركز الشمس تصل الي‏90‏ جراما للسنتيمتر المكعب‏,‏ وتتناقص في اتجاه سطح الشمس لتصبح جزءا من عشرة ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب‏,‏
وتنتج الطاقة في الشمس أساسا من تحول الإيدروجين إلى هيليوم بعملية الاندماج النووي‏,‏ وان كانت العملية تستمر بمعدلات بسيطة لتنتج بعض العناصر الأعلى في وزنها الذري وتتكون الشمس بنسبة‏70%‏ إيدروجين‏,28%‏ هيليوم‏,2%‏ عناصر أخري‏,‏ والشمس هي مصدر كافة صور الطاقة الأرضية‏.‏
ونظرا لأن غالبية جسم الشمس غازي لا تمسك به إلا الجاذبية الشديدة للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقة جزئية‏,‏ قلب الشمس‏(‏ حوالي ثلث قطرها‏)‏ يدور كجسم صلب يتم دورته في‏36.5‏ يوم من أيام الأرض تقريبا‏,‏ بينما الكرة الغازية المحيطة بذلك اللب‏(‏ وسمكها حوالي ثلثي نصف قطر الشمس‏)‏ يتم دورته حول مركز الشمس في حوالي‏24‏ يوما من أيام الأرض‏,‏ و على ذلك فان متوسط سرعة دوران الشمس حول محورها يقدر بحوالي‏27‏ وثلث يوم من أيامنا‏.‏
وتجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية‏)‏ في صفحة الكون بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلو متر في الثانية نحو نقطة في كوكبة هرقل بالقرب من نجم النسر الواقع
‏(Vega)‏ وهي تسمي علميا باسم مستقر الشمس‏,‏ كما تجري الشمس‏(‏ ومعها مجموعتها الشمسية بسرعة تقدر بحوالي‏220‏ كيلو مترا في الثانية حول مركز مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ لتتم هذه الدورة في‏250‏ مليون سنة‏.‏


وأقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس وهو كوكب عطارد يبعد عنها بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏,‏ وأبعدها عن الشمس وهو كوكب بلوتو يبعد عنها بحوالي ستة آلاف مليون كيلومتر‏.‏
واذا خرجنا عن نطاق المجموعة الشمسية فان هذه المقاييس الأرضية لاتفي بقياس المسافات التي تفصل بقية نجوم السماء الدنيا عنا‏,‏ فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم السنة الضوئية‏,‏ وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته‏(‏ المقدرة بحوالي الثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية‏)‏ في سنة من سنينا‏,‏ وهي مسافة مهولة تقدر بحوالي‏9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏.‏

أبعاد النجوم عن أرضنا اكتشف علماء الفلك أن اقرب النجوم إلينا بعد الشمس هو نجم الأقرب القنطوري Alpha Centaurus‏ يبعد عنا بمسافة‏4.3‏ من السنين الضوئية‏,‏ بينما يبعد عنا النجم القطبي بحوالي‏400‏ سنة ضوئية‏,‏ ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة‏1600‏ سنة ضوئية‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا‏(‏ درب اللبانة‏)‏ يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية‏.‏
ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ وسمكه نحو عشر ذلك‏,‏ وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين الف سنة ضوئية من مركز المجرة‏,‏ وعشرين الف سنة ضوئية من اقرب اطرافها‏.‏
وتحتوي مجرتتا‏(‏ درب اللبانة‏ =Milky Way)‏ على تريليون‏(‏ مليون مليون‏)‏ نجم‏,‏ وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي ألف مليون مجرة على الأقل‏,‏ تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطرة بأكثر من عشرين الف مليون سنة ضوئية‏.‏
أقرب المجرات الينا تعرف باسم سحب ماجيلان Magellanic Clouds‏ تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين الف سنة ضوئية‏.‏


المجرات تجمعات للنجوم
المجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين ‏(‏ الدخان الكوني‏)‏ بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة‏.‏
وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى بلايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة‏,‏ وتختلف نجوم المجرة في إحجامها‏,‏ ودرجات حرارتها‏,‏ ودرجات لمعانها‏,‏ وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ وفي مراحل دورات حياتها‏,‏ وأعمارها‏,‏ فمنها النجوم العادية المفردة‏,‏ والمزدوجة‏,‏ والعديدة‏,‏ والعماليق الكبار والحمر‏,‏ والنجوم القزمة البيضاء والبنية والسوداء‏,‏ والنجوم النيوترونية‏,‏ والثقوب السود‏,‏ وأشباه النجوم وغيرها مما يتخلق باستمرار من الدخان الكوني‏.‏
ومن المجرات ما هو حلزوني الشكل‏,‏ ومنها ما هو بيضاني‏(‏ إهليلجي‏),‏ ومنها ما هو غير محدد الشكل‏,‏ ومنها ما هو اكبر من مجرتنا بكثير‏,‏ ومنها ما هو في حجمها أو أصغر منها‏,‏ وتتبع مجرتنا عددا من المجرات يعرف باسم المجموعة المحلية Local Group‏ وقد يتجمع عدد أكبر من المجرات على هيئة عنقود مجري ‏Galactic Cluster‏ كما قد يتجمع عدد من العناقيد المجرية على هيئة عنقود مجري عملاق Galactic Super cluster‏ يضم عشرات الآلاف من المجرات‏.‏
وتتراوح المجرات في شدة اضاءتها بين سحب ماجلان العظيمة‏,‏ وعدد من النقاط الباهتة التي لا تكاد أن تدرك بأكبر المقاريب‏(‏ المناظير المقربة‏),‏ وتقع أكثر المجرات ضياء في دائرة عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا على مستوي مجرتنا‏,‏ وتتراوح المسافات بين المجرات في التجمع المجري الواحد بين المليون والمليونين من السنين الضوئية‏,‏ وتبلغ مائة مرة ضعف ذلك بين التجمعات المجرية التي تعتبر وحدة بناء السماء الدنيا‏.‏
وبالاضافة إلى المجرات وتجمعاتها المختلفة في الجزء المدرك من السماء الدنيا فاننا نري السدم
‏Nebulae, ‏وهي أجسام دخانية تتخلق بداخلها النجوم‏,‏ ومن السدم ماهو مضئ وماهو معتم‏.‏


أشباه النجوم
وهناك أشباه النجوم Quasars‏ وهي اجسام ضعيفة الاضاءة‏,‏ ولكنها تطلق اقوي الموجات الراديوية في السماء الدنيا‏,‏ وقد اشتق اسمها باللغة الانجليزية من الوصف
‏Quasi-Srellar Radio Sources‏ أشباه نجوم مصدرة للموجات الراديوية‏,‏ وان كان منها مالا يصدر موجات راديوية (Radio-quietQuasiStellarObjects).‏
وهي أجرام سماوية تتباعد عنا بسرعات فائقة‏,‏ وتعتبر أبعد ماتم رصده من أجرام السماء بالنسبة للأرض إلى الآن‏.‏ وتبدو أنها حالة خاصة من حالات المادة غير معروفة لنا‏,‏ وتقدر كتلة شبيه النجوم بحوالي مائة مليون ضعف كتلة الشمس‏,‏ وتبلغ كثافته واحدا على البليون من الطن للسنتيمتر المكعب‏(‏ واحد على ألف مليون مليون من الجرام للسنتيمتر المكعب‏),‏ وتبلغ الطاقة الناتجة عنه مائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس‏.‏
وقد تم الكشف عن حوالي‏1500‏ من اشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون‏,‏ وكشفت دراستها بواسطة المقربات الراديوية عن عدد من المفاجآت الفلكية المذهلة‏,‏ ويتوقع الفلكيون وجود آلاف من هذه الأجرام السماوية العجيبة‏.‏

من أسباب القسم بمواقع النجوم
هذه الصفات المذهلة للنجوم تركها القسم القرآني وركز على مواقع النجوم فقال ربنا تبارك وتعالي‏:‏
(74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ‏[‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76]‏
ولعل من أسباب ذلك ما يلي‏:‏
أولا‏:‏ أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا‏,‏ فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا‏,‏ ولا بأية وسيلة مادية‏,‏ وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها‏,‏ إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة‏,‏ أو بالانفجار والاندثار‏,‏ أو بالانكدار والطمس‏.‏
فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر‏,‏ فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا‏,‏ بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي‏19‏ كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع
‏Vega‏ فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء‏.‏
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوؤه بعد‏4,3‏ سنة من انطلاقه من النجم‏,‏ أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات‏,‏ بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء‏,‏ وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدا‏,‏ ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها‏,‏ وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخري بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره‏,‏ ومعدلات توسع الكون‏,‏ وتباعد المجرات عنا‏,‏ والتي يتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏,‏ وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوءه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم‏,‏ بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين‏,‏ وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون‏,‏ ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفي منذ ملايين السنين‏,‏ لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد‏,‏ والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين‏.‏
ثانيا‏:‏ ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون‏,‏ وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج‏,‏ ويصف الحركة ذاتها بالعروج‏,‏ وهو الانعطاف والخروج عن الخط المستقيم‏,‏ كما يمكن أن يفيد الصعود في خط منعطف‏,‏ ومن هنا كان وصف رحلة المصطفي صلي الله عليه وسلم في السماوات العلا بالعروج‏,‏ وسميت الليلة باسم المعراج والجمع معارج ومعاريج‏.‏
وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يري موقعا للنجم على استقامة بصره‏,‏ وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء‏,‏ مما يؤكد مرة أخري أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يري النجوم أبدا‏.‏
ثالثا‏:‏ أن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها‏,‏ والتي تحكم مواقع النجوم وكتلها‏,‏ فمع تسليمنا بأن الله تعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا كما أخبرنا تبارك وتعالي بقوله‏:‏
( إن اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41]

‏ويقول ربنا عز من قائل‏:‏

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].
إلا أن الله تعالى له سننه التي يحقق بها مشيئته ـ وهو القادر على أن يقول للشيء‏:‏ كن فيكون لكنه تعالى وضع للكون هذه السنن المتدرجة لكي يستطيع الإنسان فهمها ويتمكن من توظيفها في حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض‏,‏ فمواقع النجوم على مسافات تتناسب تناسبا طرديا مع كتلها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقوي الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله ومن هنا كانت قيمة مواقع النجوم التي كانت من وراء هذا القسم القرآني العظيم‏...!!‏
رابعا‏:‏ أثبتت دراسات الفلك‏,‏ ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية أن الزمان والمكان شيئان متواصلان‏,‏ ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم‏,‏ والتي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا‏,‏ بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونا من السنين على أقل تقدير‏,‏ ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه‏,‏ وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين‏.‏
فقد كان اليونانيون القدامى يصرون على أن الأرض هي مركز الكون‏,‏ أو أن الشمس هي مركز الكون‏,‏ وأن كليهما ثابت لا يتحرك‏,‏ غير متصورين وجود أية بنية سماوية إلا حول الشمس‏,‏ وكان غيرهم من أصحاب المدنيات السابقة واللاحقة يؤمنون بديمومة الأرض والنجوم‏,‏ وما بها من صور المادة والطاقة‏,‏ بل ظل الغربيون إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي يؤمنون بأن النجوم مثبتات بالسماء‏,‏ وأن السماء بنجومها تتحرك كقطعة واحدة حول الأرض‏,‏ وأن الكون في مركزه ثابت غير متحرك‏,‏ ومكون من عناصر أربعة هي التراب‏,‏ والماء‏,‏ والهواء والنار وحول تلك الكرات الأربع الثابتة تتحرك السماوات‏,‏ ثم يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم‏,‏ مؤكدا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع‏,‏ وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض‏,‏ وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم‏,‏ ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك‏..!!‏
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم‏:‏ من الذي علم سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق‏..!!‏؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية‏,‏ ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم‏*‏ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏*‏ الواقعة‏:75‏ ـ‏76‏ فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ ويشهدون لهذا النبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أنه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا تبارك وتعالى‏:‏
(ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) [‏ النجم‏:3‏ ـ‏5].‏
وحينما يتم لهم ذلك تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرا ما استخدم من قبل ـ كذبا وزورا ـ لهدم الدين‏..‏
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار

عمروعبده 21-02-2011 09:57 PM

أصل الكون

أصل الكون




قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) .


نزل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع ساد فيه الجهل والخرافة وانحط فيه التفكير حتى وصل بهم أن يعبدوا حجارة ينحتون منها أصناماً ويقدمون لها القرابين والنذور ؟ وفي هذه الأجواء يتكلم القرآن الكريم عن أعقد حقائق الكون وأهمها وهي حقيقة خلقه من عدم بوساطة حدث هائل يسميه علماء الفلك الضربة الكبرى والقرآن يسميه الفتق وهذا الاكتشاف التي لم يتوصل الإنسان إلى كن حقيقتها إلا بعد سنوات طويلة من البحث المضني وإنفاق الأموال الطائلة وإن هذه الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا لقرآن الكريم هو من عند خالق السماوات والأرض ..

معاني الألفاظ:

يقول ابن منظور وغيره من علماء اللغة العربية : والرتق ضد الفتق أي بمعنى الشق والفصل بين شيئين ملتصقين، أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضها ثم فتقها الله سبحانه وتعالى أي جعلها منفصلين عن بعضهما .

و لقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :

يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) وهي حادثة بداية الكون .

و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة الكون .

و من الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون :

1. حركة التباعد المجرية الظاهرة فقد أعلن العالم عالم الفلك الأمريكي المشهور هابل عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات و تخضع لعلاقة طردية ( استطرادية ) مباشرة بين المسافة و الزحزحة الطيفية نحو الأحمر و استنتج وفقاً لظاهرة دوبلر[1] أن الكون يتمدد ولقد تمكن هابل في عام 1930من إيجاد هذه العلاقة و سميت باسمه وهي تنص بأن " سرعة ابتعاد المجرات الخارجية تتناسب طردياً مع بعدها عنا" وتفسير قانون هابل هو أن الأجرام السماوية في الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما كان موقعنا في الكون[2] ، قال تعالى : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[سورة الذاريات]، وإذا عُدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن إلى الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد‏,‏ متناه في ضآلة الحجم.

2. اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك‏:‏
وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ‏.‏بنزياس(ArnoA.Penzias)‏وزميله روبرت و‏.‏ ويلسون (RobertW.Wilson)‏ في سنة‏1965‏ م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص‏,‏ قادمة من كافة الاتجاهات في السماء‏,‏ وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير‏,‏ ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية‏,‏ المنتظمة‏,‏ السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة‏(‏ أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ‏273‏ درجة مئوية‏)‏.


وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير‏,‏ وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية‏,‏ وذلك بناء على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب عملية التوسع الكوني‏,‏ وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون‏,‏ ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص‏,‏ ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات‏,‏ ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع‏,‏ وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم‏,‏ بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة‏,‏ وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل‏,‏ إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق‏.‏ وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني‏,‏ وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي اتخذت لتكون لنفي الخلق‏,‏ وإنكار الخالق‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ منذ مطلع القرن العشرين‏.‏

ولم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke),‏ ب‏.‏ج‏.‏ إ‏.‏ بيبلز(P.J.E.Peebles)،‏ ديفيد رول(DavidRoll)‏ وديفيد ولكنسون (DavidWilkinson)‏هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون‏,‏ فقد سبقهم إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر ‏(RalphAlpher)‏ وروبرت هيرمان (RobertHerman)‏ في سنة‏1948‏ م وجورج جامو
(GeogeGamow)‏ في سنة‏1953‏ م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان‏.‏

3. تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون‏:‏
في سنة‏1989‏ م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA)‏ مركبة فضائية باسم مستكشف الخلفية الكونية أو‏(‏كوبي‏CosmicBackgroundExplorer أو COBE)‏ وذلك لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض‏,‏ وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة‏(‏ أي بحوالي‏2,735+0,06‏ من الدرجات المطلقة‏)‏ وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وانتشار الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة (DarkMatter)‏ بعد ذلك



هذه صورة لبقايا الغبار الكوني الذي تم تصويره عام 1995بواسطة تلسكوب هابل .

كذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون‏(‏ على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية‏),‏ وأثبتت أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض‏,‏ وقد سبق القرآن الكريم جميع المعارف الإنسانية بوصف تلك الحالة الدخانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏:‏
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)

وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظرية الانفجار الكوني العظيم‏.‏

4. عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر‏:‏تتم عملية الاندماج النووي في داخل الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة،‏ وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح بتأصيل العناصر بمعني أن جميع العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج النووي‏,‏ فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة وعلم الكون‏ وأيدت نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون‏ وتخلق كل من المكان والزمان‏‏ ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم‏ ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا‏ ولذا يعتقد الفلكيون في أن تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين‏ نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر الخفيفة‏ وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة‏ والتدرج في تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة فوق المستعرات هو صورة مبسطة لعملية الخلق الأول يدعم نظرية الانفجار العظيم ويعين الإنسان على فهم آلياتها‏,‏ والحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية للمادة مع نوى بعض العناصر‏,‏ وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته ‏ (HansBethe) في الثلاثينات من القرن العشرين‏ وأتمها وليام فاولر ‏(WilliamFowler)‏ الذي منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة‏1983‏ تقديرا لجهوده في شرح عملية الاندماج النووي‏ ودورها في تخليق العناصر المعروفة‏,‏ ومن ثم المناداة بتأصل العناصر‏,‏ وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول‏.

6. التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون‏
تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من‏74%‏ من مادته‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24%‏ من تلك المادة‏,‏ ومعنى ذلك أن أخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا أكثر من‏98%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ وأن ما بقي ‏ من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من‏2%,‏ مما يشير إلى تأصل العناصر‏,‏ ويدعم نظرية الانفجار العظيم‏,‏ لأن معظم النماذج المقترحة لتلك النظرية تعطي حوالي‏75%‏ من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز الإيدروجين‏,25%‏ من تركيبة غاز الهيليوم‏,‏ وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك‏,‏ كما لخصها عدد من العلماء من مثل‏:‏ ‏Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive,Walker,Steigman,Rang,etc
هذه الشواهد وغيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم وجعلتها أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم‏,‏ ونحن المسلمين نرقى بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين يخبرنا بقول الخالق‏ سبحانه وتعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30).

7. إعلان وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا أن عمر الكون بـ13.7 مليار سنة ضوئية وذلك من خلال استعمال مجسات فضائية متطورة جداً ومناظير إلكترونية محمولة على أقمار صناعية، وهذا الاكتشاف إقرار من الوكالة إلى أنه كان لهذا الكون بداية[3].

8. تبين أن العناصر التي تكون قشرة الأرض هي نفسها العناصر التي تتكون منها النجوم والشهب والكواكب وذلك من خلال دراسة الأطياف الضوئية التي تصدر عن ذرات العناصر التي تكون النجوم والشهب ومقارنتها مع الأطياف اللونية التي تصدر عن العناصر والذرات في الأرض، و يقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد بل إنهم يعتقدون أنه سوف يتباطأ تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) والقرآن الكريم يخبرنا أكثر عن هذا فيصف لنا حركته على أنه حركة حلزونية : فيصف لنا حركة طي السماء أي حركة العودة إلى نقطة البداية أنها حركة حلزونية وذلك من خلال تشبيهها بحركة طي السجل للكتب والسجل هو ورق البردي الذي كان يكتب عليه فكان يطوى بحركة حلزونية تدور حول محور ثابت والله سبحانه وتعالى يقول لنا في نهاية الآية (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أي إن حركة بدأ الكون تشبه حركة إعادة الكون إلى لحظة البدء والتي وصفها القرآن الكريم بالطي وهذه تدل على أن الكون سوف يكون ممدداً فيطويه الله تعالى أما كيفية الطي هذه فقد شرحها الله سبحانه وتعالى في قوله (كطي السجل للكتب ) أي كما يطوي الكاتب ورق البردي وهذا إعجاز كوني عظيم لم يكتشفه علماء الفلك إلا بعدما قاموا بتصوير المجرات التي يتكون منها الكون فوجدوا أنها تتباعد بحركة حلزونية عن بعضها كما أن كل المجرات تتوسع وتتباعد نجومها عن بعضها البعض بحركة متباعدة حلزونية تشبه كحركة فتح كتاب ورق البردي القديم من أجل القراءة بعد ما يكون مطوياً وأنها تدور حول محور ثابت هو محور المجرة كما أن المجرات كلها أيضاً تدور بحركة حلزونية حول محور ثابت هو محور الكون فهي تماماً تشبه حركة فتح ورق البردي للقراءة وكما أن أن ورق البردي عند فتحه يصبح منبسطاً ممتداً كذلك يصبح الكون في مرحلة من مراحله، ويقول العلماء أن الكون سوف ينكمش على نفسه بفعل قوى رد الفعل وقوى الجذب الداخلي على نفسه لينكمش بشكل يعاكس شكل التمدد قال تعالى http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104) أي كطي السجل للكتب وهذا تماماً ما أثبته العلم الحديث من أخبر محمداً بهذه الحقيقة الكونية إنه رب العالمين (4).

تمت الاستعانة أثناء إنجاز البحث بأبحاث الدكتور زغلول النجار .

بقلم فراس نور الحق محرر الموقع

ــــــــــــــــــــ

المصادر:

القرآن الكريم، مختار الصحاح .

الجغرافيا الفلكية تأليف الدكتور على حسن موسى أستاذ في قسم الجغرافيا جامعة دمشق .

موقع قناة الجزيرة( ناسا تعلن تمكنها من كشف عمر الكون) الأربعاء 11/12/1423هـ الموافق 12/2/2003م.

كتاب من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار .

عمروعبده 21-02-2011 09:58 PM

معجزة النار و الخشب

معجزة النار و الخشب




قال تعالى: ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ {71} أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ {72} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ {73} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {74}[سورة الواقعة ].

يتألف الخشب كما هو معروف من مادة كيميائية أساسية هي السللوز ، و يوجد السللوز في القطن بشكل نقي ، بينما يوجد في الخشب بشكل مشوب . و يتركب السللوز كيميائياً من ثلاثة عناصر أساسية هي : الهيدروجين و الأكسيجين و الكربون ( الفحم ) . و من معجزات الله تعالى و شمول عظمته أنه من هذه العناصر الثلاثة فقط أمكن حتى الآن تركيب أكثر من مليون مركب كيماوي ، و ذلك حسب اختلاف ارتباط هذه العناصر و انتظامها بالنسبة لبعضها ، و هذه المركبات هي التي تدعى ( المركبات العضوية ) . و هي على الأغلب يتم صنعها و تركيبها في النبات . و من هذه المركبات ( السللوز ) .

إن هذه المادة الكيميائية يركبها النبات من مواد أولية مشاعة و متوفرة بدون ثمن ، هي : الهواء ( الأكسجين و غاز الفحم ) و الماء و أشعة الشمس . و كل هذه المواد موجودة بكميات وافرة تحت تصرف كل إنسان و بدون ثمن . ولقد جهد العلماء الكيميائيون على تقليد مادة الخشب ( السللوز ) فلم يستطيعوا أن يصنعوا و لا فتاتة واحدة من الخشب ، فجاء الإعجاز الإلهي يخاطبهم قائلاً : أيها المعتدّون بأنفسهم و المنكرون لقدرة الله ، إن كنتم قادرين و عالمين فاصنعوا قطعة من خشب من هذه المواد الأولية المتوفرة لديكم و تحت تصرفكم و هي الهواء و الماء و أشعة الشمس فإن عجزتم فاعلموا أن هناك قوة قادرة مفكرة أعلى من قوتكم و تفكيركم يمكنها صنع ذلك .

فهذه هي النباتات و الأشجار تصنع مادة الخشب ليل نهار من تلك المواد الأولية التي لا قيمة لها .

هذه ناحية من نواحي الإعجاز في ( معجزة الخشب ) و الناحية الأخرى هي أن مادة الخشب تتركب من الماء و هي ضد النار ، ثم هي بعد تركيبها من الماء تعتبر من أعظم مصادر النار .

المصدر : كتاب " الله و الإعجاز العلمي في القرآن " تأليف لبيب بيضون ماجستير في العلوم

عمروعبده 21-02-2011 10:01 PM

حركة الشمس و جريانها و نهايتها

آيات الإعجاز:

قال الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].

وقال عز وجل: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2].

وقال سبحانه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].

التفسير اللغوي:

"والشمس تجري لمستقر لها" أي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاً.

