![]() |
الامام مالك(امام دار الهجرة)
الإمام مالك بن أنس* إمام دار الهجرة* أسمة- هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر أنس بن الحارث بن غيمان الأصبحي المدني وينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان. جده مالك بن أنس من كبار التابعين وأحد الذين حملوا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ليلاً إلى قبره كما ذكر ذلك القشيري، ووالد جده هو الصحابي أبو مالك الذي شهد المغازي كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا بدرًا، وأما والدة الإمام مالك رضي الله عنه فهي العالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأسدية، وأبناؤه هم: يحيى ومحمد وحماد. والإمام مالك هو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المدونة المعروفة والمشهورة في بلاد المسلمين. ولد في المدينة المنورة سنة خمس وتسعين للهجرة نشأ مُجدًا في التحصيل والرواية وقد أخذ العلم وروى عن عدد كبير من التابعين وتابعيهم الذين يعدون بالمئات نذكر منهم: نافع مولى بن عمر، وابن شهاب الزهري، وأبا الزناد وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص، ويحيى بن سعيد الأنصاري. ولقد كان رحمه الله إمام دار الهجرة، فانتشر علمه في الامصار واشتهر في سائر الاقطار وضربت إليه أكباد الإبل وارتحل الناس إليه من شتى الأنحاء، فكان يدرّس وهو ابن سبع عشرة سنة، فمكث يُفتي ويعلم الناس، حتى إن كثيرًا من مشايخه رووا عنه كمحمد بن شهاب الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن فقيه أهل المدينة، ويحيى بن سعيد الأمصاري، وموسى بن عقبة وروى عنه كثير من الرواة حتى إن القاضي عياضًا ألف كتابًا عدّ فيه ألفًا وثلاثمائة اسم ممن روى عن الإمام رضي الله عنه، أشهرهم شفيان الثوري والإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي وعبد الله بن المبارك. مناقبه: كثير من علماء التابعين قالوا إن الإمام مالكًا رضي الله عنه هو الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة". ولقد كان الإمام مالك بن أنس معظمًا للعلم حتى إنه إذا أراد أن يحدث توضأ وصلى ركعتين وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن في الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا متمكنًا على طهارة. وكان الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه معظمًا للنبي صلى الله عليه وسلم موقرًا له، فقد قال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك فقال: "لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليّ ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه ولقد كنت أرى جعفر بن محمد كان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا وإما صامتًا وإما يقرأ القرءان، ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل. يروى من أن الخليفة هارون الرشيد قدم إلى المدينة المنورة وكان قد بلغه أن الإمام مالكًا يقرأ الموطأ على الناس، فأرسل إليه البرمكي وقال له: اقرأ عليه السلام وقل له يحمل إليّ الكتاب فيقرأه عليّ، فأتاه البرمكي فأخبره فقال الإمام رضي الله عنه: اقرأ على أمير المؤمنين السلام وقل له إن العلم يُزار ولا يزور، وإن العلم يؤتى ولا يأتي، فقصد الرشيد منزل الإمام واستند إلى الجدار فقال له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين، من إجلال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلال العلم. ولم يكن هذا الفعل من الإمام تكبرًا على الخليفة، بل كان ذلك لمصلحة شرعية هي بيان فضل العلم والعلماء وتعليم الناس سواء كانوا حكامًا أو محكومين أن يُجلّوا العلم ويوقروه ويكون له في نفوسهم رهبة وهيبة، وإلا فالإمام مالك رضي الله عنه كان من أشد أهل عصره تواضعًا ولينًا. وكان الناس إذا أتوا الإمام مالكًا خرجت إليهم جارية له فتقول لهم: يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل فإذا قالوا المسائل خرج إليهم، وإن قالوا الحديث دخل مغتسله واغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا ولبس ساجه وتعمم ووضع رداءه وتلقى له منصة فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رحمه الله لا يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في ذلك لمالك فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنًا. قال الدراوردي رحمه الله: رأيت في المنام أني دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام يعظ الناس إذ دخل عليه مالك فلما رءاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إليَّ إلي" فأقبل حتى دنا منه فنزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه من أصبعه فوضعه في خنصر مالك رضي الله عنه فأولته بالعلم وكان العلماء يقتدون بعلمه والأمراء يستضيئون برأيه، والعامة منقادين إلى قوله، فكان يأمر فيمتثل بأمره بغير سلطان. ولقد قال الإمام ابن حبان في "الثقات": كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يرو إلا ما صح ولا يحدث إلا عن ثقة مع الفقه والدين والفضل والنسك. ثم إن أقوال الكثيرين من علماء عصره جعلنا نتبين مدى حرصه على دين الله فقد قال الإمام الشافعي عنه: إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وقال ابن معين: مالك من حُجج الله على خلقه، وقال يحيى بن سعيد القطان: مالك أمير المؤمنين في الحديث، وقال ابن سعيد: كان مالك ثقة مأمونًا ثبتًا ورعًا فقيهًا عالمًا حجة. .....يتبع باذن الله..... |
عقيدته: كان الإمام رضي الله عنه مقتديًا بالسنة المطهرة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأهل بيته، وكان مولده بالمدينة المنورة وتفقهه على علمائها سببًا في اضطلاعه بالسنة النبوية المطهرة وأحوال أهل مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم فكان على عقيدة التنزيه لله عن مشابهة الخلق وعن المكان وعن الهيئة والصورة والحركة والانتقال والتغير. وثبت أن مالكًا أول الاحاديث المتشابهة التي يوهم ظاهرها التجسيم والحركة والانتقال والسكون، ففي تأويل مالك لهذه الأحاديث نقل البيهقي بإسناده عن الأوزاعي ومالك وسفيان والليث بن سعد أنهم سئلوا عن هذه الاحاديث فقالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيفية" ذكره في كتابه الأسماء والصفات، وثبت عنه ما رواه البيهقي بإسناد جيد من طريق عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء [أي كثرة العرق] ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك إلا صاحب بدعة، أخرجوه فقول مالك: وكيف عنه مرفوع أي ليس استواؤه على عرشه كيفًا أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه. وروى البيهقي من طريق يحيى بن يحيى أحد تلاميذ مالك رواية أخرى عن الإمام مالك وهي قوله: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول"، أي أن الاستواء معلوم وروده في القرءان، والكيف غير معقول أي أن الاستواء بمعنى الكيف أي الهيئة كالجلوس لا يعقل أي لا يقبله العقل لكونه من صفات الخلق لأن الجلوس لا يصح إلا من ذي أعضاء أي ألية وركبة وتعالى الله عن ذلك. وأما رواية "والكيف مجهول" فهي غير صحيحة لم تصح عن أحد من السلف ولم تثبت عن مالك ولا غيره من الأئمة رواية. وثبت عن مالك التأويل في حديث النزول أنه قال: "نزول رحمة لا نزول نقلة"، وروي عنه كذلك في تأويل هذا الحديث: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له" أي حديث النزول، أنه على سبيل الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة، ليس على معنى الانتقال الحسي من مكان إلى ءاخر. الموطأ: هو أول كتا وُضعت فيه الأحاديث مصنفة ومبوبة، ومعناه الممهد كما أنه أول كتاب ألف في الحديث والفقه معًا، واستغرق تأليفه أربعين سنة. وقد اشتمل على الكثير من الأسانيد التي حكم المحدثون بأنها أصح الأحاديث. فقد قال الشافعي في الموطأ: ما ظهر كتاب على الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك، وفي عصره قيل فيه: "أيفتى ومالك في المدينة". علمه: سئل مالك رحمه الله عن طلب العلم فقال: "حسن جميل ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه". وكان رحمه الله في تعظيم علم الدين على درجة عالية، حتى إذا أراد أن يحدّث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرّح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظِّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإرادته وجه الله تعالى بالعلم، فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه سئل ثمانية أربعين سؤالاً فأجاب عن ستة وقال عن البقية لا أدري. زهده: أما زهده في الدنيا فكبير، فقد روي أن