بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   أرشيف المنتدى (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=513)
-   -   موسوعة الأخلاق الإسلامية (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=511314)

محمد رافع 52 28-10-2013 12:43 AM

أقوال السلف والعلماء في الغش

- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا يزال الرَّجل يزداد في صحَّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشَّه سلبه الله نصحه ورأيه) .
- وقال الراغب: (لا يلتفتنَّ إلى من قال: إذا نصحت الرَّجل فلم يقبل منك فتقرَّب إلى الله بغشِّه، فذلك قول ألقاه الشَّيطان على لسانه، اللهمَّ إلَّا أن يريد بغشِّه السُّكوت عنه، فقد قيل: كثرة النَّصيحة تورث الظَّنَّة، ومعرفة النَّاصح من الغاشِّ صعبة جدًّا، فالإنسان- لمكره- يصعب الاطِّلاع على سرِّه، إذ هو قد يبدي خلاف ما يخفي، وليس كالحيوانات الَّتي يمكن الاطِّلاع على طبائعها) .
- (وكان جرير بن عبد الله إذا قام إلى السلعة يبيعها بصَّر عيوبها ثم خيَّره، وقال: إنْ شئت فخذ، وإنْ شئت فاترك، فقيل له: إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم) .
- (وكان واثلة بن الأسقع واقفًا؛ فباع رجل ناقة له بثلاثمائة درهم، فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة؛ فسعى وراءه وجعل يصيح به: يا هذا أشتريتها للحم أو للظهر؟ فقال: بل للظهر، فقال: إن بخفها نقبًا قد رأيته، وإنها لا تتابع السير، فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم، وقال لواثلة: رحمك الله أفسدت عليَّ بيعي، فقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم) .
- وقال ابن حجر الهيتمي: (ولهذه القبائح -أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألوانًا. وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطَّلِع عليهم) .
- وكان بعضهم يقول: (لا أشتري الويل من الله بحبة؛ فكان إذا أخذ نقص نصف حبة، وإذا أعطى زاد حبة، وكان يقول: ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض، وما أخسر من باع طوبى بويل) .
- وقال المنصور: (لا تنفِّروا أطراف النعم بقلة الشكر، فتحلَّ بكم النقمة، ولا تُسرُّوا غشَّ الأئمة فإنَّ أحدًا لا يُسِرُّ منكرًا إلَّا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره) .
- وباع ابن سيرين شاة فقال للمشتري: (أبرأ إليك من عيب فيها، أنها تقلِّب العلف برجلها) .

محمد رافع 52 28-10-2013 12:45 AM

آثار الغش

1- براءة النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكب جريمة الغش.
2- الغاش بعيد عن الناس بعيد عن الله.
3- الغاش قليل التحصيل، دنيء الهمة.
4- الغاش متهاون بنظر الله إليه.
5- الغاش مرتكب كبيرة من الكبائر المحرمة.
6- الغاش ممحوق البركة.
7- الغش خيانة للأمانة التي كلف الإنسان بحملها.
8- الغش دليل ضعف الإيمان.
9- الغش سبب من أسباب الفرقة بين المسلمين.
10- الغش طريق موصل للنار.
11- الغش فيه أكل أموال الناس بالباطل.
12- الغش من أسباب عدم إجابة الدعاء، لأن صاحبه يأكل المال الحرام.
13- الغش يخرج أجيال فاشلة غير قادرة على تحمل المسئولية.
14- الغش يولد ضعف الثقة بين أفراد المجتمع.

محمد رافع 52 28-10-2013 12:48 AM

حكم الغش

لا شك أن الغش حرام، وبعض العلماء مثل الذهبي عدُّوه كبيرة من كبائر الذنوب .
قال ابن حجر الهيتمي: (... فذلك أعني ما حكي من صور ذلك الغش التي يفعلها التجار، والعطَّارون، والبزَّازون، والصوَّاغون، والصَّيارفة، والحيَّاكون، وسائر أرباب البضائع، والمتاجر، والحرف، والصنائع، كله حرام شديد التحريم، موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش، خائن يأكل أموال الناس بالباطل، ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه، لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه) .
وقال الغزالي: (والغش حرام في البيوع والصنائع جميعًا، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة، ويحكمها ثم يبيِّن عيبها إن كان فيها عيب، فبذلك يتخلص) .
وقال ابن باز: (الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) .
وهذا لفظ عام، يعم الغشَّ في المعاملات، وفي النصيحة، والمشورة، وفي العلم، بجميع مواده الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرس فعل ذلك، ولا التساهل فيه، ولا التغاضي عنه؛ لعموم الحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولما يترتب على الغش من المفاسد والأضرار والعواقب الوخيمة.) .
وقال ابن عثيمين: (ويجتنب الغش في جميع المعاملات، من بيعٍ، وإجارةٍ وصناعةٍ، ورهنٍ، وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات؛ فإنَّ الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فاعله فقال صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من غشَّنا فليس منا))، وفي لفظ: ((من غشَّ فليس مني))، والغش: خديعة، وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام، لا يزيد صاحبَه إلا بعدًا من الله) .

محمد رافع 52 28-10-2013 12:54 AM

أنواع الغش وصوره

1- الغش في البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية:
كأن يَحصُل الشخص على المال بطرق محرمة، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرديء، وغيرها من الطرق المحرمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني)).
قال ابن حجر الهيتمي مبينًا هذا النوع من الغش في البيع والشراء: (الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع، أو مشتر فيها شيئًا، لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل) .
وما أكثر (ضروب الغشِّ والاحتيال، كما يقع من السماسرة من التَّلبيس والتَّدليس، فيزيِّنون للناس السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، ويورطونهم في شرائها، ويوهمونهم ما لا حقيقة له، بحيث لو عرفوا الخفايا ما باعوا وما اشتروا) .
وقال ابن تيمية: (والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب، وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه، كالذي مرَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز، والطبخ، والعدس، والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنسَّاجين، والخيَّاطين، ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان) .
2- غش الرَّاعي للرَّعيَّة، وغش الرَّعيَّة للرَّاعي:
فغش الرعية للراعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له أعمالًا وإنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا، وغير ذلك.
وأما غش الراعي للرعية:
ويقصد بالراعي: الرؤساء، والحكام، والمدراء، والرجل في أهله، وغيرهم ممن لهم الرعاية على الناس، ويكون الغش بظلمهم، وعدم النصح لهم.
فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة)).
قال ابن القيم: (وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء) .
وقال ابن عثيمين: (السبب التاسع من الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها: الغش للرعية، وعدم النصح لهم، بحيث يتصرف تصرفًا ليس في مصلحتهم، ولا مصلحة العمل، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة))، وهذا يعم رعاية الرجل في أهله، والسلطان في سلطانه، وغيرهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته)) ) .
3- الغش في القول:
وذلك عند إدلاء الشاهد بالشهادة، فيشهد بشهادة فيها زور وبهتان وكذب، ونحو ذلك.
4- الغش في النصيحة:
ويكون الغش في النصيحة، بعدم الصدق، والإخلاص فيها، وهذا من علامات المنافقين.
فعن جرير بن عبد الله، قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)) .
وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) .
5- الغش في تعلُّم العلم:
كأن يغش في الامتحانات ويحصل على شهادة لا يستحقها، وقد يتبوأ بها منصبًا، وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل، غير مؤهل لقيادة الأمة.
وقد تكلم بعض العلماء عن هذا الجانب من الغش؛ نذكر من ذلك:
سؤال قدم للجنة الدائمة للإفتاء؛ مفاده: ما حكم من يغش في امتحانات الدراسة كمواد الكيمياء والطبيعة؟
فكان رد اللجنة ما يلي: الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعله مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من غشنا فليس منا)). ولا فرق في ذلك بين كون المواد الدراسية دينية أو غير دينية .
وقال ابن باز: (الغش محرَّم في الاختِبارات، كما أنَّه محرَّم في المعاملات، فليس لأحدٍ أن يغشَّ في الاختِبارات في أيَّة مادَّة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكُه في الإثم والخيانة) .
وقُدم له سؤال مفاده: ما قولُكم فيمَن يقول: إنَّ الغشَّ حرام فقط إذا كان في المواد والعلوم الشرعيَّة، ويكون مباحًا إذا كان في غيرها؛ كاللغة الإنجليزية، أو التاريخ، أو الرياضيات، أو الهندسة، أو نحوها؟
فقال: (الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن غشنا فليس مِنَّا))، وهذا لفظ عام، يعمُّ الغش في المعاملات، وفي النصيحة والمشورة، وفي العلم بجميع مواده؛ الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرِّس فعل ذلك، ولا التساهُل فيه، ولا التغاضِي عنه؛ لعموم الحديث المذكور وما جاء في معناه، ولما يترتَّب على الغشِّ من المفاسِد والأضرار والعَواقِب الوخيمة) .
وقال ابن عثيمين: (وإنَّ مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثًا، أو رسائل يحصلون على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص حضِّر لي تراجم هؤلاء، وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة، ومخالف للواقع، وأرى أنَّه نوع من الخيانة؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء، فإذا كان المقصود من ذلك الشهادة فقط، فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب؛ لهذا أحذر إخواني الذي يحققون الكتب، أو الذين يحضِّرون رسائل على هذا النحو، من العاقبة الوخيمة...) .
وسئل فضيلته أيضًا: ما نصائحكم للطلبة في أيام الامتحانات والإجازات؟
فأجاب بقوله: (نصيحتي للطلبة في أيام الامتحانات، وفي غير أيام الامتحانات وفي الإجازة: أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ، وأن يخلصوا له النية في طلب العلم، وأن يؤدوا الأمانة في الامتحانات بحيث لا يحاول أحد منهم الغش، لا لنفسه ولا لغيره؛ لأنه مؤتمن، ولأن من نجح بالغش فليس بناجح في الحقيقة، ثم إنه يترتب على غشه أنه سينال بشهادته مرتبة لا تحل إلا بالشهادة الحقيقة المبنيَّة على الصدق، والإنسان إذا لم ينجح إلا بالغش، فإنه لم ينجح في الحقيقة، ثم إنَّه سوف يكون فاشلًا ليتولى منصبًا يتولاه من حصل على الشهادة التي غش فيها، إذ أنَّه ليس عنده علم، فيبقي فاشلًا في أداء مهمته، ولا فرق في ذلك بين مادَّة وأخرى، فجميع المواد لا يجوز فيها الغش، وما اشتهر عند بعضهم بأنَّه يجوز الغش في بعض المواد فإنه لا وجه له) .
6- عدم الوفاء بالعقود:
كالعقود التي تعمل في الإنشاءات والمقاولات، وغيرها من المعاملات التي أبرمت فيها العقود، فعدم الوفاء بها يعتبر من الغش المحرم، والله سبحانه يأمر بالوفاء وعدم الغش حيث يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].
7- ومن صور الغش أيضًا: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الإنكار على الأصحاب والأقارب محاباة لهم ومداهنة.
فحق هؤلاء على المسلم أن ينصحهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فإن لم يفعل فقد غشهم.

