![]() |
:):):):):)
|
بجد يا سارة قصة جميلة جدااااااااااا حسستنى انى اد ايه صغيره ادام ايمان الناس دول وثقافتهم العالية فى دينهم نفسى لما اروح الكلية ان شاء الله الاقى صحبه صالحه كده ويكون عندى الهمه العالية لنصرة هذاومساعده اخواتنا المسلمات بجد نفسى اوى اكون مرام فى كل حاجة فى تعاملها مع الناس فى دينها فى ثقافتها نفسى اتغير بجد ان شاء الله تكون الكلية هى بوابه التغيير للاحسن والافضل نفسى ألاقى الصحبه الصالحه ان شاء الله اللى تساعدنى على هذا التغيير كان نفسى ادخل طب عشان حتى اساعد الناس وربنا يعلم ان امنيتى وانا فى الثانوية انى ادخل طب بس عشان اساعد الناس مش لحاجة تانية حاسة انى جايز معرفش اعمل ده من صيدلة يلا ربنا يستعملنا جميعا فى طاعته وعبادته يارب نبقى كلنا مرام وربنا يرزقنا ان شاء الله بحد زى حسام بجد لو ده حصل يبقى الواحد مش ناقصه حاجة شخصية قوية متدينة عارفة ازاى تقدر تخدم دينها وزوج صالح ان شتء الله يعينها على هذه الطاعه ربنا يجزيكى كل خير يا سارة يارب انك حسستنينى انى لازم اثبت واقوى عزيمتى انى ابقى زى مرام ان شاء الله
بس انتى مكلمتناش يا سارة مرام كانت عايشة ازاى بتقضى يومها ازاى عباداتها كانت ازاى عشان نقدر نبقى زيها معلش طولت بس الموضوع يستاهل |
ذجزاكم الله خيرا يا غاليين أسعدني مروركم كتير
ومعاكي حق يا أسماء أنا بردوا حبيت شخصية مرام أوووي ويتمنى أكون زيها وبتمنى كمان الاقي واحد زي حسام ده لإن قلما تلاقي شباب زيه ف قوة إيمانه وحبه لدينهة وغيرته عليه المهم هكمل دلوقتي ومنتظره تعليقاتكم |
بسرعه بقى يا سارة عشان انا متشوقة جااااااااااااااامد
|
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ كنت سعيدة للغاية بعلاقتي مع حسام... سعيدة لأنني وجدت فيه الإنسان الذي يحثني على الطاعات و يدفعني بعيدا عن المعاصي... سعيدة بخصوصية علاقتنا حيث أنها بخلاف كل العلاقات بين الجنسين لا تؤدي بنا إلى فتنة... أو هذا ما ظننته لمدة ليست بقصيرة... ثم... بدأ شعور بعدم الارتياح يتسلل إلي، و أخذت أتساءل : هل نحن فعلا على صواب؟ هل يجوز لنا حقا أن نتبادل الرسائل بكل حرية؟ كنت أرى أنها رسائل سليمة من كل ما يغضب الله... فهي في معظمها خواطر إيمانية... لكن تتخللها أحيانا سؤال عن أحوال العائلة و الدراسة... و قد يحدثني عن بعض المشاكل التي تعترضه في المستشفى... أو أسأله عن ما يتعسر علي من مواد دراسية... لكنها تبقى أحاديث في حدود الشرع، تراعي الحياء و الخلق الكريم... و لا تتناول المشاعر و الأحاسيس بتصريح أو تلميح... لكن روحه المرحة كانت تعانق الكلمات و تطل من بين الأسطر و ترسم الابتسامة على شفتي في كل مرة... و كلما جاء على ذكر علاقتنا المستقبلية، أسسها و شروطها و ما يجب أن تكون عليه... يزداد خفقان قلبي من المعاني الراقية التي أقرؤها... لكنني في نفس الوقت أحس بوخزة في ضميري... هل تلك الأوقات الحلوة من حقنا؟ فقد كانت متعة حقيقية، و كنت أخشى أننا نأخذ الكثير و نفتح أبوابا جديدة سيكون من العسير إغلاقها أو التراجع دون الولوج منها... و كان ارتباطي به يزيد يوما عن يوم... فلم يعد لي غنى عن رنته على هاتفي الجوال لتذكيري بالذكر اليومي و لا عن خواطره التي أنتظرها بفارغ الصبر... كما أنني أقضي الكثير من أوقات فراغي أكتب له... و قد أجد نفسي مقصرة في حق صديقاتي علي و أحيانا أتأخر في السهر لأن لدي دروس الطب أيضا لأراجعها! و إن تأخرت عنه في كتابة خاطرتي فإنه يعاتبني عتابا رقيقا، على أن لا أعيد الكرة... فقد بات هو بدوره يعيش نفس الإدمان! و رويدا رويدا، صرت أعتبر رسائله من "خصوصياتي" فلم أعد أسمح لوالدتي بأن تقرأها كلها... فتقرأ بعضها أو أكتفي بأن أحدثها بنفسي عما ورد فيها... و هي لم تكن تصر على الاطلاع عليها واحدة واحدة لأنها كانت تثق في و باتت أيضا تثق في حسام بعد أن تابعت مراسلاتنا لفترة ليست بالقصيرة... أما أبي فقد كان على علم بوجود اتصال بيننا... و لم يبد عليه الارتياح لذلك, لكنه لم يعلق يوما و لم يصرح بعدم موافقته... ربما لأنه "يقدّر" نوعا ما "التنازلات" التي أقدمنا عليها مقارنة بشباب عصرنا!!! لكنني كنت أراوغ... أراوغ نفسي و ضميري و أبعد عنه هاته الأفكار... كنت أقنع نفسي بأننا لسنا في خلوة و أحاديثنا بعيدة عن الشبهات... بل هي تقربنا من الله تعالى... كما أنها وسيلتنا الوحيدة للتواصل و التعرف على بعضنا دون المرور بقنوات الاتصال المباشرة التي تعتريها الشبهات... فأغلق باب الهواجس و تعود حياتي إلى سيرها الاعتيادي كأن شيئا لم يكن... إلى أن كان يوم... كانت راوية قد بدأت تستاء مني منذ فترة لأنني اعتذرت مرات عديدة عن مرافقتها إلى بعض المتاجر في الوسط المدينة، لأنني بالكاد أملك الوقت الكافي للقيام بالتزاماتي! و الحقيقة فإن وقتي يمر بين قراءة و كتابة و تفكير... فإن لم أكن أقرأ رسالة حسام فأنا أكتب له... و إن لم أكن أكتب إليه فأنا أفكر في ما قاله أو فيما سأقوله في رسالتي المقبلة!!! نظرت إلي راوية في يأس و هي تقول : ـ من غير المجدي أن أسألك إن كنت تستطيعين مرافقتي إلى محل الحلويات! نظرت إليها في اهتمام و خطرت على بالي فكرة : ـ هل هو المحل الذي يقع قرب مسجد مركز المدينة؟ نظرت إلي غير مصدقة : ـ نعم هو بعينه... هل ستأتين؟ ابتسمت و أنا أهز رأسي موافقة : ـ نعم سآتي! اقتربت مني هامسة : ـ مرام... هل حصل شيء؟ هل اختلفت مع حسام على شيء ما؟ ضحكت في مرح و أنا أقول : ـ أبدا يا راوية... ما من خلاف... لكنني تذكرت أن لدي بعض الأعمال في المدينة... ثم نمر للصلاة في المسجد قبل العودة... ما رأيك؟ هتفت راوية و هي تعانقني : ـ أكيييييد موافقة! كنت أفكر بشيء ما خطر على بالي فجأة... فرحت أراجع في ذهني كلماتي و أصوغ عباراتي و أستعد للحظة المواجهة... فقد كنت اتخذت قرارا و علي التنفيذ بسرعة قبل أن أتراجع... نظرت إلى راوية مداعبة : ـ لم تقولي لي... لم تذهبين إلى محل الحلويات؟ هل من مناسبة سعيدة؟ تضرج وجها فجأة و همست : ـ سأخبرك فيما بعد... تملكتني الدهشة للحظات... راوية تخفي شيئا ما!!! لم أر وجهها يحمر هكذا من قبل... و صوتها الذي خفت فجأة... أكيد أن هناك أمرا ما! لكنني لم أصر على معرفة الخبر و اكتفيت بتسويفها على أن تخبرني فيما بعد، لأنني كنت أصلا منشغلة بموضوع آخر احتل كل تفكيري... انتهت جولتنا بسرعة و اشترت كل منا ما يلزمها من المتاجر ثم توجهنا إلى المسجد لأداء صلاة العصر... فرغنا من الصلاة ثم خرجنا مع جملة المصلين... توقفت أمام الباب الخارجي و قلت لراوية و أنا أعود أدراجي : ـ انتظريني هنا... سأعود حالا! هتفت في تساؤل و هي ترقبني أبتعد مسرعة : ـ هل نسيت شيئا ما؟ لكنني لم ألتفت و دخلت باحة المسجد من جديد... لكنني توجهت إلى مكان صلاة الرجال! كانت القاعة قد خلت تقريبا إلا من الإمام و بعض المصلين المتأخرين. وقفت مترددة أمام الباب فاقترب مني شيخ كان يقوم بجمع المسابح و تنظيم المصاحف في أماكنها، و سألني : ـ هل تبحثين عن شيء يا ابنتي؟ تورد وجهي في خجل و أنا أهمس : ـ شكرا لك يا أبتي... كنت أريد الحديث مع إمام المسجد... هل يمكن أن... ابتسم قبل أن أتم عبارتي و هو يقول : ـ حسن... انتظري قليلا، سأعلمه بوجودك... كان الإمام شيخا معروفا بوقاره و عمق درايته العلمية و الفقهية، يقصده أهل المدينة للسؤال عن الفتاوى الإيمانية و الشرعية و مختلف الأحكام الفقهية... وقفت أنتظر و قد سرت في جسمي قشعريرة... يا إلهي كيف سيكون جوابه؟ و أخيرا رأيته يقترب في خطى وئيدة وقورة و ابتسامة حانية تعلو شفتيه... بعد السلام شرحت له على عجل قصتي مع حسام... كيف تقدم إلي و موقف والدي من مسألة الارتباط... ثم عزوفه عن المكالمات الهاتفية و اللجوء إلى البريد الاكتروني... و شرحت له أيضا حجم التغيير النفسي و الديني الذي صاحب ارتباطنا العاطفي و مساندتنا لبعض البعض في العبادات و الطاعات... و ختمت بقولي : ـ لكننا نريد أن نرضي الله في كل خطوة... و قد لجأنا إلى البريد الالكتروني و نحن لسنا واثقين بعد إن كان خيرا أم شرا مع أن كلامنا يبقى ضمن الحدود الشرعية... استمع إلي في اهتمام ثم تنحنح قبل أن يجيبني في ترو : ـ يا ابنتي... بارك الله فيك و في هذا الشاب لحفاظكما على دينكما في زمن قد تحرر فيه الشباب من قيود الشريعة و صارت كل القيود التي يخشونها هي عيون المجتمع و عينه على هفواتهم في حين يغفلون عن عين الله التي ترقب الحركات و السكنات... و الله إن كلامك قد سرني كثيرا... فالأمة لازالت بخير إن كان فيها شباب مثلكما يتقي الله في نفسه و عرضه... و لكن... حبست أنفاسي و قد شقت علي كلمة "و لكن" بعد أن كانت السكينة قد عادت إلى قلبي! أطرق الشيخ للحظات ثم عاد ليستطرد : ـ و لكن ليس من المفروض أن يكون بينكما قناة اتصال خاصة بكما غير خاضعة لرقابة الولي... لأنها تترك للشيطان مدخلا قد يتسلل منه و يتلاعب بالنوايا... قاطعته معترضة : ـ و لكن والدتي على علم بكل ما يقال بيننا! هز رأسه و هو يقول : ـ ذلك غير كاف! فوجود مساحة من الحرية هو الخلل الذي قد يؤثر على سير العلاقة... أنا لا أقول يا ابنتي أن تقطعي علاقتك بهذا الشاب تماما، فمن الواضح أن فيه خيرا كثيرا... لكن من الأفضل أن تمر الرسائل ببريد العائلة مثلا... كما يجب أن تكون متباعدة نوعا ما بحيث لا تشغلكما عن الدراسة أو غيرها من الواجبات تجاه النفس و العائلة... فكثرتها تجعل السيطرة على النفس و رغباتها أمرا صعبا، فتتسلل بعض المشاعر ضمن الكلمات دونما أن يستشعر كاتبها تجاوزاته... فإن كنت تريدين أن يبارك الله في هاته العلاقة في كل مراحلها فالأحرى الابتعاد عن الشبهات قدر الإمكان! فلا تكونان ممن خلط عملا صالحا و آخر سيئا... تنهدت و أنا أقوم شاكرة... فأردف الشيخ دون أن ينظر إلي : ـ إن كنت تكبدت عناء السؤال... فالأولى أن تعملي بما علمت... حتى لا يكون حجة عليك يوم القيامة و العياذ بالله! فإن كنت تجدين في نفسك ضعفا و نفورا مما تسألين عنه فالأولى أن لا تسألي!!! تسارعت دقات قلبي و أنا أغادر القاعة... فقد كان لكلماته الأخيرة وقع غريب... خرجت لأجد راوية تنتظرني في قلق : ـ لم تأخرت؟ هل وجدت ما كنت تبحثين عنه؟ هززت رأسي علامة الإيجاب و لم أنبس ببنت كلمة... كنت ساهمة متفكرة في كلام الشيخ... كنت قلقة قبل أن أذهب إليه، و غادرته في قلق أكبر! كنت أنتظر منه أن يطمئنني إلى سلامة تصرفاتنا... فقد صرت متعلقة بمراسلاتنا إلى درجة لا أتخيل معها انقطاعها فجأة تحت أي ظرف من الظروف! و لكن ما العمل الآن؟! كيف أتصرف؟! يا إلهي ألهمني الصواب... نظرت إلى راوية من طرف خفي... كانت هي الأخرى منشغلة عني بحلوياتها التي كانت تمسكها في رفق و اهتمام... و تبادر إلى دهني تساؤل ملحّ... هل يمكن أن...؟؟؟ |
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ لم أكن مستعدة بعد للانقطاع عن الخواطر التي صارت محور حياتي... لكن كان يجب أن أفعل شيئا، قبل أن تغلبني نفسي الضعيفة أمام رغباتها و تقنعني بكتمان الأمر! فقد أيد الشيخ إحساسي بالقلق حيال ما نقوم به. لذلك سارعت بالكتابة إلى حسام أخبره بتفاصيل ما حصل معي... حتى نتخذ قرارنا سوية... فهو بالتأكيد سيقويني و يشجعني و يثبتني... شرحت له كلام الشيخ دون أن أخفي عنه شيئا مما قال... حتى عبارته الأخيرة التي جعلت قلبي يغيض في صدري... سيكون كلامه حجة علي يوم القيامة!!! و لبثت أنتظر رده... كان يومي في الكلية قلقا فلم أستطع التركيز مع المحاضرات كثيرا... كانت أعصابي مشدودة و أنا أفكر فيما سنفعله... و في أوقات الضعف كانت نفسي تحدثني بسؤال شيخ آخر... فالفتاوى تختلف من شيخ لآخر! فمنهم الميسر و منهم المتشدد... نعم، فقد بدأت نفسي تضعف أمام القرار الذي أنا بصدده و قد شق علي كثيرا... لكن الشيخ الذي سألته من المعروف عنه أنه من العلماء المعتدلين! و لكن كيف سيصبح اتصالي بحسام؟ هل نكتفي برسالة في الأسبوع؟ رسالة في الشهر؟ أم هل ننقطع تماما؟ لا! و لماذا ننقطع؟ الشيخ لم يقل هذا! بل نصح بالمباعدة بين الرسالة و الأخرى و أن تكون الرسائل خاضعة لمراقبة الأسرة... و هذا شيء يسير! إذن لا داعي للقلق... كانت راوية تجلس إلى جانبي طوال اليوم، لكنني لاحظت شرودها هي الأخرى... فقد كانت كل واحدة منا منشغلة عن الأخرى بأفكارها... لكن راوية ما الذي يشغلها يا ترى؟ هل تخفي عني أمرا ما؟ التفتت إليها و همست مداعبة : ـ ما الذي يشغل بالك إلى هذه الدرجة يا عزيزتي؟ أنت غائبة عن العالم تمااااما! التفتت إلي و قد فوجئت بملاحظتي و احمر وجهها مرة أخرى و همست : ـ انتبهي إلى المحاضرة الآن... سأخبرك لاحقا! ما خطبها يا ترى؟ في كل مرة تقول لاحقا! سنرى إلى أين ستأخذنا هذه الراوية!!! ما إن خرجنا من قاعة المحاضرات حتى تأبطت ذراعها و سحبتها جانبا و أنا أقول : ـ و الآن... أخبريني بكل شيء دون تسويف... تنحنحت راوية و أطرقت للحظات و هي تقول في صوت خافت : ـ الحقيقة... القصة طويلة نوعا ما... و تستوجب شرحا مطولا... فهل لديك الوقت الكافي؟ نظرت إلى ساعتي و أنا أقول : ـ يمكنك أن تحدثيني بكل شيء و نحن على الطريق إلى المنزل و إن لم يكفنا الوقت سأرافقك إلى بيتكم و تكملين القصة... ما رأيك؟ ابتسمت راوية في خجل و هي تقول : ـ شكرا على اهتمامك يا مرام... لكن يجب ان أمر على مكتب البريد أولا... يجب أن أرسل هذا... ثم أشارت إلى صندوق كانت تحمله بعناية. جذبتها لنعبر معا الساحة و أنا أقول في مرح : ـ حسن... سنذهب أين تشائين... لكن هيا... هيا... ابدئي قصتك، فقد شوقتني! هل في الحكاية شاب ما! ترددت راوية قبل أن تهمس ثانية : ـ لست أدري من أين أبدأ... فالمسألة معقدة نوعا ما... ربتت على كتفها و أنا أهتف مشجعة : ـ ابدئي من البداية! ثم ستتواصل القصة بكل تلقائية! هاااا... ماذا قلت؟ اشتد احمرار وجه راوية بشكل ملفت نظرا و همت بأن تقول شيئا... لكن في تلك اللحظة اقتربت منا دالية و هي تهتف : ـ مرااااام... انتظريني! تذكرت فجأة حسام، و رسالتي الأخيرة إليه... هل تحمل لي دالية خبرا ما؟ نظرت إليها في اهتمام و هي تقول : ـ الحمد لله أنني لحقت بك قبل أن تغادري... سألتها في قلق : ـ هل تحملين رسالة من حسام؟ ضحكت دالية مداعبة و هي تقول : ـ بل أحمل إليك حسام نفسه! تضرج وجهي فجأة و نظرت إليها في عدم تصديق، ثم أخذت أتلفت حولي باحثة عنه و أنا أهمس في حذر : أين هو؟ ضحكت دالية مجددا و قالت و هي تأخذ بيدي : ـ تعالي إنه ينتظر أمام المكتبة... مكانه المفضل في الكلية! مضت مدة طويلة مذ رأيته آخر مرة... فمنذ بدأنا تراسلنا لم يأت إلى الكلية سوى مرة واحدة رأيته فيها عن بعد... لمحت ابتسامته المحببة إلى قلبي لكنه لم يحدثني بكلمة... مشيت بخطى متعثرة و أنا أتساءل عما دعاه إلى القدوم اليوم؟ هل تراه قرأ رسالتي؟ لكن الأكيد هو أنني كنت في غاية السعادة لرؤيته بعد غياب دام قرابة الشهرين... كان يقف أمام المكتبة و رأسه منكس إلى الأرض و قد بدا عليه التفكير... رفع عينيه فجأة، فالتقت عيوننا للحظة... استرد على إثرها كل منا نظرته في حياء... كان يبدو في عينيه الإجهاد و الأرق... و لوهلة وددت لو أقترب منه و أمسح على رأسه في حنان، كأم تمسح على رأس صغيرها و أسأله عما يرهقه... لكنني نفضت عني تلك التخيلات بسرعة ثم اقتربت بخطى متمهلة حتى وقفت غير بعيد عنه... و وقفت كل من دالية و راوية على مقربة منا... نظر إلي و هو يقول في هدوء و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه : ـ وصلتني رسالتك... تسارعت دقات قلبي و أنا أرفع عيني لأواجهه و قلت بصوت كالهمس : ـ و ما رأيك؟ اتسعت ابتسامته، ابتسامة لم أر مثلها على شفتيه و هو يهتف : ـ أبشري يا مرام... أبشري... هزتني كلماته هزا، و انتفض قلبي في صدري و قد تبدت الحيرة على ملامحي : أبشر؟! لكنه تابع في صوت هادئ عميق : ـ لقد استجاب الله لدعائنا... ألم نكن ندعو الله أن يبارك في علاقتنا قبل الزواج و بعده، بأن يهدينا سبل طاعته و ييسر لنا أمرنا؟ إنها أولى البشائر يا مرام! و إلا فبما تفسرين قلقنا المتزامن من تراسلنا عبر البريد الالكتروني؟ فأنا أيضا بدأ القلق يتسلل إلي منذ مدة ليست بالقصيرة... لكنني كنت أقنع نفسي بأننا لا نتجاوز الشرع في شيء... و أنها وسيلتنا الوحيدة للتواصل... فأسكت الصوت الذي يشدني من أعماقي و يلومني... أحسست بعينيه تستقران علي و هي يضيف : ـ لكنك كنت أشجع مني... و كنت قادرة على اتخاذ الخطوة المناسبة، لقد كنت أقدر مني على جهاد نفسك... فليس هنالك ما يحسم ترددنا غير رأي العلماء... ثم نستفتي قلوبنا... تجمعت الدموع في مقلتي فأمسكتها بصعوبة كي لا تنساب على وجنتي. آه لو تعلم! فأنا أضعف مما تتصور! لكنني تحركت في حين غفلة من نفسي الخبيثة و أعتمد عليك كي تثبتني و تساندني! كانت تلك الأفكار تتزاحم في رأسي و قد أطرقت مصغية إليه : ـ لكن قلوبنا هي التي نبهتنا إلى الشبهة التي وقعنا فيها... لذا، فلم يعد هنالك سبيل للتردد... صمت للحظات بدت كالدهر... و قطعت دالية و راوية حديثهما بعد أن كانتا منشغلتين عنا... و تركزت عيوننا جميعا عليه في ترقب فنطق بعد صمت قصير : ـ مرام... أرى أنه من الأفضل أن تنقطع اتصالاتنا تماما في الفترة المقبلة... اتسعت عيناي دهشة... تنقطع تماما!؟ لماذا؟! كانت نظراتي تنطق بالفزع... و الرجاء... لكنه قبل أن أنبس ببنت شفة كان يردف في حزم و هو يتجنب عيني : ـ لا مكالمات و لا لقاءات و لا رسائل! علينا أن نغلق كل السبل التي يمكنها أن تضعف نفوسنا... تباطأ ريثما استوعبت كلماته قبل أن يعقب و هو يضع يده على كتف أخته : ـ دالية ستكون الوسيط بيننا... و ستحمل إليك أخباري دائما... ابتسمت دالية و هي تقول : ـ طبعا... اعتمدا علي! سكتت و أنا لا أدري ما أقول... لم أكن أعتقد أننا قد نقطع اتصالنا بتلك السهولة... ظننت أننا قد نحدّ من عدد الرسائل، بحيث لا تعطلنا كثيرا عن الدراسة و العمل... فقد كنت أقلق إن تأخرت رسالته يوما فكيف سيكون حالي إن انقطعت أخباره؟! و كأنه قرأ أفكاري و عرف ما يدور في ذهني فاستطرد مبتسما : ـ ربما سيكون ذلك صعبا علينا في الفترة الأولى... لكننا سنتعود بسهولة... لأننا نحتسب الأجر عند الله... و ننتظر أن تصلنا بقية البشائر سريعا... فربما يوافق والدك قريبا على الخطبة و تحل مشاكلنا جملة واحدة... فنحن نثق في رحمة الله و نحسن الظن به... أليس كذلك؟ كانت كلماته تتدفق إلى قلبي مباشرة و تمسح عني كل القلق و الخوف... نعم إنه كذلك و الله! وجدت ابتسامتي تتسع على شفتي في انشراح لم أعرف له مثيلا إلا و أنا أقرأ رسالته الأولى منذ بضعة أسابيع... و وجدت ارتياحا غريبا يحل في نفسي محل الانقباض... نعم، فلنتوكل على الله فهو حسبنا... و لنحتسب أجرنا عند الله... و وجدتني أهمس دون وعي مني : ـ من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه... أحسست بنبرة الفرح في صوته و هو يجيبني مؤمّنا على قولي : ـ نعم يا مرام... أحسنت... ثم ابتسم في مرح : ـ هدا الخبر سيسعد والدك! أكيد! ابتسمت لدعابته و أنا أتخيل وجه أبي حين يعلم بقطعنا لكل اتصال... نعم، فداك سيريحه كثيرا من التفكير في مصير علاقتنا... نظر حسام إلى ساعته و هو يقول : ـ آسف إن كنت أخذت من وقتك... لكنني أردت أن أودعك... فقد يطول الأمد... هممت بأن أسأله في دهشة : تودعني؟! هل أنت مسافر؟! لكنني تذكرت ما كنا نقوله منذ لحظات... فأطرقت في صمت في حين واصل هو قائلا : ـ أوصيك يا مرام بالحياء... الحياء... الحياء... و حسن الخلق... فهو كنزك الذي أريد أن أجده لديك محفوظا لم تصل إليه يد بسوء... تطلعت إليه في دهشة و قد تضرجت وجنتاي فواصل قائلا : ـ و أسألك الدعاء لي كثيرا... حتى يوفقني الله قريبا لإتمام دراستي... و أكون أهلا لك... و قادرا على إسعادك... تمالكت نفسي بصعوبة فخرج صوتي محملا بكل مشاعري الحبيسة... كتنهيدة حرى : ـ سأكون في انتظارك... تمت الحلقة الثامنة بحمد الله |
اين البقية يا سارة لازم عنصر التشويق يعنى
|
القصه رااااااااااااااااااااااااائعه امنى ان احنا كلنا نبقى زيهم مع خطيبنا المستقبلى ان شاء الله فى ادبهم وتمسكهم بدينهم ومراعاتهم لله
ولكن انستطيع؟وسط هذا المجتمع وهؤلاء الناس |
اقتباس:
طبعا طبعا وبعدين هي إسمها يوميات يعني لازم تبقى كل يوم حلقه بس أنا بنزل 2 أو 3 شوفتي أنا كريمه إزاااااااي |
اقتباس:
إن شاء الله نكون كده عشان نرفع الإسلام لفووق ونكون قدوه لكل إتنين مخطوبين وعشان ربنا يرضى عنا ويسعدنا في دنيتنا وأخرتنا أسعدني مروركم |
مين بقى اللى هيستنى تانى لبكره جايز العمر مبقاش فيه بقية يا سارة يلا يا عسل حطى كمان حلقتين عشان يبقى حطيتى اربعه وبس انا عارفة انك كريمه مش سارة
|
ياريت تنزلي حلقات تاني بقى ياساره
بجد بجد ومتتاخريش علينا تاني |
يجد الحلقات حلوة اوي
جزاكي الله عنها كل خير ومتتاخريش برضه |
روووووووووووووووووووعه ياساره ياريت
بلاش تأخير وجزاكي الله خيرا |
بصى يا سارة عندى اقتراح كل يوم تنزلى 10 حلقات بس جايز اليوم عندهم طويل
|
هههههههههههههههههههههه
ماشي حاضر النهارده هنزل عدد كبير من الحلقاااات عشان محدش يزعل |
الحـــــــــلقة التــــــــاسعة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ سرت في طريق المنزل رفقة راوية بعد أن افترقنا عن حسام و دالية أمام باب الكلية. كنت أمشي ساهمة متفكرة... نعم، لن تصلني بعد الآن رسالة من حسام، و لن أقضي جل وقتي في الكتابة إليه! أي فراغ سأحس به؟! أي انتظار سأعيش؟! أملي أن يقتنع أبي بين لحظة و أخرى و يوافق على الخطبة! و لكن ما الذي تغير في المعطيات حتى يغير رأيه؟! لا مفر من الانتظار إلى نهاية السنة... لكن كيف ستمر علي بقية السنة؟! تنهدت بحرارة... ثم حانت مني التفاتة إلى راوية، فوجدتها مطرقة إلى الأرض لا تنظر إلي... تذكرت فجأة الموضوع الذي كانت ستحدثني عنه قبل أن تقبل علينا دالية فقلت في أسف : ـ آسفة يا حبيبتي... لقد انشغلت عن موضوعك! و لكن ما بك؟ لم كل هذا الحزن في عينيك؟ رفعت رأسها في بطء فرأيت عينيها مغرورقتين بالدموع! ـ راوية ما بك؟ هل من خطب ما؟ و كأنها كانت تنتظر إشارة مني، فقد أخذت دموعها تنساب بغزارة على وجنتيها و هي تردد في أسى : ـ يبدو أنني أسير في الطريق الخطأ... أسير في الطريق الخطأ... لم أفهم شيئا للوهلة الأولى... فقد كنا نسير في الطريق إلى منزلها مرورا بمكتب البريد حيث ينبغي أن ترسل الطرد الذي تحمله بين يديها في حرص... لكنني تنبهت إلى أنها لا تتحدث عن تلك الطريق! إنما عن طريق أخرى بدا لي أنني لا أعلم عنها شيئا! أحطت كتفيها بذراعي في حنان و أنا أقول : ـ عن أية طريق تتحدثين يا حبيبتي؟ أخبريني فربما أفيدك... مسحت دموعها في محاولة لاسترجاع هدوئها و قالت في صوت حازم : ـ حسام على حق... يبدو أن حبيبتي راوية تصر على الكلام بالألغاز اليوم! فما علاقة حسام بالأمر الذي كانت تريد أن تخبرني به؟! تنفست بعمق و قلت في هدوء : ـ راوية... حبيبتي... تكلمي بوضوح و أفصحي هداك الله! ما علاقة حسام بالأمر؟ التفتت إلي بكليتها و هتفت و قد عادت عبراتها إلى الانهمار : ـ كان حسام مصيبا حين قرر أن يقطع أية وسيلة للتواصل بينكما... و علي أن أفعل نفس الشيء... نظرت إليها غير مصدقة و قد أصابتني بلاهة غريبة : ـ تفعلين نفس الشيء؟ تقطعين علاقتك بي؟!؟ لم تتمالك راوية نفسها فانفجرت ضاحكة و ربتت على كتفي قائلة : ـ سامحك الله يا مرام! أضحكتني! ابتسمت و قد تفطنت إلى غبائي و أنا أقول : ـ إذن بمن ستقطعين علاقتك؟ هناك شاب ما أليس كذلك؟ تضرج وجهها خجلا و أطرقت مبتسمة و لم تجب فهتفت بها و قد بدأ صبري ينفد : ـ اسمعي، لن نستمر هكذا إلى ما لانهاية! انطقي الآن قبل أن أفقد أعصابي! كنا قد وصلنا قرب مكتب البريد فهمست : ـ انتظري... سأرسل الطرد ثم نتحدث... دخلنا إلى مكتب البريد... فنظرت إلى الطرد مستغربة... كان العنوان المكتوب بحروف لاتينية، فهو مرسل إلى إحدى الدول الأجنبية... لم أكن أن لراوية أقرباء خارج البلاد. همست متسائلة و هي تدفع ثمن الشحن و النقل للموظف : ـ قولي... هل للطرد علاقة بالأمر؟ ابتسمت راوية و قالت في هدوء محير : ـ صبرا يا مرام... سأخبرك بكل شيء بعد دقائق قليلة... هتفت حينها : ـ أمسكتك متلبسة! هناك علاقة أكيدة إذن! و أنا التي كنت أتساءل عن سر حرصك الغريب على الصندوق! أخبريني الآن! الآن، الآن! ضحكت راوية ضحكة قصيرة، و ما إن أنهت معاملتها حتى سحبتها من ذراعها و أنا أقول في إصرار : ـ و تخفين عني كل هاته الأسرار؟! طيب يا راوية! نظرت إلي في عتاب و قال و في صوتها نبرة حزن : ـ و هل كانت لديك دقائق من وقتك الثمين لتمنحيني إياها؟! فقد كنت مشغولة طوال الوقت في الأشهر الماضية! أطرقت و قد أدركت مقدار بعدي عن راوية في فترة مراسلاتي مع حسام! نعم، لقد كنت مقصرة في حق صديقتي المقربة و أختي التي وقفت معي في مواقفي العصيبة و ساندتني على الدوام... ـ أنا آسفة يا راوية آسفة جدا... نعم، كان حسام على حق... كان يجب أن نبتعد عن بعضنا البعض حتى لا يعطل كل منا سير حياة الآخر... فقد صرنا في فترة قصيرة متعلقين ببعضنا كثيرا و لم نكن ندرك عمق الخطأ الذي وقعنا فيه... و الحقيقة أنه لو لم يكن خطأ لما كان أثر على علاقاتنا الاجتماعية و العائلية، و مهامنا و واجباتنا! علينا أن لا نستعجل و أن لا نحاول الاستمتاع بما ليس من حقنا في الوقت الحالي... فالخطبة هي الفترة الطبيعية للتعارف... انتبهت إلى أنني قد انسقت من جديد إلى الحديث عن علاقتي بحسام مع أن الهدف كان الاعتذار من راوية ومواساتها! فالتفتت إليها من جديد : ـ و الآن... كفانا تضييعا للوقت! قولي و لا تتأخري! تنفست راوية بعمق و قالت هامسة : ـ استعدي للمفاجأة... ـ مفاجأة؟! ـ هل تذكرين الشاب المسيحي الذي شارك في المناظرة مع حسام في لقاء الحوار بين الأديان؟ نظرت إليها و أنا لا أفهم العلاقة بينه و بين موضوعنا : ـ نعم أذكره... و كيف أنساه و هو الذي كان السبب في معرفتي بحسام! ما به؟! ابتسمت راوية وقالت : ـ إنه هو الشاب المعني... كانت حقا مفاجأة و مفاجأة قوية جدا بالنسبة إلي فقد لبثت أتفرس في وجهها باحثة عن علامات المزاح حتى أنفجر ضاحكة من الدعابة... لكنها كانت تتطلع إلي في جدية تامة... فقلت مترددة : ـ راوية... أنت تمزحين أليس كذلك؟ ابتسمت كأنها تتجاهل سؤالي و قالت : ـ هل تذكرين حين طلب منك أقراصا للمبشر المسيحي الذي أسلم ثم أصبح داعية للدين الإسلامي؟ ـ نعم... ـ بعد بضعة أيام التقيته في المكتبة... فسألني عنك، لكنك لم تأت إلى الكلية يومها. فهمت أنه يريد أن يسألك عن الأقراص، فاقترحت عليه أن أمده بها، لأنني أملك نسخة أخذتها منك سابقا... تذكرت حينها أنني ظللت أحمل الأقراص في حقيبتي عدة أيام دون أن ألتقي الشاب في الكلية، و أنني لم أعطه إياها في النهاية! ـ بعد أن استمع إليها، التقينا مرة أخرى صدفة في المكتبة أيضا، و كانت لديه الكثير من التساؤلات التي لم يجد لها جوابا شافيا في الأقراص، فطلبت منه أن يدون أسئلته على ورقة و أنا سأحاول أن أبحث له عن الأسئلة من مصادر موثوقة... لكنه حين أحس بأنني متحرجة من الوقوف معه طويلا للنقاش بمفردنا فقد اقترح أن يأخذ عنوان بريدي الالكتروني حتى يكون التواصل أكثر سهولة... ترددت قليلا و لكنني وجدتها بالفعل الطريقة الأسلم... كما أنني سأتمكن من مده بعناوين بعض المواقع المفيدة حول الموضوع... توقفت راوية قليلا لتتنهد في عمق ثم استطردت : ـ و ذاك ما حدث... ظللنا طوال الفترة الماضية نتواصل و نتناقش حول الموضوع... و كنت بين الفينة و الأخرى أفكر بأنه من الأفضل أن أضعه على اتصال بأحد الشباب الملتزمين من كليتنا، فإنني لم أكن مرتاحة لحديثي المتواصل مع الشاب... خاصة أنه طلب مني أن نتحدث مباشرة عبر الشات لفعالية أكثر... لكنني في نفس الوقت كنت مستمتعة بحديثنا، و قد لمست منه اهتماما كبيرا و تعطشا لمعرفة الدين الإسلامي... فلم يكن من الهين علي أن أترك ثواب هدايته لغيري! مع أنك أنت وحسام قمتما بالخطوات الأولى الأساسية... فوافقت على الحديث معه عبر المسنجر... خاصة بعد أن انتهى السنة الماضية من سنوات الطب الداخلية و سافر لمتابعة السنوات التطبيقية في فرنسا... تألقت عيناها ببريق جميل و هي تهمس في سرور ظاهر : ـ و قد أسلم منذ شهر تقريبا... عانقتها في سعادة و أنا أهتف : ـ مبروك... ألف مبروك عليه و علينا... أنت رائعة حقا! فقد مضيت إلى نهاية المطاف! تناثرت دموع راوية مجددا و تلاشت ابتسامتها فجأة و هي تردف : ـ ليست تلك كل الحكاية... |
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ تنهدت راوية تنهيدة طويلة و لبثت صامتة للحظات كأنها تستجمع شتات أفكارها. لم أشأ مقاطعتها هاته المرة و انتظرت إلى أن رفعت رأسها ثانية و استطردت : ـ كانت أحاديثنا أحيانا تتجاوز موضوع الأديان و المعتقدات فنتطرق إلى بعض المسائل العامة و أحيانا الشخصية... و قد كان كثيرا ما يحدثني عن صديقته... صديقته مسيحية أيضا... و هي طالبة في كليتنا... و كانا قد اتفقا على الزواج من قبل... و عندما بدأ يهتم بالدين الإسلامي كثرت الخلافات بينهما، لأنها لم تستحسن رغبته في التعرف على هدا الدين المخالف لعقيدتها... و لأنها كانت من المتعصبين للمسيحية فقد كانت تهدده بتركه إن هو أصر على المضي في طريق تراه خطرا على إيمانه! كانت راوية قد سيطرت على انفعالاتها تماما و مسحت دموعها و هي تواصل القصة: ـ لكنه كان في كل مرة يتهرب و يراوغ حتى لا يصدمها و يفقدها نهائيا... كنت أحس الحزن في كلماته كلما تحدث عنها... فقد كان واضحا أن علاقة متينة تجمعهما... خاصة حين كان في الكلية قبل سفره إلى فرنسا... فقد كانت هي الأخرى تقوم بحملات التبشير بين طالبات الكلية... فقد اجتمعا على نفس المبادئ و كانا يحلمان بعالم يسوده الإيمان و السلام و الأخوة كما تنص عليه رسالة سيدنا عيسى!! ابتسمت و أنا أتمتم : ـ الحمد لله أنه عرف معنى السلام و الإيمان و الأخوة الحق في ظل الدين الحق! هزت راوية رأسها موافقة و هي تتابع : ـ لكن صديقته ظلت على عنادها... حتى أنه اضطر إلى إخفاء إسلامه عنها في مرحلة أولى... فقد كانت جد متأثرة إثر سفره إلى فرنسا، و متخوفة من تغيره تجاهها نظرا للبعد الجغرافي بعد أنا كانا في نفس الكلية يلتقيان يوميا... ابتسمت في سري و قد خطرت على بالي رسائل حسام اليومية التي سأفتقدها... لكنني لست متخوفة من أن يتغير تجاهي أو ينسى عهدنا... لأننا لم نجتمع على هوى يبلى... و لكن على حب الله تعالى و هدف سام... واصلت راوية حديثها قائلة : ـ و في النهاية لم يملك أن يخفي عنها الحقيقة... لأنه كما يقول لا يمكنه الارتباط بفتاة غير مسلمة بعد أن عرف الطريق الصواب، بل يريد فتاة معتزة بالدين الإسلامي و تلتزم به لتسانده في مشواره... و هو يطمع في أن يتمكن من هدايتها و إقناعها بخطئها. و قد حاول إرسال بعض الأقراص إليها و الكتب التي تتحدث عن المقارنات بين الإسلام و المسيحية علها تقرؤها و تفكر بالمنطق... لكنها كانت تتلفها أو ترميها في القمامة دون اهتمام... و في المرة الأخيرة أخبرته بألا يتصل بها ثانية و أن علاقتهما انتهت لأنه لم يصن العهد الذي بينهما! فقد تعاهدا على خدمة دينهما، المسيحية، و أن يكون زواجهما وسيلة للتعاون و التساند من أجل خدمة القضية! تذكرت حينها الآيات القرآنية : ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)) ((الكهف)) فتلك الفتاة تعتقد صادقة أنها على حق! و أنها تعبد خالقها... و لا تستمع إلى من يحاول ثنيها عن اعتقادها! فلا حول و لا قوة إلا بالله! كم من البشر هم في مثل حالتها! و كم هي خسارة البشرية فادحة بأمثالها! فهم من النوع المتمكن من أساليب الحوار و الإقناع... و يضل على يديه العشرات بل المئات، و هو يعتقد أنه يهديهم سواء السبيل! انتبهت إلى راوية و هي تقول : ـ منذ أسبوعين تقريبا كان قد أصابه اليأس من إقناعها... و قد قال لي بكل ألم بأنه لا يستطيع التوقف الآن و التركيز على تغيير رأيها، لأنها مجروحة منه و كبرياؤها تمنعها من الاستماع إليه... لدا فإن الأولوية الآن بالنسبة إليه هي أن يثقف نفسه دينيا حتى يستطيع الرد على كل من يعترض سبيله و يعارض وجهته... تطلعت إلى راوية و أنا لا أفهم بعد سر النظرة الحزينة في عينيها. فأردفت : ـ و لكنني لم أفهم بعد سبب بكائك المتواصل! أطرقت راوية للحظات ثم هتفت : ـ إنه الآن يطلب مني أن أحاول إقناع صديقته بالإسلام! أن أتقرب منها و أعرفها على ديننا بالتدرج... ابتسمت في تشجيع و أنا أقول : ـ و مادا في دلك؟! إنها فرصة طيبة لتنالي قدرا أكبر من الثواب في سبيل الدعوة! إنها فرصة مميزة! أم أن لك رأيا آخر؟! نظرت إلى راوية التي لم يبد عليها الحماس الشديد... بل أنها كانت أقرب إلى الفتور! كنا قد اقتربنا من مفترق الطرق بين المسالك المؤدية إلى منزلنا فتوقفنا قليلا و همست راوية مترددة : ـ نعم، إنها مهمة جليلة... و إنه لثواب عظيم أن يهدي الله بك عبدا... لكنني... صمتت قليلا و قد بدا الأسى على ملامحها : ـ لكنني لست واثقة... لست مطمئنة إلى سلامة نيتي... لم أفهم ما تقصده فانتظرت أن توضح و قد بدت علامات التساؤل على وجهي. فتابعت : ـ هنا تأتي المشكلة الحقيقية! ـ مشكلة؟!! ـ نعم يا مرام! مشكلة لم أتوقع أن أقع فيها يوما! و كان يجب أن أقطع علاقتي به قبل أن أقع فيها... بل حين أحسست بوادرها... لكنني هونتها على نفسي و تابعت المسير في الطريق الخطأ... و النتيجة أجدني في طريق مسدودة!!! هتفت بها و قد نفد صبري : ـ أفصحي يا راوية!ّ ما الأمر؟ رفعت عينيها لتواجهني فدهشت من النظرة الحالمة التي تبدت في مقلتيها و هي تقول : ـ مرام... إنه شاب رائع! لم أر شخصا مثله في التزامه و عزيمته! يسخر نفسه و كل قواه لخدمة القضية التي يحملها... حين كان مسيحيا كان كل همه نشر دينه... و بعد أن أسلم صار يريد التكفير عن ذنوبه القديمة بأية طريقة! مع أنه يعلم أن الإسلام يجبّ ما قبله... إلا أنه يريد أن يعوض عما فاته... بل أن يكون من الدعاة منذ اللحظة الأولى لإسلامه! قال أنه أضل الكثيرين حين أقنعهم بالمسيحية... و الآن عليه أن يهدي أضعاف أضعافهم كي تهدأ روحه و ترتاح! تصوري أنه ينوي الاتصال بكل من تنصّر على يديه في أي مكان كان حتى يعتذر و يشرح موقفه الجديد! لبثت أتفرس في وجهها مبهوتة و لم أملك إلا أن أهمس في حيرة : ـ راوية؟! هل....؟ ابتسمت و هي تهز رأسها في مرارة : ـ ألم أقل لك أنها مشكلة حقيقية؟! لم أستطع أن أرفع عيني عنها و قد تجلت كل معاني الدهشة في نظرتي لكنها تابعت غير مبالية : ـ لم أكن أتصور أنني قد أصل إلى هاته المرحلة بسهولة... فقد حاولت مرات عديدة أن أقطع العلاقة... خاصة بعد أن أسلم... لأنني كنت أرى مهمتي معه قد انتهت... لكنه كان في كل مرة يجد موضوعا جديدا يشدني به! في البداية كان يسأل عن الكتب التي تساعده على تعميق ثقافته الدينية... ثم صار يريد التعرف على المجتمع المسلم بنظرة جديدة، و يقول بأنني من يمكنه مساعدته لأنه لا يعرف الكثيرين في فرنسا ممن يمكنه الاعتماد عليهم... و آخر مرة طلب مني التقرب من صديقته و محاولة إقناعها!! كلما حاولت الفرار و الإفلات من مشاعري كان يجد العذر المناسب حتى لا ينقطع اتصالنا! التمعت في عيني نظرة ظافرة و أنا أهتف : ـ راوية... ألا يكون هو أيضا...؟ ألم يقل بأنه يريد الارتباط بفتاة مسلمة تساعده على حسن التدين و الالتزام؟! بترت عبارتي حين أشاحت راوية بوجهها و هي تلوح بكفيها في يأس : ـ لا أريد أن أبني أحلاما من الأوهام و لا أن أتعلق بسراب... المهم أنني أعلم الآن أنه يجب أن أقطع علاقتي به في أقرب فرصة حتى أستعيد هدوئي و حياتي الطبيعية! لكن يجب علي أولا أن أفي بوعدي، و أحاول الحديث مع صديقته المسيحية... ثم نظرت إلي في رجاء : ـ مرام... هل تذهبين معي للقائها؟ لا أريد أن أحدثها بمفردي... لست أدري كيف ستقابلني... ربتت على كتفها مطمئنة : ـ طبعا... سآتي معك! لا تقلقي... تذكرت فجأة شيئا ما فهتفت متسائلة : ـ و ما علاقة الطرد الذي أرسلته منذ قليل؟؟ احمر وجهها تماما و هي تمتم في حرج : ـ أردت أن أرسل إليه هدية صغيرة بمناسبة إسلامه... ثم بصوت أكثر خفوتا : ـ ربما كانت هدية الوداع أيضا... |
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ كانت قصة راوية غريبة نوعا ما... لكنها كانت تشعرني بالإثارة! شاب مسيحي يسلم و يريد منها إقناع صديقته بالإسلام... ثم تنامي مشاعرها نحوه... و تمسكه هو ببقاء علاقتهما... لست أدري، لكن إحساسا يراودني بأن المسألة لن تنتهي بتلك البساطة! كانت بضعة أيام قد مضت على مصارحة راوية لي بحقيقة قصتها... و استمرت نقاشاتنا طويلا... و كانت النتيجة التي نخرج بها في كل مرة هي ضرورة قطعها العلاقة مع الشاب في أقرب فرصة ممكنة. لكنه استمر يتصل بها يوميا لمناقشة الكثير من المواضيع حول الإسلام... ثم مكنّها من بريد صديقته الالكتروني حتى تتفقا على موعد للقاء. وصلت إلى الكلية باكرة اليوم، كما طلبت مني راوية. و جدتها تقف في انتظار و علامات القلق واضحة على وجهها. سارعت إلي و هي تهتف : ـ سألتقي بصديقته اليوم! ابتسمت و أنا أخفف عنها قائلة : ـ و لم كل هدا القلق؟ سنتحدث إليها في هدوء و سنرى كيف ستستقبلنا! صمتت راوية للحظات ثم قالت في حزن : ـ حاولت البارحة أن أخبره بأنني لن أستطيع محادثته ثانية بعد اليوم... قلت بأنني سأكون مشغولة جدا الفترة المقبلة و لن يتسنى لي أن أدخل على شبكة الإنترنت... فطلب مني رقم هاتفي حتى يطمئن علي بين الحين و الآخر!!! إنه لا يفهم! هززت رأسي علامة عدم الموافقة : ـ عليك أن تحدثيه مباشرة! فهو الآن مسلم و عليه أن يعرف خلق الإسلام! يجب أن يعلم أن الفتاة المسلمة لا تتحدث مع الشباب الأجانب عنها بكل حرية... و أن مهمتك معه انتهت! ابتسمت راوية و قالت مؤكدة : ـ نعم علي أن أكون أكثر صراحة و أخبره مباشرة... على أية حال هو طلب مني أن نتحدث بعد لقائي مع صديقته كي أوافيه بردة فعلها... إن شاء الله ستكون المحادثة الأخيرة! بعد المحاضرات، توجهنا إلى المكتبة مباشرة... فقد كان موعد راوية مع الفتاة المسيحية سارة هنالك. إنها تكبرنا بسنة واحدة، لدا فإن محاضراتها تكون في المبنى المقابل للمكتبة... انتظرنا لبضع دقائق، و راوية تتململ في قلق و ما لبثنا أن لمحنا فتاة تقترب من مبنى المكتبة في خطوات بطيئة. نظرت إلينا في تردد ثم وقفت غير بعيد عنا... نظرنا إليها بدورنا و همست إلى راوية : ـ أليست هي؟ هزت راوية كتفيها قائلة : ـ ممكن! لم أرها سابقا... و لا حتى صورتها... فقد راسلتها على البريد الالكتروني و حسب... كانت فتاة رشيقة، طويلة القامة، أقل ما يقال عنها أنها جميلة... خاصة و شعرها الطويل السبط المسترسل يغطي كتفيها و ظهرها. كانت تتلفت حولها في قلق، و في كل مرة يصل بصرها إلينا تصرفه بسرعة. جذبت راوية من ذراعها و توجهنا نحوها. ظهرت على ملامحها الدهشة حين اقتربنا منها مبتسمتين و بادرتها قائلة : ـ أنت الآنسة سارة من الصف الرابع... أليس كذلك؟ هزت رأسها موافقة و هي تنظر في حيرة إلى الفتاتين المحجبتين اللتين و قفتا إزائها... كأنها تقول في نفسها : ماذا تريدان مني؟ لم تكن راوية قد أخبرتها حين راسلتها بأنها مبعوثة من طرف جاد صديقها الذي أسلم، فقد خشيت أن ترفض لقاءها مباشرة إن هي علمت، لأنها كانت رافضة للحوار في مسألة الدين! ابتسمت راوية في هدوء و هي تقول : ـ أكيد أنك تستغربين و تتساءلين عن سر هاته المقابلة... و الحقيقة هي أن جاد طلب مني أن أتحدث معك... أشاحت بوجهها في حدة و قد فهمت كل شيء في لحظة واحدة. لكن راوية سارعت تتدارك الموقف و هي تهتف : ـ أرجو أن لا تستعجلي بالحكم علي، فأنا لست هنا لمحاولة إقناعك بتغيير دينك... و لكنني أدعوك إلى فتح باب الحوار... و إن لم يعجبك قولي فأنت حرة في اتخاذ القرار الذي ترينه مناسبا... نظرت إليها فجأة و قد اغرورقت عيناها بالدموع و هتفت : ـ لماذا لا تتركوننا بسلام؟ هل أنت سعيدة الآن بعد أن نجحت في إقناع جاد بدينك؟؟ كانت تشير إلى راوية بإصبعها كأنها تتهمها! تراجعت راوية خطوة إلى الوراء أمام الرد العنيف الذي وجدته من سارة و لوحت بكفيها في اعتراض : ـ لا تنسي أن جاد هو من طلب التعرف على الدين الإسلامي... و ما فعلته هو أنني مكنته من المواد اللازمة للبحث و المقارنة... و قد اتخذ قراره بملء إرادته لأنه اقتنع بأن الإسلام هو الدين الحق! لكن هذا لا ينفي أنني سعيدة بإسلامه... فنحن نفرح لكل من يهتدي... لم تنخفض الحدة في صوت سارة و هي تقول مجددا في تهكم واضح : ـ و ماهي خطوتك الموالية؟ أين وصلت تطورات علاقتكما؟! احمر وجه راوية من الانفعال و هتفت : ـ ما الذي تقولينه يا هذه؟! أنا لم أساعده طمعا فيه و لم يكن في نيتي أن أفرق بينكما... و اطمئني إلى أنني سأقطع اتصالي به اليوم، بل حال أن أبلغه ردك! و ليكن في علمك يا عزيزتي أن الفتيات المسلمات لا يتهافتن على الرجال و لا يخطفنهم من غيرهن! فذاك ليس من خلق الإسلام!!! كانت سارة قد هدأت قليلا و أطرقت إلى الأرض لبضع لحظات قبل أن تنفجر باكية فجأة، مثل طفلة فقدت لعبتها و هي تهمهم من بين دموعها : ـ إذن هنت عليك يا جاد... فتركتني! نسيت كل ما كان بيننا بسهولة... ما الذي فعلته حتى أستحق منك عقابا كهذا؟! أجابتها راوية في تأكيد و هي تقول : ـ جاد لم ينسك! أبدا! بل هو يريد أن تجتمعا على الحق... بعد أن عرف أنه قد ضل الطريق في السابق... و هو لا يريد لك أن تضلي أكثر من هذا... لذا فهو يدعوك إلى الاطلاع على ما غير حياته... و هو بالتأكيد سيغير حياتك أنت أيضا! المهم هو أن تفتحي قلبك و عقلك و... قاطعتها سارة فجأة و قد مسحت دموعها و استعادت رباطة جأشها : ـ اسمعي... أخبريه بأنني قادرة على شق حياتي بدونه... و أنني لن أتنازل على أهدافي في الحياة لمجرد أنه تنازل! من الآن فصاعدا كل منا سيسلك الطريق المناسب له... و لا أريد منه أن يحاول الاتصال بي ثانية و لا أن يرسل إلي أيا كان... أردفت راوية في محاول يائسة لتهدئتها : ـ خذي وقتك لتفكري... و... قاطعتها ثانية في لهجة صارمة و قد أحست بأنها أرتنا من ضعفها الكثير : ـ لا مجال للنقاش! هذه هي مبادئي و هذه هي حياتي! و لن أغفر له أبدا إن عاد يعظ أصابع الندم بعد حين! تنهدت راوية في يأس ثم انصرفنا و قد منيت مهمتنا بفشل ذريع... سرت مع راوية إلى منزلها... فقد طلبت مني أن أكون إلى جانبها حتى أشجعها و لا تتراجع عن إخبار جاد بضرورة قطع العلاقة... خاصة أنه كان ينتظر اتصالها حال رجوعها من المقابلة مع سارة... و ما إن دخلنا غرفتها و فتحت الحاسوب حتى وجدت رسائل عديدة منه يسأل عنها و يستعجل اتصالها حال وصولها. تبادلنا نظرات طويلة في حيرة. فهما كانا قد اتفقا على موعد محدد و هي لم تتأخر عنه! كان جاد على الخط، فسارعت بإلقاء السلام عليه... اقتربت من الشاشة لأقرأ ما يكتبانه : ـ أخيرا وصلت... كنت في انتظارك ـ ألم نتفق على الساعة السادسة؟ ـ نعم، نعم، لكنني أردت أن أشكرك... ـ لقد تحدثت مع سارة اليوم ـ لم أقصد سارة ـ إذن ماذا؟ ـ وصلني طرد منك اليوم... و أنا الآن أتناول تلك الحلويات اللذيذة! تضرج وجه راوية و أنا أوجه إليها نظرات فاحصة : ـ حلويات يا راوية؟ أمسكتك متلبسة! إذن فالحلويات التي اشتريناها تلك المرة كانت من أجله!!! ابتسمت راوية في خجل و قالت : ـ ألم أقل لك أنني أرسلت إليه هدية إسلامه؟ كانت مكونة من مصحف و بعض الكتب الأخرى... إضافة إلى الحلويات... انتبهت إلى أنه كان لا يزال يتحدث إليها : ـ و أشكرك جزيل الشكر على الكتب... فقد اخترت حقا ما أنا في حاجة إليه الآن! ـ الحمد لله أنها أعجبتك... كانت الحيرة بادية على راوية... كيف ستتطرق إلى الموضوع؟! ـ تحدثت إلى سارة منذ قليل ـ أخبريني أولا، كيف تسير الدراسة معك؟ آمل أن لا أكون آخذ من وقتك الكثير. فقد قلت البارحة بأنك مشغولة... ـ لا بأس، الدراسة بخير ـ الحمد لله... الحقيقة كنت أود محادثتك في موضوع مهم ـ ألا تريد أن تعلم ما قالته سارة أولا؟ ـ أعلم أنها لن تقتنع من المحادثة الأولى. لكن أرجوك واصلي المحاولة معها. سأترك لك المهمة تماما. أخبريني حين تتوصلين إلى نتيجة ما... نظرت إلي راوية و قد تبدت علامات الحيرة و الدهشة في عينيها، لكنني لم أكن أقل دهشة منها فكتبت بسرعة : ـ لكنها أرسلت إليك ملاحظة شخصية... و كان من الواضح أنها متأثرة لأنك تركتها بدا أنه تردد طويلا قبل أن يكتب عبارته الموالية ـ راوية... سارة لم تعد تعني لي الكثير... و إن كنت حريصا على إسلامها فلأنني أرى فيها خيرا كثيرا من الممكن أن يسخّر في خدمة الحق بدل أن يذهب هباءا منثورا التفتت إلي راوية و هي لا تدري إلى أين ستسير هاته المحادثة... لكن وجهها كان قد اكتسى اصفرار... و كنت أكاد أسمع دقات قلبها المتسارعة... |
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ كانت التردد باديا على وجه راوية... لكنني لم أملك أن أتدخل في تلك اللحظة بالذات، فقد كان يجب عليها أن تتصرف بنفسها... أن تحكم عقلها و قلبها و تختار طريقها! لم يكن أصلا من حقي أن أتدخل في قرارها... ربما أنصحها و أشير عليها إن استشارتني... لكن في مثل داك الموقف، لا أحد من حقه أن يتصرف غيرها... لبثت راوية متفكرة للحظات و قد ظهر الشرود في عينيها... لكنها حسمت أمرها بسرعة و سارعت لتكتب إجابتها قبل أن يتمادى جاد في حديثه : ـ سارة اليوم اتهمتني بأنني حاولت أن أفرق بينكما و أنني السبب في ابتعادك عنها... و أنا لا يمكنني أن أتقبل تهمة مماثلة! و لا أظن أنه بإمكاني أن أواصل الحوار معها و هي تملك عني تلك الفكرة المسبقة... لذا أرى من الأفضل أن تطلب من شخص أكثر قربا منها، أو على الأقل ليست لديها شكوك في نواياه أن يحاول إقناعها... أرسلت ردها و انتظرت لبضع ثوان حتى يقرأ كلماتها و يستوعبها ثم أضافت على عجل : ـ كما أظن أنك لم تعد في حاجة إلي الآن... لذا فمن الأفضل أن نوقف اتصالاتنا... و إن احتجت إلى أية مساعدة في المستقبل، فإنه يمكنني أن أعرفك على أحد الشباب الملتزمين من الثقات حتى يواصل معك المشوار... ألقت عليها قنبلتها... ثم تنهدت كمن أزاح عن كاهله حملا ثقيلا، لكن الحزن كان باديا في ملامحها... فلم تكن الخطوة سهلة بالنسبة إليها خاصة أنها علمت أخيرا أنه لم يعد يحمل أية مشاعره لصديقته المسيحية... لبثت عيوننا متعلقة بالشاشة في انتظار إجابة جاد الذي بدا أن نوعا من الشلل أصابه لبضع لحظات، بعد الانفجار الذي أحدثته القنبلة طبعا، قبل أن يقرر إرسال جوابه إلى راوية : ـ أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف محرج و اضطررتك إلى سماع كلمات جارحة من سارة... أنا آسف جدا جدا... و مستعد لفعل أي شيء لأنسيك تلك اللحظات، مع أنني أعلم أنني لن أقدر على إيفائك حقك مهما فعلت... كانت راوية تتطلع إلى الكلمات التي ظهرت أمامها و قد التمعت عيناها بدمعة تنذر بالنزول، و بدا عليها التأثر... همت بأن تكتب شيئا ما لكنه كان قد سبقها : ـ راوية... أنا في حاجة إليك أكثر من أي وقت مضى، و لست مستعدا لفقدانك مهما حصل، خاصة في هذا الوقت بالذات... تراجعت أصابعها عن لوحة المفاتيح كمن أصابته صعقة كهربائية و تجمدت ملامحها فجأة... لكن عينيها ظلتا مركزتين على الشاشة، فقد بدا أنه لم ينته بعد : ـ ربما يفاجئك كلامي... و ربما لا أكون اخترت التوقيت المناسب... و ربما أكون قد تسرعت، فأنا لا أعلم شيئا عن حياتك الخاصة... لكنني أخشى إن تباطأت أن أفقدك، لذا اعذريني... لم تلتفت راوية إلي، بل أنني أظنها نسيت وجودي في الغرفة و حلقت بعيدا مع كلمات جاد التي كانت تتمناها و تخشاها في نفس الوقت. كانت تتمناها ككل فتاة نشأت في قلبها مشاعر بريئة و ترجو أن يبادلها فارسها المشاعر لتعيش أحلى المغامرات و تدخل عالم الحكايات الرومانسية... و تخشاها ككل فتاة ملتزمة طاهرة القلب سليمة الطوية، ترقب الله في أعمالها و تخشى الزلل إن هي استسلمت للتيار الذي يسحبها إليه مخاطبها... ـ راوية... أنت كنت نقطة تحول في حياتي... و كنت من ساعدني لاتخاذ أجمل قرار من الممكن أن يتخذه إنسان! و لست أبالغ إن قلت أنني عدت إلى الحياة من جديد و عرفت أجمل المعاني بفضلك... كنت أول من استقبلني على الضفة بعد طول مصارعتي للأمواج... و أتمنى أن تضلي إلى جانبي... إلى الأبد... كانت مقاومة راوية تضعف أكثر فأكثر و رأيت عباراتها تنساب على وجنتيها في هدوء، و النظرة الحالمة المنكسرة لا تفارق عينيها. اقتربت منها و أحطت كتفيها بذراعي... فارتجفت و هي تضع رأسها على كتفي و تستسلم لدموعها و هي تهتف في حيرة: ـ ماذا أفعل يا مرام؟؟ ابتسمت و أنا أربت على رأسها في حنان : ـ لماذا البكاء يا حبيبتي؟ كنت تشكين في مشاعره تجاهك... و ها قد تأكدت! بقي عليك أن تحسمي أمرك بعد مهلة من التفكير، و تخبريه في الأثناء بحدود العلاقة في المستقبل... ليس في الأمر أية معضلة! لم يبد على راوية الاقتناع فقد كان هنالك أمر آخر يؤرقها : ـ و لكن سارة... إنها لازالت متعلقة به... هل نسيها فعلا؟ هل تغير من ناحيتها فجأة؟ و ماذا لو أسلمت؟ ثم هو تعلق بي لأنني ساعدته على التعرف على الإسلام حتى أسلم... ما يدريني أنه يريدني أنا بالذات و ليس أي فتاة أخرى قد تقوم معه بنفس الشيء؟! اتسعت ابتسامتي و أنا أقول : ـ طيب... و ماذا إن كانت أي فتاة أخرى هي من سمعته من قبل في المكتبة يتحدث عن المسيحية و ذهبت لتناقشه... و ماذا إن كان شاب آخر غير حسام هو من تفطن لحوارنا و تدخل؟ لما كنت تعرفت على حسام و لا كان تقدم لخطبتي!!! تلك أسباب من عند الله يسخرها لعباده! فلا تفترضي المستحيل... ما حصل قد حصل! أما بقية الأسئلة فلست أنا من يمكنني الإجابة عنها! عليك أن تكوني واضحة معه و تضعي أمامه كل تساؤلاتك و شكوك... ثم استخيري الله... مسحت راوية دموعها بظاهر كفها و ابتسمت في تردد. فدفعتها في رفق و أنا أقول : ـ و الآن هيا... أجيبيه بسرعة... قبل أن ينفد صبره! التفتت إلى الشاشة فتفطنا إلى أنه لم يتوقف عن الكلام! و قد غطت رسائله الصفحة : ـ راوية... ربما يبدو لك كلامي غير منطقي، أو أنني أحس عاطفة عابرة أو عرفانا بالجميل، أو رغبة مني لرد معروفك... و لكن لا كل هذا غير صحيح! فأنا فكرت كثيرا في الموضوع منذ نشأ في نفسي ذاك الإحساس... و قد وجدت أنك بالفعل الإنسانة التي أبحث عنها... إضافة إلى تدينها و التزامها، واعية و رقيقة، مرهفة الإحساس، و تهتم لآلام الآخرين و همومهم... ... ـ أعلم أنك قد تتساءلين : و سارة، ماذا كانت بالنسبة إليك؟ و من حقك أن تتساءلي... و من واجبي أن أجيبك... سارة هي رفيقة درب، شاركتني طموحاتي في مرحلة معينة... ربما لم تكن الإنسانة التي أريد، و ربما لم أكن أوافقها في الكثير من تصرفاتها، لكنها كانت لي خير عون في مرحلة صعبة حال مجيئي إلى بلدكم... و كانت هي ضمن مجموعة من الأصدقاء الذين خففوا عني كثيرا، و بحكم وحدة الدين فإننا تقربنا من بعضنا بسرعة... ثم حدثتني عن الارتباط حتى لا تضيع طموحاتنا... كانت فتاة جريئة... و أنا لم أمانع في البداية... لكن يوما بعد يوم، صرت أتحفظ على تصرفاتها و طريقة فهمها للالتزام و تعاملها مع الدين... و أظن أن انفصالنا كان النهاية الطبيعية للعلاقة بعد أن اكتشفت أننا نشترك في المبادئ ظاهريا فقط... أما المعاني العميقة فكانت في غاية الاختلاف... لأن الإيمان ليس له نفس الطعم في كل القلوب... ... ـ راوية أنا آسف إن كنت أمعنت في التحدث عن نفسي و أنا حتى لم أسألك إن كنت مرتبطة بشخص آخر... ... ـ راوية... هل تصلك رسائلي؟ ... ـ راوية، أنت هنا؟ ... ـ إن كنت هنا أرجوك أجيبي... ... ـ أعلم أن الموضوع محرج بالنسبة إليك... ... ـ لكن إن كنت أخطأت بعملي هذا فأخبريني بالله عليك! ... ـ إن كان جوابك الرفض فلا بأس... فقط كوني صريحة معي! ... ـ راوية؟ ... ـ هل أفهم من هذا أنك لا تريدين حتى الرد علي؟ ... ـ طيب... كما تشائين ... ـ آسف إن كنت تجاوزت و حدودي و طمعت في عطفك و سعة صدرك... ... ـ شكرا على كل ما فعلته من أجلي ... ـ وفقك الله في مسيرتك المستقبلية ... ـ سررت جدا بالتعرف عليك... و يؤسفني حقا أن تنتهي علاقتنا بهاته الطريقة ... ـ الوداع... كنت قد انتهيت من قراءة الرسائل التي كتبها أثناء حديثي مع راوية في نفس الوقت الذي ارتمت فيه راوية على لوحة المفاتيح في لهفة : ـ جاد... أنت هنا؟؟ تنهدت حين جاءتها رسالته بسرعة و قد عادت إليه الروح من جديد : ـ راوية؟ أين كنت؟ ألم تصلك رسائلي؟ ـ بلى وصلت... لكنني كنت أفكر... لم يرد جاد و لبث في انتظار أن تخبره بنتيجة تفكيرها... لكنها تلكأت قليلا و التفتت إلي مبتسمة و هي تهمس : ـ ماذا أقول؟ ـ اطلبي مهلة للتفكير! ابتسمت و عادت لتخبره بأن يمهلها كي تمعن التفكير في الموضوع... سرحت قليلا و تخيلت راوية و قد ارتبطت بجاد... و لم أتمالك نفسي أن أطلقت ضحكة قصيرة... لم أتخيل أبدا حدثا كهذا حين رأيت جاد للمرة الأولى في المكتبة! معقول؟ هل تكون تلك النهاية حقا؟ فجأة خطرت ببالي بضع التساؤلات فالتفتت إلى راوية و هتفت : ـ هل تعلم عائلته بإسلامه؟ كيف يتقبلون الأمر يا ترى؟ و كيف سيتقبلونك أنت؟ تمهلت قليلا متفكرة ثم استطردت : ـ ثم لا تنسي أن جاد جاء لبلدنا للدراسة و حسب... و في نهاية الأمر، أظنه سيعود إلى بلده ليستقر هناك! كيف ستتصرفين؟ و كيف ستكون حياتك في بلد آخر و مجتمع مختلف؟ فلا أخفي عليك أنني سمعت عن كثير من الزيجات بين أشخاص من جنسيات مختلفة منيت بالفشل... نظرت إلي راوية كالمبهوتة... فقد كان من الواضح أنها لم تفكر في الأمر إطلاقا... |
