بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   حي على الفلاح (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   قوافل العائدين (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=293825)

عمروعبده 08-03-2011 06:25 PM

توبة فتاة في السكن الجامعي ([1])

تقول هذه التائبة:
ما أتعس الإنسان حينما يعيش في هذه الحياة بلا هدف، وما أشقاه حين يكون كالبهيمة، لا همّ له إلا أن يأكل ويشرب وينام دون أن يدرك سر وجوده في هذه الحياة.
لقد كان هذا هو حالي قبل أن يمنّ الله علي بالهداية، لقد عشتُ منذ نعومة أظفاري في بيت متدين، وبين أبوين متدينين ملتزمين، كانا هما الوحيدين الملتزمين من بين سائر الأقارب والمعارف، وكان بعض الأقارب يلومون والدي -رحمه الله- لأنه لا يُدخل بيته المجلات الهابطة وآلات اللهو والفساد، وينعتونه بالمتزمت والمعقد (!!!) بخلاف ذلك، كنت مسلمة بالوراثة فقط، بل كنت أكره الدين وأهله، وأكره الصلاة، وطوال أيام حياتي في المرحلة الدراسية المتوسطة والثانوية لم أكن أركع لله ركعة واحدة، وإذا سألني والدي: هل صليت؟ أقول: نعم.. كذباً ونفاقاً ولقد كان لرفيقات السوء دور كبير في فسادي وانحرافي حيث كنّ يوفرنَ لي كل ما أطلبه من مجلات هابطة وأغانٍ ماجنة وأشرطة خليعة دون علم والدي.
أما اللباس فكنت لا ألبس إلا القصير أو الضيق.. وكنت أتساهل بالحجاب وأتضايق منه، لأنني لم أكن أدرك الحكمة من مشروعيته.
ومضت الأيام وأنا على هذه الحال إلى أن تخرجت من المرحلة الثانوية، واضطررتُ بعد التخرج إلى مغادرة القرية التي كنا نسكنها إلى الرياض لإكمال الدراسة الجامعية.
وفي السكن الجامعي، تعرفتُ على صديقات أخريات، فكنَّ يشجعنني على ما كنتُ عليه من المعاصي والذنوب، إلا أنهن كنَّ يقلن لي: (على الأقل صلي مثلنا ثم اعملي ما شئت من المعاصي).
ومن جهة أخرى كان هناك بعض الأخوات الملتزمات، كن دائماً يقدمن لي النصيحة، إلا أنهن لم يوقفن في نصحي بالحكمة والموعظة الحسنة، فكنتُ أزداد عناداً وإصراراً وبُعداً.
ولما أراد الله لي الهداية وفقني للانتقال إلى غرفة أخرى في السكن، ومن توفيق الله سبحانه أن رفيقاتي هذه المرة كنَّ من الأخوات المؤمنات الطيبات، وكن على خلق عظيم وأدب جم، وأسلوب حسن في النصيحة والدعوة، فكنَّ يقدمن لي النصيحة بطريقة جذابة، وأسلوب مرح، وطوال إقامتي معهن، لم أسمع منهن تأففاً أو كلاماً قبيحاً، بل كن يتبسمن لي، ويقدمن لي كل ما أحتاجه من مساعدة، وإذا رأينني أستمع إلى الموسيقى والغناء كن يظهرن لي انزعاجهن من ذلك ثم يخرجن من الغرفة دون أن يقلن لي شيئاً، فأشعر بالإحراج والخجل مما فعلت، وإذا عدنَ من الصلاة في مصلى السكن، كن يتفقدنني في الغرفة، ويبدين قلقهن لعدم حضوري الصلاة، فأشعر في قرارة نفسي أيضاً بالخجل والندم، فأنا لا أحافظ على الصلاة أصلاً حتى أصليها جماعة.
وفي أحد الأيام.. أخذتُ دوري في الإشراف على الوحدة وقد ارتفع صوت الغناء، جاءتني إحدى رفيقاتي في الغرفة، وقالتْ لي: ما هذا؟ لماذا لا تخفضي الصوت، إنك الآن في موقع المسئولية فينبغي أن تكوني قدوة لغيرك.
فصارحتها بأنني أستمع إلى الأغاني وأحبها، فنظرت إلىّ تلك الأخت وقالت: لا يأ أختي، هذا خطأ، وعليك أن تختاري إما طريق الخير وأهله، أو طريق الشر وأهله، ولا يمكنك أن تسيري في طريقين في آن واحد.
عندها أفقت من غفلتي، وراجعت نفسي، وبدأت أستعرض في مخيلتي تلك النماذج الحية المخلصة، التي تطبق الإسلام وتسعى جاهدةً إلى نشره بسوائل وأساليب محببة.
فتبت إلى الله، وأعلنت توبتي، وعدت لى رشدي، وأنا الآن -ولله الحمد- من الداعيات إلى الله، ألقي الدروس والمحاضرات، وأؤكد على وجوب الدعوة، وأهمية سلوك الداعية في مواجهة الناس، كما أحذر جميع أخواتي من قرينات السوء... والله الموفق.



([1] ) هذه القصة كتبتها لي هذه التائبة بنفسها.

عمروعبده 08-03-2011 06:26 PM

) توبة شاب غافل ([1])

س. ع. شاب أردني، قدم إلى هذه البلاد بحثاً عن عمل، فوجد عملاً، ولكنه وجد شيئاً آخر لم يخطر له على بال، لقد وجد الهداية، وجد حلاوة الإيمان، يروي القصة فيقول:
أنا شاب أردني، قدمت إلى السعودية (تبوك) بحثاً عن عمل، ولم أكن آنذاك مسلماً حقيقياً، وإنما كنت مسلماً بالوراثة كحال كثير من المسلمين في هذا الزمن العصيب.
في البداية عملتُ في أحد المطاعم، ثم طلب مني صاحب المطعم أن أعمل في محلٍ آخر له لبيع أشرطة الفيديو، وما أدراك ما أشرطة الفيديو، وما فيها من الخلاعة والمجون، -أو في أكثرها على الأقل-.
عملت في هذا المحل -وهو من أشهر المحلات الفيديو بتبوك- خمس سنوات تقريباً، وفي السنة الرابعة، وفي إحدى الليالي، دخل عليّ شاب مشرق الوجه، بهي الطلعة، تبدو عليه علامات الصلاح والالتزام.
(عجبا.. ماذا يريد هذا الشاب) قلتها في نفسي.
مدّ هذا الشاب يده، وصافحني بحرارة، وقد علت محياه ابتسامة رائعة، تأسِر القلب، وتزيل الوحشة، وتحطم الحواجز النفسية التي كثيراً ما تقف حائلا، تمنع وصول الخير إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه، ثم نصحني نصيحة موجزة، وحذرني من عاقبة مثل هذا العمل نوما يترتب عليه من إفساد للمجتمع، ونشر للرذيلة بين أفراده، وأن الله سيحاسبني على ذلك يوم القيامة، وبعد أن فرغ من حديثه، أهدى إلىّ شريطاً للشيخ تميم العدناني عن (كرامات المجاهدين).
كنت أسكن بمفردي، وأعاني من وحدة قاتلة، وقد مللت سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام، فدفعني الفضول لاستماع ذلك الشريط الذي يتحدث عن كرامات المجاهدين.
وما إن فرغت من سماعه حتى انتابني شعور بالخوف والندم، واكتشفتُ حقيقة حالي وغفلتي عن الله، وتقصيري تجاه خالقي سبحانه فانخرطت في البكاء.
بكيت بكاء مرّاً كما يبكي الطفل الصغير من شدة الندم، لقد تحدث الشيخ -وهم ممن نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله- تحدث عن كرامات المجاهدين وبطولاتهم، أولئك الذين يقفون على قمم الجبال وهم يرفعون راية لآ إله إلا الله، وقد باعوا أنفسهم لله، وحملوا أرواحهم على أكفهم ليقدموها رخيصة في سبيل الله، فعقدت مقارنة بينهم وبين من ينشر الرذيلة والفساد، ويعيش كما تعيش البهائم لا همّ له إلا إشباع شهواته البهيمية، والأدهى من ذلك أنني لم أركع لله ركعة واحدة منذ اثني عشر عاماً مضتْ عمري الحافل بالضياع والمجون.
لقد ولدت تلك الليلة من جديد، وأصبحت مخلوقاً آخر لا صلة له بالمخلوق السابق، وأول شيء فكرت فيه، التخلص من العمل في ذلك المحل، والبحث عن عمل شريف يرضي الله -عزّ وجل-.
ولكن أأنجو بنفسي، وأدعُ الناس في غَيهم وضلالهم؟ فرأيت أن أعمل في محل الفيديو سنة أخرى، ولكنها ليست كالسنوات السابقة، لقد كنت في تلك السنة أنصح كل من يرتاد المحل بخطورة هذه الأفلام وأبيّن لهم حكم الله فيها، راجياً أن يغفر الله لي ما سلف وأن يقبل توبتي.
ولم تحض أيام حتى جاء شهر رمضان وما أدراك ما شهر رمضان؟ شهر الرحمة والغفران، هذا الشهر الذي لم أشعر بحلاوته وروحانيته إلا في هذه السنة التي منّ الله عليّ فيها بالهداية، فقد أقبلت على تلاوة القرآن، وسماع الأشرطة النافعة من خطب ودروس ومحاضرات، وأذكر أنني استمعت إلى شريطين لم أتأثر بشيء من الأشرطة مثلما تأثرت بهما وهما: (هادم اللذات) و (وصف الجنة والنار) للمورعي.
أما العمل، فقد كان بجوار محل الفيديو الذي كنت أعمل فيه تسجيلات لبيع الأشرطة الإسلامية، وكانت أمنيتي أن أعمل فيها، وبعد أن مضت السنة الخامسة، تركت محل الفيديو فارّاً من غضب الله ولعنته، ومكثت مدة شهرين بلا عمل إلى أن حقق الله أمنيتي، ويسرّ لي العمل في التسجيلات الإسلامية، وشتان بين العملين.
أما صاحب المحل فقد قمنا بنصحه وتذكيره بالله، ونحمد الله أنه استجاب، وترك المحل لوجه الله تعالى.
وأذكر أنني في مرحلة الانتقال من عقر الفساد إلى عقر الإيمان رأيت رؤيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما زاد في إيماني بالله في تلك الفترة، كما رأيت رؤيا أخرى، رأيت فيها الشيخ عبد الله عزام -رحمه الله- الذي تأثرت لمقتله كثيراً وبكيت لذلك، كما رأيت رؤيا لبعض المشايخ، وكلها زادت في إيماني وتثبيتي على الحق.
وفي الختام أسأل الله أن يثبتني وإياكم على دينه، كما أسأله أن يجعل ما قلته عبرة لكل غافل، فالسعيد من اعتبر بغيره.
س. ع/ تبوك


([1] ) هذه القصة رواها لي هذا الشاب بنفسه.

عمروعبده 08-03-2011 06:28 PM

توبة عدد من الشباب
بعد قرائتهم للجزء الأول من هذا الكتاب

رسالة وصلتني من السودان الشقيق، من شاب سوداني مسلم، منّ الله عليه بالهداية بعد قراءته للجزء الأول من هذا الكتاب.
يقول هذا الشباب في رسالته:
بسم الله الرحمن الرحيم
مرشدي إلى الصراط المستقيم.
تحية الإسلام الخالدة أبداً بإذن الله.
لقد فرغت من قراءة كتاب (العائدون إلى الله) قبيل لحظات.. قد تتعجب من استهلالية خطابي هذا.. ولكن -والله على ما أقول شهيد- إنك وبجهدك هذا، أصلحت نفسي، وقومت خلقي، فلذا أقل ما يمكن قوله تعبيراً عن امتناني، وتقديراً لصنيعك هو: (مرشدي إلى الصراط المستقيم).
وبعد هذه المقدمة التي لا أستحقها، عرفني على نفسه، ثم بدأ يذكر لي حاله قبل الهداية فقال:
كنت أتساهل في فترات الصلاة ولا أعيرها أدنى اهتمام على الرغم من الإيمان التام بأن ما أفعله ليس بصحيح، وأنني سأحاسب عليه يوم القيامة.
نعم، كنت أصلي أحياناً وأتركها أحياناً، ويمكن القول بأني كنت أعيش في ظلام دامس، ودهليز كالح، هائم على ظهر هذه البسيطة، لا أدري أين المرفأ ولا أين الطريق.. ربما هذا كله مرجعه ومرده إلى الخواء الروحي، والانحراف عن طريق الهدى، وكذلك مجالستي للغالبية العظمى من الذين افتتنوا بالحياة اللاهية العابثة، فلا همّ لهم سوى الحديث عن الليالي الحمراء، وحفلات الديسكو، والمغامرات العاطفية، وأين تسهر هذا المساء ووو.., الخ.
باختصار لم أجالس من يحرك فيّ الوازع الديني، وهذا يرجع لانشغالي بأماني النفس الكاذبة وتخرجي، والمركز المرموق بعد التخرج.
يزداد إيماني بمجرد سماعي لخطبة أو موعظة أو عند سماعي للقرآن الكريم.. ليس هذا فحسب بل أذرف الدمع لهذا، وأتفاعل تفاعلاً (لحظويّاً)، لكن سرعان ما يموت هذا الدافع الوجداني، وتتبدد تلك التفاعلات، وأعود لما كنتُ فيه من تجاهل لأمر الدين والصلاة، حتى حظيت بنسخة من كتاب (العائدون إلى الله)، أهدانيها والدي جزاه الله ألف خير، وقرأتها بكل تمعن، فوجدتُ فيها ضالتي، وعاهدت الله -عز وجل- أن أسلك الصراط المستقيم، وذلك لما فيه من دروس وعبر جمعها شخصكم الكريم لهداية أمثالي ممن يؤمنون بالإسلام إيماناً سطحياً دون تعمق وتطبيق لأحكامه وشرائعه.
ها أنذا اليوم، وبعد أن كنت أعاني من فراغ روحي، وخواء ديني، أعود إلى حظيرة الإسلام والإيمان القوي بإذن الله.
أخوك/ حامد مهدي
جامعة أم درمان الأهلية
السودان

كما تلقيتُ رسالة أخرى من السودان أيضاً، كتبها أحد الشباب يقول فيها:
أخبركَ بأني كنت من أتباع الشيطان منذ سنين عدة، ولكن الله هداني وأرجعني إلى صوابي. فلقد أهدى إلىّ أحد الخيريين هذا الكتاب (العائدون إلى الله)، فوجدت فيه مفتاح التوبة، وخرجتُ من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة، ومن نكد السيئات إلى نعيم الحسنات.
أسأل الله أن يكتبك من الصديقين والشهداء والصالحين، وأن نلتقي في جنة الفردوس.. الخ.
المخلص/ نصر الدين عبد الرحمن
السودان – الخرطوم

ومن مصر -أرض الكنانة- تلقيتُ هذه الرسالة من الشاب أحمد عزت يقول فيها:
(كنت لا أعرف غير كتب المدرسة فقط، ولذلك كنتُ في غفلة من أمري، إلى أن منّ الله عليّ بقراءة المجموعة الأولى من كتابكم (العائدون إلى الله) ، فهداني إلى سبيل الرشاد..).
ومن الإسكندرية تلقيتُ هذه الرسالة من الشاب أحمد محمد، جاء فيها:
بعد إطلاعي على رسالتكم: (العائدون إلى الله)، ومدى تأثري بها، بقراءتها وشعوري أنها خرجتْ قصصها من قلوب قائليها، وصدق جامعها، جعلتني أتأثر بها، وأقف مع نفسي كثيراً لأجدد المسير إلى الله، وأصلح ما أنا فيه بإذن الله -عز وجل-...).
هذه بعض الرسائل التي وصلت وإذا كان الله -عز وجل- بفرح بتوبة عبده إذا تاب، ويحب عباده التائبين، فنحن نحبهم كذلك لحب الله لهم، ونفرح بتوبتهم فرحاً شديداً ونقول بماء أفواهنا: اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.

عمروعبده 09-03-2011 04:30 PM

ذكريات مؤلمة
وجه مدفون بين كفين ملأى بالدموع.. قلبٌ يرتجف كورقة خريفية مآلها السقوط.. دموعٌ تنهمر بغزارة في صمت رهيب.. تنهار من مآقي عينه كالسيول الجارفة مشبعة بمرارة مضنية.. آلام غائرة مستكنة في قرارة نفسه.. هموم وغموم رابضة على قلبه.. ! الليل يتأوه لحزنه.. لكربه.. موجاتٌ من الندم والحسرة تهدر أعماقه بل تمتد فتقبض أنفاسه..! كم عصفت به أعاصير الهوى فحركت مركبه حيث شاءت.. حيث العوج الخُلقي.. حيث السطو على العواطف.. حيث تلّون القلب بالأقذار..!
كم انتابه ذاك السعار الملهوف.. وتلك الشهوات المجنونة فبصمت على آثارها.. كم مرة خلع فيها خير لباس.. لباس التقوى، وتدثر بذلك الثوب الخلِق.. البالي.. القذر.. المزركش بتلك الخطايا..!
كم خطفته تلك النشوة المؤقتة إلى منزلقٍ خطير.. بل إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام..!
ها هي مقابر الأحزان تلتف حول عنقه.. ها هو بين الحين والحين يحمل الأكفان المثقلة بأجساد الذكريات النتنة.. العفنة..
والآن..
أسئلة سوَّرت قلب ذلك العبد الفقير.. فتحت بوابة إلى مدخل في ذاكرته.. مدخل موحش تعلقت على جدرانه آثام..
قال لي: هل يغفر الله لي..!
قلت: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
قال: لكن ذنوبي عظيمة… كثيرة..
قلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات).
قال: والذكريات رابضة.. جاثمة على عقلي.. رائحتها زكمت أنفي.. ثقلها يقبض نفسي..؟
قلت: عليك أن تشد تلك الذكريات وتدفنها في مقبرة الاستغفار.. وفي سجدات الأسحار..
قال: نعم.. صدقت.. سأتوشح بحسام التوبة وبرمح الأوبة.. سأعمل تقطيعاً بتلك الذكريات التي تكبلني.. سأمزقها إرباً إربا..!
ثم استغرقتُ أرتل بخشوع (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
عندها كغضبة الجمر في ليلة شاتية قارسة.. امتلأ ثقةً ورجاءً بعفو الله.. أصبح متفائلاً كالصباح.. مؤملاً فرحاً بمغفرة المولى كعشبة بريّة تطرب لأنشودة المطر.. غدا أكثر صبراً من الصبار على الآلام..!
ثم قال: حقاً لن يمسح الجراح المنفتحة في زفة الأحزان سوى الإيمان بتبديل السيئات إلى حسنات والصبر خير ذخر..
ثم سَكَت وسَكتُّ ([1])



(1) أبى بعض القراء إلا أن يشاركني في إعداد هذا الكتاب فكانت هذه المشاركة الرائعة من أحد الأخوة من جدة، بارك الله فيه، وقد نشرتها كما هي دون زيادة أو نقصان.

عمروعبده 09-03-2011 04:46 PM

) الشيخ سليمان الثنيان
(المخرج السينمائي سابقا) ([1])
من الهندسة الكيميائية والإخراج السينمائي بألمانيا إلى كلية الشريعة بالرياض، هذه باختصار رحلة الشيخ سليمان الثنيان من الضياع والتخبط إلى الهداية والإيمان.
كانت البداية.. ابتعاث الدكتور سليمان الثنيان إلى ألمانيا لدراسة الهندسة الكيميائية، وهناك حدث التحول الأول في حياته، حيث وجد أن دراسة الكيمياء ليست كافية، وأراد أن يدرس شيئاً جديداً يستطيع التأثير من خلاله، فنصحه عددٌ من الأساتذة الألمان بدراسة الفن والتخصص في الإخراج السينمائي. وبروح التحدي استطاع أن يستكمل دراسة الهندسة الكيميائية، وفي نفس الوقت كان يدرس السينما والتلفزيون والمسرح.
ثماني سنوات قضاها في دراسة هذه الفنون، وضع خلالها منهجاً للدراسة يتيح له الحصول على المعلومات والمهارة الفائقة في مجال الإخراج وذلك بمساعدة متخصصين ألمان ودرس في عدة معاهد فنية وفي الأكاديمية الوطنية للسينما والمسرح والتليفزيون.
ونترك الحديث للدكتور الثنيان ليحدثنا عن رحلته يقول: لم أترك مجالاً يحتاجه المخرج إلا ودخلته، فقد التحقتُ بمدارس ركوب الخيل وقيادة السفن ودخلتُ معاهد التمثيل والموسيقى، ودرستُ أنواع الصوت وجزئيات الإضاءة والمؤثرات الصوتية والملابس والديكور، وبذلك أنهيتُ المرحلة الأولى بنجاح، وبدأتُ المرحلة الثانية التي تميزتْ بالممارسة العملية من إخراج وتصوير وعمليات مسرحية وإنتاج فكري وكتابة قصص، وباليوم والساعة أنهيتُ هذه المرحلة، وبنهايتها انهالتْ عليّ العروض من (مسرح شلرد) ومن بعض الشركات لكي أعمل فيها كمخرج أو مساعد مخرج أو ممثل لفترة معينة.
ولكني لم أستجب لهذه العروض… فقد حدث تحول ثان في حياتي، فقد التقيتُ بمدير عام التليفزيون السعودي في ذلك الوقت الذي طلب مني العودة مع وعدٍ منه بأنني سوف أنتج أشياء جديدة، ولم تكن طموحاتي هي مجرد إخراج فيلم أو مسرحية، وإنما كنتُ أريد أن أقوم بأعمال أُسمِعُ من خلالها كلمة الإسلام والمسلمين للعالم أجمع، ومن هنا كانت استجابتي السريعة بالعودة.
عملتُ في التليفزيون السعودي أربع سنوات، ومثلتُ بلادي في مؤتمر (جينس) بميونج وكان حول دور التليفزيون في تربية الشباب، وفي عام 1396هـ، قررتُ أن أترك مجال الإعلام، لأنني وجدتُ أنني لن أحقق طموحي من خلال الإعلام التليفزيوني، فالسينما كانت أحبُ إلى نفسي، لأن إمكاناتها هائلة، وكانت (المادة) تقف حائلاً أمام تحقيق هذا الطموح، حيث إنني لم أجد إلا المال المشروط بالربح التجاري.
سنة ونصف السنة قضيتها بعد ذلك في حالة تردد. جاءتني الكثير من العروض التجارية ورفضتها تماماً، وفي إحدى رحلاتي من القصيم إلى الرياض حدث التحول الثالث، كان الوقت ضحى، وكنت في سيارتي، حيث رأيت سروراً عظيماً، وشعرتُ كأنني كنتُ مغمض العينين وأزيحتِ الغشاوة عني، لقد رأيتُ الدنيا من جديد وكدتُّ أطير فرحاً تعذبتُّ عاماً ونصف العام وها هو الخير أراه أمامي أصابني شيء من البكاء والضحك من شدة سعادتي، فقررتُ أن أستدرك بقية عمري وأن أتصل بالله سبحانه وتعالى ورأيت أنه لابدّ من العلم، وهذا ما تعودتُّه منذ طفولتي، فأنا لا أعمل شيئاً إلا بالعلم، وحتى أحقق ذلك عزمت على دراسة الشريعة والعلم الشرعي دراسة متعمقة.
انطلقت إلى كلية الشريعة وأنا في غاية الفرح والنشوة، قالوا لي: لك أن تقدم للدراسات العليا إن شئت. قلتُ لهم: لا.. أريد أن أبدأ الرحلة من أولها، أي من الصف الأول. وهذا ما حدث.. انتظمتُ في الدراسة حتى حصلتُ على البكالوريوس. دون أن أتغيبَ يوماً واحداً وبعد ذلك حصلتُ على الماجستير، ثم جاءت مرحلة الدكتوراه، وانتهيتُ منها في فترة وجيزة.
توقع الجميع ألا أصمد في دراسة الشريعة لصعوبتها، خاصةً وأنني -في رأيهم- تعودت على الشهرة والمال، وقالوا لي: ستعرف يوماً أنك أخطأت الطريق، ولن تتحمل الكراسي الخشبية التي تجلس عليها لتدرس الشريعة، ولكن بحمد الله حدث العكس، لم يكن يمر يوم إلا وتزداد رغبتي في الدراسة، ولم أندم لحظة واحدة على تغيير مسار حياتي.
ثم يضيف: إني مستعد في أي لحظة أن أعود إلى الإعلام، إذا ناسب ما أريد، دعني أقول لك رأيي فيما يطرح حالياً من أفلام في السوق العربية، كثير من هذه الأفلام كلام فارغ وعمل رخيص لا يستحق العرض وبذل المال، وضياع الوقت في مشاهدتها، إنها تسلب العقل وتضيع الفكر، وتجعل الإنسان يتخبط دون وعي أو بصيرة.
لم أر مثيلاً للدول العربية في تخبطها في إنتاج الأفلام. كلٌ ينتج ما يريد دون ضوابط أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، أنها أفلام هابطة في معناها وتعبيرها وفي طريقة عرضها وأبعادها.
ثم يعقب الدكتور الثنيان بقوله: إنني مستعد أن أستغنى عن أدوار النساء تماماً، وقد جربت ذلك في مسرحية (خادم سيدين) حيث استغنيت فيها عن النساء تماما، واستعضت عن الموسيقى بمؤثرات وأشياء خاصة بالإيقاع تغني عن الموسيقى، بل أضعاف ما تعطيه الموسيقى.
ويضيف: إنني أستطيع أن ألغي دور أمرأة وأعوّضه بما هو أحسن منه، وأخرج أي عمل بواسطة الرجال، ويكون ذا تأثير وقوة ومتعة للمشاهد، وأجمع فيه بين الفكر والعلم والمتعة. وهذا هو النموذج مسرحية (خادم سيدين)، وهي في الأصل مليئة بالنساء والمواقف الطريفة، وقد استبعدت أدوار النساء منها، وجعلتها بالعربية الفصحى، وأعجب الناس بها.
وعموماً فإن تجربة المسرح الذي من العنصر النسائي ليست تجربة جديدة بل هي تجربة يتميز بها المسرح السعودي بعامة والذي استطاع على امتداد ثلاثين عاماً على الأقل أن يقدم عشرات المسرحيات التي تخلو من العنصر النسائي، وقد نجح في هذا تماماً بل إن أمريكا مسرحاً يقدم تجارب جيدة وهو يخلو من النساء أيضاً، المهم هو الفن ليس المرأة.

(2) سمعتها منه بنفسي.

عمروعبده 09-03-2011 04:49 PM

توبة الممثل محسن محيي الدين
وزرجته نسرين ([1])
لقد أصبح الفن الرخيص في زمننا هذا وسيلة للكسب المادي، وتجارة رابحة، على حساب الغافلين والمغفلين من أبناء هذه الأمة، هذا إلى كونه من أعظم الوسائل لهدم القيم والأخلاق وتحطيمها.. ولقد ظهرتْ في السنوات الأخيرة ظاهرة أقلقت تجار الفن والغرائز وجعلتهم يفقدون صوابهم ويطلقون كل ما في جعبتهم من الإشاعات والتهم الباطلة دفاعاً عن كيانهم المتداعي وبنيانهم المنهار.. تلكم الظاهرة هي عودة كثير من الممثلين والممثلات أو ما يمسـون بالفنانين والفنانات ([2]) إلى الله -عز وجل- وإعلانهم بالتوبة والهروب من تلك الأوساط العفنة إلى أجواء الإيمان بالعقبة الطاهرة، وكان من آخر هؤلاء التائبين الممثل محسن محيي الدين وزوجته الممثلة المشهورة نسرين.
وقد روى الممثل سابقاً محسن محيي الدين قصته مع الهداية فقال: (أنا شاب كغيري من الشباب، تخبطي في فترات حياتي السابقة كان ناتجاً عن انبهاري بمظاهر الحياة الخادعة والتي أعمتْ بصري وأصمَّتْ أذني عن معرفة أشياء كثيرة كنتُ أجهلها؛ خاصةً وأني لم أكن أقرأ من قبل على الرغم من أن الله تعالى بدأ أول آية أنزلها بكلمة: (اقرأ) .. وبعد أن بدأت أقرأ في كتب الدين شعرت بأنني من أجهل خلق الله، وقد كنتُ أعتقد أنني من المثقفين.. فأخذت أقرأ بنهم شديد في كتب السيرة والتراث والتفسير.. وبعد هذه القراءة المتأنية وجدتُّ أن المؤثرات المحطية بي جعلتني في ضلال مبين، فكان قراري باعتزال التمثيل.. وقد شجعني على اتخاذه ارتداء زوجتي الحجاب الذي كنت أسعد الناس به).
ثم يضيف: (هذا القرار -إن شاء الله- لا رجعة فيه لأني اتخذته بكامل اقتناعي وإرادتي، وندمت لأنني تأخرت فيه حتى الآن، فأضواء ليست غالية حتى أحنّ إليها مرة أخرى.. فالشهرة والمال والأضواء لا تساوي ركعتين لله...).
ثم يضيف:
(إننا اعتزلنا ونحن في القمة الزائفة.. فقد كان قرارنا بعد مهرجان القاهرة السينمائي الذي أقيم في العام الماضي، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه، وليس لأننا لم نجد أدواراً نمثلها كما يقول البعض.. وقد أدركنا الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع وهي أن الإنسان مهما طال عمره فمصيره إلى القبر، ولا ينفعه في الآخرة إلا عمله الصالح).
ثم يوجه نصيحته لإخوانه الشباب قائلا:
(سامحوني على كل ما قدمتُ لكم من أعمال فنية سابقة لا ترضي الله -عز وجل- ولا تقتدوا بي في ما كنتُ أفعله في مسلسلاتي وأفلامي فقد كنت ضالاً جاهلاً، والجاهل لا يقتدى به).
أما زوجته الممثلة نسرين فقد قررتْ الاعتزال وارتداء الحجاب بعد أن رأتْ أمها رؤيا في المنام، حيث رأتْ والد نسرين وهو غاضب على ابنته، فاستنتجت الأم أن سبب غضبه تقصير نسرين في أداء الصلاة بانتظام مما جعل نسرين تراجع نفسها وترجع إلى الله.
تقول نسرين: (الحمد لله.. كان يومي يضيع دون إحساس بالسعادة ودون أن أشعر بالسلام.. والآن ليس لدي وقت كافٍ.. لأن هناك أموراً كثيرة نافعة يجب اللحاق بها.. لقد وجدت السلام الداخلي).
وفي لقاء أجري معها قالت: (الناس مليئة بالريا والفسوق ويظهرون الفجور.. كيف نتعامل معهم؟) ولعلها تعني الناس الذين كانت تتعامل معهم في (الوسط الفني).
وقالت أيضاً: (لقد كرم الله المرأة التي ترتدي الحجاب وهو يحميها من القلوب المريضة والفسوق.. وعلى الأقل إنها ليست نافذة عرضٍ متحركة ليتفرج الناس عليها ويعجبوا بها).


([1] ) نشرت في بعض الصحف والمجلات.

([2] ) الفنان معناه في لغة العرب الحمار، انظر لسان العرب، مادة (فنن).

عمروعبده 09-03-2011 04:53 PM

توبة الممثلة نورا
جاءت إلى مكة المكرمة لأداء العمرة والاستغفار بعد اعتزالها التمثيل منذ عدة أشهر.. كانت لا تفارق الحرم إلا لماماً، ولا يبرح المصحف الشريف يدها، ولا تكف عن البكاء.
إنها الممثلة (نورا) سابقاً، وشاهيناز قدري حالياً وهو اسمها الحقيقي.. وجواباً على سؤال وُجّه إليها عن رحلتها مع التوبة قالت: (إنها لحظة كانت من أعظم لحظات حياتي.. عدتُّ فيها من غربتي.. وولدتُ فيها من جديد حينما ذهبتُ مع صديقة لي لمقابلة عالم جليل، وكان من المقرر أن يمتد اللقاء لمدة ساعة، ولكنه امتد لمدة ساعات سمعت فيها -مع غيري من المسلمين والمسلمات- ما لم أسمعه من قبل.. وارتعدتْ فرائصي واهتز كياني وأنا أسمع كلمات الشيخ عن الإسلام والمعصية والتوبة، والطريق الخطأ والطريق الصواب.. فعدتُّ مع صديقتي إلى منزلي وأنا أرتعش، وأحسست بزلزال رهيب في أنحاء جسمي.. وفي اليوم الثاني -وعلى الفور- توجهتُّ إلى مسجد من مساجد القاهرة حيث الداعية الكبيرة شمس البارودي وهناء ثروت، وجلست أقرأ القرآن وأتفقه في دين الله والسنة المطهرة، وداومتُ على ذلك بصفة مستمرة ودون انقطاع.
وفي لحظة روحانية قررتُ وحسمتُ أمري بأن أكون مسلمةً مؤمنةً تائبةً إلى ربها، وأن أقطع كل صلتي بالتمثيل.
وتخلصتُ -والحمد لله- من كل ارتباطي الفنية مع المخرجين والمنتجين وكل ما يتعلق بالفن، بلا رجعة.. فمن يعرف طريق الله لن يجد له بديلاً.
وأنا الآن -والحمد لله- أعيش من رزق حلال طيب، أسأل الله -عز وجل- أن يبارك فيه).
وحول الشبهة التي يثيرها البعض من أن توبة الفنانين نتيجة تهديد من جهات ما أجابت:
(أنا عن نفسي رجعتُ إلى الله، وتبتُ وندمتُ خوفاً منه -سبحانه- واقتناعاً بما أفعل وليس خوفاً من تهديد مطلقاً ولا يخفى علينا جميعاً الحملة الشعواء لهذه الأقلام المغرضة التي تخشى الإسلام وقوّته)
وسُئلتْ: من واقـع تجربتك الفنيـة هل تعتقدين أن الفن حرام؟ فأجبت: (إن الفن -والله تعالى أعلم- بالنسبة للنساء حرام حرام لأن المرأة عورة، وفن هذه الأيام فن مبتذل فيه إسفاف.. ولن يكون رسالة سامية مطلقاً.. فهو بعيد كل البعد عن الإسلام).
هـذا هو ملخص ما قالته الممثـلة التائبة نورا بعد اعتزالها الفن والتمثيل.. وأني -بهذه المناسبة- أنصح كل فتاة تتخذ من هؤلاء (الفنانين) قدوة لها، أو تفكر في الزج بنفسها في وسط تلك الأجواء العفنة؛ أن تقف طويلاً وتمعن النظر في أحوالهم وأقوال التائبين منهم وألا تغتر بما هم فيه من المظاهر الجوفاء وبريق الشهرة الخادع، فما هو إلا كظل زائل أو سراب كاذب سرعان ما يزول فتنكشف الحقيقة.

عمروعبده 09-03-2011 04:59 PM

توبة شاب على يد رجل من أهل الحسبة ([1])
قال من أعرفه: أمام تلك المرأة القابعة في الزاوية الشرقية من غرفتي كنت أسرح شعري في أصيل يوم قائظ.. وكانت نغمات الموسيقى تملأ الجو صخباً وضجيجاً.. وفجأة خفق قلبي خفقاناً شديداً لم أعرف سببه.. اتجهتُ إلى المسجل وأسكتُّ تلك الموسيقى الغربية وذلك الضجيج الذي لا أفهم منه شيئاً.. وزاد قلبي خفقانا.. اتجهتُ إلى النافذة لأستنشق الهواء، إلا أنني أحسست بشعور غريب لا أعلم كنهه ولا أدرك سببه! فما هي أول مرة أستعد هذا الاستعداد.. ثم أتجه إلى أحد الأسواق كي أُنقِّلَ طرفي هنا وهناك.. وأستأثم بمعاكسة الفتيات.
وخلال عبوري البيت متجهاً إلى الباب الخارجي مررتُ بأمي.
وبعد أن تجاوزتها ببضع خطوات نادتني: أحمد لقد رأيتك البارحة في المنام.. إلا أني تظاهرت بعد السماع وواصلت المسير.. لحقتْني وأمسكتْ بذراعي وقالت: ألن تضع حداً لهذا الاستهتار وضياع الوقت يا أحمد؟.
وعندما التقتْ عيناي بعينيها عاودني ذلك الخفقان القلبي المريب.. واتجهتُ إلى الباب صامتاً ومن ثم خرجتُ إلى صديقي وبعد أن امتطيت سيارتي الفارهة.. التفَتَ إلىّ مبتسماً ونفثَ في وجهي شيئاً من دخان سيجارته الملتهبة.
أما أنا فلا زال قلبي يضرب بقوة.. رفعتُ صوت المسجل علّه يصرف عني ما بي.. أي سوق سنذهب إليه الآن؟
سألني.. وعندما سمعت هذه الكلمة التي سمعتها ليلة البارحة وكأنما صمّت أذناي فلم أعد أسمع شيئاً سوى صدى تلك الكلمات المتدفقة بالحياة: أخي أليس من العيب أن تضيّع شبابك لاهياً.. ساعياً.. وراء بنات المسلمين، وأن تساهم في إفساد المجتمع وأن تدعم مخططات الأعداء وأنت من فلذات أكبادنا ومن أبنائنا.. أخي ألا تتقي الله؟).
وهكذا أصحبت هذه الكلمات تدوّي في سماء عقلي كالرعد المجلجل.. وصورة ذلك الرجل الذي يضيء وجهه إيماناً وطهراً لا تفارق مخيلتي رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمسك معصمي البارحة وأنا أتجول في أحد الأسواق ألاحق الفتيات.. وهمس في أذني بتلك الكلمات التي كانت أبلغ من كل تهديد أو وعيد..
فتحت عيني فإذا بصديقي يهزني بيده سائلا: ما بك؟
التفتُّ إليه وقلت: لا شيء .. أريد أن أرجع إلى البيت. ولا أدري ما هي القوة التي دفعت بصاحبي بأن يرجعني إلى البيت بدون مناقشة.
هبطتُ من السيارة واتجهتُ إلى البيت دون أن أودع صاحبي.. وكم كان عجبي شديداً عندما رأيتُ البيت ممتلئاً.. رجالا.. ونساءً ذهلتُ.
اتجهتُ إلى أخي الصغير لما رأيته ينتحب باكياً.. سألته ما بك؟! نشج.. ثم سعل.. ثم رفع رأسه الصغير إلىّ وقد امتلأت عيناه دموعاً وقال: أحمد.. لقد ماتت أمي.. أصيبت بنوبة قلبية.. وماتت.. أحسست بقلبي يتوقف رويداً رويداً، وتمنيتُ أن يعاوده ذلك الخفقان، إلا أنه لم يفعل. لقد مضى على هذه القصة ثلاث سنوات، وها أنذا الآن أرويها بدموعي.. وأردد الدعاء وجزيل الشكر لذلك الرجل الذي منحني عاطفة صادقة وكلمات ناصحة من القلب.

([1] ) جريدة الجزيرة عدد (6999) عبد الله العلي.