محمد رافع 52 28-10-2013 12:56 AM

الأسباب المؤدية إلى الغش

هناك أسباب كثيرة تحمل الإنسان أن يغش ومن هذه الأسباب:
1- ضعف الإيمان بالله، وقلة الخوف منه.
2- جهل الفرد بحرمة الغش، وأنه من الكبائر.
3- عدم الإخلاص لله في العمل.
4- شدة الحرص، وطلب الأموال من أي طريق كان.
5- عدم تطبيق الأحكام لمعاقبة مرتكبي جريمة الغش.
6- الرفقة السيِّئة.
7- التربية السيئة، والتي تتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية.
8- انعدام القناعة بما قسم الله له.
9- عدم تذكر الموت والدار الآخرة.

محمد رافع 52 28-10-2013 12:58 AM

الأسباب المعينة على ترك الغش

1- الابتهال والتضرع إلى الله بالدعاء بأن يغنيه الله بحلاله عن حرامه.
2- إخلاص العمل لله جل وعلا.
3- تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- تربية الفرد تربية سليمة قائمة على الالتزام بأحكام الشرع وآدابه.
5- تقوية الثقة بالله، واستشعار مراقبته.
6- زيارة القبور وتذكر الموت واليوم الآخر.
7- الصبر في تحصيل الرزق الحلال بالوسائل المباحة.
8- القناعة بما رزق.
9- مجالسة الرفقة الصالحة.
10- معاقبة مرتكبي الغش لردعهم عن ذلك.
11- العلم بحكم الغش وبيان صوره للناس.
12- النظر للعواقب الوخيمة للغش في الدنيا والآخرة.


محمد رافع 52 28-10-2013 01:01 AM

موقف تربوي

عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلم، قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس المدينة إذ عيي ، فاتكأ إلى جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت لها: يا أمَّاه! أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنية! قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فإنَّك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه! والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء .

محمد رافع 52 28-10-2013 01:02 AM

مترادفات الغش
من مترادفات الغش: الغُلُول، والخيانة، والمداهنة،
والدغل، والتمويه، والمخرقة، والإدهان .

محمد رافع 52 28-10-2013 01:11 AM

ذم الغش في واحة الشعر

قال ابن زنجي البغدادي:

فكم مِن عدوٍّ معلنٍ لك نصحَه *** علانيةً والغشُّ تحت الأضالعِ



وكم مِن صديقٍ مرشدٍ قد عصيتَه *** فكنتَ له في الرشدِ غيرِ مطاوعِ



وما الأمرُ إلا بالعواقبِ إنها *** سيبدو عليها كلُّ سرٍّ وذائعِ


وقال آخر:

وذو الغشِّ مرهوبٌ وذو النصحِ آمنٌ *** وذو الطيشِ مدحوضٌ وذو الحقِّ يفلجُ



وذو الصدقِ لا يرتابُ والعدلُ قائمٌ *** على طرقاتِ الحقِّ والغبنُ أعوجُ


وقال آخر:

يا بائعًا بالغشِّ أنت مُعَرَّضٌ *** لدعوةِ مظلومٍ إلى سامعِ الشكوَى



فكلْ مِن حلالٍ وارتدعْ عن محرَّمٍ *** فلست على نارِ الجحيمِ غدًا تقوَى


قال أوس بن حجر:

مخلَّفون، ويقضي الناسُ أمرَهمُ *** غشُّ الأمانةِ صنبورٌ لصنبورِ


وقال آخر:

أيا رُبَّ من تغتشُّه لك ناصحٌ *** ومنتصحٌ بالغيبِ غيرُ أمينِ


وقال منصور بْن مُحَمَّد الكريزي:

وصاحبٍ غيرِ مأمونٍ غوائلُه *** يُبدي لي النصحَ منه وهو مشتملُ



على خلافِ الذي يبدي ويظهرُه *** وقد أحطتُ بعلمي أنَّه دغِلُ



عفوتُ عنه انتظارًا أن يثوبَ له *** عقلٌ إليه مِن الزلاتِ ينتقلُ



دهرًا فلما بدا لي أنَّ شيمتَه *** غشٌّ وليس له عَن ذاك منتقَلُ



تركته تركَ قَالٍ لا رجوعَ له *** إلى مودَّتِه ما حنَّتِ الإبلُ


وقال عقيل بن هاشم القيني:

يا آلَ عمرٍو أميتوا الضغنَ بينكم *** إنَّ الضغائنَ كسرٌ ليس ينجبرُ



قد كان في آلِ مروان لكم عبرٌ *** إذ هم ملوكٌ وإذ ما مثلُهم بشرُ



تحاسدوا بينهم بالغشِّ فاختُرِموا *** فما تحسُّ لهم عينٌ ولا أثرُ


وقال آخر:

كذاك مَن يستنصحُ الأعادي *** يردونه بالغشِّ والفسادِ


وقال آخر:

قل للذي لستُ أدري مِن تلوُّنِه *** أناصحٌ أم على غشٍّ يداجيني



إني لأكثرُ مما سُمْتَني عجبًا *** يدٌ تشجُّ وأخرى منك تأسوني



تغتابني عند أقوامٍ وتمدحُني *** في آخرين وكلٌّ عنك يأتيني



هذان أمران شتى بون بينهما *** فاكففْ لسانَك عن ذمِّي وتزييني


وقال ابن الرومي:

غَشَّ مَن أخَّر النصيحةَ عمدًا *** عن إمامٍ عليه جلُّ اعتمادِه



ليس يُوهي أخاك شدُّك إيا *** ه به بل يزيدُه في اشتدادِه
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...LwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52 28-10-2013 01:22 AM

الغَضَب
معنى الغَضَب لغةً واصطلاحًا

معنى الغَضَب لغةً:
الغَضَب: بالتَّحْرِيكِ، ضدُّ الرِّضَا. والغَضْبة: الصَّخرة الصلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب؛ لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَبًا، وهو غضبان وغَضُوب .
معنى الغَضَب اصطلاحًا:
الغَضَبُ: هو ثورَانُ دم القلب لقصد الانتقام .
وقال الجرجاني: (الغَضَبُ: تغير يحصل عند غليان دم القلب، ليحصل عنه التشفي للصَّدر) .
وقيل: (هو غليانُ دم القلب، طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه) .

محمد رافع 52 28-10-2013 01:24 AM

الفرق بين الغَضَب وبعض الصفات

- الفرق بين الغَضَب والسخط:
(أنَّ الغَضَب يكون من الصغير على الكبير، ومن الكبير على الصغير.
والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير، يقال: سخط الأمير على الحاجب، ولا يقال: سخط الحاجب على الأمير، ويستعمل الغَضَب فيهما.
والسخط إذا عديته بنفسه فهو خلاف الرضا، يقال: رضيه وسخطه، وإذا عديته بعلى فهو بمعنى الغَضَب، تقول: سخط الله عليه إذا أراد عقابه) .
- الفرق بين الغَضَب والغيظ:
(أنَّ الإنسان يجوز أن يغتاظ من نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب إرادة الضرر للمغضوب عليه، ولا يجوز أن يريد الإنسان الضرر لنفسه، والغيظ يقرب من باب الغم) .
- الفرق بين الغَضَب والاشتياط:
(أنَّ الاشتياط خفَّة تلحق الإنسان عند الغَضَب، وهو في الغَضَب كالطَّرب في الفرح، وقد يستعمل الطرب في الخفَّة التي تعتري من الحزن، والاشتياط لا يستعمل إلا في الغَضَب، ويجوز أن يقال: الاشتياط سرعة الغَضَب) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:04 PM