وقيل لأجلٍ قُدِّر لها.

فهم المفسرين:

أشار علماء التفسير كالرازي والطبري والقرطبي استنباطاً من الآيات القرآنية أن الشمس كالأرض وغيرها من الكواكب، هي في حالة حركة وسَبْحٍ دائمة في مدار خاص بها.

مقدمة تاريخية:

استطاع الصينيون والبابليون أن يتنبؤوا بالكسوف والخسوف ثم ازداد الاهتمام بعلم الفلك في عهد اليونان، فقرر طالس وأرسطو وبطليموس أن الأرض ثابتة، وهي مركز الكون، والشمس وكل الكواكب تدور حولها في كون كروي مغلق.

وفي بداية القرن الثالث قبل الميلاد جاء "أريستاركوس" (Aristarchus) بنظرية أخرى، فقد قال بدوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر الشمس جرماً ثابتاً في الفضاء، ورفض الناس هذه النظرية وحكموا على مؤيديها بالزندقة وأنزلوا بهم أشد العقاب وبقي الأمر على تلك الحال حتى انتهت العصور الوسطى.

في عام 1543 نشر العالم البولوني "كوبرنيكوس" (Copernicus) كتابه عن الفلك والكواكب وأرسى في كتابه نظرية دوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر أيضاً أن الشمس ثابتة كسلفه أريستاركوس.

ثم بدأت تتحول هذه النظرية إلى حقيقة بعد اختراع التلسكوب وبدأ العلماء يميلون إلى هذه النظرية تدريجياً إلى أن استطاع العالم الفلكي الإيطالي "غاليليو" (Galileo) أن يصل إلى هذه الحقيقة عبر مشاهداته الدائمة وتعقّبه لحركة الكواكب والنجوم وكان ذلك في القرن السابع عشر، وفي القرن نفسه توصّل "كابلر" (Kepler) العالم الفلكي الألماني إلى أن الكواكب لا تدور حول الأرض فحسب بل تسبح في مدارات خاصة بها إهليجية الشكل حول مركز هو الشمس.

وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أن كشف العالم الإنكليزي "ريتشارد كارينغتون" (Richard Carrington) في منتصف القرن التاسع عشر أن الشمس تدور حول نفسها خلال فترة زمنية قدرها بثمانية وعشرين يوماً وست ساعات وثلاث وأربعين دقيقة وذلك من خلال تتبّعه للبقع السوداء التي اكتشفها في الشمس كما جاء في وكالة الفضاء الأميركية . ويعتقد العلماء الآن أن الشمس قد قطعت نصف مدة حياتها، وأنها ستتحول تدريجياً إلى نجم منطفىء بعد خمس مليارات سنة، بعد أن تبرد طاقتها وتتكثف الغازات فيها.

حقائق علمية:

- كشف العالم الفلكي "كابلر" أن الشمس وتوابعها من الكواكب تسبح في مدارات خاصة بها وفق نظام دقيق.

- كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس تدور حول نفسها.

- أن الشمس سينطفىء نورها عندما ينتهي وقودها وطاقتها حيث تدخل حينئذ عالم النجوم الأقزام ثم تموت.

التفسير العلمي:

يقول المولى عز وجل في كتابه المجيد: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].

تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن الشمس في حالة جريان مستمر حتى تصل إلى مستقرها المقدّر لها، وهذه الحقيقة القرآنية لم يصل إليها العلم الحديث إلا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بها وفق نظام ومعادلات خاصة وهذا مصداق قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2]، فما هو التفسير العلمي لحركة الشمس؟

إن الشمس نجم عادي يقع في الثلث الخارجي لشعاع قرص المجرّة اللبنية وكما جاء في الموسوعة الأميركية فهي تجري بسرعة 220 مليون كلم في الثانية حول مركز المجرة اللبنية التي تبعد عنه 2.7 × 10 17 كلم ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة.

فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4.6 مليار سنة، أكملت الشمس وتوابعها 18 دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو تجمع من المجرات، وهذا التجمع يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، وكدس المجرات يجري نحو تجمع هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور ويسبح ونجد هذه المعاني العلمية في قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].

ولكن أين هو مستقر الشمس الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}؟

إن علماء الفلك يقدّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفىء، هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، هذا بالإضافة إلى ما تم كشفه في القرن العشرين من أن النجوم كسائر المخلوقات تنمو وتشيخ ثم تموت، فقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأميركية (NASA) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض - إلا أن موعد حدوث ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} [الأعراف: 187].

المراجع العلمية:

ذكرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن الشمس تدور بنفس اتجاه دوران الأرض و"دوران كارنغتون" سمي نسبة للعالِم "ريتشارد كارنغتون"، العالم الفلكي الذي كان أول من لاحظ دوران البقع الشمسية مرة كل 27.28 يوماً.

وتقول الموسوعة الأميركية أن مجرتنا -مجرة درب التبانة- تحتوي حوالي 100 بليون نجم، ;كل هذه النجوم تدور مع الغاز والغبار الكوني الذي بينها حول مركز المجرة، تبعد الشمس عن مركز المجرة مليارات الكيلومترات 2.7×10 17 (1.7×10 17) وتجري حوله بسرعة 220كلم/ثانية (140 ميل/الثانية)، وتستغرق حوالي 250 مليون سنة لتكمل دورة كاملة، وقد أكملت 18 دورة فقط خلال عمرها البالغ 4.6 مليارات سنة.

وذكرت أيضا وكالة الفضاء الأميركية (ناسا): " الذي يظهر أن الشمس قد كانت نشطة منذ 4.6 بليون سنة وأنه عندها الطاقة الكافية لتكمل خمسة بليون سنة أخرى من الآن".

وأيضا تقول : "يقدر للشمس انتهاؤها كنجم قزم".

وجه الإعجاز:

وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو تقريرها بأن الشمس في حالة جريان وسَبْحٍ في الكون، هذا ما كشف عنه علم الفلك الحديث بعد قرون من نزول القرآن الكريم.

المصدر : الموسوعة الإسلامية المعاصرة

عمروعبده 21-02-2011 10:02 PM

و في الأرض آيات للموقنين

وفي الأرض آيات للموقنين




قال تعالى : {19} وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21} وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ {23}

يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ سورة الذاريات بقسم منه ـ وهو سبحانه الغني عن القسم ـ وجاء القسم بعدد من آياته الكونية على أن وعده لعباده وعد صادق‏,‏ وأن دينه الذي أنزله على فترة من الرسل‏,‏ والذي أتمه في بعثة النبي والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله على ه وسلم‏)‏ والذي سماه الإسلام‏,‏ والذي لا يرتضي من عباده دينا سواه لهو حق واقع لاشك فيه‏.‏

ثم أعاد ربنا‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ القسم مرة أخرى بالسماء ذات الحبك على أن الناس مختلفون في أمر يوم الدين بين مكذب ومصدق‏,‏ وأن المكذبين الذين شغلتهم الحياة الدنيا عن التفكير في مصيرهم بعد الموت يُصرفون عن حقيقة هذا اليوم الرهيب‏,‏ ثم تعرض الآيات لمصير كل من المكذبين والمصدقين بالآخرة‏,‏ كما تعرض لعدد من صفات كل من الفريقين‏,‏ ثم تعاود السورة في سياقها الاستدلال بعدد من الآيات الكونية الأخرى في الأرض وفي الأنفس وفي الآفاق على أن وحي الله‏(‏ تعالى‏)‏ إلى عباده في القرآن الكريم حق مطلق يجب على الناس تصديقه كما يصدقون ما ينطقون هم أنفسهم به‏...!!!‏

ومن هذه الآيات الكونية التي استشهد بها الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ على صدق وحيه في آخر رسالاته وكتبه قوله‏ (‏ وهو أصدق القائلين‏):‏ (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)

فما هي آيات الله في الأرض الدالة على طلاقة قدرته‏,‏ وعظيم حكمته‏,‏ واحاطة سلطانه وعلمه؟ ما هذه الآيات التي استشهد بها‏(‏سبحانه وتعالى‏)‏ ـ وهو الغني عن كل شهادة ـ على صدق وحيه الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله؟ هذا الوحي الذي تعهد‏(‏سبحانه‏)‏ بحفظه فحفظ على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد بنفس اللغة التي أوحى بها‏(‏ اللغة العربية‏),‏ سورة سورة‏,‏ وآية آية‏,‏ وكلمة كلمة‏,‏ وحرفاً حرفا‏ً,‏ دون أدنى زيادة أو نقصان‏,‏ وهذا وحده من أعظم الشهادات على صدق القرآن الكريم وإعجازه‏,‏ وعلى أنه كلام الله الخالق‏,‏ وعلى صدق الصادق الأمين الذي تلقاه عن ربه‏,‏ وعلى صدق نبوته ورسالته‏(‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏)‏

الدلالة اللغوية لألفاظ الآية الكريمة:

‏(‏الأرض‏)‏ في اللغة العربية اسم جنس للكوكب الذي نحيا عليه‏,‏ تمييزا له عن بقية الكون‏,‏ والذي يجمع تحت اسم السماوات أو السماء‏,‏

الأرض في القرآن الكريم:

جاء ذكر الأرض في أربعمائة وواحد وستين‏(461)‏ موضعا من كتاب الله‏,‏ منها ما يشير إلى الأرض ككل في مقابلة السماء‏,‏ ومنها ما يشير إلى اليابسة التي نحيا على ها كلها‏,‏ أو إلى جزء منها‏, (‏واليابسة هي جزء من الغلاف الصخري للأرض وهي كتل القارات السبع المعروفة والجزر المحيطية العديدة‏),‏ ومنها ما يشير إلى التربة التي تغطي صخور الغلاف الصخري للأرض‏.‏

وفي هذه الآيات إشارات إلى العديد من الحقائق العلمية عن الأرض والتي يمكن تبويبها بإيجاز على النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ ـ آيات تأمر الإنسان بالسير في الأرض‏,‏ والنظر في كيفية بدء الخلق‏,‏ وهي أساس المنهجية العلمية في دراسة علوم الأرض‏.‏

‏(2)‏ ـ آيات تشير إلى شكل وحركات وأصل الأرض‏,‏ منها ما يصف كروية الأرض‏,‏ ومنها ما يشير إلى دورانها‏,‏ ومنها ما يؤكد على عظم مواقع النجوم منها‏,‏ أو على حقيقة اتساع الكون و‏(‏الأرض جزء منه‏),‏ أو على بدء الكون بجرم واحد‏(‏ مرحلة الرتق‏),‏ ثم انفجار ذلك الجرم الأولي‏(‏مرحلة الفتق‏),‏ أو على بدء خلق كل من الأرض والسماء من دخان‏,‏ أو على انتشار المادة بين السماء والأرض‏(‏ المادة بين الكواكب وبين النجوم وبين المجرات‏),‏ أو على تطابق كل من السماوات والأرض‏(‏ أي تطابق الكون‏).‏

‏(3)‏ ـ آية قرآنية واحدة تؤكد أن كل الحديد في كوكبنا الأرض قد أنزل إليها من السماء إنزالاً حقيقياً‏.‏

‏(4)‏ ـ آية قرآنية تؤكد حقيقة أن الأرض ذات صدع‏,‏ وهي من الصفات الأساسية لكوكبنا‏.‏

‏(5)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن عدد من الظواهر البحرية المهمة من مثل ظلمات البحار والمحيطات‏(‏ ودور الأمواج الداخلية والسطحية في تكوينها‏),‏ وتسجير بعض هذه القيعان بحرارة عالية‏,‏ وتمايز المياه فيها إلى كتل متجاورة لا تختلط اختلاطاً كاملا‏ً,‏ نظراً لوجود حواجز أفقية ورأسية غير مرئية تفصل بينها‏,‏ ويتأكد هذا الفصل بين الكتل المائية بصورة أوضح في حالة التقاء كل من المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار‏,‏ مع وجوده بين مياه البحر الواحد أو بين مياه البحار المتصلة ببعضها البعض.

‏(6)‏ ـ آيات قرآنية تتحدث عن الجبال‏,‏ منها ما يصفها بأنها أوتاد‏,‏ وبذلك يصف كلاً من الشكل الخارجي‏(‏ الذي على ضخامته يمثل الجزء الأصغر من الجبل‏)‏ والامتداد الداخلي‏(‏ الذي يشكل غالبية جسم الجبل‏),‏ كما يصف وظيفته الأساسية في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وفي اتزان دورانها حول محورها‏,‏ وتتأكد هذه الوظيفة في اثنتين وعشرين آية أخرى‏,‏ وردت بها كذلك إشارات إلى عدد من الوظائف والصفات الإضافية للجبال من مثل دورانها مع الأرض‏,‏ أو تكوينها من صخور متباينة في الألوان والأشكال والهيئة‏.‏ أو دورها في إنزال المطر‏,‏ وتغذية الأنهار‏,‏ وشق الأودية والفجاج أو في جريان السيول‏.‏

‏(7)‏ ـ آيات قرآنية تشير إلى نشأة كل من الغلافين المائي والهوائي للأرض‏,‏ وذلك بإخراج مكوناتهما من باطن الأرض‏,‏ أو تصف الطبيعة الرجعية لغلافها الغازي‏,‏ أو تؤكد حقيقة ظلام الفضاء الكوني الخارجي‏,‏ أو على تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الأرض‏,‏ أو على تبادل الليل والنهار‏,‏ وعلى رقة طبقة النهار حول نصف الأرض المواجه للشمس‏,‏ أو على أن ليل الأرض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها‏,‏ ثم محي ضوءه‏.‏

‏(8)‏ ـ آيات تشير إلى رقة الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وإلى تسوية سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه‏,‏ وإلى تناقص الأرض من أطرافها‏.‏

‏(9)‏ ـ آيات تؤكد إسكان ماء المطر في الأرض مما يشير إلى دورة المياه حول الأرض وفي داخل صخورها‏,‏ أو تؤكد علاقة الحياة بالماء‏,‏ أو تلمح إلى إمكانية تصنيف الكائنات الحية‏.‏

‏(10)‏ ـ آيات تؤكد أن عملية الخلق قد تمت على مراحل متعاقبة عبر فترات زمنية طويلة

‏(11)‏ ـ آيات قرآنية تصف نهاية كل من الأرض والسماوات وما فيهما‏(‏ أي الكون كله‏)‏ بعملية معاكسة لعملية الخلق الأول كما تصف إعادة خلقهما من جديد‏,‏ أرضا غير الأرض الحالية وسماوات غير السماوات القائمة‏.‏

هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة للإنسان قبل هذا القرن‏,‏ بل إن الكثير منها لم يتوصل الإنسان إليه إلا في العقود القليلة المتأخرة منه عبر جهود مضنية‏,‏ وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العلمية في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون‏,‏ وأن السبق القرآني في الإشارة إلى مثل هذه الحقائق بأسلوب يبلغ منتهي الدقة العلمية واللغوية في التعبير‏,‏ والاحاطة والشمول في الدلالة ليؤكد جانباً مهماً من جوانب الإعجاز في كتاب الله‏,‏ وهو جانب الإعجاز العلمي‏,‏ ومع تسليمنا بأن القرآن الكريم معجز في كل أمر من أموره‏,‏ إلا أن الإعجاز العلمي يبقي من أنجح أساليب الدعوة إلى الله في عصر العلم والتقنية الذي نعيشه‏.‏

ومن هنا تتضح أهمية القرآن الكريم في هداية البشرية في زمن هي أحوج ما تكون إلى الهداية الربانية‏.‏ كما تتضح أهمية دراسات الإعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلمية‏,‏ وذلك لأن ثبات صدق الإشارات القرآنية في القضايا الكونية من مثل إشاراته إلى عدد من حقائق علوم الأرض‏,‏ وهي من الأمور المادية الملموسة التي يمكن للعلماء التجريبيين إثباتها التي تدعوا إلى التسليم بحقائق القرآن الأخرى خاصة ما يرد منها في مجال القضايا الغيبية والسلوكية‏(‏ من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات‏)‏ والتي تمثل ركائز الدين‏,‏ ولا سبيل للإنسان في الوصول إلى قواعد سليمة لها وإلى ضوابط صحيحة فيها إلا عن طريق بيان رباني خالص لا يداخله أدنى قدر من التصور البشري‏.‏

من آيات الله في خلق الأرض وجعلها صالحة للعمران

الأرض هي أحد أفراد المجموعة الشمسية التي تتكون من تسعة كواكب‏,‏ أساسية‏,‏ يدور كل منها حول نفسه‏,‏ ويجري في مدار محدد له حول الشمس‏,‏ وهناك مدار للكويكبات بين كل من كوكبي المريخ والمشتري يعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد انفجر‏,‏ وهناك احتمال بوجود كوكب حادي عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد‏,‏ ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية‏.‏

وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هي من الداخل إلى الخارج على النحو التالي‏:‏

عطارد‏,‏ الزهرة‏,‏ الأرض‏,‏ المريخ‏,‏ الكويكبات‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏,‏ بروسوبينا‏(‏ أوبريينا‏).‏

وهناك بعد ذلك نطق المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات مغلقة أو مفتوحة على مسافات بعيدة جداً وتعتبر جزءاً من المجموعة الشمسية‏.‏

ويقدر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها‏(‏ عطارد‏)‏ بحوالي‏58‏ مليون كيلو متر‏(‏ بين‏46‏ مليون‏,69‏ مليون كيلو متر‏),‏ ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي‏150‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي‏6000‏ مليون كيلو متر‏,‏ ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالي ضعف هذه المسافة‏(12‏ بليون كيلو متر‏),‏ ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة‏.‏

و على ذلك فالأرض هي ثالثة الكواكب بعدا عن الشمس‏,‏ وهي تجري حول الشمس في فلك بيضاني‏(‏ اهليلجي‏)‏ قليل الاستطالة بسرعة تقدر بحوالي‏30‏ كيلو متر في الثانية‏(29,6‏ كيلو مترا في الثانية‏)‏ لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها‏365,25‏ يوم تقريبا‏,‏ وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها حوالي‏30‏ كيلو مترا في الدقيقة‏(27,8‏ كيلو متر في الدقيقة‏)‏ عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره‏24‏ ساعة تقريبا‏,‏ يتقاسمه ليل ونهار‏,‏ بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول‏,‏ التي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض على دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا‏,‏ ويعزى للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية‏,‏ وهبوب الرياح‏,‏ وهطول الأمطار‏,‏ وفيضان الأنهار بإذن الله‏.‏

والأرض كوكب فريد في كل صفة من صفاته‏,‏ مما أهله بجدارة أن يكون مهداً للحياة الأرضية بكل مواصفاتها‏,‏ ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ وفي الأرض آيات للموقنين ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلي‏:‏

أولا‏:‏ بعد الأرض عن الشمس‏

يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليوناً من الكيلومترات‏,‏ وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون‏,‏ ولما كانت كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسباً عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس‏,‏ وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها‏,‏ بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبا طرديا مع بعده عنها‏(‏ وسنة الكوكب هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس‏),‏ اتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس‏,‏ فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع على سطحها بحوالي عشرة أحصنه ميكانيكية‏,‏ ولا يصل الأرض سوى جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة‏,‏ وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية‏,‏ ولتنشيط القوى الخارجية التي تعمل على تسوية سطح الأرض‏,‏ وتكوين التربة‏,‏ وتحريك دورة المياه حول الأرض‏,‏ وغير ذلك من الأنشطة الأرضية‏.‏ ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها‏:‏ الضوء الأبيض‏,‏ والحرارة‏(‏ الأشعة تحت الحمراء‏),‏ والأشعة السينية‏,‏ والأشعة فوق البنفسجية‏,‏ ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها‏,‏ وإن اختلفت كمية الإشعاع الساقط على أجزاء الأرض المختلفة باختلاف كل من الزمان والمكان‏.‏

وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة‏(‏ الأحمر‏,‏ والبرتقالي‏,‏ والأصفر‏,‏ والأخضر‏,‏ والأزرق‏,‏ والنيلي‏,‏ والبنفسجي‏)‏ وتقدر نسبتها في الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض بحوالي ‏38%,‏ ولها أهمية بالغة في حياة كل من النبات والحيوان والإنسان‏,‏ وتبلغ أقصى مدى عند منتصف النهار عموما‏ً,‏ وعند منتصف نهار الصيف خصوصاً‏,‏ لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ في الصيف ضعفي ما تبلغه في الشتاء‏.‏

أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها في أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض بحوالي‏53%,‏ ولها دورها المهم في تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة‏,‏ وفي كافة العمليات الكيميائية التي تتم على سطح الأرض وفي غلافها الجوي‏,‏ الذي يرد عنا قدراً هائلاً من حرارة الشمس‏,‏ فكثافة الإشعاع الشمسي والتي تقدر بحوالي‏2‏ سعر حراري على كل سنتيمتر مربع من جو الأرض في المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء‏,‏ وقطرات الماء‏,‏ وهباءات الغبار السابحة في جو الأرض‏,‏ ويمتص جزء آخر بواسطة كل من غاز الأوزون وبخار الماء‏,‏ ومتوسط درجة الحرارة على سطح الأرض يقدر بحوالي عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالي‏74‏ درجة مئوية تحت الصفر في المناطق القطبية المتجمدة و‏55‏ درجة مئوية في الظل في أشد المناطق والأيام قيظا‏.‏

أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالي‏9%‏ من مجموع أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض وذلك لأن غالبيتها تمتص أو ترد بفعل كل من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذي جعلهما ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ من نطق الحماية للحياة على الأرض‏,‏ ويقدر ما يصل إلى الأرض من طاقة الشمس بحوالي ثلاثة عشر مليون حصاناً ميكانيكياً على كل كيلو متر مربع من سطح الأرض في كل ثانية وتقدر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله على ه‏...!!!‏

ولو كانت الأرض أقرب قليلا إلى الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة على سطحها‏,‏ ولتبخير مياهها‏,‏ ولخلخلة غلافها الغازي‏.‏

فكوكب عطارد الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي‏0,39‏ من بعد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين‏220‏ درجة مئوية في وجهه المضيء و‏27‏ درجة مئوية في وجهه المظلم‏,‏ وكوكب الزهرة الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي‏0,72‏ من بعد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة على سطحه إلي‏457‏ درجة مئوية‏(730‏ درجة مطلقة‏).‏

و على النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض‏(‏ المريخ‏,‏ المشتري‏,‏ زحل‏,‏ يورانوس‏,‏ نبتيون‏,‏ بلوتو‏)‏ لا يصلها قدر كاف من حرارة الشمس فتعيش في برودة قاتلة لا تقوي الحياة الأرضية على تحملها‏.‏

ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بدقة بالغة تسمح للأرض بتلقي قدر من طاقة الشمس يتناسب تماما مع حاجات جميع الكائنات الحية على سطحها‏,‏ وفي كل من مياهها‏,‏ وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا في الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية في مختلف فصول السنة‏.‏

فلو كانت الأرض على مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالي لزادت كمية الطاقة التي تتلقاها أرضنا منها إلى أربعة أمثال كميتها الحالية ولأدى ذلك إلى تبخير الماء وخلخلة الهواء واحتراق جميع صور الحياة على سطحها‏..!!!‏

ولو كانت الأرض على ضعف بعدها الحالي من الشمس لنقصت كمية الطاقة التي تتلقاها إلى ربع كميتها الحالية‏,‏ وبالتالي لتجمدت جميع صور الحياة واندثرت بالكامل‏.‏

وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قرباً أو بعداً يختلف طول السنة‏,‏ وطول كل فصل من الفصول نقصاً أو زيادة مما يؤدي إلى اختلال ميزان الحياة على سطحها‏,‏ فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس وحفظها في مدارها المحدد وحفظ الحياة على سطحها من كل سوء‏...!!!‏

ثانيا‏:‏ أبعاد الأرض‏

يقدر حجم الأرض بحوالي مليون كيلو متر مكعب‏,‏ ويقدر متوسط كثافتها بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وعلى ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالي الستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بدقة وحكمة بالغتين‏,‏ فلو كانت الأرض أصغر قليلا لما كان في مقدورها الاحتفاظ بأغلفتها الغازية‏,‏ والمائية‏,‏ وبالتالي لاستحالت الحياة الأرضية‏,‏ ولبلغت درجة الحرارة على سطحها مبلغاً يحول دون وجود أي شكل من أشكال الحياة الأرضية‏,‏ وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد في غيبتها‏,‏ فهو يرد عنا جزءاً كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة‏,‏ كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة‏,‏ وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك‏,‏ وهي تهطل على الأرض كحبات المطر في كل يوم‏.‏

ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها على جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة‏,‏ ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي على سطحها إن وجد‏,‏ وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض‏,‏ كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض‏,‏ كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة كما تحتفظ بها الصوب النباتية على مر الزمن فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية على سطحها‏.‏

ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها‏,‏ بكل من بعد الأرض عن الشمس‏,‏ وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره‏,‏ويجري في مدار ثابت حولها‏.‏

فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلى من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ قِصرا مخلاً‏,‏ ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولاً مخلا‏,‏ وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلى إفناء الحياة على سطح الأرض بالكامل‏,‏ إن لم يكن قد أدى إلى إفناء الأرض ككوكب إفناءً تاما‏ً,‏ وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته‏(‏ بنهاره وليله‏)‏ يخل إخلالاً كبيراً بتوزيع طاقة الشمس على المساحة المحددة من الأرض‏,‏ وبالتالي يخُل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة‏,‏ والتنفس والنتح‏,‏ وغيرها‏,‏ كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة‏,‏ والجفاف والرطوبة‏,‏ وحركة الرياح والأعاصير والأمواج‏,‏ وعمليات التعرية المختلفة‏,‏ ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة‏.‏ كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها على مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول‏,‏ وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة على الأرض‏.‏

وبالإضافة إلى ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاوي ‏(‏ الإهليلجي‏),‏ وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا على مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة على سطحها‏,‏ وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة ‏(‏ النابذة‏)‏ المركزية التي دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس‏,‏ وشدة جاذبية الشمس لها‏,‏ ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة‏,‏ أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن على ها وما على ها‏,‏ أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية‏,‏ أو تصطدم بجرم آخر‏,‏ أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم‏,‏ والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله‏(‏ تعالى‏),‏ والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن على ها‏.‏

ثالثا‏:‏ بنية الأرض‏

أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطاقات محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)‏ ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحاً للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها‏.‏

وتقسم النطق الداخلية للأرض على أساس من تركيبها الكيميائي أو على أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء‏,‏ وتترتب بنية الأرض من الداخل إلى الخارج على النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ لب الأرض الصلب‏(‏ الداخلي‏)

وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد‏(90%)‏ وبعض النيكل‏(9%)‏ مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور‏,‏ الكربون‏,‏ السيليكون‏(1%),‏ وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا‏.‏ ويبلغ قطر هذه النواة حوالي‏2402‏ كيلو متر‏,‏ ويمتد نصف قطرها من مركزها على عمق‏6371‏ كيلو مترا إلى عمق‏5170‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏

ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي‏5,52‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين‏2,7‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏,‏ وحوالي‏3‏ جرامات للسنتيمتر المكعب‏,‏ فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلى أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين‏10‏ و‏13,5‏ جرام للسنتيمتر المكعب‏.‏

‏(2)‏ نطاق لب الأرض السائل‏(‏ الخارجي‏)

وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب‏,‏ وله نفس تركيبه الكيميائي تقريباً وإن كانت مادته منصهرة‏,‏ ويبلغ سمكه‏2275‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلى عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها‏450‏ كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلى ذلك فهي شبه منصهرة‏(‏ وتمتد من عمق‏5170‏ كيلو مترا إلى عمق‏4720‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي‏31%‏ من كتلتها‏.‏

‏(3),(4),(5)‏ نطق وشاح الأرض‏

يحيط وشاح الأرض بلبها السائل‏,‏ ويبلغ سمكه حوالي‏2765‏ كيلو مترا‏(‏ من عمق‏2885‏ كيلو مترا إلى عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ويفصله إلى ثلاثة نطق مميزة مستويان من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل‏,‏ يقع أحدهما على عمق‏670‏ كيلو مترا‏,‏ ويقع الآخر على عمق‏400‏ كيلو متر من سطح الأرض‏,‏ وبذلك ينقسم وشاح الأرض إلى وشاح سفلي‏(‏ يمتد من عمق‏2885‏ كيلو متر إلى عمق‏670‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح متوسط‏(‏ يمتد من عمق‏670‏ كيلو مترا إلى عمق‏400‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏),‏ ووشاح علوي‏(‏ يمتد من عمق‏400‏ كيلو مترا إلى عمق يتراوح بين‏65‏ كيلو مترا تحت المحيطات‏,‏ وعمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح القارات‏).‏

وقمة الوشاح العلوي‏(‏ من عمق‏65‏ ـ‏120‏ كيلو مترا إلى عمق‏200‏ كيلو متر تحت سطح الأرض‏)‏ يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي لوجوده في حالة لزجة‏,‏ شبه منصهرة‏(‏ أي منصهرة انصهارا جزئيا في حدود نسبة‏1%).‏

‏(6),(7)‏ الغلاف الصخري للأرض

ويتراوح سمكه بين‏65‏ كيلو مترا تحت قيعان البحار والمحيطات‏,120‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويقسمه خط انقطاع الموجات الاهتزازية المسمي باسم الموهو إلى قشرة الأرض

و إلى ما تحت قشرة الأرض وتمتد قشرة الأرض إلى عمق يتراوح بين‏5‏ و‏8‏ كيلو مترات تحت قيعان البحار والمحيطات‏,‏ وبين‏60‏ و‏80‏ كيلو مترا تحت القارات‏,‏ ويمتد ما تحت القشرة إلى عمق‏120‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏.‏

وللأرض مجال جاذبية يزداد مع العمق حتى يصل إلى قمته عند الحد الفاصل بين وشاح الأرض ولبها‏(‏ على عمق‏2885‏ كيلو مترا تحت سطح الأرض‏)‏ ثم يبدأ في التناقص‏(‏ بسبب الجذب الذي يحدثه عمود الصخور فوق هذا العمق‏)‏ حتى يصل إلى الصفر في مركز الأرض‏.‏ ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي‏,‏ ولو حدث ذلك ما أمكنها أن تكون صالحة لاستقبال الحياة‏,‏ وذلك لأن هناك حدا أدني لسرعة الهروب من جاذبية الأرض يقدر بحوالي‏11,2‏ كيلو متر في الثانية‏,‏ بمعني أن الجسم لكي يستطيع الإفلات من جاذبية الأرض ف علىه أن يتحرك في عكس اتجاه الجاذبية بسرعة لا تقل عن هذه السرعة‏.‏

ولما كانت حركة جسيمات المادة في الغلاف الغازي للأرض أقل من تلك السرعة بكثير فقد أمكن للأرض‏(‏ بتدبير من الله تعالى‏)‏ أن تحتفظ بغلافها الغازي‏,‏ ولو فقدته ولو جزئياً لاستحالت الحياة على الأرض‏,‏ ولأمطرت بوابل من الإشعاعات الكونية والشمسية‏,‏ ولرجمت بملايين من النيازك التي كانت كفيلة بتدميرها‏...!!!‏

كذلك فإن للأرض مجالاً مغناطيسياً ثنائي القطبية‏,‏ يعتقد أن له صلة وثيقة بلب الأرض الصلب وحركة إطاره السائل من حوله‏,‏ ويتولد المجال المغناطيسي للأرض كما يتولد لأي جسم آخر من حركة المكونات فيها وفيه‏,‏ وذلك لأن الجسيمات الأولية للمادة‏(‏ وهي في غالبيتها مشحونة بالكهرباء‏)‏ تتحرك سواء كانت طليقة أو مرتبطة في داخل ذرات المادة‏,‏ وهي حينما تتحرك تولد مجالاً مغناطيسياً‏,‏ والمجال المغناطيسي لأية نقطة في فسحة الكون يمثل بمحصلة اتجاه تمتد من القطب المغناطيسي الجنوبي للمادة إلى قطبها الشمالي في حركة معاكسة لاتجاه عقرب الساعة ومماثلة لحركة الطواف حول الكعبة المشرفة‏.‏

والمجال المغناطيسي للأرض كون لها‏(‏ بإرادة الله تعالى‏)‏ غلافاً مغناطيسياً يعرف باسم النطاق المغناطيسي للأرض وهو يلعب دوراً مهماً في حماية الأرض من الأشعة الكونية بتحكمه في حركة الجسيمات المشحونة القادمة إلينا من فسحة الكون فيجعلها تدور من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين إلى الآخر دون الدخول إلى المستويات المنخفضة من غلافها الغازي‏.‏

ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلى مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها‏,‏ وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هل إلى الشكل على ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر على التو إلى يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها‏,‏ ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق على المستوي الاستوائي المغناطيسي لها‏,‏ وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة‏,‏ ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا‏,‏ والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية‏,‏ وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض‏.‏

وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها‏,‏ الممزق بشبكة هائلة من الصدوع‏,‏ وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد على عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار‏,‏ وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية‏,‏ وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية‏,‏ والثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة‏.‏

والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض‏,‏ ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة‏,‏ ولا دارت دورة المياه‏,‏ ولا خزنت المياه تحت السطحية‏,‏ ولا نبتت نبتة‏,‏ ولا أمكن لكائن حي أن يستقر على سطح الأرض‏.‏

كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهماً في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه‏,‏ وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها‏.‏ ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم‏,‏ وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران‏.‏

هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد‏,‏ أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏

(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذريات:20)

فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الإحكام والإتقان‏,‏ وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة‏,‏ وإحكام الصنعة‏,‏ وشمول العلم كما يشهد له‏(‏ تعالى‏)‏ بجلال الربوبية وعظمة الألوهية‏,‏ والتفرد بالوحدانية‏,‏ وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان‏,‏ وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن نبينا محمدا‏(‏ صلي الله على ه وآله وسلم‏)‏ هو خاتم أنبياء الله ورسله‏,‏ وأنه‏(‏ صلوات الله وسلامه عليه‏)‏ كان موصولاً بالوحي‏,‏ ومعلماً من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق‏:‏

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5} ‏(‏النجم‏:3‏ ـ‏5)‏.

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار

عمروعبده 21-02-2011 10:04 PM

محو آية الليل

محو آية الليل



قال تعالى : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا)
في هذه الآية الكريمة يذكرنا ربنا تبارك وتعالى بأنه قد جعل الليل والنهار آيتين من آياته الكونية المبهرة التي تدل علي طلاقة قدرته‏,‏ وبالغ حكمته‏,‏ وبديع صنعه في خلقه‏,‏ فاختلاف هيئة كل من الليل والنهار في الظلمة والنور‏,‏ وتعاقبهما علي وتيرة رتيبة منتظمة ليدل دلالة قاطعة علي أن لهما خالقاً قادرا عليما حكيما‏..‏

والآية في اللغة العلامة والجمع آي‏,‏ وآيات والآية من كتاب الله جماعة حروف تكون كلمة أو مجموعة كلمات تبني منها الآية لتحمل دلالة معينة‏.‏

آراء المفسرين
يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد جعل من صفات الليل أنه مظلم‏,‏ كما جعل من صفات النهار أنه منير‏,‏ وربما كان ذلك هو آية كل منهما‏,‏ وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين إلي القول بأن من معاني قوله تعالى‏:‏فمحونا آية الليل‏..‏ أي جعلنا الليل‏,‏ وهو آية من آيات الله ـ مظلما‏,‏ وجعلنا من صفاته تلك الظلمة‏,‏ وأن من معاني قوله تعالى‏:‏وجعلنا آية النهار مبصرة أي جعلنا الآية‏(‏ التي هي النهار‏)‏ منيرة تعين علي الإبصار فيها‏,‏ من نحو قول العرب‏:‏أبصر النهار إذا أنار وصار بحالة يبصر فيها‏,‏ ولكن المقابلة بين محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك‏,‏ مما يحتاج إلي توظيف العديد من الحقائق العلمية الحديثة من أجل حسن فهم دلالة تلك المقابلة‏.‏
فواضح نص الآية الكريمة أن الله تعالى قد محا آية الليل‏,‏ وأبقي آية النهار مبصرة لكي يتيح الفرصة للخلق لابتغاء الفضل منه‏,‏ والسعي علي كسب الرزق أثناء النهار‏,‏ وللخلود إلي السكينة والراحة بالليل‏,‏ وأن في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيلة ميسرة لتحديد الزمن‏,‏ ولتأريخ الأحداث‏,‏ فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن‏,‏ وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها‏,‏ ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى في ختام هذه الآية الكريمة بأنه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القرآن الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله‏,‏ وليست من بعده أية رسالة ربانية‏,‏ ولذلك جاء ذلك التفصيل الإلهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل أمر من أمور الدين الذي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيه أية ضوابط صحيحة‏.‏

آيتا الليل والنهار
الليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق‏,‏ تشهدان بدقة بناء الكون‏,‏ وانتظام حركة كل جرم فيه‏,‏ وإحكام السنن الضابطة له‏,‏ ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس‏,‏ والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية‏,‏ والتعاقب الرتيب لليل والنهار‏,‏ وما يصاحب ذلك كله من دقة وإحكام بالغين‏..!!‏
فنحن نعلم اليوم أن التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة علي الأرض‏,‏ ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة حتي يرث الله تعالى الأرض ومن عليها‏.‏
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة‏,‏ وكميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف بيئاتها الأرضية‏,‏ كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس‏,‏ والنتح‏,‏ والتمثيل الضوئي‏,‏ والأيض‏,‏ وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالأرض‏,‏ وضبط صفاته الطبيعية‏,‏ وتتم دورة المياه بين الأرض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض كما يتم ضبط حركات كل من الأمواج المختلفة في البحار والمد والجزر‏,‏ والرياح والسحاب‏,‏ ونزول المطر بإذن الله‏,‏ ويتم تفتيت الصخور وتكون التربة بمختلف أنواعها ومنها الصالحة للانبات‏,‏ وغير الصالحة‏,‏ وترسب الصخور ومنها القادرة علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادرة علي ذلك‏,‏ وتركيز مختلف الثروات الأرضية‏,‏ وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة للحياة‏.‏
وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض هو كذلك ضروري‏,‏ لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت‏,‏ فالإنسان والحيوان والنبات‏,‏ وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة يحتاج إلي الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار أو عكس ذلك بالنسبة لانماط الحياة الليلية فالإنسان ـ علي سبيل المثال ـ يحتاج إلي أن يسكن بالليل فيخلد إلي شيء من الراحة والعبادة والنوم مما يعينه علي استعادة نشاطه البدني والذهني والروحي‏,‏ وعلي استرجاع راحته النفسية‏,‏ واستجماع قواه البدنية حتي يتهيأ للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الأرض‏,‏ وقد ثبت بالتجارب العملية والدراسات المختبرية أن أفضل نوم الإنسان هو نومه بالليل‏,‏ خاصة في ساعات الليل الأولي‏,‏ وأن إطالة النوم بالنهار ضار بصحته لأنه يؤثر علي نشاط الدورة الدموية تأثيرا سلبيا‏,‏ ويؤدي إلي شيء من التيبس في العضلات‏,‏ والتراكم للدهون علي مختلف أجزاء الجسم‏,‏ وإلي زيادة في الوزن‏,‏ كما يؤدي إلي شيء من التوتر النفسي والقلق‏,‏ وربما كان مرد ذلك إلي الحقيقة القرآنية التي مؤداها أن الله تعالى قد جعل الليل لباسا‏,‏ وجعل النهار معاشا‏,‏ وإلي الحقيقة الكونية التي مؤداها أن الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحماية في الغلاف الغازي للأرض ليلا‏,‏ وتمددها نهارا يؤدي إلي زيادة قدراتها علي حماية الحياة الأرضية بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحماية الجوية تلك رقة شديدة قد تسمح لعدد من الأشعات الكونية بالنفاذ إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وهي أشعات مهلكة مدمرة لمن يتعرض لها لمدد كافية‏,‏ ومن هنا كان ذلك الأمر القرآني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا أيضا كان أمره إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالى من شر الليل إذا دخل بظلامه‏,‏ وأن يلتجئ إلي الله ويعتصم بجنابه من أخطار ذلك فقال عز من قائل‏:‏
ومن شر غاسق إذا وقب‏*[‏ الفلق‏:3]‏
فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمة وما يمكن أن يتعرض فيها المرء إلي مخاطر البشر‏,‏ بل قد يمتد إلي مخاطر الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالى‏.‏
ثم إن هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير‏,‏ يعين الإنسان علي إدراك حركة الزمن‏,‏ وتأريخ الأحداث‏,‏ وتحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال‏,‏ ولأداء جميع العبادات‏,‏ وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الأنشطة الإنسانية‏,‏ فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل أو نهار ما استقامت الحياة وما استطاع الإنسان أن يميز من حياته ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا‏,‏ وبالتالي لتوقفت الحياة‏,‏ ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في ختام الآية‏:‏

‏..‏ لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب‏..‏ ولذلك أيضا يمن علينا ربنا وهو تعالى صاحب الفضل والمنة بتبادل الليل والنهار في العديد من آيات القرآن الكريم‏,‏ ومع إيماننا بذلك‏,‏ وتسليمنا به يبرز التساؤل في الآية الكريمة التي نحن بصددها رقم‏12‏ من سورة الإسراء عن مدلول آيتي الليل والنهار‏,‏ وعن كيفية محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة؟‏..‏

محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة عند المفسرين‏
في شرح معني هذه الآية الكريمة ذكر نفر من المفسرين أن آيتي الليل والنهار نيراهما‏,‏ فآية الليل هي القمر‏,‏ وآية النهار هي الشمس‏,‏ وإذا كان الأمر كذلك فكيف محيت آية الليل‏,‏ والقمر لا يزال قائما بدورانه حول الأرض ينير ليلها كلما ظهر؟‏,‏ فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما أنه قال‏:‏ كان القمر يضئ كما تضئ الشمس‏,‏ والقمر آية الليل‏,‏ والشمس آية النهار‏,‏ وعلي ذلك فمعني قول الحق تبارك وتعالى‏:‏فمحونا آية الليل هو السواد الذي في القمر أي انطفاء جذوته‏,‏ وأضاف‏:‏ أن مدلول وجعلنا الليل والنهار آيتين أي ليلا ونهارا‏,‏ وكذلك خلقهم الله عز وجل‏.‏
وتبع ابن عباس في ذلك قتادة‏(‏ يرحمه الله‏)‏ الذي قال‏:‏ كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه‏,‏ وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة‏,‏ وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم‏.‏
وفي الكلام إشارة دقيقة إلي الفارق الذي حدده القرآن الكريم في آيات عديدة بين ضوء الشمس ونور القمر‏,‏ والذي لم يدركه العلماء إلا متأخرا بأن الأول ينطلق من نجم ملتهب شديد الحرارة‏,‏ مضئ بذاته بينما الثاني ينتج عن انعكاس أشعة الشمس علي سطح القمر البارد المعتم‏.‏
وقال نفر آخر من المفسرين إن آية الليل هي ظلمته‏,‏ كما أن آية النهار هي نوره ووضاءته‏,‏ فالله تعالى جعل من الظلام آية لليل‏,‏ كما جعل من النور آية للنهار‏,‏ فيعرف كل منهما بأيته‏,‏ أي بعلامته الدالة عليه‏,‏ ومن هؤلاء المفسرين ابن جريج‏(‏ يرحمه الله‏)‏ الذي نقل عن عبدالله بن كثير‏(‏ رحمة الله عليه‏)‏ قوله‏:‏ آيتا الليل والنهار هما ظلمة الليل‏,‏ وسرف النهار‏.‏
وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال التالي‏:‏ كيف يستقيم هذا الفهم مع قول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏):‏ فمحونا آية الليل وظلمة الليل باقية مع بقاء نور النهار؟ وإذا كانت آية الليل هي ظلمته فكيف محيت تلك الظلمة وهي لاتزال باقية؟ وعلي الرغم من هذا التعارض فقد أيد عدد من المفسرين المعاصرين هذا الفهم بصورة أو أخري ومنهم صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏)‏ الذي كتب مانصه‏...‏ والليل والنهار آيتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقة الناموس الذي لايصيبه الخلل مرة واحدة‏,‏ ولايدركه التعطل مرة واحدة‏,‏ ولا يني يعمل دائبا بالليل والنهار‏,‏ فما المحو المقصود هنا وآية الليل باقية كآية النهار؟ يبدو ـ والله أعلم ـ أن المقصود به ـ ظلمة الليل التي تخفي فيها الأشياء‏,‏ وتسكن فيها الحركات والأشباح‏..,‏ فكأن الليل محو إذا قيس إلي ضوء النهار‏,‏ وحركة الأحياء فيه والأشياء‏,‏ وكأنما النهار ذاته مبصر بالضوء‏(‏ بالنور‏)‏ الذي يكشف كل شئ فيه للأبصار‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح اختلاف آراء المفسرين ـ قدامي ومعاصرين ـ في اجتهادهم لفهم دلالة الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها‏(‏ الآية الثانية عشرة من سورة الإسراء‏)‏ فمنهم من قال بأن آية النهار هي نوره الوضاء‏,‏ أو هي الشمس مصدر ذلك الضياء‏,‏ بينما آية الليل هي ظلمته‏,‏ أو هي القمر المتميز بظلمة سطحه الذي لا ينير إلا بسقوط أشعة الشمس عليه‏,‏ وانعكاسها من ذلك السطح المعتم المظلم‏,‏ وقد دفع ذلك ببعض المفسرين إلي القول بإحتمال كون القمر في بدء خلقه ملتهبا‏,‏ شديد الحرارة‏,‏ مشتعلا‏,‏ مضيئا بذاته تماما كالشمس‏,‏ ثم انطفأت جذوته وخبت‏,‏ فمحي ضوءه الأصلي‏,‏ ولم يعد له نور إلا مايسقط علي سطحه من أشعة الشمس‏,‏ وهذا الاحتمال لاتدعمه الملاحظات العلمية الدقيقة في صفحه الكون‏,‏ وفي تاريخ الأرض القديم‏,‏ فكتلة القمر المقدرة بحوالي‏735‏ مليون مليون مليون طن البالغة حوالي‏80/1‏ من كتلة الأرض لاتمكنه من أن يكون نجما ملتهبا بذاته فالحد الأدني لكتلة الجرم السماوي كي يكون نجما لاتقل عن‏8%‏ من كتلة الشمس المقدرة بألفي مليون مليون مليون مليون طن‏,‏ أي لايجوز للنجم أن تقل كتلته عن‏160‏ مليون مليون مليون مليون طن وهو أكثر من مائتي ض
عف كتلة القمر‏,‏ ولو افترضنا جدلا امكانية أن يكون القمر نجما لأحرق لهيبه الأرض لقربه منها ـ‏(380000‏ كيلومتر في المتوسط‏),‏ ولأدي إلي خلخلة غلافها الغازي‏,‏ وإلي تبخير مياهها‏,‏ وإلي تركها جرداء قاحلة لا أثر للحياة فيها علي الإطلاق‏...!!!‏

إضاءة السماء في ظلمة الليل كانت آية الليل‏,‏ ومحوها هو حجبها عنا‏.‏
علي الرغم من الظلام الشامل للكون‏,‏ والذي لم يدركه الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين‏,‏ وعلي الرغم من محدودية الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك‏;‏ لايتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجهة للشمس حتي أن الانسان في انطلاقه من الأرض إلي فسحة الكون في أثناء النهار فإنه يفاجأ بتلك الظلمة الكونية الشاملة التي يري فيها الشمس قرصا أزرق في صفحة حالكة السواد‏,‏ لايقطع من شدة سوادها إلا أعداد من النقاط المتناثرة‏,‏ الباهته الضوء التي تحدد مواقع النجوم‏.‏
علي الرغم من كل ذلك فإن العلماء قد لاحظوا في سماء الأرض عددا من الظواهر المنيرة في ظلمة الليل الحالك نعرف منها‏:‏
‏(1)‏ ظاهرة توهج الهواء في طبقات الجو العليا Airglowin the upperatmosphere
وهي عبارة عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائية في نطاق التأين
Ionosphere المحيط بالأرض من ارتفاع‏90‏ إلي‏1000‏ كيلومتر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وهو نطاق مشحون بالإلكترونات مما يساعد علي رجع الموجات الراديوية إلي الأرض‏.‏
‏(2)‏ ظاهرة أنوار مناطق البروج Zodiacal Lights
وتظهر علي هيئة مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يري في جهة الغرب بمجرد غروب الشمس‏,‏ كما يري في جهة الشرق قبل طلوعها بقليل‏,‏ وتفسر تلك الأنوار بانعكاس وتشتت ضوء الشمس غير المباشر علي بعض الأجرام الكونية التي تعترض سبيله في أثناء تحركها متباعدة عن الأرض أو مقتربة منها‏.‏