الرشيد سأله: هل لك دار فقال: لا، فأعطاه ثلاثة ءالاف دينار وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها، عندها قال الرشيد لمالك رحمه الله: ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ. فقال له: أما حمل الناس على الموطأ فليس إليه سبيل، لأن أصحاب الرسول افترقوا في الامصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: "المدينة تنفي خَبثها كما ينفي الكير خبث الحديد" متفق عليه. وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها. يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إليَّ، فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام. لقد كان الإمام مالك زاهدًا في أمر الدنيا، وقد أفلح الزاهدون، ولما حُملت إليه الأموال الكثيرة من أطراف الدنيا لانتشار علمه وأصحابه، كان يفرقها في وجوه الخير. ودلّ على زهده سخاؤه وقلة حبه للدنيا، وليس الزهد فقد المال، وإنما الزهد فراغ القلب عنه، ومما يدل على استحقاره للدنيا ما روي عنه أنه قال: "دخلت على هارون الرشيد فقال لي: يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف حتى يسمع صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت: أعزّ الله مولانا الأمير، إنَّ هذا العلم منكم خرج، والعلم يؤتى ولا يأتي. فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس. وفاته: كانت وفاته في المدينة المنورة لعشر خلون من ربيع الأول سنة مائة وتسعة وسبعين للهجرة، ودفن في البقيع بجوار إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم ورثاه العديد من الشعراء منهم جعفر بن أحمد السراج بقوله: سقى جدثًا ضمَّ البقيعُ لمالك ***** من المزن مرعاد السحائب مبراقُ إمام موطاه الذي طبقت به ***** أقاليم في الدنيا فساح وءافاق أقام به شرع النبي محمد ***** له حذر من أن يضام وإشفاقُ له سند عال صحيح وهيبة ***** فللكل منه حين يرويه إطراقُ وأصحاب صدق كلهم علم فسل ***** بهم إنهم إن أنت ساءلت حذاقُ ولو لم يكن إلا ابن إدريس وحده ***** كفاه ألا إن السعادة أرزاق رحم الله الإمام مالك بن أنس ونفعنا بعلمه.* |
كلام الشافعي عن أستاذه وامامه الامام مالك بن أنس
قال السافعي في كتاب الموطأ "ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك"، وفي رواية: "أكثر صوابا" وفي رواية: "أنفع". وهذا القول قبل ظهور صحيح البخاري. قال الشافعي: «قالت لي عمتي ونحن بمكة: رأيت في هذه الليلة عجبًا، فقلت لها: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قائلاً يقول: مات الليلة أعلم أهل الأرض. قال الشافعي: فحسبنا ذلك، فإذا هو يوم مات مالك بن أنس» |
درر من اقوال الامام مالك
درر من أقوال الإمام مالك في العلم وطلبه عن ابن وهب قال: "قيل لمالك: ما تقول في طلب العلم؟ قال: "حسن جميل لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى أن تمسي فالزمه . وكان يرحمه الله يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون منه دينكم . ويروى عنه في الأثر المشهور أنه قال: "ما أحب لامرىء أنعم الله عليه أن يُري أثر نعمته عليه و خاصة أهل العلم وعن مالك قال: "لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به وحدث ابن وهب فقال: "قال لي مالك: "العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب"". قال إسماعيل بن أبي أويس: سألت خالي مالكا عن مسألة فقال لي: "قر"، ثم توضأ ثم جلس على السرير ثم قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وكان لا يفتي حتى يقولها". وأخبر الحارث بن مسكين عن ابن القاسم أنه قال: "قيل لمالك: لم لم تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائما". وسمع أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني، محمد بن الحسن الشيباني يقول: "كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه فقال: "أنظروا أهل المشرق فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب، إذا حدثوكم فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، ثم التفت فرآني، فكأنه استحيى فقال: "يا أبا عبد الله، أكره أن تكون غيبة، هكذا أدركت أصحابنا يقولون..." وهذه الحكاية رواها الحاكم عن النجاد عن هلال بن العلاء عن الصيدلاني. وذكر ضمرة أنه سمع مالكا يقول: "لو أن [لي] سلطانا على من يفسر القرآن