النهي عن الغَضَب في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: ((لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) .
قال الخطابي: (معنى قوله: ((لا تغضب)). اجتنب أسباب الغَضَب، ولا تتعرَّض لما يجلبه) .
وقال ابن التين: (جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)). خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين) .
وقال البيضاوي: (لعله لما رأى أنَّ جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته، ومن غضبه، وكانت شهوة السائل مكسورة، فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغَضَب، الذي هو أعظم ضررًا من غيره، وأنَّه إذا ملك نفسه عند حصوله، كان قد قهر أقوى أعدائه) .
- عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب)) .
قال الباجي: (قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني كلمات أعيش بهن. يحتمل أن يريد به أنتفع بها مدة عيشي، ويحتمل أن يريد به -والله أعلم - أستعين بها على عيشي، ولا تُكثر عليَّ فأنسى، ولعله عرف من نفسه قلة الحفظ، فأراد الاختصار الذي يحفظه ولا ينساه، فجمع له النَّبي صلى الله عليه وسلم الخير في لفظ واحد، فقال له: ((لا تغضب))، ومعنى ذلك - والله أعلم - أنَّ الغَضَب يفسد كثيرًا من الدين؛ لأنَّه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويؤدي الغَضَب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة، والغَضَب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، يريد -والله أعلم- لا تُمضِ ما يبعثك عليه غضبك، وامتنع منه، وكفَّ عنه) .
وقال ابن رجب في شرحه للحديث: (فهذا الرَّجلُ طلب مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُوصِيه وصيةً وجيزةً، جامعةً لِخصال الخيرِ، ليحفظها عنه خشيةَ أنْ لا يحفظها؛ لكثرتها، فوصَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مرارًا، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يردِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يدلُّ على أنَّ الغَضَب جِماعُ الشرِّ، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير) .
- وعن سليمان بن صرد قال: ((استبَّ رجلان عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبُّ صاحبه مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقالوا للرَّجل: ألا تسمع ما يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)) .
قال ابن بطال: (أراد عليه السلام أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوى الشديد والنهاية في الشدة لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يمكل نفسه عند الغضب من القوة والشدة ماليس للذي يغلب الناس ويصرعهم) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:06 PM

أقوال السلف والعلماء في الغَضَب

- قال عمرُ بنُ عبد العزيز: (قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغَضَب، والطمع) .
- وقال الحسن: (أربعٌ، من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغَضَب) .
- (وحكي أن الفضيل بن عياض كان إذا قيل له: إنَّ فلانًا يقع في عرضك، يقول: والله لأغيظنَّ مَن أمره، يعني: إبليس، ثم يقول: اللهم إن كان صادقًا فاغفر لي، وإن كان كاذبًا فاغفر له.
- وقال جعفر بنُ محمد: الغَضَبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ) .
- وقال عبد الملك بن مروان: (إذا لم يغضب الرجل لم يحلم؛ لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغَضَب) .
- وقيل لابنِ المبارك: (اجْمَعْ لنا حُسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغَضَب) .
- وقال الحسن: (المؤْمن حَليم لا يَجهل وإن جُهل عليه، وتلا قولَ الله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63]) .
- وقال ميمون بن مِهران: (جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني. قال: لا تغضب، قال: أمرتني أنْ لا أغضب، وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك) http://dorar.net/images/tip.gif .
- وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: (ما أبكى العلماءَ بكاء آخرِ العمرِ من غضبة يغضبُها أحدُهُم، فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحمًا ما استقاله) .
- وقال يزيدُ بن أبي حَبيب: (إنما غَضَبي في نَعْليَّ، فإذا سمعت ما أكره أخذتُهما ومَضيت) .
- وقال أبو حاتم: (أحسن الناس عقلًا من لم يحرد ، وأحضر الناس جوابًا من لم يغضب) .
- وقال أيضًا: (الواجب على العاقل إذا ورد عليه شيء بضد ما تهواه نفسه، أن يذكر كثرة عصيانه ربه، وتواتر حلم الله عنه، ثم يسكن غضبه، ولا يزرى بفعله الخروج إلى ما لا يليق بالعقلاء في أحوالهم، ثم تأمَّل وفور الثواب في العقبى، بالاحتمال ونفي الغَضَب) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:08 PM

آثار الغَضَب

لا شكَّ أنَّ الغَضَب له آثار سيئة على نفس الغاضب، في مظهره، وفي لسانه؛ بأن ينطق كل قبيح، وله آثاره السيئة على المجتمع الذي من حوله:
(ومن آثار هذا الغَضَب في الظاهر، تغير اللون، وشدَّة رعدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الانتظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزَّبد على الأشداق، وتشتد حمرة الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغَضَبان في حال غضبه صورة نفسه، لسكن غضبه حياءً من قبح صورته، لاستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، إذ قبح ذاك إنما نشأ عن قبح هذا، فتغيُّر الظاهر ثمرة تغير الباطن، هذا أثره في الجسد.
وأما أثره في اللسان؛ فانطلاقه بالقبائح، كالشتم، والفحش، وغيرهما، مما يستحي منه ذَوُو العقول مطلقًا، وقائله عند فتور غضبه على أنَّه لا ينتظم كلامه، بل يتخبَّط نظمه، ويضطرب لفظه.
وأما أثره في الأعضاء، فالضرب فما فوقه إلى ال*** عند التمكن، فإن عجز عن التشفي رجع غضبه عليه، فمزَّق ثوبه، وضرب نفسه وغيره، حتى الحيوان والجماد - بالكسر - وغيره، وعدَا عدو الواله السكران، والمجنون الحيران، وربما سقط وعجز عن الحركة، واعتراه مثل الغشية، لشدة استيلاء الغَضَب عليه.
وأما أثره في القلب، فالحقد على المغضوب عليه، وحسده، وإظهار الشماتة بمساءته، والحزن بسروره، والعزم على إفشاء سره، وهتك ستره، والاستهزاء به، وغير ذلك من القبائح) .
قال الراغب: (واعلم أنَّ نار الغَضَب متى كانت عنيفة، تأجَّجت، واضطرمت، واحتد منه غليان الدم في القلب، وملأت الشَّرايين والدماغ دخانًا مظلمًا مضطرمًا، يسود منه مجال العقل، ويضعف به فعله، فكما أن الكهف الضيق إذا ملئ حريقًا اختنق فيه الدخان، واللهب، وعلا منه الأجيج، فيصعب علاجه وإطفاؤه، ويصير كل ما يدنو منه مادة تقويه - فكذلك النفس، إذا اشتعلت غضبًا عميت عن الرشد، وصمَّت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حكي عن إبليس لعنه الله، أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب؛ لأنَّه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه. وقد قيل: الغَضَب جنون ساعة. وربما أفضى إلى تلف باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف) .
وقال ابن رجب: (وينشأ من ذلك – أي: من الغَضَب – كثير من الأفعال المحرمة، كال*** والضربِ، وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثير من الأقوال المحرَّمة، كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم ، وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يُعقِب الندمَ) .
وقال أبو حاتم: (سرعة الغَضَب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج ؛ لأنَّ من غضب زايله عقله، فقال ما سوَّلت له نفسه، وعمل ما شانه وأرداه) .
وقال ابن مسكويه: (فإنَّ صاحب هذا الخلق – خلق الغَضَب - الذي ذممناه تصدر عنه أفعال رديئة كثيرة، يجور فيها على نفسه، ثُمَّ على إخوانه، ثُمَّ على الأقرب فالأقرب من معامليه، حتى ينتهي إلى عبيده، وإلى حرمه، فيكون عليهم سوط عذاب، ولا يقيلهم عثرة، ولا يرحم لهم عبرة، وإن كانوا برآء من الذنوب، غير مجترمين ولا مكتسبين سوءًا، بل يتجرَّم عليهم، ويهيج من أدنى سبب يجد به طريقًا إليهم، حتى يبسط لسانه، ويده، وهم لا يمتنعون منه، ولا يتجاسرون على رده عن أنفسهم، بل يذعنون له، ويقرُّون بذنوب لم يقترفوها استكفافًا لشره، وتسكينًا لغضبه، وهو مع ذلك مستمر على طريقته، لا يكفُّ يدًا ولا لسانًا، وربما تجاوز في هذه المعاملة الناس إلى البهائم التي لا تعقل، وإلى الأواني التي لا تحسُّ. فإن صاحب هذا الخلق الرديء... ربما عض القفل إذا تعسر عليه، وكسر الآنية التي لا يجد فيها طاعة لأمره.
وهذا النوع من رداءة الخلق، مشهور في كثير من الجهَّال، يستعملونه في الثوب، والزجاج، والحديد، وسائر الآلات) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:11 PM

أقسام الغَضَب

ينقسم الغَضَب إلى قسمين: غضب مذموم، وغضب ممدوح.
1- الغَضَب المذموم:
وهو الذي نُهي عنه وذُمَّ في الأحاديث التي وردت وهو خلق سيئ؛ (لأنه يخرج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظرٌ، ولا فكرٌ، ولا اختيار) .
2- الغَضَب المحمود:
وهو أن يكون لله عزَّ وجلَّ عند ما تنتهك حرماته، والغَضَب على أعدائه؛ من الكفَّار، والمنافقين، والطَّغاة، والمتجبِّرين، وقد ذكر القرآن ذلك للرُّسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].
قال الكلاباذي في قوله تعالى حكاية عن موسى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه: 92 -93]، قال: (فكانت تلك الحدَّة منه، والغَضَب فيه صفة مدح له، لأنَّها كانت لله وفي الله، كما كانت رأفة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورحمته في الله ولله، ثم كان يغضب حتى يحمرَّ وجهه، وتذَرَّ عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]) .
قال الباجي: (وأمَّا فيما يعاد إلى القيام بالحق، فالغَضَب فيه قد يكون واجبًا، وهو الغَضَب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد، وكذلك الغَضَب على أهل الباطل، وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبًا إليه، وهو الغَضَب على المخطئ، إذا علمت أنَّ في إبداء غضبك عليه ردعًا له، وباعثًا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا سأله رجل عن ضالة الإبل... وقال: ما لك ولها. وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا شكا إليه رجلٌ معاذَ بن جبل، أنَّه يُطوِّل بهم في الصلاة) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:12 PM