‏(3)‏ ظاهرة أضواء النجوم Stellar Lights
وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفة‏,‏ ثم تتشتت في المسافات الفاصلة بينها حتي تصل إلي غلاف الأرض الغازي‏.‏

‏(4)‏ ظاهرة أضواء المجرات Galactic Lights
وتصدر من نجوم مجرة من المجرات القريبة منا‏,‏ والتي تتشتت أضواؤها في داخل المجرة الواحدة‏,‏ ثم يعاد تشتتها في المسافات الفاصلة بين المجرات حتي تصل إلي الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏.‏
‏(5)‏ ظاهرة الفجر القطبي وأطيافه Aurora and Auroralspectra
وتعرف هذه الظاهرة أيضا بإسم الأضواء القطبية Polar Lights أو باسم فجر الليل القطبي Polar Nights Dawn وهي ظاهرة نورانية تري بالليل في سماء كل من المناطق القطبية وحول القطبية Polarand Subpolar Regions
وتتركز أساسا في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الأرض المغناطيسيتين وخطي العرض المغناطيسيين‏67‏ درجة شمالا‏,67‏ درجة جنوبا‏,‏ وقد تمتد أحيانا لتشمل مساحات أوسع من ذلك‏.‏
وتبدو ظاهرة الفجر القطبي عادة علي هيئة أنوار زاهية متألقة جميلة‏,‏ تختلف باختلاف الارتفاع الذي تري عنده‏(‏ ويغلب عليها اللون الأخضر والأحمر والأبيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي وهي تتوهج وتخبو‏(‏ أي تزداد شدة ولمعانا ثم تهدأ‏)‏ بطريقة دورية كل عدة ثوان‏(‏ قد تمتد إلي عدة دقائق‏),‏ وتتباين ألوان الشفق القطبي في أجزائه المختلفة تباينا كبيرا‏,‏ وإن تناقصت شدة نورها إلي أعلي بصفة عامة‏,‏ حيث تتدلي تلك الأنوار من السماء إلي مستوي قد يصل إلي‏80‏ كيلومترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتمتد أفقيا إلي مئات الكيلومترات لتملأ مساحات شاسعة في صفحة السماء‏,‏ علي هيئة هالات حلقية أو قوسية متموجة‏,‏ تكون عددا من الستائر النورانية المطوية المتدلية من السماء‏,‏ والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي‏.‏
ويفسر العلماء حدوث ظاهرة الفجر القطبي بارتطام الأشعة الكونية الأولية بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تأينه‏(‏ أي شحنه بالكهرباء‏),‏ وإصدار أشعة كونية ثانوية‏,‏ ثم تصادم الأشعات الكونية‏(‏ وهي تحمل شحنات كهربية مختلفة‏)‏ مع بعضها البعض‏,‏ ومع غيرها من الشحنات الكهربية الموجودة في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تفريغها‏,‏ وتوهجها‏,‏ وتكثر الشحنات الكهربائية في الغلاف الغازي للأرض في كل من أحزمة الإشعاع
Radiation Beltsالمعروفة باسم أحزمة فان ألن Van Allens Belts
والموجودة في داخل نطق التأين المحيطة بالأرض Ionos phere Zones
وفي نطق التأين ذاتها‏.‏ والأشعة الكونية الأولية Primary Cosmic Rays
تملأ فسحة الكون علي هيئة الجسيمات الأولية المكونة للذراتElementaryorsubatomic particles
وهي جسيمات متناهية في الدقة‏,‏ ومشحونة بشحنات كهربائية عالية‏,‏ وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء‏.‏
وتنطلق الأشعة الكونية الأولية من الشمس‏,‏ وإن كان أغلبها يصلنا من خارج المجموعة الشمسية‏,‏ ولم تكتشف تلك الأشعة الكونية إلا في سنة‏1936‏ م‏.‏



وتتسرب الأشعة الكونية الأولية إلي الأرض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل إلي أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تكون الأشعة الكونية الثانوية
Secondary cosmicrays
التي قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فيخترق صخورها‏,‏ أما الأشعة الكونية الأولية فلا يكاد يصل منها إلي سطح الأرض قدر يمكن قياسه‏.‏
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض‏,‏ والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين ساحبة معها موجات الأشعة الكونية‏,‏ وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي‏,‏ وحينما تنفذ تلك الأشعة من قطبي الأرض المغناطيسيين فإنها تؤدي إلي زيادة تأين الغلاف الغازي للأرض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين‏,‏ ويؤدي اصطدام الشحنات المختلفة إلي تفريغها من شحناتها الكهربائية‏,‏ ومن ثم إلي توهج الغلاف الغازي للأرض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهرة تعرف بظاهرة الوهج القطبي أو الشفق القطبي أو الأضواء القطبية أو فجر الليل القطبي وهي ظاهرة تري بوضوح في ظلمة الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للأرض‏,‏ خاصة في أوقات الثورات الشمسية العنيفة حين يتزايد اندفاع الأشعة الكونية الأولية من الشمس‏,‏ فتصل كميات مضاعفة منها في اتجاه الأرض‏.‏ ويتزايد الإشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للأرض إلي نسب مهلكة مدمرة خاصة في نطق التأين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات‏(‏ الموجبة‏)‏ والإليكترونات‏(‏ السالبة‏),‏ ويحتبس المجال المغناطيسي للأرض الغالبية العظمي من تلك الإشعاعات‏,‏ ويوجهها إلي قطبيها المغناطيسيين في حركة لولبية موازية لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمالي إلي القطب الجنوبي وبالعكس‏,‏ وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الأشعة الكونية تلك من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين فإنه يرده إلي الآخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للأرض اتجاهات تحرك الأشعة الكونية وتركزها حول قطبي الأرض المغناطيسيين‏.‏
ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة الموجودة في الغلاف الغازي للأرض ومنها نطاق الأوزون‏,‏ نطق التأين المتعددة‏,‏ أحزمة الإشعاع‏,‏ والنطاق المغناطيسي للأرض‏,‏ لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض‏,‏ ولم تتكون إلا علي مراحل متطاولة من بداية خلق الأرض الابتدائية
Proto-Earth
وعلي ذلك فقد كانت الأشعة الكونية وباقي صور النور المتعددة في صفحة الكون تصل بكميات هائلة إلي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض ككل‏,‏ فتؤدي إلي إنارتها وتوهجها ليلا بمثل ظاهرة الشفق القطبي‏,‏ توهج الهواء‏,‏ أضواء النجوم‏,‏ أضواء المجرات وغيرها مما نشاهد اليوم‏,‏ ولكن بمعدلات أشد وأقوي‏,‏ وكان هذا التوهج وتلك الإنارة يشملان كل أرجاء الأرض فتنير ليلها إنارة تقضي علي ظلمة الليل‏.‏
وبعد تكون نطق الحماية المختلفة للأرض أخذت هذه الظواهر في التضاؤل التدريجي حتي اقتصرت علي بقايا رقيقة جدا وفي مناطق محددة جدا مثل منطقتي قطبي الأرض المغناطيسيين‏,‏ لتبقي شاهدة علي حقيقة أن ليل الأرض في المراحل الأولي لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق‏,‏ وشاهدة علي رحمة الله بنا أن جعل للأرض هذا العدد الهائل من نطق الحماية المتعددة والتي بدونها تستحيل الحياة علي الأرض‏,‏ وشاهدة علي حاجتنا إلي رحمة الله تعالى ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الأخطار المحيطة بنا من كل جانب‏,‏ وشاهدة علي صدق تلك الإشارة القرآنية المعجزة‏.‏
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا‏.‏
وهي حقيقة لم يدركها العلم المكتسب إلا في السنوات المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ولم يكن لأحد من البشر إدراك لها وقت تنزل القرآن الكريم ولا لعدد من القرون بعد ذلك‏..!!‏
وانطلاقا من هذه الحقيقة يمن علينا ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏)‏ بتبادل الليل والنهار فيقول‏(‏ عز من قائل‏):‏
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون‏.‏ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون‏.‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏.‏
‏(‏القصص‏:71‏ ـ‏73)‏

وجاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين‏(92)‏ مرة‏,‏ منها ثلاثة وسبعون‏(73)‏ مرة بلفظة الليل‏,‏ ومرة واحدة بلفظة ليل‏,‏ وثماني‏(8)‏ مرات بلفظة ليلة‏,‏ وخمسة‏(5)‏ مرات بلفظة ليلا‏,‏ وثلاث‏(3)‏ مرات بلفظة ليال‏,‏ ومرة واحدة بكل من اللفظين ليلها و ليالي‏.‏
كذلك ورد ذكر النهار في القرآن الكريم سبعا وخمسين‏(57)‏ مرة‏,‏ منها أربعة وخمسون‏(54)‏ مرة بلفظ النهار‏,‏ وثلاث‏(3)‏ مرات بلفظ نهارا‏,‏ كما وردت ألفاظ الصبح‏,‏ و الإصباح و الفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخري كثيرة‏,‏ كذلك وردت كلمة اليوم أحيانا بمعني النهار‏.‏
ونعمة الله تعالى علي أهل الأرض جميعا بمحو إنارة الليل‏,‏ وإبقاء إنارة النهار نعمة ما بعدها نعمة‏,‏ لأنه لولا ذلك ما استقامت الحياة علي الأرض‏,‏ ولا استطاع الإنسان الإحساس بالزمن‏,‏ ولا التأريخ للأحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار‏,‏ ولتلاشت الحياة‏,‏ ومن هنا جاءت إشارة القرآن الكريم إلي تلك الحقيقة سبقا لكافة المعارف الإنسانية‏.‏
وإن دل ذلك علي شئ فإنما يدل علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ وعلي أن هذا النبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وأنه‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ ما كان ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي كما وصفه ربنا‏(‏ تبارك وتعالى‏).‏
وإذا كان صدق القرآن الكريم جليا في إشاراته إلي بعض أشياء الكون وظواهره‏,‏ فلابد أن يكون صدقه في رسالته الأساسية وهي الدين‏(‏ بركائزه الأربع‏:‏ العقيدة‏,‏ والعبادة‏,‏ والأخلاق والمعاملات‏)‏ جليا كذلك‏.‏ وهنا يتضح جانب من جوانب الإعجاز في كتاب الله‏,‏ وما أكثر جوانبه المعجزة ـ هو الإعجاز العلمي‏,‏ وهو خطاب العصر ومنطقه‏,‏ وما أحوج الأمة الإسلامية‏,‏ بل ماأحوج الإنسانية كلها إلي هذا الخطاب في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه‏,‏ وزمن العولمة الذي تحاول فيه القوي الكبري ـ علي ضلالها ـ فرض قيمها الدينية والأخلاقية والإجتماعية المنهارة علي دول العالم الثالث وفي زمرتها الدول الإسلامية‏,‏ بحد غلبتها العلمية والتقنية‏,‏ وهيمنتها الاقتصادية والعسكرية‏,‏ وقد عانت الدول الغربية‏,‏ ذاتها ولاتزال من الإغراق المادي الذي دمر مجتمعاتها‏,‏ وأدي إلي تحللها الأسري والاجتماعي والأخلاقي والسلوكي والديني‏,‏ وإلي ارتفاع معدلات الجريمة‏,‏ والأدمان‏,‏ والانتحار‏,‏ وإلي الحيود عن كل قوانين الفطرة السوية التي فطر الله خلقه عليها‏,‏ وإلي العديد من المشاكل والأزمات النفسية والمظالم الاجتماعية والسياسية علي المستويين المحلي والدولي‏...!‏
وماأحوج علماء المسلمين إلي إدراك قيمة الآيات الكونية في كتاب الله فيقبلوا عليها تحقيقا علميا منهجيا دقيقا بعد فهم عميق لدلالة اللغة وضوابطها وقواعدها‏,‏ ولأساليب التعبير فيها‏,‏ وفهم لأسباب النزول‏,‏ ومعرفة بالمأثور من تفسير الرسول‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وجهود السابقين من المفسرين‏,‏ ثم تقديم ذلك الإعجاز العلمي إلي الناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين‏.‏مما يعد دليلا ماديا ملموسا علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وعلي أن سيدنا ونبينا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ في غير تكلف ولا اعتساف‏,‏ لأن القرآن الكريم غني عن ذلك‏,‏ وهو أعز علينا وأكرم من أن نتكلف له‏.‏
وهذا المنهج في الاهتمام بالآيات الكونية في كتاب الله‏,‏ وشرح الإشارات العلمية فيها من قبل المتخصصين ـ كل في حقل تخصصه ـ هو من أكثر وسائل الدعوة إلي دين الله قبولا في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه‏.‏

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار نشر على جريد الأهرام

عمروعبده 22-02-2011 06:17 AM

السماء ذات الرجع

والسـماء ذات الرجـع



هذه الآية الكريمة التي جاءت في منتصف سورة الطارق هي من آيات القسم في القرآن الكريم‏,‏ والقسم في كتاب الله يأتي من قبيل تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالى‏)‏ غني عن القسم لعباده كما سبق وأن ذكرنا‏.‏
والقسم هنا بالسماء وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذات الرجع‏,‏ وفي ذلك قال قدامي المفسرين إن رجع السماء هو المطر‏,‏ وأنه سمي رجعا لأن بخار الماء يرتفع أصلا من الأرض إلي السماء حيث يتكثف ويعود إلى الأرض مطرا بإذن الله‏,‏ في عملية دائمة التكرار والإعادة‏,‏ ولفظة الرجع هنا مستمدة من الفعل رجع بمعني عاد وآب ولذا سمي المطر رجعا كما سمي أوبا‏.‏
ومع تسليمنا بصحة هذا الاستنتاج يبقي السؤال المنطقي‏:‏ إذا كان المقصود بالتعبير رجع السماء هو المطر فقط فلماذا فضل القرآن الكريم لفظة الرجع علي لفظة المطر؟ ولماذا لم يأت القسم القرآني بالتعبير والسماء ذات المطر بدلا من والسماء ذات الرجع؟
واضح الأمر ــ والله تعالى أعلم ــ أن لفظة الرجع في هذه الآية الكريمة لها من الدلالات مايفوق مجرد نزول المطر ــ علي أهميته القصوى لاستمرارية الحياة علي الأرض ــ مما جعل هذه الصفة من صفات السماء محلا لقسم الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى‏)‏ ــ وهو الغني عن القسم ــ تعظيما لشأنها وتفخيما‏.‏ فما هو المقصود بالرجع في هذه الآية الكريمة؟

يبدو ــ والله تعالى أعلم ــ أن من معاني الرجع هنا الارتداد أي أن من الصفات البارزة في سمائنا أنها ذات رجع أي ذات ارتداد‏,‏ بمعني أن كثيرا مما يرتفع إليها من الأرض ترده إلي الأرض ثانية‏,‏ وأن كثيرا مما يهبط عليها من أجزائها العلا يرتد ثانية منها إلي المصدر الذي هبط عليها منه‏,‏ فالرجع صفة أساسية من صفات السماء‏,‏ أودعها فيها خالق الكون ومبدعه‏,‏ فلولاها ما استقامت علي الأرض حياة‏,‏ ومن هنا كان القسم القرآني بها تعظيما لشأنها‏,‏ وتنبيها لنا لحكمة الخالق‏(‏ سبحانه و تعالى‏)‏ من إيجادها وتحقيقها‏...!!!‏

الرجع في اللغة العربية
يقال‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ رجع يرجع رجوعا‏)‏ بمعني عاد يعود عودا‏,‏ و‏(‏رجعه‏)‏ غيره أو‏(‏ أرجعه‏)‏ بمعني أعاده ورده‏,‏ و‏(‏الرجوع‏)‏ العودة إلي ما كان منه البدء‏,‏ ويقال‏(‏ رجعه‏,‏ يرجعه رجعا‏).‏
كما يقال‏(‏ رجع يرجع رجعا وترجيعا‏)‏ بمعني رد يرد ردا‏,‏ فالرجع لغة هو العود‏,‏ والارتداد‏,‏ والرد‏,‏ والانصراف والإفادة‏,‏ والإعادة‏,‏ ولذلك يقال للمطر رجعا لرد الهواء ما تناوله من ماء الأرض بطريقة مستمرة‏,‏ كما يقال للغدير رجعا بنسبته إلي المطر الذي ملأه‏,‏ أو لتراجع أمواجه وتردده في مكانه ويستند في ذلك إلي قول الحق‏(‏ تبارك و تعالى‏):‏ والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وقيل فيها أيضا أي ذات النفع‏.‏
ويقال‏(‏ رجع يرجع ترجيعا‏)‏ أي ردد يردد ترديدا‏,(‏ فالترجيع‏)‏ ترديد الصوت في الحلق في القراءة وفي الغناء‏,‏ وتكرير القول مرتين فصاعدا‏,‏ ومنه‏(‏ الترجيع‏)‏ في الأذان‏,‏ وكل شئ يردد فهو‏(‏ رجع‏)‏ و‏(‏رجيع‏)‏ ومعناه‏(‏ مرجوع‏)‏ أي مردود‏,‏ و‏(‏الرجع‏)‏ أيضا صدي الصوت‏,‏ ويقال‏(‏ راجع‏)‏ أي عاود‏,‏ و‏(‏المراجعة‏)‏ المعاودة‏,‏ ويقال‏(‏ راجعه‏)‏ الكلام أي رد عليه‏.‏
و‏(‏الرجعة‏)‏ العودة من الطلاق‏,‏ والعودة إلي الدنيا بعد الممات‏.‏
يقال‏(‏ رجعت‏)‏ عن كذا‏(‏ رجعا‏)‏ و‏(‏رجوعا‏)‏ أي رفضته بعد قبوله‏,‏ و‏(‏رجعت‏)‏ الجواب أي رددت عليه‏,‏ و‏(‏المرجع‏)‏ و‏(‏الرجعي‏)‏ الرجوع والعود أو مكان العود وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالى‏):‏ إلي الله مرجعكم جميعا‏..‏ وقوله‏(‏ سبحانه‏):‏ إن إلي ربك الرجعي وقوله‏(‏ سبحانه و تعالى‏):‏ لعلهم يرجعون أي يرجعون عن الذنب أو يعودون إلي الله‏(‏ تعالى‏)‏ وهدايته الربانية‏,‏ وقوله‏(‏ عز من قائل‏):..‏ فناظرة بم يرجع المرسلون من الرجوع أو من رجع الجواب‏,‏ وقوله‏(‏ تبارك اسمه‏):‏ يرجع بعضهم إلي بعض القول وقوله‏(‏ تعالى جده‏):‏ ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
ويقال ليس لكلامه‏(‏ مرجوع‏)‏ أي مردود أو جواب‏,‏ ودابة لها‏(‏ مرجوع‏)‏ أي لها مردود بمعني أنه يمكن بيعها بعد استخدامها‏.‏
و‏(‏الراجع‏)‏ المرأة يموت عنها زوجها فترجع إلي أهلها‏(‏ أما المطلقة فيقال لها مردودة‏).‏
وفي قوله‏(‏ تعالى‏):‏ يرجع بعصهم إلي بعض القول أي يتلاومون‏.‏
و‏(‏الاسترجاع‏)‏ الاسترداد‏,‏ و‏(‏التراجع‏)‏ الارتداد إلي الخلف أو الرجوع عن الأمر‏,‏ يقال‏(‏ استرجع‏)‏ فلان منه الشئ أي أخذ منه ما كان قد دفعه إليه‏,‏ و‏(‏استرجع‏)‏ عند المصيبة أي قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
و‏(‏الرجيع‏)‏ الاستفراغ أو الرفث ويستخدم كناية عن أذي البطن عند كل من الإنسان والحيوان‏,‏ وهو من‏(‏ الرجوع‏)‏ ويكون بمعني الفاعل‏,‏ أو من‏(‏ الرجع‏)‏ ويكون بمعني المفعول‏.‏ و‏(‏الرجيع‏)‏ من الكلام المردود إلي صاحبه أو المكرر‏.‏

المفسرون ورجع السماء
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ أن رجع السماء هو المطر‏,‏ ذكره ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏),‏ وعنه أيضا أن‏(‏ الرجع‏)‏ هو السحاب فيه المطر‏,‏ وأشار ابن كثير أيضا إلي رأي قتادة‏(‏ يرحمه الله‏)‏ في‏(‏ السماء ذات الرجع‏)‏ أنها ترجع رزق العباد كل عام‏,‏ ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم‏,‏ وذكر الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ نفس المعاني‏.‏ ويؤكد صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏)‏ علي هذا المعني بقوله الرجع المطر ترجع به السماء المرة بعد المرة‏.‏
وذكر مخلوف‏(‏ يرحمه الله‏)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ والسماء‏)‏ أي المظلة‏,(‏ذات الرجع‏)‏ أي المطر‏,‏ وسمي رجعا لأن السحاب يحمل الماء من بخار البحار والأنهار‏,‏ ثم يرجعه إلي الأرض مطرا‏,‏ أو لأنه يعود ويتكرر‏,‏ من رجع‏:‏ إذا عاد‏,‏ ولذا يسمي أوبا‏,‏ لرجوعه وتكرره‏,‏ وكذلك ذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم أن القسم هنا بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر‏.‏

الفعل رجع في القرآن الكريم
ورد الفعل‏(‏ رجع‏)‏ بمشتقاته في القرآن الكريم مائة وأربع مرات‏(104)‏ ا في الصيغ التالية‏:‏
‏[‏ رجع‏,‏ رجعتم‏,‏ رجعك‏,‏ رجعنا‏,‏ رجعناك‏,‏ رجعوا‏,‏ أرجع‏,‏ ترجعونها‏,‏ ترجعوهن‏,‏ يرجع‏,‏ يرجعون‏,‏ ارجع‏,‏ أرجعنا‏,‏ ارجعوا‏,‏ أرجعون‏,‏ ارجعي‏,‏ رجعت‏,‏ ترجع‏,‏ ترجعون‏,‏ يرجع‏,‏ يرجعون‏,‏ يتراجعا‏,‏ رجع‏,‏ الرجع‏,‏ رجعه‏,‏ الرجعي‏,‏ راجعون‏,‏ مرجعكم‏,‏ مرجعهم‏].‏

وجاءت لفظة رجع فيها ثلاث مرات علي النحو التالي‏:‏ أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد‏(‏ ق‏:3)‏ إنه علي رجعه لقادر‏(‏ الطارق‏:8)‏
والسماء ذات الرجع‏(‏ الطارق‏:11)‏
وكلها بمعني الرجوع‏,‏ والعودة‏,‏ والارتداد‏,‏ والرد‏,‏ والإعادة‏,‏ وهو ما يمكن أن يعيننا في فهم دلالة الرجع في قوله‏(‏ تعالى‏):‏ والسماء ذات الرجع‏,‏ وهو معني أوسع وأشمل من مجرد رجوع ماء الأرض المتبخر من سطحها ومن تنفس إنسها وحيواناتها ونتح نباتاتها‏,‏ وإلا لكان القسم بالسماء ذات المطر‏.‏

السماء في اللغة العربية:
‏(‏السماء‏)‏ لغة اسم مشتق من‏(‏ السمو‏)‏ بمعني الارتفاع والعلو‏,‏ تقول‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ سما‏,‏ يسمو‏,‏ سموا‏),‏ فهو سام بمعني علا‏,‏ يعلو‏,‏ علوا‏,‏ فهو عال أو مرتفع‏,‏ لأن السين والميم والواو أصل يدل علي الارتفاع والعلو‏,‏ يقال‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ سموت وسميت‏)‏ بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو‏,‏ وعلي ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه ومن هنا قيل‏:‏ كل ما علاك فأظلك فهو سماء‏.‏
ولفظة‏(‏ السماء‏)‏ في العربية تذكر وتؤنث‏(‏ وإن كان تذكيرها يعتبر شاذا‏),‏ وجمعها‏(‏ سماوات‏)‏ كما جاء في القرآن الكريم وهناك صيغ أخري لجمعها ولكنها غريبة‏.‏
وانطلاقا من هذا التعريف اللغوي قيل لسقف البيت‏(‏ سماء‏)‏ لارتفاعه‏,‏ وقيل للسحاب‏(‏ سماء‏)‏ لعلوه‏,‏ واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب‏,‏ وللعشب لارتباط نبته بنزول ماء السماء‏.‏
والسماء دينا هي كل ما يقابل الأرض من الكون‏,‏ والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الإجرام المختلفة من الكواكب والكويكبات‏,‏ والأقمار والمذنبات‏,‏ والنجوم والبروج‏,‏ وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية أو مستترة خفية‏.‏
وقد خلق الله‏(‏ تعالى‏)‏ السماء ـ وهو سبحانه خالق كل شيء ـ ورفعها بغير عمد نراها‏,‏ وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق‏,‏ وحرسها من كل شيطان مارد من الجن والإنس‏,‏ فهي محفوظة بحفظه‏(‏ تعالى‏)‏ إلي أن يرث الكون بما فيه ومن فيه‏.‏