عمروعبده 09-03-2011 05:01 PM

توبة فتاة بعد سماعها لآيات من القرآن الكريم ([1])

تقول هذه الفتاة:
نشأت في بيت متدين بين والدين صالحين، يعرفان الله -عز وجل- كنتُ ابنتهم الوحيدة.. فكانا يحرصان دائماً على تنشئتي تنشئة صالحة، ويحثانني على الالتزام بأوامر الله -عز وجل- وخاصة الصلاة وما إن قاربتُ سن البلوغ حتى انجرفت مع التيار، وانسقت وراء الدعايات المضللة، والشعارات البراقة الكاذبة التي يروج لها الأعداء بكل ما يملكونه من طاقات وإمكانيات.. ومع ذلك كنت بفطرتي السليمة أحب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، وأخجل أن أرفع عيني في أعين الرجال.. كنت شديدة الحياء، قليلة الاختلاط بالناس، ولكن -وللأسف الشديد- زاد انحرافي وضلالي لدرجة كبيرة بعد أن ابتُليت بزوج منحرف لم أسأل عن دينه.. كان يمثل عليّ الأخلاق والعفة.. عرّفني على كثير من أشرطة الغناء الفاحش الذي لم أكن أعرفه من قبل، وأهدى إلىّ الكثير من هذه الأشرطة الخبيثة التي قضت على ما تبقى فيّ من دين حتى تعودتْ أذنيّ سماع هذا اللهو الفاجر.. تزوجته ووقع الفأس في الرأس.. زواجي في بدايته كان فتنة عظيمة لما صاحبه من المعازف وآلات الطرب والتبذير والإسراف والفرق الضالة والراقصات الخليعة.. مما صد كثيراً من الحاضرين عن ذكر الله في تلك الليلة.
ومع مرور الأيام التي عشتها مع هذا الزوج الذي كان السبب الأول في انحرافي وشرودي عن خالقي؛ تركت الصلاة نهائياً، ونزعت الحجاب الذي كنت أرتديه سابقاً.. ولأنني لم أعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجه)، قطعتُ الصلة بربي فقطع الصلة بي ووكلني إلى نفسي وهواي.. ويا شقاء من كان هذا حاله.. (ولا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قلْبُه عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فُرُطاً).
ولكني لم أجد السعادة بل الشقاء والتعاسة.. كنت دائماً في هم وفارغ كبير جداً، أحسه بداخلي رغم ما وفّره لي زوجي من متاع الدنيا الزائل. لقد أنزلني هذا الزوج إلى الحضيض.. إلى الضياع.. إلى الغفلة بكل معانيها.. كنت دائماً عصبية المزاج غير مطمئنة.. ينتابني قلق دائم واضطراب نفسي.. وكما كنت متبرجة ينظر إلىّ الرجال، كذلك كان زوجي يلهث وراء النساء، ولم يخلص لي في حبه، فقد تركني وانشغل بالمعاكسات، والجري وراء النساء.. تركني وحيدة أعاني ألم الوحدة والضياع، وأتخبط في ظلمات الجهل والضلال.. حاولت مراراً الانتحار، لكي أتخلص من هذه الحياة الكئيبة، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، وأحمد الله على ذلك.. إلى أن تداركني الله بفضله ورحمته واستمعتُ إلى شريط للقارئ أحمد العجمي، وهو يرتل آيات من كتاب الله بصوته الشجي.. آيات عظيمة أخذتْ بمجامع فكري وحرّكت الأمل بداخلي.. تأثرتُ كثيراً.. وكنت أتوق إلى الهداية، ولكني لا أستطيعها، فهرعتُ إلى الله ولجأتُ إليه في الأسحار أن يفتح لي طريق الهداية ويزيّن الإيمان في قلبي ويحببه إلىّ، ويكرّه إلىّ الكفر والفسوق والعصيان.. كنتُ دائماً أدعو الله بدعاء الخليل إبراهيم -عليهم السلام- (رَبِّ اجْعَلْنِيْ مُقِيْمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِيْ رِبَّنَا وَتَقَبَّلّ دُعَاء).
ورزقني الله بشائر الهداية فحافظتُ على الصلاة في أوقاتها، وارتديتُ الحجاب الإسلامي، وتفقّهتُ في كثير من أمور ديني.. حافظتُ على تلاوة كتاب الله العزيز باستمرار، وأحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة، والكثير من الكتب النافعة، وأصبحت أشارك في الدعوة إلى الله، وقد حصل كل هذا الخير بعد أن فارقتُ هذا الزوجَ المنحرفَ الذي كان لا يلتزم بالصلاة، رغم حبي له، وآثرتُ قرب خالقي ومولاي، فلا خير في زوج طالح صدني عن ذكر الله.. (ومن ترك شيئاً لله، عوضه الله خيراً منه).
وها أنا الآن -والحمد لله- أعيش حياة النور الذي ظهرت آثاره على قلبي ووجهي، هذا بشهادة من أعرفه من أخواتي المسلمات، يقلنَ لي إن وجهك أصبح كالمصباح المنير، وقد لاحظنَ أن النور يشع منه، وهذا فضل عظيم من الله سبحانه.
أدعو الله أن يثبتني على دينه وسائرالمسلمين.
أختكم:
ع. أ.


([1] ) كتبتها لي بنفسها من الإمارات العربية المتحدة.

عمروعبده 09-03-2011 05:04 PM

توبة شاب في طليطلة ([1])
يقول هذا التائب:
عشتُ حياتي في سعادة بالغة أتلقى كل الرعاية والاهتمام من والديَّ، بعد أن كرسا حياتهما من أجل إسعادي؛ لأني كنتُ الطفل الوحيد لهما.. وعندما حصلتُ على شهادتي الجامعية، أهداني والدي سيارة، وأبلغني بضرورة الاستعداد للعمل معه في شركته الخاصة.
وفي ذلك الوقت كنتُ أرتبط بعدد من زملاء الدراسة بصداقة وطيدة.. وكان أكثر هؤلاء قرباً مني شخص اسمه علي.. وزاد من ارتباطي به تشابه ظروفنا الاجتماعية، فقد كان هو الآخر وحيد والديه وكانا في حال مادية متيسرة مثل والدي تماماً.. ويسكنان بالقرب من منزلنا مما ساعد على لقائنا المستمر بصفة يومية.
وعقب تخرجنا من الجامعة معاً، عرض علي ضرورة السفر إلى الخارج، كما يفعل الآخرين من زملائنا الذين يعرفون كيفية الاستمتاع بأوقاتهم!!
وطرحتُ الفكرةَ على والديّ اللذان وافقا على سفري بعد إلحاح شديد من جانبي.. وأبدى والدي تخوفه من حدوث انحراف في أخلاقياتي مثلما حدث للكثير من الشباب، فطمأنته ووعدتُّه بأن أكون مثالاً للابن الصالح.. ووسط دعوات والديّ بسلامة العودة قمت بشراء تذكرتي سفر لنفسي ولصديقي إلى أسبانيا.
وفور وصولنا إلى هناك.. لاحظتُ أن صديقي يصرُّ على إقامتنا في أحد الفنادق دون غيرها.. ولما سألتُه عن السبب أخبرني بأن هذا الفندق يقع بجوار العديد من حانات الشراب التي سوف نجدد فيها حياتنا كالآخرين!!
وهنا تذكرتُّ نصائح والديّ لي بالابتعاد عن كل ما يسيء إلى ديني، فرفضتُ الذهاب بصحبته في اليوم الأول... لكن تحت ضغوط إلحاحه الشديد وافقتُ على الذهاب معه.
ومنذ اليوم الأول جرّني إلى مزالق كثيرة ومساويء أخلاقية مشينة، ولم أحس بالآثام التي ارتكبتها، إلا في اليوم التالي. وهنا أحسستُ بالندم الشديد على ما ارتكبتُه من إثم في حق ديني ونفسي.
ولكن الندم لم يدم طويلاً .. ومن أجل التغيير سافرنا إلى غرناطة وطليطلة.. وكان بصحبتي فتاة غير مسلمة أخذتْ تتجول معي في مناطق الآثار الإسلامية.
وفي طليطلة شاهدتُ القصور العظيمة التي بناها أجدادنا المسلمون.. وشرحتْ لي الفتاة كيف أن أهلها لا يذكرون المسلمون إلا بكل خير؛ لأنهم لم يسيئوا لأحد من أهل الأندلس عندما قاموا بفتحها.
وكانت خلال شرحها المسهب لعظمة التاريخ الإسلامي في هذا البلد يزداد إحساسي بالخجل مما ارتكبتُه من آثام في هذه المدينة، التي لم يفتحها أجدادنا إلا بتقوى الله -عز وجل-.
ووصل أحساسي بالذنب إلى أقصاه، عندما رأيت أحد المحاريب داخل قصر إسلامي بالمدينة كتبتْ عليه آيات من القرآن الكريم.. وكنتُ كلما نظرتُ إلى كلمات هذه الآيات أحس وكأن غصة تقف بحلقي لتفتك بي من جراء تلك الذنوب التي ارتكبتها في حق نفسي في اليوم الأول من وصولي إلى تلك البلاد التي تنتسب إلى ماضينا الإسلامي المجيد.
وانسابتْ الدموع الغزيرة من عيني عندما رأيتُ قول الله تعالى: (وَلا تَقْرَبوا الزِّنى إنَّه كانَ فَاحِشَةً وَّسَاءَ سَبِيْلاً). ودهشتِ الفتاة التي رافقتني لتلك الدموع فأخبرتُها أنني تذكرتُ بعض الذكريات المؤلمة في حياتي لإدراكي أنها لن تفهم ما سأخبرها به.
وفي هذه اللحظة قررتُ العودةَ إلى المملكة على أول طائرة تغادر برشلونة.. وحاول صديقي إقناعي بالبقاء معه لمواصلة رحلتنا، لكنني رفضتُ بإصرار، بعد أن أدركتُ بشاعة ما يرتكبه في حق دينه ونفسه.
وهكذا عدتُ إلى بلدي نادماً على ما فعلتُ متمنياً من الله تعالى أن يغفر لي الذنوب التي ارتكبتُها.. ومنذ أن وطئتْ قدماي أرضَ بلادي، قررتُ قطع كل علاقة لي بهذا الصديق الذي كاد أن يوقعني في موارد التهلكة لكن الله تعالى أنقذني قبل فوات الآوان.
م. د. – جدة


([1] ) الأمة الإسلامية عدد (17)، وطليطلة مدينة من المدن الأسبانية.

عمروعبده 09-03-2011 05:06 PM

توبة شاب في روما
روما عاصمة إيطاليا، معقل النصرانية ومقر الفاتيكان.. هناك.. عاد هذا الشاب إلى ربه فوجد حلاوة الإيمان.. ولكن على يد من؟ على يد فتاة إيطالية. كانت سبباً في هدايته.. حدثني بنفسه عن قصته فقال:
ولدتُّ في مدينة الرياض ونشأتُ بين أبوين مسلمين، وفي مجتمع مسلم معروف بصفاء العقيدة وسلامتها من البدع والخرافات.. منذ الصغر كانت لي ميول (فنية) في الرسم والتشكيل، لذا تخصصت في هذا الفن، وحزتُ على شهادة في التربية الفنية، وعملتُ في سلك التدريس ملعماً لهذه المادة لمدة عام كامل، ثم أُعلن عن بعثة إلى إيطاليا للدراسة في مجال الفن وهندسة الديكور، فسارعت إلى التسجيل، فكنت ضمن قائمة المرشحين للسفر في هذه البعثة.
سافرتُ إلى إيطاليا -وكان ذلك عام 1395هـ- وكان اتجاهي آنذاك منحرفاً.. نعم.. كنتُ مقراً بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم.. ولكن لا أقيم شعيرةً من شعائر الله اللهم إلا النطق بالشهادتين.. وماذا يغني قول بلا عمل؟!
مضتْ عليّ سنتان وأنا على هذه الحال، اكتشفتُ خلالها حقيقة الحياة الغربية، وما يمكن أن أصل إليه في المستقبل، إن أنا سرتُ في هذا الطريق.. نظرتُ إلى من حولي، فلم أر إلا قطعان من الذئاب والحيوانات البشرية، التي لا همَّ لها إلا الأكل والشرب واللهو، والسعي وراء الشهوة بأي ثمن. فساد أخلاقي. أثرة وحب للذات.. هذا ما رأيته بنفسي، وبما تعلمتُه من مجتمعي المسلم المحافظ.
كنتُ أحدّث نفسي دائماً وأقول: لابدّ وأن يأتي يوم أعود فيه إلى الله وألتحق بركب الإيمان.. ولكن متى يأتي هذا اليوم؟! لا أدري.
ومضتِ الأيام وأنا على تلك الحال من الغفلة والضياع إلى أن قررتُ الالتزام، فبدأتُ بالمحافظة على الصلاة وبعض الشعائر الظاهرة، فكان التزاماً ظاهرياً فقط دون إدراكٍ لروح الدين وحقيقته.
كنتُ أقيم هناك في مدينة تدعى (فلورنسا)، وفي إحدى الإجازات كان من المقرر أن أسافر بالقطار إلى روما -أنا وصاحب لي- لقضاء بعض الأعمال، وفي اليوم المحدد للسفر شاء الله -عز وجل- أن نصل متأخرين إلى محطة القطار، وتفوتنا الرحلة فوجدنا قطاراً آخر.
كان هذا القطار قد امتلأ بالركاب، وأوشك على المسير، فكنتُ أنا وزميلي آخر راكبين قبل إغلاق الباب.
نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر مقعداً خالياً، فأخذنا نبحث عن مكان نجلس فيه، وبعد زمن ليس بالقصير لمحت مقعداً خالياً في إحدى المقصورات بينما وجد صاحبي مقعداً آخر في المقصورة التي تليها.
دخلتُ إلى تلك المقصورة -وهي في العادة تتسع لستة أشخاص- فلم يكن بها إلا أربعة فقط كلهن نسوة، أما المقعدان الباقيان فقد كانا مشغولين ببعض الحقائب، فاستأذنتهن في إخلاء المقعدين والجلوس فيه فأذنّ لي.
ثلاث ساعات ونصف الساعة هي المسافة الزمنية بالقطار بين فلورنسا وروما.. مضتْ ساعتان ولم يتفوه أحد منا بكلمة واحدة.. بعضنا كان يقرأ، والبعض الآخر كان يقلب نظراته تارة من خلال النافذة وتارة في وجوه الآخرين.
كنتُ أحمل في يدي كتيباً صغيراً ولكني شعرت بالملل -وهو ما لاحظته على وجوه البقية- فأردتُ أن أكسر حاجز الصمت، وأبدأ في الكلام.
فقلتُ: إننا منذ ساعتين لم نتحدث ولم ننطق بكلمة واحدة.. فوافقنني على ذلك، وبدأ النقاش..
قالت إحداهـن: من أيـن أنت؟ قلت: من السعوديـة.. وأنت؟ قالت: أنا إيطاليـة ]نصرانية[ .. وجاء دور الثالثة لتعرّف بنفسها فقالت: إنها يهودية من إسرائيل.
ما أن أطلقتْ هذه اليهودية كلمتها حتى انتفضتُ كما ينتفض العصفور إذا بلله القطر، وتمعر وجهي، وتسارعت نبضات قلبي، فكانت تلك نقطة التحول.
(يهودية من إسرائيل)!! قالتها بتحدٍ واضح وتعالٍ واستكبار وكأنها تقول لي: إنني من الأرض التي انتزعناها من أيديكم وطردناكم منها فمتْ بغيظك..
كانت لحظات معدودة ولكني أذكر تفاصيلها بدقة ولن أنساها ما حييت.. ثم تفجر البركان..
لقد فقدتُ شعوري في تلك اللحظات، وانفجرتُ بالكلام على الرغم من قلة بضاعتي في العلم الشرعي، بل حتى في التحدث مع الآخرين.. وقمت بشن هجوم عنيف لا هوادة فيه على هذه اليهودية، وقلتُ كلاماً كثيراً -لا أتذكره الآن- ولم يتوقف هذا البركان المتدفق عن الكلام المتواصل إلا حينما توقف القطار في محطته في روما..
ساعة كاملة ونصف الساعة من الحديث المتواصل دون انقطاع.. كانت الأفكار تتدفق كالسيل وتسبق الكلام أحياناً على الرغم من ضحالة ثقافتي العامة -كما أسلفت- إلا فيما يتعلق بالألوان والرسم.
وإن مما أذكره الآن أنني بدأت بالقضية الفلسطينة، وأن اليهود مغتصبون وخونة، وهي عادتهم على مرّ التاريخ، وأنهم شعب مشرد جبان.. الخ، وجرني هذا الحديث إلى الحديث عن الديانة اليهودية وما طرأ عليها من التحريف، وكان من الطبيعي أن يجرني الحديث إلى النصرانية كذلك وما طرأ عليها من تحريف النصارى.. وهذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها عن مثل هذه الموضوعات المتعلقة بالأديان.
وواصلتُ الحديث بحماس واندفاع منقطع النظير.. وقد ظهرت واضحة أثناء حديثي الحمية الدينية والقومية والوطنية.. وما شئت من الحميات لاسيما وأنني لم أكن -آنذاك- قد التزمت التزاماً حقيقيا.
وبعد الفراغ من الحديث عن الديانتين اليهودية والنصرانية؛ تحدثت عن الإسلام وسماحته ويسره.. ومن ثم عقدتُّ مقارنة بين هذه الديانات الثلاث.. وأنا حين أتذكر ذلك أضحك من نفسي، وأعجب كيف حدث هذا.
كنتُ أتحدث والجميع ينصتون إليّ وقد حدجوني بأبصارهم إلا اليهودية، فقد نكّست رأسها خوفاً أو خجلاً -لا أدري- ولسان حالها يقول ليتني لم أقل شيئا...
ولما توقف القطار كانت أول نازل منه.. أما الآخريات فقد شكرني على ما قلتُ إما مجاملة أو خوفاً.. لا أدري أيضاً.
وعند نزولي من القطار كانت الإيطالية تنتظرني -وهي فتاة في العشرينات من عمرها- فأثنتُ على ما قلتُ وطلبتْ مني مزيداً من المعلومات عن الإسلام فأخبرتُها بأني لا أعلم الآن شيئاً غير ما قلته.. ولكني سأحاول البحث مستقبلاً وسؤال أهل العلم عما يشكل.. وكتبتُ لها عنواني، ومن توفيق الله أنها كانت تسكن في ذات المدينة التي أسكنها وهي فلورنسا، وأنها قدِمتْ إلى روما لعمل وستعود بعد أيام، وأنا كذلك.
كانت تسكن في فلورنسا مع أخيها للدراسة بعيداً عن أهلها الذين يسكنون في الجنوب. وفي أول لقاء تم بيننا كان الحديث عادياً بعيداً عن الدين، وتكررتْ الزيارات بيننا وكنتُ أتجنب الحديث عن الدين لوجود أخيها معنا، ولكنها هي كانت تسألني دائماً عن الإسلام، فقد كان لديها شغف عجيب للتعرف على هذا الدين، وكما قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَّهْدِيَه يَشْرَحْ صَدْرُه لِلإسلام، وَمَنْ يُّردْ أنْ يُْضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقاً كأنمّا يَصَّعَدُ في السَّمَاءِ..).
أما أخوها فلم يكن يعجبه الحديث حول هذه الأمور، فكان يتهرب عند اللقاء ويبتعد عن المجلس، متظاهراً بالانشغال بأمور أخرى.
كانتْ تسألني أسئلة كثيرة معظمها لا أعرف له جواباً، فكنتُ لا أجيبها إلا بعد سؤال أهل العلم أو البحث والقراءة.
والحقيقة أنني -بسبب أسئلتها- تبينتُ حقيقة نفسي وجهلي المطبق بأحكام ديني الذي تنكرت له زمناً طويلاً.
وفي الإجازة عدتُ إلى المملكة في زيارة، وعند عودتي حملتُ معي مجموعة من الكتب في أصول الدين وفروعه، وانهمكتُ في القراءة بشغف شديد ونهم غير معتاد.
كنتُ أقرأ أولاً ثم أحاول فهم ما قرأته فهماً جيداً لأترجمه إلى الإيطالية بعد ذلك، ومثل هذا العمل يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً.
وهناك قدّر الله عليّ بمرض أُدخلت بسببه المستشفى وقد مكثتُ فيه خمسة عشر يوماً، وخلال هذه الأيام المعدودة قرأت صحيح الإمام مسلم بكامله، وقمتُ بترجمته لها، ولك أن تتخيل مدى الجهد، الذي يمكن أن يبذل في مثل هذا الأمر -قراءة وترجمة- خلال هذه المدة القصيرة، فقد كنتُ أقرأ يوماً وأترجم ما قرأته في اليوم التالي.
فتغيرتْ حياتي ومفاهيمي وسلوكي، وأصبحتُ إنساناً آخر غير ذلك الإنسان العابث اللاهي.
أما هي فقد اقتنعتْ بالإسلام، وقالت لي بكل وضوح: (إنني الآن مسلمة).
لقد أسلمتْ هذه الفتاة الإيطالية في معقل النصرانية، إلا أنها لم تعلن إسلامها، وإنما جعلته بينها وبين ربها، وأصبحتْ تحرص على تطبيق تعاليم الإسلام في كل ما تعلم، ومن ذلك اللباس والمأكل والهيئة.
وعَلِمَ أخوها بالخبر، فأرسل إلى أهله يخبرهم بما حدث، فغضبوا عليها وقطعوا عنها المعونة الشهرية، وبدؤوا بمضايقتها وتهديدها عن طريق الرسائل وغيرها، إلا أن ذلك كله لم يصدها عن اتباع الدين الحق، لاسيما وأنها منذ البداية لم تكن مقتنعة بدين النصارى وخرافاتهم، فقد كانت تمقت وبشدة شرب الخمر الذي يعتبرونه دم المسيح -عليه السلام-، كما كانت تمقت التعري على البحر، وتعاف لحم الخنزير، ومنذ أن بلغتْ السابعة من عمرها لم تدخل الكنيسة قط.. وبالجملة كانت تمقت دين النصارى بكل ما فيه من شرك وخرافات.
كنتُ أعلم أنها في ضائقة مالية ولكني تعمدتُّ ألا أعطيها شيئاً من المال إلا القليل لأرى صدق إيمانها ويقينها؛ فكانت صادقة والحمد لله.
ولما كثرتْ التهديدات والمضايقات من أهلها، قامتْ بتوكيل محامٍ للدفاع عنها، فكفاها الله شرهم وكفوا عن أذاها.
وأعلنتْ إسلامها، وبدأتْ في التطبيق بشكل جدي وبحماس شديد يفوق حماس بعض المسلمات العربيات هناك، بل كانتْ تنصحهنَّ أحياناً حتى أصبحن يتوارين منها خجلاً، ولم يكن ذلك بفضلي وإنما بتوفيق الله -عز وجل- وحده بل لقد كانت هي سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله.
لم أكن آنذاك متزوجاً، وفي الوقت نفسه لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية، فقد كنت -ولازلتُ- ضد ذلك، وقد كنتُ تقدمتُ لخطبة إحدى الفتيات السعوديات هناك، وكان من المقرر أن يتمَّ الزواج بعد الإجازة، وحينما ذهبتُ إليهم بصحبة هذه الفتاة الإيطالية -وقد أرادتْ أن تستفيد منهم- أساؤوا بي الظن، مما أدى إلى سوء تفاهم بيننا، ومن ثمّ تأجيل الزواج أو إلغاؤه، ولكنهم بعد زمن علموا حقيقة الأمر وإني ما أردتُّ إلا خيراً.
وشاء الله أن يحدث بيني وبين تلك الفتاة خلاف، فغضبتُ عليها، فجاءني أحدهم ليصلح بيننا، فعجبتُ لمجيئه، وهو الذي أساء بي الظن من قبل، وفسخ خطوبتي من قريبته، فأخبرني بأنه قد علم حقيقة الأمر، وأنه يأسف لما حدث، ثم نصحني بالزواج من تلك الفتاة الإيطالية وترك التفكير في قريبته.
وهنا انقلبت لدي كل الموازين، فأنا لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية أصلاً، بل لقد أخبرتُ صاحبتي الإيطالية بأني لن أزوجها وألا تفكر في ذلك أبداً –علماً بأن علاقتي بها كانت نظيفة، لا يشوبها فعل محرم حتى أني لم أخلُ بها قط- ([1]) ولكن عندما عرض عليّ الأخ هذا الموضوع بدأت أضرب حسابات أخرى، وفكرتُ في الأمر جدياً، فاستخرتُ الله -عز وجل- وانشرح صدري لذلك ففاتحتها بالموضوع..
لم تصدق باديء الأمر وظنتْ أني أسخر منها، ولكني أخبرتُها أن الأمر جد، فوافقتْ بلا تردد، لاسيما وأن الظروف كانتْ مهيأ لإتمام هذه الزيجة.
فقمنا بإتمام عقد النكاح على سنة الله ورسوله، ورزقتُ منها بأربعة أولاد -ولله الحمد- ونحن الآن نعيش في سعادة وهناء، وقد أنهيتُ بعثتي وعدتُّ إلى أرض الوطن.. ذهبتُ ضالاً وعدتُ مهتدياً غانماً، فلله الحمد والمنة.



([1] ) لا يجوز للرجل أن يصاحب امرأة أجنبية عنه مهما ادعى أن علاقته بها نظيفة أو بريئة.

عمروعبده 09-03-2011 05:08 PM

توبة طالبة على يد معلمتها ([1])
تقول هذه التائبة:
(لا أدري بأي كلمات سوف أكتب قصتي.. أم بأي عبارات الذكرى الماضية التي أتمنى أنها لم تكن؛ سوف أسجلها..)
فقد كان إقبالي على سماع الغناء كبيراً حتى أني لا أنام ولا أستيقظ إلا على أصوات الغناء.. أما المسلسلات والأفلام فلا تسأل عنها في أيام العطل.. لا أفرغ من مشاهدتها إلا عند الفجر في ساعات يتنزل فيها الرب -سبحانه- إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟.. هل من سائل فأعطيه سؤاله؟.. وأنا ساهرة على أفلام الضياع..
أما زينتي وهيئتي فكهيئة الغافلات أمثالي في هذه السن: قصة غريبة، ملابس ضيقة وقصيرة، أظافر طويلة، تهاون بالحجاب.. الخ.
في الصف الثاني ثانوي دخلتْ علينا معلمة الكيمياء، وكانت معلمة فاضلة صالحة.. شدني إليها حسن خلقها، وإكثارها من ذكر الفوائد، وربطها مادة الكيمياء بالدين، حملتني أقدامي إليها مرة، لا أدري ما الذي ساقني إليها لكنها كانت البداية.
جلستُ إليها مرة ومرتين، فلما رأتْ مني تقبلاً واستجابةً نصحتْني بالابتعاد عن سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات.
قلتُ لها: لا أستطيع.
قالت: من أجلي.. قلتُ: حسناً من أجلك، وصمتُ قليلاً ثم قلتُ لها: لا.. ليس من أجلك بل لله إن شاء الله.. وكانت قد علمتْ مني حب التحدي. فقالتْ: ليكن تحدٍ بينك وبين الشيطان، فلننظر لمن ستكون الغلبة، فكانت آخر حلقة في ذلك اليوم، فلا تسأل عن حالي بعد ذلك وأنا أسمع من بعيد أصوات الممثلين في المسلسلات.. أأتقدم وأشاهد المسلسل.. إذن سيغلبني الشيطان.. ومن تلك اللحظة تركتُ سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات ولكني -بعد شهر تقريبا- عدتُ إلى سماع الغناء خاصة، واستطاع الشيطان -على الرغم من ضعف كيده كما أخبرنا الله- ([2]) إن يغلبني لضعف إيماني بالله.
وفي السنة الثالثة -وهي الأخيرة- دخلتْ علينا معلمة أخرى، كنت لا أطيق حصتها وعباراتها الفصيحة ونصائحها.. إنها معلمة اللغة العربية، وفي أول امتحان لمادة النحو، فوجئتُ بالحصول على درجة ضعيفة جداً، وقد كتبتْ المعلمة في ذيل الورقة بخطها عبارات عن إخلاص النية في طلب العلم، وضرورة مضاعفة الجهد، فضاقتْ بي الأرضُ بما رحبت؛ فما اعتدتُّ الحصول على مثل هذه الدرجة ولكن.. عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...
ذهبتُ أحث الخطى إليها، فبأي حق توجه إليّ هذه العبارات، فأخذتْ تحدثني عن إخلاص النية في طلب العلم، و...، وفي اليوم التالي أخبرتني إحدى الأخوات أن المعلمة تريدني، فلم ألق لذلك بالاً، ولكن شاء الله أن أقابلها عند خروجها وهي تحمل في يدها مصحفاً صغيراً.. صافحتني، ووضعتْ المصحفَ في يدي، وقبضتْ على يدي، وقالت: لا أقول لك هدية بل هي أمانة، فإن استطعتِ حملها وإلا فأعيديها إلىّ.. فوقع في نفسي حديثها، ولكني لم أستشعر نقل تلك الأمانة إلا بعد أن قابلت إحدى الأخوات الصالحات فسألتني: ماذا تريد منك؟ فقلتُ: إنها أعطتني هذا المصحف وقالت لي: أمانة.. فتغير وجه هذه الأخت الصالحة، وقالت لي: أتعلمين ما معنى أمانة؟!.. أتعلمين ما مسؤولية هذا الكتاب؟! أتعلمين كلامَ مَن هذا، وأوامر مَن هذه؟!.. عندها استشعرتُ ثقل هذه الأمانة.. فكان القرآن الكريم أعظم هدية أهديت إلىّ.. فانهمكتُ في قراءته، وهجرتُ -وبكل قوة وإصرار- الغناء والمسلسلات، إلا أن هيئتي لم تتغير.. قصة غريبة، وملابس ضيقة.. أما تلك المعلمة فقد تغيرت مكانتها في نفسي، وأصبحت أُكِنُّ لها كل حب وتقدير واحترام.. هذا مع حرصها على الفوائد في حصتها، وربط الدرس بالتحذير مما يريده منا الغرب من التحلل وال*****ة ونبذ كتاب الله جانباً .. وفي كل أسبوع كانت تكتب لنا في إحدى زوايا السبورة آية من كتاب الله، وتطلب منا تطبيق ما في هذه الآية من الأحكام.. وهكذا ظلتْ توالي من نصائحها إصافةً إلى نصائح بعض الأخوات حتى تركتُ قَصةَ الشعر الغربية عن اقتناع، وأنها لا تليق بالفتاة المسلمة المؤمنة، وأنها ليست من صفات أمهات المؤمنين.. فتحسن حالي -ولله الحمد- والتزمتُ بالحجاب الكامل من تغطية الكفين والقدمين بعدما كنتُ أنا وإحدى الصديقات نحتقر لبس الجوارب حتى إننا كنا نلبسه فوق الحذاء (!!) استهزاءً، ونضحك من ذلك المنظر.
أنهيتُ الثانوية العامة، والتحقتُ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي يوم من الأيام ذهبتُ مع إحدى الأخوات إلى مغسلة الأموات، فإذا بالمغسلة تغسَّل شابة تقارب الثالثة والعشرين من عمرها -وكانت في المستوى الثالث في الجامعة-.. ولا أستطيع وصف ما رأيت.. تُقلب يميناً وشمالاً لتُغسّل وتكُفّن، وهي باردة كالثلج.. أمها حولها وأختها وأقاربها، أتراها تقوم وتنظر إليهم آخر نظرة، وتعانقهم وتودعهم؟!.. أم تراها توصيهم آخر وصية.. كلا لا حراك.
وإذ بأمها تقبّلها على خديها وجبينها -وهي تبكي بصمت- وتقول: اللهم ارحمها.. اللهم وسعّ مدخلها.. اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة.. وتقول لها: قد سامحتك با ابنتي.. ثم يسدل الستار على وجهها بالكفن..
ما أصعبه من منظر.. وما أبلغها من موعظة.. لحظات وستوضع في اللحد، ويهال عليها التراب، وتسأل عن كل ثانية من حياتها.. فوالله مهما كتبتُ من عبارات ما استطعتُ أن أحيط بذلك المشهد..
لقد غيّر ذلك المشهد أموراً كثيراً بداخلي، وزهدني بهذه الدنيا الفانية.. وإني لأتوجه إلى كل معلمة، بل إلى كل داعية أيّاً كان مركزها، أن لا تتهاون في إسداء النصح وتقديم الكلمة الطيبة حتى وإن أقفلت في وجهها جميع الأبواب.. حسبها أن باب الله مفتوح.
كما أتوجه إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله.. منغمسة في ملذات الدنيا وشهواتها.. أن عُودي إلى الله -أُخيّة- فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله..
وإلى كل من رأت في قلبها قسوة، أو ما استطاعت ترك ذنب ما.. أن تذهب إلى مغسلة الأموات؛ وتراهم وهم يغسلون ويكفنون.. والله إنها من أعظم العظات (وكفى بالموت واعظاً).
أسأل الله لي ولكن حسن الخاتمة.
أختكم أم عبد الله.


([1] ) كتبتها لي هذه التائبة بنفسها.

([2] ) قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)