أسباب الغَضَب

من أسباب الغَضَب: (العُجب، والافتخار، والمراء، واللجاج، والمزاح، والتيه، والضيم، والاستهزاء، وطلب ما فيه التنافس، والتحاسد، وشهوة الانتقام) ، (والمضادة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه أخلاق رديئة مذمومة شرعًا) .
(ومن أشد البواعث على الغَضَب عند أكثر الجهال؛ تسميتهم الغَضَب شجاعةً، ورجوليةً، وعزة نفس، وكبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة، غباوةً وجهلًا، حتى تميل النفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكد ذلك بحكاية شدَّة الغَضَب عن الأكابر في معرض المدح بالشَّجَاعَة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر، فيهيج الغَضَب إلى القلب بسببه، وتسمية هذا عزة نفس، وشجاعة، جهلٌ، بل هو مرض قلب، ونقصان عقل، وهو لضعف النفس، ونقصانها) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:16 PM

الأسباب المعينة على ترك الغضب

1- تغيير الحال بالجلوس والاضطجاع:
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)) وقال ابن مفلح: (ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالسًا قام واضجع، وإن كان قائمًا مشى) .
2- الالتزام بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم في عدم الغضب.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، دلَّني على عمل يدخلني الجنَّة. قال: لا تغضب)) .
3- ضبط النَّفس عن الاندفاع بعوامل الغَضَب.
4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: ((كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ)) .
وقال ابن القيِّم: (ولـمَّا كان الغَضَب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [البقرة: 44-45] الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب ال***، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين ال*** والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قُوتَي الغَضَب والشهوة من الصلاة والاستعاذة) .
5- السكوت:
قال ابن رجب عن السكوت: (وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغَضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُه، فإذا سكت زال هذا الشرُّ كلُّه عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ، ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ) .
6- (أن يذكر الله عزَّ وجلَّ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت. وقال سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200]، ومعنى قوله ينزغنك أي: يغضبنك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36]، يعني أنَّه سميع بجهل من جهل، عليمٌ بما يُذهب عنك الغَضَب...
7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغَضَب من الندم ومذمة الانتقام.
8 - أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه، فيرغب في التألف وجميل الثناء) .
9- (أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.
10- أن يتفكَّر في قبح صورته عند الغَضَب.
11- أن يتفكَّر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيرًا في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك! وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!
12- أن يعلم أن غضبه إنَّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى) .
13- أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134].
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
(أي: قد تخلَّقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغَضَب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير) .
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف: 201].
قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغَضَبة، فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:20 PM

نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله

النَّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه، وما كان ينتصر لها، بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته.
وإليكم نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قرام فيه صور، فتلوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقالت قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: من أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور)) .
- وعن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة)) .
- وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ((بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بيده، فتغيَّظ ثم قال: إنَّ أحدكم إذا كان في الصلاة فإنَّ الله حيال وجهه، فلا يتنخمنَّ حيال وجهه في الصلاة)) .
- وعن زيد بن خالد الجهني، أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: ((عرِّفها سنة، ثُمَّ اعرف وكاءها وعفاصها ، ثُمَّ استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب. قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه، ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها ، وسقاؤها ، حتى يلقاها ربها)) .
- وعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: ((احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة ، أو حصيرًا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، فتتبع إليه رجال، وجاؤوا يصلون بصلاته، ثم جاؤوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإنَّ خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه
((أنَّه قال: بينما يهوديٌّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه، قال: تقول: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهوديُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إنَّ لي ذمَّةً وعهدًا، وقال: فلان لطم وجهي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لم لطمت وجهه؟ قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى عُرف الغَضَب في وجهه.
ثمَّ قال: لا تفضِّلوا بين أنبياء الله، فإنَّه ينفخ في الصُّور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلَّا من شاء الله، ثمَّ ينفخ فيه أخرى، فأكون أوَّل من بعث، أو في أوَّل من بعث، فإذا موسى عليه السَّلام آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطُّور، أو بعث قبلي، ولا أقول: إنَّ أحدًا أفضل من يونس بن متَّى عليه السَّلام)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها ((أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً)) .
- وعن أبي قتادة رضي اللّه عنه، أنَّه قال: ((رجل أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر رضي اللّه عنه يردِّد هذا الكلام حتَّى سكن غضبه)) .
- وعن أبي سعيد الخدري قال: ((كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها ، فإذا رأى شيئًا يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه صلى الله عليه وسلم، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثرَ من هذا فصبر)) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:23 PM

نماذج من أحوال الصحابة عند الغَضَب

عمر رضي الله عنه:
روي أن رجلًا قال لعمر: (إنَّك لا تقضي بالعدل، ولا تعطي الحق، فغضب واحمرَّ وجهه، قيل له: يا أمير المؤمنين، ألم تسمع أنَّ الله يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] وهذا جاهل، فقال: صدقت، فكأنما كان نارًا فأطفئت) .
معاوية رضي الله عنه:
(خطب معاوية يومًا، فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضبًا فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس، إن الغَضَب من الشيطان، وإن الشيطان من النَّار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته) .
عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمَّا فرغ قال: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى .
أبو الدَّرداء رضي الله عنه:
أسمعَ رجلٌ أبا الدرداءَ رضي الله عنه كلامًا، فقال: يا هذا، لا تغرقن في سبِّنا، ودع للصلح موضعًا، فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
أبو ذر رضي الله عنه:
قال أبو ذر رضي الله عنه لغلامه: (لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعنَّ مع الغيظ أجرًا، أنت حرٌّ لوجه الله تعالى) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:26 PM

نماذج من حال السلف عند الغَضَب

علي بن الحسين:
حُكيَ أنَّ جارية كانت تصبُّ الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجَّه، أي: جرحه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنَّ الله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ قال لها: قد عفوت عنك. قالت: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، قال: اذهبي فأنت حرَّة لوجه الله.
عمر بن عبد العزيز:
(غضب يومًا عمرُ بن عبد العزيز، فقالَ لهُ ابنُه: عبدُ الملكِ رحمهما الله: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضَب؟ فقال له: أو ما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عنِّي سعةُ جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه) .
(وأسمعه رجل كلامًا، فقال له: أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزِّ السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا، انصرف رحمك الله) .
دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمرَّ برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا .
المهدي:
(قيل: غضب المهدي على رجل، فدعا بالسياط، فلمَّا رأى شبيب شدَّة غضبه، وإطراق الناس، فلم يتكلموا بشيء، قال: يا أمير المؤمنين، لا تغضبنَّ لله بأشد مما غضب لنفسه. فقال: خلُّوا سبيله) .
عبد الله بن عون:
(روي عن القعنبي قال: كان ابن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل قال: بارك الله فيك) .
(وكان لابن عون ناقة، يغزو عليها ويحجُّ، وكان بها مُعجبًا. قال: فأمر غلامًا له أن يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا غير الوجه، بارك الله فيك اخرج عني، اشهدوا أنه حرٌّ) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:28 PM

تفاوت الناس في سرعة الغَضَب

إنَّ طبائع الناس تتفاوت في سرعة الغَضَب ورجوعهم عنه، ويمكن تقسيمها إلى أقسام أربعة:
(الأول: بطيء الغَضَب سريع الفيء، أي: سريع الرجوع إلى حالة الهدوء واعتدال المزاج، وهذا خير الأقسام.
الثاني: سريع الغَضَب سريع الفيء، وسرعة الغَضَب خلق مذموم، إلا أنَّ سرعة الفيء فضيلة محمودة، فهذه بهذه.
الثالث: بطيء الغَضَب بطيء الفيء، أما بطء الغَضَب فخلق محمود يدل على الحلم، لكن بطء الفيء خلق مذموم، يدل على الحقد، وعدم التسامح، فهذه بهذه، ويظهر أن هذا القسم معادل للقسم الثاني.
الرابع: سريع الغَضَب بطيء الفيء، وهذا شر الأقسام؛ لأنه جمع الدائيْن معًا، وما اجتمع الداءان إلا لي***ا، فسرعة الغَضَب خلق مذموم، وبطيء الفيء خلق مذموم، ويا بؤس من تلجئه الضرورة إلى معاشرة هذا القسم من الناس) .
قال الراغب: (الغَضَب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم على عكس ذلك، وهو أحمدهم ما لم يكن مفضيًا به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة، فمن كان طبعه حارًّا يابسًا يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقلُّ، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة، فمن الناس من تعوَّد السكون والهدوء، وهو المعبر عنه بالذَّلول والهيِّن والليِّن، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج، فيحتدُّ بأدنى ما يطرقه، ككلب يسمع صوتًا فينبح قبل أن يعرف ما هو) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:29 PM