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ كان وجه راوية شاحبا حين التقيت بها بعد يومين أمام الكلية و قد بدا عليها أنها لم تنم جيدا الليلة الماضية... كان بإمكاني أن أتوقع السبب! فهي كانت أخبرتني عن عزمها مفاتحة والدتها في موضوع جاد و هي لا تتوقع أن تمر الحكاية بسهولة... و موقف والدها سيكون أصعب بالتأكيد! ركضت نحوها في لهفة و بادرتها هاتفة : ـ طمئنيني... كيف سارت الأمور؟ ابتسمت ابتسامة شاحبة و همست : ـ و كيف تتوقعين أن تسير! أمي تحدثت معي بهدوء و تفهم لكنها طلبت مني أن أعيد النظر في الموضوع و أن أضع في اعتباري كل الصعوبات التي في طريقنا... كما أنها ليست واثقة من الشخص... فكونه أسلم حديثا يجعلها تعتقد بأنه ربما يكون أسلم من أجلي ظاهريا فقط... و أن الفرق سيظهر فيما بعد! ربتت على كتفها مواسية و قلت : ـ لكنك تعلمين أن جاد كان مهتما من البداية بالدين الإسلامي و أنت لم تكوني سوى واسطة! فرغبته في التعرف على الدين هي التي أدت به إلى التعرف عليك و ليس العكس! لمَ لم تخبريها؟ هزت راوية رأسها نافية : ـ بلى أخبرتها! لكنها طبعا ترى أن موقفي لن يكون محايدا و أنني أتصرف وفق عاطفتي و ليس بإمكاني بالتالي أن أحكم جيدا على نواياه من وراء الإسلام! تنهدت في أسى ثم استطردت : ـ و ليست تلك المشكلة الوحيدة فهي أخذت تسألني عن عائلته إن كانت مسلمة... و كيف يمكن أن يتقبلوني... و حين أخبرتها بأن عائلته ليست موافقة على إسلامه أصلا و أن أباه دو مركز مرموق بين رجال الدين في بلده، أوقفت الحوار فورا و قالت بأن الموضوع منته! كنت أريد منها أن تفهم حساسية موقفه و الصعوبة التي يواجهها للعيش بدينه الجديد... لكنها بدل أن تشجعني على مساعدته على التأقلم بسرعة و تثبيته على عقيدته تدعوني إلى التخلي عنه! فكيف سيجد من يحتويه و يسانده إن كان كل المسلمين سيتصرفون إزاءه بنفور و حذر؟ أمسكت بيد راوية التي راحت ترتجف من الانفعال و قلت في هدوء : ـ لا تستغربي ردها يا راوية! فهو رد كل أم تخاف على مستقبل ابنتها و لا تريد أن تلقي بها إلى المجهول! فجاد يبقى "المجهول" بالنسبة إليها نظرا لظروفه الغامضة و وضعيته الخاصة جدا! لا تتوقعي منها موافقة و ترحيبا و فوريا... ثم موقفها لا يعني أنها ضد اندماج المسلمين الجدد و تأطيرهم! بالعكس... لكنها لا تتصور أن ابنتها ستكون معنية بالأمر... فكل ما يحدث حولنا جميل... بشرط أن لا يمسنا و لا يؤثر في حياتنا! و هو منطق كثير من الأولياء إن لم نقل جميعهم حين يرون خطرا ممكنا يقترب من فلذات أكبادهم! لذا لا ترتعبي و تيأسي... على جاد الآن أن يقنعهم بنفسه... و بأهليته لك! رفعت عينيها لتنظر إلي قائلة : ـ و أين هو جاد؟! دراسته الآن في فرنسا... و الإجازات من المؤكد أن يقضيها في بلده... فلم يعد لديه سبب للمجيء إلى بلدنا الآن! إلا إذا... تابعت مكانها قائلة : ـ إلا إذا جاء ليتقدم لخطبتك... أليس كذلك؟ لا أظنه سيعجز عن إيجاد الفرصة المناسبة... إن كان يريد الارتباط بك حقا! هتفت راوية محتجة : ـ لكن حتى يتجشم عناء السفر إلى هنا فإنه في حاجة إلى موافقة مبدئية... أو على الأقل تشجيع مني و تمهيد! ثم أردفت في صوت أكثر خفوتا و قد بدت عليها الحيرة : ـ لكنني لا أعلم بعد كيف يمكن أن تسير الأمور... فأنا نفسي في حيرة من أمري! أحيانا أقول بأنني قادرة على التضحية، و أنني سأكون في مستوى ثقته و أكمل معه المشوار... و أحيانا أخرى أرى ما ينتظرني صعبا، بل شديد الصعوبة... و أخاف أن لا أصمد و يكون مصير علاقتنا الفشل! نظرت إلى راوية في استغراب : ـ لكن يجب أن تكوني أولا واثقة من قرارك و مما ترغبين فيه! فكيف ستقنعين والديك إذا كنت أنت نفسك مترددة و محتارة؟! ثم لا يجب أن تطيلي الأمد حتى تقرري فلا يطمئن الشاب و يعتقد بموافقتك، ثم تحصل له صدمة عنيفة إن رفضت... غطت راوية وجهها بكفيها و هي تهتف : ـ لا تصعبي المسألة علي أكثر! فإنني لم أنم البارحة من فرط التفكير! صليت الاستخارة... لكنني لم أستطع النوم... لبثت أحدق في السقف و أتخيل التطورات الممكنة للعلاقة... ثم أغفو في كل مرة لأرى صورا ضبابية و أسمع أصواتا متقطعة في نومي المتقلب... و قمت هذا الصباح و قد تعاظم قلقي... المسألة ليست سهلة! لو أنني تركت لقلبي زمام الأمور لوافقت منذ الوهلة الأولى... و لكن... أطرقت راوية للحظات و هي تردف في صوت حزين : ـ و لكن... الحياة ليست وردية دائما... و القصص التي تبدو لنا مثيرة و مسلية، لا تكون غالبا كذلك حين نعيشها! لم أتمالك نفسي أن صرخت فيها في تأنيب : ـ ما بك يا فتاة؟! ما هذا التشاؤم الذي حل بك فجأة؟! كأني بك تسدين كل السبل و تهولين الأمر؟! كأني بك تستعدين للرفض و تهونينه على نفسك بهذه المقدمات؟! لم تكوني هكذا منذ يومين!!! كان الأمل في عينيك و كنت واثقة من صدق جاد و ثباته! كنت أرى فيك إعجابا واضحا به و اقتناعا بشخصيته... فما الذي تغير حتى غيرت رأيك و صرت ترين الألوان القاتمة فقط؟!!! ألم تكوني أنت من شجعني على مصارحة حسام بمخاوفي و أن أثق في رجاحة عقله و حسن تفكيره؟ لم لا تفعلين نفس الشيء مع جاد؟! لم لا تتركين له فرصة إقناع والديك بنفسه؟ نظرت إلي راوية و قد بدت عليها علامات التردد : ـ و لكن يا مرام... المسألة مختلفة هنا! قاطعتها في عناد و قلت : ـ ليست مختلفة إلا في ظاهرها! لكنها نفس المشكلة! مشكلة الثقة في الطرف الآخر! لكن يبدو أن جاد وثق فيك... فهو صارحك برغبته في الارتباط بك رغم أنه يعلم أن ظروفه صعبة نوعا ما... لكنه اعتقد أنك أكثر من سيقدر وضعه، لأنك ـ كما قال ـ كنت أول من استقبله على بر الأمان بعد صراع عنيف مع أمواج نفسه و مجتمعه! كانت عيناي راوية قد تعلقتا بي و قد شحب وجهها و لم تعلق بكلمة فاستطردت قائلة : ـ لكن في نفس الوقت لا تعتبري أن من واجبك القبول لمجرد أنه وثق بك و يعلق عليك آمالا كبيرة! يجب أن تكوني مقتنعة تماما بالشخص... بأخلاقه و دينه... و بشخصيته... فإن لم تكن لديك مؤاخذات من تلك الناحية في الوقت الحالي... فالأحرى أن تتركي له الفرصة كي يتقدم إليك و يكون له حديث مع والدك... أما أنت فواصلي استخارتك... و الله لن يخيبك! هزت راوية رأسها في تفهم... و بدا عليها التفكر، ثم رفعت رأسها لتقول باقتضاب : ـ حسن... سأفكر في الأمر... تواصل سرحان راوية طيلة اليوم في الكلية... كانت مستغرقة في التفكير. كأنها أخذت نصيحتي بعدم التأخير بمعناها الحرفي! هل ستخرج بقرار سريع؟ اليوم؟! تركتها في المفترق المعتاد حيث تنفصل طرقنا... و أوصيتها بأن لا ترهق نفسها كثيرا بالتفكير و أن تتوكل على الله... لكنها لم تكن مركزة معي! لقد سيطر الموضوع على عقلها و لم تعد ترى شيئا سواه... لبثت أفكر في مشكلة راوية طوال السهرة... رغم أنني لم أكن معنية بالأمر إلا أنني لم أكن أستطيع الوصول إلى قرار عقلاني سليم! فكيف براوية المسكينة! كنت أهم بالخلود إلى النوم حين وصلتني رسالة قصيرة على هاتفي الجوال. إنها من راوية! سارعت بقراءتها في لهفة ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة مشفقة و أنا أعيد قراءة الرسالة : (( لقد أرسلت إليه ردي... بالرفض... إقناع والدي شبه مستحيل! لا فائدة من تجشيمه العناء و بعث أمل كاذب في نفسه)) كنت أحس في داخلي بأنها تسرعت... ربما لم أتصور أن تنتهي القصة بتلك البساطة بعد أن رأيت صعوبات كثيرة تتهاوى... بداية من اهتمامه بالإسلام، ثم إسلامه ثم قطعه العلاقة مع خطيبته السابقة... ربما كان عليها أن تعطي نفسها الفرصة... و تعطي جاد الفرصة حتى يثبت وجوده و استحقاقه لثقتها... لكنني لم أملك أن أتهم راوية بالانهزامية أو السلبية لأنني واثقة من أن القرار كان صعبا عليها هي الأخرى... انتهت الحلقة التاسعة بحمد الله |
فعلا مسكينة راوية نفذت اللى عقلها قالها عليه
لما نشوف بقى ايه اللى هيحصلها |
معتش فى النهاردة ولا ايه يا سارة
انتى قلتى هتحطى حلقات كتير يلا بقى يا عسل كملى |
رااااااااااااااااااائع قصه رومانسيه دينيه رائعه فهى رومانسيه فى المقام الاول و ممتزجه بالدين
يلا بقى كملى متتاخريش علينا |
اقتباس:
اقتباس:
ربنا يسهل اقتباس:
|
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حل ما... |
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حل ما... |
الـحـــــــــلقةالـعــــــــــاشرة
ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب،لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة وترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكانيعلى المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثمسمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى وهي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلقبها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتهاعلى الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلاتالتي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كلطلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أنأخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل منالقاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التيخرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذاقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجتبسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التيأقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راويةالتي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت ولا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دوراتالمياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكونقد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أننيأعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حلإلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد مادهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلىالجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلىجانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتنيإذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة علىالاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتهادفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلاأخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلمأن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردتمتجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت فيتأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جادشيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... وقرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكنمن باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـلماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس منالمحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هوإلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددتإليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنتأتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحملمسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لاأحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلاو لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفضبناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتففي يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا وأنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائحالمناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، ومشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم مايمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابهو... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركةمسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حينرفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤيةأوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لمأملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناعالعالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقةتحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لمأستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرودباديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هلترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجلالإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنكرفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... والله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التيليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيهحتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظرأن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارةمن جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيتالموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئيإن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء والاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة منموقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لاأدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال معحسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أنأعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لهادون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لمأعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتمفي خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاتهالمرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخصغريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيراما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راويةيا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلىالمراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعتيدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حلما... |