عمروعبده 09-03-2011 05:11 PM

توبة شاب مصري ([1])
يقول المنصر جيفورد بالكراف: (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه) ([2]).
في إندونيسيا المسلمة قام مجموعة من المنصّرين بتنصير عدد كبير من المسلمين مستغلين ما هو فيه من الجهل والحاجة، وبعد أن فرغوا من تعميدهم في الكنيسة قالوا لهم: والآن ماذا تريدون؟؟ قالوا: نريد أن نذهب مكة..([3])
إن العقيدة الإسلامية راسخة في قلوب المؤمنين رسوخ الجبال الرواسي، ولولا جهل كثير من المسلمين بدينهم، وشدة حاجتهم وفقرهم؛ ما تنصر مسلم واحد على وجه الأرض مهما انفق المنصرون وغيرهم من الأموال الطائلة لصد المسلمين عن دينهم، وأخراجهم منه.. يقول الله -عز وجل- : (إنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا يُنْفِقُونَ أموَالَهُمْ لِيَصُدُّوْا عَنْ سَبِيْلِ الله، فَسَيُنْفِقُوْنَهَا ثُمَّ تَكُوْنُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُوْنَ، وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا إلى جهنَّمّ يُحْشَرُوْنَ).
وقصة هذا الشاب شاهد على ما أقول.. يقول:
أنا شاب مصري من محافظة أسيوط، نشأت بين والدين مسلمين في سعادة غامرة إلا أن سعادتي لم تدم طويلاً إذ شاء الله أن يطلق والدي والدتي فقررنا -أنا واخوتي- العيش مع والدتي، مما جعل والدي يقطع عنا المصروف لنعيش في حال لا يعلمها إلا الله؛ من الفقر والحاجة.
كنتُ أعمل عملاً متواصلاً لتوفير لقمة العيش لي ولإخوتي، ولما ضافت بي الحياة في بلدتي الصغيرة قررتُ السفر إلى القاهرة للبحث عن عمل أفضل، فوجدتُ عملاً في أحد المقاهي وهنا تبدأ القصة، فقد تعرفتُ من خلال عملي هذا على أصدقاء كثيرين، من بينهم عدد من النصارى.. كانوا يعاملونني معاملة خاصة وباهتمام شديد.. فكنتُ أقضي معهم معظم الأوقات. نضحك ونلهوا. مع جهلي الشديد بديني حيث كنتُ منهمكاً في البحث عن الشهوات وتعاطي المخدرات أحياناُ على الرغم من حالتي الاقتصادية السيئة.
أعود إلى الحديث عن (أصدقائي) النصارى فقد كانوا خمسة، يعملون في مصنع للأحذية يمتلكه أحدهم، وشيئاً فشيئاً بدؤوا يحدثونني عن المسيح، ويخوضون معي في حوارات دينية.. وذات مرة دخلت عليهم في مصنعهم وهم يستمعون -من شريط مسجل- إلى ترانيم دينية لرجل نصراني كان يرتل بعض الأناشيد عن يسوع المسيح (عيسى عليه السلام) وأمه العذراء، ونحن المسلمـين نؤمن بعيسى -عليه السلام- عبداً ورسولاً، كما نؤمن بأمه العذراء، فلاحظوا عليّ تأثراً وانفعالاً.. فكانوا كلما غبتُ عنهم سألوا عني، وإذا علموا بقدومي إليهم أعدوا لي شريطاً دينياً ليسمعوني إياه، ثم يعدونني بشريط آخر جديد، وفي الوقت نفسه لا يردون لي طلباً مهما كان، وإذا أحضروا شيئاً من الطعام -كالجبن والسمك- حفظوا لي منه، في الوقت الذي أجد فيه معاملة قاسية من إخواني المسلمين بل من أقرب الناس إليّ، والدي -سامحه الله- الذي كان يعمل على تجويعنا وتحطيم حياتنا.
ثم بدأ هؤلاء النصارى يمنعون عني الأشرطة فكنت أشتاق إليها لجهلي، فيعدونني بها لكن لا يفون بوعدهم، فأصبحتُ حائراً، وبصراحة كرهتُ المسلمين، وبدأتُ أتقرب إلى النصارى بشدة(!!)
وذات مرة سألوني: ما رايك في دين المسيح؟.. قلت لهم: من الأديان السماوية ولا شك ([4]) .. ثم سألتُهم عن دين الإسلام.. فقالوا: إن الإسلام ليس ديناً صحيحاً.. قلتُ لهم: كيف ذلك؟!.. قالوا لي: ذات مرة كان المسيح -عليه السلام- يجلس مع تلاميذه، فسألوه: أأنت هو أم يوجد أحد بعدك فنتبعه؟ قال المسيح -والكلام لهم-: أنا هو لا يوجد غيري ([5])..
أي أنهم لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كاذب...
ولم يكونوا يصرحون بذلك، وإنما يأتون بكلمات معسولة وبطرق ملتوية.. وهذا ما غرني بهم، وجعلني أقترب منهم أكثر، وأبتعدُ عن كل ما هو من الإسلام.. حتى بلغت بهم الوقاحة والجرأة إلى شتم الحبيب صلى الله عليه وسلم، بشتائم أعجز عن ذكرها، ولفرط جهلي كنت أصدقهم فيما يقولون -أسأل الله أن يغفر لي-.
واستمر هؤلاء في حوارهم معي، وتطرقنا لمسألة صلب المسيح، وجرنا الحديث إلى حقيقة المسيح -عليه السلام- فقلتُ لهم: كيف يكون عيسى -عليه السلام- إلها؟! قالوا: أولاً نحن لا نسمي المسيح عيسى، وإنما نسميه (يسوع).. قلت لهم إن اسمه عندنا عيسى.. قالوا: ألم نقل لك من قبل إن دينكم ليس بصحيح.
قلتُ: إذاً كيف يكون إلهاً؟! إن الرب عندما أرسل رسله إلى الناس وجدهم يعادون هؤلاء الرسل، ويعذبونهم، فقرر الرب (!!) أن ينزل إلى الأرض لكي يدعو الناس بنفسه، ولكن لو نزل على صورته الحقيقية مات الناس جميعاً، لذا قرر أن ينزل على صورة إنسان ويكون هو آخر الرسل إلى يوم القيامة فاختار امرأة كانت على قدر من التقوى.. إلى آخر تلك الخرافات التي يعتقدونها والتي لا تليق بالله -عز وجل- (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).
ولفرط جهلي آنذاك قلتُ لهم: بالفعل هذا الصيحيح.
وتمضي الأيام وأنا أزداد منهم قرباً ومن الإسلام بعداً حتى أصبحوا يسخرون من المسلمين جميعاً ويشتمون الصحابة -رضي الله عنهم- وعلماء المسلمين كأبي حنيفة وغيره وأنا معهم في ما يقولون -أسأل الله أن يعفو عني ويغفر لي-.
ثم تحدثنا عن مسألة صلب المسيح فقلتُ لهم: إن القرآن يقول: (
وما قتلوه وما صَلَبُوه وَلكنْ شُبّهَ لهم) ([6]) فقالوا: لقد حدثناك من قبل عن موضوع القرآن.. قلت: تعنون أن القرآن محرف؟. قالوا -والابتسامة تملأ وجوههم-: إنه لا أصل له نهائياً.
واقتنعتُ بكلامهم، وكرهتُ ديني الإسلام، كما كرهتُ كل مسلم على وجه الأرض، ثم سألتُهم: ما شعوركم حين تسمعون أن نصرانياً قد أسلم؟ قالوا: كأنك مررتَ بشارع فرأيتَ كلباً دهستْه سيارة فحزنتَ لذلك، ثم عدتَّ إلى البيت ونيستَ ما حدث.. أرأيت -أخي المسلم- إنهم يعتبرون المسلمين كالكلاب.. عفواً، فما كنتُ أريد أن أكتب كل هذا، ولكن لتتضح الحقيقة كاملة.
ثم بدؤوا يدعونني بشدة، وأنتظر لقاءهم بشوق حتى قال لي أحدهم لماذا لا تتنصر؟؟ قلتُ: إني أخاف أن يقتلني أهلي، قالوا: لا وهناك سنعطيك ما تريد.. فقلتُ: أمهلوني إذن أسبوعاً واحداً.
وفي هذا الأسبوع، وفي الأيام منه كنتُ أسبح في بحر من التفكير والهموم والخطرات المتلاحقة، وقبل نهايته بيومين عزمتُ على الذهاب إليهم للتخلي عن إسلامي، الذي لم أكن أعرفه حق المعرفة، وهنا أدعوكم أن تتأملوا معي لطف الله -عز وجل- فبينما أنا ذاهب إليهم وقد تعلق قلبي بهم، مررتُ في طريقي بمسجد صغير -وكان الوقت ظهراً- وجدتُّ المسجد مفتوحاً، وخالياً من المصلين، فدلفت إليه وقلتُ في نفسي: سوف أرى الآن هل الإسلام حق أم باطل.. فتوضأت وصليتُ ركعتين، ودعوتُ ربي وتضرعتُ إليه أن يهديني إلى الدين الحق، فشعرتُ بإحساس غريب يسري في كياني ويهزني هزّاً عنيفاً... أحسستُ بأني لستُ ذلك الرجل الذي سبّ دينه وأراد أن يتخلى عنه من أجل حفنة من المال أو الطعام.. وخرجتُ من المسجد مندفعا تسوقني أقدامي إلى ذلك المصنع.
دخلت عليهم دون تحية فإذا بهم يهابونني على غير العادة أحسست وكأن بداخلي بركاناً تأثراً يريد أن يتفجر.. وتفجر البركان.. وتكلمتُ بكلام طويل كأنما قد حفظته من قبل عن ظهر قلب.. كنتُ أتكلم بقوة وهم يستمعون إلىّ والدهشة قد عقدتْ ألسنتهم. لم أقف لحظة واحدة وكأنما هناك قوة تدفعني للكلام.. وآثار الوضوء لازالت تتقاطر من وجهي.
أحسستُ بأن الله ينصرني في وجه الباطل.. قلتُ لهم منفعلا: أريد أن أسألكم سؤالاً واحداً قبل أن أتنصر، إن أجبتم عليه تنصرت فوراً -وكنت واثقاً من أنهم لن يجيبوا عليه-.
قلت لهم -متهكماً- لنفرض أن المسيح هو الإله.. ففرحوا بذلك.. قلتُ: فكيف كان حال الكون والمسيح والرب- حسب زعمكم- موجود في بطن امرأة من خلقه؟!.. كيف كان حال الدنيا ونظام الكون بأكمله وقد قتل المسيح الإله -بزعمكم- وصُلب.. هل الإله يقتل ويصلب؟؟ وهل الإله تحمله امرأة في بطنها؟!!
فرأيت الوجوم باد على وجوههم وقد صوبوا إليّ أبصارهم وهم في غاية الدهشة.
قلت لهم -متهكما- لنفرض أن المسيح إله ولكن أليس الذي قتل المسيح وصلبه أقوى منه؟ فالأولى أن نعبد من قتله وصلبه.. ولكن أين الذين قتلوه -حسب زعمكم-؟ لقد ماتوا جميعاً.. ومن الذي أماتهم؟ إنه الله -عز وجل- فإن للكون إلهاً واحداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
قلت لهم أجيبوا.. فلم يجيبوا وبهتوا جميعاً، فخرجتُ مسرعاً وكأني قد ملكتُ الدنيا بأسرها، وتمنيت لو أحتضن كل مسلم يمشي على وجه الأرض وأطلب منه السماح بسبب ما ارتكبتُه في حقه.. لقد خنت ديني، وكدت أن أخلى عنه، ولكني أحمد الله الذي هداني وأعادني إليه، ووالله إن ديني خير من المال والطعام ومن كل متاع الدنيا الزائل.
ولكن هل تركني أهل الباطل؟ كلاً فقد أرسلوا ورائي أحد (البلطجية) ودفعوا له مبلغاً من المال لضربي والاعتداء عليّ ولكني لم آبه لذلك بل كنت مسروراً لأنني سأضرب في سبيل الله بعد أن انتصرت لديني وعقيدتي.
ولست أبالي حين أقتـل مسلماً

على أي جنب كان في الله مصرعـي
وذلك في ذات الإله وإن يشـاء

يبـارك على أوصـال سلو ممـزع
وتركتُ القاهرة وعدتُّ إلى بلدتي الصغيرة ولما أهتد بعد هداية كاملة فقد كنت أدخن بشراهة وأتردد على المقاهي، واستمع إلى الغناء المحرم، حتى قابلت رجلاً آخـر نصرانياً، وخضت معه في حوار حول الدين، فرآني أحد الإخوة الفضلاء -وكان يعلم ما حدث لي في القاهرة- فأبعدني عن هذا النصراني الكافر، وعرفني على أحد المشائخ الفضلاء، فأخبرتُه بما حدث لي فجعل يتعهدني بالرعاية والاهتمام، وأخذ بيدي إلى بر الأمان، فبدأت أصلي، وأقترب من المسلمين وأحبهم، وأسير على النهج الإسلامي القويم، وأنا الآن في العشرين من عمري.. وإني -بهذه المناسبة- أدعو المسلمين عامة والشباب خاصةً أن يعضوا على دينهم وألا يختاروا عنه بديلاً، فهو الدين الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه.
قال تعالى: (وَمَنْ يَّبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ فَلَنْ يَّقْبل مِنه وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ).


([1] ) كتبها لي بنفسه.

([2] ) الإسلام على مفترق الطرق، لمحمد أسد.

([3] ) لست - بذكر هذه القصة- أقلل من شر التنصير والمنصرين. فالتنصير يجتاح العالم الإسلامي بطرقه ووسائله الملتوية الخبيثة، لا لمهارة المنصرين ولكن لضعف المسلمين وابتعادهم عن دينهم.

([4] ) الدين النصراني من الأديان السماوية قبل أن يطرأ عليه التحريف، وأما اليوم فهو كسائر الأديان البشرية الوثنية، ثم إن الإسلام جاء ناسخاً لجميع الأديان السابقة. قال تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

([5] ) كذبوا على أنفسهم وعلى المسيح -عليه السلام- فإن نبينا محمداً، صلى الله عليه وسلم، مذكور في الأناجيل الصحيحة التي لم تمسها أيدي النصارى.

([6]) سورة النساء، الآية: 157.

عمروعبده 09-03-2011 05:14 PM

توبة رجل عاص على يد ابنته الصغيرة
كان يقطن مدينة الرياض.. يعيش في ضياع ولا يعرف الله إلا قليلاً.
منذ سنوات لم يدخل المسجد، ولم يسجد لله سجدة واحدة.. ويشاء الله -عز وجل- أن تكون توبته على يد ابنته الصغيرة.
يروي القصة فيقول:
كنتُ أسهر حتى الفجر مع رفقاء السوء في لهو ولعب وضياع، تاركاً زوجتي المسكينة، وهي تعاني من الوحدة والضيق والألم ما الله به عليم، لقد عجزتْ عني تلك الزوجة الصالحة الوفية، فهي لم تدخر وسعاً في نصحي وإرشادي، ولكن دون جدوى...
وفي إحدى الليالي، جئت من إحدى سهراتي العابثة، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً، فوجدتُ زوجتي وابنتي الصغيرة وهما تغطان في سبات عميق، فاتجهت إلى الغرفة المجاورة لأكمل ما تبقى من الفيديو.. تلك الساعات، والتي ينزل فيها ربنا -عز وجل-، فيقول: (هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤاله؟..).
وفجأة.. فتح باب الغرفة، فإذا هي ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة.
نظرِتْ إلىّ تعجب واحتقار، وبادرتني قائلة: (يا بابا، عيب عليك، اتق الله...). ردّدتْها ثلاث مرات، ثم ألقت الباب وذهبت.. أصابني ذهول شديد، فأغلقت جهاز الفيديو، وجلستُ حائراً وكلماتها لا تزال تتردد في مسامعي وتكاد تقتلني.. فخرجتُ في إثرها فوجدتها قد عادت إلى فراشها..
أصبحت كالمجنون، لا أدري ما الذي أصابني في ذلك الوقت، وما هي إلا لحظات حتى انطلق صوت المؤذن من المسجد القريب؛ ليمزق سكون الليل الرهيب، منادياً لصلاة الفجر.
توضأت، وذهبت إلى المسجد، ولم تكن لدي رغبة شديدة في الصلاة، وإنما الذي كان يشغلني ويقلق بالي، كلمات ابنتي الصغيرة.
وأقيمت الصلاة.. وكبر الإمام، وقرأ ما تيسر له من القرآن، وما إن سجد وسجدتُ خلفه ووضعتُ جبهتي على الأرض حتى انفجرتُ ببكاء شديد لا أعلم له سبباً، فهذه أول سجدة أسجدها لله -عز وجل- منذ سبع سنين.
كان ذلك البكاء فاتحة خير لي، لقد خرج مع ذلك البكاء كل ما في قلبي من كفر ونفاق وفساد، وأحسستُ بأن الإيمان بدأ يسري بداخلي..
وبعد الصلاة جلستُ في المسجد قليلاً، ثم رجعتُ إلى بيتي فلم أذق طعم النوم حتى ذهبتُ إلى العمل، فلما دخلتُ على صاحبي استغرب حضوري مبكراً فقد كنت لا أحضر إلا في ساعة متأخرة بسبب السهر طوال ساعات الليل، ولما سألني عن السبب، أخبرته بما حدث لي البارحة.. فقال: احمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التي أيقظتك من غفلتك، ولم تأتك منيتك وأنت على تلك الحال.
ولما حان وقت صلاة الظهر، كنت مرهقاً حيث لم أنم منذ وقت طويل، فطلبتُ من صاحبي أن يتسلم عملي، وعدتُّ إلى بيتي لنال قسطاً من الراحة، وأنا في شوق لرؤية ابنتي الصغيرة التي كانت سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله؟
دخلتُ البيت، فاستقبلتني زوجتي وهي تبكي... فقلت لها: ما لك يا امرأة؟! فجاء جوابها كالصاعقة: لقد ماتت ابنتك..
لم أتمالك نفسي من هول الصدمة، وانفجرتُ بالبكاء.. وبعد أن هدأت نفسي، تذكرتُّ أن ما حدث لي ما هو إلا ابتلاء من الله -عز وجل- ليختبر إيماني، فحمدتُ الله -عز وجل- ورفعتُ سماعة الهاتف، واتصلتُ بصاحبي، وطلبتُ منه الحضور لمساعدتي.
حضر صاحبي، وأخذ الطفلة وغسّلها وكفّنها، وصلّينا عليها، ثم ذهبنا بها إلى المقبرة، فقال لي صاحبي: لا يليق أن يدخلها في القبر غيرك.. فحملتها والدموع تملأ عينيَّ، ووضعتها في اللحد.. أنا لم أدفن ابنتي، وإنما دفنت النور الذي أضاء لي الطريق في هذه الحياة، فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلها ستراً لي من النار، وأن يجزي زوجتي المؤمنة الصابرة خيرالجزاء.

عمروعبده 09-03-2011 05:17 PM

توبة امرأة غافلة بعد موت زوجها (1)
ن. ع. ص. تحولت حياتها تماماً عندما مات زوجها، تروي لنا القصة فتقول:
كنا في زيارة لأخت زوجي فلما دخلنا (الشقة)، جلسنا في غرفة الاستقبال.. وفجأة وبدون مقدمات سقط زوجي على الكرسي.. صرختُ وأنا مذهولة.. توقعتُ كل شيء إلا أن يكون قد مات.. واتصلنا بالإسعاف وفجأة أخبرنا الطبيب أن زوجي مات.. مات.. مات.. صرتُ أبكي وأصرخ وأنا غير مصدقة لما قاله الطبيب.
لم يخطر ببالي شيء أقوله.. فلم أكن أعرف الله.. ولم أكن أصلي.. ولم أكن ملتزمة بالزي الشرعي.. غير أنني كنتُ خجولة وكنتُ أستحي من الناس.. وكانت نفسي تراودني أن ألبس لباساً ساتراً طويلاً.. إلا أن زوجي كان يمنعني ويعتبر أن هذا عودة إلى عهد (ستّي العجوزة)!!.
كان زوجي لا يصلي وكان بيننا وفاق وحب زائف.. لم يكن همنا سوى الأكل والشرب والفسح والخروج.. والتعرف على آخر موديلات الأزياء..
وبعد موت زوجي انتقلتُ إلى بيت أبي.. فإذا بأختي التي تصغرني بسبع سنوات تلبس الحجاب.. وكانت هي الوحيدة التي تواسيني بحرص وحب.. خففت من صدمتي، وعلمتني أن أقول دعاء ما سمعته من قبل (اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها..) قلتها وأنا أبكي.. وعلمتني الصلاة.. وعلى الرغم من اني أعرف الصلاة إلا أنني شعرت أن صلاتي هذه المرة فيها خشوع وخضوع ولذة.. ولبست لباساً محتشماً.. ووجدتُ نفسي مستريحة من داخلي ومطمئنة.. والذي زاد من راحتي هو قراءة القرآن.. فبدأتُ أحفظ من قصار السور، وعلمتْني أختي أحكام التجويد.. واصطحبتْني معها لبعض الأخوات اللائي ملأن كل فراغي.. وقد بحثن لي عن زوج طيب، فحمدتُ الله الذي هداني.. وأسأل الله أن يغفر لي ما قد سلف.
هو المـوتُ ما منه ملاذٌ ومَهـرَب

متى حُطَّ ذا عن نعشـه ذاك يركب
نشاهد ذا عيـن اليقيـن حقيقـة

عليه مضى طفلٌ وكهـل وأشيب
ولكن علا الرانُ القلوب كأننـا

بما قـد علمناه يقينـاً.. نكـذب
نؤمـل آمالاً ونـرجـو نتاجهـا

وعلَّ الردى ممـا نرجيـه أقـرب
ونبني القصور المشمخرات في الهوى

وفي علمنـا أنـا نمـوت وتخـرب
إلى الله نشكوا قسـوة في قلوبنـا

وفي كل يومٍ واعظ المـوت ينـدب

عمروعبده 09-03-2011 05:19 PM

توبة فتاة غافلة (1)
التائبة ع. ص. س. تقول: سبب هدايتي بعد توفيق الله معلمتي الفاضلة..
ثم تروي قصة هدايتها فتقول:
كنت مغرية أشد الغرام بسماع الغناء الذي حرّمه الله ورسوله، فلا يكاد الحديث عنه وعن أخباره يفارق لساني في أي مجلس من المجالس.. كنتُ أتحدث عنه بسبب وبلا سبب حتى صار الغناء هو غذائي وهوائي ومائي، أستغني عن كل شيء ولا أستغني عنه.
جهاز التسجيل لا يفارقني ليلاً ونهاراً. أتابع أحداث (الفن) وكل جديد، عربياً كان أو غربياً.. لقد اتسحوذ عليّ الشيطان فلأنساني ذكر الله حتى صرت من حزبه، وكدتُّ أن أكون من الخاسرين لولا أن الله جل وعلا تداركني برحمته ومنّ عليّ بالهداية.
فقد شاء الله -عز وجل- أن تحضر معلمة جديدة، وكان ذلك في منتصف العام الدراسي تقريباً، كانت مربّية فاضلة وأمّاً حنوناً.. كانت تشفق عليّ وأنا أترنم ذهاباً وإياباً، فاستوقفتني مرةً، وقالت لي ألا تعرفين أن الغناء محرم؟ قلتُ: بلى ولكن، مضيعة وقت وتوسعة صدر، فكان ردي السخيف هذا لإسكاتها فقط... ومن تلك اللحظة وأنا أتحدى تلك المعلمة المؤمنة التي أرادتْ لي الخير والصلاح، فكنتُ كلما رأيتُها أشدو بإحدى الأغنيات، وأرفع صوتي متحديةً لها.
كنت –لفرط جهلي وضلالي- أعتبرها عدواً لي.. أما هي –جزاها الله كل خير- فكانت تنظر إليّ نظرة شفقةٍ ورحمةٍ، فأنا مع الشيطان وهي مع الرحمن.
قالت لي يوماً: ماذا تفعلين لو داهمك الموت وأنتِ على هذه الحال؟؟
قلتُ: إن الله غفور رحيم.. فقاطعتني قائلة: ولكنه شديد العقاب.
قلتُ: ولكن ماذا أفعل؟ لو لم أستمع إلى الغناء.. كيف أقضي وقتي؟!
قالت: اسمعي أشرطة إسلامية.. خطب، ندوات، محاضرات، أناشيد. فكأني أسمع ذلك لأول مرة.
قلتُ: ولكن من أين آتي بها؟!
قالت: الذي أحضر لك أشرطة الغناء يحضر لك الأشرطة الإسلامية المفيدة.
ولما رأتنْي جادة في قولي أحضرت لي شريطاً بعنوان (تحريم الغناء) وشريطاً آخر عن مشاهد يوم القيامة.
وفي المنزل.. عشتُ صراعاً عنيفاً مع نفسي الأمارة بالسوء ومع الشيطان، فتارة أخرج شريط الغناء من جهاز التسجيل وتارةً أخرج شريط الخطبة.. لا أدري إلى أيهما أستمع، إلى هذا أم إلى ذاك، وأخذت أقول: يا رب ماذا أفعل؟ وما هي إلا لحظات حتى وقع سمعي على أهوال يوم القيامة، ووصف الجنة والنار. فأحسستُ أن قلبي يكاد ينفطر وانفجرتُ بالبكاء حتى ظننت أني أبكي بدل الدموع دماً وشريط العمر يمر أمامي سريعاً.. أحاول أن أتناسها بالبكاء وبالنحيب ولكن دون جدوى.. فأسرع إلى ما لديّ من أشرطة الغناء أكسّرها واحداً تلو الآخر.. أحطم ما وقعت عليه يدي قبل عيني معلنة التوبة الخالصة لله تعالى ولسان حالي يقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً).
ونصيحتي لأخواتي المسلمات أن يحذرن من سماع الغناء، الذي لا يزيد الإنسان إلا بعداً عن الله تعالى وغفلة عن ذكره، وذلك -والله- هو الخسران المبين.

عمروعبده 09-03-2011 05:23 PM

) توبة عدد من الإخوة والأخوات بعد قرائتهم للأجزاء الأولى من هذا الكتاب(1)
من الكويت بعثتْ إليّ الأخت مريم محمد برسالة تقول فيها: ... لقد قرأت كتاب (العائدون إلى الله) قبل قليل، وكم أثّر في نفسي، وحملني على الذهاب فوراً إلى خزانتي الممتلئة بالمجلات الفاسدة والأشرطة الأجنبية فقمتُ برميها في القمامة، أما الأشرطة فسوف أستبدل بها -بإذن الله- أشرطة قرآن.
أتمنى من الله العلي القدير أن يصل هذا الكتيب إلى يد كل مسلم ويقرأه ويأخذ العبرة مما فيه.
ومن السودان أرسل إلىّ الأخ بابكر محمد يوسف يقول:
... أنا شاب في العشرين من عمري، نشأتُ في أسرة متدينة، فوالدي رجل وقور متمسك بالإسلام وكان يحثني على أداء الصلاة منذ صغري.. ويراقبني، فأصبحتُ متمسكاٍ بالإسلام حتى بلغتُ الثانية عشرة من عمري حيث ابتعدتُ عن القرية التي يسكن فيها والديّ، وذهبتُ إلى المدينة لمواصلة تعليمي.. وفي المدينة تعرفتُ على أصدقاء، وقد كانوا بئس الأصدقاء.. فعلى أيديهم تعلمتُ كل أنواع الفساد، ومعهم سلكت طريق الغواية والضلال، وابتعدتُ عن طريق الهدى والنور، وتركتُ الصلاة، وأصبحتُ مسلماً بالاسم فقط.
وفي هذا الجو المعفم بالإحباط استمرت حياتي مع هؤلاء اللئام، أصبحتُ أعيش في فراغ قاتل تنقصه السعادة، وكنتُ كلما عزمتُ على التوبة يلاحقني أصدقاء السوء، فأعود إلى الضلال والتشرذم.
وأنا على هذه الحال من الضياع وفقدان الهوية إذ أراد الله بي خيراً.. فوجدت كتابك (العائدون إلى الله) وقد قرأتُه دون أن يؤثر فيّ حتى وصلت إلى الخاتمة: (إن في قصصهم لعبرة...) فاغرورقت عيناي بالدموع، وانفجرتُ بالبكاء، فأعدت قراءة الكتاب من جديد، وبدأت من الإهداء:
(إلى الغافلين عن الله والهاربين منه... إلى الذين ظلموا أنفسهم واسرفوا عليها بالمعاصي والذنوب...) وشعرت بأنك تخاطبني بهذه الكلمات، وكأن الكتاب قد أُهدي إليّ وحدي، فازددت في البكاء.. وهنا أحسست بأنه لابدّ من وضع حد لهذه المعاصي وهذا البعد عن الله.
ومن مكاني هذا قمتُ واغتسلتُ ونطقتُ بالشهادتين من جديد وأديتُ الصلاة وبدأتُ في قراءة القرآن..) إلى آخر ما ذكر في رسالته.
ومن الإمارات العربية المتحدة كتب إلىّ الأخ مروان محمد يقول:
أكتبُ لك هذه الرسالة بعد قراءتي للجزء الثالث من كتاب (العائدون إلى الله)، وأشكر الله على وصوله إليّ لأخذ العبرة والعظة منه والتوبة إلى الله من كل المعاصي التي وقعت فيها قبل قراءتي لهذا الكتاب.
والحقيقة أني قبل سنتين أو ثلاث كنتُ من الطيبين الملتزمين بدين الله ولكن كثرة أصحاب السوء حولي، وكثرة المغريات جعلتْني أنجذب إليها... ولكن بعد قراءتي لهذا الكتاب رجعتُ فحاسبت نفسي فوجدتُ أني على خطأ، وأرجو الله أن يتوب عليّ ويغفر لي.
ومن الإمارات أيضاً تلقيت هذه الرسالة من الأخ (ج. ع.) يقول فيها:
لقد كنت من الذين لا يحسبون للدين حساباً... كنت أتهاون بالصلاة، غير مبالٍ بشيء من الأخلاق والقيم، بل كنتُ من أصحاب المكالمات الهاتفية، مغشوش النفس، ساقطاً في قبضة الشيطان، أعيش في ظلام كالح لا يُرى فيه نور أبداً. وفي يوم من الأيام دخلتُ إحدى المكتبات فرأيت نسخة من كتاب (العائدون إلى الله) وعندما قرأتُه زادني إيماناً وهدايةً، وأرشدني إلى الطريق المستقيم.. لقد غيّر كل ما في حياتي... إلخ.

عمروعبده 09-03-2011 05:27 PM

توبة عالم هندي من شتم الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب
(رحمه الله الجميع)
قال الشيخ العالم العلاّمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في عصره رحمة الله عليه: حدثنا عبد الرحمن البكري النجدي -وهو من طلاب العلم التجار الذين يذهبون إلى الهند للتكسب وربما مكث هناك الأشهر- قال: كنت بجوار مسجد في الهند، وكان في هذا المسجد عالم كلما فرغ من تدريسه رفع يديه ولعن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإذا خرج من المسجد مرّ بي، وقال: (أنا أجيد العربية، لكن أحب أن أسمعها من أهلها).. ويشرب من عندي ماءً بارداً، فأهمني ما يفعل في درسه من سب الشيخ.. قال: فاحتلتُ عليه بأن دعوته، وأخذت كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ونزعتُ ديباجته (غلافه) ووضعته على رفٍ في منزلي قبل مجيئه لكي يراه، فلما حضر قلت: أتأذني لي أن آتي ببطيخة؟ فذهبت، فلما رجعت إذا هو يقرأ فيه ويهز رأسه، فقال: لمن هذا الكتاب؟ -وقد أعجبه- ثم قال: هذه التراجم -يعني تراجم الكتاب- تشبه تراجم البخاري -رحمه الله- هذا والله نفس البخاري!! فقلت: لا أدري، ثم قلت: ألا نذهب للشيخ الغزوي لنسأله –وكان صاحب مكتبة وعالم بالكتب- فدخلنا عليه، فقلتُ للغزوي: كان عندي أوراق سألني الشيخ من هي له؟ فلم أعرف، ففهم الغزوي ما أريده، فنادى مَن يأتي بكتاب مجموعة التوحيد، فأتى بها، فقابل بينهما فقال: هذا لمحمد بن عبد الوهاب.. فقال العالم الهندي مغضباً وبصوت عالٍ: الكافر؟!.. فسكتنا، وسكت قليلاً، ثم هدأ عضبه فاسترجع.. ثم قال: إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه.. ثم إنه صار كل يوم يدعو له ويدعو معه تلاميذه، وتفرق تلاميذه له في الهند، فكانوا إذا فرغوا من القراءة دعوا جميعاً للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
قال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم تعليقاً على هذه القصة:
(إن العماية الكبرى كلها من المنتسبين إلى الإسلام، وإن الداعي إلى الله أن يدعو إلى العقائد أولا، لا إلى الأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج..).
وقال: (ومع الأسف.. أهل التوحيد والدعوة قليل فيهم هذا أو معدوم) ([1])


[1] ) انظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، المجلد الأول المسألة الـ 14 وهي بعنوان: (جهل الكثير بدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب.

عمروعبده 09-03-2011 05:30 PM

توبة الشيخ عبد الرحمن الوكيل من ضلالات الصوفية إلى أنوار العقيدة السلفية([1])
أثر عن شيخ من مشائخ الطرق الصوفية أنه قال: كل الطرائق الصوفية باطلة، وإنما هي صناعة للاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل، وتسخيرهم واستعبادهم ([2]).
وقد صدق وهو كذوب، ومن قُدّر له الدخول في بعض هذه الطرق سيدرك ذلك لا محالة لاسيما إن كان ذا عقل ذكي وقلب نيّر.
والشيخ عبد الرحمن الوكيل ممن خاض في هذه المستنقعات الآسنة، وتلوث بشيء منها حتى هيأ الله له بمنه وكرمنه من أخرجه منها، وقد سجّل قصته بنفسه لتكون عبرة للغافلين بل المغفلين فقال:
(الحمد لله وحده وبعد...: فإنه قد كانت لي بالتصوف صلة؛ هي صلة العبرة بالمأساة. فهنالك -حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية، وتستقبل النفس كل صروف الأقدار بالفرحة الطروب- هنالك تحت شفوف الأسحار الوردية من ليالي القرية الوادعة الحالمة جثم على صدري صنم صغير يعبده كثير من شيوخ القرية، كنت أجلس بين شيوخٍ تغضنتْ منهم الجباه، وتهدلت الجفون، ومشى الهرم في أيديهم خفقات حزينة راعشة، وفي أجسادهم نحولاً ذابلاً يتراءون تحت وصوصة السراج الخافت أوهامَ رجاءٍ ضيّعتْه الخيبة، وبقايا آمال عصف اليأس.
كانت ترانيم الشيوخ -ومن بينها صوت الصبي- تتهدج تحت أضواء السحر بالتراتيل الوثنية، وما زلت أذكر أن صلوات ابن مشيش ومنظمة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ، ومازلت أذكر أن أصوات الشيوخ كانت تَشْرُق بالدموع، وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد) (!!!) ومن الثانية: (وجُد لي بمجمع الجمع منك تفضلا) (!!!)...
يا للصبي الغرير التعس المسكين !! فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتاً وصفةً، ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله، ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه.
ويشب الصبي فيذهب إلى طنطا ليتعلم، وليتفقه في الدين، وهناك سمعت الكبار من الشيوخ يقسمون لنا أن (البدوي) قطب الأقطاب، يُصرِّف من شئون الكون، ويدبر من أقداره وغيوبه الخفية.. فتجرأتُ مرة فسألتُ خائفاً مرتعداً: وماذا يفعل الله؟؟!! فإذا بالشيخ يهدرغضباً، ويزمجر حنقاً فلذتُ بالرعب والصمت؛ وقد استشعرت من سؤالي وغضب الشيخ أنني لطّخت لساني بجريمة لم تُكتَبْ لها مغفرة، ولِمَ لا؟ والشيخ هذا، كبير، جليل الشأن والخطر، ما كنتُ أستطيع أبداً أن أفهم أن مثل هذا الشيخ الأشيب -الذي يسائل عنه الموت- يرضى بالكفر، أو يتهوك مع الضلال والكذب، فصدّق الشاب شيخه وكذّب ما كان يتلو قبل من آيات الله: (ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه). (يونس: 3) (!!)
كنتُ أقرأ في الكتب التي ندرسها: أن الصوفي فلاناً غسلتْه الملائكة، وأن فلاناً كان يصلي كل أوقاته في الكعبة في حين كان يسكن جبل قاف، أو جُزُر الواق الواق(!!!) وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدّ يده من القبر وسلم على الرفاعي (!!) وأن فلاناً عذبته الملائكة لأنه حفظ القرآن والسنة وعمل بما فيهما، لكنه لم يحفظ كتاب الجوهرة في التوحيد (!!) وأن مذهبنا في الفقه هو الحق وحده، لأنه أحاديث حذفت أسانيدها (!!).. كنتُ أقرأ كل هذا وأصدّقه وأؤمن به، وما كان يمكن إلا أن أفعل هذا.
كنتُ أقول في نفسي: لو لم تكن هذه الكتب حقاً ما دُرِّست في الأزهر، ولا درسها هؤلاء الهرمون الأحبار، ولا أخرجتها المطابع (!!).
وتموج طنطاً بالوفود، وتعج بالآمين بيت الطاغوت الأكبر من حدب وصوب، ويجلس الشاب في حلقة يذكر فيها الصوفية اسم بخنّات الأنوف، ورجّات الأرداف ووثنية الدفوف، وأسمع مُنشد القوم يصيح راقصاً: (ولي صنم في الدير أعبد ذاته) فتتعالى أصوات الدراويش طروبة الصيحات: (إيوه كِدَه اكفر، اكفر يا مربي) فأرى على وجوه القوم فرحاً وثنياً راقص الإثم بما سمعوا من المنشد الكافر، ثم سألت شيخنا: يا سيدي الشيخ، ما ذلك الصنم المعبود؟! فيزم الشيخ شفتيه ثم يقول: (انته لسه صغير) (!!)
وسكتُّ قليلاً، ولكن الكفر ظل يضج بالنعيق فكنت أستمع إلى المنشد وهو يقيء: (سلكت طريق الدير في الأبدية) (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا) فأسئل نفسي في عجب وحيرة وذهول: ما الكلب؟ ما الخنزير؟ ما الدير؟.. حتى رأيتُ بعض شيوخي الكبار يطوفون بهذه الحمآت يشربون (القرفة) ويهنئون الأبدال والأنجاب والأوتاد (!!!) بمولد القطب سيدهم، (السيد البدوي).
ومضى من عمر الشباب سنوات، فأصبحت طالباً في كلية أصول الدين، فدرستُ أوسع كتب التوحيد -هكذا تسمى- فوعيتُ منها كل شيء إلا حقيقة التوحيد، بل ما زادتني دراستها إلا قلقاً حزيناً، وحيرة مسكينة.
ودار الزمن فأصبحت طالباً في شعبة التوحيد والفلسفة، ودرست فيها التصوف، وقرأت في كتاب صنفه أستاذ من أستاتذتي رأي ابن تيمية في ابن عربي، فسكنت نفسي قليلاً إلى ابن تيمية وكنت قبل أراه ضالاًّ مضلاً، فبهذا البهتان الأثيم نعته الدردير!!
وكانت عندي لابن تيمية كتب، بيد أني كنت أرهب مطالعتها خشية أن أرتاب في الأولياء -المزعومين- كما قال لي بعض شيوخي من قبل!! وخشية أن أضل ضلال ابن تيمية (!!). لكني هذه المرة تشجعت وقرأتها، واستغرقتُ في القراءة؛ فأنعم الله عليّ بصبح مشرق هتك عني حُجُب الليل الذي كنتُ فيه، فاستقر بي القرار عند جماعة أنصار السنة المحمدية، فكأنما لقيتُ بها الواحة الندية بعد دويٍ ملتهب الهجير، فقد دُعيت من قِبل الجماعة على لسان منشئها فضيلة والدنا الشيخ محمد بن حامد الفقي إلى تدبر الحق والهدى من الكتاب والسنة على فهم سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- أجمعين.
وبدأتُ أقرأ ولكن هذه المرة بتدبر وتمعن، ورويداً رويداً ارتفعتْ الغشاوة عن عينيّ، فبهرني النور السماوي؛ رأيت النور نوراً، والإيمان إيماناً، والحق حقاً، الضلال ضلالاً، وكنتُ من قبل -بسحر التصوف- أرى في الشيء عين نقيضه؛ فأؤمن بالشرك توحيداً، وبالكفر إيماناً، وبالمادية الصماء من الوثنية روحانية علياً، فأدركتُ حينئذٍ أن التصوف دين الوثنية والمجوسية، دين ينسب الربوبية والإلهية إلى كل زنديقٍ، وكل مجرم، وكل جريمة!! دين يرى في إبليس وفرعون وعجل السامري وأوثان الجاهلية أرباباً، وإلهة تهيمن على القدر في أزله وأبده!! دين يرى في كل شيء إلهاً يُعبد، ورباً يخلق ما يشاء ويختار، دين يقرر أن حقيقة التوحيد الأسمى هي الإيمان بأن الله -سبحانه- عين كل شيء!!! دين يقول عن الجيف التي يتأذى منها النتن، وعن الجراثيم التي تفتك سمومها بالبشرية إنها هي الإله، وسبحان ربنا ما أحلمه.
هذه هي الصوفية، ولسان حاله يقول: لِمَ هذا الكدح والجهاد والنصب والعبودية؟ لِمَ هذا وكل فرد منكم في حقيقته هو الرب، وهو الإله؟ -تعالى الله عما يقولون- ألا فأطلقوا غرائزكم الحبيبة ودعوها تعش في الغاب، وحوشاً ضارية، وأفاعي فتاكة..
وأنت يا بني الشرق؛ دعوا المستعمر الغاصب يسومكم الخسف والهوان، ويلطخ شرفكم بالضعة، وعزتكم بالذل المهين، دعوه يهتك ما تحمون من أعراض، ويدمر ما تشيدون من معالٍ، وينسف كل ما اسستم من أمجاد، ثم الثموا -ضارعين- خناجره وهي تمزق منكم الأحشاء، واهتفوا لسياطه وهي تشوي منكم الجلود، فما ذلك المستعمر عند الصوفية سوى ربهم، تعيّن في صورة مستعمر.
دعوا المواخير مفتحة الأبواب، ممهدة الفجاج، ومباءات البغاء تفتح ذراعيها لكل شريد من ذئاب البشر، وحانات الخمور تطغى على قدسية المساجد، وارفعوا فوق الذرى منتن الجيف، ثم خروا لها ساجدين، مسبّحين باسم ابن عربي وأسلافه وأخلافه، فقد أباح لكم أن تعبدوا الجيفة، وأن تتوسلوا إلى عبادتها بالجريمة!!
ذلكم هو دين التصوف في وسائله وغاياته، وتلك هي روحانيته العليا..)
هذا بعض ما سجله لنا الشيخ عبد الرحمن رحمه الله، وهو كلام وافٍ لا يحتاج إلى تعليق سائلين المولى جل وعز أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق الواضح المبين إنه ولي ذلك.


[1] ) انظر مقدمة كتاب تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وكتاب الفكر الصوفي لعبد الرحمن عبد الخالق ص 480، ط3 باختصار وتصرف

[2] ) انظر الفكر الصوفي ص 470، ط 3.