غالب من يتَّصف بسرعة الغَضَب

ذكر بعض العلماء أنَّ أغلب من يتصف بسرعة الغَضَب هم النساء، والصبيان، والشَّرِه، والبخيل، وضعيف النفس من الرجال...
قال الراغب: (أسرع الناس غضبًا الصبيان، والنساء، وأكثرهم ضجرًا الشيوخ..) .
وقال ابن مسكويه: (ونحن نجدها في النساء – أي صفة الغَضَب - أكثر منها في الرجال، وفي المرضى أقوى منها في الأصحَّاء، ونجد الصبيان أسرع غضبًا وضجرًا من الرجال، والشيوخ أكثر من الشبان. ونجد رذيلة الشَّره. فإنَّ الشَّرِه إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب، وشاجر على من يهيئ طعامه، وشرابه، من نسائه، وأولاده، وخدمه، وسائر من يلابس أمره. والبخيل إذا فقد شيئًا من ماله، تسرَّع بالغَضَب على أصدقائه، ومخالطيه، وتوجَّهت تهمته إلى أهل الثِّقة، من خدمه، ومواليه. وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق، وعدم النصيح، وعلى الذمِّ السريع، واللوم الوجيع) .
قال الغزالي: (وتسمية هذا – أي: الغَضَب - عزَّةُ نفس وشجاعة، جهل، بل هو مرض قلب ونقصان عقل، وهو لضعف النفس ونقصانها، وآية أنَّه لضعف النفس؛ أنَّ المريض أسرع غضبًا من الصحيح، والمرأة أسرع غضبًا من الرجل، والصبي أسرع غضبًا من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضبًا من الكهل، وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة، أسرع غضبًا من صاحب الفضائل، فالرَّذِل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى أنَّه يغضب على أهله، وولده، وأصحابه، بل القويُّ، من يملك نفسه عند الغَضَب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم...) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:32 PM

الألفاظ المترادفة للفظة غَضِب
من الألفاظ المترادفة للفظة غضب: (حرد، وتلظَّى، واغتاظ، وترغم، واستشاط، وتضرَّم، وحنق، وأسف، ونقم، وسخط، ووجد، وأحفظ، وأضمر) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:36 PM

ذم الغَضَب في واحة الشعر

قال الشاعر:

ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ *** ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدبِ



ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتهم *** عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَبِ


قال الشاعر:

لم يأكلِ الناسُ شيئًا مِن مآكلِهم *** أحلَى وأحمدَ عقباه مِن الغَضَبِ



ولا تلحَّف إنسانٌ بملحفةٍ *** أبهى وأزينَ مِن دينٍ ومن أدبِ


وقال الشاعر:

وكظمي الغيظَ أولى مِن محاولتي*** غيظَ العدوِّ بإضراري بإيماني



لا خيرَ في أمرٍ تُـرْدِيني مغبَّـتُه *** يومَ الحسابِ إذا ما نصَّ ميزاني


وقال الشاعر:

وإذا غضبتَ فكنْ وقورًا كاظمًا *** للغيظِ تبصرُ ما تقولُ وتسمعُ



فكفَى به شرفًا تبصُّرُ ساعةٍ *** يرضَى بها عنك الإلهُ ويدفعُ

محمد رافع 52 30-10-2013 08:38 PM

http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg

الغِيبة

معنى الغِيبة لغةً واصطلاحًا

معنى الغِيبة لغةً:
الغِيبة: الوَقيعة في النَّاس؛ لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة، يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه وذكره بما يكره من العيوب وهو حق، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب، وغابَه: عابه، وذكره بما فيه من السُّوء، كاغتابه .
معنى الغِيبة اصطلاحًا:
قال ابن التين: (الغِيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب) .
وعرَّفها الجوهري بقوله: (أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقًا سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا) .
وقال المناوي: (هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ) .

محمد رافع 52 30-10-2013 08:40 PM

الفرق بين الغِيبة وبعض الصِّفات

- الفرق بين الغِيبة والإِفك والبُهتان:
قال الحسن: (الغِيبة ثلاثة أوجه -كلها في كتاب الله تعالى-: الغيبة، والإفك، والبهتان. فأمَّا الغيبة، فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
وأما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان، فأن تقول فيه ما ليس فيه) .
وقال الجرجاني: (الغِيبة ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غِيبة.
والبهتان ذكر مساوئ الإنسان، وهي ليست فيه) .
- الفرق بين الغِيبة والنَّمِيمَة والغمز واللمز:
(الغيبةُ: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض.
والنَّمِيمَة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه؛ لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها أنَّ فلانًا يقصد ***ك في موضع كذا، أو يأخذ مالك في وقت كذا، ونحو ذلك، لأنَّه من النَّصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة.
والغمز: أن تعيب الإنسان بحضوره.
واللمز: بغيبته وقيل بالعكس) .

محمد رافع 52 03-11-2013 09:59 PM

ذم الغِيبة والنهي عنها
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12].
قال الشوكاني: (فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا، فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك) .
- وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
قال مقاتل بن سليمان: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه) .
(وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم) .
- وقال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
- قال الرازي: (القفو هو البهت، وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه، وهو في معنى الغِيبة وهو ذكر الرجل في غَيبته بما يسوءه) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:02 PM

ثانيًا: في السُّنة النَّبَويَّة
- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) .
قال الغزالي: (اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام) .
- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثُمَّ قال: بلى، أمَّا أحدهما: فكان يسعى بالنَّمِيمَة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله، قال: ثُمَّ أخذ عودًا رطبًا، فكسره باثنتين، ثُمَّ غرز كل واحد منهما على قبر، ثُمَّ قال: لعله يُخفف عنهما مالم ييبسا..)) .
قال العيني: (الترجمة مشتملة على شيئين: الغِيبة والنَّمِيمَة، ومطابقة الحديث للبول ظاهرة، وأما الغِيبة فليس لها ذكر في الحديث، ولكن يوجه بوجهين، أحدهما: أنَّ الغِيبة من لوازم النَّمِيمَة؛ لأنَّ الذي ينمُّ ينقل كلام الرَّجل الذي اغتابه، ويقال: الغِيبة والنَّمِيمَة أختان، ومن نمَّ عن أحد فقد اغتابه. قيل: لا يلزم من الوعيد على النَّمِيمَة ثبوته على الغِيبة وحدها، لأنَّ مفسدة النَّمِيمَة أعظم وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق. قلنا: لا يلزم من اللحاق وجود المساواة، والوعيد على الغِيبة التي تضمنتها النَّمِيمَة موجود، فيصح الإلحاق لهذا الوجه. الوجه الثاني: أنه وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغِيبة، وقد جرت عادة البخاري في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفيَّة كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
قال المناوي: (قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغِيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ) .
(فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها) .
وقال ابن عثيمين: (معنى مزجته: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها، وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغِيبة) .
- وعن أبي بكرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر بمنى: ((إنَّ دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) .
قال النووي: (المراد بذلك كله، بيان توكيد غلظ تحريم الأموال، والدماء، والأعراض، والتحذير من ذلك) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:05 PM

أقوال السلف والعلماء في الغِيبة

- قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك) .
- وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على بغل ميِّت، فقال لبعض أصحابه: (لأنْ يأكل الرَّجل من هذا حتَّى يملأ بطنه، خيرٌ له من أنْ يأكل لحم رجل مسلم) .
- وعن يحيى بن الحصين عن طارق قال: (دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إنَّ ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوة وشر) .
- وقال محمد بن كعب القرظي: (إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد خيرًا زهده في الدنيا، وفقهه في الدِّين، وبصره عيوبه. قال: ثُمَّ التفت الفضيل إلينا، فقال: ربما قال الرَّجل: لا إله إلا الله؛ فأخشى عليه النار. قيل: وكيف ذاك؟! قال: يغتاب بين يديه رجل، فيعجبه، فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها؛ إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه، ويقول له: اتق الله) .
- وعن محمد بن سيرين أنه قال: (إنَّ أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكرًا لخطايا الناس) .
- وعن الشَّعبي رحمه الله (أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيَّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منِّي خصالًا ثلاثًا: لا تغتب من له سرٌّ، ولا يسمعنَّ منك كذبًا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا) .
- ومرَّ ابن سِيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم فقال: أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا. فقال: (إني لا أحِلُّ لك ما حَرَّم الله عليك. فأمَّا ما كان إليَّ فهو لكم) .
- وقال الحسن: (لا غِيبة لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر).
- وعن يعلى بن عبيد قال: (كنَّا عند سفيان بن سعيد الثوري، فأتانا رجل يقال له: أبو عبد الله السلال، فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي أن الله تبارك وتعالى يبغض أهل بيت اللحميين، أهم الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال سفيان: لا ولكنهم الذين يكثرون أكل لحوم الناس) .
- وقال بعض الحكماء: (عاب رجلٌ رجلًا عند بعض أهل العلم فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس؛ لأنَّ الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها) .
- وقال الأصمعي: (اغتاب رجلٌ رجلًا عند قتيبة بن مسلم، فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمَّظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام) .
- وأتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًّا لما وعدته. فقال عمرو: (إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا؛ لأنَّه إن كان مستحقًّا كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًّا، فما زدت على أن أعلمتنا أنَّ لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا) .
- وقال أبو عاصم: (ما اغتبت أحدًا منذ علمت أن الغيبة تضرُّ بأهلها) .
- واغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له: (اذكر القطن إذا وضع على عينيك) .
- وقال ابن الكواء للربيع بن خثيم: (ما نراك تعيب أحدًا ولا تذمه. فقال: ويلك يا بن الكواء ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذنبي إِلى حديث الناس إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على نفوسهم) .
- وقال ابن المبارك: (لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ لأنَّهما أحق بحسناتي) .
- وعن الحسن البصري أنَّ رجلًا قال له: إنك تغتابني، فقال: (ما بلغ قدرك عندي أن أُحكمك في حسناتي) .
- وعن ابن سيرين؛ أنَّه ذكر الغِيبة فقال: (ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة؟) .
- وعن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1]. قال: (الذي يأكل لحوم النَّاس، واللُّمزة: الطَّعَّان) .
- و(اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلًا: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها، فكيف أمحوها!
- وقال الغزالي: الغِيبة، هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا، وغربًا، ويمينًا، وشمالًا.
- وقد قيل للحسن: اغتابك فلان، فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت إليَّ بعض حسناتك، فأحببت مكافأتك) .
- وقيل: (دُعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة، فحضر، فذكروا رجلًا لم يأتهم، فقالوا: إنَّه ثقيل. فقال إبراهيم: إنَّما فعل بي هذا نفسي، حيث حضرت موضعًا يُغتاب فيه الناس. فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام) .
- وقيل: (أوحى الله إلى موسى عليه السلام: من مات تائبًا من الغِيبة، فهو آخر من يدخل الجنَّة، ومن مات مصرًّا عليها، فهو أول من يدخل النَّار) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:09 PM