السماء في القرآن الكريم
تكرر ورود لفظة‏(‏ السماء‏)‏ في القرآن الكريم ثلاثمائة وعشر مرات‏,‏ منها مائة وعشرون بالإفراد‏(‏ السماء‏),‏ ومائة وتسعون بالجمع‏(‏ السماوات‏),‏ والجمع في غالبيته إشارة إلي كل ما حول الأرض من خلق أي إلي الكون في جملته‏,‏ والإشارات المفردة منها ثمان وثلاثون‏(38)‏ يفهم من مدلولها الغلاف الغازي للأرض بسحبه ورياحه وكسفه‏,‏ واثنتان وثمانون‏(82)‏ يفهم منها السماء الدنيا غالبا والكون أحيانا‏.‏
وقد جاءت الإشارة القرآنية إلي السماوات والأرض وما بينهما في عشرين موضعا من كتاب الله‏,‏ وأغلب الرأي أن المقصود بما بين السماوات والأرض هو الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة‏,‏ والجزء الأسفل منه‏(‏ نطاق المناخ‏)‏ بصفة خاصة‏,‏ وذلك لقول الحق‏(‏ تبارك و تعالى‏):‏
والسحاب المسخر بين السماء والأرض‏..(‏ البقرة‏:164)‏ والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه‏16‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر عند خط الاستواء‏,‏ والذي يحوي أغلب مادة الغلاف الغازي للأرض‏(75%‏ بالكتلة‏)‏ والقرآن الكريم يشير إلي إنزال الماء من السماء في أكثر من آية‏,‏ وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب أو النطاق المحتوي علي السحاب والمعروف علميا بنطاق المناخ‏.‏

العلوم الكونية ورجع السماء

إذا كان المقصود بالسماء ذات الرجع في سورة الطارق هو الغلاف الغازي للأرض بنطاق من نطاقاته‏(‏ نطاق الطقس‏)‏ أو بكل نطقه‏,‏ فإن دراسة ذلك الغلاف الغازي قد أكدت لنا أن كثيرا مما يرتفع من الأرض إليه من مختلف صور المادة والطاقة‏(‏ من مثل هباءات الغبار المتناهية الدقة في الصغر‏,‏ بخار الماء‏,‏ كثير من غازات أول وثاني أكسيد الكربون‏,‏ أكاسيد النيتروجين‏,‏ النوشادر‏,‏ الميثان وغيرها‏,‏ الموجات الحرارية كالأشعة تحت الحمراء‏,‏ والراديوية كموجات البث الاذاعي‏,‏ والصوتية‏,‏ والضوئية والمغناطيسية وغيرها‏)‏ كل ذلك يرتد ثانية إلي الأرض راجعا إليها‏.‏
كذلك فإن كثيرا مما يسقط علي الغلاف الغازي للأرض من مختلف صور المادة والطاقة يرتد راجعا عنها بواسطة عدد من نطق الحماية المختلفة التي أعدها ربنا‏(‏ تبارك و تعالى‏)‏ لحمايتنا وحماية مختلف صور الحياة الأرضية من حولنا‏.‏
وإذا كان المقصود ـ السماء ذات الرجع في هذه السورة المباركة هو كل السماء الدنيا التي زينها‏(‏ تبارك و تعالى‏)‏ بالنجوم والكواكب فإن علوم الفلك قد أكدت لنا أن كل أجرام السماء قد خلقها الله‏(‏ تعالى‏)‏ من الدخان الكوني‏(‏ دخان السماء‏)‏ الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم التي يسميها القرآن الكريم عملية الفتق أو فتق الرتق‏,‏ وأن كل أجرام السماء الدنيا تمر في دورة حياة تنتهي بالعودة إلي دخان السماء عن طريق الانفجار أو الانتثار‏,‏ لتتخلق من هذا الدخان السماوي أجرام جديدة لتعيد الكرة في دورات مستمرة من تبادل المادة والطاقة بين أجرام السماء ودخانها‏(‏ المادة المنتشرة بين النجوم في المجرة الواحدة‏,‏ المجرات وتجمعاتها المختلفة‏,‏ وفي السدم وفي فسحة السماء الدنيا‏,‏ وربما في كل الكون الذي لانعلم منه إلا جزءا يسيرا من السماء الدنيا‏).‏
وهذه صورة مبهرة من صور الرجع التي لم يدركها العلماء إلا بعد اكتشاف دورة حياة النجوم في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏.‏ وسواء كان المقصود بالسماء ذات الرجع إحدى الصورتين السابقتين أو كليهما معا فهو سبق قرآني مبهر بحقيقة كونية لم يدركها العلماء إلا منذ عشرات قليلة من السنين وذلك مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏

نطق الغلاف الغازي للأرض

تحاط الأرض بغلاف غازي يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات‏,‏ ويتناقص فيه الضغط مع الارتفاع من واحد كيلو جرام علي السنتيمتر المكعب تقريبا‏(1.0336‏ كج‏/‏ سم‏3)‏ عند مستوي سطح البحر إلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين كيلو مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر‏.‏
ويقسم هذا الغلاف الغازي للأرض علي أساس من درجة حرارته إلي عدة نطق من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ نطاق التغيرات الجوية‏(‏ نطاق الطقس أو نطاق الرجع‏)TheTroposphere
ويمتد من سطح البحر إلي ارتفاع‏16‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏,‏ ويتناقص سمكه إلي نحو عشرة كيلو مترات فوق القطبين وإلي أقل من ذلك فوق خطوط العرض الوسطي‏(7‏ ــ‏8‏ كيلو مترات‏)‏ وعندما يتحرك الهواء من خط الاستواء في اتجاه القطبين يهبط فوق هذا المنحني الوسطي فتزداد سرعته‏,‏ وتجبر حركة الأرض في دورانها حول محورها من الغرب إلي الشرق كتل الهواء في التحرك تجاه الشرق بسرعة فائقة تعرف باسم التيار النفاث The Jet Stream
وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع حتى تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته‏,‏ وذلك نظرا للابتعاد عن سطح الأرض الذي يمتص‏47%‏ من أشعة الشمس فترتفع درجة حرارته ويعيد إشعاع الحرارة علي هيئة أشعة تحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض‏,‏ خاصة إلي بخار الماء وجزيئات ثاني أكسيد الكربون الجويين‏,‏ ومن هنا تنخفض درجة حرارة نطاق التغيرات الجوية مع الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض‏.‏
وعندما يتجمع هواء بارد فوق هواء ساخن يجعل كتل الهواء غير مستقرة فيهبط الهواء البارد إلي أسفل‏,‏ بينما يصعد الهواء الساخن إلي أعلي محدثا تيارات حمل مستمرة في هذا النطاق أعطته اسم Troposphere
أو نطاق الرجع كما يعبر عنه الأصل اليوناني للكلمة‏.‏
ولولا الانخفاض المطرد لدرجات الحرارة في هذا النطاق السفلي من نطق الغلاف الغازي للأرض لفقدت الأرض مياهها بمجرد اندفاع أبخرة تلك المياه من فوهات البراكين ولا ستحالت الحياة علي الأرض‏.‏
‏(2)‏ نطاق التطبق The Stratosphere
ويمتد من فوق نطاق التغيرات الجوية إلي ارتفاع حوالي خمسين كيلومترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وترتفع فيه درجة الحرارة من ستين درجة مئوية تحت الصفر في قاعدته إلي الصفر المئوي في قمته‏,‏ ويعود السبب في ارتفاع درجة الحرارة إلي امتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بواسطة جزيئات الأوزون التي تتركز في قاعدة هذا النطاق‏(‏ حول ارتفاع يتراوح بين‏18‏ كم و‏30‏كم‏)‏ مكونة طبقة خاصة تعرف بطبقة‏,‏ أو نطاق الأوزون Ozonosphere
‏(3)‏ النطاق المتوسط‏ The Mesosphere
ويمتد من فوق نطاق التطبق إلي ارتفاع‏80‏ ـ‏90‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتنخفض فيه درجة الحرارة لتصل إلي مائة وعشرين درجة مئوية تحت الصفر‏.‏
‏(4)‏ النطاق الحراري The Thermosphere
ويمتد من فوق النطاق المتوسط إلي عدة مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وترتفع فيه درجة الحرارة باستمرار إلي خمسمائة درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وتبقي درجة الحرارة ثابتة عند هذا الحد إلي أكثر من ألف كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ ولكنها تقفز إلي‏1500‏ درجة مئوية في فترات نشاط البقع الشمسية‏.‏
وفي جزء من هذا النطاق‏(‏ من ارتفاع مائة كيلو متر إلي أربعمائة كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏)‏ تتأين جزيئات الغاز‏(‏ أي تشحن بالكهرباء‏)‏ بفعل الأشعة فوق البنفسجية والسينية القادمة من الشمس‏,‏ ولذا يسمي باسم النطاق المتأين The Ionosphere
وفوق نطاق التأين يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم النطاق الخارجي The Exosphere
ويقل فيه الضغط حتي يتداخل في دخان السماء أو ما يعرف بالفضاء الخارجي‏.‏
‏(5)‏ أحزمة الإشعاع The Radiation Belts
وهي عبارة عن زوجين من الأحزمة الهلالية الشكل التي تزداد في السمك حول خط الاستواء‏,‏ وترق رقة شديدة عند القطبين‏,‏ وتحتوي علي أعداد كبيرة من البروتونات والإليكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للأرض‏.‏ ويتركز الزوج الداخلي من هذه الأحزمة حول ارتفاع‏3200‏ كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الأحزمة حول ارتفاع‏25000‏ كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏.‏

من صور رجع السماء

باعتبار المقصود من السماء في الآية الكريمة والسماء ذات الرجع هو الغلاف الغازي للأرض نجد الصور التالية من رجع السماء‏.‏
‏(1)‏ الرجع الاهتزازي للهواء‏(‏ الأصوات وصداها‏):‏
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض‏(‏ نطاق التغيرات الجوية‏)‏ علي‏75%‏ من كتلة ذلك الغلاف ويتكون أساسا من غاز النيتروجين‏(78%‏ حجما‏),‏ والأوكسجين‏(21.95%‏ حجما‏)‏ وآثار خفيفة من بخار الماء‏,‏ وثاني أكسيد الكربون‏,‏ والأوزون‏,‏ وبعض هباءات الغبار‏,‏ وآثار أقل تركيزا من الإيدروجين‏,‏ الأرجون‏,‏ الهيليوم‏,‏ وبعض مركبات الكبريت‏.‏
وكل من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق أساسي لوجود الحياة الأرضية‏,‏ ومهم للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها‏,‏ فعندما تهتز أحبالنا الصوتية تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر علي هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات من حولنا‏,‏ فتتلقي طبلة الأذن لأفراد آخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها بوضوح‏,‏ ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع بعضنا بعضا و لاستحالت الحياة‏.‏
فالصوت لا ينتقل في الفراغ‏,‏ وذلك لعدم وجود جزيئات الهواء القادرة علي نقل الموجات الصوتية وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء بسرعة‏1200‏ كيلو متر في الساعة عند مستوي سطح البحر‏,‏ وتزداد سرعة الصوت كلما زادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه‏,‏ وتقل بقلة كثافته‏,‏ ففي الماء تتضاعف سرعة الصوت أربع مرات تقريبا عنها في الهواء‏,‏ وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للأرض تتناقص حتى لا تكاد تسمع‏,‏ ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضا بواسطة الموجات الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلي كثافة من الهواء‏,‏ فإنها ترتد علي هيئة صدي للصوت الذي له العديد من التطبيقات العملية‏.‏
والرجع الاهتزازي للهواء علي هيئة الأصوات وصداها هو أول صورة من صور رجع السماء‏,‏ ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياة علي الأرض‏.‏
‏(2)‏ الرجع المائي‏:‏ يغطي الماء أكثر قليلا من‏71%‏ من المساحة الكلية للكرة الأرضية‏:‏ وتبلغ كميته‏1.36‏ مليار كيلو متر مكعب‏(‏ منها‏97.2%‏ في المحيطات والبحار‏,2.15%‏ علي هيئة جليد حول القطبين وفي قمم الجبال‏,0.65%‏ في المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها‏,‏ وفي كل من البحيرات العذبة وخزانات المياه تحت سطح الأرض‏.‏
وهذا الماء اندفع كله أصلا من جوف الأرض عبر ثورات البراكين‏,‏ وتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية والتي تتميز ببرودتها الشديدة‏,‏ فعاد إلي الأرض ليجري أنهارا علي سطحها‏,‏ ويفيض إلي منخفضاتها‏,‏ ثم بدأ في حركة دائبة بين الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي حفظته من التعفن ومن الضياع إلي طبقات الجو العليا‏.‏
وماء الأرض يتبخر منه سنويا‏380000‏ كيلو متر مكعب أغلبها‏(320000‏ كم‏3)‏ يتبخر من أسطح المحيطات والبحار والباقي‏(60000‏ كم‏3)‏ من سطح اليابسة‏,‏ وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله السحب إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا أو ثلجا أو بردا‏,‏ وبدرجة أقل علي هيئة ندي أو ضباب‏.‏
وحينما ترجع أبخرة المياه من الجو إلي الأرض بعد تكثفها يجري قسم منها في مختلف أنواع المجاري المائية علي اليابسة‏,‏ وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات‏,‏ كما يترشح جزء منها خلال طبقات الأرض ذات النفاذية ليكون المياه تحت السطحية‏,‏ وهناك جزء يعاود تبخره إلي الجو مرة أخري‏.‏
والمياه تحت السطحية ذاتها في حركة دائبة حيث تشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات‏,‏ وقد تخرج إلي سطح الأرض علي هيئة ينابيع‏,‏ أو ينتهي بها المطاف إلي البحار والمحيطات‏.‏
وماء المطر يسقط علي المحيطات والبحار بمعدل‏284000‏ كيلو متر مكعب في السنة‏,‏ وعلي اليابسة بمعدل‏96000‏ كيلو متر مكعب في السنة وذلك في دورة معجزة في كمالها ودقتها‏,‏ ومن صور ذلك أن ما يتبخر من أسطح المحيطات والبحار في السنة يفوق مايسقط فوقها وأن ما يسقط من مطر علي اليابسة سنويا يفوق مايتبخر منها والفارق في الحالتين متساو تماما فيفيض إلي البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوي ثابت في الفترة الزمنية الواحدة‏.‏
هذه الدورة المعجزة للمياه حول الأرض هي الصورة الثانية من صور رجع السماء‏,‏ ولولاها لفسد كل ماء الأرض‏,‏ ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار‏,‏ ولبرودة شديدة بالليل
‏(3)‏ الرجع الحراري إلي الأرض وعنها إلي الفضاء بواسطة السحب‏.‏
يصل إلي الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من طاقة الشمس‏,‏ ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء النهار‏,‏ كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت‏.‏
فذرات وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة الشمسية في كل الاتجاهات‏.‏
ومن الأشعة الشمسية القادمة إلي الأرض يمتص ويشتت ويعاد إشعاع‏53%‏ منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض‏,‏ وتمتص صخور وتربة الأرض‏47%‏ منها‏,‏ ولولا هذا الرجع الحراري إلي الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور الحياة علي الأرض‏,‏ ولبخرت الماء وخلخلت الهواء‏.‏
وعلي النقيض من ذلك فإن السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف هي التي ترد إلينا أشعة الدفء بمجرد غروب الشمس‏(98%)‏ فصخور الأرض تدفأ أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص‏47%‏ من أشعتها فتصل درجة حرارتها الي‏15‏ درجة مئوية في المتوسط وبمجرد غياب الشمس تبدأ صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها علي هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء التي تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للأرض‏,‏ كما تعمل السحب علي إرجاع غالبية الموجات الطويلة‏(98%)‏ إلي سطح الأرض وبذلك تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس‏.‏
ولو لم يكن للأرض غلاف غازي لتشتتت هذه الحرارة إلي فسحة الكون وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم بمجرد غياب الشمس‏.‏
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلي الخارج وإلي الداخل مما يحقق صفة الرجع لسماء الأرض‏.‏
‏(4)‏ رجع الغازات والأبخرة والغبار المرتفع من سطح الأرض‏:‏ عندما تثور البراكين تدفع: بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة والأتربة إلي جو الأرض الذي سرعان مايرجع ذلك إلي الأرض‏,‏ كذلك يؤدي تكون المنخفضات والمرتفعات الجوية إلي دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي يتحكم في هبوبها‏(‏ بعد إرادة الله تعالى‏)‏ عدة عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط الجوي في منطقتين متجاورتين‏,‏ ومنها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق‏,‏ ومنها تنوع تضاريس الأرض والموقع الجغرافي للمنطقة‏.‏
والغالبية العظمي من المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض‏(‏ أي من الغرب إلي الشرق‏)‏ بسرعات تتراوح بين‏20‏ و‏30‏ كيلو مترا في الساعة وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك بها فتبطؤ حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض‏,‏ وإذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة فإنه يصطدم بها مما يزيد علي إبطاء سرعتها ويقوي من حركة صعود الهواء إلي أعلي‏,‏ ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع إلي واحد من ألف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر إذا وصلنا إلي ارتفاع‏48‏ كيلو مترا فوق ذلك السطح‏,‏ وإلي واحد من مائة الف من الضغط الجوي إذا وصلنا إلي ارتفاع ألف كيلو متر فوق سطح البحر فإن قدرة الهواء علي الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلي رجوعه إلي الأرض وإعادة توزيعه علي سطحها بحكمة بالغة‏,‏ وتعين علي ذلك الجاذبية الأرضية‏.‏
‏(5)‏ رجع الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون‏:‏
تقوم طبقة الأوزون في قاعدة نطاق التطبق بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون‏(‏ أ‏3)‏ وترد نسبا كبيرة منها إلي خارج ذلك النطاق‏.‏
‏(6)‏ رجع الإشارات الراديوية بواسطة النطاق المتأين‏:‏
في النطاق المتأين‏(‏ بين‏100‏ و‏400‏ كم فوق مستوي سطح البحر‏)‏ تمتص الغوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس من مثل الأشعة السينية فتؤدي إلي رفع درجة الحرارة وزيادة التأين‏,‏ ونظرا لانتشار الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس الإشارات الراديوية‏(‏ ذات الأمواج الطويلة‏)‏ وتردها إلي الأرض فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات الراديوية وكلها تمثل صورا من الرجع إلي الأرض‏.‏
‏(7)‏ رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض‏:‏
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها‏,‏ إلي الخارج كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض فلا يصل الي سطح الأرض منها شيء ولكنها تؤدي إلي تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فتؤدي إلي عدد من ظواهر التوهج والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي‏.‏
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين‏,‏ وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي‏,‏ ويؤدي ذلك إلي رد المزيد من الأشعة الكونية القادمة إلي خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض وهي صورة من صور الرجع‏.‏
هذه الصور المتعددة لرجع الغلاف الغازي للأرض لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ووصف السماء بأنها ذات رجع في القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هو شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق وأن سيدنا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم أنبياء الله ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ وانه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏

المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار .

عمروعبده 22-02-2011 06:22 AM

و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس

وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏



قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25).
سورة الحديد سورة مدنية‏,‏ وهي السورة الوحيدة من سور القرآن الكريم التي تحمل أسم عنصر من العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها مائة وخمسة عناصر‏;‏ ويعجب القارئ للقرآن لاختيار هذا العنصر بالذات اسما لهذه السورة التي تدور حول قضية إنزاله من السماء‏,‏ وبأسه الشديد‏,‏ ومنافعه للناس‏.....!!‏
وتبدأ السورة الكريمة بتأكيد أن كل ما في السماوات والأرض خاضع بالعبودية لله‏,‏ مسبح بحمده‏,‏ منزه له عن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ لأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو العزيز الحكيم‏,‏ الذي له ملك السماوات والأرض‏,‏ الذي يحيي ويميت وهو علي كل شيء قدير‏;‏ وتواصل الآيات مزيدا من صفات هذا الخالق العظيم فهو الأول بلا بداية‏,‏ والآخر بلا نهاية‏,‏ والظاهر فليس فوقه شيء‏,‏ والباطن فليس دونه شيء‏,‏ وهو العليم بكل شيء‏,‏ فلا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء‏;‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش استواء يليق بجلاله‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه‏)‏ يعلم مايلج في الأرض‏,‏ وما يخرج منها‏,‏ وما ينزل من السماء‏,‏ ومايعرج فيها‏,‏ وأنه مع جميع خلقه أينما كانوا‏,‏ وفي أي زمان كانوا‏,‏ فلا الزمان ولا المكان يقف عائقا أمام قدرة الله‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ مطلع علي جميع خلقه‏,‏ بصير بما يعملون‏,‏ وهو الذي له ملك السماوات والأرض‏,‏ الذي إليه ترجع الأمور‏,‏ وأن من الدلائل علي طلاقة قدرته أنه‏(‏ تعالي‏)‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ عليم بذات الصدور‏,‏ فالكون كله خاضع لإرادته‏(‏ تعالي‏)‏ فهو خالقه ومبدعه‏,‏ والمتصرف فيه بما يشاء‏,‏ وهذه الصفات العليا من خصائص الإله الواحد الأحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ فلا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ فهو رب كل شيء ومليكه‏,‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏,‏ المسيطر سيطرة مطلقة علي الوجود كله بكل ما فيه‏,‏ ومن فيه‏,‏ فكل شيء بيديه‏,‏ وكل شيء راجع إليه‏,‏ لا يخفى شيء عن علمه‏,‏ ولا يخرج شيء عن أمره‏,‏ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏....!!‏
ثم تتحرك الآيات بعد ذلك في إيقاع رقيق يخاطب جماعة المؤمنين‏,‏ وتدعوهم إلي تجسيد إيمانهم بالله ورسوله في بذل الأموال والمهج والأرواح دفاعا عن هذا الدين‏,‏ وإلي الإنفاق مما جعلوا مستخلفين فيه حتى ينالوا الأجر الكبير من رب العالمين‏,‏ فالذي يفعل ذلك كأنما يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة وله أجر كريم‏,‏ وبالإضافة إلي عمومية الدعوة إلي تلك الحقيقة‏,‏ فهي تذكرة دائمة لجماعة المؤمنين بما بذله السابقون من المهاجرين والأنصار في سبيل الله‏,‏ حتى يتأسوا بهم في التجرد الكامل‏,‏ والإخلاص الصادق لدين الله‏,‏ والبذل والتضحية بالأموال والأنفس من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض فلا تشدهم الحياة الدنيا عن الجهاد في سبيل الله مهما تكن المغريات‏,‏ ومهما تكن العوائق‏.....!!‏
وبعد ذلك تعرض الآيات لحال كل من المؤمنين والمؤمنات في جانب‏,‏ والمنافقين والمنافقات في جانب آخر يوم العرض الأكبر‏,‏ وشتان مابين الحالين‏.‏

وتتساءل الآيات عن إمكان أن يكون الوقت قد حان لكي تخشع قلوب المؤمنين لذكر الله‏,‏ وما أنزل من الحق علي خاتم أنبيائه ورسله حتى لايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون‏.‏
وتؤكد الآيات بعد ذلك مرحلية الحياة الدنيا‏,‏ وأنها ليست إلا متاع الغرور‏,‏ فلا يجوز لعاقل أن ينخدع بها‏,‏ ويفني عمره في خدمتها‏,‏ لاهيا عن الآخرة وهي دار القرار‏,‏ ولذلك تنادي الآيات بالمسارعة إلي طلب المغفرة من الله‏,‏ وإلي العمل المخلص الدءوب من أجل الفوز بالجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله‏;‏ وتضيف الآيات أن كل خطب جلل نزل بالأرض أو بالأنفس مدون في كتاب الله من قبل وقوعه‏,‏ وأن ذلك علي الله يسير‏,‏ كي ترضي كل نفسي مؤمنة بقدر الله ـ خيره وشره ـ وتؤمن أن فيه الخير كل الخير‏,‏ فلا تبطر عند مسرة‏,‏ لأن الله تعالي لا يحب كل مختال فخور‏,‏ ولا تجزع عند مضرة لإيمانها بأن ذلك قدر مقسوم‏,‏ وأجل محتوم‏,‏ وأنه لا ملجأ ولا منجي من الله إلا إليه‏....!!‏