عمروعبده 09-03-2011 05:32 PM

توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد ([1])
حقاً ما أتعس الإنسان حين تستبد به عاداته وشهواته فينطلق معها إلى آخر مدى.
لقد استعبدت محمداً الخطيئة والنزوة فأصبح منقاداً لها، لا يملك نفسه، ولا يستطيع تحريرها؛ فحرفته إلى حيث لا يملك لنفسه القياد؛ إلى حيث الهلاك.. فكان يسارع إلى انتهاك اللذات، ومقارفة المنكرات؛ فوصل إلى حال بلغ فيها الفزع منتهاه، والقلق أقصاه.. يتبدى ذلك واضحاً على قسمات وجهه ومحياه.
لم يركع لله ركعةً منذ زمن . ولم يعرف للمسجد طريقاً.. كم من السنين مضت وهو لم يصلّ.. يحس بالحرج والخجل إذا ما مرّ بجانب مسجد الأنصار -مسجد الحي الذي يقطنه- لكأني بمئذنة المسجد تخاطبه معاتبة: متى تزورنا...؟؟
كيما يفوح القلب بالتقى..
كيما تحس راحةً.. ما لها انتها..
كيما تذوق لذة الرجا....
ليشرق الفؤاد بالسنا..
لتستنير الورح بالهدى...
..متى تتوب؟؟.. متى تؤوب؟؟..
فما يكون منه إلا أن يطرق رأسه خجلاً وحياءً.
شهر رمضان.. حيث تصفد مردة الشياطين، صوت الحق يدوي في الآفاق مالئا الكون رهبةً وخشوعاً.. وصوت ينبعث من مئذنة مسجد الأنصار... وصوت حزين يرتل آيات الذكر الحكيم.. إنها الراحة.. إنها الصلاة.. صلاة التروايح.
وكالعادة؛ يمر محمد بجانب المسجد لا يلوي على شيء. أحد الشباب الطيبين يستوقفه، ويتحدث معه ثم يقول له: ما رأيك أن ندرك الصلاة؟ هيّا، هيّا بنا بسرعة.
أراد محمد الاعتذار لكن الشاب الطيب مضى في حديثه مستعجلاً.. كانت روح محمد تغدو كعصفور صغير ينتشي عند الصباح، أو بلله رقراق الندى.. روحه تريد أن تشق طريقها نحو النور بعد أن أضناها التجوال في أقبية الضلال.
قال محمد: ولكن لا أعرف لا دعاء الاستفتاح ولا التحيات.. منذ زمن لم اصلِّ، لقد نسيتها.
-كلا يا محمد لم تنسها؛ بل أنسيتها بفعل الشيطان وحزبه الخاسرين.. نعم لقد أنسيتها.
وبعد إصرار من الشاب الطيب، يدلف محمد المسجد بعد فراق طويل. فماذا يجد..؟ عيوناً غسلتها الدموع، وأذبلتها العبادة.. وجوهاً أنارتها التقوى.. مصلين قد حلّقوا في أجواء الإيمان العبقة..
كانت قراءة الإمام حزينة مترسلة.. في صوته رعشة تهز القلوب، ولأول مرة بعد فراق يقارب السبع سنين، يحلق محمد في ذلك الجو... بيد أنه لم يستطع إكمال الصلاة.. امتلأ قلبه رهبة.. تراجع إلى الخلف، استند إلى سارية قريبة منه.. تنهد بحسرة مخاطباً نفسه: بالله كيف يفوتني هذا الأجر العظيم؟! أين أنا من هذه الطمأنينة وهذه الراحة؟! ثم انخرط في بكاء طويل.. ها هو يبكي.. يبكي بكل قلبه، يبكي نفسه الضائعة.. يبكي حيرته وتيهه في بيداء وقفار موحشة.. يبكي أيامه الماضية.. يبكي مبارزته الجبار بالأوزار...!
كان قلبه تحترق.. فكأنما جمرة استقرت بين ضلوعه فلا تكاد تخبو إلا لتثور مرة أخرى وتلتهب فتحرقه.. إنها حرقة المعاصي... أنها حرقة الآثام.
لك الله أيها المذنب المنيب، كم تقلبت في لظى العصيان، بينما روحك كانت تكتوي يظمأ الشوق إلى سلوك طريق الإيمان..!
كان يبكي -كما يقول الإمام- كبكاء الثكلى.. لقد أخذتْه موجة ألمٍ وندمٍ أرجفتْ عقله فطبعتْ في ذهنه أن الله لن يغفر له.
تحلّق الناس حوله.. سألوه عما دهاه.. فلم يشأ ان يجيبهم.. فقط كان يعيش تلك اللحظات مع نفسه الحزينة.. المتعبة، التي أتعبها التخبط في سراديب الهلاك.
في داخله بركان ندمٍ وألمٍ، لم يستطع أحدٌ من المصلين إخماده.. فانصرفوا لإكمال صلاتهم..
وهنا يأتي عبد الله، وبعد محاولات؛ جاء صوت محمد متهدجاً، ينم عن ثورة مكبوتة: لن يغفر الله لي.. لن يغفر الله لي.. ثم عاد لبكائه الطويل..
أخذ عبد الله يهون عليه قائلا: يا أخي، إن الله غفور رحيم.. إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
هنا يرفع محمد رأسه وعيناه مخضلتان بالدموع.. ونبرات صوته أصداء عميقة.. عميقة الغور قنوطاً من رحمة الله، قائلا: بشهقات كانت تتردد بين الفينة والأخرى: كلا؛ لن يغفر الله لي.. لن يغفر الله لي..
ثم سكَتَ ليسترد أنفاسه؛ وليخرج من خزانة عمره ماحوت من أخبار.. وعاد الصوت مرة أخرى متحشرجاً يرمي بالأسئلة التائهة الباحثة عن فرار.. كان صوته ينزف بالحزن.. بالوجع.. ثم أردف قائلا: أنت لا تتصور عظيم جرمي.. وعظم الذنوب التي تراكمتْ على قلبي.. لا ..لا.. لن يغفر الله لي، فأنا لم أصلِّ منذ سبع سنوات!!!
ويأبى عبد الله إلا أن يقنع محمداً بسعة عفو الله ورحمته، فها هو يعاود نصحه قائلا: يا أخي، احمد الله أنك لم تمت على هذه الحال.. يا أخي إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة)، ثم إن قنوطك من رحمة الله عز وجل أعظم من عصيانك له.. ثم أخذ يتلو عليه آيات الرحمة والرجاء، وأحاديث التوبة، وكرم الله وجوده في قبول التائبين.. ولكأني به قد أيقظ في نفس محمد بارقة أمل، فيحس محمد أن باب التوبة فد انفرج عن فتحة ضيقة يستطيع الدخول فيها.
وهنا تكسرت أمواج قنوط محمد العاتية على شطآن نصائح عبد الله الغالية، فشعر بثقل هائل ينزاح عن كاهله.. فيخف جناحه، وترفرف روحه، تريد التحليق في العالم الجديد.. في عالم الأوبة والتوبة..!
ها هو ذا صدره أرضاً بكراً يستقبل أول غرسة من النصائح المثمرة.. تلك النصائح التي نشرت الأمان والطمأنينة والرجاء في نفس محمد كما ينشر المطر -بإذن الله- الاخضرار على وجه الصحاري المفقرة المجدبة..!
وها هو ذا عبد الله يعرض عليه أمراً: ما رأيك يا أخي الكريم أن تذهب إلى دورة المياه لتغتسل.. لتريح نفسك.. ولتبدأ حياة جديدة..
فما كان من محمد إلا أن وافق ناشداً الراحة.. وأخذ يغتسل، ويغسل من قلبه كل أدران الذنوب وقذارتها التي علقت به.. لقد غسل قلبه هذه المرة، وملآه بمعان مادتها من نور..
وسارا نحو المسجد، وما زال الإمام يتلو آيات الله.. تتحرك بها شفتاه، وتهفو لها قلوب المصلين.
وأخذا يتحدثان .. وصدرت الكلمات من شفتي عبد الله رصينة تفوح منها رائحة الصدق والحق والأمل، بريئة من كل بهتان..
وهز محمداً الحديث فكأنما عثر على كنز قد طال التنقيب عنه..! ثم أخذ يحدث نفسه: أين أنا من هذا الطريق..؟ أين أنا من هذا الطريق..؟.. الحمد لله غص بها حلقه من جرّاء دموع قد تفجرت من عينيه.. سار والدموع تنساب على وجنتيه، فحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه، بيد أنها ابتسامة مخنوقة قد امتقع لونها؛ فنسيت طريقها إلى وجهه؛ فضاعت..
قال: عسى الله أن يغفر لي -إن شاء الله-.
فبادره عبد الله: بل قل اللهم اغفر لي واعزم في المسألة يا رجل.
واتجها صوب المسجد، ونفس محمد تزداد تطلعاً وطمعاً في عفو الله ورضاه..
دخل المسجد ولسان حاله يقول: اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني.. يا إلهي قد قضيت حياتي في المنحدر.. وها أنذا اليوم أحاول الصعود، فخذ بيدي يا رب العالمين..
يا أرحم الرحمين.. إن ذنوبي كثيرة .. ولكن رحمتتك أوسع..
ودخل في الصلاة وما زال يبكي.. الذنوب القديمة تداعى بناؤها.. وخرج من قلب الأنقاض والغبار قلباً ناصعاً مضيئاً بالإيمان..!
وأخذ يبكي.. وازداد بكاؤه.. فأبكى من حوله من المصلين.. توقف الإمام عن القراءة، ولم يتوقف محمد عن البكاء.. قال الإمام: الله أكبر وركع.. فركع المصلون وركع محمد.. ثم رفعوا جميعاً بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده.. لكن الله أراد أن لا يرتفع محمد بجسده.. بل ارتفعتْ روحه إلى بارئها.. فسقط جثة هامدة..
وبعد الصلاة.. حركوه.. قلبوه.. أسعفوه علهم أن يدركوه.. ولكن (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

[1] ) حدثني بها أحد الاخوة الثقات، وقد سمعها من فم إمام المسجد بنفسه.

عمروعبده 09-03-2011 05:35 PM

توبة النجل الأكبر لطلال مداح
(عبد الله) هو النجل الأكبر لطلال مداح؛ منّ الله عليه بالهداية فسلك سبيل المؤمنين، روى قصة توبته ورجوعه إلى الله فقال:
كان لي عالمي الخاص، وهوايتي التي تتمثل في نظم الكلمات الغنائية، والغناء كذلك. كانت حياتي تسير على هذا المنوال، وحين وقعت أزمة الخليج وجدتُ الدنيا تلبس ثوب تربص وخوف من المجهول. كان الناس أشبه بأصحاب الفُلك، ومن هؤلاء من عاد بعد النجاة ليفسد في الأرض، ومنهم من صدق ما عاهد الله عليه.
أذكر في تلك الآونة -إضافةً إلى تلك المشاعر- أن شباباً جيدين كانوا يزورون أخَوَيّ رأفت وأحمد، وعندما أتيحت لي فرصة مجالستهم وجدتُ كلاماً غير الكلام، وتفكيراً غير التفكير. هناك سمعت لأول مرة عن الأنس بالله، والنوم المبكر، وترك ما لا يعني، ومعاني الطمأنينة التي لمستها بعد ذلك، وأصبحت أحرص عليها فأجدها في صلاة الجماعة وفي تلك القراءات النافعة.
لا أحد يعلم كم أصبح يسرني زيارة أولئك الرفاق وكم يريحني كلامهم.
في تلك الأيام -وقد بدأت النفس تهفو إلى المسجد، والمكوث فيه- سأل عني والدي فأخبرتْه أمي أنني في المسجد، وأنني أنحو في تفكيري في اتجاه آخر أفضل، فجاء والدي إلى المسجد -وكنا في صلاة المغرب- فصلى معنا ثم سألني عن أحوالي فأخبرته.
فرح الوالد بي ودعا لي بخير. لقد كان والدي ممن شجعوا رأفت ومحمداً كثيراً.
وعن سؤالٍ عن العوائق التي تعترضه قال:
من الطبيعي أن تنهض العوائق، ولعل أشدها رفقاء السوء الذين عشت معهم زمناً بتفكير واحد ورؤية واحدة، ومحاولات بعضهم إعادتي إلى سابق عهدي بشكل أو بآخر.
أذكر ذات مساء أنه اتصل بي أحدهم قائلا: خير يا أبا طلال؟!! .. شدة وتزول.. مرض وتشفى منه قريباً!!!
وعن رأيه في شباب الصحوة قال:
الشباب الخيّر أراه نتاج الشعور بالمرارة، ونتاج مخاض الأمة التي عاشت وتعيش وسط عداء خارجي ظاهر.
أما أخوه الأصغر (رأفت) فقد سبقه إلى طريق الهداية، وله قصة أخرى يحدثنا عنها فيقول:
كان لمنظر أخي محمد بثوبه القصير وذهابه الدؤوب إلى المسجد الأثر الكبير على نفسي؛ إذ كثيراً ما كنتُ أراه في تأهبه ذاك وهو يتجه لأداء صلاة الفجر فيما كنتُ أعود أنا من سهري خارج المنزل. كان محمد أقربنا وأبرنا بوالديه وأحبنا إليهما، إضافةً إلى تفوقه في الدراسة كذلك.
ويقول: وبعبث الشباب كنا نؤذيه محمداً مستغلين سننا الأكبر فكان يقابل أذيتنا بالصبر الجميل، لا بل كان يدعونا إلى الصلاة، ولا أخفي عليكم أنني على الرغم من عنادي كنتُ أستجيب له من الداخل، وكانت الوالدة تدعونا بإصرار لأداء الصلاة، وتعمل جاهدةً -حفظها الله- لتربيتنا تربية حسنة.
ثم وقفتُ -ولله الحمد- برفقة صالحة دلتني على الخير، وأخذتْ بيدي إلى طريق الهدى والنور.
كانت هذه العوامل مجتمعة هي التي أخرجتني من عالم إلى عالم بفضل الله وتوفيقه. وها أنذا والله الحمد أعيش حياةً سعيدةً إن شاء الله، وأرشف من شهد الحياة ما لا يعرفه الآخرون ولن يعرفوه إلا بالعبودية الحقة لله، والانقياد لأوامره. هناك حيث الأنس بالله والشعور بحلاوة القرب منه سبحانه.
انتهى الحوار مع الأخوين التائبين، فسبحان من بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء ([1])


[1] ) انظر جريدة المسلمون العدد: 456.

عمروعبده 09-03-2011 05:38 PM

توبة شيوعي ([1])

قال سيد قطب رحمه الله تعالى: (إن أقصى مدى أتصوره للمد الشيوعي لن يتجاوز جيلنا هذا الذي نحن فيه وأوائل الجيل القادم إذا سارت الأمور سيرتها الحالية) ([2]).
هذا ما تصوره سيد رحمه الله قبل ما يقارب من ثلاثين عاماً، فلم تمضِ سنوات معدودة حتى كانت الشيوعية قد سقطت وأفلس أصحابها.
وأترككم الآن مع صاحبنا ليروي لنا رحلته من الشيوعية مروراً بالصوفية وانتهاءً بالعقيدة السلفية النقية، يقول:
كنت شيوعياً داعياً إلى الإلحاد، جنّدتُ كثيراً من الشباب -من الجنسين- في الأحزاب الشيوعية، وترقيتُ في مراتبها حتى وصلتُ إلى مرتبةٍ عاليةٍ، ثم تبيَن لي سخف هذه العقيدة وهذا الفكر وضلاله ومصادمته للفطرة الإنسانية، فقررتُ تركه إلى غير رجعة، فبحثتُ عن الإسلام فوجدته -بحسب فمهي الوراثي- عند المتصوفة؛ فاعتنقتُ الطريقة السمانية، ومؤسسها في الأصل من طيبة الطيبة، ومقرها الآن بالسودان، وهذه الطريقة تعتقد من العقائد الكفرية ما الله به عليم، ولها مؤلفات درستُ أهمها، وكنت أعتقدُ أني قد أحسنتُ صنعاً، وفرح أهلي وأصدقائي من الطرق الأخرى بتركي للحزب الشيوعي واختياري لطريقة آبائي وأجدادي، وترقيتُ في هذه الطريقة حتى وصلتُ إلى مرتبة (شيخ) وأُجزتُ في أخذ العهد على المريدين (!!)، وإرشاد العباد من الجنسين، وإعطاء الأوراد المبتدعة، وعلاج المرضى ]الجن[ ... الخ.
وحصلتْ لي بعض الخوارق للعادة فكنتُ أظنها -والناس كذلك- تكريماً من الله وهي في الحقيقة إضلال الشيطان وتلبيسهم.
ولا أجد حرجاً أن أقول أنني قد استفدتُ من الحزب الشيوعي كثرة الإطلاع والجدال، الأمر الذي جعلني أتطاول وأقرأ -لمجرد النقد- كتاب (صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان)، وهو كتاب قيم في الرد على المتصوفة والخرافيين، فكانت النتيجة تركي للطريقة السمانية، وبدأتُ أقرأ في كتب مَن كنت أبغضهم بغضي للشيطان أو أشد، وهم الآن من أحب الناس إليّ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب عليهم رحمة الله جميعاً وغيره من أصحاب العقيدة السلفية النقية، والحمد لله الذي هداني لهذا وما كنتُ لأهتدي لو لا أن هداني الله، وإني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين لا سيما من ابتلوا باتباع هذه الطرق وهذه الأحزاب بأن يُعملوا عقولهم ويتجردوا للحق، ويحذروا من الدجاجلة والمخرفين، ولا يقولوا كما قال أهل الجاهلية: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون).
والله الهادي إلى سواء السبيل.[3]



[1] ) كتبها لي بنفسه.

[2] ) نحو مجتمع إسلامي ص 39 ط 6.

[3] ) يراجع في موضوع الصوفية كتاب (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة) لبعد الرحمن عبد الخالق.

عمروعبده 09-03-2011 08:33 PM

توبة قبوري ([1])
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفنتة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتخذتْ أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والأنصاب...) إلى أن قال: (فلو رأيتَ غلاة المتخذين لها عيداً؛ وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبّلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعتْ أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبدي ولا يُعيد، ونادوا.. ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر فوق أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر رُكّعاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً، وقد ملئوا أكفّهم خيبة وخسراناً، فلغير الله بل للشيطان ما يُراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويُطلب من الميت الحاجات، ويُسأل من تفيرج الكُربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يُفعل به وفدُ بيت الله الحرام؟ ثم عفّروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تُغفَّر مثل بين يديه في السجود، ثم قرّبوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين..).
إلى أن قال رحمه الله: (هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم؛ إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح...) ([2])
أخي القارئ: بعد هذه المقدمة الرائعة والتي لا أجد مزيداً عليها؛ أتركك الآن مع صاحب القصة ليحدثنا عن رحلته، يقول:
نشأت في مجتمع قبوري وبيئة قبورية قي قرية من قرى باكستان كانت تسمى (مدينة الأولياء) لكثرة ما فيها من الأضرحة والقبور... منذ نعومة أظفاري كنت أرى والدي ووالدتي وإخوتي الكبار وسائر أقربائي، بل سائر مَنْ في قريتنا يذهبون إلى ما يسمى بالولي أو السيد، حتى بلغتْ بهم السفاهة إلى أن يذهبوا إلى غرفة خالية، فيها سرير ليس عليه أحد، ويزعمون أنه ضريح الولي الحي الذي لا يموت، وينسون قول الله عز وجل: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير).
كنت أشاركهم في شركهم وطقوسهم وخرافاتهم، حتى أصبحت تلك الخرافات عقيدة راسخة في قلبي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه..) الحديث.
فلو مِتُّ على هذه العقيدة لكنتُ من أهل النار: (إنه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنةَ ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
ظللتُ على هذه العقيدة الشركية حتى بعد أن أصبحتُ زوجاً وأباً، فكنتُ أربّي أولادي على هذه العقيدة.. أحملهم إلى ضريح الولي المزعوم فأحلق شعر أحدهم هناك تقرباً وتبركاً(!!!)، وأحمل معي الهدايا والقربات والذبائح والنذور، وأرش الماء على القبر...
ولئن كان غيرن متعلماً، فقد كنتُ أمياً جاهلاً، حتى يسّر الله لي القدوم إلى هذه البلاد. مهبط الوحي ومنبع الرسالة، فلم أجد فيها ما كنتُ معتاداً عليه من الأضرحة والقبور ومظاهر الشرك، ومع ذلك لم أفكر في تغيير عقيدتي الباطلة، كنتُ متعلقاً بتلك الأضرحة وإن كانت بعيدة عني، وليس أعجب من ذلك أنني لم أكن أصلي الصلوات المفروضة، بل حتى الجمعة لا أحضرها، وأدخن بشراهة، وأرتكبُ كثيراً من المحرمات..! فليس بعد الكفر ذنباً.
ويشاء الله عزّ وجلّ أن ألتقيَ بأحد الدعاة الباكستانيين مَن الذين درسوا في هذه البلاد، وبعد محاورات لم تدم طويلاً استطاع أن ينتشلني من أوحال الشرك وغَوره السحيق، إلى رياض التوحيد في علو سامق، حيث استنشقت عبير الإيمان الصحيح، وها أنذا اليوم أنظر إلى أهلي وقومي من هذا العلو، أمد لهم يدي، أحاول انتشالهم من مستنقعات الشرك الآسنة: (ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).



[1] ) حدثني بها بنفسه..

[2] ) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لبن القيم ج 1 ص 182/194 باختصار وتصرف. وهو كتاب عظيم جدير بكل مسلم أن يقرأه.

عمروعبده 09-03-2011 09:19 PM

توبة السفاح ([1])

هكذا كان يُلقب لكثرة جرائمه، التي لم تقف عند حد، فقد كان مضرب المثل في الجريمة والإرهاب، الكل يرهبه ويخافه، كان الناس يقولون: لو استقام العصاة والمجرمون كلهم ما استقام فلان -يعنونه- فسبحان من بيده قلوب العباد.. من كان يُصدّق أن مثل هذا القلب القاسي سَيَلِيْنُ في يوم من الأيام؟! لكنها إرادة الله عزّ وجلّ، ومشيئته: (اعْلَمُوْا أن الله يحيي الأرضَ بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون)، وقد روى لي قصته كاملة يوم أن هداه الله، فإذا فيها أمور عظام تقشعر منها الأبدان، وتمتعض لهولها القلوب، اقتصرت منها على ما يحسن ذكره في مثل هذا المقام، قال عفا الله عنا وعنه:
توفي والدي قبل أن أتم التاسعة من عمري، وكنت أكبر أولاده فانتقلتْ أمي إلى بيت أبيها (جدي لأمي)، أما أنا فاستقر بي المقام عند أعمامي، في بيت جدّي لأبي، كنتُ بينهم كاللقيط، الذي لا يعرف نسبه، أو كاليتيم على مائدة اللثام، بل لقد كنتُ كذلك، وكأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل: (فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَرْ) أو ما ورد في الأثر: (خير بيت في المسلمين فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه).
وليتَ الأمر اقتصر على ذلك؛ بل كانت التهم دائماً توجه إليّ.. بالسرقة.. والفساد... وغير ذلك، في الوقت الذي كنت فيه أشد الحاجة إلى العطف والحنان واليد الرحيمة المشفقة، كنت أرى الآباء وهم يقبلون أبناءهم ويلاعبونهم، ويشترون لهم الحلوى واللُّعب والثياب الجديدة، أما أنا... فتدمع عيني، ويتقطع قلبي ألماً وحسرة.
أصبحتُ أكره كل من حولي.. انتظر اللحظة السانحة لأنتقم من الجميع.
وحين بلغتُ سن الخامسة عشرة بدأتُ التمردَ.. تلفتُّ يميناً وشمالاً فلم أجد إلا رفقاء السوء، فانخرطتُ معهم في غيهم، وتعلمتُ منهم التدخيَن والسهرَ إلى أوقات متأخرة، وعلم عمي أنني أصبحتُ مدخناً فضربني دون مفاهمة وطردني من البيت وكأنه ينتظر هذه اللحظة، فلجأتُ إلى بيت جدي لأمي حيث تقيم والدتي، ولم تكن والدتي مع اخوتها في بيت جدي أحسن حالاً مني، فقد كانوا يعاملونها هي الأخرى كالخادمة في البيت فهي التي تطبخ وتنظف وتغسل و... ولا أنسى مرة أنني دخلتُ عليها وأنا في أوج انحرافي وهي تبكي ألماً وتقول: يا بني، اعقل وعد إلى رشدك، وابحث لك عن وظيفة تنقذني بها من هذا العذاب، فلم أكن ألقي لها بالاً.
وعلمتُ مع أخوالي في الزراعة والحرث تحت الضرب والتهديد، فضاقتْ بي الدنيا، فاقترضتُ من والدتي بعض المال، فاشتريتُ به سيارة، وتوظفتُّ في إحدى الشركات، فتعرفتُ على رفقاء جدد عرّفوني على المخدرات وأنواع أخرى من الشرور، فلما علمتْ والدتي أصابها الهمُ والحزن والمرض، وفزعَتْ إلى عمي وخالي لنصحي وإنقاذي قبل فوات الأوان، لكنهم انهالوا عليّ ضرباً وما هكذا تكون النصيحة؛ فلم أزدد إلا بعداً وتمرداً وتمادياً في الانحراف، وعرفتُ طريق الهروب من البيت، فكنتُ أقضي وقتي كله مع رفقاء السوء، ولم أعد أفرق بين الحلال والحرام، أما العقوق وقسوة القلب فقد بلغت فيها حداً لا يوصف.. وأذكر مرة أنني دخلتُ على والدتي وهي تبكي وقد أعياها المرض وشحب وجهها -فشتمتها، وقذفتها بكلام جارح جداً وخرجتُ، وكأن شيئاً لم يكن، أسأل الله أن يعفو عني بمنه وكرمه.. فلكِ الله يا أمي الحبيبة، ما ذنبك؟ وقد ربيتيني وأنفقتِ عليّ، وربما كانت هدايتي بسبب دعوة صالحة في جوف الليل خرجتْ من قلبك الطاهر.. (قتل الإنسان ما أكفره)
أغـرى امرؤ يومـاُ غلامـاً جاهلاً

بنقـوده حتى ينــال به الوطــر
قال ائتنــي بفؤاد أمـك يا فتـى

ولك الـدارهم والجواهــر والدرر
فمضـى وأغمد خنجراً في صدرهـا

والقلب أخرجـه وعـاد على الأثـر
لكنـه من فرط دهشتـه هــوى

فتـدحرج القلبُ المخضـب إذ عثـر
فاستلّ خنجـره ليطعن نفســـه

طعنــاً سيبقى عبـرة لمن اعتــبر
نــاداه قلب الأم: كُفَّ بُنـيَّ لا

تطعـن فؤادي مرتـين علـى الأثـر
واشتهرتُ بالغناء والعزف على العود -وكان صوتي جميلاً-.. ثم بالتفحيط وما يصاحبه من أمور لا تخفى على الكثيرين حتى أُطلِقَ علىَّ لقب السفاح لكثرة الجرائم التي كنت أقوم بها، فكان لا يركب معي إلا الكبار الذين لا يخافون على أنفسهم، أما البقية فكانون يلوذون بالفرار.
ودخلتُ السجن مرات عديدة، فلما أراد الله هدايتي هيأ لذلك الأسباب؛ فقد كان لي صديق عزيز، كنتُ أحبه كثيراً، فقد كان جميل الوجه، بهي الطلعة، فلم تكن هذه المحبة في الله، بل كانت مع الله، فسألت عنه يوماً فقيل لي إنه أدخل المستشفى في العناية المركزة، وهو في حالة خطرة جداً من جرّاء حادث مروع، فانطلقتُ مسرعاً لزيارته، فلما رأيته لم أكد أعرفه؛ فقد ذهب جماله وبهاؤه، وصار منظره مخيفاً مفزعاً، فكنت كلما رأيته أبكي من هول ما أرى..!
فلم تمض أيام معدودة حتى قيل أنه مات، فبكيتُ يومين كاملين خوفاً من الموت فكان هذا الحدث فاتحة خير لي، وكنتُ عندما أتوضأ أحس براحة نفسية عظيمة، وأتذكر الموت وسكراته وشدائده فأعزم على التوبة إلى الله قبل حلول الأجل.
وألقى الله في نفسي بعض المعاصي كلها، وحبب إليّ الإيمان والعمل الصالح، فجمّعتُ ما عندي من أشرطة الغناء والباطل وذهبتُ إلى مكتب الدعوة فاستبدلتها بأشرطة إسلامية نافعة.
أما والدتي الحبيبة فقد عدتُّ إليها، وأخذتها معي معززةً مكرمةً، وطلبت منها العفو والسماح، فبكتْ فرحاً وسروراً، وحَمِدَتِ الله عزّ وجلّ على هدايتي، فما كانت تظن أن ذلك سيحدث في يوم من الأيام.
ولكن هل تركني رفقاء السوء؟؟
كلا، بل كانوا يزورونني، ويدعونني إلى الرجوع ما كنتُ عليه في الماضي، ويقولون لي: لا توسوس، ارجع إلى الفن، أين العزف؟ أين الشهرة؟ أين... وأخذوا يذكرونني بالعود والغناء والتفحيط والأمور التي أستحي من ذكرها، بل إن بعضهم -والعياذ بالله- لم يستح أن يعرض نفسه عليّ مقابل الرجوع!! فأي ضلال أعظم من هذا الضلال؟.
ومضتْ شهور فغرني أحد السفهاء ودعاني إلى جلسة عود؛ فعزفت؛ لأني كنت حديث عهد بالتزام، وبدأتُ أضعف شيئاً فشيئاً، حتى عدتُ إلى سماع الغناء، وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم أن ملك الموت قد هجم عليّ، فأخذتُ أذكر الله، وأحاول النطق بالشهادة، فحلفتُ بالله إن أصبحتُ حياً أن أتوب إلى الله توبة نصوحاً ولا أنصح أحداً بمفردي، لأن الأول قد غرني، فلما أصبح الصباح قمتُ بتحطيم جميع أشرطة الغناء، وقصّرتُ ثوبي، وعزمتُ على الاستقامة الحقة، وقد مضى على ذلك الآن أربع سنوات ولله الحمد والمنّة.
أما حالي بعد التوبة فإني أشعر الآن بسعادة لا يعلمها إلا الله، وقد أشرق وجهي بنور الطاعة وذهب سواده وظلمته، وأحبني من كان يبغضني أيام الغفلة، أما والدتي الحبيبة فقد شفيَتْ من جميع الأمراض ولله الحمد.
ومما زادني فرحاً وسروراً ما أجابني به أحد العلماء حينما سألته عن ذنوبي السابقة فقال: إن الله قد وعد بتبديل سيئات التائبين حسنات، فلله الحمد والمنة الذي لم يجعل منيتي قبل توبتي..


[1] ) رواها لي بنفسه.

عمروعبده 09-03-2011 09:38 PM

توبة متأخرة([1]) توبة قاتل
الحسد داء وبيل، ومرض قاتل.. بسببه لُعن إبليس وطُرد من رحمة الله.. وبسببه وقعتْ أول جريمة قتلٍ على وجه الأرض، كما سطرها الله في كتابه الكريم، في قصة ابني آدم عليه السلام..
وقد سُئل الحسن البصري رحمه الله: أَيَحسِد المؤمنُ؟ قال: ما أنساك لاخوة يوسف! ولهذا أمر الله بالاستعاذة من الحسد كما في قوله تعالى: (ومن شر حاسدٍ إذا حسد).
ألا قـل لمـن كان لـي حاسـداً

أتـدري على مـن أســأت الأدب
أسـأت علـى الله فــي فعلـه

لأنك لـم تـرضِ لي مــا وهـب
وقصتنا هذه شبيهة بقصة ابني آدم، وفيها عبرة لكل حاسد، يقول صاحبها وهو يذرف دموع الندم خلف القضبان الحديدية:
كانت القرية هادئة، والناس منصرفين إلى أعمالهم، فلا تسمع إلا صياح الأطفال وصراخهم، وهم يلعبون ويتراكضون في براءة متناهية؛ مما يضفي على القرية الوادعة جواً من الأمن والأمان..
أنا وابن جارنا محمد كنا صديقين متلازمين، بل كروحين في جسد واحد، لا نكاد نفترق أبداً، فقد وصلتْ الصداقة بيننا إلى درجة أن شباب القرية إذا رأوا أحدنا يمشي بمفرده سألوه عن توأمه، لما قد ألفوه منا.
وظللنا على هذه الحال إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثانوية.. في ذلك الوقت شاركنا -مع شباب القرية- في نقل أثاث جارنا الجديد إلى داخل منزله.. كان هذا الجار رجلاً طيباً في أواسط العمر، ومعه عائلته المكونة من زوجته وبنت واحدة.
وما إن بدأتْ الزيارات المتبادلة بين نساء القرية وزوجة هذا الجار الجديد، حتى بدأ أهالي القرية في مدح جمال ابنة جارنا وكمال خلقها، وكنتُ أنا ومحمد من بين من استمع لتلك الروايات.
وصارت هذه الفتاة بعد حوالي سنة من إقامتها مع أسرتها حلم أكثر شباب القرية، وكنتُ أنا ومحمد في مقدمة من يراودنا مثل هذا الحلم، لعلاقة أسرتنا الوطيدة بأسرتها، حيث كنا نستطيع تتبع أخبار هذه الفتاة أولاً بأول.
لم أكن أظهر لصديقي محمد شيئاً عن حبي لتلك الفتاة لإحساسي أنه ربما كان يحمل نفس الشعور والرغبة في الارتباط بها، لكنه لم يكن يفكر مثل تفكيري.. فقد أخذ يجدُّ ويجتهد في دراسته حتى التحق بالجامعـة ثم تخرج بتفوق، مما جعل أهل القرية يذكرونه بكل خير ([2])، بينما لا يذكرني أحد بسبب فشلي ورسوبي المتكرر في الثانوية مما اضطر والدي إلى سحب أوراقي من المدرسة للعمل معه في المحل التجاري الذي يمتلكه.
وحين بلغني إعجاب محمد بهذه الفتاة، وعزمه على التقدم لخطبتها؛ بدأ الحسد يغلي في داخلي، وتغيرتْ معاملتي له كثيراً فأصبحتُ أتجنبُ الجلوس معه بكثرة، وأقدم تبريرات واهية لأتهرب من لقائه.. كل ذلك بسبب تفوقه، الذي يتحدث عنه أهل القرية، بينما أصبحتُ أنا في نظرهم لا شيء.
وجاءت اللحظة الحاسمة.. وتقدم محمد للزواج منها.. فسمعت الزغاريد تنطلق من بيتها، فأحسستُ كأن صاعقة وقعتْ على رأسي، ولم يعد سراً اتفاق أهل العروسين على إتمام إجراءات الزواج خلال شهر واحد..
كان الدم يغلي في عروقي.. لقد أصبح توأمي رجلاً متميزاً بعلمه عني، بينما ويلات الفشل تتعقبني، وتحول بيني وبين ما كنت أتمناه وأحلم به منذ ثمان سنوات.
أحسست أن محمداً سرقها مني.. فجعلتُ كل همي أن أثار منه بأية وسيلة حتى أطفئ نار الحقد التي اشتعلتْ في صدري... وتملكني الشيطان بشكل لم أتخيله من قبل فقمت بشراء مسدس ملأته بالطلقات..
وفي ليلة الزفاف دخلتُ على محمد متظاهراً بتهنئته.. وعلى حين غِرة؛ أخرجتُ مسدسَ الغدر من جيبي لأطلق عليه أربعة أعيرة نارية استقرتْ في صدره...!!!
ويضج المكان، وتختلط الأصوات، ويسقط محمد بين أهله مضرجاً بدمائه.. وتصطبغ ثيابه البيضاء الناصعة البياض بدمه الأحمر القاني، ويتحول الفرح إلى حزن.. ويُسدل الستار عن مشهد مبكٍ حزين..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعده له عذاباً عظيماً).
أما المجرم الأثيم فقد تم إلقاء القبض عليه، وها هو الآن يحدثكم من خلف القضبان، والدموع تتساقط من عينيه.. نعم، تتساقط من عينيّ ندماً على ما اقترفته في حق صديق طفولتي الذي لم يؤذيني يوماً من الأيام.. ولكن، بعد فوات الأوان هل ينفع الندم؟
كل ما أرجوه أن يطهرني القصاص من خطيئتي، ويتقبلني الله عنده من التائبين.



[1] ) الأمة الإسلامية 32، (بتصرف).

[2] ) التفوق العملي وحده لا يكفي ما لم يصاحبه دين وخلق.

عمروعبده 09-03-2011 09:44 PM

توبة شاب بعد سماع شريط ([1])

(إن الشريط الإسلامي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة، وإن استعمالك لهذا الشريط جزء من الدعوة إلى الله عز وجل، فبادر بإسماع هذا الشريط من عرفتَ ومن لم تعرف، فلعل الله أن ينفع به) بهذه العبارة يختم بعض أصحاب التسجيلات الإسلامية مواد أشرطتهم.. وهي عبارة طيبة.. فكم من عاصٍ وعاصية، وكم من مجرم، وكم من فاجر هداه الله وفتح على قلبه بعد سماع شريط، سمع فيه عن الجنة والنار أو القبر وأهوال الآخرة أو غير ذلك مما يحيي القلب، ويوقظ الضمير...
وصاحبنا هذا هو واحد من هؤلاء الغافلين.. درس في أمريكا.. وعاد بقلب مظلم، قد عصفتْ فيه رياح الأهواء والشبهات، فأطفأتْ سراج الإيمان في قلبه، واقتلعتْ ما فيه من جذور الخير والصلاح والهدى، إلى أن جاء من بذر، فيه بذرة طيبة، أنبتت نباتاً طيباً بإذن الله.
يقول هذا التائب: لم أكن أطيق الصلاة، وحينما أسمع المؤذن وهو ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أخرج بسيارتي هائماً على وجهي إلى غير وجهةٍ حتى ينتهي وقت الصلاة ثم أعود إلى المنزل، تماماً كالشيطان عندما يسمع النداء للصلاة فيولي وله ضراط، كما ثبت ذلك في الحديث الشريف.
وفي يوم من الأيام خرجتُ كعادتي أهيم على وجهي.. وعند إحدى الإشارات المرورية، وقف بجانبي شاب بهي الطلعة -وكانت أصوات الموسيقى الصاخبة تنبعث من سيارتي بشكل ملفت- .. نظر إليّ مبتسماً ثم سلم عليّ وقال: ما أجمل هذه الأغنية، هل يمكنني استعارة هذا الشريط؟..
عجبتُ لطلبه.. ولكن نظراً لإعجابه بالموسيقى التي أسمعها، أخرجتُ له الشريط وقذفتُ به إليه.. عند ذلك ناولني شريطاً آخر، بدلاً عنه، وقال: استمع لهذا الشريط.
الشريط كان للشيخ ناصر العمر، بعنوان: (السعادة بين الوهم والحقيقة).. لم أسمع باسم هذا الشيخ من قبل.. قلتُ في نفسي: لعله أحد الفنانين المغمورين.. كدتُّ أحذف بالشريط من النافذة، ولكن؛ نظراً لأني قد مللتُ استماع الأشرطة التي معي في السيارة؛ قلتُ: لأستمع إلى هذا الشريط فلعله يعجبني..
وبدأ الشيخ يتكلم.. فحمد الله وأثنى عليه، ثم ثـنّى بالصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم- .. أنصتُّ قليلاً، فإذا بالشيخ يروي قصصاً عن أشخاص كنتُ أعتقد أنهم في قمة السعادة، فإذا هو يثبت بالأدلة والبراهين أنهم في غاية التعاسة..
كنت مشدوداً لسماع هذه القصص.. وقد انتصف الشريط.. فحار في ذهني سؤال لم أجد له جواباً: ما الطريق إذاً إلى السعادة الحق!!.
فإذا بالجواب يأتي جلياً من الشيخ في النصف الثاني من الشريط.. لا أستطيع اختصار ما قاله الشيخ جزاه الله خيراً، فبإمكانكم الرجوع إلى الشريط والاستماع إليه مباشرةً.
ومنذ ذلك اليوم بدأتُ بالبحث عن أشرطة الشيخ ناصر العمر، وأذكر أنني في ذلك الأسبوع استمعتُ إلى أكثر من عشرة من محاضرات الشيخ ودروسه.. وأثناء ترددي على محلات التسجيلات الإسلاميـة سمعتُ عن المشائخ والعلماء والدعـاة الفضلاء الآخرين -وهم كثير والحمد لله، لا أستطيع حصر أسمائهم-.. فظللتُ أتابع الجديد للكثير منهم، وأحرص على حضور محاضراتهم ودروسهم.. كل ذلك ولم أكن قد التزمتُ بعدُ التزاماً حقيقياً.. وبعد حوالي أربعة أشهر من المتابعة الحثيثة لهذه الأشرطة؛ هداني الله عز وجل..