لضربت رأسه، يعني تفسيره برأيه". وعن مالك قال: "جنة العالم: لا أدري فإذا أغفلها أصيبت مقاتله". قوله: "لا أدري" قال الهيثم بن جميل: "سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ: "لا أدري". في الكلام وعن خالد بن خداش قال: "قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل". وقال ابن وهب إن مالكا سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: "ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: "لا أدري"، حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه". رحم الله مالكاً حيث يقول: "من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه". في ذم الجدل قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: "اعلم أنه فساد عظيم ان يتكلم الإنسان بكل ما يسمع". وعن مالك رحمه الله: "كلما كان رجل صادق لا يكذب في حديثه (أي مطلق حديث) إلا مُتِّعَ بعقله ولم يصبه مع الهرم آفة و لا خرف". قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: "كان مالك رحمه الله أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضا للعراقيين". وحَدَّثَ حرملة عن ابن وهب أنه قال: سمعت مالكا يقول: "ليس هذا الجدل من الدين بشيء". وعن مالك قال: "الجدال في الدين ينشئ المراء ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي ويورث الضغن". وقال القاضي عياض: قال معن: "انصرف مالك يوما فلحقه رجل يقال له أبو الجويرية، متهم بالإرجاء، فقال: اسمع مني؛ قال: "احذر أن أشهد عليك"؛ قال: والله ما أريد إلا الحق، فإن كان صوابا فقل به أو فتكلم، قال: "فإن غلبتني؟" قال: اتبعني. قال: "فإن غلبتك؟" قال: اتبعتك؛ قال: "فإن جاء رجل فكلمنا فغلبنا؟" قال: اتبعناه؛ فقال مالك: "يا هذا، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقل". في نفسه قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: "ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما تعلمت ليحتاج الناس إلي". وعن مطرف بن عبد الله قال: حدثنا مالك قال: "لما أجمعت التحويل عن مجلس ربيعة جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية المسجد، فلما قام ربيعة عدل إلينا فقال: "يا مالك تلعب بنفسك، زفنت وصفق لك سليمان، بلغت إلى أن تتخذ مجلسا لنفسك ارجع إلى مجلسك". وعن مطرفقال: قال لي مالك: "ما يقول الناس في؟" قلت: أما الصديق فيثني وأما العدو فيقع، فقال: "مازال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها". وذكر أحمد بن سعيد الرباطي أنه سمع عبد الرزاق يقول: سأل سندل مالكا عن مسألة فأجابه، فقال: أنت من الناس أحيانا تخطئ واحيانا لا تصيب. قال: "صدقت، هكذا الناس"؛ فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك؟ ففطن لها وقال: "عهدت العلماء ولا يتكلمون بمثل هذا وإنما أجيبه على جواب الناس". وقال ابن وهب: سمعت مالكا وقال له ابن القاسم: "ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر، فقال مالك: "من أين علموا ذلك؟ قال: "منك يا أبا عبد الله"، فقال: "ما أعلمها أنا فكيف يعلمونها بي". وقال إسماعيل القاضي: سمعت أبا مصعب يقول: "لم يشهد مالك الجماعة خمسا وعشرين سنة" فقيل له ما يمنعك قال: "مخافة أن أرى منكر فأحتاج أن أغيره". من أقواله في اتباع السنة عن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالكا يقول: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال بطاعة ال،له وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا". في العقيدة وقال الحلواني سمعت إسحاق بن عيسى يقول قال مالك: "أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله". وقال أبو ثور سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: "أما إني على بينة من ديني، وأما أنت فشاك، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه". وعن ابن وهب سئل مالك عن الداعي يقول: "يا سيدي" فقال: "يعجبني دعاء الأنبياء: "ربنا ربنا"". النظر إلى الله قال ابن وهب: قال مالك: "الناس بنظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم". قال القاضي عياض في سيرة مالك، قال ابن نافع وأشهب، وأحدهما يزيد على الآخر، قلت: يا أبا عبد الله: (وجوه يومئذ ناضرة)، ينظرون إلى الله؟ قال: "نعم، بأعينهم هاتين" قلت: فإن قوما يقولون ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب، قال: "بل تنظر إلى الله؛ أما سمعت قول موسى (رب أرني انظر إليك) أراه سأل محالا، قال الله: (لن تراني) في الدنيا، لأنها دار فناء، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى، قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون). خلق القرآن قال يحي ابن خلف الطرسوسي، وكان من ثقات المسلمين، كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق، فقال مالك: "زنديق، اقتلوه"، فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاما سمعته، قال: "إنما سمعته منك" وعظم هذا القول. وقال ابن أبي أويس: سمعت مالكا يقول: "القرآن كلام الله، وكلام الله منه، وليس من الله شيء مخلوق". و روى ابن نافع عن مالك: "من قال القرآن مخلوق يجلد ويحبس"، وفي رواية بشر بن بكر عن مالك قال: "يقتل ولا تقبل له توبة". القدرية وحدث ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر: نعم، قال الله تعالى: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها). وقال سعيد ابن عبد الجبار: سمعت مالكا يقول: "رأيي فيهم أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا"، يعني القدرية. وسئل مالك عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية وغيرهم فقال: "لا أرى أن يصلي خلفهم"، قيل: فالجمعة؟ قال: "إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل الشيء وليس هو عليه"، فقيل له: أرايت إن استيقنت أو بلغني من أثق به أليس لا أصلي الجمعة خلفه؟ قال: "إن استيقنت"، كأنه يقول إن لم يستيقن ذلك فهو في سعة من الصلاة خلفه. وقال أشهب: قال مالك: "القدرية لا تناكحوهم ولا تصلوا خلفهم". الرافضة روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قال مالك: "الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لهم اسم، أو قال: نصيب في الإسلام". وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..) قال: "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه، بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك). وقال القرطبي: (لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين). الاستواء على العرش عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك فجاءه رجل فقال: "يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء، ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: "الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج". وفي رواية: قال للسائل: "إني أخاف أن تكون ضالا". وقال ابن وهب: كنا عند مالك، فقال رجل: يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: "(الرحمن على العرش استوى)، كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه". وفي رواية ذكرها القاضي عياض: "فناداه الرجل يا أبا عبد الله، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له". الله في السماء وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية له، قال: قال مالك: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء". الإيمان قول وعمل قال القاضي وقال غير واحد عن مالك: "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص وبعضه أفضل من بعض"، وقال ابن القاسم: "كان مالك يقول: "الإيمان يزيد" وتوقف عن النقصان". سب النبي وقال ابن وهب: قال مالك" "لا يستتاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين". الصفات وقال ابن القاسم: سألت مالكا عمن حدث بالحديث الذين قالوا إن الله خلق آدم على صورته والحديث الذي جاء إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد"، فأنكر مالك ذلك انكارا شديدا ونهى أن يحدث بها أحد. والمشهور والمحفوظ عن مالك رحمه الله، أنه سئل عن أحاديث الصفات فقال: "أمرها كما جاءت بلا تفسير". الخلفاء الراشدين قال ابن القاسم: سألت مالكا عن علي وعثمان فقال: "ما أدركت أحدا ممن اقتدى به إلا وهو يرى الكف عنهما" قال ابن القاسم: يريد التفضيل بينهما، فقلت فأبو بكر وعمر؟ فقال: "ليس فيهما إشكال، إنهما أفضل من غيرهما". |
شكرا لكل من ساهم فى هذا الموضع ---- جزاكم الله خيرا
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:20 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.