إن استطاع أحد التعبير عن البراعة فهو تحد كبير
بل إن التحدي الحقيقي هو المرور دون الدعاء لك بالخير الوفير فلندعوا الله لك باخير والتوفيق |
رائع منتظرين المفاجات
وفقكي الله |
خلاص انتى كده كريمة جداااااااااااااااااا
المرة الجاية بقى ان شاء الله تنزلى 15 ماشى الا بالمناسبة هى كام حلقة ؟ |
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها... كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة : ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟ فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة : ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به! شهقت الأخرى و هي تهتف : ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك... هتفت راوية في ضيق : ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج! جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة! ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله... لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية... تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة! عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار! و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها. انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها : ـ آه... وجدتني إذن... ابتسمت و قلت مداعبة : ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟ ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي : ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي! دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت : ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟ لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت : ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟ ردت متجاهلة كلامي : ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب... لكنني واصلت في تأكيد : ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به... فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف : ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة! تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة : ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة! أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد : ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له... قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها : ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟ تأففت راوية و هي تهتف في يأس : ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا... قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر : ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و... قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها... ـ كفى، كفى... فهمت... ابتسمت و أنا أقول : ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي... التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة : ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به... كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى : ـ هل تراه عاد إليها؟ ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول : ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟ نظرت إلي في لهفة و هتفت : ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟! ابتسمت و أنا أواصل : ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد... هزت رأسها موافقة و هي تقول : ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ... ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر! ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف : ـ أصبحت متأكدة من موقفي! اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة : ـ بهاته السرعة! ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف! ثم مالت نحوي في تساؤل : ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟ هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته : ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر! بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت : ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟ نهرتها بشدة هاته المرة : ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟ ردت راوية في خجل : ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته... ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة! نظرت إلي في قلق و هي تهمس : ـ و ما العمل إذن؟ وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر : ـ لا بد من وجود حل ما... |
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ عدت إلى البيت بعد يوم دراسي مرهق، و بعد أن نجحت بصعوبة بالغة في إقناع راوية بأن تترك الموضوع لي و تحاول التركيز على المحاضرات، مع أنني لا أملك حلا محددا... تناهى إلى سمعي أصوات مختلفة و ضحكات مرتفعة قادمة من قاعة الجلوس... عندنا ضيوف إذن! من يكون تذكرنا في هذا اليوم يا ترى؟ عبرت الممشى بخطوات رشيقة فأخذت الأصوات تتضح أكثر فأكثر... بدت لي الأصوات مألوفة لكنني لم أستوعب الأمر جيدا... الصوت يشبه صوت عمتي سهام! لكن عمتي سهام، إنها في أمريكا... هل تكون عادت فجأة؟؟ غير معقول! بدون أن تعلمنا! سارعت الخطو و ارتقيت الدرج إلى المنزل، ثم دخلت القاعة بعد أن طرقت الباب طرقات خفيفة لأنبههم إلى وصولي... التفت الحاضرون إلي و تبادلنا نظرات طويلة مليئة بالمعاني، ثم قامت عمتي سهام بسرعة لتحتضنني قبل أن أصل إليها و هي تقول في إعجاب واضح : ـ مرام، يا حبيبتي لقد كبرت! بسم الله ما شاء الله... بسم الله ما شاء الله! ثم استلمتني سارة صديقة طفولتي، لتبادلني قبلات حارة و على شفتيها ابتسامة واسعة تنطق بالسرور و السعادة... ـ يا الله... لقد تغيرت أنت أيضا يا سارة! مبارك عليك الحجاب! كنت أنظر إلى حجابها بإعجاب... فقد تطلب منها شجاعة كبيرة و مواجهة لمجتمعها الجديد، الذي لا يقتنع بمبادئها... ـ مبارك عليك أنت أيضا يا مرام! أم تظنين أنك أنت فقط تكبرين يا حبيبتي! تبادلنا ضحكات مرحة، ثم جلست إلى جانبها و انخرطنا في حديث ودي... لكن السنوات الماضية صنعت حاجزا بيننا، و غطت ثلوج الشمال المسافة بين قلبينا... فكان من الواجب أولا أن نذيب الجليد... أن تعرف كل واحدة منا ما جد في حياة صاحبتها و ما حل بها في السنوات الأولى للشباب... فانتحينا ركنا من المجلس و انسجمنا في حوارنا و نسينا أمي و عمتي اللتين كانتا جالستين غير بعيد عنا تتبادلان أطراف الحديث. انتبهت على صوت عمتي و هي تتساءل حادجة إياي بنظرة ذات معنى : ـ قال لي طارق أن هنالك من تقدم لطلب يد مرام... فهل تراكم زوجتموها دون علمنا؟ ثم استرسلت ضاحكة! احمر وجهي فجأة على ذكر تلك الحادثة... ما تراه قال لعمتي بالضبط ذاك الفتى؟! وجدت أمي تجيب بسرعة دافعة عنها كل الاتهامات : ـ ما هذا الكلام يا سهام! مرام حتى مازالت صغيرة... و والدها لم يرض بالارتباط أصلا... (ثم بصوت أكثر ثباتا) ولكن أنت من زوّج سناء دون علمنا... و من أمريكي أيضا! بدا أن صفو الحديث بدأ يتعكر، و تحول لون عمتي إلى الأحمر ثم الأصفر... تطلعت إلى سارة، فوجدت وجهها قد امتقع... كان من الواضح أن تلك الزيجة أثرت في العائلة كلها... و تذكرت ملامح طارق حين تحدث عنها في تلك المرة... لا حول و لا قوة إلا بالله... نطقت عمتي أخيرا بعد أن بدأت ملامح أمي تلين و تتحول إلى العطف و الاشفاق : ـ ما حصل لم يكن بيدي... لكن يكفي أنها سعيدة... بادرت لأغير الموضوع : ـ و لكن أين سناء؟ ألم تأت معكم؟ ـ بلى... لقد جاءت معنا... فقد أراد زوجها أن يزور البلد و يتعرف على مسقط رأس زوجته... و قد أخذهما طارق إلى منزلنا مباشرة... فمايكل كان متعبا... لم يتعود على السفر لمسافات طويلة، كما أن الرحلة من أمريكا إلى هنا مرهقة... لكنني و سارة كنا مشتاقتين لرؤيتكم فأتينا مباشرة! هزت سارة رأسها موافقة و هي تؤمّن على قولها : ـ قررنا أن نأتي إلى هنا قبل أي مكان آخر... فلا تدرين كم اشتقت إلى رؤيتك يا مرام! و أنت أيضا يا خالتي... أمسكت بكف سارة بين كفي و ابتسمت في حنان... يبدو أنها لاتزال تعيش غربة صعبة رغم مضي كل تلك السنين! استطرت أمي قائلة : ـ سرّنا كثيرا أن طارق خصنا بالزيارة في المرة الماضية... و يسرنا أكثر أن يكون منزلنا أول مكان تدخلانه بعد المطار! تبادلنا ضحكات مرحة قبل أن تقول عمتي و هي تتطلع إلي بنفس النظرة الغريبة : ـ أنت تعلمين أن أخي سالم هو أقرب إخوتي إلى قلبي... و أن مرام و ماهر هما أحب أبناء إخوتي إلي... بل أنني أحبهما كما أحب أبنائي تماما... ابتسمت مجاملة عمتي، و أنا أتوجس خيفة من هاته المقدمات التي بدت لي غير سليمة! استعذت بالله من الشيطان الرجيم… إن بعض الظن إثم! عمتي تحبني… و ماذا في دلك؟ لكن عمتي استرسلت مخاطبة والدتي : ـ طارق كان سعيدا جدا بزيارتكم... و قد ساعدته الرحلة إلى هنا على تغيير الأجواء و استنشاق هواء الوطن... لكنه أصيب بوعكة حال عودته! تذكرت بسرعة الحال التي غادرنا عليها طارق... يا ربي... هل أنا السبب؟! انتبهت إلى عمتي و هي تتابع : ـ ... لم يعد يطيق المنزل... بل أنه يرغب في العودة النهائية إلى الوطن رغم أنه بدأ مشروعه منذ فترة يسيرة! يا الله... مضت فترة طويلة مذ رحلنا عن الأهل و الأحباب... الغربة صعبة يا أختي... لكن لست أدري أن أفرح أم أحزن لقرار طارق! ثم التفتت إلي متسائلة : ـ ما رأيك يا مرام؟ اكتسى وجهي بحمرة خفيفة و أنا أرد في اضطراب : ـ رأيي أنا؟ فيم؟ استطرت عمتي تشرح الموقف : ـ طارق يا ابنتي يريد العودة إلى الوطن في أقرب فرصة و بدأ مشواره من هنا... فقد كان لزيارته الأخيرة أثر بالغ في نفسه... ثم أضافت باسمة : ـ و أظنكما تحدثتما كثيرا في المرة الماضية كعهدكما منذ سنوات خلت... لم أدر بما يمكنني أن أجيبها... فأطرقت صامتة. لكن أمي أنقذتني من الموقف بقولها : ـ يا سهام... الصغار يكبرون، ينضجون و طباعهم تتغير... طارق ما شاء الله أتم دراسته و يدير مشروعه الخاص، و مرام كبرت هي الأخرى و إن شاء الله تتخرج طبيبة بعد سنوات قليلة... قاطعتها عمتي في لهجة تأكيد : ـ و إن شاء الله نفرح بهما قريبا! ثم التفتت إلى والدتي في اهتمام و هي تقول : ـ قلت أن خطبة مرام لم تتم؟ عسى أن يكون في ذلك خير... بدأت شكوكي تتوثق من نوايا عمتي العزيزة... لكن هل طارق على علم بما تخطط له؟ من المفروض أنه فهم الموضوع جيدا في المرة الماضية و لا سبيل إلا معاودة المحاولة! أم أن عدم حصول الخطبة إلى حد الآن من الممكن أن يعطيه آمالا جديدة؟! قاطع خيط أفكاري رنين الهاتف على الطاولة المجاورة لمقعدي... ـ مرام... هلا رددت؟ ـ حاضر يا أمي... إحساس غريب راودني و أنا أمد يدي لأرفع السماعة من موضعها : ـ السلام عليكم و رحمة الله... كان الصوت متوقعا لكن العبارة بدت في غير محلها! أو ربما غير منتظرة من ذاك الشخص بالذات! ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... طارق؟! ـ نعم... كيف حالك يا مرام... و كيف حال خالي و الوالدة؟ ـ بخير... شكرا لك... عمتي سهام عندنا... ـ نعم... اتصلت لأسألها متى تود أن آتي لاصطحابها إلى المنزل هي و سارة... وجدتني أسأل في ود : ـ ألن تأتي لقضاء السهرة عندنا؟ ـ إن شاء الله في فرصة قادمة... شكرا لك يا ابنة خالي... لكن الجميع متعبون من السفر و لا يمكنني السهر كثيرا... في فرصة قادمة إن شاء الله... لست أدري لم كان قلبي منشرحا بعد أن بلغت طارق بالموعد الذي قررته عمتي و وضعت السماعة... رغم أنه رفض دعوتي بكل لطف و ربما كان لا يزال مستاء مني و من الموقف المحرج الذي وجد نفسه فيه في لقائنا الأخير... لكن التغيير كان واضحا في لهجته، في عباراته، في طريقته و في صوته... |