[1] ) رواها أحد الاخوة وقد سمعها من التائب نفسه.

عمروعبده 09-03-2011 09:58 PM

توبة شاب ذكي من شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-([1])
يقول المولى عز وجل في محكم التنـزيل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم). ]سورة التوبة[ : 100 ([2])
ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً؛ ما بلغ مُدّ أحدهم، ولا نصيفه) متفق على صحته:
أولئك أتبـاع النبــي وحزبـــه

فلولا هـم ما كان في الأرض مسلـم
ولكـن هـم فيها بدور وأنجـــم

فيـا لائمـي في حبهـم وولائهـم
تأمـل - هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ

بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟
ترى حبهــم عـارٌ علـي وتنقـم

وما العـار إلا بغضهـم واجتنابهـم
وحب عداهـم، ذاك عـار ومأثــمُ


ليس عجباً أن تسمع ملحداً أو يهودياً أو نصرانياً يشتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينتقصهم، وإنما العجب أن يحدث هذا ممن يدعي الإسلام، وينطق بالشهادتين، ثم يتخذ من شتمهم وبغضهم ديناً ومذهباً، ولو أعمل هؤلاء عقولهم، وفكروا بتجرد، لعلموا أن الطعن فيهم طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي تولى تربيتهم وإعدادهم، ليكونوا قادة الدنيا وسادتها، فعاشوا في كنفه الدافئ، ونهلوا من معينه الصافي، ولما اختاره الله إلى جواره، وارتدتْ قبائل العرب عن دين الإسلام، قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قومته العظيمة، ومعه سائر الصحابة الكرام، وقاتل المرتدين حتى أخضعهم لدين الله، وقال قولته المشهورة: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه. فدانتْ له الجزيرة، وعاد إليها الأمن والأمان بعد حروب طاحنة، استشهد فيها كثير من الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، فكيف يقال بعد ذلك إن الصحابة قد ارتدوا جميعاً؟! هذا من أعجب العجب، وأمحل المحال..!
وبمثل هذا لا عجب قص عليّ هذا الشباب قصته فقال:
أنا شاب عربي، أسرتي وقبيلتي كلها تعتنق مذهباً غير مذهب أهل السنة والجماعة، هاجرتُ إلى هذه البلاد للعمل عام 1401هـ، ولم يتجاوز عمري آنذاك الخامسة عشرة.. بدأ التحول في حياتي يوم أن التحقت بإحدى المدارس الليلة لمحو الأمية بمدينه جدة.. لم يكن مدير المدرسة آنذاك يعلم باعتقادي الباطل، فكان يثني عليّ وعلى ذكائي، وبالفعل؛ فقد كان ترتيبي الأول على جميع الطلاب.
كان المدرسون والطلاب يؤدون صلاة العشاء جماعة في ساحة المدرسة، فكنتُ أتهرب، وأتعمد الخروج خفيةً حتى لا يعلم بي أحد..!! وبحكم نشأتي الطائفية فقد امتلأ قلبي حقداً وكراهيةً لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمني أهلي أن أصحاب المذاهب الأربعة التي تنتسب لأهل السنة؛ كلهم كفرة وخارجون عن الملة.. لا يؤمنون بإمام الزمان!! ولا يدينون دين الإسلام.. ويتخبطون في ظلمات الكفر والضلال.. ولا يهتدون سبيلاً..!! أي والله هذه هي الحقيقة المؤلمة.
كنتُ عندما أشاهد زملائي في المدرسة يصلون، أشعر بإحساس أنهم على الحق، فهم أفضل مني.. يصلون، ويتحدثون عن الدين عن علم ودراية، ومعرفة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أما أنا...
وفي ذات يوم، قابلني أحد الاخوة الطيبين -وهو زميل لي في الفصل الذي أدرس فيه-قابلني خارج المسجد.. فإذا بضربات قلبي تشتد، ولساني ينعقد عن الإجابة.. ماذا أقول له؟؟ هو يظن أنني على دينه، فبمَ أجبيه في هذا الموقف الحرج؟.. لقد أصابني ذعر شديد لأني لا أملك الحجة لمقارعته، وإذا ذهبتُ معه إلى المسجد فقد يصل الخبر إلى أهلي فيؤذونني، فالمسألة معتقد.
ثم إني لا أعرف من صلاتهم شيئاً، فماذا أصنع لو دخلت المسجد؟!! هذه حقيقة أقولها بكل صدق، أسأل الله أن يغفر لي جميع ذنوبي؟
ولكني لم أجد بداً من الاعتراف أمام ذلك الأخ، فأخبرتُه بأن مذهبنا لا يجيز لي الصلاة خلف (سُني) كما كان يلقنِّني أهلي.. فتعجب ذلك الأخ من قولي، ثم جذبني بقوة، وأدخلني المسجد.. وصليتُ معهم، ولا أدري كيف صليتُ!!!
بعد ذلك، كنتُ أذهب إلى بيت أحد أقربائي فأسأله كثيراً من مذهبنا؛ فوجدته من أجهل الناس، رغم أنه يعتبر من العالمين بذلك الدين أو المذهب.. كان يجيبني بعنف، ويكثر من الوقيعة في أهل السنة بأقذع الشتائم والسباب، ويرميهم بأقسى التهم.. مما جعلني أتخذ خطاً معاكساً لما هو عليه.
وتوجهتُ إلى المكتبات، وبدأتُ أقرأ عن الإسلام على خوف، ثم دخلتُ مرحلة من الشك القاتل استمرتْ أكثر من خمس سنوات تقريباً.. لم أذق خلالها طعم النوم إلا قليلاً.. ولا أبالغ إذا قلتُ إن وزني قد انخفض قريباً من خمسة وعشرين كيلو جرام.. فما زلتُ على هذه الحال، حتى توصلتُ إلى اقتناع تام بأن ما كنتُ عليه ما هو إلا باطل وضلال.. فدخلت بعدها مرحلة جديدة من الكتمان الشديد، خوفاً من الأهل ومن بطشهم.. فكنت أذهبُ إلى المساجد للصلاة سراً.. ثم بدأتُ أستمع إلى خطب ودروس بعض الشيوخ الفضلاء، منهم الشيخ حسن أيوب رحمه الله في مسجد العمودي.. وأتابع الجديد من الكتب والأشرطة الإسلامية.. أستمع وأقرأ بشغف.. وحفظتُ من كتاب الله ما شاء الله أن أحفظ.. فدخلتْ السعادة قلبي.. وأصبحتُ أجد طعم النوم والراحة.. وأحسستُ أنه يجب عليّ أن أعمل من أجل تعريف الناس بالدين الصحيح.. لما لاحظتُه من بُعد الكثيرين عن تعاليم هذا الدين.
خلال هذه الفترة لم يعلم بحالي أحد سوى بعض الاخوة الملتزمين من أبناء هذا البلد، إلا أني -وللأسف الشديد- لم أجد منهم رغم التزامهم التشجيع الكافي. (أسأل الله أن يغفر لنا جميعاً).
ثم كانت عودتي إلى بلدي عقب أزمة الخليج.. وهناك؛ كان الزلزال العظيم الذي كان يعصف بي لو لا فضل الله ورحمته، قال تعالى: (الـم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فَلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعلمن الكاذبين). سورة العنكبوت:2.. لقد علم أهلي بالأمر.. بل القبيلة كلها.. وكعادة القبائل هناك في التمسك بأعرافها وتقاليدها.. رأوا أنه قد لحقهم العار من جراء ما فعلتُ، فتعرضوا لي بأنواع من الأذى والمضايقات.. ووصل بهم الأمر إلى أن أجبروني على تطليق زوجتي التي رزقني الله منها بولدين.. وجردوني من كل ما أملكه عن طريقها.. هددوني بالضرب مرة.. ومرة بالقتل.. وأخرى بالطرد من البلاد.. وتحقق لهم ما أرادوا؛ فقد قام والدي بطردي من البلد في يوم عيد الفطر المبارك، وإهدار دمي، لأني لم أصلّ معهم صلاة العيد، وصليتُ مع جماعة المسلمين من أهل السنة.
(وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكنَّ الظالمين ولَنُسكننَّكم الأرضَ من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد).
وخرجتُ من بلدتي -مسقط رأسي.. ومنشأ صباي- إلى منطقة أخرى جاورتُ فيها أناساً صالحين، لم يدخروا وسعاً في مساعدتي -جزاهم الله عني كل خير-.
هذه هي قصة باختصار شديد.. ولن أتراجع -بإذن الله- عن قراري أبداً، ولقد قلتُ لهم كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه عمه أبو طالب يساومه من طرف المشركين لكي يتخلى عن هذا الدين، ويعطونه ما يريد، فقال لهم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الدين؛ ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه).. لن أساوم رغم المغريات الكثيرة التي قدموها لي.. ورغم مفارقتي لأهلي ووطني، والحالة الاقتصادية السيئة التي أمرُّ بها.. لن أتراجع أبداً، بل سوف أعمل بكل جهد وإخلاص -بمشيئة الله- في الدعوة إلى الله، وكشف أستار الظلام للمسلمين؛ ليروا الطريق الصحيح أمامهم واضحاً... ولقد بدأتُ بالفعل، وكسبتُ بعض الأنصار لشرع الله ولله الحمد، خصوصاً بعد ظهور الصحوة الإسلامية في كل قطر وناحية..
هذا وأسأل الله أن يرزقني وإياكم الإخلاص والتوفيق والسداد.. إنه ولي ذلك..
أخوكم/ أبو صلاح الدين
وبعد، فإني -بهذه المناسبة- أوجه كلمة إلى نفسي، وإلى كل مسلم ومسلمة، بل إلى كل إنسان على وجه الأرض (أياً كان دينه ومذهبه وعقيدته)، أدعوهم فيها إلى التفكير وإعادة النظر فيما يعتقدونه من معتقدات، ويحملونه من أفكار، بتجرد وإخلاص، وبذل الجهد في معرفة الحق حيثما كان، والتحرر من عبودية الهوى والتبعية والتعصب الأعمى، وتقليد الآباء والأجداد: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون). (البقرة:17) فإن الحق واحد لا يتعدد، ولابدّ للباحث عن الحق من الإطلاع على آراء الآخرين من مصادرها الأصلية، والنظر بتجرد وإخلاص، مع التضرع إلى الله عز وجل وطلب الهداية منه سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69).
العلـم يدخـل قلب كـل موفــق

من غيـر بــواب ولا استئــذان
والحق ركــن لا يقــوم لهــدِّه

إحـدٌ ولــو جُمعـت لـه الثقلان
تأمـل -هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ

بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟


[1] ) رواها لي بنفسه.

[2] ) قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير لهذه الآية: (أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذي اتبعوهم بإحسان؛ فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيرهم وأفضلهم؛ أعني الصدّيق الأكبر، والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنه-، فإن بعض الطوائف المخذولة، يُعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم -عياذاً بالله من ذلك-، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون مَن رضي الله عنهم؟!! وأما أهل السنة، فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون) انتهى كلامه رحمه الله (بتصرف بسيط).

عمروعبده 10-03-2011 05:46 AM

توبة شاب ماجن ([1])





الشباب هم عماد الأمة
وذخيرتها الحية، وأملها المرتقب، ومستقبلها المنشود، لذا؛ فإن الأعداء لا يألون
جهداً في تحطيم نفوس الشباب وهدم أخلاقهم بشتى السبل والوسائل.. يقول المستشرق
شاتلي: (وإذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي
قضتْ على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانتْ السبب الأول والرئيس لعزة
المسلمين وشموخهم، وسيادتهم وغزوهم للعالم.. إذا أردتم غزو هذا الإسلام، فعليكم أن
توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية؛ بإماتة روح الاعتزاز
بماضيهم وتاريخهم وكتابهم: القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم
وتاريخكم، ونشر روح ال*****ة، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا
المغفلين منهم والسذج والبسطاء لكفانا ذلك، لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد
أغصانها..)(
[2]).


وما كان للأعداء أن يحققوا
شيئاً لو تمسك المسلمون بدينهم وصبروا عليه، لأن الله يقول: (
وإن
تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط
)
(آل عمران: 120)



يقول هذا التائب:


كنتُ
في ضلال وضياع وفجور، تربيتُ كسائر الناس على طاعة الوالدين، لكني لم أكن أعرف
الصلاة وكذلك سائر العبادات إلا رياءً... تعلمتُ التدخين في سن مبكرة، فكنتُ أدخن
كثيراً.. لم أكن أعرف عن قضايا المسلمين شيئاً؛ اللهم إلا القضية الفلسطينية..
وعند دراستي في الجامعة تعرفتُ على شاب أبيض ذي لحية سوداء صغيرة، لا تفارق الابتسامة
محياه.. لا أدري لماذا كنتُ أكرهُ هذا الشابَ وأحقد عليه.. ربما لأنه كان دائماً
ينصحني، ويحثّني على ترك التدخين، وكل ما يُغضب الله..



وفي
يوم من الأيام، حضر إلى الجامعة وبيده بعض المنشورات عن المجاهدين، وما أن اطلعتُ
عليها حتى سَرَتْ في نفسي رعشةٌ وقشعريرةٌ لم أدرِ لها سبباً، لكنها سرعان ما زالت
بعد دقائق معدودة..



وذات
يوم، كان الوقت عصراً وكنتُ أستمع إلى أغنية في المذياع، وصوت المؤذن يجلجل في
الآفاق منادياً لصلاة العصر، ولكن:



فـلا الأذان أذان فــي منارته إذا
تعـالـى، ولا الآذان آذانُ



كنتُ
أنا والجدار متشابهين في القسوة والجمود وعدم الإجابة... وبعد انتهاء الأغنية،
جاءت الأخبار، فأستمع إليها وإلى أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك وما يتعرضون
له من القتل والتشريد؛ فلم ألقِ لذلك بالاً.



وفي
الصباح، ذهبتُ إلى الجامعة كالعادة، فقابلني أحد رفقاء السوء، وعرض عليّ (فلماً)
خليعاً فأخذتُه مسروراً، وسهرتُ تلك الليلة لمشاهدته، وهكذا في كل صباح كنا نتبادل
هذه الأفلام المدمرة بيننا في الجامعة وللأسف الشديد..!! فكيف يمكن للمسلمين أن
يتقدموا على أعدائهم وهذا حال شبابهم.



وجاء
اليوم الموعود، فإذا بذلك الشاب الذي كنتُ لا أطيقه يأتيني ويقول لي: هل تريد
فلماً؟ فقلتُ له متعجباً: أعندك؟!.. قال: نعم. قلتُ: هات.



وأخذتُ
الفلم، وفي الوقت الذي كنتُ أقضيه في السهر لمشاهدة تلك الأفلام؛ سهرتُ على هذا
الفيلم الجديد الذي لا أدري ما محتواه.. كنتُ أظنه كتلك الأفلام التي أعرفها..
ولكن كانت المفاجأة.



تسجيلات
قرطبة الإسلامية تقدم:



الصليــب
يتحـــدى



كان
هذا هو عنوان الشريط..



ثم
توالت بعد ذلك الصور المفزعة.. دماء... أشلاء.. أجساد ممزقة.. أعضاء متناثرة...
نساء ثكالى.. أطفال حيارى... دمار وخراب....




أحـلَّ الكفـر بالإسـلام ضيــماً



يطـول بـه على الديـن النحيـب

فحق ضائــع وحمــىً مبــاح



وسيـف قاطـع ودمث صبيــبُ

وكـم مـن مسلم أمسـى سليبــاً



ومسلمــة لهـا حـرمُ سليــب

وكـم مـن مسجـد جعلـوه ديراً



علـى محرابـه نُسـب الصليــب

أمـور لـو تأملهـــن طفــل



لطفــل في مفارقــه المشيــبُ

أتسبـى المسلمـاتُ بكل ثغـــر



وعيـش المسلميــن إذاً يطيــبُ

أمـا لله والإســلام حـــــقُ



يدافــع عنــه شبــان وشيبُ

فقـل لـذوي البصـائر حيث كانوا



أجيبــوا الله ويحكـم.. أجيبــوا






لم
أتمالك نفسي من البكاء.. أحسستُ برعشة تسري في أوصالي.. كنتُ أتخيل نفسي واحداً من
هؤلاء، وقد ذُبحت من الوريد إلى الوريد، ورُسم على صدري الصليب.. يا إلهي.. ألهذه
الدرجة بلغ الحقد الصليبي على هؤلاء الغُزّل، لا لشيء.. إلا لأنهم مسلمون..؟؟!! (
وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).


لم
أنم تلك الليلة من شدة الخوف.. استلقيتُ على فراشي وأنا لا أدري ماذا أصنع.. نظرتُ
من حولي، فإذا بضوء القمر الخافت قد تسرب من خلال النافذة، وألقى بأشعته الفضية
على طاولة مكتبي الذي أذاكر عليه.. وإذا بي ألمح مصحفي القديم الذي تقطعتْ بعض
أوراقه من الإهمال.. فأسرعتُ إلى أخذه وبدأتُ أقرأ فيه حتى وصلتُ إلى آية الكرسي
من سورة البقرة.. (
الله لا إله
إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم..
) فتوقفتُ عن القراءة ثم انهمرتْ
عيناي بالدموع، فلم أتوقف عن البكاء إلا على صوت المؤذن وهو يجلجل في الآفاق.. (..
الله أكبر.. الله أكبر..) .. فقمتُ مسرعاً، وذهبتُ إلى المسجد خائفاً ترتعد
فرائصي.. فدخلتُ دورة المياه، فوجدتُ شيخاً كبيراً يتوضأ، فطلبتُ منه أن يعلمني
الوضوء والصلاة، وكانت تلك الحادثة هي نقطة التحول في حياتي..

عمروعبده 10-03-2011 05:49 AM

رسائل العائدين
إلى الله






من فلسطين المحتلة.. من جوار بيت
المقدس، كتب إليّ الأخ.... هذه الرسالة:



(أعرفك
على نفسي: شاب مسلم من بيت المقدس، قرأت كتابك:
]العائدون إلى الله] وقد تأثرتُ به كثيراً.. وقصتي تبدأ منذ الصغر، حين
دعاني أبي إلى الذهاب إلى المسجد، حيث تقام دورات رياضية لتقوية أجسام الشباب
المسلم، للدفاع عن أنفسهم في مواجهة بني صهيون، إضافةً إلى الدورات العقدية والإيمانية،
لتقوية الإيمان، الذي هو السلاح الأول في الأزمات.. دعاني أبي إلى المسجد ولم يكن
هو يصلي آنذاك، وكأنه يقول لي: يا بني، لقد مضى زمننا، وهذا زمنكم، وإن المعركة
التي بيننا وبين بني صهيون، معركة عقائدية وليست قومية أو وطنية أو.. الخ، كما
يريد البعض تصويرها، معركة تنطلق من المساجد لا من بيوت الــ...



كان
أبي آنذاك -في الوقت الذي يدعوني فيه إلى الذهاب إلى المسجد- يجلس هو وجميع الأهل،
وأنا معهم في بعض الأحيان، أمام شاشة التلفاز (!!!) وما أدراك ما التلفاز، حتى
اعتادتْ قلوبنا رؤية المنكر، وألفناه.. وحين بلغتُ سن المراهقة ازداد تعلقي
بالمسجد، وأصبحتُ في صراع مرير بين صوت الحق وصوت الباطل، وأثر ذلك في دراستي، حيث
ملأ التفكير ذهني وعقلي..



وفي
ذات ليلة، عدتُّ إلى غرفتي متعباً، فوجدتُّ كتاباً على مكتبي.. مددتُ يدي إليه..
حملته.. قرأتُ عنوانه: العائدون إلى الله.. شدّني هذا العنوان، فما تركته إلا بعد
أن أكملتُ قراءتَه.. والحمد لله، أتتْ من بعده الهداية..



وأنا
الآن وأنا أسطر هذه السطور، قد عقدتُّ النية على الالتزام الحق بإذن الله، وأن
أجاهد نفسي على مرضاة الله، وكل ما أتمناه هو الاستشهاد في سبيل الله على ثرى
فلسطيننا السليبة.



ومن جزائر
الإسلام كتب إليّ الأخ أبو أمامة.. هذه الكلمات:



من
طالب علم يزعم أنه يلبس ثوب الالتزام، وهو خالعه منذ زمان.. من شاب تائه حائر
عبثتْ به الشهوات والملذات، واستدرجه الشيطان؛ حتى كاد يعميه عن نور الإيمان.. إلى
أخ كريم.. أهدي هذه التحية العطرة الحارة التي تسوقها مجاري الدموع عبر موجات
الأثير، إلى هناك.. وما أدراك ما هناك.. حيث مهبط الوحي، ومهوى الأفئدة..



لقد
كنتُ ضالاً فهداني الله.. تربيتُ في أسرة محافظة، ووالدي جزاه الله خيراً كان
إماماً، لكن إسلامي، كان وراثياً، لا يخلو من الشرك والبدع والضلالات.. أسأله الله
أن يغفر لي، لأني كلما تذكرتُّ تلك الأيام، أعض على أصابع الندم..



نشأتُ
وتربيتُ على ذلك، وبعد أن كبرتُ ووصلتُ سن المراهقة؛ بدأتُ أقوم بأعمال قد يستحي
الشيطان من فعلها، ثم زعمتُ أني التزمت بشرع الله، ولكن تلك القبائح بقيتْ معي،
وظلتْ تعيقني، إلى أن أعارني أخ لي قادم من أرض الحرمين الشريفين، سلسلة العائدون
إلى الله، فبدأتُ بقراءتها، فما إن قرأتُ قصتين أو ثلاث حتى شعرتُ أن كياني قد
تزعزع، وبكيتُ بكاءً شديداً على ما فاتني من عمر في معصية الله، وشعرتُ بسعادة
تغمرني من جديد.. أسأل الله أن يثبتني وإياكم على الحق المبين..



ومن الجزائر
أيضاً بعث إليّ الأخ عبد الحميد.. برسالة يقول فيها:



أرفع قلمي وأسطر لكم
هذه الرسالة من كل أعماق قلبي أبشركم فيها بهدايتي إلى الصراط المستقيم بسبب
قراءتي للأجزاء الثلاثة الأولى من هذا الكتاب، وهذه هي القصة:



فأنا شاب جزائري من
هواة المرسلة، مسلم بالوراثة، تعرفتُ على كثير من الشباب والشابات(!!) عن طريق ركن
التعارف في بعض المجلات الساقطة، وشاء الله أن أتعرفَ على شاب من بلاد الحرمين
اسمه غلام حسين، فلأول مرة بعثَ لي بمجموعة من الكتب ومنها كتاب (العائدون إلى
الله)، فبعثتُ له برسالة شكر، ثم بعثَ لي بمجموعة أخرى، فلما رأى ذلك أفراد عائلتي
فرحوا بي كثيراً، وخاصة والدي، فبدأتُ أطالع هذه الكتب وخاصةً (العائدون إلى
الله)، فوجدتُ فيه مفتاح التوبة، وخرجتُ من طريق الظلمات إلى الطريق المستقيم،
وأنا نادم على أيام ماضية قضيتها بعيداً عن الله...










[1] ) رواها أحد
زملائه، وقد سمعها منه بنفسه.







[2] ) انظر: كتاب
(الغارة على العالم الإسلامي).

عمروعبده 10-03-2011 05:59 AM

توبة الشيخ محمد جميل زينو
من ضلالات الصوفيّة إلى نور العقيدة السلفيّة


الشيخ محمّد جميل زينو – حفظه الله – عرفناه من خلال مؤلّفاته النافعة التي تُعنى بنشر العقيدة السلفيّة، وبيانها بأسلوب واضح ميسر ، وقد نفع الله بهذه المؤلّفات ، وهدى بها من الضلال بإذنه .. وللشيخ قصّته مع الهداية إلى هذه العقيدة الصحيحة ، وقد رواها بنفسه ([1]) ، فقـال :
ولدتُ في مدينة حلب بسورية .. ولمّا بلغتُ العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصّة تعلّمت فيها القراءة والكتابة ، ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظت خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد ، ثمّ التحقت بما يسمّى آنذاك بالكليّة الشرعيّة التجهيزيّة – وهي الآن الثانوية الشرعيّة – وهي تابعة للأوقاف الإسلامية ، وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعيّة والعصريّة .

وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه : (( الحصون الحميديّة )) والذي يقرّر فيه مؤلّفه توحيد الربوبيّة ، وأنّ لهذا العالم ربّاً وخالقاً !.. وقد تبيّن لي فيما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة ، فإنّ المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين بأنّ الله هو الخالق الرازق : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )) ( الزخرف : 87) ، بل إنّ الشيطان الذي لعنه الله كان مقرّاً بذلك ؛ (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي )) ( الحجر : 39) .
أمّا توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم ، فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنه شيئاً .

كنت نقشبنديّاً :
لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكر في المساجد ، وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد ، وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سنّي لم أستطع أن أقوم بها ، لكنّي كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا ، وأستمع إلى ما يردّوونه من أناشيد وقصائد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجئ ، ويسبب لي الرعب والهلع ، وعند ما تقدّمت بي السنّ بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحيّ لأحضر معه ما يسمّى بالختم ، فكنّا نجلس على شكل حلقة ، فيقوم أحد الشيوخ ويوزّع علينا الحصى ويقول : (( الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف )) ، فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة وسورة الإخلاص ، والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي يحفظونها ، ويجعلون ذلك آخر ذكرهم . ثم يقول الشيخ الموكّل ، لأنّ الشيخ – بزعمهم – هو الذي يربطهم بالله ؛ فيهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع ، حتّى إنّ أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد .. إلى آخر ما كانوا يفعلونه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان .

كيف اهتديت إلى التوحيد ؟
كنت أقرأ على شيخي الصوفيّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وهو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .. ))
فأعجبني شرح الإمام النوويّ - رحمه الله – حين قال : ( ثمّ إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه ، كطلب الهداية والعلم، وشفاء المرضى، وحصول العافية ، سأل ربّه ذلك . وأمّا سؤال الخلق ، والاعتماد عليهم فمذموم )) .
فقلت للشيخ : هذا الحديث وشرحه يفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .
فقال لي : بل تجوز !!
قلت له : وما الدليل ؟ فغضب الشيخ ، وصاح قائلاً : إنّ عمّتي كانت تقول : يا شيخ سعد ( وهو من الأولياء المزعومين الأموات ) فأقول لها : يا عمّتي ، وهل ينفعك الشيخ سعد ؟ فتقول : أدعوه فيتدخّل على الله فيشفيني !!
قلت له : إنّك رجل عالم ، قضيت عمرك في قراءة الكتب ، ثمّ تأخذ عقيدتك من عمّتك الجاهلة !!
فقال لي : عندك أفكار وهّابيّة ! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله ) .
وكنت لا أعرف شيئاً عن الوهّابية إلا ما أسمعه من المشايخ ، فيقولون عنهم : إنّهم مخالفون للناس ، لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم المزعومة ، ولا يحبّون الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها .
فقلت في نفسي ؛ إن كانت الوهّابيّة تؤمن بالاستعانة بالله وحده ، وأنّ الشافي هو الله وحده ، فلا بدّ أن أتعرّف عليها .
وبحثت عن هذه الجماعة ، فاهتديت إليها ، كان لهم لقاء مساء كلّ خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ، فذهبت إليهم بصحبة أولادي وبعض الشباب المثقّف .. دخلنا غرفة كبيرة ، وجلسنا ننتظر الدرس ، وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ ، فسلّم علينا ، ثمّ جلس على مقعده ، ولم يقم له أحد ، فقلت في نفسي ، هذا الشيخ متواضع ، لا يحب القيام له.
وبدأ الشيخ درسه بقوله : إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخر الخطبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ، ثمّ بدأ يتكلّم باللغة العربية الفصحى ، ويورد الأحاديث ، ويبيّن صحّتها وراويها ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم كلّما ذكر اسمه . وفي ختام الدرس وجّهت له الأسئلة فكان يجيب عليها بالدليل من الكتاب والسنّة ، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يردّ سائلاً أو متكلماً ، ثمّ قال في آخر درسه : الحمد لله ، إنّنا مسلمون سلفيون ، وبعض الناس يقولون إنّنا وهّابيون ، فهذا تنابز بالألقاب ، وقد نهانا الله عن ذلك بقوله : (( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )) ( الحجرات ك 11) .

ولمّا انتهى الشيخ من درسه ، خرجنا ونحن معجبين بعلمه وتواضعه ، وسمعت أحد الشباب يقول : هذا هو الشيخ الحقيقيّ .
ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيد الخالص ، والدعوة إليه ، ونشره بين الناس اقتداء بسيّد البشر صلى الله عليه وسلم . وإنّي لأحمد الله - عزّ وجلّ - الذي هداني لهذا ، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله ، والحمد لله أوّلاً و آخراً .


[1] - انظر : كتابه ( كيف اهتديت ) ، وقد أطال في ذكر قصّته والتعليق على أحداثها ، وقد ذكرتها هنا باختصار وتصرّف يسير .

عمروعبده 10-03-2011 06:06 AM

توبة مطرب الصومال الأول عبد الله زلفى ([1] )

في إحدى المدارس الابتدائية بمقديشيو تجمّع المعلّمون والإداريّون ، ومعهم مدير المدرسة ، يستمعون بشغف إلى ذلك الفتى الأسمر النحيل وهو يشدو بصوته الساحر ، ويردّد أبياتاً من عيون الشعر العربيّ ..
كانت الصومال وقتها تعيش الحقبة الاشتراكية من عهد الرئيس (( سياد بري )) فكان لا بدّ لموهبة الفتى أن تسخّر في هذا الاتجاه ، فتسابق الشعراء في تنظيم قصائد المدح والإشادة بالرئيس وعهده ، كي ينشدها الفتى الذي ذاع صيته في مدارس العاصمة ، وأصبح محطّ أنظار مسؤولي التعليم .
تقدّم الفتى إلى المرحلة المتوسطة ، ثمّ الثانويّة ، وتقدّمت معه موهبته التي جذبت انتباه وزير التعليم ، فأصدر قراراً بتأسيس فرقة موسيقية تحت إشراف الفتى ...
تلكم كانت بداية عبد الله زلفى مطرب الصومال التائب ، الذي قرّر أن يغرّد خارج سربه بعد أن تبيّن له أنّ السرب يسير نحو الجحيم ..
ذاعت شهرته ، وأصبح يعرفه كلّ صوماليّ وجيبوتيّ ، ولقّبوه بمطرب الصومال الأوّل ، وفي عام 1396هـ شهدت الصومال نقطة تحوّل في توجّهها حيث تمّ طرد الخبراء السوفيت ، واعتماد سياسة الانفتاح ، فكان لا بدّ لمطرب الصومال الأوّل أن يتجاوب مع توجّهات بلاده ، فترك الفرقة الموسيقية الحكوميّة وعمل لحسابه ، وتحوّل من الغناء للاشتراكية ، إلى الغناء للانفتاح ..

يقول عبد الله زلفى :
اشتريت ملهى ليلياً كنت أغنّي فيه ، وكانت فنادق مقديشيو وملاهيها تتسابق لاستضافتي ، فكنت أغنّي في أكبر فندقين في العاصة : ( العروبة وجوبا ) .. كانت مهمّتي تتمشّي مع متطلبّات المرحلة ، فقد كان عليّ إغراق الشباب في اللهو والمجون ، والضرب على غرائزهم ، بحيث لا يفكّرون فيما يحدث لبلادهم من تمزيق ، ولثرواتهم من نهب ..
كان الشباب حولي يرقصون ، فيما كانت مدافع وصواريخ إيثيوبيا تدّك المساجد في ( هرجيسا ) و ( برعو ) وغيرهما من المدن المسلمة ، قدّمتُ السخافات الغربيّة بدعوى : ( الفرانكو أراب )) ، وسافرت إلى لندن وباريس وروما وغيرها من العواصم الأوربيّة والأفريقية لتقديم الفنّ الصوماليّ الحديث !!
وازداد إقبال الشباب علي ّ – والموت في انتظار كلّ من يتحدّث عن الشأن العام – ورافق ذلك إطراء وتهليل من وسائل الإعلام للغناء الذي أقدّمه ، وكان ذلك يعني مزيداً من الأموال تصبّ في جيبي ..
عام 1983م ( 1403هـ ) كان فاصلاً في حياتي ، فقد أراد والدي أن يكملا فرحتهما بابنهما الذي أصبح موضع إعجاب شباب وشابات الصومال ، وقد خشيا أن أتزوّج فتاة لا يعرفونها فأبتعد عنهما ، فرشّحا لي إحدى قريباتي عروساً ، كانت على درجة عالية من الثقافة والجمال ، فوافقت عليها بلا تردّد ، وتوقّعت أن تطير فرحاً بي ، كيف وقد وقع اختياري عليها من بين آلاف الفتيات اللاتي يتمنينني زوجاً ، لكنّ توقّعي خاب ، فمنذ الليلة الأولى لمحتُ في عينيها حزناً دفيناً لم تخفه كاميرات التلفزيون والمصوّرين التي ملأت قاعة الاحتفال .. ظننت أنّ المسألة مجرّد إرهاق أو خجل يعتري الفتيات في مثل هذه المواقف ، ولكنّ الأمر لم يكن كذلك ..
كنت أعود من الملهى قبيل الفجر ، فأجد زوجتي تقرأ القرآن .. وإذا حكيت لها ما حدث لي في عملي تكتفي بتحيّتي ، وتدعو لي بالهداية ، ثمّ تمضي لصلاة الفجر ، وأمضي إلى فراشي .. وكلّما حدّثتها عن عملي أجابتني : (( الرزّاق هو الله )) ولم أكن وقتها أفهم مغزى هذا الكلام فلم نكن نشكو الفقر أو قلّة الرزق .
وبعد خمس سنوات رأت زوجتي أن تواجهني مباشرة ، فعند ما عدت إلى المنزل في أحد الأيّام ، كانت مساجد المدينة تصدح بآذان الفجر.. سألتني مستنكرة : لِمَ لم تدخل المسجد وأنت تسمع آذان الفجر ؟! )) كانت هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أنّ بإمكاني أن أدخل المسجد ، وأصبح مسلماً صالحاً ..
كانت تلك بداية معركة في داخلي بين فطرتي التي تدعوني إلى الاستجابة لنصيحة زوجتي ، وواقعي الغارق في وحل الفنّ ، وفي المساء كنت أهندم ملابسي استعداداً للذهاب إلى الملهى فإذا بزوجتي تهمس في أذني برقّة : (( استرح يا أخي ، فالرزّاق هو الله )) ..
خشيت أن أضعف أمامها ، فأسرعت خارجاً من البيت ، لكنّ رحمة الله عزّ وجلّ كانت لي بالمرصاد ، فما إن نزلت من سيّارتي وهممت بدخول الملهى حتّى سمعت المؤذّن ينادي لصلاة العشاء : ( حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله )) .. وكأنّي أسمع هذا النداء للمرّة الأولى .. فما كان منّي إلا أن غيّرت وجهتي .. ودخلت المسجد .. توضأت ، وصلّيت مع المصلّين الذين تجمّعوا حولي يمطرونني بالترحاب ، وقد غطّت وجوههم السعادة ، وأهدي إليّ أحدهم كتاب : ( شرح أحاديث البخاري ) .
خرجت من المسجد ، وركبت سيارتي ، وقفلت عائداً إلى البيت لأبشّر زوجتي بمولدي الثاني ، وتلك كانت منحة في ثوب محنة .
تلك كانت قصّة مطرب الصومال الأول مع الهداية ، وقد برهن على صدق توبته بخطوات عمليّة ، بدأها بالتبرّع بالأجهزة الصوتيّة ، والاستديو الذي يملكه لخدمة الدعوة الإسلامية ، وبدأ دخله يتراجع ، وأمواله تقلّ ، فهو مغنٍ ، وليس له دخل سوى ما يكسبه من هذه المهنة ، فلم يفتّ ذلك في عضده ، وباع سيارته ومنزله الكبير ، وكان عزاؤه في ذلك حلاوة الإيمان التي تغمر قلبه ، والسعادة التي تحيطه بها زوجته وهي تردّد ؛ (( الرزّاق هو الله )) .. لقد أصبح لهذه العبارة الآن معنى ومذاق طالما غاب عن عبد الله قبل ذلك .
ولمّا كان طريق الإيمان والتوبة محفوفاً بالمكاره اختباراً وامتحاناً ، فقد استدعته السلطات وعاتبته على خطواته التي عدّوها (( متهوّرة )) وظنّوا أنّ الأمر لا يعدو مجرّد نزوة من فنّان أراد أن يجذب الانتباه إليه ، لكنّهم وجوده إنساناً آخر غير الذي عهدوه طيلة ثمانية عشر عاماً – عمر مشواره الفنّي - .. هدّدوه ، وطلبوه منه أن يظهر في التلفاز ويعلن أسفه على خطوته تلك ، ويعتذر لمعجبيه من الشباب والشابات ، ويؤكّد لهم أنّه قد غرّر به .. فرفض . فلمّا أدركوا حجم تصميم الرجل لم يجدوا بدّاً من سجنه !!
نعم .. سجنوه لأنّه تخلّى عن دور مهمّ كان يقوم به في تغييب الشباب ، وأصبح قدوة من نوع آخر .. نوع يقلق أهل الباطل ، ويهدّد أركان مشروعهم ..
لم تفلح العصا ، فعادوا يلوّحون بالجزرة .. عرضوا عليه مبلغاً من المال على أن يعود إلى الفنّ ، لكنّه أبى .. اقترحوا عليه أن ينظّموا له حفل اعتزال عسى أن يكون ذلك بداية لاجتذابه إلى الغناء مرة أخرى ، ولكنّه فهم المخطّط ورفض بإصرار ..
يقول عبد الله زلفى : (( كانت عقيدتي قويّة ، وكانت زوجتي تقف معي في محنتي ، فكان قراري الرفض الحاسم للعودة إلى الطرب )) .
وفي عام 1410هـ أراد أن يخرج من جوّ الحصار الذي يحيط به ، والملاحقات المتوالية التي تضغط عليه ، فلم يجد وجهة خيراً من بيت الله الحرام ، وهناك تزوّد بشحنة إيمانيّة جديدة كان لها بالغ الأثر في تثبيته على طريق الإيمان ، فقد تلقّفته الأيدي الطاهرة في مكّة ، وأحاطته بالرعاية حتى أتمّ حفظ عشرة أجزاء من القرآن ، ولمّا دوّت صفّارات الحرب في الصومال ، واشتبكت القبائل والميليشيّات في حرب أهلية طاحنة ، قرّر العودة إلى الصومال حيث يفرّ الناس منه ، فما أحوج الصومال إلى دور عبد الله الجديد داعيةً ومصلحاً .. أراد أن يكفّر عمّا ارتكبه من جرم في حقّ شباب الصومال ، فراح يطوف هناك يحثّ الشباب على الصبر والثبات والسلام ، ويحذّرهم من الانسياق وراء عصابات الحرب والإفساد والدمار ..
فلّما رأى أن الشر قد استفحل ، عاوده الحنين إلى مكّة ، فمن ذاق عرف ، فجاء ملبياً ، وطاب له المقام ، وقطع شوطاً كبيراً في حفظ القرآن الكريم .
والآن عبد الله يعمل داعية إلى الله عز وجل .. دعاه بعض أصدقائه إلى استخدام موهبته في خدمة الدعوة ، فهو صاحب صوت نديّ يمكن أن يشدو به أعذب الأناشيد ، لكنّه رفض ، وقال : أخشى إن دخلت الفنّ مرّة أخرى من باب الأناشيد أن أعود إلى سابق عهدي ، وعندنا مثل في الصومال يقول : اليد التي تسرق القليل مصيرها إلى السرقة ، الفنّ بوصفه الحالي حرام ، ولا يصلح لخدمة الإسلام ، وأنا اخترت مجال الدعوة بعيداً عن الفنّ .. لبعض العلماء فتاوى في جواز الغناء بلا مزامير بهدف بثّ الحماس أو العظة أو التمسك بالدين ، ولكن لا أحبّذ لنفسي ذلك ، ولا أمنع من يرى في نفسه المقدرة على استخدام الفنّ في تربية الروح الإسلامية في نفوس الناس .
إنّ الوضع في الصومال لا يحتاج إلى فنّ ، بل يحتاج إلى دعوات في الثلث الأخير من الليل ، مع الأخذ بالأسباب ، لانتشاله من الوضع المأساويّ الذي يعانيه .
****

[1] - نُشرت هذه القصّة في مجلّة الأسرة ، العدد 63 ( بتصرّف يسير ) .