آثار الغِيبة على الفرد والمجتمع

إن للغيبة أضرار كثيرة في الدنيا والآخرة، وهذه الأضرار لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فلا بد من التنبيه عليها، والاطلاع على تبعاتها؛ كي نتجنبها ولا نقع فيها، ونحذر ارتكابها.
أضرارها على الفرد:
1- الغِيبة تزيد في رصيد السيئات، وتنقص من رصيد الحسنات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
(وهذا يدل على ما يلحق المغتاب من الإثم بسبب افتياته على خلق الله تعالى الذي حرم الغِيبة، وفي نفس الوقت افتات على حق الإنسان الذي اغتابه) .
2- الغِيبة من أربى الربا:
قال الشوكاني: (معصية الربا من أشد المعاصي؛ لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها، لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم، ولهذا جعلها الشارع أربى الربا، وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله، ولا جاهه فيكون إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستًّا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل) .
3- صاحب الغِيبة مفلس يوم القيامة:
عن أبى هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) .
4- الغِيبة تسبب هجر صاحبها:
قال ابن باز: (الواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين، عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) . فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) .
5- الغِيبة تجرح الصوم:
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة، في أن يدع طعامه وشرابه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم)) .
6- يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته:
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته))
7- عقوبة المغتاب النار.
8- لا يغفر لصاحب الغِيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة.
9- الغِيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية، بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته.
10- الغِيبة تظهر عيوب الفرد المستورة، في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه.
11- الغِيبة تدل على دناءة صاحبها، وجبنه، وخسَّته.

محمد رافع 52 03-11-2013 10:11 PM

أضرارها على المجتمع


1- كشف عورات الآخرين، ونشر عيوبهم والاستهانة بها.
2- الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله.
3- نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع.
4- إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات

محمد رافع 52 03-11-2013 10:13 PM

حكم الغِيبة

قال ابن كثير: (والغِيبةُ محرَّمةٌ بالإجماع، ولا يُستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة) .
واعتبر ابن حجر الهيتمي الغِيبة من الكبائر حيث قال: (الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة، أنَّها كبيرة، لكنها تختلف عظمًا، وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، و*** النفس، بقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) والغصب وال*** كبيرتان إجماعًا، فكذا ثلم العرض) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:15 PM

حكم سماع الغِيبة

إن سماع الغِيبة والاستماع إليها لا يجوز، فقائل الغِيبة وسامعها في الإثم سواء.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة إجابة عن سؤال حكم سماع الغيبة: ((سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها))
و(قال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان: رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل، وهو يقع في آخر، فقال: لي: ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزِّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به؛ فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شرِّ ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها، كما شقي بها قائلها) .
وكان ميمون بن سياه لا يغتاب، ولا يدع أحدًا يغتاب، ينهاه فإن انتهى، وإلا قام .
قال الشاعر:

فالسامع الذم شريك له *** ومطعم المأكول كالآكل


وقال آخر:

وسمعك صُنْ عن سماع القبيح *** كصون اللسان عن القول به



فإنَّك عند استماع القبيـح *** شـريك لقـائلـه فانتبـه

محمد رافع 52 03-11-2013 10:17 PM

فضل الدفاع عن عرض الآخرين

- عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ذبَّ عن عرض أخيه بالغِيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النَّار)) .
- وعن القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال: (سمعت بن أم عبد يقول: من اغتيب عنده مؤمن فنصره، جزاه الله بها خيرًا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرًّا، وما التقم أحد لقمة شرًا من اغتياب مؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:20 PM

أقسام الغِيبة

للغيبة ثلاثة أقسام:
1- الغِيبة المحرمة:
وهي ذكرك أخاك المسلم في غيبته بما يكره بعيب فيه مخفي، سواء كان هذا العيب خَلْقي أم خُلُقي، في دينه أو دنياه، ولا شك أنَّه محرم في الكتاب، والسنة، والإجماع، للأدلة الواردة سلفًا في هذا الباب.
قال ابن القيم -وهو يتحدث عن الغِيبة-: (وإذا وقعت على وجه ذم أخيك، وتمزيق عرضه، والتفكه بلحمه، والغض منه، لتضع منزلته من قلوب الناس، فهي الداء العضال، ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب) .
2- الغِيبة الواجبة:
هي الغِيبة التي بها يحصل للفرد نجاة مما لا يحمد عقباه، أو مصيبة كانت محتملة الوقوع به، مثل التي تطلب للنصيحة عند الإقبال على الزواج لمعرفة حال الزوج، أو كأن يقول شخص لآخر محذرًا له من شخص شرير: إن فلان يريد ***ك في المكان الفلاني، أو يريد سرقة مالك في الساعة الفلانية، وهذا من باب النصيحة.
3- الغِيبة المباحة:
كما أن الغِيبة محرمة لما فيها من أضرار تمس الفرد، إلا أنَّها مباحة بضوابطها لغرض شرعي صحيح، لا يمكن الوصول لهذا الغرض إلا بهذه الغِيبة، وبدون هذه الضوابط تصبح محرمة.
قال النووي: (اعلم أنَّ الغِيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أبواب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد المعاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، فيقول: للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكس وغيرها.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج والأصم، والأعمى والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليها، دلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة) .
قال ابن الأمير الصنعاني:

الذم ليس بغيبة في ستة *** متظلم ومعرف ومحذر



ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر


(قال عيسى لا غيبة في ثلاث: إمام جائر، وفاسق معلن، وصاحب بدعة.
قال محمد بن رشد: إنما لم يكن في هؤلاء غيبة؛ لأن الغِيبة إنما هي بأن يذكر من الرجل ما يكره أن يذكر عنه لمن لا يعلم ذلك منه، والإمام الجائر، والفاسق المعلن، قد اشتهر أمرهما عند الناس، فلا غيبة في أن يذكر من جور الجائر وفسق الفاسق ما هو معلوم من كل واحد منهما، وصاحب البدعة يريد ببدعته، ويعتقد أنه على الحق فيها، وأنَّ غيره على الخطأ في مخالفته في بدعته، فلا غيبة فيه؛ لأنَّه إن كان معلنًا بها فهو يحب أن يذكر بها، وإن كان مستترًا بها فواجب أن يذكر بها، ويحفظ الناس من اتباعه عليها) .
فإذا وقعت الغِيبة على وجه النصيحة لله، ورسوله، وعباده المسلمين، فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:21 PM

أمورٌ ينبغي مراعاتها عند الغِيبة المباحة

إن للغيبة المباحة -التي أباحها الشارع للضرورة- ضوابط ينبغي مراعاتها، ومن هذه الضوابط:
(1- الإخلاص لله تعالى في النية، فلا تقل ما أبيح لك من الغِيبة تشفِّيًا لغيظ، أو نيلًا من أخيك، أو تنقيصًا منه.
2- عدم تعيين الشخص ما أمكنك ذلك.
3- أن تذكر أخاك بما فيه، بما يباح لك، ولا تفتح لنفسك باب الغِيبة على مصراعيه، فتذكر ما تشتهي نفسك من عيوبه.
4- التأكد من عدم وقوع مفسدة أكبر من هذه الفائدة) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:23 PM