وتنعي الآيات علي الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل‏,‏ لأن الله تعالي كريم يحب كل كريم‏,‏ ومن يتول عن منهج الله فإن الله هو الغني الحميد‏.‏
وبعد هذه المقدمة الطويلة يأتي قلب السورة وسر تسميتها في الآية التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

‏(‏لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز‏*)‏
ثم تأتي الآيات الأربع الأخيرة في السورة لتعرض خط سير رسالة الهداية الربانية‏,‏ وتاريخ هذا الدين ـ دين الإسلام الذي علمه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لأبينا آدم عليه السلام‏,‏ وأنزله علي فترة من الرسل من لدن نبي الله نوح‏(‏ عليه السلام‏)‏ إلي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله‏(‏ عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏),‏ والذي لايرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه بعد أن أكمله‏,‏ وأتمه‏,‏ وحفظه في بعثة هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه أجمعين‏),‏ وأشارت الآيات إلي حال بعض من أهل الكتاب ومنهم أتباع نبي الله عيسي‏(‏ عليه السلام‏),‏ واختتمت السورة بالدعوة إلي الإيمان بالنبي الخاتم والرسول الخاتم‏,‏ ففي ذلك دخول في رحمة الله‏,‏ وفي نوره ومغفرته‏,‏ وهو سبحانه صاحب الفضل العظيم‏,‏ والمنن العديدة التي يمن بها علي من يشاء من عباده‏.‏
والآية الكريمة التي نحن بصددها تؤكد أن الحديد قد أنزل إنزالا كما أنزلت جميع صور الوحي السماوي‏,‏ وأنه يمتاز ببأسه الشديد‏,‏ وبمنافعه العديدة للناس‏,‏ وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلي إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين‏.‏
وهنا يبرز التساؤل‏:‏ كيف أنزل الحديد؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟ وقبل الإجابة علي تلك الأسئلة لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة‏,‏ وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر‏(‏ الحديد‏)‏ في كتاب الله‏(‏ تعالي‏).‏

الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة
‏(‏النزول‏)‏ في الأصل هو هبوط من علو‏,‏ يقال في اللغة‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ نزل‏),(‏ ينزل‏)(‏ نزولا‏),‏ و‏(‏منزلا‏)‏ بمعني حل‏,‏ يحل‏,‏ حلولا‏;‏ والمنزل بفتح الميم والزاي هو‏(‏ النزول‏)‏ وهو الحلول‏,‏ و‏(‏نزل‏)‏ عن دابته بمعني هبط من عليها‏,‏ و‏(‏نزل‏)‏ في مكان كذا أي حط رحله فيه‏,‏ و‏(‏النزيل‏)‏ هو الضيف‏.‏
ويقال‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ أنزله‏)‏ غيره بمعني أضافه أو هبط به‏;‏ و‏(‏استنزله‏)‏ بمعني‏(‏ نزله تنزيلا‏),‏ و‏(‏التنزيل‏)‏ ايضا هو القرآن الكريم‏,‏ وهو‏(‏ الإنزال المفرق‏),‏ وهو الترتيب‏;‏ وعلي ذلك فإن الإنزال أعم من التنزيل‏;‏ و‏(‏التنزل‏)‏ هو‏(‏ النزول في مهلة‏),‏ و‏(‏النزل‏)‏ هو ما يهيأ‏(‏ للنزيل‏)‏ أي مايعد‏(‏ للنازل‏)‏ من المكان‏,‏ والفراش‏,‏ والزاد‏,‏ والجمع‏(‏ انزال‏);‏ وهو أيضا الحظ والريع‏,‏و‏(‏النزل‏)‏ بفتحتىن‏,‏ و‏(‏المنزل‏)‏ الدار والمنهل‏(‏ أي المورد الذي ينتهل منه لأن به‏(‏ ماء‏)‏ أو هو عين ماء ترده الإبل في المراعي‏,‏ وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق‏(‏ السفار‏);‏ و‏(‏المنزلة‏)‏ مثله‏,‏ أو هي الرتبة أو المرتبة‏;‏ و‏(‏المنزلة‏)‏ لاتجمع‏.‏
ويقال استنزل فلان‏(‏ بضم التاء وكسر الزاي‏)‏ أي حط عن مرتبته‏,‏ و‏(‏المنزل‏)‏ بضم الميم وفتح الزاي‏(‏ الإنزال‏),‏ نقول‏:'‏ رب أنزلني‏(‏ منزلا‏)‏ مباركا‏,‏ وأنت خير‏(‏ المنزلين‏)*';‏ و‏(‏إنزال‏)‏ الله‏(‏ تعالي‏)‏ نعمه ونقمه علي الخلق هو إعطاؤهم إياها‏,‏ وقال المفسرون في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ ولقد رآه نزلة أخري‏)‏ إن‏(‏ نزلة‏)‏ هنا تعني مرة أخري‏.‏
وفي قوله‏(‏ تعالي‏)'‏ جنات الفردوس نزلا‏'‏ قال الأخفش‏:‏ هو من‏(‏ نزول‏)‏ الناس بعضهم علي بعض‏,‏ يقال‏:‏ ماوجدنا عندك نزلا‏;‏ و‏(‏النازلة‏):‏ الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس‏,‏ وجمعها‏(‏ نوازل‏);‏ و‏(‏النزال‏)‏ في الحرب‏(‏ المنازلة‏);‏ و‏(‏النزلة هي الزكمة من الزكام‏,‏ يقال به‏(‏ نزلة‏),‏ وقد نزل بضم النون‏.‏

الحديد في القرآن الكريم
ورد ذكر الحديد في كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في ست آيات متفرقات علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ قل كونوا حجارة أو حديدا‏*‏ ‏(‏ الإسراء‏:50)‏

‏(2)‏ آتوني زبر الحديد‏.....*(‏ الكهف‏:96)‏
‏(3)‏ ولهم مقامع من حديد‏*(‏ الحج‏:21)‏
‏(4):..‏ وألنا له الحديد‏*(‏ سبأ‏:10)‏
‏(5)‏ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد‏*.(‏ ق‏:22)‏
‏(6)..‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏..*(‏ الحديد‏:25)‏
وكلها تشير إلي عنصرالحديد ماعدا آية سورة ق والتي جاءت لفظة‏(‏ حديد‏)‏ فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني أنه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا‏.‏

شروح المفسرين للآية الكريمة
ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏*.‏
أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه‏,‏ ولهذا أقام رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحي إليه السور المكية‏,‏ وكلها جدال مع المشركين‏,‏ وبيان وإيضاح للتوحيد‏,‏ وبيناته ودلالاته‏,‏ فلما قامت الحجة علي من خالف‏,‏ شرع الله الهجرة‏,‏ وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب‏,‏ وقد روي الإمام أحمد‏,‏ عن ابن عمر قال‏..‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له‏,‏ وجعل رزقي تحت ظل رمحي‏,‏ وجعل الذلة والصغار علي من خالف أمري‏,‏ ومن تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ ولهذا قال تعالي‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ فيه بأس شديد‏)‏ يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها‏(‏ ومنافع للناس‏)‏ أي في معايشهم كالسكة والفأس والمنشار والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ وغير ذلك‏..‏ وقوله تعالي‏(‏ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب‏)‏ أي من نيته في حمل السلاح نصرة لله ورسوله‏(‏ إن الله قوي عزيز‏)‏ أي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتىاج منه إلي الناس‏,‏ وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض‏.‏
وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ في تفسير هذه الآية الكريمة مانصه‏:‏ لقد أرسلنا رسلنا الملائكة إلي الأنبياء‏(‏ بالبينات‏)‏ بالحجج القواطع‏(‏ وأنزلنا معهم الكتاب‏)‏ بمعني الكتب ـو‏(‏الميزان‏)‏ العدل‏,(‏ ليقوم الناس بالقسط‏(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ أي أنشأناه‏,‏ وخلقناه‏,‏ لقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ أي خلق‏,‏ وقيل‏:‏ أخرجناه من المعادن‏,(‏ فيه بأس شديد‏)‏ يعني السلاح‏,‏ يقاتل به من أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه‏,(‏ ومنافع للناس‏)‏ في معايشهم كالفأس والمنشار وسائر الأدوات والآلات‏,(‏ وليعلم الله‏)‏ علم مشاهدة‏,‏ معطوف علي‏(‏ ليقوم الناس‏)(‏ من ينصره‏)‏ بأن ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره‏(‏ ورسله بالغيب‏)‏ حال من هاء‏(‏ ينصره‏)‏ أي غائبا عنهم في الدنيا‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ ينصرونه ولايبصرونه‏(‏ إن الله قوي عزيز‏)‏ لاحاجة له إلي النصرة لكنها تنفع من يأتي بها‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏):‏ وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة‏,‏ يعرض باختصار خط سير الرسالة‏,‏ وتاريخ هذه العقيدة من لدن نوح وإبراهيم‏,‏ مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس‏,‏ ملما بحال أهل الكتاب‏,‏ وأتباع عيسي ـ عليه السلام ـ بصفة خاصة‏..‏ فالرسالة واحدة في جوهرها‏,‏ جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها‏,‏ ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق‏..‏ والنص يقول‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ وأنزلنا معهم الكتاب‏)‏ بوصفهم وحدة‏,‏ وبوصف الكتاب وحدة كذلك‏,‏ إشارة إلي وحدة الرسالة في جوهرها‏.‏
‏(‏والميزان‏)..‏ مع الكتاب‏,‏ فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض‏,‏ وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية‏..‏ ميزانا لايحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع‏,‏ ولايحيف علي أحد لأن الله رب الجميع‏.‏
فلابد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر‏..(‏ ليقوم الناس بالقسط‏)!‏
‏(‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏,‏ وليعلم الله من ينصره‏,‏ ورسله بالغيب‏)‏ والتعبير بـ‏(‏ أنزلنا الحديد‏)‏ كالتعبير في موضع آخر بقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ كلاهما يشير إلي إرادة الله وتقديره في خلق الأشياء والأحداث‏...‏ أنزل الله الحديد‏(‏ فيه بأس شديد‏)‏ وهو قوة الحرب والسلم‏(‏ ومنافع للناس‏)‏ وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم علي الحديد‏(‏ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب‏)‏ وهي إشارة إلي الجهاد بالسلاح‏,‏ تجيء في موضعها من السورة التي تتحدث عن بذل النفس والمال‏.‏
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب‏,‏ عقب علي هذا بإيضاح معني نصرهم لله ورسله‏,‏ فهو نصر لمنهجه ودعوته‏,‏ أما الله سبحانه فلا يحتاج منهم إلي نصر‏:‏ إن الله قوي عزيز‏..‏
وذكر صاحب ـ‏(‏صفوة البيان لمعاني القرآن‏):..‏ و‏(‏أنزلنا الحديد‏)‏ أي خلقناه لكم‏,‏ كقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ أي هيأناه لكم‏,‏ وأنعمنا به عليكم‏,‏ وعلمناكم استخراجه من الأرض وصنعته بإلهامنا‏,(‏ فيه بأس شديد‏)‏ أي فيه قوة وشدة‏,‏ فمنه جنة وسلاح‏,‏ وآلات للحرب وغيرها‏,‏ وفي الآية إشارة إلي احتىاج الكتاب والميزان إلي القائم بالسيف‏,‏ ليحصل القيام بالقسط‏,(‏ ومنافع للناس‏)‏ في معاشهم ومصالحهم‏,‏ وما من صنعة إلا والحديد آلتها‏,‏ كما هو مشاهد‏,‏ فالمنة به عظمي‏...‏
وقال صاحب‏(‏ صفوة التفاسير‏)http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد‏)‏ أي وخلقنا وأوجدنا الحديد فيه باس شديد‏,‏ لأن آلات الحرب تتخذ منه‏,‏ كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس أي وفيه منافع كثيرة للناس كسكك الحراثة والسكين والفأس وغير ذلك‏,‏ وما من صناعة إلا والحديد آلة فيها‏,‏ قال أبوحيان‏:‏ وعبر تعالي عن إيجاده بالإنزال كما قال‏http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها‏,‏ وأراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور‏.‏
وذكر أصحاب‏(‏ المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏)‏ مانصه‏:‏ لقد أرسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعة‏,‏ وأنزلنا معهم الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الإنصاف في التعامل‏,‏ ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل‏,‏ وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب‏,‏ ومنافع للناس في السلم‏,‏ يستغلونه في التصنيع‏,‏ لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم‏,‏ وليعلم الله من ينصر دينه‏,‏ وينصر رسله غائبا عنهم إن الله قادربذاته‏,‏ لايفتقر إلي عون أحد‏.‏
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده‏.‏

حديد الأرض في العلوم الكونية
بينما لاتتعدي نسبة الحديد في شمسنا‏0.0037%‏ فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلي‏35,9%‏ من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طنا‏,‏ ويتركز الحديد في قلب الأرض‏,‏ أو مايعرف باسم لب الأرض‏,‏ وتصل نسبة الحديد فيه إلي‏90%‏ ونسبة النيكل‏(‏ وهو من مجموعة الحديد‏)‏ إلي‏9%‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي‏5,6%‏ في قشرة الأرض‏.‏
وإلي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور‏(‏ ولو من قبيل التخيل‏)‏ أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلي الأرض من السماء إنزالا حقيقيا‏!!‏
كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الأرض الصلب ولبها السائل علي هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب‏,‏ ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
لذلك لجأ كل المفسرين للآية الكريمة التي نحن بصددها إلي تفسير‏(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ بمعني الخلق والإيجاد والتقدير والتسخير‏,‏ لأنه لما كانت أوامر الله تعالي وأحكامه تلقي من السماء إلي الأرض جعل الكل نزولا منها‏,‏ وهو صحيح‏,‏ ولكن في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء‏,‏ الفلكية أن الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام‏,‏ والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلي حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام‏,‏ وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني‏,‏ وهي كومة من الرماد فاندفع إلي قلب تلك الكومة بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها‏,‏ ومايزها إلي سبع أرضين‏!!‏ وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا‏,‏ بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالا حقيقيا‏.‏

أولا‏:‏ إنزال الحديد من السماء
في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعا إذ يكون أكثر من‏74%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من‏98%‏ من مادة الجزء المدرك من الكون‏,‏ بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي‏(103)‏ عناصر تكون مجتمعة أقل من‏2%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏وقد أدت هذه الملاحظة إلي الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة‏,.‏ وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلي أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء‏.‏
فشمسنا تتكون أساسا من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية‏,‏ ويتحكم في هذا التفاعل‏(‏ بقدرة الخالق العظيم‏)‏ عاملان هما زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج‏,‏ وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها‏,‏ وباستمرار هذه العملية تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا‏,‏ وبازديادها ينتقل التفاعل إلي المرحلة التالية التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجة نوي ذرات الكربون‏12,‏ ثم الأوكسجين‏16‏ ثم النيون‏20,‏ وهكذا‏.‏
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية‏,‏ وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتى تصل إلي حوالي‏15‏ مليون درجة مئوية‏,‏ يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريبا إلي الهيليوم فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلي مائة مليون درجة مئوية‏,‏ مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقة إلي الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي مكونة عناصر أعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقة كما أعلي من الطاقة‏,‏ ويقدر العلماء أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلي ستمائة مليون درجة مئوية يتحول الكربون إلي صوديوم ومغنيسيوم ونيون‏,‏ ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم‏,‏ والسيليكون‏,‏ والكبريت والفوسفور‏,‏ والكلور‏,‏ والأرجون‏,‏ والبوتاسيوم‏,‏ والكالسيوم علي التوالي‏,‏ مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة حتى تصل إلي ألفي مليون درجة مئوية حين يتحول لب النجم إلي مجموعات التيتانيوم‏,‏ والفاناديوم‏,‏ والكروم‏,‏ والمنجنيز والحديد‏(‏ الحديد والكوبالت والنيكل‏)‏ ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلي درجات حرارة مرتفعة جدا لاتتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم‏,‏ فإنها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء‏,‏ ولكن حين يتحول لب النجم إلي الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلا من إضافة مزيد من الطاقة إليه‏,‏ وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوي العناصر تماسكا‏,‏ وهنا ينفجر النجم علي هيئة مايسمي باسم المستعر الأعظم من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏,‏ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلي هذا الحديد‏,‏ تماما كما تصل النيازك الحديدية إلي أرضنا بملايين الأطنان في كل عام‏.‏
ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لاتتعدي‏0.0037%‏ من كتلتها وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون‏,‏ ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون‏,‏ أو المغنيسيوم‏,‏ فضلا عن الحديد‏,‏ كان من البديهي استنتاج أن كلا من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون‏,‏ وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة‏,‏ ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار‏,‏ وصهرت كومة الرماد ومايزنها إلي سبع أرضين‏:‏ لب صلب علي هيئة كرة ضخمة من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(9%)‏ وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت‏,‏ والفوسفور‏,‏ والكربون‏(1%)‏ يليه إلي الخارج‏,‏ لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا‏,‏ ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي‏31%‏ من مجموع كتلة الأرض‏,‏ ويلي لب الأرض إلي الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق‏,‏ ثم الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وهو مكون من نطاقين‏,‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي‏5,6%‏ في قشرة الأرض وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري‏.‏
من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل‏35,9%‏ من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئة المستعرات العظام فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون ونزلت إلي الأرض علي هيئة وابل من النيازك الحديدية‏,‏ وبذلك أصبح من الثابت علميا أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء‏,‏ وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء‏,‏ وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلي فهمها إلا في أواخر الخمسينيات‏,‏ من القرن العشرين‏,‏ وقد جاء ذكرها في سورة الحديد‏,‏ ولايمكن لعاقل أن يتصور ورودها في القرآن الكريم الذي أنزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين‏,‏ يمكن أن يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي أنزل هذا القرآن بعلمه‏,‏ وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية لتكون شاهدة إلي قيام الساعة بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق‏,‏ وأن سيدنا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ما كان ينطق عن الهوي‏(‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏.‏

ثانيا‏:‏ البأس الشديد للحديد
الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء‏,‏ فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب‏,‏ والفضة‏,‏ والنحاس‏,‏ والرصاص‏,‏ والقصدير والزئبق‏,‏ وهو أكثر العناصر انتشارا في الأرض‏(35,9%)‏ ويوجد أساسا في هيئة مركبات الحديد من مثل أكاسيد‏,‏ وكربونات‏,‏ وكبر يتيدات‏,‏ وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر‏,‏ ولايوجد علي هيئة الحديد النقي إلا في النيازك الحديدية وفي جوف الأرض‏.‏
والحديد عنصر فلزي شديد البأس‏,‏ وهو أكثر العناصر ثباتا وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتونا‏,‏ وثلاثين نيوترونا‏,‏ وستة وعشرين إليكترونا‏,‏ ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلي قدر من طاقة التماسك بين جميع نوي العناصر الأخرى‏,‏ ولذا فهي تحتاج إلي كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها أو للإضافة إليها‏.‏
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلي قدر من الخصائص المغناطيسية‏,‏ والمرونة‏(‏ القابلية للطرق والسحب وللتشكل‏)‏ والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية‏,‏ فالحديد لاينصهر قبل درجة‏1536‏ مئوية‏,‏ ويغلي عند درجة‏3023‏ درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر‏,‏ وتبلغ كثافة الحديد‏7,874‏ جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق‏.‏

ثالثا‏:‏ منافع الحديد للناس
للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله‏,‏ ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب‏,‏ ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض‏,‏ وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض‏,‏ وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية ومن العديد من أشعات الشمس الضارة‏,‏ ومن ملايين الأطنان من النيازك‏,‏ ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء‏,‏ والأوكسجين‏,‏ وثاني أكسيد الكربون‏,‏ والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران‏.‏
والحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات‏(‏ الكلوروفيل‏)‏ وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات‏,‏ ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار‏,‏ والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلي أنسجة ودماء كل من الانسان والحيوان‏,‏ وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلي روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية‏,‏ وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها‏,‏ وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلي مختلف صور الطاقة المعروفة‏(‏ القش‏,‏ والحطب‏,‏ والفحم النباتي‏,‏ والفحم الحجري‏,‏ والغاز الفحمي والنفط‏,‏ والغاز الطبيعي وغيرها‏),‏ والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية‏(‏ الصبغيات‏)‏ كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة‏,‏ وهو أحد مكونات الهيموجلوبين وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء‏,‏ ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها‏.‏ ويوجد في كل من الكبد‏,‏ والطحال والكلي‏,‏ والعضلات والنخاع الأحمر‏,‏ ويحتاج الكائن الحي إلي قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد‏.‏

العلاقة بين رقم سورة الحديد في المصحف الشريف ورقم الآية في السورة بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي
للحديد ثلاثة نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي‏57,56,54‏ ولكن أكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري‏56(55,847).‏
ومن الغريب أن رقم سورة الحديد في المصحف الشريف هو‏57,‏ وهو يتفق مع الوزن الذري لأحد نظائر الحديد‏,‏ ولكن القرآن الكريم يخاطب المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في سورة الحجر بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم‏(‏ الحجر‏:87)‏
وواضح من هذه الآية الكريمة أن القرآن الكريم بنصه يفصل فاتحة الكتاب عن بقية القرآن الكريم‏,‏ وبذلك يصبح رقم سورة الحديد‏(56)‏ وهو الوزن الذري لأكثر نظائر الحديد شيوعا في الأرض‏,‏ كذلك وصف سورة الفاتحة بالسبع المثاني وآياتها ست يؤكد أن البسملة آية منها‏(‏ ومن كل سورة من سور القرآن الكريم ذكرت في مقدمتها‏,‏ وقد ذكرت في مقدمة كل سور القرآن الكريم ماعدا سورة‏(‏ التوبة‏)‏ وعلي ذلك فإذا أضفنا البسملة في مطلع سورة الحديد إلي رقم آية الحديد وهو‏(25)‏ أصبح رقم الآية‏(26)‏ وهو نفس العدد الذري للحديد‏,‏ ولايمكن أن يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفة لأنها لايمكن أن تؤدي إلي هذا التوافق المبهر في دقته‏,‏ وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقرآن الكريم‏.‏
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا‏*‏ ‏(‏النساء‏:166)‏
وقوله تعالي (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )‏(‏النساء‏82)‏

المصدر : بحث علمي للدكتور زغلول النجار على شبكة الإنترنت

عمروعبده 22-02-2011 06:29 AM

المبدأ الأساسي في دراسة الكون

المبدأ الأساسي في دراسة الكون




قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20) .

و هذه الآية الكريمة تشير في إيجاز جامع إلى ما يلي :

ـ السير في الأرض سوف يدلنا على بداية الخلق .

ـ التعبير القرآني بالسير في الأرض يشير إلى البحث في الطبقات الجيولوجية للأرض لنتعرف على نشأة الأرض ونشأة المملكة النباتية والحيوانية بها بل وعلى الجيولوجيـا يعتمد على مبـدأ الجيولوجي هاتـون الذي قرر في القرن الثاني عشر أن :

" الحاضر مفتاح الماضي " : لأن البحث في صخور الأرض يمكننا من عمل نتيجة زمنية تبين مقياس الحقب الجيولوجية القديمة، وحصل هاتون على لقب لورد لإعلانه هذا المبدأ العلمي الذي أشارت إليه آية العنكبوت 20، قبل نشأة الجيولوجيا بأكثر من ألف عام .

قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (العنكبوت:19).

قال تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20) .

المصدر:

كتاب الكون والإعجاز العلمي في القرِآن د. منصور حسب النبي

عمروعبده 22-02-2011 06:54 AM

خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير

خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير

في حلتها القياسية، تفترض نظرية الانفجار الكبير أن كل أجزاء الكون بدأت بالتمدد آنياً، ولكن كيف استطاعت كل الأجزاء المختلفة للكون أن تتواقت في بداية تمددها ؟ من الذي أعطى ذلك الأمر ؟

أندري ليندي أستاذ علم الكون [1]

قبل قرن مضى كان خلق الكون مفهوماً غامضاً ومهملاً لدى الفلكيين، والسبب في ذلك هو القبول العام لفكرة أن الكون أزلي في القدم وموجود منذ زمن لا نهائي وبفحص الكون افترض العلماء أنه كان مزيجاً من مادة ما ويظن أنها لم تكن ذات بداية، كما أنه لا توجد لحظة خلق . تلك اللحظة التي أتى فيها الكون وكل شيء للوجود .