عمروعبده 10-03-2011 06:10 AM

توبة الراقصة زيزي مصطفى ([1]) .

عشرون عاماً من عمرها قضتها في حياة الرقص والمجون والعبث ، وفي (( عرفات )) عرفت طريق الحق وذاقت حلاوة الإيمان ، فكانت التوبة :
تقول زينب مصطفى ( زيزي مصطفى سابقاً )) في بداية حديثها :
ظروفي الماديّة العصيبة هي التي جعلتني أعمل في هذا المجال حوالي عشرين سنة ، فأنا أعول أمّي المريضة ، وأخواتي البنات ، وليس لي مصدر آخر للرزق ([2]) .
ثمّ لم أكن أدري أنّ هذا العمل حرام! ولم يكلّمني أحد في ذلك ، وظللت على هذه الحال حتّى أنجبت ابنتي الوحيدة .
ثمّ تضيف :
بعد إنجابي لابنتي هذه حدثت تحوّلات جذريّة في حياتي ..
فجأة ، ودون سابق إنذار بدأت أصلّي وأشكر الله على هذه النعمة – نعمة الإنجاب - ، ثمّ بدأت أفكّر لأوّل مرّة أنّه لا بدّ أن أنفق على ابنتي من حلال ، ولا أدري من أين جاءني هذا الشعور ، الذي يعني أنّ عملي حرام ، وأنّ المال الذي أجنيه من ورائه حرام .
وبدأت أشعر بتغيّرات نفسية دون أن أدري مصدرها .
وشيئاً فشيئاً بدأت أتوضّأ ، وأنتظم في أداء الصلاة ، وبدأت أدخل في نوبات بكاء حادّ ومتواصل أثناء صلاتي ، دون أن أدري لذلك سبباً .ومع كلّ هذه البكاء ، وتلك الصلاة ، كنت أذهب إلى صالة الرقص ، لأنّني ملتزمة بعقد ، وفي مسيس الحاجة إلى ما يدرّه عليّ من دخل .
وظللت على هذه الحال : أصلّي ، وأبكي ، وأذهب إلى الصالة ، حتّى شعرت بأنّ الله – سبحانه وتعالى – يريد لي التوبة من هذا العمل ، عندها أحسست بكرهي الشديد للبدلة التي أرتديها أثناء عملي .
كنت كثيراً ما أستفتي قلبي : هل بدلة الرقص التي أرتديها يمكن أن أنزل بها إلى الشارع ؟ فكنت أجيب نفسي ، وأقول : طبعاً لا ، وبعد عشرين سنة من الرقص ، لم يمنعني عملي المحرّم أن أميّز بين الحلال والحرام . إنّ الحلال والحرام بداخلنا ، ونعرفهما جيداً حتّى دون أن نسأل أهل العلم .
لكنّ الشيطان يزيّن لنا طريق الحرام حتّى يغرقنا فيه .
كانت هناك رسائل ذات معنى أرسلها الله سبحانه لي حتّى أستيقظ من الغفلة التي أحاطتني من كلّ جانب .
كان الحادث الذي تعرّضت له هو أوّل هذه الرسائل .. وبسبب هذا الحادث قُطع الشريان الذي بين الكعب والقدم ، وقال لي أحد الأطباء : بحسب التقرير ، وحسب العلم الذي تعلّمناه ، سوف تعيشين بقيّة حياتك على عكّاز .
وبعد فكّ الضماد وجدتني أسير بطريقة طبيعية وسليمة مع تساوي قدميّ كما أفادت التقارير الطبيّة .
اعتبرت ذلك رسالة لها معنى من الله – سبحانه وتعالى – وأنّ قدرته المعجزة فوق كلّ شيء ،فقد نجوت من موت محقّق ، ونجوت من عمليّات كثيرة في قدمي كان من الممكن أن أعيش بعدها عاجزة .
أمّا الرسالة الثانيّة فقد كانت أشدّ وضوحاً ، أرسلها الله إليّ عن طريق صديقة ابنتي في المدرسة عند ما عيّرتها بمهنتي ، وجاءت ابنتي تبكي ، فبكيت معها ، وتأكدّ لي أنّ مهنتي غير مقبولة في المجتمع .
ثم جاءت الرسالة الثالثة ، وكان لها صوت عالٍ بداخلي ، فكثيراً ما كنت أحدّث نفسي أنّني أريد أن أربّي ابنتي من مال حلال ، وأن أعلّمها القيم والمثل والأخلاق الفاضلة ، وكنت أسخر من نفسي ، وأقول : وأيّ قيم سوف أعلّمها ابنتي وأنا أقوم بذلك العمل .
ثمّ مرضت ابنتي ، فكنت أهرع إلى سجّادة الصلاة .. أركع ، وأسجد ، وأدعو الله أن يشفيها . وبعد أن شفيت ، كان لا بدّ من التفكير في الاعتزال النهائي ، لأنّه لا يجتمع في قلب المؤمن إيمان وفجور ، ولأنّ الصورة أصحبت واضحة تماماً أمامي ، ولا تحتاج إلى تفسير آخر .
وفي الأيّام الأخيرة كنت أشعر شعوراً حقيقيّاً بالشوك يشكّني في جسدي كلّما ارتديت بدلة الرقص ، وفي مرّة من المرّات كنت أصلّي ، وأبكي ، وأدعو الله أن يتوب عليّ من هذا العمل الذي يبغضه ، وفجأة .. وأثناء دعائي وتضرّعي بين يدي الله قمت من فوري لأتوجّه إلى خزانة ملابسي ، وفتحتها ، ونظرت إلى بدل الرقص باحتقار شديد ، وقلت بصوت عالٍ أشبه بالصراخ : لن أرتديكِ بعد اليوم . وكرّرت هذه الجملة كثيراً ، وأنا أبكي كما لم أبكِ من قبل . وبعد هذه النوبة البكائية شعرت براحة نفسيّة عجيبة ، تسري في أنحاء جسدي ، وتُدخلني في حالة إيمانية أخرى مكّنتني من التخلّص من حياتي السابقة بيسر وسهولة ، ولو كنت في أمسّ الحاجة إلى المال الذي أعول به نفسي ، وأمّي ، وأخواتي ، وابنتي .
لقد جاء قرار الاعتزال من أعماقي ، وسبقه وقت أمضيته في التفكير والبكاء ، ومراجعة النفس ، حتّى رسوت على شاطيء اليقين بعد حيرة وعذاب ، وشهرة زائفة ، وعمل مُرهِق مجرّد من الإنسانية والكرامة ، كلّه ابتذال ومهانة وعريّ ، وعيون شيطانيّة زائغة تلتهم جسدي كلّ ليلة ، ولا أقدر على ردّها .
هذه الرجعة إلى طريق النور منّة من الله – سبحانه وتعالى – وحده ، فهو الذي امتنّ عليّ بها ، وليس لأحد من الخلق أيّ فضل فيها .
ثمّ أديت العمرة مرّتين ، وفي المرّة الثانية بعد أن عدت إلى بلدي ، قرّرت الاعتزال النهائي ، وبعدها بشهرين فقط كتب الله لي الحجّ ، وفهمت بأنه مكافأة من الله عزّ وجلّ ، وفي الحجّ ، ونحن على صعيد عرفات الطاهر ، بكيت بكاء أشبه بالهستيريا ، حتّى بكى لبكائي جميع من في الخيمة ، ثمّ عدت من الحجّ بحجاب كامل ، أدعو الله أن يغفر لي ، وأن يسامحني ، لأنّني كنت في غفلة ، لا أدرك ما أعمله حرام ، ولم يعظني أحد في ذلك .
لم يعجب اعتزالي أولئك المهتمّين بالفن ، وبدأت العروض المغرية تنهال عليّ بأكثر ممّا أتوقّع ، واعتقدت في نفسي أنّ هذه العروض ما هي إلا اختبارات حقيقيّة من الله تعالى ليختبر صدق إيماني ؛ هل أنا صادقة في توبتي أم أنّها لحظات مؤقّتة ، وأعود بعدها لأنجذب من جديد لهذه العروض الشيطانية ، ووقفت أتحدّاهم بالرفض ، وأتحدّى نفسي ، وأوّل هذه العروض التي رفضتها كانت بمبلغ ضخم للعمل في مسرحية مع ممثل مشهور تستمّر عروضه المسرحية لسنوات عديدة . وثاني هذه العروض جاءني من شركة سياحية لا أعرف لحساب من تعمل . إذ عرضت عليّ أن أذهب إلى ألمانيا لتعليم الرقص الشرقي بمبلغ عشرة آلاف دولار شهريّاً ، وسيّارات أحدث موديل ، وشقّة فخمة في حي راقٍ بألمانيا . رفضت كلّ ذلك ولم يصدّقوا ، فاتّصلوا بي وأملوا حججهم : كيف ترفضين عرضاً كهذا ؟ فسوف تعملين بالحجاب ، ثمّ إنّ الفتيات اللاتي ستقومين بتعليمهنّ لسن على دينك ، فلماذا ترفضين ؟! وكان ردّي : إنّ كلّ بنت صغيرة ، أو فتاة يافعة سوف أقوم بتعليمها سوف آخذ وزرها حتى لو كانت غير مسلمة .
أمّا السؤال الأكثر وقاحة ، الذي لم أكن أتوقّعه ، فقد قيل له : إذا كنت اعتزلتِ ، حذا حذوك راقصات ، فأين يذهب الرقص الشرقي ؟! ([3]) .
وأسئلة أخرى أكثر سخافة وفضوليّة ، مثل : من أين تدبّرين أمورك ؟ وتربيّن ابنتكِ ؟ فأجبتهم بالرفض القاطع من أجل أن أعيش بقية عمري تحت مظلّة الإيمان ، وقلت : أنا سعيدة بوضعي الجديد ، وقانعة به ، وسوف يرزقني ربّي ، ولن يتخلّى عنّي بعد أن منّ عليّ بالتوبة .
أمّا العرض الأكثر إغراء الذي لم أتوقَّعه في حياتي البتّة ، فقد تلقّيته من أحد الغيورين (!) على اندثار الرقص الشرقيّ بخمسين ألف دولار نظير إحياء ليلة واحدة من الرقص ، أحييه وسط النساء فقط ، ولمدّة ساعتين ، وكان جوابي الصارم : لا ، وألف لا ، لأنّ هذه المحاولة دوافعها مفهومة لي ، فإذا كان أكبر أجر تلقّيته في حياتي أثناء عملي في دول أوربيّة كان ألفين أو ثلاثة أو أربعة آلاف دولار ، نظير عقد كامل لمدّة معينة ؛ فلماذا يعرض عليّ هذا المبلغ نظير إحياء ليلة واحدة ؟! المقصود هو إخراجي من حجابي ، ومن دائرة إيماني التي ولجت فيها عن صدق ويقين .
بعد هذا الرفض الأخير أصابهم اليأس ، وتوقّفوا عن محاولاتهم الدنيئة لإغرائي بالابتعاد عن طريق النور الذي سلكته و رضيته ، والحمد لله على كلّ حال ..
***

[1] - مجلّة الأسرة ، العدد : 50( بتصرّف يسير )) .

[2] - يقول تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب .. ) ( الطلاق : 2، 3) وفي المثل : تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها .

[3] - فليذهب إلى الجحيم .

عمروعبده 10-03-2011 06:14 AM

توبة الممثلة هدى رمزي ([1]) .

الطريق إلى الله عز وجل مفتوح أمام التائبين ، ومهما كانت الذنوب والآثام فرحمة الله قد وسعت كلّ شيء ، وهو القائل سبحانه : ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))( الزمر : 53) .
هكذا بدأت الممثلة التائبة هدى رمزي حديثها للمجلّة ، أمّا رحلتها إلى الهداية فترويها بقولها :
منذ نشأتي الأولى وأنا في الوسط الفنّي ، فوالدي كان منتجاً ومخرجاً ، وشقيقي الأكبر كذلك ، وبعد تخرّجي من كليّة الإعلام – قسم الإذاعة والتلفزيون ، سلكت طريق الفنّ لعدّة سنوات ، ظللت خلالها أفكّر كثيراً في جدوى هذا العمل المليء بالذنوب .
كنت في رحلة بحث متواصلة عن الفضيلة ، وتزوجت عدّة مرّات بحثاً عن تلك القيم الزائفة ، المفقودة في حياتي ، ورحت أقرأ واستمع كثيراً لشتّى الآراء والأفكار ، حتى شاهدت حديثاً لأحد المشايخ المعروفين في التلفزيون ، ومن فرط تأثّري به حاولت الاتصال بهذا الداعية الجليل .. وبالفعل أعطاني عدّة كتب ، وحدّثني كثيراً عن قيم الإسلام السامية دون أن يصرّح ، ومن تلقاء نفسي وجدت أنّ حظيرة الإسلام هي أفضل ما يمكن اللجوء إليه ، وبعد قراءات واتّصالات مع الشيخ قررّت اعتزال هذا العفن نهائياً ، وإعلان توبتي إلى الله – عزّ وجلّ- ، واكتشفت أنّ هذا التصرّف هو ضالّتي المنشودة التي كنت أبحث عنها منذ سنوات ، ثم وجدتها والحمد لله .
وأنا الآن أقضي معظم وفتي في قراءة القرآن وكتب الفقه حتّى أعوّض ما فاتني من علوم الدين الضرورية التي لا يسع مسلم الجهل بها .
أمّا ما أنوي عمله – إن شاء الله – فهو تأسيس دار لتشغيل الفتيات المسلمات ، وتعليمهن أصول دينهنّ ودنياهنّ أيضاً حتى يستطعن مواجهة الحياة وتربية النشء ، كما أنوي أيضاً – إن شاء الله – تأسيس دار للأيتام ورعايتهم ، لأنّ كافل اليتيم له أجر عظيم عند الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين )) وأشار بأصبعه ؛ السبّابة والتي تليها وأنا أطمع في تلك المكانة الرفيعة .
أما رأيها في الفنّ بشكله الحالي ، فتقول :
إنّ الوضع القائم الآن باسم الفنّ حرام بكلّ المقاييس ، ولا يمكن أن يسمّى فنّاً ، بل هو عفن وفساد ، ومجون واختلاط ، ودمار للأخلاق والمجتمعات ، فهو لا يخدم المجتمع ، ولا يقدّم قيماً ولا مثلاً للشباب ، فيكف يكون حلالاً . نحن نقول حرام بعد أن خضنا تجربته ، وعندنا الدليل والحجّة على ذلك ، فما يجري فيما يسمّى بالوسط الفنّي حالياً لا يمكن أن يمتّ للدين بصلة ، فالإسلام يحضّنا على الالتزام والصدق والنقاء والفضيلة ، والفنّ اليوم يدعو إلى ضدّ ذلك .
وفي نصيحة للاتي لا زلن في ذلك الوسط تقول :
أقول لهنّ : إنّ الطريق إلى الله خير وأبقى ، وهو دائماً مفتوح للتائبين ، وحين ترجعن إلى حظيرة الدين ستعلمن أنّ ما يقدّم باسم الفنّ ما هو إلا عفن ، ولا علاقة له بالدين ، بل هو من المحرّمات والفساد المنهي عنه ، لأنّه علاوة على كونه لهواً لا يفيد شيئاً فهو أيضاً يعتمد المحرّمات سبيلاً ، ويكرّس الخطيئة ، ولا يهدف إلى الصالح العام، فتبن إلى الله ، فهو توّاب رحيم .
أمّا اللاتي تبن ثمّ عدن إلى غيّهن ، فأقول لهن ما قاله الله – عزّ وجلّ – في سورة التوبة : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) ( التوبة : 115) .
فهؤلاء كان في نفوسهن مطمع ومرض ، ولما لم يمكنهن مما أردن ، عدن إلى الشيطان )) .
هذا ما قالته الفنانة سابقاً هدى رمزي عما يسمى بالوسط الفني ، وهو كلام قيم يبين حقيقة ما يجري في ذلك الوسط العفن الذي تتحدث عنه كثيراً وسائل الإعلام ، وتلمع أهله !ّ!


[1] - مجلّة الدعوة ، العدد : 1507 ( بتصرّف ) .

عمروعبده 10-03-2011 06:18 AM

توبة الممثلة سهير البابلي (([1]))

من الفنانات اللاتي التحقن مؤخراً بركب الإيمان ، الممثلة سهير البابلي ، تحدّثنا عن رحلتها إلى الإيمان فتقول :
منذ خمس سنوات أحسست بأنّ في حياتي شيئاً خاطئاً ، ولكن حبّي لعملي كان كبيراً ، فطغى على هذه الأحاسيس في داخلي ، فكانت تطفو على السطح بين آن وآخر، ، وزادت تلك الأحاسيس عمقاً في داخلي منذ عامين ، فبدأت أغيّر أنماط حياتي بالمزيد من التقرب إلى الله ، فحاولت التعرف على كتاب الله أوّلاً ، وأخذت أقرأ ، وأستفسر ، وأعمل بقول المولى الكريم ، (( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) ( النحل : 43) . فكنت ألجأ إلى العلماء لأستفسر عمّا يستعصي عليّ فهمه من آيات وأحاديث ، فاكتشفت أنه ليس هناك ما هو أجمل ولا أفضل من التقرّب إلى الله ، وبكيت ودعوت الله أن يهديني ، ويأخذ بيدي إلى طريق الحقّ ، حتّى كان يوم من الأيّام التي لا أنساها ، كنت على موعد مع درس من دروس الإيمان من أحد الدعاة ، فإذا باللقاء يمتدّ لأكثر من ثلاث ساعات ، شعرت فيها بشعور يصعب عليّ تفسيره . وعدت إلى منزلي ، وصليت الظهر ، وبكيت كما لم أبكِ من قبل ، ودعوت الله أن يلهمني رشدي ، وأن يباعد بيني وبني الشيطان .
وأمسكت بالمصحف ، وقرأت قوله تعالى : (( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) ( النور : 1 )
فكان قرار الحجاب الذي نبع عن عقيدة وعزيمة ، بعد ما علمت بفرضيّته ، ودون مناقشة ، امتثلت لأمر الله .
أما زملائي سابقاً في الوسط الفني فأقول لهم بإحساس إيماني صادق ، إنّ طريق الإيمان هو ثمرة الدنيا والآخر ، وإن طاعة الله خير من الدنيا وما فيها .
وأقول لهم أنتم تعيشون في تيه وضياع ، وتعايشون الغفلة والدمار ، وإني أدعو لهم بالهداية .
****

[1] - مجلّة الدعوة ، العدد الصادر في : 2/ 3/ 1414هـ ، وجريدة المسلمون ، العدد : 439( بتصرف ) .

عمروعبده 10-03-2011 06:24 AM

توبة رجل عاصٍ على يد ابنه الأصم ([1])

هذه القصة من عجائب القصص، ولو لا أن صاحبها كتبها لي بنفسه ، ما ظننت أنها تحدث..
يقول صاحب القصة ، وهو من أهل المدينة النبوية :
أنا شابّ في السابعة والثلاثين من عمري ، متزوّج ، ولي أولاد ارتكبت كل ما حرم الله ، من الموبقات . أما الصلاة فكنت لا أؤديها مع الجماعة إلا في المناسبات فقط مجاملة للآخرين ، والسبب أنّي كنت أصاحب الأشرار والمشعوذين ، فكان الشيطان ملازماً لي في أكثر الأوقات .
كان لي ولد في السابعة من عمره ، اسمه مروان ، أصمّ أبكم ، لكنّه كان قد رضع الإيمان من ثدي أمّه المؤمنة .
كنت ذات ليلة أنا وابني مروان في البيت ، كنت أخطط ماذا سأفعل أنا والأصحاب ، وأين سنذهب .
كان الوقت بعد صلاة المغرب ، فإذا بابني مروان يكلّمني ( الإشارات المفهومة بيني وبينه ) ويشير إلي : لماذا أبتِ لا تصلّي ؟! ثم أخذ يرفع يده إلى السماء ، ويهدّدني بأن الله يراك ، وكان ابني في بعض الأحيان يراني وأنا أفعل بعض المنكرات ، فتعجبت من قوله .
وأخذ ابني يبكي أمامي ، فأخذته إلى جانبي لكنّه هرب منّي ، وبعد فترة قصيرة ذهب إلى صنبور الماء وتوضأ ، وكان لا يحسن الوضوء لكنه تعلم من أمه التي كانت تنصحني كثيراً ولكن بدون فائدة ، وكانت من حفظة كتاب الله .
ثم دخل عليّ ابني الأصم الأبكم ، وأشار إليّ أن انتظر قليلاً .. فإذا به يصلّي أمامي ، ثم قام بعد ذلك وأحضر المصحف الشريف ووضعه أمامه وفتحه مباشرة دون أن يقلّب الأوراق ، ووضع أصبعه على هذه الآية من سورة مريم : (( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً )) ( سورة مريم : 45)) . ثم أجهش بالبكاء ، وبكيت معه طويلاً ، فقام ومسح الدمع من عيني ، ثم قبّل رأسي ويدي ، وقال لي بالإشارة المتبادلة بيني وبينه ما معناه : صل يا والدي قبل أن توضع في التراب ، وتكون رهين العذاب ..
وكنت – والله العظيم – في دهشة وخوف لا يعلمه إلا الله ، فقمت على الفور بإضاءة أنوار البيت جميعها ، وكان ابني مروان يلاحقني من غرفة إلى غرفة ، وينظر إلىّ باستغراب ، وقال لي : دع الأنوار ، وهيّا إلى المسجد الكبير – ويقصد الحرم النبويّ الشريف – فقلت له : بل نذهب إلى المسجد المجاور لمنزلنا ، فأبى إلا الحرم النبوي الشريف ، فأخذته إلى هناك ، وأنا في خوف شديد ، وكانت نظراته لا تفارقني ألبتة ، ودخلنا الروضة الشريفة ، وكانت مليئة بالناس ، وأُقيم لصلاة العشاء ، وإذا بإمام الحرم يقرأ من قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ( النور : 21)
فلم أتمالك نفسي من البكاء ، ومروان بجانبي يبكي لبكائي ، وفي أثناء الصلاة أخرج مروان من جيبي منديلاً ومسح به دموعي ، وبعد انتهاء الصلاة ظللت أبكي وهو يمسح دموعي ، حتّى إنّني جلست في الحرم لمدّة ساعة كاملة ، حتّى قال لي ابني مروان : خلاص يا أبي ، لا تخف .. فقد خاف عليّ من شدّة البكاء ..
وعدنا إلى المنزل ، فكانت هذه الليلة من أعظم الليالي عندي، إذ ولدتُ فيها من جديد ..
وحضرت زوجتي ، وحضر أولادي ، فأخذوا يبكون جميعاً وهم لا يعلمون شيئاً مما حدث ، فقال لهم مروان : أبي صلّى في الحرم ، ففرحت زوجتي بهذا الخبر إذ هو ثمرة تربيتها الحسنة ، وقصصت عليها ما جرى بيني وبين مروان ، وقلت لها : أسألك بالله ، هل أنت أوعزتِ له أن يفتح المصحف على تلك الآية ، فأقسمت بالله ثلاثاً أنّها ما فعلت ، ثم قالت لي : احمد الله على هذه الهداية ، وكانت تلك الليلة من أروع الليالي .
وأنا الآن – ولله الحمد – لا تفوتني صلاة الجماعة في المسجد ، وقد هجرت رفقاء السوء جميعاً ، وذقت طعم الإيمان ، فلو رأيتني لعرفت ذلك من وجهي .
كما أصحبت أعيش في سعادة غامرة وحبّ وتفاهم مع زوجتي وأولادي وخاصّة ابني مروان الأصمّ الأبكم الذي أحببته كثيراً ، كيف لا وقد كانت هدايتي على يديه .
أخوكم / أبو مروان - المدينة المنورة .

[1] - كتبها لي بنفسه .

عمروعبده 10-03-2011 06:28 AM

توبة شاب يمني( [1])

يقول الحق تبارك وتعالى : (( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ))( يوسف : 105، 106) .
وصدق الله العظيم ، فإن من تأمل حال الناس اليوم ، رأى مصداق هذه الآية ماثلاً للعيان ، فما أكثر المسلمين اليوم ، وأما أقل الموحدين منهم ، ومن أراد الدليل والبرهان فليطف ببعض مساجد المسلمين ليرى العجب العجاب من التعلق بالقبور والأموات والغائبين ، وهذا من أعظم أسباب تخلف المسلمين ، وتأخرهم . فإن للتوحيد الصحيح أثراً عظيماً في بث روح العزة والأنفة في نفس صاحبه ، فلا يركع إلا لله ، ولا ينحني لغيره ، ولا يدعو إلا إياه ، ولا يدع فعل الأسباب المشروعة بحجة التوكل ، لأن توحيده الصحيح يقول له : إن التوكل الحق لا ينافي فعل الأسباب ، بل لا بنفك عنها ، وإلا صار تواكلاً لا توكلاً ، ولعل في قصة هذا الشاب اليمني أوضح مثال لما أقول :
يقول هذا الشابّ :
أنا شابّ من إحدى قرى اليمن ، نشأت منذ نعومة أظافري على المحافظة على الصلوات ، وحبّ المساجد ، فكنت – ولله الحمد – أقوم بالاعتناء بالمساجد وكنسها وتنظيفها .. وعلى الرغم من كثرة تردّدي عليها ، لم أجد من يقف بجانبي ، أو يعلّمني حتّى كيف أتوضّأ، فقد كنت لا أحسن الوضوء .
المساجد كانت مليئة بالمصلّين ، لكنّها مليئة بالجهل والشرك والأفّاكين ، كيف وإمام المسجد الذي كنت أصلّي فيه كان من كبار الصوفية الذين يجوّزون دعاء الموتى والالتجاء إليهم في الملمّات ([2]) . ، ومن الذين يقولون بأن الله – جلّ جلاله موجود في كلّ مكان بذاته العليّة – تعالى الله عن ذلك – فالله عزّ وجلّ – بنصّ القرآن وإجماع السلف – في السماء مستوٍ على العرش استواء يليق بجلاله ، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل : (( َيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ) الشورى : 11 ) .
وكذلك كانت القرية مليئة بالسحر والشعوذة ، فمنهم من يدّعي علم الغيب ، ويستعين بالشياطين لمعرفة بعض المغيّبات الحادثة ، أمّا المستقبلية فلا سبيل إلى معرفتها ، ومنهم من يقوم بالشعوذة ورقية المرضى ، بالرقى الشركية الشيطانية ، ومنهم السحرة الذين يفرّقون بين المرء وزوجه ، ولكن ، حسبنا هذا الجزاء من الآية الكريمة :(( وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ )) ( البقرة : 102) .

. نشأت وترعرعت ، والجهل مخيّم على هذه القرية ، كنّا – أنا وأفراد أسرتي – نقوم بزيارة بعض القبور المعروفة ، وكذا دأب الأسر الأخرى ، فكنّا نطلب من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله ، والله أعلم هل هؤلاء الموتى من أهل الجنّة أم من أهل النار ، وكنّا نأتي في كلّ عيد نسلّم على هذه الأحجار ، ونقبّلها ، وبينما أنا في هذه الحال ، أتخبط في لجج الظلام ، إذ أتى شهر رمضان المبارك من عام 1412هـ ، وكنت في قرية أخرى غير قريتي ، فدخلت أحد المساجد السلفية ، فلفت نظري دولاب صغير قد وضعت فيه بعض الكتيّبات للاستعارة ، فاستعرت بعضها ، ثمّ أعدت الكرّة ، حتّى قرأتها جميعاً في فترة وجيزة جدّاً ، وكان معظمها يتحدّث عن الشرك ، والتحذير من دعاء غير الله من الأموات والغائبين ، وبيان حقيقة التوحيد ومعنى لا إله إلا الله ، فإذا بأنوار التوحيد تحرق لجج الظلام في قلبي ، وتقتلع الشرك من جذوره ، ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص على قراءة الكتب النافعة ، وسماع الأشرطة المفيدة ، وأعبّ منها عبّاً ، كالذي وجد الماء الزلال بعد عطش شديد كاد يودي بحياته .
ثمّ بدأت أحضر حلقات العلم في المساجد ، وأتعلّم العقيدة السلفية النقيّة على يد من نذروا أنفسهم لنشر التوحيد، ومحو الشرك ، وكما جرت سنّة الله عزّ وجلّ في سائر العصور أن كلّ من دعا إلى التوحيد الخالص لا بدّ أن يؤذي ويُفترى عليه ، وتوجّه إليه التهم ، فقد أُوذينا في الله ، وواجهنا كثيراً من المصاعب ، وكانت الأعين تراقبنا ، والدعايات الكاذبة تلاحقنا من قبل أهل الأهواء والبدع ، فقد كان شغلهم الشاغل هو : ماذا يشيعون علينا من أخبار سيئة ، وافتراءات أثيمة ، فلم نأبه لهذه الافتراءات بل بدأنا – ولله الحمد – ننتشر في مساجد القرية ، ونقيم الدروس والمواعظ المختصرة بقدر ما فتح الله علينا من العلم ، وبدأ أنصار التوحيد والسنّة يتزايدون ، ثمّ بدأنا بالدعوة الفردية لأعيان البلد من أهل الشرك والشعوذة والسحر الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، فأخذتهم العزّة بالإثم ، وقابلوا النصح والتذكير بالسبّ والشتم والتهديد ، بل بعضهم هدّد بالقتل ، وهكذا وقف الجميع ، إلا من رحم الله – في وجه هذه الدعوة ، حتّى أُدخلنا السجن في بعض الفترات ، وأراد منّا من يدّعي الإصلاح أن نتأسف لمن نصحناه ، ونقبّل يده وركبته (!) ، فامتنعنا أشدّ الامتناع ، وقلنا بكلّ وضوح : لا دناءة في دين الله .
ومع هذا كلّه ، فلله الحمد والشكر ، فقد أدّت هذه النصائح ثماراً طيبة ، فقد قبلها بعض الناس ، وترك ما هو فيه من ضلال وشرك . وما زلنا – ولله الحمد – ندعو إلى الله عزّ وجلّ بما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا إليه سلف الأمّة رضوان الله عليهم ، نسأل الله أن يثبتنا على دينه .
أخوكم أبو عبد الله من اليمن .

[1] - كتبها لي بنفسه .

[2] - يقول تعالى :(( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) [ ( الأحقاف : 5) .

عمروعبده 10-03-2011 06:37 AM

توبة مدمّر الأصنام ([1]) .
إنّه شاب نيجيري ، تبدو على وجهه علامات القوّة والشكيمة ، بدأت رحلته من الإسلام الوراثي المغلوط ، إلى النصرانية المحرّفة ، ثم إلى الإسلام من جديد ، ولكنّه الإسلام الصحيح .
أمّا تفاصيل رحلته فيرويها بنفسه ، يقول :
تعرّفت على الإسلام منذ طفولتي المبكّرة ، وهذا أمر بدهي بحكم إسلام الأسرة الوراثي ، وبدأت تجربتي مع الإسلام تقريباً في أوّل مرحلة للتعليم ، كنت في التاسعة من العمر حين التحقت بالمدرسة الإسلامية الصغرى في نيجريا بناء على رغبة والدي الذي كان يشجعني يحدّثني عن الإسلام ، ويقول لي : إنّ الدين الإسلاميّ عُني بالحياة كلّها ، وبكلّ ما يمتدّ على أديم الأرض المضطرب ، وتشرّبتُ المعاني التي لقّنني إيّاها ، ورسخت في ذهني ، فقد تعلّمت منه أنّ الإسلام جعل لكلِّ مشكلة حلاً ، ولكلّ عملٍ صالحٍ ثواباً ، ولكلّ عملٍ سيءٍ عقاباً ، ولكلّ مستغفر وتائب أجراً ، وهذه القناعات لم تفارقني حتّى داخل الكنيسة يوم أن لبست ثوب النصرانية المحرّفة .
ثمّ في عام 1390هـ التحقت بمدرسة ثانويّة حكوميّة ، وكانت تجربة مثيرة ، التقيت خلالها بالكثير من الطلاب المسلمين الذين على ديني ، وكوّنت علاقات طَوّرت معرفتي بالعبادات ، فكنّا نحيي ليالي رمضان بالقيام وتلاوة القرآن ، وننظّم برامج دينيّة ورحلات وزيارات في عيدي الفطر والأضحى ، وأدركت في تلك المرحلة أنّ الإسلام دين حنيف ، وهو دين الرحمة والقوّة والمحبّة .
ربّما سألني سائل فقال : إذن ، لماذا تنصّرت ؟
فأقول : إنّ هذا السؤال يذكّرني بجملة قرأتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، معناها : يجب علينا أن نعبد الله بالذوق والوجدان والقلب والروح والضمير .
أمّا لماذا تنصّرت ، فأقول : تنصّرت عند ما لاحظت أنّ كثيراً ممّن حولي من المسلمين لا يأبهون بدينهم من ناحية الشعائر والسلوك والمعاملات ، وأنّ كثيراً منهم يتّجهون وجهة مغايرة لدينهم ، إنّهم يتزيّون فقط بزيّ الدين ، والإسلام عندهم اسم فقط ، تبيّن أنّ أعمالهم تناقض عقيدتهم في أصولها وقواعدها ومظاهرها ، نفاق ، وحقد ، وحسد ، وإخلاف للوعد ، ونقض للعهد .. ولهذا تركت بعضهم فوراً ، وتعرّفت على زملاء نصارى في المدرسة نفسها ، وصاحبت بعضهم ، ونمت علاقاتي معهم ، وقويت جداً ، وبعد فترة شعرت أن الشباب النصراني أحسن معاملة ، وأكثر وعياً ورحابة صدر ، وانتماؤهم إلى دينهم كان أقوى من انتماء المسلمين إلى دينهم ([2]) . علاوة على المساعدات الماديّة والمعنوية التي تلقّيتها منهم ([3]) . ، ولذا قبلت الدعوة إلى اعتناق النصرانية المحرفة فور أن وجّهت إليّ .
نعم .. لقد أخرجني سلوك المسلمين من الإسلام ، وأدخلني سلوك النصارى إلى النصرانية !! وبالطبع ، لو كنت على علم بالعقيدة الصحيحة وأصولها لكان إيماني بها قوّياً ، ولما تنصّرت . ولعلّي أذكر هنا مقولة مشهورة لأحد كبار المفكرين الذي اعتنق الإسلام مؤخّراً والتي تبيّن أثر السلوك في تحويل عقيدة الفرد ، حيث قال : (( الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف سلوك المسلمين )) .
لكنّي منذ أن تنصّرت وأنا مضطرب الوجدان ، ويسكن في داخلي خوف كبير ، خوف لا تحدّه حدود ، وتنتابني حالات من القلق والأرق ولا أدري كنهها .. كنت أهرب إلى الكنيسة بحثاً عن السلوى واليقين ولكن هيهات .. وضاعف هذا الخوف إحساسي بالتمرّد على والدي ، وزعزعة استقرار الأسرة ، وكلّما تذكّرت والدي انتابتني حالة من الفزع والخوف ، وعلمت أنّ والدي لم يتخلّ عنّي ، ولم ييأس ، بل كان يبحث بشتّى الطرق إمكانية إعادتي إلى الإسلام .. لقد كانت لديّ قناعة تامّة بأنّ دعاء والدي سيكون هو السبب في أن يهديني ، وأعود إلى الإسلام من جديد .
وبعد خمس سنوات عشتها في ظلام النصرانية وضلالها ، أسلمت مرة ثانية ، ودرست الإسلام دراسة حقيقية وعميقة ، فعدت إليه بقوّة حتّى حصلت على لقب ( مدّمر الأصنام ) ، وذلك لجهودي التي لم تتوقّف في تدمير الأصنام في قريتي والقرى المجاورة ، وكنت أفعل ذلك بعون من الله ، ودون خوف من وثنيّات أو عرقيّات ، وبسبب ذلك بُذلت محاولات جادّة للنيل منّي ، ولكنّ الله جلّت قدرته أيّدني بنصره ، فأصبحت ظاهراً عليهم ، وأنا فخور بهذا اللقب الذي أطلقه عليّ أستاذي الجليل .
ثمّ حصلت على الثانوية الإنجليزية ، وشهادة معهد اللغة العربية ، والتحقت بعد ذلك بكليّة الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض .
عملت بعد ذلك في مجال الدعوة بقوّة ، فأسلم على يديّ سبعون شخصاً قبل دخولي الجامعة وبعده ، وفي العطلة الماضية فقط استطعت إقناع ثلاثة وعشرين نصرانياً بالإسلام ، فأسلموا ، وشهاداتهم معي الآن في الرياض ، ثمّ افتتحت مكتباً للدعوة الإسلامية في نيجيريا ، ومعهداً لتعليم الدراسات الإسلامية والعربية ، وأصبحنا ننظّم قوافل دعويّة بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلاميّ ، وركّزنا جهودنا على العمل في أوساط الشباب النصرانيّ ، وكانت لنا مصادمات مع أساطين التنصير هناك ، اتّبعنا فيها أسلوب التأنّي والحكمة والموعظة الحسنة حتّى لا يتصوّر ضعاف النفوس أنّ الإسلام دين عنف وإرهاب ، ويحتاج العمل الدعوي هناك إلى زيادة عدد الدعاة ففي نيجيريا ثلاثون ولاية ، لا يتجاوز عدد الدعاة فيها جميعاً المائتي داعية .
أما الكنيسة في أفريقية فلها دور بنّاء وفعّال في عملية التنصير في كلّ قارات العالم كما هو معروف ، ومن تجربتي مع النصارى أدركت أنّهم يستغّلون الكنيسة بزينتها وزخرفتها وأثاثها الفاخر في جذب قلوب الضعفاء باعتبارها مقرّ عبادة أفضل وأرقى من المسجد ، ومكان اجتماع الفقراء حيث يتلقون الهدايا والهبات ، ويمارسون الرياضات ، فيشعرونهم براحة نفسية آنية ، وسعادة كاذبة ، كما أنّهم يرسلون الصغار والشباب إلى المدارس بملابسهم الأنيقة ، على أنغام الطبول والدفوف .
والكنيسة ذكية في التعامل مع المواطنين ، فهي توزّع الأموال على الفقراء ، ولا تفرّق بين الأبناء هناك من حيث اللون أو العرق أو الجنس .
وبتجربتي أحسّ بأنّ لليهود دوراً كبيراً في عملية التنصير ، بدليل أنّ الكنيسة تعلّم روّادها أن يحبّوا إخوانهم اليهود ! وإذا سئلوا : لماذا ؟ قالوا : إنّ اليهود أبناء الله ، كما كان عيسى ابن الله ! وصدق الله القائل : (( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) ( المائدة : 51) .