صور الغِيبة

الغِيبة تكون في جميع الصفات الخُلُقِيَّة والخِلْقِيَّة وفي جميع أمور الدنيا والدين.
وقال الغزالي: (حدُّ الغِيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه.. حتى في ثوبه، وداره، ودابته.
أما البدن، فذكرك العمش، والحول، والقرع، والقصر، والطول، والسواد، والصفرة، وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه، كيفما كان.
وأما النسب، فبأن تقول: أبوه نبطي، أو يحذف، أو فاسق، أو خسيس، أو إسكاف، أو زبال، أو شيء مما يكرهه، كيفما كان.
وأما الخُلق، فبأن تقول: هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، مراء شديد الغَضَب، جبان، عاجز، ضعيف القلب، متهور.. وما يجري مجراه.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين، فكقولك: هو سارق، أو كذَّاب، أو شارب خمر، أو خائن، أو ظالم، أو متهاون بالصلاة، أو الزكاة، أو لا يحسن الركوع، أو السجود، أو لا يحسن قسمتها، أو لا يحرس صومه عن الرفث، والغِيبة، والتعرض لأعراض الناس.
وأما فعله المتعلق بالدنيا، فكقولك: إنَّه قليل الأدب، متهاون بالناس، أو لا يرى لأحد على نفسه حقًّا، أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو أنه كثير الكلام، كثير الأكل، نئوم، ينام في غير وقت النوم، ويجلس في غير موضعه.
وأما ثوبه، فكقولك: إنه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب.
وقال قوم: لا غيبة في الدِّين؛ لأنَّه ذم ما ذمه الله تعالى، فذكره بالمعاصي، وذمه بها يجوز، بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: ((هي في النار)) ) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:25 PM

من صور الغِيبة التي يغفل عنها كثير من الناس

1- الإصغاء للغيبة من باب التعجب من فعل الذي اغتيب.
2- ذكر حال الذي اغتيب، وإظهار التألم والاستياء لحاله، والدعاء له أمام الآخرين.
3- أن يقول المستمع للمغتاب اسكت، لكن المستمع لم ينكر ذلك في قلبه، وإنما هو مشتهٍ بذلك، فهذا قد وقع في الغِيبة ما لم يكرهه بقلبه.
4- أن يذكر الإنسان شخص ما ويمدحه، ويذكر اهتمامه والتزامه بالدين، ثم يقول: لكنه ابتلي بما ابتلينا به كلنا من تقصير وفتور في بعض العبادات، وهو بهذا يستنقص من قدر الذي اغتيب، وبذلك وقع في الغِيبة.
5- أن يتكلم الإنسان بألفاظ أو أسلوب يحاكي فيه الآخرين، بقصد غيبتهم.
6- التشبه بالآخرين في مشيتهم بغرض السخرية منهم، كأن يمشي متعرجًا، أو يغمض أحد عينيه محاكاةً للأعور، وغيرها من الحركات التي توحي بالسخرية.
7- أن (يغتاب الرجل أخاه، وإذا أنكر عليه قال: أنا على استعداد للقول أمامه، ويرد على هذا بردود منها:
أ- أنَّك ذكرته من خلفه بما يكره بما فيه، وهذه هي الغِيبة.
ب- استعدادك للحديث أمامه، أمر آخر مستقل، لم يرد فيه دليل على أنه يسوغ لك أن تذكر أخاك من خلفه بما يكره.
8- قول القائل في جماعة من الناس عند ذكر شخص ما: نعوذ بالله من قلة الحياء. أو نعوذ بالله من الضلال. أو نحو هذا، فإنه يجمع بين ذم المذكور ومدح النفس.
9- قول القائل: فعل كذا بعض الناس، أو بعض الفقهاء، أو نحو ذلك، إذا كان المخاطب يفهمه بعينه، لحصول التفهيم.
10- قول الشخص: فعل كذا الأفندي. أو: جناب السيد. ونحو ذلك، إن كان يقصد التنقيص منه.
11- قولهم: هذا صغير تجوز غيبته. وأين الدليل على تجويز هذه الغِيبة، طالما وردت النصوص مطلقة؟!
12- التساهل في غيبة العاصي؛ لأنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((الغِيبة ذكرك أخاك بما يكره))، يشمل المسلم الطائع، والعاصي.
13- قولك: هذا هندي، أو مصري، أو فلسطيني، أو أردني، أو عجمي، أو عربي، أو بدوي، أو قروي، أو إسكاف، أو نجار، أو حداد، إن كان ذلك تحقيرًا أو انتقاصًا) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:27 PM

أسباب الوقوع في الغِيبة

توجد بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في براثن الغِيبة ومساوئها، ومن تلك الأسباب:
1- (كراهيته الباطنة لمن يغتاب، مع عدم رغبته بإظهار كراهيته؛ لئلا تتحول إلى عداوة ظاهرة.
2- المنافسة التي ولَّدت حسدًا، والحسود لا يحب أن يعرف عنه الحسد.
3- الرغبة بأن يبرر المغتاب في نظر الناس ما عرفوه عنه من معايب وقبائح، فإذا ذكر أمامهم من يحترمونه بأن له من العيوب والقبائح مثل عيوبه وقبائحه، خف إنكارهم عليه) .
4- تشفي الغيظ، بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يهيجُ غيظه، فكلَّما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.
5- موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم على الغِيبة، فإنه يخشى إن أنكر عليهم أن يستثقلوه.
6- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك.
7- اللعب والهزل، فيذكر غيره بما يضحك له على سبيل المحاكاة.
8- كثرة الفراغ، والشعور بالملل والسأم، فيشتغل بالناس وأعراضهم وعيوبهم.
9- التقرب لدى أصحاب الأعمال، والمسئولين عن طريق ذم العاملين معه، ليرتقي لمنصب أفضل، أو ليقال عنه مواظب .
10- الظهور بمظهر الغَضَب لله على من يرتكب المنكر، فيظهر غضبه ويذكر اسمه، مثل أن يقول: فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا، ويقع في عرضه بالغِيبة.
11- إظهار الرحمة والتَّصنُّع بمواساة الآخرين، كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي .
12- ضعف التربية الإيمانية، وعدم التنبه لعظمة من تعصي.
13- جهل المغتاب بحكم الغِيبة، وعواقبها الوخيمة والسيئة، التي تورث غضب الله وسخطه.
14- تنشئة الفرد تنشئة سيئة بعيدة عن الأخلاق والتعاليم الإسلامية.
15- صحبة الأشرار، الذين هم بعيدون عن الآداب الإسلامية السليمة فالمرء على دين خليله.
16- حضور المجالس والتجمعات التي تخلو من ذكر الله، ويكثر فيها الغِيبة والنَّمِيمَة.
17- الطمع وحب الدنيا والحرص عليها.

محمد رافع 52 03-11-2013 10:28 PM

التوبة من الغِيبة

تكون التوبة من الغِيبة بالاستغفار والندم، والاستحلال من الذي اغتيب.
قال الغزالي: (اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته) .
وقال ابن القيم: (والصَّحيح أنَّه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار، وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغِيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر؛ فإنَّ الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها، وإن شاء تصدَّق بها، وأما في الغِيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع... فإنَّه يوغر صدره، ويؤذيه، إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله، فإن الشارع الحكيم... لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه، ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:30 PM

الوسائل المعينة على ترك الغِيبة

(إنَّ الغِيبة مرض خطير، وداء فتَّاك، ومعول هدَّام، وسلوك يفرِّق بين الأحباب، وبهتان يغطِّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورًا بين المجتمع المسلم، وتقلِّب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلَّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنَّه تعرَّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله، وإعطاء حسناته من يغتابه، أو يحمل عنه أوزاره، وأنَّه يتعرَّض لهجوم من يغتابه في الدُّنيا، وقد يسلِّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفِّق للعلاج) .
ومن الوسائل المعينة على ترك الغِيبة والبعد عنها ما يلي:
1- التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
2- زيادة الإيمان، وتقويته بالعلم النافع، والعمل الصالح.
3- أن ينشغل الإنسان بالبحث عن عيوبه، ويكف عن عيوب الآخرين وتتبعها.
4- اختيار الصحبة الصالحة التي تقربك من الله وتبعدك عن المعاصي والابتعاد عن رفاق السوء.
5- تربية الفرد تربية إسلامية سليمة قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
6- استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد ويقوي إيمانه، ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى، من طاعات، وعبادات، وعلم، وتعلم.
7- قناعة الإنسان بما رزقه الله، وشكره على هذه النعم، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
8- أن يضع الإنسان نفسه مكان الشخص الذي اغتيب، ليجد أنَّه لن يرضى هذا لنفسه.
9- كظم الغيظ والصبر على الغَضَب؛ كي لا يكونا دافعًا للغيبة.
10- الابتعاد عن كل ما يؤدي به إلى الغِيبة.

محمد رافع 52 03-11-2013 10:33 PM

موقف المسلم تجاه المغتاب

عن عتبان بن مالك رضي الله عنه وهو ممَّن شهد بدرًا، قال: ((كنت أصلِّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشقُّ عليَّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنِّي أنكرت بصري، وإنَّ الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشقُّ عليَّ اجتيازه، فوددت أنَّك تأتي فتصلِّي من بيتي مكانا أتَّخذه مصلَّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل. فغدا عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما اشتدَّ النَّهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتَّى قال: أين تحبُّ أن أصلِّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الذي أحبُّ أن أصلِّي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبَّر وصففنا وراءه فصلَّى ركعتين، ثمَّ سلَّم وسلَّمنا حين سلَّم، فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل الدَّار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فثاب رجال منهم حتَّى كثر الرِّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبُّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟، فقال: الله ورسوله أعلم. أمَّا نحن فو الله ما نرى ودَّه ولا حديثه إلَّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار من قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله)) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:35 PM

الغِيبة لا تقتصر على اللسان

إن الشرع حرَّم الغِيبة باعتبارها تصريح باللسان يفهم منه استنقاص الآخرين وذكر عيوبهم، وكذلك فإنَّ كل فعل أو حركة أو كتابة توحي بالمقصود فهي غيبة.
غيبة العلماء ومن لهم شأن في الإسلام:
لا شك أن الوقيعة في المؤمنين حرام وأنها من كبائر الذنوب، وأن أشدَّ أنواعها (غيبة العلماء والوقيعة في العلماء، والكلام على العلماء بما يجرحهم... لأنَّه يترتب عليه فصل الأمة عن علمائها، ويترتب عليه عدم الثقة بأهل العلم، وإذا حصل هذا حصل الشر العظيم) .