تتلاءم هذه الفكرة وهي " سرمدية الوجود " تماماً مع الأفكار الأوربية المقتبسة من الفلسفة المادية، وهذه الفلسفة نمت وتقدمت أصلاً في العالم الإغريقي القديم .

و تضمنت أن المادة كانت الشيء الوحيد الموجود في الكون، وأن الكون وجد في الزمن اللانهائي، وسوف يبقى إلى الأبد.

هذه الفلسفة عاشت في أشكال مختلفة خلال الأزمنة الرومانية، لكن في فترة الإمبراطورية الرومانية القريبة والعصور الوسطى صارت المادية تنحدر نتيجة تأثير الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة المسيحية علي يد رينايسانس ثم بدأت تجد قبولاً واسعاً بين علماء أوروبا ومثقفيها، وكان سبب ذلك الاتساع هو الحب الشديد للفلسفة الإغريقية القديمة .

ثم ما لبث الفيلسوف ( إيمانويل كانت ) في عصر النهضة الأوربية أن أعاد مزاعم المادية ودافع عنها، وأعلن ( كانت ) أن الكون موجود في كل الأزمان، وأن كل احتمالية ( إن كانت موجودة ) فسوف ينظر إليها على أنها ممكنة .

و استمر أتباع ( كانت ) في الدفاع عن فكرته في أن الكون لا نهائي ومتماشٍ مع النظرية المادية، ومع بداية القرن التاسع عشر صارت فكرة أزلية الكون وعدم وجود لحظة لبدايته مقبولة بشكل واسع، وتم نقل تلك الفكرة إلى القرن العشرين من خلال أعمال الماديين الجدليين من أمثال ( كارل ماركس) و( فريدريك أنجلز ) .

تتلاءم هذه الفكرة عن الكون اللامتناهي تماماً مع الإلحاد، وليس من الصعب معرفة السبب لأن فكرة أن للكون بداية تقتضي أنه مخلوق، وطبعاً هذا يتطلب الإقرار بوجود خالق وهو الله، لذلك كان من المريح جداً وأكثر سلامة بأن يدار العرض بطريقة خادعة فتوضع أولاً فكرة أن " الكون موجود سرمدي " حتى ولو لم يكن هناك قاعدة علمية ولو كانت ضعيفة لتأكيد تلك الفكرة .

أعتنق ( جورج بوليتزر ) تلك الفكرة ودافع عنها في كتبة المنشورة في أوائل القرن العشرين، وكان النصير الغيور لكلا النظريتين الماركسية والمادية، وآمن بفكرة الكون اللامتناهي وعارض بولتزر فكرة الخلق في كتابه " المبادئ الأساسية في الفلسفة " حيث كتب :

" الكون ليس شيئاً مخلوقاً، فإذا كان كذلك فهذا يقتضي أنه خلق في لحظة ما من قبل إله، وبالتالي ظهر إلى الوجود من لا شيء، ولقبول الخلق يجب على الإنسان أن يقبل في المقام الأول أنه كانت توجد لحظة لم يكن فيها الكون موجوداً، ثم انبثق شيء من العدم، وهذا أمر لا يمكن للعلم أن يقبل به" .

كان بوليتزر يتصور أن العلم يقف إلى جانبه في رفضه لفكرة الخلق ودفاعه عن فكرة الكون السرمدي، بيد أنه لم يمض زمن طويل حتى أثبت العلم الحقيقة التي افترضها بوليتزر بقوله " .. وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي القبول بفكرة الخالق .." بمعنى أنه أثبت حقيقة أن للكون بداية .

تمدد الكون واكتشاف الانفجار الكبير :

كانت الأعوام التي تلت 1920هامة في تطور علم الفلك الحديث، ففي عام 1922 كشف الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان حسابات بين فيها أن تركيب الكون ليس ساكناً . حتى أن أصغر اندفاع فيه ربما كان كافياً ليسبب تمدد التركيب بأكمله أو لتقلصه وذلك طبقاً لنظرية أينشتاين في النسبية .

وكان جروج لوميتر أول من أدرك أهمية الأعمال التي كان فريدمان يقوم بها وبناء على تلك الحسابات أعلن الفلكي البلجيكي لوميتر أن للكون بداية، وأنه في تمدد متواصل، وصرح أيضاً أن معدل الإشعاع يمكن استخدامه كمقياس عقب حدوث ذلك الشيء .

لم تحض التأملات النظرية لهذين العالمين في تلك الفترة باهتمام يذكر، غير أن الأدلة التي نتجت عن الملاحظات العلمية في عام 1929كان لها وقع الصاعقة في دنيا العلم، ففي ذلك العام توصل الفكي الأمريكي الذي يعمل في مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا إلى واحد من أعظم الاكتشافات في تاريخ علم الفلك .

فمن رصد لعدد من النجوم من خلال تلسكوبه العملاق اكتشف أن ضوءها كان منحرفاً نحو الطرف الأحمر من الطيف وبشكل حاسم، وأن ذلك الانحراف كان مرتبطاً مباشرة مع بعد النجوم عن الأرض، وهذا الاكتشاف هز قواعد المفهوم الذي كان شائعاً للكون .

وفق القوانين الفيزيائية المميّزة إن أطياف الحزم الضوئية المسافرة نحو نقطة الرصد تميل نحو الطرف البنفسجي من الطيف، بينما أطياف حزم الضوء المسافرة بعيداً عن نقطة الرصد تميل نحو الأحمر، تماماً مثل صوت صفارة القطار أثناء حركته بعيداً عن الرصد فإن ذلك الصوت يكون خشناً غليظاً أما إذا كان القطار مقترباً فإن الصوت المسموع يكون حاداً ورفيعاً .

و قد أظهرت أرصاد هابل وفق هذا المبدأ أن الأجرام السماوية تتحرك بعيداً عنا، وبعد فترة وجيزة توصل هابل إلى اكتشاف آخر مهم، وهو أن النجوم لم تكن تتباعد عن الأرض بل كانت تتباعد عن بعضها البعض أيضاً، والاستنتاج الوحيد لتلك الظاهرة هو أن كل شيء في الكون يتحرك بعيداً عن كل شيء فيه، وبالتالي فالكون يتمدد بانتظام وتؤدة .
و جد هابل دليلاً رصدياً لشيء ما كان جورج لوميتر تنبأ به قبل فترة قصيرة من الزمن، وأحد أعظم عقول عصرنا كان قد ميز ذلك الأمر قبل خمس عشرة سنة بعده، ففي عام 1915 استنتج العالم ألبرت أنشتاين أن الكون لا يمكن أن يكون ساكناً لأن حساباته المبنية على نظريته المكتشفة حديثاً وهي النسبية تشير إلى ذلك …

( وهكذا تحققت استنتاجات فريدمان ولوميتر) ولقد صدم أنيشتاين ذاته باكتشافاته فأضاف ثابتاً كونياً لمعادلاته لكي يجعل إجاباتها الناتجة عنها صحيحة، لأن الفلكيين أكدوا له أن الكون ثابت وأنه لا توجد طريقة أخرى لجعل معادلاته تتطابق مع مثل ذلك النموذج، وبعد سنوات اعترف أنيشتاين أن ذلك الثابت الكوني الذي أضافه كان أكبر خطأ ارتكبه في أعماله .

لقد قاد اكتشاف هابل لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم إذا عدنا إلى الخلف أكثر ( لمدى بعيد )، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات الحجم الصفر، وهذا الانفجار الذي وقع سمي بالانفجار الكبير .

توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن الكون لا أول له ولا آخر .

فرضية الحالة الثابتة :

سرعان ما اكتسبت نظرية الانفجار الكبير قبولاً واسعاً في الأوساط العلمية بسبب الدليل الواضح القاطع لها، ومع ذلك فإن الفلكيين الذين فضوا المادية وتشيعوا لفكرة الكون اللامتناهي والتي يبدو أن المادية تقر بها، صاروا يحملون على الانفجار الكبير ويناضلون ضدها ليدعموا العقيدة الأساسية لمذهبهم الفكرية ( الإيديولوجية ) .

و السبب أوضحه الفلكي الإنكليزي آرثر أدينغتون الذي قال : " فلسفياً : إن فكرة البداية المفاجئة ( المكتشفة ) في النظام الحالي للطبيعة هي بغيضة لي "

فلكي آخر عارض نظرية الانفجار الكبير هو فريد هويل، ففي منتصف القرن العشرين أتى هذا الفلكي ينموذج جديد ودعاه بالحالة الثابتة، وكان امتداداً لفكرة المتضمن أن الكون يتمدد، فافترض هويل وفق هذا النموذج أن الكون كان لامتناه في البعد والزمن، وأثناء التمدد تنبثق فيه مادة جديدة باستمرار من تلقاء نفسها بكمية مضبوطة تجعل الكون في حالة ثابتة . وواضح أن هدفه كان دعم عقيدة وجود المادة في زمن لامتناه والتي هي أساس فلسفة الماديين، وهذه النظرية كانت على خلاف كلي مع نظرية الانفجار الكبير، والتي تدافع عن أن للكون بداية، والذين دعموا نظرية هويل في ثبات الحالة ظلوا يعارضون بصلابة الانفجار الكبير لسنوات عديدة، ومع ذلك فالعلم كان يعمل ضدهم .

انتصار الانفجار الكبير :

في عام 1948 طور العالم جورج كاموف حسابات جورج لوميتر عدة مراحل لأمام وتوصل إلى فكرة جديدة تتعلق بالانفجار الكبير، مفادها أنه إذا كان الكون قد تشكل فجأة فإن الانفجار كان عظيماً ويفترض أن تكون هناك كمية قليلة محددة من الإشعاع تخلفت عن هذا الانفجار والأكثر من ذلك يجب أن يكون متجانساً عبر الكون كله .

خلال عقدين من الزمن كان هناك برهان رصدي قريب لحدس عاموف، ففي عام 1965 قام باحثان هما آرنوبنزياس وروبرت ويلسون بإجراء تجربة تتعلق بالاتصال اللاسلكي وبالصدفة عثر على نوع من الإشعاع لم يلاحظه أحد قبل ذلك وحتى الآن، وسمي ذلك بالإشعاع الخلفي الكوني، وهو لا يشبه أي شيء ويأتي من كل مكان من الكون وتلك صفة غريبة لا طبيعية، فهو لم يكن موجوداً في مكان محدد.

و بدلاً من ذلك كان متوزعاً بالتساوي في كل مكان، وعرف فيما بعد أن ذلك الإشعاع هو صدى الانفجار الكبير، والذي مازال يتردد منذ اللحظات الأولى لذلك الانفجار الكبير .

و بحث غاموف عن تردد ذلك الإشعاع فوجد أنه قريب وله القمية نفسها التي تنبأ بها العلماء، ومنح بنزياس وويلسون جائزة نوبل لاكتشافهم هذا .

في عام 1989 أرسل جورج سموت وفريق عمله في ناسا تابعاً اصطناعياً للفضاء، وسموه مستكشف الإشعاع الخلفي الكوني (cobe) وكانت ثمانية دقائق كافية للتأكد من النتائج التي توصل إليها ك لمن بنزياس وويلسون، وتلك النتائج النهائية الحاسمة قررت وجود شيء ما له شكل كثيف وساخن بقي من الانفجار الذي أتى منه الكون إلى الوجود، وقد قرر العلماء أن ذلك التابع استطاع التقاط وأسر بقايا الانفجار الكبير بنجاح .
و إلى جانب نظرية الانفجار الكبير فثمة دليل آخر مهم يتمثل في كمية غازي الهيدروجين والهليوم في الكون . فقد أشارت الأرصاد أن مزج هذين العنصرين في الكون أتى مطابقاً للحسابات النظرية لما يمكن أن يكون قد بقي منهما بعد الانفجار الكبير، مما أدى لدق إسفين قي قلب نظرية الحالة الثابتة، لأن إذا كان الكون موجوداً وخالداً ولم يكن له بداية فمعنى ذلك أن كل غاز الهيدروجين يجب أن يكون قد احترق وتحول إلى غاز الهليوم .

و بفضل جميع هذه الأدلة كسبت نظرية الانفجار الكبير القبول شبه الكامل من قبل الأوساط العلمية . وفي مقالة صدرت في عام ( 1994) في مجلة ( الأمريكية العلمية ) ذكر أن نموذج الانفجار الكبير هو الوحيد القادر على تعليل تمدد الكون بانتظام، كما أنه يفسر النتائج المشاهدة .
كان دفاع (دنيس سياما) عن نظرية الحالة الثابتة طويلاً مؤيداً في ذلك فريد هويل لكنه عندما واجه دليل الانفجار الكبير وصف ذلك المأزق بقوله : " في البداية كان لي موقف مع هويل لكن عندما بدأ الدليل بالتعاظم كان يجب عليّ أن أقبل بأن المباراة انتهت وأن نظرية الحالة الثابتة يجب أن تلغي " 5

من الذي خلق الكون من لا شيء :

بانتصار الانفجار الكبير فإن دعوى الكون اللامتناهي الذي يشكل أساس العقيدة المادية أصبحت في مهب الريح، لكن الماديين أثاروا سؤالين اثنين وكانا غير ملائمين وهما ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير ؟ وما هي القوة التي سببت الانفجار الأعظم الذي وقع في الكون ولم تكن موجودة قبلاً؟

ماديون آخرون مثل آرثر أدنيغتون أدركوا أن الإجابات على مثل تلك الأسئلة تشير إلى وجود خالق أسمى وهم لا يحبون ذلك . وقد علق الفيلسوف الملحد ( أنطوني فلو) على تلك النقطة بقوله :

" الاعتراض جيد للروح وهذا قول مشهور لذلك سأبدأ بالاعتراف بأنه على الملحد مهما كانت طبقته أن يرتبك من هذا التوافق العلمي الكوني المعاصر، لأنه على ما يبدو أن علماء الكون اليوم يقدمون برهاناً علمياً لما ناضل من أجله ( السيرتوماس ) ولم يستطع البرهان عليه فلسفياً، وبالتحديد الاسمى هو أن للكون بداية، وطالماً أن الفكرية مريحة في عدم وجود بداية أو نهاية للكون .

فيبقى هذا الأمر بشكله الوحشي أسهل للمناقشة، ومهما كانت مظاهر الأساسية فيجب قبولها على أنها قمة التفسيرات، ومع اعتقادي بأن فكرة أن للكون بداية ستبقى صحيحة مع ذلك فهي ليست سهلة ولا مريحة، ونحن بالتأكيد سنحافظ على موقفنا في مواجهة قصة الانفجار الكبير " 6

كثيرون هم العلماء الذين لا يجبرون أنفسهم على أن يقبلوا وجود خالق له قدرة لا نهائية فمثلاً عالم الفيزياء الفلكي الأمريكي (هيوج روس ) يفترض وجود خالق للكون، وهذا الخالق هو فوق كل الأبعاد الفيزيائية وهنا يقول (روس ) مايلي :

" بالتعريف : الزمن هو البعد الذي تحدث فيه ظواهر السبب والتأثير، وأنه بدون زمن لا يوجد سبب وتأثير، وإذا كانت بداية الكون كما تقول نظرية الفضاء والزمن عندئذ يكون سبب الكون هو كينونة عملت في بعد زمني مستقل تماماً ويسبق وجود هذا البعد الزمني للكون .. وهذا يخبرنا بأن بالخالق متعال وخلف نطاق الخبرة والمعرفة، ويعمل من خلف الحدود البعيدة للكون، كما يخبرنا أن الله ليس هو الكون ذاته ولا هو محتوى ضمن الكون "

الاعتراضات على الخلق وفشلها :

من الواضح والمؤكد أن الانفجار الكبير تعني أن خلق الكون كان من لاشيء، وهذا بالتأكيد دليل الخلق المقصود، ومع الأخذ بالحسبان هذه الحقيقة فإن بعض الفلكيين الماديين والفيزيائيين حاول تقديم تفسيرات بديلة ليعارضها، وقد صيغ قول عن نظرية الحالة الثابتة ليدل على صلابتها وتماسكها، وكان ذلك من قبل هؤلاء الذين لم يكونوا مرتاحين لفكرة الخلق من العدم، وهذا القول يتضمن كل الأدلة المناقضة وذلك في محاولة لدعم فلسفتهم المادية .

يوجد عدد من النماذج الأخرى طورها ماديون قبلوا بنظرية الانفجار الكبير، لكنهم حاولوا إبعادها من فكرة الخلق، وأحد تلك النماذج هو "الكون ذو النموذج الكوانتي "، ولنتفحص هذه النظريات ولنفهم لماذا هي غير صالحة ؟.

نموذج الكون الهزاز : طور هذا النموذج من قبل الفلكيين الذين لم تعجبهم فكرة أن الانفجار الكبير كانت بداية الكون، ويقضي ذلك النموذج بأن التمدد الحالي للكون سوف ينعكس أخيراً عند نقطة معينة ويبدأ بالانكماش والتقلص . وهذا الانكماش سوف يسبب انهيار واندماجاً لكل شيء في نقطة واحدة ،ومن ثم تعود تلك النقطة لتنفجر ثانية مستهلة جولة جديدة من التمدد، وكما يقولون فهذه العلمية تتكرر بشكل لا محدود مع الزمن، ويفترض هذا النموذج أن الكون عانى لغاية الآن هذا التحول عدداً لا نهائياَ من المرات، وأن تلك العملية سوف تستمر إلى الأبد، وبكلمة أخرى سيقى الكون سرمدياً خالداً رغم أنه يتمدد وينهار خلال فواصل زمنية مختلفة مع حدوث انفجار هائل يختم كل دورة، والكون الذي نحن فيه هو واحد فقط من هذه الأكوان اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .

هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .

هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللامتناهي، وهذا السيناريوا المقترح من قبلهم لم يتم دعمه بنتائج الأبحاث العلمية التي جرت خلال الـ15 ـ 20 مضت والتي تشير إلى أنه ليس من الممكن لفكرة الكون الهزاز أن تظهر للوجود، والأبعد من ذلك هو أن قوانين الفيزياء لا تقدم أي سبب معقول يدعو لانفجار الكون المتقلص ثانية بعد انهياره في نقطة واحدة ؟ ولماذا لا يجب أن يبقى على ما هو عليه بالضبط بعد الانهيار ؟ كما أنهم لم يقدموا أي تفسير أو سبب يوضح لماذا يجب على الكون أن يبدأ بالتقلص في المكان نفسه .

حتى إذا قبلنا بذلك فإنه يوجد بعض من الآليات والتي تقوم بعملها خلال دورة الانكماش والانفجار والتمدد وهي غير واضحة في هذا النموذج والنقطة الحاسمة في تلك الدورة هو أنها لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد كما يتطلبه هذا النموذج، فقد بينت الحسابات وفقه بأن الكون بأسره سوف ينقل كمية من الأنتروبي إلى وريثه، وبكلمات أخرى فأن كمية الطاقة المفيدة ستصبح أقل من كل مرة، وسيكون كل فتح تالٍ للكون ( الانفجار) أكثر بطأً ومن نقطة أكبر قطراً، وهذا سيولد كوناً أصغر ثم تبدأ المرحلة التالية ... وهكذا، وأخيراً يتلاشى في اللاشيء وحتى لو كانت الأكوان المفتوحة أو المغلقة تستطيع أن تكون موجودة، فإنهم غير قادرين على التحمل حتى يصلوا إلى الخلود والسرمدية، وعند نقطة ما يصبح من الضرورة أن يخلق الشيء من لا شيء 9و هكذا يمكننا القول باختصار ما يلي : إن نموذج الكون الهزاز هو مجرد خيال جامح لا أمل فيه، وحقيقته الفيزيائية غير ممكنة .

النموذج الكوانتي للكون :

هو محاولة أخرى لتنظيف الانفجار الكبير من متطلبات التخلقية وتخليصها من حقيقة الخلق، وقد بنى الداعمون لهذا النموذج محاولتهم تلك على المشاهدات الكوانتية للفيزياء ما دون الذرية، ففي الفيزياء الكوانتية تمت مشاهدة جسيمات ما دون ذرية وهي تظهر وتختفي تلقائياً في الخلاء، وتعليل تلك المشاهدة هو أن المادة تنشأ عند سوية كوانتية مميزة تخص المادة وتلائمها، وقد حاول بعض الفيزيائيين تفسير أصل المادة من العدم خلال خلق الكون بطريقة مماثلة وعلى أنها حالة مميزة وتخص المادة، وتمثيلها على أنها جزء من قوانين الطبيعة ،ووفق هذا النموذج يفسر كوننا على أنه جسيم ما دون ذري لكنه أكبر حجماً على كل حال هذا القياس المنطقي بالتحديد هو خارج موضوع السؤال، وفي أية حالة لم ينجح هذا النموذج في تفسير كيف أتى الكون إلى الوجود، والكاتب ( وليام كرايج ) مؤلف كتاب " الانفجار الكبير، الإيمان والإلحاد " (The big bang:Theism and Atheism) يفسر ذلك بقوله :

" الخلاء الكوانتي الميكانيكي والذي يقصد به الخلاء الذي يتم فيه توليد الجسيمات المادية هو معنى بعيد عن الفكرة العادية للخلاء ( والذي يعني هنا اللاشيء ) . والأغلب أن الخلاء الكوانتي هو بحر لتشكل وانحلال مستمر للجسيمات والتي تستعير بدورها طاقة منه لتنجز وجودها الكوني المختصر، وطبعاً هذا ليس ( لا شيء ) وبالتالي فالجسيمات المادية لا تأتي إلى الوجود من لا شيء .

إذن في الفيزياء الكوانتية لا توجد المادة إذا لم تكن موجودة قبلاً، وما يحدث هو أن طاقة مختفية تصبح فجأة مادة وكما اختفت تلك الطاقة فجأة تعود طاقة ثانية وهكذا، وباختصار لا يوجد شرط " للوجود من العدم " كما هو مطلوب وفق هذا النموذج.

قال تعالى : (َأولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30) .

قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزمر:46) .

المرجع كتاب خلق الكون تأليف هارون يحيى .

عمروعبده 22-02-2011 07:13 AM

جمع الشمس و القمر

جمع الشمس و القمر




قال تعالى ( فإذا برق البصر ، و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة 7ـ9 .

هذه الآيات تعبر عن نزع الإنسان من هول علامة من علامات تدمير الكون ، فجمع الشمس و القمر أصبح حقيقة علمية الآن ، لأنه ثبت بقياسات دقيقة للغاية أن القمر ( الذي يبعد عنا في المتوسط حوالي 400 ألف كم ) يتباعد عنا بطريقة مستمرة بمعدل ثلاثة سنتيمترات في السنة ن هذا التباعد سيدخل القمر وقت من الأوقات في نطاق جاذبية الشمس فتبتلعه الشمس ، و هذا من التنبؤات العلمية المبنية على استقراءات كونية و حسابات فلكية دقيقة ، فالقمر يستمر بتباعده عن الأرض لابد و أن يؤدي به هذا التباعد في يوم من الأيام إلى أن تبتلعه الشمس ، و لكن متى سيتم ذلك ؟ هذا في علم الله .

المصدر :

من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار

عمروعبده 22-02-2011 07:19 AM

سنة الأزواج في الخلق

و من كلٍ خلقنا زوجين




قال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )[سورة يس : 36].

مع أن مفهوم الأزواج يراد به عادة الذكر و الأنثى ، إلا أن عبارة " و مما لا يعلمون " لها دلالات أوسع من ذلك ، و قد كشفت إحدى هذه الدلالات في أيامنا هذه ، فقد نال العالم البريطاني بول ديراك جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933 م على إثر طرح نظرية كون المادة مخلوقة بشكل ثنائي . هذا الاكتشاف الذي سمي " التكافؤ" أو " الثماثل " يثبت أن المادة "Matter" تكون ثنائية مع ضدها الذي يسمى ( ضد المادة ) " anti matter" مثال على ذلك فإن الإلكترون في ضد المادة تحمل شحنة موجبة بينما تحمل بروتونات " ضد المادة " شحنة سالبة .

هذه الحقيقة مذكورة في أحد المراجع العلمية على الشكل الآتي :

يوجد لكل جزء من الأجزاء دون الذرة نقيض لها يحمل شحنة معاكسة لشحنتها ، وحسب " مبدأ الريبة "uncertainty" فإن الخلق المزدوج و الاضمحلال المزدوج يحصلان في الفراغ على الدوام و في جميع الأمكنة [1]

عمروعبده 22-02-2011 07:25 AM

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ

العروج في السماء







قال تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر:14،15).