***

[1] - رسالة الجامعة ، العدد 554( بتصرف ) .

[2] - هذا الكلام فيه نطر ، فالنصارى في نيجيريا كغيرهم من الأقليات في البلاد الإسلامية ، تحسن أخلاقهم مراعاة للأكثرية المسلمة وليأمنوا على أنفسهم ، في الوقت الذي يشتد فيه انتماؤهم لدينهم لشعورهم بالغربة في المجتمع المسلم ، والدعاة منهم يحسنّون أخلاقهم ليصطادوا الشباب المسلم الجاهل الذي لا يفرّق بين الإسلام بنقائه وصفائه وبين أهله الذين لا يحملون منه إلا مجرد الاسم وبعض الطقوس الظاهرة ورثوها عن الآباء .

[3] - هذا هو مربط الفرس ، كفانا الله فتنة المال .

عمروعبده 10-03-2011 06:41 AM

توبة شاب مستهتر

روى لي قصّته بنفسه فقال :
يظلّ هذا الإنسان على مفترق طرق كلّها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما : طريق الأخيار ، وطريق الأشرار .. هذا الإنسان وإن عاش طويلاً فإنّ الأعمال كأنّها لمح بصر .
فرق بين شابّ نشأ في طاعة الله ، وشابّ نشأ على المسلسلات والأفلام ، بين شابّ إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمةً من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وشابّ إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به ، والضحك منه .
كنت في الصفّ الثاني الثانوي ، فبدأت حياتي تتغيّر إلى الأسوأ ، وتنقلب رأساً ، على عقب ، بدأت لا أصلّي ، ولا أشهد الجماعة في المسجد .. أخذت حياتي تتغيّر حتّى في مظهري الخارجي ... تلك قَصّة شعر فرنسية ، وأخرى إيطالية .. وملابسي لم تعد ثوباً وغترة ، بل أصبحت لباساً غريباً فاضحاً .. وجهي أصبح كالحاً مكفهرّاً .. وفارقت الابتسامة شفتاي .
مرّت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال ، حتّى جاء اليوم الموعود ..
كنت جالساً مع (( شلّة )) ([1]) . لا همّ لهم إلّا الدندنة والعزف على العود ، ودقّ الطبول إلى آخر الليل .. شلّة فاسدة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً ، بل تحثّ على المنكر ، وتأمر به .
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا ، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح ، كنت وقتها أكره الملتزمين كرهاً شديداً لا يتصوّره أحد .. أقبل أولئك النفر ، فسلّموا علينا ، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة .. كنّا عشرة ، وكنت أنا أشدّ هؤلاء العشرة في الردّ على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا ، كنت أقول لهم : أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة ، ولا كيف تدعون .. إلخ
دار النقاش بيننا وبينهم لمدّة ساعة كاملة كنّا خلالها نستهزئ بهم ، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيّب .. ولمّا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي : إنّ لك شأناً عظيماً ..
مرّ أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغيّر .. من معصية إلى أخرى ، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل ، بعد سهرة مع تلك الشلّة الفاسدة .. كنت متعباً ، فألقيت بنفسي على الفراش ، ورحت أغطّ في سبات عميق ، فرأيت فيما يرى النائم أنّني أمام حفرة بيضاء لم أر مثلها قط ، فسجدت لله شكراً حيث نجّاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة ، فقمت من نومي فزعاً ، فإذا بشريط حياتي الأسود يمرّ أمامي .. لا أدري ما الذي أصابني .. قلت في نفسي : لو أنّى متّ في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنّة ؟ .. هل تنفعني تلك الشلّة الفاسدة التي لا همّ إلا السهر إلى آخر الليل ، والتفكّه بأكل لحوم البشر .. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى تطليق تلك الشلّة الفاسدة ، ومن ترك شيئاً لله ، عوّضه الله خيراً منه .
أخوكم محمد
الرياض


[1] - الشلّة : الجماعة .

عمروعبده 10-03-2011 06:46 AM

توبة شاب بعد إصابته بمرض الإيدز

(( الإيدز )) اختصار لمرض : فقدان المناعة المكتسبة بحيث يصبح المصاب به بلا مناعة تقيه من الأمراض ، وسببه ارتكاب الفواحش المحرّمة ، ولم يكتشف الأطباء له علاجاً إلى هذه اللحظة ، فهو عقوبة إلهية لأهل الخنا والفجور لعلّهم ينتهون .
أما قصّة هذا الشاب فيرويها لنا ، فيقول :
أنا شاب بحرينيّ ، اكتشفت عن طريق المصادفة أنّني أحمل فيروس مرض الإيدز .. فكان ذلك سبباً في إعادتي إلى رشدي ، أمّا كيف حصل ذلك فإليكم القصّة :
بعد أن أنهيت دراستي الثانوية ، عملت موظّفاً في إحدى الشركات التجارية ، وقد فصلت من العمل لكثرة تغيبي ، عملت بعدها أعمالاً مختلفة من بناء وتجارة وغيرها ، حتّى استطعت أن أكوّن نفسي وأجمع مبلغاً من المال ، كنت أساعد والدي أحياناً وهو في الحقيقة غير محتاج إلى مساعدتي .
وفي أحد الأيّام عرض عليّ أحد الشباب فكرة السفر إلى إحدى الدول الآسيوية ، وكان يروي لي مغامراته ومشاهدته في سفرته السابقة ، ويحدّثني كثيراً عن المتع المحرّمة التي كان يمارسها ، وكأنّه يغريني بالسفر ويستنهض همّتي إليه ، حتّى عزمت على السفر ، فكان أوّل المرحبين بذلك ، بل إنّه تكفّل لي بشراء تذكرة السفر ، على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف ...
وسافرنا وكانت البلاد تعجّ بالعرب ، وبالخليجيين على وجه الخصوص ، وجلّهم ليس له همّ إلا البحث عن المتعة الحرام ، كنت أنا مع مجموعة من شباب الخليج ، وقد خضنا في تلك الوحول القذرة حتّى بلغنا الحضيض .. وعدنا إلى البحرين ، وبعد فترة وجيزة جمعنا مبلغاً آخر من المال ، وسافرنا ، ولكن هذه المرّة إلى دولة آسيوية آخرى لا تقل فساداً عن الأولى ، وجرّبنا كلّ شيء ..
وفي إحدى الليالي ، رفض أحد الشباب إعطائي الحقنة المعهودة من المخدّرات ، فخرجت من الفندق ، وقابلت مجموعة من المروّجين فدعوني إلى مقرّهم ، وعرضوا عليّ أنواعاً متعدّدة من المخدرات كنت أجهل بعضها ، ومدى تأثيرهم على الجسم ، وبعد تناولها دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة لممارسة البغاء بعد أن أمرني بالدفع أوّلاً ، وكنت في سكر شديد ، فقبلت العرض ، ولم أدر أنّ في ذلك حتفي . .
ثمّ عدت إلى البحرين ، ومارست حياتي الطبيعية ، لكنّ شبح المخدّرات كان يطاردني في كلّ مكان ، وقد نصحني بعض المخلصين بالتوجّه إلى مستشفى الطبّ النفسي لتلقّي العلاج ، فوعدتهم بالذهاب ،لكنّي لم أذهب .
وتوالت السفرات إلى تلك البلاد الموبوءة ، لممارسة تلك الأعمال المشينة التي أصبحت جزاءً لا يتجزأ من حياتي البائسة ، حتّى نفدت النقود ، فاحترفت السرقة ، فكنت أسرق من المدن الكبيرة هناك ، للحصول على متعي المحرّمة .
وفجأة .. شعرت بوعكة صحيّة ، فذهبت إلى المركز الصحّي بحثاً عن العلاج ، وبعد تحليل عيّنة من دمي أخبروني بأنّي .. حامل لفيروس الإيدز ..
يا للهول ، ويا للمصيبة .. لقد ذهبت تلك اللذات ، وانقضت المسرّات ، فلم يبق لي منها إلّا الآلام والحسرات ، وإلا الآثام والأوزار والسيّئات ..
تفني اللذاذة ممّن ذاق صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوءٍ في مغبّتها لا خير في لذّة من بعدها النارُ
هذه حكايتي باختصار ، وكلّ ما أعرفه أنّني مصاب بهذا المرض ، وعلى الرغم من أنّي أسير إلى الموت سريعاً ، فلا بأس فقد أفقت من غفوتي ، وأنصح كلّ شاب عاقل بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف ، تلك التي كنت أسمعها لكنّي لم أتّبعها ، وإنّما اتبعت نفسي الأمّارة بالسوء ، وقد خاب من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأمانيّ . ..

أقول للشباب : احذروا من المخدّرات والفواحش فإنّها الهلاك الماحق ، واحذروا رفقاء السوء فإنّهم جنود إبليس اللعين ، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، فلعلّكم تقرؤون كلماتي هذه وأنا رهين التراب ، قد فارقت الروح الجسد ، وصعدت إلى بارئها ، فاللهم يا من وسعتْ رحمته كلّ شيء ، ارحم عبدك الضعيف المسكين ..
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأنّ عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلّا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرمُ
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثمّ إنّي مسلمُ

أخوكم / ......
البحرين

عمروعبده 10-03-2011 06:51 AM

توبة امرأة أوشكت على الهلاك ([1])

تقول هذه المرأة :
نشأت في أسرة عربية مهاجرة ، مكوّنة من أب وأم وأربع بنين وبنتين ، كنت أنا أصغرهم .. وفي أحضان هذه الأسرة ترعرعت وتربيت ..
أبي وأمّي يصليّان والله الحمد ، لكنّي لم أرهما يوماً ما يأمران أحداً منّا بالصلاة ، أمّا أنا فقد ألهمني ربّي – ولله الحمد- المحافظة على الصلاة وأنا في السابعة من عمري ، وأواظب عليها . وارتديت الحجاب وأنا في العاشرة من عمري ...
كنت أقوم من الليل ، وأحافظ على نوافل الصلوات والصيام ، وأحيي رمضان وحدي .. ظللت على هذه الحال حتّى التحقت بالمرحلة الثانوية ، فأحسست بشيء من الفتور في العبادة ، وبخاصة النوافل ، وكذا الخشوع في الصلاة ، وتلاوة القرآن ، مع محافظتي على الفرائض .. فكنت إذا ما جنّ الليل أحاسب نفسي ، وأبكي على حالي ، فإذا ما أصبح الصباح نسيت حالي ، وألهمتني مشاغل الحياة ..
وظللت على هذه الحال حتّى أنهيت المرحلة الثانوية وما بعدها ..
ثمّ تقدّم لخطبتي رجل طيّب ، يعمل في أمريكا ، فوافقت عليه وتزوّجنا .. كان – ولله الحمد – خيّراً ، فكان يشجعني على لبس الحجاب حتّى ونحن في وسطٍ كافر ، على الرغم من أنّه في تلك الفترة لم يكن محافظاً على الصلاة والصيام ، وقد طلبت منه صيام شهر رمضان معي ، فصامه والله الحمد ، ودعوته إلى الصلاة فوعد خيراً ، ومع ذلك كلّه كنت متعلّقة بسماع الغناء ، والخروج إلى الأسواق ، فلم تكن صلاتي تنهاني عن كثير من المنكرات والذنوب ، فالقلب لم يزل في أسر المعاصي .
وذات يوم خرجت من الحمّام بعد أن اغتسلت ، كانت الريح شديدة وقويّة ، وكانت نافذة المطبخ مفتوحة ، فاتّجهت لإغلاقها ، فأحسست بلفحة هواء ، وبعد فترة قصيرة أحسست بصداع شديد في رأسي ، فتناولت دواءً لتخفيف الصداع ، ولكن دون جدوى ، فبدأ الألم يزداد ، والحالة تتطوّر من صداع إلى حرارة ثمّ رعشة قويّة ، فلمّا حضر زوجي – وكان طبيباً – أعطاني دواء آخر فهدأ جسمي قليلاً لمدّة دقائق ، ثمّ عادت الرعشة من جديد ، فمكثت في البيت على هذه الحال خمسة أيّام مع تناول الدواء ، لكنّ الدواء لم يؤدّ مفعوله .. ثمّ تطوّرت الحال إلى الأسوأ ، حيث أصبت بتورّم في القدمين ، وعدم القدرة على الحركة إلّا قليلاً ، فقرّر زوجي نقلي إلى المستشفى ، وفي الصباح الباكر تركت أطفالي عند جارة لي مسلمة كانت لهم خير أمّ جزاها الله خيراً ..
فلمّا دخلت المستشفى ، ورأى الطبيب حالتي ، أسرع بي إلى قسم الطوارئ . . لقد كنت من قبل أرى مثل هذا المنظر في التلفاز ، ولم أكن أتوقّع في يوم من الأيّام أن أكون أنا صاحبة هذا المنظر .. فترى الممرّضات يضعنني على السرير المتحرّك ، ويسرعن بي إلى غرفة الإنعاش، ثمّ تأتي أخرى فتغرز في يدي إبرة التغذية – وذلك أنّ جسمي كان قد هزل من قلّة الأكل ، لأنّني في تلك الفترة كنت كلّما أكلت شيئاً ولو يسيراً استفرغته .. وأخرى تقوم بقياس الضغط ، وثالثة تسرع لإحضار حقنة لتسحب من دمي وتفحصه .. كأنّي تماماً في مشهد تمثيلي تلفزيوني لا حقيقيّ ...
كنت وقتها لا أملك إلّا نظرات شاردة ، فلساني قد ثقل عن الكلام بسبب الحرارة العالية ، والرعشة القويّة ، وقدماي قد ثقلت عن الحركة بسبب الأورام ، والأعضاء منّي قد سكنت إلّا من قلب واهن ينبض ببطء ، فلم أجد ما أعبّر به عن آلامي في تلك اللحظات إلّا بقطرات من الدموع خرجت بصعوبة بالغة ، ومع ذلك لم أستطع مسحها ، لأنّ يديّ كانتا غير قادرتين على الحركة .
وفي صباح اليوم التالي قام الأطبّاء بإجراء فحوصات شاملة لسائر أعضاء الجسم للتعرّف على سبب الحرارة والعمل على خفضها ، إذ هي سبب المشكلة ، فقاموا بفحص القلب والرحم والعظام والدم ، وعمل أشعّة للدماغ والجسم كاملاً ، فكانت النتائج كلّها سليمة !!
فاحتار الأطبّاء في أمري ، حيث عن عجزوا معرفة مسببات الحرارة في جسمي ، فقاموا باستدعاء أطبّاء آخرين من ولاية أخرى ، فاقترحوا أن يستمرّ فحص الدم يومياً لاحتمال وجود جرثومة فيه ، فكانوا يوميّاً يأخذون عينة من دمي ، والنتيجة : لا شيء . فأصبحت في حال لا يعلمها إلا الله ..
أمّا الممرضات المشرفات على حالتي فكنّ يواسينني ، ويطمئنني ، على الرغم من علمهنّ بحالتي شبه الميؤوس منها ، فكنّ يقلن لي : إنّك سوف تخرجين ، وترين أولادك ، وتلاعبينهم .. وذلك أنّني منذ دخلت المستشفى لم أرهم ، لأنّ الزيارة كانت ممنوعة عنّي .
وذات مرّة قامت رئيسة الممرّضات بغسل شعري وتسريحه ، فسرح ذهني بعيداً ، وتذكّرت هادم اللذات : الموت ، وقلت في نفسي: الآن يغسلون شعري ، وغداً يغسلون جسمي ، ويحنّطونه ، ويكفّنونه ، ويصلّون عليّ ، ويدفنوني تحت التراب ، ويفارقني الأحباب ، فأكون رهينة الحساب ..
فبكيت كثيراً ، والممرّضة بجانبي لا تعلم ما يجول في خاطري ، فكانت تواسيني ، وتعدني بالشفاء والخروج من المستشفى ..
وبعد أن فَرَغَتْ من تسريح شعري ، وترتيب ملابسي ، أعادتني إلى غرفتي ، وقالت : أتركك الآن لترتاحي قليلاً .. فكنت أدعو لها بالهداية ، جزاء ما فعلته بي .
كان تفكيري لا يزال متعلّقاً بذكر الموت ، فقلت في نفسي : يا نفس : ها أنت تموتين رويداً رويداً ، فماذا قدّمتِ من صالح الأعمال ؟ وبدأت في محاسبة نفسي .. فتذكّرت سيّئاتي من سماع الغناء صباح مساء ، ومشاهدة التلفاز ، وما أدراك ما التلفاز وما فيه من المسلسلات والأفلام .. لدرجة أني كنت أؤدي الصلاة بسرعة حتّى لا يفوتني شيء منها .. ناهيك عن حبّ الأسواق وغيرها من الأماكن المختلطة التي كنت أخرج إليها مع زوجي ..
وبكيت وبكيت ، حتّى أنّى من شدّة البكاء ومحاسبة نفسي نسيت أنّي مريضة ..
وفي اليوم التالي ، وهو اليوم الحادي عشر من تاريخ دخولي المستشفى ، جاء الاطبّاء لرؤيتي ، فلم يلحظوا أيّ تحسّن ، بل لم تزدد حالتي إلا سوءاً ، وأعلن الأطبّاء يأسهم من حالتي ، وقالوا لزوجي : إن كان لزوجتك أهل وأقرباء هنا في أمريكا فليأتوا لرؤيتها ، قبل ألّا يتمكّنوا من ذلك .
كنت أسمع ما يقولون وأفهمه لكنّي لا أتمكّن من الكلام ولا حتّى الحركة .
ثمّ خرج الجميع من عندي ، وكانت ساعة المغرب ، فلم يزدني ذلك إلا بكاءً .. لا أبكي لأني سأفارق أولادي وزوجي ، وإنّما أبكي خوفاً من ذنوبي ، فبمَ أقابل ربّي إن أنا متّ على هذه الحال ؟
وعدت إلى محاسبة نفسي ، فقلت : هل لي من حسنات ألقى الله بها ؟
وتذكّرت ، فقلت : يا ربّ : إنّي كنت بارّة بوالديّ حتّى سافرت إلى هذه البلاد ، ومنذ سنين عديدة لم أرهم ، ورغم البعد عنهم فإنّي أدعو لهم ، وأسألك يا ربّ أن تعينني على البرّ بهم دائماً .
أمّا جيراني وصديقاتي فلا أذكر أنّني آذيت أحداً منهم يوماً ما ، بل كنت بينهم محبوبة مألوفة ..
فقلت في نفسي : وهل يغفر الله لي بهذا العمل ما حصل منّي من تقصير وذنوب ؟
فما زلت على هذه الحال من المحاسبة الشديدة والبكاء ، وتذكّر الجنّة والنار ، وما فيهما من النعيم ، والجحيم والأغلال ، حتّى دخل وقت صلاة الفجر ، وعيناي تذرفان الدموع ، وفي ختام هذه المحاسبة ، وبعد استسلامي لأمر الله وقضائه ، دعوت الله عزّ وجلّ بالدعاء المأثور : (( اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفّي إن كانت الوفاة خيراً لي .. )) .
غبت بعدها عن الوعي، فلم أشعر بنفسي إلّا والممرّضة تضع يدها على كتفي ، لتوقظني وتدعوني لتناول الدواء ، وفتحت عيناي ، فإذا بها تنظر إليّ بدهشة بالغة ، وتخرج مسرعة إلى باب الغرفة لتتأكّد من الاسم .. فهل يعقل أن تكون هذه هي المرأة التي عجز الأطباء عن علاجها بالأمس ، بل أعلنوا يأسهم من شفائها ؟!! إنّها الآن في حال مختلف ..
يا إلهي .. ما الذي حدث ، هل أنت حقّاً فلانة ؟!! ، قالت الممرضة بلهجتها الأمريكية ، فنهضتُ ، وجلستُ ، وأخذتُ منها بيدي حبّة الدواء وتناولتها ، فشربت عليها الماء ، ثمّ فتحت حقيبتي وأخرجت منها المصحف فاحتضنته بقوّة وأنا أبكي ، ثمّ قرأت منه بعض الآيات بتدبّر وخشوع .. فإذا بالممرضة تصرخ ، وتنادي الأطباء والممرّضات لينظروا إليّ ، فجاؤوا مسرعين ، وقد ظنّوا أنّي قد فارقت الحياة ، فلمّا دخلوا الغرفة ، ورأوني على تلك الحال ، أصيبوا بالدهشة ، ومن الممرّضات من لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء ، وتساءلوا جميعاً .. ماذا جرى ؟ .. وما الذي حدث ؟ .. وكيف حصل الشفاء ؟! ..
فأجبتهم بأنّ الله عزّ وجلّ هو الشافي . ألم يقل سبحانه : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) ( النمل : 62) .
وقال سبحانه : (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ )) . ( الأنعام : 17) .
المهم هو صدق اللجوء إلى الله والتوجّه إليه سبحانه ، وعدم استعجال الشفاء مهما طالت المدّة ، مع بذل ما يمكن من الأسباب ..
وبعد خروجي من المستشفى قامت إحدى الصديقات بزيارتي ، وأخبرتني عن حلقة أسبوعية لبعض الأخوات العربيات المسلمات ، يتذاكرن فيها العلم ، فوفّقني الله لحضور هذه الحلقة ، ومع أنّ مقرّها يبعد عنّا مسافة خمس وأربعين دقيقة ، إلّا أنّ زوجي كان يوصلني إليها جزاه الله خيراً ..
ثمّ بدأت بالمواظبة على الحضور ، ثمّ المشاركة ببعض الموضوعات ، وبعد سنة من حضوري والتزامي انتخبوني رئيسة للحلقة ..
وبعد سنتين شاء الله عزّ وجلّ أن نغادر بلاد الكفر ، إلى خير البقاع وأطهرها ، هذه البلاد الطيبة ، فقد وُفّق زوجي إلى عقد عمل مع أحد المستشفيات هنا ولله الحمد ، وقد كتب الله لنا أداء فريضة الحجّ ، والاعتمار ثلاث مرّات ولله الحمد والمنّة ..
هذه قصّة هدايتي منذ بدايتها ، وقد مرّ الآن على تلك الحادثة التي أيقظتني من غفلتي ستّة أعوام ، واليوم أسأل الله عزّ وجل أن يثبتني وجميع المسلمين على الدين القويم حتى نلقاه على ذلك ، فإنّ الأعمال بالخواتيم .
أختكم التائبة
أم يوسف

[1] - كتبتها لي بنفسها .

عمروعبده 10-03-2011 06:57 AM

توبة مُعاكِسة ([1])

إنّ المعاكسات التي تحدث بين الجنسين لهي من أعظم البلايا وأخطرها على الفرد والمجتمع ، وما أكثر ضحايا هذه المعاكسات من الجنسين ، وبخاصّة النساء ، ولنستمع إلى هذه التائبة لتروي لنا تجربتها المرّة مع هذه المعاكسات .. تقول :
تزوجت في سنّ مبكرة ، وكنت مخلصة لزوجي غاية الإخلاص ، حتّى كنت معه كالطفلة المدلّلة ، أفعل كلّ ما يأمرني به ، على الرغم من أنّي نشأت في أسرة ثريّة كنت فيها أُخدَم ولا أَخدِم ، كان أبي قد طلّق أمّي فتزوّجتْ بغيره ، وتزوّج هو بغيرها ، فكان من نتائج ذلك أن فقدت حنان الأمّ، كما فقدت التوجيه السليم .
كان زوجي يذهب لزيارة أهله في كل أسبوعين فيمكث يومين ، فأنتهزها فرصة للذهاب إلى بيت عمّي القريب من بيتنا ، فكنت أجد من زوجة عمّي حناناً غريباً ، وعطفاً زائداً حيث كانت تعطيني كل ما أطلب ، لكنّها لم تكن مستقيمة ، فقد كانت تذهب بي إلى الأسواق ، وإلى هنا وهناك ، وتفعل أشياء مخلّة بالأدب لا ترضي الله تعالى ، فسرت على نهجها ، والصاحب ساحب كما يقولون ، ومن تلك اللحظات تغيّرت الفتاة الوديعة الغافلة إلى فتاة مستهترة متمّردة على كل من حولها ، كانت زوجة عمّي – هداها الله – دائماً تغريني بأنّ خروج المرأة من بيتها حريّة ، ورفع صوتها للحصول على مطالبها أفضل وسيلة ، فصرت أستهزئ بكل من يذكّرني بالله أو يدعوني إليه .. ألهو كما أشاء ، وألعب كما أحبّ على الرغم من أنّي زوجة ، ولي أولاد ، لكنّي لم أكن أبالي ، ولم يقف الأمر عند هذا ، بل رحت أجمع حولي صديقات سيئات الأخلاق ، كن دائماً يدعونني إلى الحفلات والأفراح ، والخروج إلى الأسواق بلا سبب يُذكر ، وبما أنّي كنت أكثرهن ذكاء وجمالاً وتمرّداً ، وأقلهن حياءً ، كنت أنا الزعيمة .
وأدهى من ذلك أنّني كنت أعتقد في السحر، وأستعين بالمشعوذين مع خطورة ذلك على العقيدة.
وفي يوم من الأيام جاءتني امرأة من نساء الجيران ، ولم أكن أهتمّ بمن يسكن حولي ، ولا أحبّ الاختلاط بهم ، ولكنّ هذه المرأة تعلّقت بي ، وأصّرت على زيارتي ، وبما أنّها كانت صالحة وملتزمة فقد كرهت الجلوس معها ، وكنت دائماً أحاول الهروب منها ، لكنّها كانت لا تيأس ، وتقول لي : لقد صلّيت صلاة الاستخارة ([2]) . هل أنزل عندك مرّة أخرى أم لا ، فيقدّر الله لي النزول ورؤيتك .
ومرّت الأيام – حوالي الشهرين – مرّة تكلّمني ، ومرّات لا تستطيع أن تقابلني ، وكانت تذهب كلّ يوم بعد العصر لتعلّم النساء القرآن في المسجد المجاور لنا ، وكلّما رآها زوجي دعا الله أن أكون مثلها ، وكانت هي تدعوني إلى الذهاب معها إلى المسجد ، ولكنّي كنت أعتذر بأعذار واهية ، حتى لا أذهب ، وكانت دائماً تقول لي : إنّي – والله – أقوم من الليل أصلي ، فأدعو الله لكِ بالهداية ، وعند ما أتقلّب في فراشي أذكرك فأدعو الله لكِ ، وذلك لما تفرّسَتْه فيّ من الذكاء ، وقوّة الحجّة ، وفصاحة اللسان ، والقدرة على جذب الناس حولي .
وجاء يوم ذَهَبَتْ فيه خادمتي إلى بلدها ، وكنت بانتظار مجيء أخرى ، فجاءتني جارتي وأنا منشغلة ببعض أعمال البيت ، فاقترحت عليّ الاستغناء عن الخادمة ، وكان موعد قدومها عصر ذلك اليوم ، فقدر الله عزّ وجل أن يتأخّر قدومها أسبوعاً كاملاً ، فكانت جارتي تأتيني فتجدني في البيت ، فتساعدني في بعض الأعمال ، وتُسرّبي سروراً كبيراً ، وكنت أنا في الوقت نفسه قد أحببتها، ورأيتها امرأة مرحة، لا كما كنت أتصوّر ، فإنّ زوجي من الملتزمين ، ولكنّه كان دائماً عابس الوجه ، مقطّب الجبين ، فكنت أظن أنّ ذلك هو دأب الملتزمين جميعاً ، حتّى رأيت هذه المرأة وعاشرتها ، فتغيّرت الصورة التي كانت في ذهني عن الملتزمين .
وبعد ذلك بأيام توفيت قريبة لي ، فذهبت للعزاء ، فإذا امرأة كانت تتكلّم عن الموت ، وما يجري للإنسان عند موته بدءاً من سكرات الموت وخروج الروح ، ومروراً بالقبر وما فيه من الأهوال والسؤال ، وانتهاءً بدخول الجنّة أو النار .. عندها توقفت مع نفسي قائلة .. إلى متى الغفلة ، والموت يطلبنا في كل وقت وفي كل مكان ، وفكّرت .. وفكرت ، فكانت هذه هي البداية ، وفي صباح اليوم التالي وجدت نفسي وحيدة ولأول مرة أحس بالخوف .. فقد تذكرت وحدة القبر وظلمته ووحشته ، فكنت ألجأ إلى جارتي المخلصة لتسليني ، فكانت تجيء إليّ بالكتب الوعظية النافعة ، فكنت عند ما أقرأها أحسّ وكأنّني أنا المخاطبة بما فيها ، خاصّة فيما يتعلّق بمحاسبة النفس ، وظللت أقرأ وأقرأ حتّى شرح الله صدري للهدى والحقّ ، وذقت طعم الإيمان ، عندها أحسست بالسعادة الحقيقيّة التي كنت أفتقدها من قبل ، وتغيّرت نظرتي للحياة ، فلم أعد تلك الإنسانة اللاهية العابثة المستهترة ، وابتعدت عن رفيقات السوء ، وكرهت الأسواق ، بل كرهت الخروج من المنزل إلّا لحاجة أو ضرورة ماسّة ، والتحقت بدار الذكر لتحفيظ القرآن الكريم ، وهذا كلّه بفضل الله ثمّ بفضل الصحبة الصالحة ، والدعوات المخلصة بظهر الغيب من جارتي وزوجي ، ولله الحمد والمنّة .


[1] - كتبتها لي بنفسه .

[2] - صلاة الاستخارة من أعظم أسباب التوفيق والبركة وتيسير الأمور .

عمروعبده 10-03-2011 07:09 AM

توبة فتاة من التصوير المحرّم ([1])

التصوير المحرّم هو تصوير ذوا ت الأرواح من إنسان أو حيوان ، سواء باليد رسماً أو نحتاً ، أو بآلة التصوير المعروفة ، وإنّما حرّم ذلك لأمرين أحدهما : أنّ في ذلك مضاهاة لخلق الله عزّ وجل ، والثاني : أنّه قد يفضي إلى تعظيم هذه الصور والتعلّق بها ، ومن ثمّ عبادتها من دون الله كما حصل لقوم نوح عليه السلام ، وسأترك الحديث لهذه الفتاة لتروي لنا قصّتها في هذا المجال .
تقول : نشأت منذ نعومة أظفاري أحبّ الرسم وأهواه ، ولقد اكتشفت ذلك من خلال دراستي الابتدائية حيث كانت المعلّمة تكلّفنا ببعض الرسومات ، فكنت الوحيدة التي أجيد الرسم و أتحصّل على أعلى العلامات في هذه المادّة .
كثيرات كنّ يحسدنني على موهبتي الخارقة ، والكلّ كان يشجعني ، أمّا أنا فكنت لا أشكّ بأنّ لي مستقبلاً زاهراً في هذا المجال كما أوهموني ، واستمرّت الأحوال على هذا المنوال ، وانتقلت إلى المرحلة المتوسطة .. كنت مسرورة بهذا فلا أُرى إلاّ مزهوّة فرحة ، كيف لا وقد بهرت الجميع بموهبتي الخارقة ، وكسبت كثيراً من الصديقات والمعارف بسببها .. أصبحت معروفة من قبل الجميع حتّى صرت أتضايق من هذا .. كانوا يطالبونني كثيراً بأن أرسم لهم ، وأنا لا أستطيع أن أرضيهم جميعاً ...
وذات يوم ، وفي حصّة الجغرافيا تبادلنا أطراف الحديث مع المعلّمة في موضوعات شتّى .. كانت دائماً تنصحنا لوجه الله عزّ وجلّ .. حقّاً إنّها معلّمة صالحة فاضلة .. وإذا بإحدى زميلاتي تقول للمعلّمة .. إنّ فلانة تجيد الرسم ، ولو أردتِ أن ترسمكِ فإنِها ستفعل في دقائق معدودة ، وكأنّ الصورة أنتٍ إلا أنّها لا تنطق ..
ونظرت إليّ المعلّمة وابتسمت في وجهي قائلة : إذن أنتِ أليس كذلك ؟
أجبت بنوع من الغرور : بلى هو كذلك .
فقالت : لي : إنّ الإسلام لا يحرّم الرسم مطلقاً ، ولكن ألم تسمعي بالأحاديث النبويّة التي تحرّم رسم ذوات الأرواح ؟
قلت : هذا غير معقول ، وإن كان كذلك فإنّي لم أطّلع على شيء منها من قبل .
قالت : اعلمي إذن أنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة هو المصوّرون كما صحّ ذلك عن النبيِ صلى الله عليه وسلم ، فاتركي ذلك لما فيه من الضرر عليك ، وعصيان الله ورسوله .
قلت : أجل يا معلمتي ، إنّ الحقّ معكِ ، وسأحاول إن شاء الله تعالى تركه .
وتلفتّ يمنة ويسرة فإذا بزميلاتي ينظرن إليّ بخبث نظرة سخرية وتعجّب ، وخرجتُ بعد انتهاء الحصّة تائهة حائرة أمشي مطأطأة الرأس ، والأفكار تتصارع في مخيّلتي ، وإذا ببعض زميلاتي من رفيقات السوء يجتمعن إليّ ، ويقلن لي : هل صدّقتِها ، هل أنتِ جادّة في ذلك القرار ؟[!!
غير معقول ، مثلك لا يفعلها ، هاتي يديك أعطيكِ ما تريدين .. وبدأن يتحدّثن ، فقائلة تقول : لو كنت مكانها لتوقفت عن الدراسة وتخصّصت في الرسم ، وأخرى تقول : إنّها معلّمة مغرورة دائماً تتدخّل فيما لا يعنيها ..
لم آبه لما قلن ، ولم أعره أيّ اهتمام ، بل التفتّ إليهنّ ، وقلت لهنّ بصوت خافت ، اتركوني في حالي ، ولتمض كل واحدة في حال سبيلها ، وفي الغد قرّرت أن أستقيم وأبتعد عمّا حرّم الله عزّ وجلّ من الرسم المحرّم ، وعدت إلى المدرسة ، وأعلنت قراري بين زميلاتي ، فبعضهن قذفنني بالخوف ، وبعضهن الآخر بالتهرّب من قضاء ما وعدتهن به من الرسومات ، وبدأن يسخرن منّي وظلّ الأمر على هذه الحال لمدّة أسابيع ، حتّى زيّن لي الشيطان على لسان رفيقات السوء العودة إلى طريق العصيان ، وأنسوني كلّ ما قالته لي معلّمتي الفاضلة ، حتّى إنّها كانت تسألني مراراً : هل توقّفتِ عن رسم ذوات الأرواح ؟ فأجيبها بنفاق : نعم : فتضحك زميلاتي ، وأضحك معهنّ .. نعم ، هكذا يا نعيمة ، هي تكذب – بزعمهنّ – وأنتِ تكذبين عليها ، ثمّ نضحك من جديد .. ولكن في قرارة نفسي لم أكن راضية بما أفعله ، لذا كنت أتحاشا أن أفكّر في هذا الموضوع ..
وكثر المشجعون لي والمعجبون بي ، ولكن يا للعجب ، الجميع يريد مني أن أرسم له ، ولم يفكرّ أحد في شخصي ، لذا لم تكن لي علاقات وطيدة بواحدة منهن على الرغم من كثيرة معارفي ، فقد جعلنني بطلباتهن المستمرة كآلة صمّاء ، ومهما بذلت من جهد فلن أستطيع أن أرضيهن جميعاً .
هكذا كنت حتّى ضعف مستواي الدراسي بسبب هذه الأمور، فيا أسفي ، كم كنت غافلة .
طالت مدّة غفلتي إلى ثلاث سنين ، ثمّ يسّر الله لي الانتقال إلى الثانوية العامّة ، فتعرّفت على صديقات جديدات ، كما تعرّفن هنّ عليّ وعلى موهبتي من خلال ملفّاتي التي كنت أحملها معي أينما ذهبت ، وكالعادة إرضاء الناس غاية لا تدرك ، إلى أن شاء الله أن يهديني ، فقد أحببت مادّة علوم الشريعة الإسلامية ، وكنت تلميذة مجتهدة ، بل ممتازة في هذه المادّة ، وتوسّعت فيها إلى قراءة الكتب الشرعية في أوقات الفراغ ، وأصبحت هذه الكتب هي شغلي الشاغل ، ولم أقتصر على الكتب ، بل تجاوزت ذلك إلى الأشرطة الإسلامية بما تحويه من دروس ومحاضرات وخطب ، وما هي إلا أيّام وجيزة حتّى كشفت القناع عن إثمي بالأدلّة القاطعة ، ندمت هذه المرّة ندماً شديداً على ما فاتني . أوّلاً ، لأنّني عصيت الله عزّ وجلّ ، ثمّ إنّي لم أعمل بالنصيحة ، وجالت بخاطري أسئلة كثيرة .