محمد رافع 52 03-11-2013 10:36 PM

ذم الغِيبة في واحة الشعر

قال الشاعر:

لا تلتمسْ مِن مساوي النَّاسِ ما ستروا *** فيهتكَ الله سترًا مِن مساويكا



واذكرْ محاسنَ ما فيهم إذا ذكروا *** ولا تعبْ أحدًا منهم بما فيكا


وقال آخر:

لا تذكرِ النَّاسَ إلا في فضائلِهم *** إيَّــاك إيَّــاك أن تذكـــر عيوبَهــم



كم فيك عيب تناجي اللهَ يسترُه *** مَن يغتبِ الناسَ لا يسلمْ شرورَهم



ارجعْ إلى اللهِ من ذنبٍ وقعتَ به *** للــهُ يفــرحُ أن يغفــــر ذنوبَهــــم



كلُّ الخلائقِ خطَّاءٌ طبائعهم *** التائبــون بشــــرعِ اللـه خيرُهـــم



الهمزُ واللَّمزُ لا تحمد عواقبُه *** من يعلـم الســرَّ عـــــلام غيوبهــم



احفظْ لسانَك لا تلفظْ بنابيةٍ *** نتاجها الحقــدُ والبغضاءُ والسَّقــم



اجعل مخافته المولى مقدَّمة *** حاسب خطاك لكي لا تعثر القــدم


وقال أبو فراس الحمداني:

ويغتابني مَن لو كفاني غيبَه *** لكنتُ له العينَ البصيرةَ والأذنَا



وعندي مِن الأخبارِ ما لو ذكرتُه *** إذًا قرَع المغتابُ مِن ندمٍ سِنَّا


وقال آخر:

وأقبحُ القبائحِ الوخيمة *** الغيبةُ الشنعاءُ والنَّمِيمَة



فتلك والعياذُ بالرحمنِ *** موجبةُ الحلولِ في النيرانِ



محمد رافع 52 03-11-2013 10:42 PM

الفتور

معنى الفتور لغةً واصطلاحًا

معنى الفتور لغةً:
الفتور مصدر فتر، يقال: فتر يفتر فتورًا وفُتارًا، سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، والفترة: الانكسار والضعف، وفَتـَـرَ الماءُ: سَكَن حَرُّه، و: جسمه فُتُورًا: لانَت مَفاصِله، وضَعُف. وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ في الشَّيء .
معنى الفتور اصطلاحًا:
هو الكسل، والتراخي، والتباطؤ بعد الجد، والنشاط والحيوية .

محمد رافع 52 05-11-2013 01:38 AM

ذم الفتور:
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20]. لا يَفْتُـرُونَ: لا يلحقهم الفتور والكلال .
- وقال تعالى عن موسى عليه السلام: اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: 42-43].
(الونى: الفتور والتقصير. وقرئ: تنيا، بكسر حرف المضارعة للاتباع، أي: لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكري جناحًا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني، معتقدين أن أمرًا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري) .
- وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد، والفتور فيه، فقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38].
قال ابن كثير: (أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة: 38] أي: ما لكم فعلتم هكذا أرضًا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة؟!
ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة، فقال: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة: 38]) .
- وقال تعالى عن المنافقين، الذين هم أشد الناس كسلًا وأكثرهم فتورًا: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142].
قال ابن كثير: (هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال، وأفضلها، وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنَّهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها... وعن ابن عباس قال: يُكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه) .

محمد رافع 52 05-11-2013 01:42 AM

ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((التمس لنا غلامًا من غلمانكم يخدمني. فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) .
قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولا يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما متِّع بصحة جوارحه وعقله) .
وقال الكلاباذي: (الكسل: فتور في الإنسان عن الواجبات، فإنَّ الفتور إذا كان في الفضول وما لا ينبغي فليس بكسل، بل هو عصمة، وإذا كان في الواجبات فهو كسل، وهو الثقل، والفتور عن القيام بالواجب، وهو الخذلان، قال الله عزَّ وجلَّ: وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46]، وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن الواجب، والفتور فيه، فقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38]. والهرم: فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلا يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعًا، من جهة عجز ضرورة، وحرمان منها، مع الإمكان) .
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ عمل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَتْرة، فمن كانت فَتْرته إلى سنَّتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلك)) .
قال ابن تيمية: (إنَّ من الناس من يكون له شدة، ونشاط، وحدة، واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.
وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه، بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه، أو فجور في دنياه، حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدًا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية) .
- وعن أنس رضي الله عنه، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل، أو فتر قعد)) .
قال النووي: (فيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنَّه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور) .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) .
قال المباركفوري: (قيل: معنى قوله: ((كان يقوم الليل)). أي: غالبه أو كله. ((فترك قيام الليل)). أصلًا حين ثقل عليه، أي: فلا تزد أنت في القيام أيضًا، فإنَّه يؤدي إلى تركه رأسًا. قال السندي: يريد أنَّ الإكثار في قيام الليل قد يؤدي إلى تركه رأسًا، كما فعل فلان، فلا تفعل أنت ذاك، بل خذ فيه التوسط والقصد أي: لأنَّ التشديد في العبادة قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. وقال في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) .

محمد رافع 52 05-11-2013 02:07 AM

أقوال السلف والعلماء في الفتور

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض) .
- وقال أيضًا: (المدح هو ال***؛ وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل، فكذلك الممدوح؛ لأنَّ المدح يوجب الفتور، ويورث الكبر والعجب) .
- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تغالبوا هذا الليل، فإنَّكم لن تطيقوه، فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه؛ فإنه أسلم له) .
- و(قال بعض السلف: العمل على المخافة قد يغيره الرجاء، والعمل على المحبة لا يدخله الفتور) .
- وقال ابن القيم: (تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رُجي له أن يعود خيرًا مما كان) .
- وقال في موضع آخر: (إنَّ المقبل على الله المطيع له، يسير بجملة أعماله، وكلما زادت طاعاته وأعماله، ازداد كسبه بها وعظم، وهو بمنزلة من سافر فكسب عشرة أضعاف رأس ماله، فسافر ثانيًا برأس ماله الأول وكسبه، فكسب عشرة أضعافه أيضًا، فسافر ثالثًا أيضا بهذا المال كله، وكان ربحه كذلك، وهلم جرًّا، فإذا فتر عن السفر في آخر أمره، مرة واحدة، فاته من الربح بقدر جميع ما ربح أو أكثر منه) .
- قال بعض السلف: (العمل عن المحبة لا يداخله الفتور) .
- وقال ابن السماك: (جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور) .
- وقال علي بن موسى: (إن للقلوب إقبالًا وإدبارًا ونشاطًا وفتورًا، فإذا أقبلت أبصرت وفهمت، وإذا انصرفت كلَّت وملَّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها) .

محمد رافع 52 05-11-2013 02:11 AM

آثار الفتور

1 - يدل على ضعف الهمة.
2- التثاقل في العبادات.
3- التعرض للأزمات النفسيَّة، والاجتماعيَّة.
4- يؤدي به إلى ترك بعض الفرائض.
5- عاقبته تكون سيِّئة إذا لم يتب.
6- تأثر من حوله به، وخاصة إذا كان قدوةً لغيره.
7- فوات المصالح الدينية، والدنيوية.

محمد رافع 52 05-11-2013 02:14 AM

أقسام الفتور

ينقسم الفتور إلى عدة أقسام، أهمها:
1- كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها، وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين؛ فإنَّهم من أشد الناس كسلًا وفتورًا ونفورًا.
قال الله فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142]. وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)) .
ولفظ (أثقل) على صيغة (أفعل) يدلُّ على أنَّ غيرهما ثقيل، وليس الثقل مقتصرًا عليهما.
2- كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أو ضعف في الرغبة مع وجودها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين، وأصحاب الشهوات.
وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشد من مرض الفساق وأصحاب الشهوات.
3- كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل، ولكنه لا يفعل مع استيقاظه وانتباهه ويقول: سأختم القرآن في كل شهر. وتمضي عليه الأشهر ولم يتمَّه، ويحب الصوم، لكنه قليلًا ما يفعل.
وهذه حال كثير من المسلمين الذين يصابون بهذا الداء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون من أصحاب الشهوة والفسق.
وقد يؤدي هذا النوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النوع الثاني، وهو الثقل القلبي في بعض العبادات.
4- كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة. وهذا لا يسلم منه أحد، إلا أنَّ الناس يتفاوتون فيه أيضًا، وسببه غالبًا أمر عارض، كتعب، أو انشغال، أو مرض ونحوها.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:23 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.