العلم التجريبي يؤكد على أن هناك طبقة من النور حول الأرض هي طبقة لا تتعدى 200 كم، و هي في النصف المواجه للشمس ، وإن باقي الكون ظلام دامس، وعندما يتخطى الإنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظلام دامس .

و لما تخطى أحد رواد الفضاء الأمريكيون هذه الطبقة لأول مرة عبر عن شعوره في تلك اللحظة فقال:

" I have almost lost my eye sight or something magic has come over me.

" كأني فقدت بصري ، أو اعتراني شيء من السحر" .

و هو تماماً تفسير لقوله تعالى : " لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون ".

أما قوله تعالى " و لو فتحنا عليهم باباً" و الباب لا يفتح في فراغ أبدا ، و القرآن يؤكد أن السماء بناء أي أن السماء بناء مؤلف من لبنات أي لا فراغ فيها .

يقول علماء الفلك : إنه لحظة الانفجار العظيم امتلأ الكون بالمادة و الطاقة، فخلقت المادة والطاقة كما خلق المكان و الزمان، أي لا يوجد زمان بغير مكان و مكان بغير زمان و لا يوجد زمان و مكان بغير مادة و طاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون .

" يعرجون " أي السير بشكل متعرج، و قد جاء العلم ليؤكد أنه لا يمكن الحركة في الكون في خط مستقيم أبداً، وإنما في خط متعرج .

المصدر : من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار

عمروعبده 22-02-2011 07:42 AM

الكون شاهد على وجود الله تعالى

الكون شاهد على وجود الله




قال الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (سورة البقرة).

لقد قدّر الله سبحانه و تعالى كل شيء في وجوده الأزلي، فكتب في اللوح المحفوظ، من قبل الخلق، وبأول مخلوقاته "القلم" ، مصير كل هذا الكون وما يحويه من إنس وجان، حي وجماد، ظاهر ومخفي، مخلوق سماوي أو أرضي، مطيع كان أم عاصي، وهكذا فقد سنّ سننّا و بعث أنبياء و رسلاّ مبشّرين و منذّرين، يذكّرون الخلق غاية وجودهم و حجّة خالقهم عليهم، محتجّين بعظمته وحكمته فيما خلق بدلائل قدرّته، مبلّغين إياهم أنها دار عمل و كّد وما بعدها دار نعيم أو نكد. فمنهم من آمن بما جاءه من عند الله ومنهم من أخذته العزّة بالإثم فأضحوا جنّدا من جنود الشيطان يعيثون في سنن ربهم فساداً فحق عليهم قول خالقهم فأخذهم العذاب بغتة فكان مصيرهم التراب يعرضون على النار صباحاً و عشياً لا يسمع عذابهم إلا البهائم فساء ما كانوا يعملون فهكذا كانت سنّة الحكيم - سبحانه - في بعثه لرسلّه موافقة تماماً لسنن الكون نفسه، فلما كان آل فرعون قوم سحّر وقوّة وجبروت بعث إليهم بموسى - عليه السلام- بقوة بدنه و معجزّاته التي أبطلت ما كانوا يفعلون، وكذا أيضا بعث النبيّ سليمان في قوم قد ملئت الملوك أرضهم فسخّر الله بحكمته ملكّا لسليمان يمتدّ من أدنى الأرض إلى المكان الذي حلّق فيه الهدهد فكان من الصادقين. وهكذا فلو اتبعنا و تأملنا بما جاء به الرسل إلى أقوامهم لوجدناها تلائم عصر تواجدها وتوافق حياة وأفكار هذه الأمم، فكانت معجزّة كلّ نبيّ مرسل تدحض ما كان يعصي القوم الله به وكانت في الوقت نفسه تبهر وتعجز قوة الأقوام أنفسهم.

فلهذا جاءت معجزة القرآن -الكريم- وفقا للسنّة نفسها ، فلمّا كتب الله عزّ وجلّ أن الأرض يرثها عباده الصالحون اللذين أصلح بالهم بالقرآن كان ذلك بمثابة الهديّ الذي ينبغي على البشر الإقتداء به مهما طالت بهم العصور و مهما اختلفت أمكنتهم و بلغوا من علمهم الدنيوّي مبلغاً عظيماً كما هو الشأن في عالمنا اليوم. وهكذا ووفقاً لسنّة البعث نفسها فإن الدارس والمتدبر في آخر معجزة لآخر الأنبياء والرسّل، صلّوات الله عليه، يجدها قد أبهرت وأعجزت أقواماً قد عمّرت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن. فإذا كانت قريش قد أقرّت بعجزها وعجز لسانها أمام ما جاء به القرآن بلسان عربي، فهل تقرّ الإنسانية في عصرنا هذا عن عجز علمها النظري و التجريبي أمام ما جاء به الفرقان ؟! و هل سيدركون أن الله - سبحانه- وحده دون غيره كان قبل خلق المكان وسيعيد كل شيء إلى ما كان عليه المكان قبل خلق المكان؟! فهكذا أراد لحكمته وسنّته أن تكون، فقد خلق الأسباب والمسبّبات والمسبب له وخلق النتائج سبحّانه له في خلقه شؤون.

ولكن دعونا نتأمل الآن فيما أعجز القرآن عمّا عجز الإنسان عن فهمه، تفسيره واكتشافه، وعلى سبيل المثال -لا على سبيل الحصر- سنحاول أن نسوق بعض الأمثلة نبيّن لغيرنا من خلالها أنه الحق من ربنا، أمثلة قلت تجعل القرآن معجزة دائمة على دهر العصور الغابرة وعلى طول الأزمنة القادمة إلى أن يرث الله الكون و ما فيه والأرض ومن عليها.

لقد كان يعتقد علماء الفلك القدامى أن الكون وأبعاده ما هو إلا مجموعة محدودة من كواكب سيارة تدور بشكل منتظم حول الشمس، لكن الاكتشافات التي جاءت إثر ظهور الثورة العلمية في مطلع القرن العشرين قد أثبتت أن الكون أبعاده ابعد من ذلك ! فالمجموعة الشمسية ما هي إلاّ جزئ ضئيل من مجرّتنا أمام كم هائل من المجرّات الأخرى، و تستمر الاكتشافات لتذهل عقولنا المحدودة و تخبرنا بأنّ هناك مئات من "عناقيد المجرّات" كل عنقود يحوي آلاف من " أكوام المجرّات" و كل كومة قد تحوي عشرات الآلاف من "المجرّات" و كل مجرّة متكونة من غازات تقارب درجة حرارتها المئة مليون درجة مئوية، كما تحوي ملايين الأجرّام السماويّة ومن مجموعات شمسية أخرى قد تكون شمسنا هذه أصغر الشموس فيها ! و بعبارة إحصائية و لكي يتسنى لنا تخيل مدى عظمة هذا الكون وعظمة خالقه: فإن نسبة كوكبنا الأرضي إلى نسبة كل الكون كنسبة نقطة من حرف أبجدي في مكتبة تحوي مليون مجلّد كلّ مجلّد يحوي ألف صفحة !! و بالحساب التقريبي فإنه يوجد في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العشر(بضمّ العين) و العشرة أضعاف من حجم الشمس. فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا مثلا عدد كل المجرّات على كل البشر في هذه المعمورة فإن كل إنسان على وجه الأرض سيتحصل تقريباً على مئة مجرّة !!

سبحان الله فما أعظم قدرته وما أضألنا، و ما أقواه وما أضعفنا و ما أعظم علمه وما أجهلنا !

ولنا إذاً أن نتصوّر قيمة كل واحد منّا أمام كلّ الكون ! بل أمام مجرّة واحدة ، أمّا إذا تصوّرنا ضعفنا أمام خالقنا وخالق هذا الكون، فبنفس الحسابات المنطقية، نجد أننا مفرّطين في عبادته حتى و لو قمنا بتسبيحه و تهليله و استغفاره عدد كلّ ذرّة من كلّ جرّم من أجرام كونه !! و كيف لا وعندما يسبّح الواحد منّا يكون قد سبقه في تسبيحه هذا مئات الآلاف من المليارات من النجوم

عندما غادر الفيزيائي "آلبرت اينشتاين" موطنه ألمانيا، هروباً من خطر النازية كونه كان يهودياً، متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل استقبال بهيج سأل أحد الصحفيون هذا العالم عن مفهوم نظريته الجديدة (النسبيّة) والتي أحدثت ضجّة علمية كبيرة آنذاك، ردّ عليه قائلا: " لا يزال الناس يعتقدون اليوم أنه إذا قدّر(بضّم القاف) للكون أن يختفي يوماً فإن الذي سيبقى هو الفراغ و الزّمن، أما وفقاً لنسبيتي فإن الفراغ و الزّمن يختفيان أيضاً ! لانهما هما اللّذان يحددان الكون !! "(١) ولم يفهم العالم يومها ما جاء به اينشتاين لأنه كان قد سبق عصره بما يزيد عن خمسين سنة ! فقد أدرك هذا العلم الفيزيائي أن الزمن والفراغ وأبعادهم الأربع ما هما إلاّ عنصرين مكوّنين للكون وأن الكون لا يقام بالأجرام السماوية فقط بل ببعديهما أيضاً، ثم بعد هذا جاءت نظرية "الانفجار الكبير" لتدعّم نظرية النسبية، فقد أشارت هذه الأخيرة أن الكون، قبل ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، كان عبارة عن نقطة متناهية في الصغر(تؤول إلى العدم) وكانت المادة و الطاقة محبوستان في هذه النقطة ومكدستان بكثافة و درجة حرارة هائلة لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها، ثم انفجرت هذه النقطة انفجاراً عظيما في لحظة زمنية لا يمكن لأيّ قانون فيزيائي- بشريّ أن يقيسها، حيث ولّد هذا الانفجار طاقة حرارية هائلة و غازات ودخان كثيف و تقول النظرية أنه لا يمكن بحال من الأحوال تخيّل ما كان حاصل قبل الانفجار لأنه لم يكن هناك أبعاد ( الوقت والزمن) لكي يحدث بينهما -أو خلالهما- شيء ما، فالوقت والزمن نتجتا عن الانفجار نفسه، فمرحلة ما قبل الانفجار هي مرحلة لا مفهوم ولا مدلول لها من الناحية الزمنية، الفيزيائية ولا حتى السببية وخلاصة قول أنصار نظرية الانفجار الكبير أنّ الأبحاث الحديثة في هذا الصدد تقول أن الكون في حالته اليوم ، من هندسة و تطور، لا يسمح لنا بأن نستخلص أي نتيجة أو أن نقترح أيّة نظرية تفسّر لنا مرحلة ما قبل الانفجار، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نتصور كيف يمكن لقانون الجاذبية أن يعمل في ظروف الكثافة والحرارة اللامتناهيتان اللتان كانتا قبل الانفجار، إذ يعتقد أنصار هذه النظرية أنه لا داعي للتكلم عن مرحلة ما قبل الانفجار لأن الوقت والفراغ (بأبعادهما الأربع) لم يكونا بعد لكي يحدث خلالهما ظاهرة ما، والسؤال هنا عن هذه المرحلة هو مضيعة للوقت شأنه شأن السؤال عن وجود الحياة في القطب الشمالي. و هذا الكلام ليس بجديد لدى علماء الغرب حتى أن إنجيلهم يطرح سؤال مفاده أنه إن لم يكن هناك زمن أو مكان فأين وفيما كان الله يقضي أوقاته؟

ما هو مقدار حجم الكون ؟

وهكذا فبعد الانفجار الكبير بدأت درجة حرارة الكون تنقص شيئاً فشيئا و بدأت الغازات الناتجة تتراكم مكوّنة المادة المنشئة للمجرّات كما ساهمت الطاقة في بدأ توسع الكون، فالإشارة فقط تقول أن بعد مليار سنة من الانفجار كان الكون لا يزال مجرد غازات ودخان وأنّ كوكبنا الأرضي استغرق تكوينه أربعة مليارات و خمس مئة مليون سنة . وقد يتبادر في ذهننا سؤال : ما هو مقدار حجم الكون؟ وللجواب عن هذا السؤال يجب الإشارة إلى أنّ العلماء يقيسون عمر الكون بطريقتين : إما بطريقة تطوّر النجوم أو حسب وتيرة توسّع الكون، فحجم الكون و عمره متناسبين طرديّاً، فإذا كان عمر الكون محدد ما بين ١٠ إلى ١٥ مليار سنة شمسية فإن ابعد جرم يكون-نظريًا- مرئي على بعد ١٠ إلى ١٥ ميليار سنة شمسية ( سنة شمسية واحدة تقدر ب ٩.٥ مليار كلم ) ، و بخلاف كوكبنا الأرضي فإن الكون يملك أفقا لا يمكن إدراكه فهو موجود في محيط ٣٠٠٠٠٠ سنّة شمسية بعد الانفجار، إذ أن قبل هذه الفترة كان الفوتونات الضوئية حبيسة المادة الداكنة (و تسمى أيضاً بالمادة السوداء )، فلقد لاحظ بعض العلماء أن بعض المجرّات، القريبة من مجرّتنا، تملك سرعة دوران أكبر مما توحي لنا كتلة مادتها المرئية بل إنهم لاحظوا أن الكتلة الحقيقية لهذه المجرّات أكبر بعشر مرّات من كتلة النجوم التي تحويها، والفرق في الكتلة هنا هو "المادة السوداء" فهي موجودة حقا بالاستنتاج حتى ولو لم تكن مرئية وهي مكونة من نترونات كتلية و من نجوم لامعّة وثقوب سوداء ولكن لا يصدر عنها أي إشعاع إلكتروماغناطيسي، و هنا نتوقف لنطرح سؤال بريء : كيف لعلماء الفلك الغربيين أن يستنجوا وجود مادة من غير أن يتمكنوا من رؤيتها؟ ثم لماذا لا يكون لهم نفس المنطق و يستنتجون وجود قوة خارج كل الحسابات الكونية والطبيعية تكون قد فجّرت نقطة لتخرج لنا - و تخرجنا- من العدم؟ هذه القوة ألا تستحق الإيمان بها وبقدرتها على الأقل؟!! ... فسبحان من أشار عن ذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)(2)، فماذا إذاً ما بين السماوات والأرض إن لم تكن هذه المادة التي إستنجها العلماء؟

وما يصرّح به العلماء اليوم أنه توجد أربع قوى في الكون (الجاذبية، الكهروماغنطيسية، النووّية الضعيفة و أخيرا النووّية القويّة) ولقد أكد الملاحظون أن هذه القوى تجعل المادة تنتظم بشكل رائع وبديع من أصغر الذرّات إلى أكبر المجرّات وهذا دليل على قوّة، عظمة وحكمة واضع هذه القوانين والسنّن سبحانه لم يشاركه في خلقه أحد غيره. وفي هذا الصدد يقول العالم الفيزيائي "بول ديفس": " لو كانت قوّة الانفجار الكبير أكثر -أو أقلّ- يجزئ من المليار في مليار جزئ عند حدوثه لاختل التوازن كله و أنهار الكون قبل أن يصل إلى ما عليه الآن من تطور، إن الانفجار الكبير للكون لم يكن اعتياديا بل كان وفقا لعملية محسوبة جيّدا من جميع الأوجه و منظمة بإحكام"(٣).



وهنا نقول: إذا كان الانفجار قد حدث بطريقة دقيقة كما تقولون فإن القوة، التي خططت لهذا، فعلت ذلك قبل ذلك!...

فهي موجودة بالاستنتاج المنطقي والحسابي ! ثم إنها لن تكون إلاّ قوة عظيمة ما دامت قد أحدثت شيئاً عظيماً ! فلماذا إذاً لا تتساءلون عن ما قبل الانفجار ؟ و عن محدث الانفجار؟ و عن من وضع هذه الحسابات الدقيقة بأسباب أخرى ليست بالضرورة الوقت والزمن وأبعادها الأربع؟ بل ربما بأبعاد أخرى لايمكن إدراكها إلا بالإيمان بها والتسليم لها؟ ثم لمّا تقرّون أن الأبعاد الأربع للكون قد نتجت مع الكون نفسه أليس من المنطق أن القوة التي خلقت هذه الأجزاء بإمكانها أن تخلق قوى أقوى منها أو معاكسة لها تماماً ؟ ثم بصيغة المنطق نصوغ سؤالنا فنقول : بل أو ليست هذه القوة هي التي يجب أن تكون أزلية الوجود وسرمدية البقاء؟ ثم مالكم تتكلمون عن مرحلة ما قبل الانفجار كما لو أنكم شهدتم ذلك؟ و بصيغة القرآن الكريم نقول ما قال ربنا : (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ

وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)(4).

ماذا حدث بعد الانفجار الكبير

و بالموازاة مع نظرية الانفجار الكبير نجد نظرية توسّع الكون والتي لا تقّل شئناً من سابقتها، إذ تقتضي هذه الأخيرة أن الكون في حالة توسع مستمر متسارع منذ ستة مليارات من السنين. فلقد قام علماء الفيزياء الفلكية بتحليلات على الأشعة "أكس " المنبعثة من أطراف ٢٦ كومة من المجرات و بواسطة تيليسكوب "شاندرا" قاموا باستخلاص المسافات بين الكومة والأخرى بالنسبة لمختلف عمر الكون، فكانت النتيجة وجود طاقة في الكون معاكسة تماماً للجاذبية، فهي طاقة تجعل أكوام المجرّات تتباعد بعضها عن بعض و تدعى بالطاقة "الغامظة" و تكون نسبتها في الكون ٧٥٪ من نسبة الطاقة الكلية، فالكون فعلاً في حالة توسع ولكن على المستوى الكلي أي أن "أكوام المجرّات" هي التي تتباعد عن بعضها البعض بينما على المستوى الجزئي فإن مجرّات الكومة الواحدة لا تتباعد بل بالعكس هي في حالة تقارب كون الجاذبية هي السائدة في هذا المستوى، و لمّا كان الانفجار بدقّة متناهية كان التوسّع بنفس الحسابات الدقيقة فلقد قال العالم الكبير في الفيزياء الفلكية الدكتور"ستيفان هاوكينغ" :"إن الكون يتوسّع بسرعة حرجة للغاية تعجز و تبهر كل العقول والحسابات البشرية، فلو توسّع الكون بسرعة أكثر بقليل مما هي عليها الآن لتناثرت المادة وما تمكن من ظهور المجرّات، والعكس أيضاً : فلو أنطلق الكون بسرعة أقل يجزئ من الميليار من جزئ من الثانية عما أنطلق عليه في بداية توسّعه لانهار على نفسه - تحت تأثير الجاذبية- قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن" (٥).

فكل شيء محسوب و مقدّر وكل شيء حدث في لحظة واحدة لا أكثر و لا أقل، كيف لا و قد قال مدبر الحسابات وواضع السنّن والقوانين من قبل حدوث الانفجارhttp://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.png إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)(6).

هل سيتوقف الكون عن التوسّع يوماً؟

و السؤال الذي يحيّر علماء الفيزياء الفلكية اليوم هو : هل سيتوقف الكون يوماً ماً عن التوسّع أم لا ؟ فهم يعتقدون أن معرفة إمكانية -أم لا- حدوث نهاية ذلك متوقف ومرتبط أساساً بالمادة المكونة للكون حيث أن هذه الأخيرة هي التي تنتج قوة التجاذب الكافية التي ستوقّف (أو لا) توسع الكون، وهنا لدينا ثلاث فرضيات :

١) إمّا أن المادة ليست كافية لكي تعطي لنا قوة تجاذب قادرة على توقيف توسع الكون, فسيبقى الكون في أتساع دون توقف و بمرور الزمن تتحلل الطاقة والمادة الموجودة فيه إلى درجة لا يمكن أن يحدث بهما - أو خلالهما- أي تفاعل كيميائي أو نووّي ويسمى هذا السيناريو ب: " الموت التيرموديناميكي للكون"." la mort thermodynamique de l'Univers".

٢) في هذه الفرضية يعتقد العلماء أن المادة كافية لكي تولّد طاقة تجاذب كافية لتوقيف توسع الكون، بل أكثر من ذلك إذ أن قوة التجاذب ستطغى على قوة التوسّع وسيأخذ الكون منحنى آخر فيبدأ بالانطواء على نفسه حتى يعود إلى ما كان عليه مجرّد نقطة تؤول إلى العدم، ويسمى هذا السيناريو ب : "الانهيار الكبير" و هو عكس الانفجار الكبير

٣) أما الفرضية الثالثة و الأخيرة تقتضي أن المادة والطاقة سيعطيان قوة تجاذب متساوية لقوة التوسع و بهذا يستطيع الكون أن يحافظ على توازنه الأبدي.

و في خضمّ هذه الأطروحات النظرية أجمع علماء الفيزياء الفلكية أن المادة والطاقة كافيتان لتوقيف توسع الكون وأكثرهم يرجّح فرضية "الانهيار الكبير" وهنا نسأل لماذا يستعمل علماء الغرب مصطلح "كبير" ( أو عظيم)، عند تكلمهم أو وصفهم للانفجار أو الانهيار، ولا يستعملون هذا المصطلح على محدّث الانفجار ؟! ثم إذا كان الانفجار نفسه قد حدث وفقاً لعملية حسابية متناهية في الدقّة ألا يمكن لمن وضع هذه العمليات الدقيقة أن يضع في الحسبان كمية الطاقة و المادة اللازمتان لتوقيف اتساع الكون؟!! ثم نسأل : لأيّ حكمة كان كل هذا الانفجار و التوسع و الانطواء و الخلق من العدم بأعقد الحسابات وأدقّها ؟ و لو تقرؤون قوله عز وجلّ من صورة الأنبياء إذ قال http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngيَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(7 ) ستدركون بمنطقكم أن هذا القرآن ليس من صنع بشر قط، فلا يمكن لبشر عاش منذ ١٤ قرنا يكون قد سبق نظريتكم هذه التي لم تصلوا إلى نتائجها إلاّ بشق الأنفس !!؟ أو ليست هذه الآية الكريمة هي فرضيتكم التي تؤيدونها في مصير الكون و انطوائه على نفسه بعد توقف اتساعه؟ وإن أردتم حججا أخرى فعندنا مزيد من آيات اللّه بلّغنا بها رسول كريم لا يعرف الكتابة و لا القراءة عاش في بيئة كان لا يزال الإنسان حينها يعتقد أن الأرض مسطحة.

وهكذا فسيظل الإنسان يقترب من الحقيقة شيئاً فشيئاً ، و بعقله الذي ميّزه الله عزّ و جلّ عن سائر مخلوقاته، سيتخلى عن تلك النظريات البالية أمثال نظرية التطور وصدفة نشوء الكون وكل تلك الأطروحات والخزعبلات التي أحطت بعقل الإنسان ومنطقه فأظلّ بها نفسه وغيره وعطلّ بواسطتها سننّ الخلق التي سنّها الخالق لخلقه، فمن أراد أن يهتدي فالمعجزة قائمة ها هنا تنوّر كلّ طريق مظلم و تدحض كلّ باطل مبهم ومن يريد أن يحكّم عقله المحدود أمام حكمة خالق الكون فلّن يكون له إلا الطريق المسدود، و ستظلّ معجزة القرآن هي المعجّزة التي جاءت لتخبر أن الله- عزّ و جلّ- قد وعد وقال http://www.ahlathanwya.com/vb/images/smilies/frown.pngسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٨) ونحن نشهد يا ربنا أنك عالم عليم، شاهد وشهيد، قادر وقدي، وحدك فتقت السماوات والأرض بعدما كانتا رتقا فنزّلت قائلا : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (١٠) .

و ما فتقت ثم وسّعت ثم رتقت السماء و الأرض هكذا باطلا سبحانك فاكتبنا مع الشاهدين.

المصدر : بحث للمهندس محمد ترياقي تورونتو - كندّ

المؤهل العلمي : بكالوريوس رياضيات دقيقة ، مهندس دولة في التخطيط و الإحصاء، ماجيستير علوم تسيير المؤسسات الاقتصادية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب دار المعرفة-صفحة ٧٢ - دار النشر - بيروت –لبنان

(2) سورة ق الآية 38

(2) Paul Davies كتاب : Superforce صفحة ١٨٤ -سنة ١٩٨٤

(4) الكهف -٥١

Stephen Hawking كتاب : "التاريخ المختصر للزمن" صفحة ١٢١ - سنة ١٩٨٠

(6) القمر- ٤٩، ٥٠


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:39 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.