بكيت على إثرها ، وبكيت حتّى تورّمت عيناي من البكاء ، ثمّ أعدت قراءة الأحاديث التي جاء فيها الوعيد للمصوّرين : (( إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوّرون )) ([2]) .
ثمّ أقول في نفسي : هل سيقبل الله توبتي ؟ ثمّ أواصل القراءة : (( ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّه ، أو ليخلقوا شعيرة )) ([3]) .
يا سبحان الله ، هل أستطيع أن أخلق حبّة أو ذرّة ؟ ! سبحانك ، اللهم اغفر لي ..
ثمّ أقرأ : وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : (( كلّ مصوّر في النار ، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً تعذّبه في جهنّم )) ([4]) . .. أعوذ بالله من جهنّم ، هل سيكون مصيري إليها ؟! .. ربّاه ، اغفر لي ..
اللهم اغفر لنا جميعاً يا ربّ العالمين ، اللهم إن كنتّ قد غضبتَ فلطالما عفوتَ .. اللهم لا تحرمنا عفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين ..
والآن لا آبه بما يقولونه عنّي من رجعية وجنون وتخلّف .. ولقد حوّلت كلّ طاقتي إلى البحث والتجديد والتفقّه ، والحِرَف التي تناسب الفتيات .. حتّى لا أترك لنفسي مجالاً للسعي إلى المعاصي والذنوب ، وإنّي أشكر الله عزّ وجلّ على نعمته وهدايته ، والحمد لله ربّ العالمين.



[1] - كتبتها لي بنفسها من الجزائر .

[2] - أخرجه أحمد ومسلم عن ابن مسعود .

[3] - أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .

[4] - أخرجه مسلم ، ومعنى (( مرفوعاً )) : أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

عمروعبده 10-03-2011 07:14 AM

توبة شاب يمني من السرقة والتصوير المحرم ([1]) .

هذه القصة شبيهة بالتي قبلها ، لذا سأذكرها باختصار ، يقول صاحبها :
السرقة كانت هي البداية .. كنت أسرق المال من دكّان أبي ، فأصرفه فيما حرّم الله ، تارة في شراء الأفلام الساقطة ، وتارة في شراء أجود أنواع أقلام التلوين ، لأرسم بها صور ذوات الأرواح ، وكنت مشتهراً بالرسم في حارتنا ، الكل يطلب مني أن أرسم له ، فكنت أرسم صوراً مضحكة فيها تشويه لخلق الله ، فالله عزّ وجلّ لم يخلق عيوناً جاحظة ، ولا آذاناً كبيرة ، ولا رؤوساً أكبر من الأجسام ، بل خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وكان بعض أهل العلم يحذّرني من هذا العمل المحرّم ، وأنّ صاحبه يعذّب يوم القيامة ، وينصحونني بالتوبة منه ، لكنّي لم أستجب لنصحهم ..
ظللت على هذه الحال ، أسرق ، وأشتري ما حرّم الله ، حتّى اعتدت شراء الأفلام الساقطة ، والمجلات الهابطة ، وأقلام التلوين المختلفة ،وكنت أشتريها من مكتبة في شارعنا ، حتّى قال لي صاحب المكتبة يوماً من الأيّام . ما هذا الذي تفعله ؟! أبوك يشتغل في الدكّان ويتعب ، وأنت تأخذ أمواله ، وتضيّعها فيما لا فائدة فيه ؟ فلم آبه لما يقول ..
وذاع صيتي بين الناس ، ونمت موهبتي ، حتّى أصبحت معروفاً عند الجميع ، وصاروا لجهلهم بخطورة هذا الأمر – يدعونني بـ ( الرسّام ) ، وذات مرّة ، رسمت لصديق لي صورة ، وطلبت منه أن يحرقها بعد فترة ظنّاً منّي بأنّ ذلك كاف في النجاة من عذاب الله ، وما توعّد به المصوّرين ، حتّى فاجأني أخي يوماً بقوله : ألا تعلم يا أخي بأنّ ما تفعله فيه مضاهاة لخلق الله ! وأنّ من يرسم هذه الصور يطلب منه يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، (( وليس بنافخ )) ، فكيف تنجو من عذاب الله غداً ؟
فكانت هذه الكلمات بمثابة المنبّه الذي أيقظني من غفلتي ، حيث قمت بعدها بجمع كلّ ما لديّ من تلك التصاوير والرسومات ، ووضعها في كيس ، وإحراقها خوفاً من عذاب الله تعالى ، وإعلاناً للتوبة النصوح .. وإنّي أحذّر كل من ابتلي بذلك من عذاب الله وأنصحه بالتوبة النصوح قبل فوات الأوان .
أخوكم .........
****

[1] - كتبها لي بنفسه من اليمن .

عمروعبده 10-03-2011 07:19 AM

توبة شاب مسلم اعتنق النصرانية

يقول هذا الشاب في رسالة وجّهها إليّ شخصياً :
أخي الفاضل ...
إنّ لساني يعجز تماماً كيف يشكرك على كتابك القيّم الذي يغسل القلوب ، ويغيّر النفوس ، كتاب (( العائدون إلى الله )) الذي تحصّلت عليه من طريق أخلص وأوفى مؤسسّة ، إنّها مؤسسة الحرمين الخيريّة ، واللهِ لمّا قرأته تأثرت به كثيراً ، وبكيت طويلاً ، وتذكّرت ذنوبي الكثيرة .. فأنا لم أترك نوعاً من الفواحش إلا اقترفته ، ولا ذنباً تتخيله إلا ارتكبته ، من أصغر ذنب إلى أكبره وهو الكفر بالله ، حيث أنّني في لحظة غضب وضعف وإغراء اعتنقت النصرانية . نعم ، اعتنقت النصرانيّة ، وذلك بسبب مشكلات عدّة كنت أعيشها .. ولا زلت أعيشها .. فأنا شاب في الحادية والعشرين من عمري ، متحصّل على شهادة (( مساعد محاسب )) لكنّني بدون عمل ، وهذا ما دعاني إلى اعتناق النصرانية ، حيث إنّي أعيش مع عائلة محافظة متدينة كثيرة الأفراد ، لكنّها بسيطة ومحتاجة إلى أبسط الضروريات .. أخي الأكبر متزوّج ، وله ثلاثة أطفال ، يعمل لدي عمّي في محلّ تجاري ، وهو المعيل الوحيد لنا بعد الله ، أمّا أبي فهو مريض بالسكّري ، ضعيف الجسد ، لا يقوي على العمل ..
تخيّل عدداً كبيراً من الأفراد يعيش في بيت صغير ليس به سوى ثلاث غرف !! كلّ هذا وعائلتي راضية تماماً بهذه الحياة إلّا أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين فلم نكن راضيين بمثل هذه الحياة .. لأنّ أقاربنا – وبخاصّة بني عمّنا – يعيشون في رفاهية تامّة ، وطلبات أبنائهم أوامر تنفّذ على الفور إلا نحن ، وهذا ما ولّد الغيرة والحسد في قلوبنا أنا وأخي ، ولكي نحسّن من حالتنا المادية بحثنا عن عمل ، لكنّ العمل غير متوفّر لأمثالنا ، ومن العسير جدَاً أن نجد عملاً دون وساطة من أحد، أو تقديم رشوة .. وعند ما يئس أخي من الحصول على عمل ، سلك طريق الحرام ، وبدأ يتاجر بالمخدرات سرّاً دون علم أبي وأخي الأكبر ، وأنا – يا لغبائي – كنت أشجعه على ذلك لأنّه كان يعطيني بعض الأموال التي يجنيها .
واستمررت في البحث عن عمل زمناً طويلاً ، ولكن دون جدوى .. وفي يوم لا أنساه أصيبت والدتي الحبيبة بالمرض الخبيث ( مرض السرطان ) ، فقد أنشب أظفاره بجسدها ، فلم يمهلها سوى ستّة أشهر، وتأثّرتُ بموتها كثيراً ، واشتدّ الغضب في نفسي ، واسودّت الدنيا في عيني ، واشتعل القلب غيظاً ، ولعنتُ اليوم الذي تزوّجت فيه أمّي بأبي الفقير ، ولعنت اليوم الذي وُلدتُ فيه ([1]) ، فوالله ما كنت أبحث عن عمل إلّا من أجل والدتي ، لكي أعوّضها ما حُرَمَتْ منه ، حيث إنّها – رحمها الله – لم تعش حياتها مثل باقي زوجات أعمامي أو باقي الأمّهات .. لقد كانت محرومة من كلّ شيء ، كانت لا تأكل طعاماً حتّى تتأكّد أنّنا جميعاً قد أكلنا ، وفي بعض الأحيان تنام على لحم بطنها ، لأنها لم تجد ما تأكله ، وكانت لا تشتري لنفسها أيّ شيء حتّى تتأكّد أنّه لا ينقصنا أيّ شيء ، مع العلم أنّه ينقصنا كلّ شيء .. صدّقني ، وأقسم لك بالله العظيم أنّها كانت تلبس بعض الألبسة التي كانت لديها منذ الاستعمار الفرنسي .. !
ولقد كان موتها قبل أن أحقّق لها ما كنت أحلم به لها وأعدها من أسباب ما تولّد في نفسي من الحقد والكره لأعمامي الأغنياء، الذين لم يساعدونا أبداً ، وهم يعلمون بحالنا ، وكرهت حتّى أبي الذي لم يكن مهتماً بأمّي رحمها الله ، ولم يكن يبالي بحالها الذي يرثى له حتّى إنّه بعد موتها اعترف بأنّه كان مقصّراً في حقها .. .
المهمّ أنّني بعد موت والدتي خرجت أبحث عن عمل ، وكالعادة لم أجد ، لكنّي لم أيأس ، وفي يوم من الأيّام ذهبت إلى مؤسّسة وطنية لأبحث عن وظيفة ، ودخلت على مدير المؤسّسة ، وبمجرّد دخولي عليه نظر إليّ نظرة غريبة من الأعلى إلا الأسفل ، ورحّب بي ترحيباً لم أكن أتوقّعه ، ظننت في البداية أنّه يعرفني أو يعرف أحداً من عائلتي ، ولكنّ ظنّي كان خاطئاً ، وسرعان ما كشف عن نواياه الخبيثة ، حتى بدأ يتكلّم عن شكلي ، وعن وسامة وجهي ، وأمور يستحي المرء من ذكرها ، وفهمت ما يريد ، وكان الأمر كما فهمت ، فقد بدأ يساومني كالشاة في جسدي مقابل المال والعمل ، فلم أتمالك نفسي حتّى شتمته وأسمعته ما يكره ، وربّما ما لم يسمع في حياته كلّها . .وخرجت وقلبي يملؤه الحسرة والألم ، والدموع تنهال على خدّي .. وفي اليوم نفسه التقيت بصديق أخي الذي يتاجر بالمخدرات ، فاستفسر عن حالي ، فأخبرته بكلّ ما حدث ، ودار حوار بيني وبينه ، فاقترح عليّ مراسلة إحدى الإذاعات النصرانية المعروفة ، وطلب المساعدة منهم ، ومن خلال كلامه عنها أحسست بأنّه على علاقة بها ، وأنّه قد اعتنق النصرانيّة ، وهذا من خلال التغيّر الذي طرأ عليه ، المهمّ أنّي أخذت منه عنوان تلك الإذاعة ، وراسلتها طالباً المساعدة ، ورويت لهم كلّ ما حدث لي بسبب العمل ، وحالتنا الماديّة المزرية ، وبعد مدّة قصيرة وصلني الردّ منهم ، حاملاً في طيّاته كل معاني الترحيب والقبول ! واستمرّت المراسلات بيننا والمكالمات الهاتفية ، وأرسلوا لي عدّة مطبوعات وكتب تنصيريّة ، ثمّ جاءت الرسالة التي طلبوا منّي فيها اعتناق النصرانيّة ، والالتحاق بمدرسة روحية في فرنسا لدراسة الدين النصراني ، ووعدوني بأن يتكفّلوا بجميع مصاريف إقامتي ودراستي هناك ، وبدون تردّد قبلت ، وأعلنت عن دخولي في النصرانيّة ، لأنّني سئمت البطالة والفقر والحرمان ، وفي ظني أني لو بقيت عشرين سنة إلى الأمام لن أجد عملاً .
واكتشفت عائلتي الأمر ، وعارضتني بشدّة ، حتّى أخي الذي يتاجر بالمخدّرات عارض فكرتي ، وبما أنّني كنت سأفعل هذا من أجلهم تردّدت قليلاً ، لأنّهم أشاروا عليّ أن أطلب المساعدة من المسلمين ، وبخاصّة دول الخليج العربيّ ، فهي دول غنيّة ، وتحتاج دائماً إلى العمالة الأجنبيّة ، وتحصّلت على بعض العناوين ، وراسلت بعض الشخصيّات الإسلامية لمساعدتي في إيجاد عقد عمل ، كما راسلت عدّة مجلات إسلاميّة ، وعدّة شركات ، ومؤسسات ، ومصانع ، وفنادق ، وعائلات ، ورجال أعمال في كلّ دولة خليجيّة ، وكنت أطلب عقد عمل ولو خادم يقوم بكلّ شيء ، ولكن للأسف لم أتلقّ أي ردّ منهم !! أكثر من خمسين رسالة أرسلتها ، ولكن لم يتفضل أحد منهم للردّ على رسائلي ولو بكلمة واحدة ، مع أنّني كنت أكتب لهم وأشرح لهم ظروفي العائلية الصعبة ، وأرفق مع كلّ رسالة شهادة تثبت حالتنا الاجتماعيّة ، وصوري ، حتّى سئمت المراسلة وإخراج الوثائق من دار البلديّة ..
هذا الموقف زاد من تمسّكي بقرار اعتناق النصرانيّة ، والسفر إلى فرنسا لأرتاح من الهمّ الذي أعيش فيه ، وبدأت في إجراءات استخراج التأشيرة من القنصلية الفرنسيّة التي كانت صعبة جداً ، ويشاء الله عزّ وجلّ أن أجد عنوان مؤسسة الحرمين الخيريّة ، كنت أظن أنّها تساعد الفقراء والمحتاجين من خلال اسمها ، لكنّها ساعدتني فيما هو أهمّ من ذلك ، وأهمّ من العمل والمال والسفر ، لقد ساعدتني في أن أعود إلى رشدي وديني ، وتمّت توبتي على يديها ، عن طريق ما تبعثه من رسائل وكتب ، ومنها كتاب العائدون إلى الله ، وبدأت أتغيّر يوماً بعد يوم ، وأحسّت الإذاعة النصرانية بهذا التغيّر لأنّي لم أعد أراسلها ، ولا أردّ على رسائلهم ومكالماتهم الهاتفيّة ، ولكنّهم لم يتركوني في حالي ، وشنّوا عليّ الحرب عن طريق رسائلهم التي كانت تحتوي على المطبوعات النصرانيّة ، وبعض الإغراءات التي أشعر بالضعف أحياناً عند قراءتها ، لكن أنّى لهم أن يستطيعوا زعزعة إيماني وعقيدتي بالله الواحد الأحد )) .
ثمّ ختم رسالته بقوله :
وشكراً لك مرّة أخرى على كتابك الذي أنار لي الطريق ، وهداني بتوفيق الله ، وجزاك الله خيراً ..
الأخ التائب : ع . ع

[1] - لا يجوز لعن الأيام ، ولا سبّ الدهر ، فقد ورد في الحديث : ( لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر )) أخرجه مسلم عن أبي هريرة .

عمروعبده 10-03-2011 07:24 AM

توبة فتاة من ممارسة الرياضة المحرّمة ([1])

تقول هذه الفتاة :
أنا فتاة في المرحلة الجامعية ، عشت في أسرة مسلمة محترمة ، تحبّ الدين ، وتواظب على الفرائض .. فكت أواظب على الصلاة في سنّ مبكّرة من حياتي ، حتّى انتقلت إلى المرحلة الإعداديّة ، عندها بدأت المشكلة ، فقد تعرّفت على معلّمة الرياضة ! وأحببتها كثيراً – طبعاً ليس لله – وأحببت الرياضة كذلك ، فبدأت بممارستها ، وتعلقت بها كثيراً ، فصارت جزءاً لا يتجزأ من حياتي ، حتّى إنّي أمضيت سبع سنوات من عمري في التدريبات والبطولات (!) ، وكنت أتشاجر مع أهلي من أجل الرياضة ، وأسدّ أذني عن سماع نصائحهم لي ، لأنّي آنذاك لم أكن أر إلا شيئاً واحداً فقط ، هو الرياضة ، ثمّ تمكّن الشيطان منّي ، فلبست البنطال القصير ( الشورت ) ، والضيّق ، وقصصت شعري كالرجال ، وكلّ ذلك رغماً عن أهلي .. والدتي عند ما تراني بالشورت كانت تنصحني ، وأحياناً لا تقول شيئاً (!) لكنّي أعرف أنّ هذا لا يرضيها ([2]) ، ويشاء الله عزّ وجلّ – رحمة بي – أن أمرّ بظروف قاسية اضطرتني إلى ترك الرياضة ، فتركتها، وقد عرفت بعد أن هداني الله أنّ هذه الظروف كانت نعمة وليست نقمة ، فبعدي عن الرياضة جعلني أتذكّر الله عزّ وجلّ ، وأبتعد تدريجاً عن سماع صوت الغناء إلى سماع ما يرضى الله ، وتركت مشاهدة الأفلام والمسلسلات التافهة المنحطّة ، وبدأت أفكّر بلبس الحجاب ، والظهور بمظهر محتشم بعيداً عن التبرّج والسفور المحرّم ، وشعرت بأنّ الرياضة ( ولو كانت منضبطة بضوابط الشرع ) شيء تافه لا يستحقّ أن تُصرف فيه جلّ الأوقات ، لكنّ هذا التفكير لم يتحوّل إلى عمل إلا بعد أن شاهدت منظر الموت بعيني ولأوّل مرّة ، حيث توفي جدّي رحمه الله ، وغُسّل وكُفّن وأنا أشاهد هذا المنظر ، فاهتز كياني كلّه ، وجعل قلبي يخفق بقّوة خوفاً ورهبة ، وقادني ذلك إلى التفكير ، وتذكّر أمور كثيرة كنت أعرفها من قبل ، لكنّي لم أكن أعيرها أيّ اهتمام ، كالموت وسكرته ، والقبر وضمّته وعذابه ، والحساب وشدّته ، كلّ ذلك قادني فيما بعد إلى التوبة النصوح ، والندم الشديد على الأيّام التي ضاعت من عمري سدى ، وأنا الآن أرتدي الحجاب الشرعي ولله الحمد ، وأواظب على الصلاة ، وأستمع إلى نصائح والديّ ، وأفكّر كثيراً في الموت وما بعده من أهوال القيامة ، وأتوق كثيراً إلى سماع آيات الله عزّ وجلّ ، وسماع كلّ ما يقرّبني إلى الله .

أختكم في الله من سوريا


[1] - كتبتها لي بنفسها من سوريا . والمقصود بالرياضة المحرّمة هنا : تلك الرياضة التي تمارسها أمام الرجال – غير زوجها - ، أو أما م النساء بلباس فاضح وفي أماكن مشبوهة ، أمّا كون المرأة تمارس الرياضة بمفردها أو مع زوجها بعيداً عن أعين الناس فهذا لا بأس به ، فقد ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سابق عائشة الصدّيقة رضي الله عنها في خلوة بينهما ، فسبقته مرّة وسبقها مرّة . وفي هذا الزمن الذي ظهرت فيه الوسائل الحديثة بإمكان المرأة أن تمارس رياضتها في بيتها بل في غرفة نومها ، وقد أظهرت دراسة أمريكية حديثة أن النساء اللواتي يمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزناً أكثر ، ويصبح شككلهنّ أحسن من النساء اللواتي يمارسن نفس التمارين في النوادي الخاصّة ( انظر : جريدة الرياض ، عدد /10883) .

[2] - الأم المؤمنة لا يمكن أن تسكت عن مثل هذا العمل أو تقرّه ، فضلاً عن أن ترضاه لابنتها .

عمروعبده 10-03-2011 07:34 AM

توبة شاب خرافي( [1])
الخرافيون هم الذين بنوا دينهم على الخرافة من تعظيم القبور وعبادتها ، والتعلق بالأموات ودعائهم من دون الله ، واعتقاد نفعهم وضرّهم ، والله عزّ وجلّ يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : (( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً )) ( الجن : 21) بل قال له : (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) ( الأعراف : 188) .
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق لا يملك في حياته لأحد ضرّاً ولا رشداً ؛ فكيف بغيره من سائر الخلق ؟! ، وفي قصّة هذا الشاب تتجلّى صور الخرافة التي نشأ عليه أولئك القوم ، وشابت عليها مفارقهم ، يقول هذا الشاب :
أنا شابّ أبلغ من العمر ثماني عشر عاماً ، نشأت في عائلة ذات دين ، لكنّه دين التقليد والخرافة ، أحببت منذ الصغر قراءة القرآن وحفظه ، والسير على ما سار عليه الآباء والأجداد ، فلقد كانوا – هداهم الله – علي شيء بعيد عن الإسلام من عبادة الأوثان – أعني الأولياء المزعومين – والتبرّك بالقبور وأهلها وأحفادهم ، حتّى إنّنا لنعظّمهم أكثر من أيّ شيء ، وخوفنا منهم أكثر من خوفنا من ربنا ، وقسمنا بهم أكثر من قسمنا بربّنا ، فقد علّمنا آباؤنا أنّنا إذا مررنا بأحفاد هؤلاء ولم نقبّل أيديهم أو نسلّم عليهم فكأنّنا قد حرمنا القرب من الله ، أمّا زيارة قبور الأولياء ([2]) . والبكاء عليها فأمر لا بدّ منه ، فإذا كان يوم زيارة قبر ذلك الوليّ لبسنا له أحسن الثياب وتطيبنا ، وتنظّفنا ، وذهبنا نبكي عند ذلك القبر بكاء لا نبكيه عند سماع آيات القرآن العظيم، فكنّا نعظّم ذلك الوليّ أكثر من آبائنا و مشايخنا ، بل إنّ علماءنا – علماء السوء – كانوا يشجّعوننا على القيام بمثل هذه الأعمال ، لاعتقادهم بأنّ هؤلاء الأولياء هم سبب توفيقنا للطاعة ، وثباتنا عند السؤال في القبر ، ودفع البلاء عنّا وكلّ مفسدة ، وجلب كلّ مصلحة (!) ، فكنّا نتكلّم بسبّ الإله ولا نبالي لأنّ الله سيغفر لنا ، لكن لا نجرؤ أن نتكلّم عن أوليائنا (!) بما هو فيهم ، حتّى إنّ الشيطان زيّن لي ذلك ، وأصبحت من كثرة تعظيمي لهؤلاء الأولياء أرى نفسي بأنّني قد وصلت إلى مرتبة الولاية ، بل إنّني حدّثت نفسي يوماً من الأيّام : من أنا ؟ فكان الشيطان – لعنه الله – يجيبني بأنّي أحد الأنبياء المقرّبين، فكنت حين أسمع صفات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرة الزكيّة أتمثلها في نفسي ، وكانت تحدث لي إلهامات شيطانيّة ، فحين سمعت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى شيئاً في المنام ، إلا جاء مثل فلق الصبح ، كنت أحدّث نفسي بذلك، وأرى أشياء في المنام، فتأتي علي ما رأيته في النهار ، وكلّ ذلك من كيد الشيطان ووحيه وتضليله ، ولم يكتفِ إبليس اللعين بذلك ، بل كان يوحي إليّ بأنّ على وجهي نوراً مثل نور الشمس ، وإذا توضأت للصلاة فسيذهب هذا النور ، والأحسن ألّا أتوضأ حتّى يراني الناس بذلك النور العظيم (!) ، وكنت – غفر الله لي – أسيّر بعض أصحابي على سيرتي من التبّرك بالأولياء وتعظيمهم ، فكنت أقول لهم : إنّي رأيتهم في المنام قد تحصّلوا على ورقة السعادة ببركة ذلك الولي الذي زرناه ، وكنت أعارض كلّ من يطعن في الأولياء أو يقول فيهم شيئاً يؤذيهم ، حتّى إنّني مرّة تخاصمت مع بعض الإخوة لمّا نفى لي التبرّك بالأولياء ، فكان يقابلني بالحجج والبراهين من الكتاب والسنّة ، فأقابله ببعض القصص الخرافية المختلقة عن الأولياء ... ومتى كانت العقيدة تؤخذ من قصص العجائز والدراويش ؟

ولم يكتفِ الشيطان منّي بهذا ، بل لقد قالت لي يوماً من الأيّام امرأة دجّالة كاهنة بوحي من الشيطان ، بأنّني قد بلغت درجة الأولياء بسبب تعظيمي لهم ، وقالت لي أشياء تتنافى مع الشرع والواقع ، وقالت لي بأنّني منذ ولدت أخذني عباد الله الصالحون (!) .. فكان ذلك ممّا زادني حبّاً لهم واشتياقاً إليهم ، وكنت أجعل هذه المرأة الكاهنة هي الأخرى من أولياء الله الصالحين ، فكنت لا أصلي إلا معها ، وآكل كلّ طعام تبعث به من أجل البركة (!) .. كلّ هذا وأنا في مستنقع التقليد ، وأهلي يشجّعونني على ذلك ، حتّى أصبحت أضع الخبز على قبور الأولياء طلباً للأجر ، وأبدأ بالصدقة من قبورهم حتّى تقبل منّي (!) .
وبعد كلّ هذا الضلال والطغيان ، وتقليد الآباء والأجداد ؛ كنت في يوم من الأيّام خارجاً من المسجد ، وكانت دار أحد أصدقائي المخلصين على الطريق ، كانوا يجتمعون فيها لذكر الله عزّ وجلّ ، والتعرّف على حقيقة هذا الدين بعيداً عن التقليد المذموم ، فدعاني إلى الدخول في الدار لمشاركتهم في الذكر والدرس والمناقشة ، فرميتهم – غفر الله لي – بأمور ليست فيهم قبل أن أجلس معهم وأستمع إليهم ، حتّى ألحّ عليّ هذا الأخ بالحضور ، وحين جلست معهم ، واستمعت إلى صفاء نور كلامهم ، قذف الله في قلبي الإيمان الصحيح ، وعرفت أنّ ما كنت عليه من قبل ما هو إلا جهل الأوّلين وضلالاتهم ، فأعلنت إسلامي من جديد ، وصحّحت عقيدتي ، وفتحت عيني على حقيقة هذا الدين ، فخرجت بذلك من مستنقع التقليد الآسن إلى واقع الإسلام الطاهر ، وقد دلّني هؤلاء الإخوة على مكاتب ترسل الكتب النافعة ، فراسلتها ، وصحّحت عقيدتي من الشرك ، ولم يكتفوا بهذا بل كانوا يعطونني كتباً لتقوية إيماني ، وتثبيتي على الحقّ ، فجزاهم الله خيراً .
إمّا إخواني الذين كنت أرميهم بالأوهام الشيطانيّة ، فقد عدت إليهم ، واعتذرت منهم طالباً العفو ، ففرحوا بذلك .. وكلّ هذا قد حدث بفضل الله ورحمته وأنا ابن ستّة عشر عاماً ، وأصبح بعض المشكّكين في العقيدة يقولون لي : لقد كنت على هدى وأصبحت الآن على ضلالة .. فلم أبال بكلامهم هذا ، بل استعنت بالله تعالى ، وصححّت خطئي ، وجهلي وأصبحت ، ولله الحمد – أنا وهؤلاء الإخوة الموحّدون ممّن يُشار إليهم بالبنان ، وعرفت الأحاديث النبوية الشريفة وحفظت ما تيسّر منها ، كما عرفت الحلال من الحرام ، والخطأ من الصواب ، وأنا الآن أطلب من الله المغفرة ، فهل يغفر الله لي ؟؟ .. أرجو ذلك .


[1] - كتبها لي بنفسه .

[2] - لا يمكن القطع بأنّ فلاناً من الناس وليّ من أولياء الله – لا سيّما في العصور المتأخّرة - ، إذ إنّ علم ذلك إلى الله وحده ، وكم سمعنا عن أولياء مزعومين يُطاف على قبورهم (1) وهم من أفجر خلق الله ، وأبعدهم عن دين الله ومن تأمل ذلك ظهر له الأمر جليّاً .

عمروعبده 10-03-2011 07:40 AM

توبة شاب مغربي بعد سماعه لقراءة إمام الحرم المكي ([1])

يقول هذا الشابّ :
كنت ليلة الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك جالساً مع أسرتي أمام شاشة التلفاز ، وهو ينصتون ويتابعون بتأثر نقل صلاة التراويح من الحرم المكّي ، وكنت قد جلست معهم لا للمتابعة ، ولكن لمجرد رؤيتهم ، وكنت قبلها ضالاً ، غير ملتزم بتعاليم الدين الحنيف ، حتى الصلاة لا أحافظ عليها ، وأرتكب المعاصي ولا أبالي ، حتى تكوّن لديّ شعور بالاستمرار على هذا الطريق من منطلق استمراء الذنوب ، وشبه اليأس من مغفرة الله ، ولكن في لحظة واحدة تغير كل شيء ، إذ بينما كنت أشاهد النقل وقع سمعي على صوت إمام الحرم وهو يقرأ قوله تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) ( الزمر : 53) . فوجدتُني أصغي بتأثّر وأنا أستمع إليه وهو يقرأ هذه الآية ويردّدها بخشوع وتدبّر ، ممتزجاً صوته ببكاء داخل أعماقي ، وفي تلك اللحظة أحسست أنّ رحمة الله واسعة ، وأنه سبحانه – يغفر جميع الذنوب ، فرجعت إلى ربّي من تلك اللحظة . .فجزى الله إمام الحرم خبر الجزاء حيث كانت قراءته وخشوعه المؤثر في هذه الآية السبب الرئيس في هدايتي ، وربما هداية شباب كثيرين أمثالي ممن هم بحاجة إلى من يفتح لهم باب الأمل برحمة الله ، ويطرد اليأس والقنوط من قلوبهم ، وليس أعظم من القرآن هادياً وباعثاً للأمل حين يُتلى بصوت خاشع مؤثّر ، يدعو إلى التدبّر ، ومن أطهر بقعة على وجه الأرض .
هذه قصّتي ، عسى الله أن ينفع بها غيري ، وأسال الله عز وجل أن يثبتني على الطريق المستقيم .
م. ب المغرب .

***

[1] - المجلة العربية ، عدد ذي العقدة 1414هـ ( بتصرف ) .

عمروعبده 10-03-2011 07:47 AM

توبة فتاة متبرجة ([1] ) .

تقول هذه الفتاة :
تسع بنات وخمس ذكور هم عدد أفراد أسرتي بالإضافة إلى الوالدين .. كان همّ الوالدة الأكبر هو تزويج البنات التسع ، وقد شاع في مجتمعنا الفاسد أنّ البنت لكي تجد عروساً لا بد أن تتعرى باللبس القصير !
، وتتجمل بالماكياج ! وتصفّف شعرها على أحدث خطوط الموضة !!
عشنا الفساد بأكمله .. تزيّنا .. وخرجنا بأحدث زينتنا ، وكنا فرائس لذئاب بشريّة .. هذا بنظرة ، وذاك بكلمة .. وكل على شاكلته ..
في ذلك الوقت ، لم نكن نعرف من الإسلام سوى الأركان الخمسة فقط ، وليتنا عملنا بها .. إلا أن ظاهرة بدأت تظهر بين الفتيات آنذاك ، الواحدة تلو الأخرى ، إنها ظاهرة لبس الحجاب .. كنت أرى تلك الفتيات وأنا جدّ محتارة إلى أن قررت إحدى أخواتي الثمان لبسه فلبسته .. في بادئ الأمر رحبّت به العائلة ، ثم لم تمض أيام حتى بدأت مضايقة الأم لها !
وذلك لما تسمعه من الجيران وخالاتي بأنّ من تتحجّب لن تتزوج ! ، وكلّهم يقول : إنها ربما ارتدت الحجاب لعاهة تريد إخفاءها ! ، فجنّ جنون أمّي ، وبدأت في مشاكستها بكلّ ما تملك ، حتّى أصبحت تناديها بـ ( المسلمة ) ! استهزاءً بها ، حتّى وصل الأمر إلى الضرب في كثير من الأحيان ! ، أمّا أنا فأرجو الله المغفرة ، فقد كنت من أجل أن أفوز برضى أمّي أبالغ في التجمّل والتبرّج ، فكانت تعيرها بي ، وكنت دائماً محل تقدير وثناء ..
ومرّت سنتان أو ثلاث وأنا على هذه الحال ، وفي يوم 19 جانفي 1987م ( 1407هـ ) خرجت مع بعض زميلاتي في نزهة (!) ، وفي الطريق مررنا بكنيسة ، وبعد مشاورات قرّرنا الدخول .. فوجدنا العديد من النصارى يصلّون صلاتهم ( هداهم الله جميعاً ) . .خرجت وأنا أحسّ بشيء ما يعتلج في صدري ، لم يعجبني حالي .. وهالني تمسّكهم بدينهم المحرف ، وخشوعهم في صلاتهم ([2]) . . . أشياء عدّة لا أستطيع حتّى التعبير عنها ، وفي يوم الجمعة 21 جانفي – وهذا اليوم لا أنساه أبداً – كنت منهمكة في غسل الأواني ، فإذ بي أسمع حديثاً كان يدور بين أخواتي ، حيث ذكرت إحداهنّ أنّها رأت البارحة في منامها أن القيامة قد قامت ، ثم بدأت تصف ما رأته من أهوال وشدائد .. ارتجف قلبي بشدّة .. تركت ما في يدي ودخلت عليهنّ الغرفة ، وحلفت يميناً إن هي أعطتني حجاباً أن ألبسه غداً ، وأواظب على الصلاة ولا أتركها أبداً .. والله شهيد على ما أقول ، فأحضرت لي أختي حجاباً ، فعقدت العزم على لبسه وأنا على مائدة العشاء ..
قلت لأبي : أودّ أن ألبس الحجاب غداً إن شاء الله ! ..
صمت قليلاً ، ثمّ قال : موافق ، لكن بشرط .
قلت : ما هو .
قال : ألّا تنزعيه أبداً ..
فقلت : موافقة .
نظرت أمي إليّ نظرة طويلة ولم تقل شيئاً ، لأن الكلمة الأولى والأخيرة في البيت كانت لوالدي .
لم أنم تلك الليلة ، لا أقول من شدة الفرح ، وإنّما خوفاً من الغد .. حامت حولي وساوس الشيطان .. أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيّلتي : لمَ تدفني نفسك بهذا الثوب ، وأنت دائماً تحبيّن الانطلاق ، وتعشقين الجمال . .ثيابك . .شعرك .. قدّكِ .. لم تخفين كلّ هذا ؟
نهضت باكراً ، وارتديت الحجاب .. كانت خطواتي متثاقلة ، واحدة للأمام ، والأخرى للخلف .. الأولى تقول لي .. تقدّمي والله معك ، والثانية تقول : لمَ تفعلين هذا ؟ وزينتك ، وجمالك .. !

استعذت بالله من الشيطان ، وخرجت .. الجميع جاؤوا يهنّؤنني على هذا القرار .. لن أنسى أبداً ذلك اليوم ، جلّ زميلاتي جئن في أحلى لباس ، وآخر موضة تسريحة شعر ، فبقيت أنظر حائرة في أمري ، لكن الله عز وجل لم يتركني ، بل هيّأ لي مجموعة من الأخوات الصالحات انتشلنني من بحر الندم والضياع إلى عالم لا حدود له ، عالم آخر ملائكي .. فاخضرّت الحياة في وجهي وأزهرت ، ثم أنعم الله عليّ فحملت المصحف وحفظت ما تيسّر منه ، ودخلت المسجد .. فتحت الكتب أمامي في العقيدة والفقه والحديث والسيرة ، وحتّى الأناشيد الإسلامية .. كلام طيب .. علمت بتحريم الغناء ، ومصافحة الأجنبيّ ، وإظهار الزينة ، فإذا الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وحتّى الوالدة الكريمة بعد أن تحجّبت بناتها التسع ، وبدأنا نُسمعها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه سلم الشيء الكثير ، تغيّرت كثيراً ، وأصبحت الصدر الحنون لنا ولزميلاتنا في المسجد ولله الحمد والمنّة ، أمّا موضوع الزواج ، فقد كان الأمر على عكس ما كانت تعتقد ، فقد تزوج سبع بنات من التسع من إخوة صالحين ، وبقيت اثنتان ، وهما على وشك الزوج إن شاء الله .
أمّا أنا فقد أخذت مكاني في المسجد عوضاً عن الشوارع والأسواق ، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله . .


[1] - كتبتها لي بنفسها من الجزائر .

[2] - سئل ابن عبّاس رضي الله عنهما : إنّ اليهود يخشعون في صلاتهم ؟ فقال : ما يصنع الشيطان بقلوب خربة ؟! .

عمروعبده 10-03-2011 07:54 AM

توبة شاب على يد منصّر ([1]) .

إنه شاب من جملة شباب المسلمين ، وعده والده بالسفر للسياحة في حال نجاحه !! ، وفي لحظات ترك وطنه إلى البلاد المفتوحة .. وصل.. كل شيء كان معدّاً للاستقبال .. فعل كلّ شيء إلا ما يرضي الله .. لم يكن هناك وقت .. يقول هذا الشاب :
مرّ الوقت سريعاً .. لم يبق على انتهاء الرحلة إلا يوم واحد ، وكما هو محدّد في الجدول : نزهة خلويّة ، وحفل تكريم !
مالت الشمس للغروب ، وسقطتْ صريعة خلف هاتيك الجبال الشامخات ، والروابي الحالمات .. عندها بدأ ليل العاشقين ، وسعي اللاهثين ، واختلطت أصوات الموسيقى الحالمة بتلك الآهات الحائرة ، ثمّ أعلن مقدّم الحفل عن بدء حفل الوداع .. أوّل فقرة من فقراته هي اختيار الشاب المثالي في هذه الرحلة الممتعة ..
وأعلن الفائز... الشاب المثالي هو ( أنا ) ! .
فكّرت كثيراً : لمَ اختاروني أنا ! هناك الكثير ممّن هم على دينهم .. ألأنّي مسلم اختاروني ؟! ..
تذكّرت أبي وصلاته ، وأمّي وتسبيحها .. تذكّرت إمام المسجد .. تذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. تخيّلته أمامي ينظر ماذا أفعل ..
وصلت إلى المنصّة .. أمسك القائد بالصليب الذهبي .. إنه يلمع كالحقد ، و يسطع كالمكر .. أمسك بعنقي .. قرّبني إليه .. وهمّ بوضع الص.. .
قف .. إنّني مسلم ..
أمسكت بالصليب الذهبي، وقذفته على الأرض، ودسته تحت قدمي ..
أخذت أجري .. وأجري .. صعدت إلى ربوة .. صرخت في أذن الكون ، وسمع العالم : الله أكبر .. الله أكبر ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. وعدت إلى بلدي إنساناً آخر غير ذلك الإنسان العابث اللاهي فسبحان من يحيي القلوب بعد موتها ..
***

[1] - مجلة الدعوة ، العدد 1450 ( بتصرّف يسير ) .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:08 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.