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ رن جرس الباب الخارجي، فالتفتت عمتي إلي و هي تقول : ـ إنه طارق... هلا فتحت له يا ابنتي؟ تبادلت و أمي نظرة ذات معنى و تلكأت في الوقوف من جلستي فأردفت أمي : ـ ماهر سيفتح الباب... لا تقلقي... ارتفع رنين الجرس للمرة الثانية، ثم لم تمض لحظات حتى سمعنا خطوات ماهر في الرواق و هو يهتف في شكوى : ـ ألم يفتح أحد الباب؟! ابتسمت أمي و هي تقول لعمتي : ـ سررنا جدا بزيارتكما و إن شاء الله نرد الزيارة قريبا... وضعت عمتي كفها على كف أمي في تودد و هي تجيب في تأكيد و قد اتسعت ابتسامتها : ـ نعم، نعم يا حبيبتي... آمل أن نراك كثيرا في فترة مكوثنا هنا... فأنتم أهلنا، و نعم الأهل! تناهى إلى أسماعنا أصوات رجالية في الخارج و بدا أن ماهر يقنع طارق بالدخول في حين كان هذا الأخير متحرجا! و في الأخير ظهر الإثنان أمام باب قاعة الجلوس و ماهر يقول مرحبا : ـ تفضل... تفضل، لا أحد غريب... أمي و أختي و أمك و أختك! ابتسم طارق في حرج و هو يلقي التحية في صوت خفيض : ـ السلام عليكم و رحمة الله... لست أدري لم اشتد وجيب قلبي و أنا أرد التحية... هل هو طارق فعلا؟ طارق الذي زارنا منذ بضعة شهور خلت؟! لفت انتباهي هندامه المتناسق الذي كان في منتهى الذوق و الأناقة... هل هو نفسه الذي كان يتبع آخر تقليعات الموضة الشبابية؟! حتى تسريحة شعرها استبدلها بأخرى هادئة تنم عن رزانة و نضج... اختفت تلك النظرات الوقحة الجريئة... و إذا به يغض بصره و يتحدث في حياء و اتزان! بادرته عمتي هاتفة : ـ ما بك تقف هناك؟ ألن تسلم على ابنة خالك و زوجة خالك؟ احمرت وجوهنا جميعا في حين بدا الارتباك على طارق و هو يجيب : ـ أظنني سلمت يا أمي! همت عمتي بأن تعنفه على "بروده تجاه أفراد عائلته الأعزاء" الذين لم يرهم منذ مدة طويلة!!! فقاطعتها أمي و هي تقول موجهة كلامها لطارق و على شفتيها ابتسامة واسعة : ـ بارك الله في أخلاقك و رزقك زينة العقل يا بني... ثم التفتت إلى عمتي و قالت مؤنبة : ـ ابنك ما شاء الله عليه، يعرف محارمه من غيرهم... فلا تحرجيه و تجريه إلى الشبهات يا سهام! لطمت عمتي صدرها و هي تصدر شهقة استهجان : ـ ما الذي تقولينه يا أختي؟! زوجة خاله و ابنة خاله... فأين المشكلة؟! كلنا من دم واحد! عائلة واحدة يا حبيبتي! ارتفع صوت طارق هاته المرة في ضيق : ـ هيا بنا يا أمي...و سأشرح لك كل شيء في الطريق! التفتت إليه أمي في حنان و هي تردف : ـ ما بك مستعجل يا بني؟ ألن تجلس معنا قليلا حتى يأتي خالك؟ عاجلته عمتي مؤيدة : ـ طبعاااا سيجلس معنا! فأنا لم أكتف منكم بعد... و الجلسة حلوة بوجود الأحباب... أليس كذلك يا مرام؟ ابتسمت في حرج و ضيق حين التفتت إلي عمتي بكليتها تطلب تأييدي : ـ طبعا يا عمتي... طبعا... أحسست بنظرات طارق المترددة تقع علي، ثم جاء صوته كأنه يخرج من بئر عميقة : ـ كيف حالك يا مرام؟ ـ بخير... الحمد لله... شكرا لك... ثم استطرد مخاطبا أمي : ـ أنا آسف يا خالتي... لا يمكنني البقاء أكثر... إن شاء الله في فرصة قادمة... لكن بدا أن عمتي لا ترغب في أن تتزحزح من مكانها و هتفت زاجرة : ـ قلت بأنني سأنتظر خالك! هل يعقل أن أغادر دون أن أسلم على أخي؟!!! بدا الارتباك على طارق فأردفت أمي : ـ معك حق يا سهام... اجلس يا بني قليلا... خالك لن يتأخر... تردد طارق لوهلة و هي يتمتم : ـ و لكن... جذبه ماهر من ذراعه ليجلسه على الأريكة القريبة : ـ ليس هناك ولكن! ـ لكن... هناك من ينتظرني في السيارة... سناء و زوجها ينتظران في الخارج! تبادلنا نظرات واجمة في حين وقفت عمتي و هي تكاد تصرخ من فرط الانفعال : ـ سناء في الخارج و لا تنزل لتسلم على أهلها؟؟ كانت قد قطعت نصف المسافة في اتجاه الباب حين أوقفتها أمي محاولة تهدئتها : ـ اهدئي يا سهام... ربما كانت متعبة أو في حال لا تسمح لها بلقائنا... لا تغضبي منها... ـ أية حال هذه التي تجعلها تقف خارج المنزل و لا تنزل من السيارة لمجرد إلقاء التحية! طارق... أحضر أختك إلى هنا حالا!!! وقف طارق على مضض و هو يتمتم بكلمات غير مفهومة، في حين سيطر جو من التوتر على القاعة... بعد لحظات ظهرت سناء تسبقها ضربات حذائها ذي الكعب العالي على الجليز... و لوهلة ظننت نفسي أمام نجمة من نجوم السينما الأمريكية و ليس أمام ابنة عمتي... فقد كانت تلف قامتها الممشوقة في معطف من الفراء، تطل من تحته تنورة قصيرة يكاد طولها يخفيها تحت المعطف... أما وجهها فكان لوحة زيتية قد يجدها عديمو الذوق "صرخة عصرية في عالم الماكياج"!!! لم أصدق عيني... و أنا أراها ترفع خصلة من شعرها الملون لتعيدها إلى مكانها حتى لا تفسد تسريحتها... و قد بدا بالفعل أنها قادمة للتو من عند مصفف الشعر... و ربما كانت تقصد سهرة ما رفقة زوجها... فهما بطبيعة الحال قد جاءا للسياحة و الفرجة على جمال البلاد... و لا شيء يهمهما من العباد! كانت تلك الأفكار تتوارد على ذهني و هي تقترب مني في خطواتها الرشيقة لتطبع قبلات على خدي في حركة مدروسة... و فلنقل لتلقي بقبلاتها في الهواء حتى لا تختفي طبقات أحمر الشفاه الكثيفة التي كلفت نفسها عناء شديدا لتكون كما هي عليه!!! أحسست بأن التوتر قد تفاقم و ترددت النظرات الحيرى و هي تتصفح الوجوه... و فجأة ارتفع صوت رجالي غريب يهتف في مرح : ـ هاااي... انتبهنا إلى دخول الرجل إثر سناء... بالطبع، من عساه يكون غير مايكل! سارعت سناء للتأبط ذراعه و هي تقول في سعادة واضحة : ـ دعوني أعرفكم على مايك... مايكل زوجي... إنه لا يفهم العربية جيدا... لكنه يتقن بعض الجمل الخفيفة... فأردف مايكل مؤيدا قولها : ـ كيف حالكم جميعا؟ كان ماهر متحمسا و هي يجيبه بأنجليزية ركيكة مبديا حماسه : ـ فاااين... أند يوووو... ثم ارتفعت ضحكاتهما الصاخبة تحت نظرات أمي و عمتي المنزعجتين... لم يطل مكوثهم فقد استأذنت سناء و هي تقول بأنها و زوجها مدعوان للسهرة عند بعض الأصدقاء... و عمتي مضطرة إلى المغادرة باكرا لأنهما سيحتاجان السيارة لبقية السهرة!!! لكنني تمكنت من إقناع عمتي لتبقى سارة عندنا بضعة أيام، فقد لمحت في عيني المسكينة كلاما كثيرا... و علامات الانكسار و الضعف و هي ترى تصرفات أختها الغريبة أمامنا... رافقت عمتي إلى باب الحديقة فالتفتت إلي قبل أن تفتح باب السيارة و قالت و في عينيها نظرة ذات معنى : ـ سأرسل طارق إليكما غدا بالسيارة... فربما أردتما الخروج للنزهة بعد الظهر... |
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ جلست سارة على طرف السرير و هي ترسم على شفتيها ابتسامة حزينة... جلست إلى جانبها وربتت في لطف على ركبتيها و أنا أقول : ـ و الآن... حدثيني بكل ما حصل معك في السنوات الماضية! كيف الحياة هناك و كيف الدراسة... أطرقت سارة في خجل و هي تقول في تردد : ـ الحمد لله... أدركت أنها تخفي عني أشياء... أو أنها تخشى أن تصارحني بمشاعرها و إحساسها بحياتها... فمن الصعب أن نكشف خفايا حياتنا فجأة أمام عينين غريبتين... و من غير الهين أن نتبع الصراحة مع شخص تفصلنا عنه هوة عميقة حفرتها السنوات و الأيام الماضية... أحسست بأنها لا يمكن أن تتحدث إن لم أشجعها، إن لم أبدأ أنا بمصارحتها بتطورات حياتي و بكل ما جد فيها ـ تعلمين أنني دخلت كلية الطب كما أردت دائما... و الحمد لله فأنا الآن في الصف الثالث و أنا أستمتع جيدا بكل لحظة في دراستي... عالم الطب مميز جدا، فأنا أعيش مغامرة جديدة كل يوم، و أتعلم شيئا جديدا... فسبحان الله كيف خلقنا فأحسن تصويرنا... هزت رأسها موافقة و قالت أخيرا : ـ أنت محظوظة حقا يا مرام... فقد حققت ما أردته و درست الاختصاص الذي تمنيته. فقد كنت تتخيلين نفسك دائما طبيبة جراحة! ابتسمت و أنا أتذكر تلك الأيام البريئة حيث كنا نلعب الطبيبة و مريضتها... ثم المدرسّة و تلميذتها... فقد كانت سارة تحلم بأن تصبح أساتذة علوم لأنها كانت تعشق معلمتها في المدرسة الإعدادية. سألتها في اهتمام : ـ و أنت هل تدرسين لتصبحي معلمة كما رغبت دائما؟ هزت رأسها علامة الإيجاب و هي تقول : ـ الحمد لله أن الحصول على الأستاذية لا يتطلب مجموعا كبيرا أو تفوقا في الدراسة الثانوية... ثم أضافت في حرج و هي تبتسم مطرقة : ـ فأنت تعلمين أنني لا أملك نفسا طويلا مثلك... و لا يمكنني الصبر على سنوات الطب الطويلة، و مجموع الطب الكبير... صمتت للحظات ثم استطردت : ـ تعلمين... ربما علمتني الحياة في أمريكا أن أكون قنوعة... فمن المؤكد أنني لن أجد مركزا مناسبا لطموح كبير مثل طموحك، في ظل العنصرية، و إقصاء المحجبات من الوظائف الرفيعة... نظرت إليها في دهشة : ـ ما الذي تقولينه يا سارة؟ أليست أمريكا بلد الحرية و تساوي الفرص؟ ـ ربما كانت كذلك... لكنها بالنسبة إليّ سجن كبير... ففي أية وظيفة مرموقة ينظرون إلى الشكل كثيرا و يهمهم أن تتعامل المرأة مع الرجال بصفة يومية... و عليها طبعا أن تكون منطلقة و مبتسمة، و خفيفة الظل، فتبادلهم النكات و لا تمانع إن ربت أحدهم على كتفها أو عانقها في "أخوة" و براءة! أو ما يعبرون عنه بالانفتاح و الزمالة و ما إلى ذلك!!! ـ و لكنك لست مضطرة إلى مجاراتهم فيما يفعلونه! بإمكانك أن تكوني منشرحة و منطلقة و مبتسمة... و لكن على طريقتك! على طريقة الفتاة المسلمة الحيية التي تفرض احترامها! فالوحدة و الانعزال عن العالم ليسا الحل! عقدت سارة حاجبيها في استياء و هي تقول : ـ لا يبدو أنني سأنجح في مهنة التدريس إلا إن انضممت إلى مدرسة إسلامية للبنات... ـ لا يا سارة... أنت قادرة على النجاح في أي مكان تكونين فيه، عليك فقط أنت تتحلي بقدر عال من الثقة في قدراتك... و أن تضعي نصب عينيك أنك تلعبين دورا هاما في التعريف بديننا هنالك! فالمرأة المسلمة ليست ممنوعة من الخروج و المشاركة في الحياة العلمية و الاجتماعية، بل أنها تلعب دورا هاما في وقتنا الحاضر، و المستقبل سيكون مشرقا بإذن الله... ابتسمت سارة في أسى : ـ مرام، أنت تعلمين أنني لست من ذاك النوع من الفتيات... كنت انطوائية منذ الصغر... و قد تعمق ذلك في طبعي في السنوات الأخيرة... و ربما لست مستعدة لأي تغيير... أطرقت للحظات ثم أردفت : ـ منتهى طموحي الآن أن أتم دراستي ثم أتزوج و أتفرغ لتربية أبنائي... لست أريد من الحياة شيئا آخر... نظرت إليها في دهشة و حيرة : ـ لم أكن أتوقع أن الحياة في أمريكا ستؤثر عليك بهذا الشكل! ظننت أنك ستزدادين انفتاحا على الحضارة الغربية... ليس إلى درجة سناء... و لكن أن تدخلي عالما جديدا، أن تتسع آفاقك و تكبر طموحاتك مع اتساع محيطك و نمو معارفك... لكن يبدو أن التأثير كان عكسيا تماما! حدقّت في سارة و قد تجمعت العبرات في مقلتيها ثم هتفت باكية و هي ترتمي على الفراش : ـ أريد العودة إلى الوطن... سئمت من حياتي هناك! طارق محظوظ لأنه يملك تقرير مصيره و يقدر على اتخاذ قراره بمفرده... لكن أنا... ربتت على كتفها و في عيني نظرة متفكرة : ـ سأتحدث مع عمتي في الأمر... ما رأيك بالإقامة عندنا؟ رفعت رأسها في لهفة ما لبثت أن خبت في عينيها و هي تهمس : ـ أبي لن يوافق أبدا! ـ عمي محمود؟ لماذا؟! ـ طارق لا يزال في صراع معه من أجل العودة النهائية... فهو يرى المستقبل واعدا له هنالك... وطارق لم يعد يطيق البقاء! تعرفين... بعد زيارته الأخيرة للبلد، طارق تغير كثيرا... ربما كان في حاجة إلى فترة استراحة من حياة الغربة كي يوقن بأنه لم يحسن اختيار سبيله في البداية... أنا سعيدة جدا من أجله... لكنني لا أملك نفس شجاعته و قدرته على صنع التغيير في نفسه و في نفوس من حوله... لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية قرار... لا أستطيع... التمعت في عيني فكرة و أنا اهتف : ـ دعي الأمر لي... في تلك اللحظة رن هاتفي الجوال. إنه شخص آخر وعدته بإيجاد حل لمشكلته و ها أنا لا أزال عالقة! ـ حبيبتي راوية... كيف أنت الآن؟ كان صوتها متعبا و هي ترد : ـ لا شيء جديد... كيف تسير الأمور معك؟ ـ اسمعي... ما رأيك في الخروج معنا غدا؟ سيكون من الممتع أن نقوم بنزهة في الغابة المجاورة... ـ"معكم"؟ من أنتم؟ ـ آآ... لم أخبرك أن ابنة عمتي سارة عندنا هاته الأيام... ـ آه... طيب... لا أريد أن أزعج لقائكم العائلي... إن شاء الله في فرصة قادمة... ـ لا تقولي هذا يا راوية... ليس هنالك من إزعاج أبدا... ستحبين سارة جدا... إنها في مثل عمرنا، و هي أيضا مشتاقة إلى التعرف عليك... أليس كذلك يا سارة؟ هزت سارة رأسها موافقة، و أجابت راوية في تردد : ـ حسن... سأحاول... ـ لا، لا... أنت ستأتين معنا لا محالة... سأنتظرك صباح الغد... نريد أن نستمتع بيومنا! ربما لم أكن قد وجدت الحل المناسب لكليهما، لكن النزهة ستساعد على إزالة حالة التوتر و تغيير الجو لبعض الوقت... و ربما تفرج فيما بعد! انتبهت على صوت سارة و هي تسألني على استحياء : ـ كيف يمكن للفتاة أن تكون منطلقة و متفتحة، و تحافظ على دينها و أخلاقها الإسلامية في آن واحد؟ نظرت إليها في دهشة... فلم أكن أمتلك وصفة سحرية أعطيها إياها، لكنها قناعة لدي بأن الإسلام ليس حاجزا بين المرأة و بين طموحاتها، بل هو السبيل إلى أن تحفظ كرامتها و حشمتها و تحقق ذاتها في نفس الوقت... ـ يا حبيبتي يا سارة... المرأة في الإسلام كانت العالمة و الطبيبة و السياسية و هنالك نماذج كثيرة عرفناها على مر التاريخ... بدا لي أن كلامي مبهم و مغرق في المثالية و العمومية فاستدرك بسرعة : ـ ربما يبدو الاستشهاد بالأمثلة التاريخية نوعا ما بعيدا عن واقعنا المعيش... فالظروف تغيرت بالتأكيد... لكن الدين يبقى قابلا للتطبيق في كل زمان و مكان... قاطعتني سارة في حيرة و نفاذ صبر : ـ هلا أعطيتني أمثلة تطبيقية؟ هرشت مقدمة رأسي في تفكّر ثم قلت : ـ حسن... في حالتك أنت مثلا... في كليتك تقام بالتأكيد لقاءات ثقافية و تظاهرات عامة، هل فكرت مرة في حضورها؟ بدا على عليها الارتباك و هي تهمهم : ـ في الحقيقة... لا أهتم بمثل تلك الأشياء... في الكلية أكتفي بحضور الدروس و حسب! هززت رأسي و أنا أقول : ـ يا عزيزتي... إن أول خطوة لتجاوز العزلة و الانطواء هي أن تحاولي المشاركة في مثل تلك التظاهرات، حيث لا يلاحظك أحد و يمكنك أن تراقبي الناس و هو يتكلمون و يتناقشون! تتعلمين منهم في صمت... حاولي أيضا أن تنضمي إلى بعض النوادي الجامعية، حتى تنمي مهاراتك في التواصل و المشاركة في الأعمال الجماعية... إن المشاركة أمر ضروري جدا، لأنك في حياتك المهنية ستجدين نفسك في مواقف حيث التعاون عامل لا يمكن تجاوزه... كما أن عليك أن تتعلمي كيفية مواجهة العالم دون خوف، و كيفية اتخاذ قراراتك الشخصية دون توجيه أو إملاء من أحد! فالمرأة كيان مستقل و لا يمكن أن تظل تابعة لكيان الرجل إلى ابد، سواء كان أبا أم أخا أم زوجا! فلا تظني بأنك بزواجك ستتخلصين من سلطة والدك و تتحررين، لأنك ستركنين إلى سلطة جديدة هي سلطة الزوج، و إن لم تتمكني من ترسيخ معنى وجودك من الآن، فلن يتغير الوضع أبدا... بل ربما يصبح أسوأ إن وقعت على زوج لا يخشى الله فيك! رأيت القلق و الجزع في عينيها و هي تهتف في توسل : ـ ولكن كيف أتغير يا مرام...كيف؟! أمسكت بكفها بين كفي في حنان و أنا أقول : ـ يجب أن تأتي للعيش معنا... |
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ ارتفع صوت منبه السيارة في الخارج، فالتفتت إليّ سارة مبتسمة : ـ يبدو أن طارق قد وصل! تبادلت و راوية نظرة ذات معنا، ثم قمنا ثلاثتنا لجمع حاجياتنا. همست راوية في قلق: ـ هل سيرافقنا طوال النزهة؟ ـ لا تخافي... سيوصلنا و ينصرف... ثم ستتصل به سارة ليأتي لأخذنا بعد بضع ساعات. لقد تغير يا راوية، إنه مختلف جدا عن الشاب الذي رأيته معي أمام الكلية السنة الماضية غمزتني راوية في دعابة و هي تهمس : ـ إذن فهو يروق لك... أليس كذلك؟ دفعتها دفعة صغيرة في غيظ و قد احمر وجهي بعض الشيء و هممت بأن أزجرها حين التفتت إلي سارة متسائلة : ـ هل هنالك شيء ما؟ لوحت بكفي في نفي و أنا أهتف : ـ لا شيء يا عزيزتي... راوية فقط تحاول إغاظتي... ـ إذن تعالين نصعد إلى السيارة... طارق ينتظر! جلست سارة على المقعد المجاور للسائق، في حين جلست في راوية في المقاعد الخلفية. حيانا طارق في أدب جم، ثم أدار محرك السيارة و انطلق و الصمت يخيم علينا. بعد بضع دقائق همست راوية في أذني بصوت خفيض : ـ يبدو رزينا جدا هاته المرة! ابتسمت و أنا أهز رأسي موافقة. في تلك اللحظة التفت طارق إلينا مبتسما و هو يقول : ـ يسعدني أن سارة وجدت أخيرا من يقنعها بالخروج و الاستمتاع بوقتها... فهي قليلة الخروج، و ترفض بطبيعة الحال أن تخرج معي حتى لا يظن الناس أنني صديقها! ابتسمنا جميعا في حين احمر وجه سارة و همست : ـ ليس هنالك ما يدعوني في الخروج هناك... فما إن يرى الناس الشمس حتى يلقوا عنهم ملابسهم بلا خجل... هز طارق رأسه و هو يقول : ـ نعم... لا حول و لا قوة إلا بالله... بادرته مسرعة : ـ بما أنك تنوي الاستقرار في البلد، فلم لا تقنع عمي محمود بعودة سارة معك؟ ستكون بأفضل حال هنا! ابتسم طارق دون أن يلتفت و أجاب : ـ كنت أفكر في الأمر نفسه... فهي في حاجة إلى حياة اجتماعية سليمة... و إلى صحبة صالحة تساندها، بدل أن تعيش غربة مضاعفة... لم أتمالك نفسي أن صفقت في فرح و أنا أقول : ـ سأحاول أيضا أن أتحدث إلى عمتي... ما رأيك يا سارة؟ بدا الفرح على محيا سارة، لكنها ابتسمت في قلق و هي تقول : ـ آمل أن يوافقا... وصلنا إلى المنتزه فقفزنا من السيارة في فرح حاملات سلة اللّمجات و المفرش و زجاجات المياه، في حين انصرف طارق على أن يعود لاصطحابنا بعد ساعات ثلاث... كانت سارة أكثرنا انطلاقا فقد أخذت تركض هنا وهناك على الأرض المعشوشبة تطارد الفراشات الملونة كأنها طفلة صغيرة تخرج للحقول للمرة الأولى، ثم استلقت في إعياء تحت شجرة ضخمة و راحت تتأمل السماء الصافية في انشراح واضح و أشعة الشمس تداعب بشرتها السمراء و تدفئ ملامحها الشرقية التي جمدتها قسوة الشتاء الأمريكي... رأيت على شفتيها ابتسامة عذبة ذكرتني بأيام الطفولة الخالية. وقفت راوية و هي تقول : ـ سأشتري بعض الحلويات من المحل المقابل و أعود حالا... هتفت و أنا أراها تبتعد : ـ لا تتأخري و إلا فلن تجدي لمجتك! ضحكت سارة و هي تلتفت إليّ : ـ أنت محظوظة بصديقة مثل راوية! ابتسمت في ود و أنا أقول : ـ نعم... بالفعل... إنها أفضل صديقاتي و ألزمهن لي منذ الدراسة الثانوية... و ستكون صديقتك أيضا! خاصة إن بقيت للإقامة معنا! سنستمتع معا كثيرا، أنا واثقة! لبثت وسارة نلهو في مرح ونتراشق بوريقات الشجر التي تساقطت عند الجدع... و مرت الدقائق سريعة. انتبهت إلى أن راوية لم تعد بعد... محل الحلويات ليس بعيدا أبدا... فقد لمحته ونحن ننزل من السيارة. حاولت أن أتصل بها على هاتفها الجوال، لكنني لم أتلق أي جواب... كان القلق قد بدأ يتسلل إلى قلبي، و بدأت سارة تلاحظ انقباضي : ـ راوية تأخرت! ـ هل نذهب للبحث عنها؟؟ ما إن وصلنا إلى الباب الأمامي للمنتزه حتى فاجأنا مشهد غير متوقع... كان من الواضح أن معركة ما وقعت منذ لحظات قليلة! و أغرب ما في الأمر هم الأشخاص الذين دارت بينهم المعركة، فقد كان طارق يقف قبالتنا و هو يلوي ذراع شاب آخر و يثبته و وجهه إلى الحائط! في حين كان الشاب يتلوى من الألم و يئن طالبا الصفح! و غير بعيد عنهما كانت تقف راوية و هي تضم ذراعيها إلى صدرها و جسدها يرتعش في ذعر...ركضنا نحوهما في جزع. كانت عينا راوية مغرورقتين بالدموع، أمسكت بذراعها في قلق و أنا أهتف : ـ ما الذي يحصل؟ انفجرت راوية باكية و لم تنبس ببنت شفة. التفتت إلى طارق الذي كان وجهه متجهما و حاجباه معقودين و الغضب باد في عينيه، فقال في حزم : ـ ستصل الشرطة بعد لحظات... من الأفضل أن تذهبن إلى السيارة! ثم رمى إلي بالمفاتيح دون أن يعلق... كان صاحب محل الحلويات يطل من وراء طاولته في فضول. و حين لمح علامات الحيرة على وجوهنا هتف مخاطبا إياي : ـ ذاك الصعلوك و صديقه كانا يحاولان الاعتداء على الآنسة... لكن الآخر هرب حين وصل هذا الشاب الشهم... بارك الله فيك يا بني... نظر إليه طارق نظرة ذات معنى و هو يقول : ـ لكنك لن تشهد بهذا أمام الشرطة... أليس كذلك؟ التفتنا إليه جميعا في دهشة فواصل في حزم : ـ لا فائدة من جر الآنسة إلى التحقيقات... ستقول بأنهما حاولا سرقة محفظتي... ما رأيك؟ هز الرجل الطيب رأسه موافقا بلا تردد و هو يهتف من جديد رافعا صوته بالدعاء لطارق و مثنيا على أخلاقه و شهامته... جلسنا في السيارة ننتظر في حين لم تكف راوية عن البكاء و الارتجاف... ـ أخبريني ما الذي حصل بالضبط؟ أجابت راوية في إعياء : ـ حين خرجت من المنتزه أحسست بأن شخصا ما يتبعني... تظاهرت باللامبالاة و أسرعت الخطو... لكن فجأة أحسست بيد تجذبني من ذراعي و ظهر أحدهما أمامي دون سابق إنذار و هو يتفوه بكلمات معاكسة بذيئة... ذعرت و هممت بالصراخ، لكن الثاني كان يكمم فمي و يحاول حملي من خصري إلى داخل المنتزه حيث الأشجار كثيفة مما يمنع رؤية ما يحصل في الظل... أحسست بهلع شديد و أخذت أتململ بقوة محاولة الإفلات... و بالفعل نجحت في التخلص من قبضته و جريت لخطوات قليلة، لكن أحدهما لحق بي قبل أن أتخطى البوابة الرئيسية و شدني بشدة إلى أن مزق سترتي... و هنا أزاحت ذراعيها الذين كانا ملتصقين بصدرها لتخفي القطعة التي تمزقت من ثوبها... ثم واصلت قائلة : ـ ثم لطمني على وجهي في قسوة كادت تفقدني وعيي، و أحسست بقواي تخور حتى لم أقدر على المقاومة... لست أدري ما الذي حصل بعد ذلك، فقد وجدته يفلتني فجأة مثلما هاجمني... كان أحدهما يركض مذعورا و الآخر يقع على الأرض صريعا... ثم رأيت وجه طارق أمامي يسألني إن كنت بخير... كانت سارة تستمع إليها في انفعال واضح و تهتف في سرور باد من شجاعة أخيها و قوته... أما أنا فقد كنت أحس بفخر حقيقي بابن عمتي و موقفه الشهم... لكنني لم أستوعب شيئا واحدا : كيف ظهر في الوقت المناسب؟ و ما الذي جعله يعود أدراجه بعد أن تركنا في المنتزه؟؟ |
ـــــــــ*×*ـــ((6))ـــ*×*ـــــــــ انتظر طارق وصول سيارة الشرطة، و قص عليهم الحادثة حسب روايته المختلقة، و شهد صاحب المحل كما أراد. لم يتجرأ الشاب المعتدي على النفي أو الاعتراض لأن عقوبة الاعتداء بالتأكيد ستكون أكبر من مجرد الشروع في السرقة! استأذن طارق من العون المشرف على التحقيق ليوصلنا إلى المنزل على أن يتصل فيما بعد بمركز الشرطة ليدلي بشهادته... التفتت سارة في انفعال إلى أخيها و هو يتخذ مقعده في مكان السائق في سرعة و يدير محرك السيارة في عصبية : ـ كنت رائعا يا طارق! لقد فاجأتني بتصرفك السريع و المدهش! لبث طارق صامتا للحظات و قد بدا عليه التوتر ثم قال في شبه همهمة : ـ لم يعد هناك أمان في البلد... ران علينا الصمت من جديد و تبادلت و راوية نظرات قلقة. استطرد طارق : ـ لو لم أعد في اللحظة المناسبة، لكان حصل ما لا تحمد عقباه... كنت أحس بقلق غريب من هذه النزهة منذ البداية و لم أشأ أن أترك ثلاث فتيات بمفردهن في تلك المنطقة الخالية، لكنني في نفس الوقت لم أرد تقييد حريتكن... فانصرفت بالفعل، لكن ما إن ابتعدت عن المنتزه بضعة كيلومترات حتى سمعت رنين هاتف جوال في السيارة... كان هاتف الآنسة راوية قد وقع منها تحت الكرسي... فوجدت الفرصة مواتية حتى أعود و أتفقد المكان... و الحمد لله أن كان سببا في عودتي سريعا... استعادت راوية هاتفها و هي تمتم بكلمات الشكر و الامتنان... وصلنا إلى المنزل و نزلت راوية معنا حتى تتمالك أنفاسها و تغير ملابسها... فوالدة راوية ستقلق كثيرا إن رأت ابنتها في تلك الهيئة، أضف إلى ذلك أنها قد تمنعها من الخروج و تفرض عليها حصارا إن علمت بأنها تعرضت إلى محاولة اعتداء في نزهتها معنا... ظل طارق في السيارة و رفض الدخول إلى المنزل. كان يبدو على وجهه علامات التفكير العميق كأن موضوعا جللا يشغل باله... خرجت سارة لتقدم له كأسا من الماء و هو لا يزال في السيارة، ثم عادت بعد لحظات لتدخل علي في غرفتي، حيث جلست إلى راوية أحاول التخفيف عنها وقع الصدمة. اقتربت مني سارة في هدوء و همست في أذني كأنها تخشى إزعاج راوية و هي في حالتها تلك : ـ طارق يريد أن يتحدث إليك... نظرت إليها في دهشة : ـ إلي أنا؟ ـ نعم، إنه ينتظرك في الحديقة... ـ ألم يقل لك ماذا يريد؟ هزت كتفيها و مطت شفتيها علامة جهلها بما أسأل عنه، فهمست و أنا أقوم من مجلسي : ـ ابقي إلى جانب راوية حتى أنظر ما يريد... خرجت إلى الحديقة و أنا أسترجع عبارات عمتي الغريبة في لقائنا الماضي و تلميحاتها التي تقترب من التصريحات... هل يكون الأمر كذلك؟؟ كان طارق يقف قرب الباب الخارجي و قد أطرق إلى الأرض في اهتمام واضح. ما إن سمع وقع خطواتي على الممشى حتى رفع رأسه و رسم على شفتيه ابتسامة أقرب إلى الحزن منها إلى السرور و قال في صوت هادئ رصين : ـ آسف على إزعاجك في مثل هاته الظروف... أجبت في صوت خفيض : ـ لا بأس... سألني في اهتمام : ـ كيف حال راوية الآن؟ ـ إنها أحسن حالا... هدأت بعض الشيء، لكن تأثير الصدمة لم يكن هينا... هز رأسه في تفهم، فأردفت قائلة : ـ بارك الله فيك... فقد كان تدخلك رائعا... اكستى وجهه حمرة خفيفة و هو يتمتم في خجل : ـ لم أقم إلا بالواجب، و هو ما كان سيقوم به أي شخص آخر شهد الحادثة... ثم أضاف في صوت بدا فيه الغضب : ـ لكن من المؤسف أن الشاب الثاني أفلت من قبضتي... ابتسمت و أنا أقول مطمئنة : ـ الشرطة ستقوم بالواجب... كما أنني لا أظن شريكه سيتستر عليه طويلا... ران علينا الصمت من جديد قبل أن يرفع طارق رأسه من جديد قائلا : ـ مرام... هنالك موضوع ما أود أن أحدثك عنه... تسارعت دقات قلبي و أنا أرد في حذر : ـ خيرا إن شاء الله... تابع في لهجة مطمئنة : ـ كل الخير إن شاء الله... أنت تعلمين يا مرام أن حياتي تغيرت كثيرا في الشهور القليلة الماضية... و لا أنكر أن التغيير الذي طرأ في نفسي هو بفضلك بعد فضل الله تعالى... فقد فتحت عيني على حقائق كثيرة لم أكن أعيرها اهتماما، و قد وعيتها في زيارتي الأخيرة إلى بيتكم بعد أن رأيت تغيرك أنت... قاطعته قائلة : ـ أرجوك يا طارق... لا تنسب إلي أي فضل، فأنا لم أفعل شيئا على الإطلاق... لكن فطرتك السليمة و وعيك بالخطأ الذي كنت عليه هو ما دفعك إلى مراجعة نفسك و إعادة النظر في سير حياتك... و زيارتك لنا لم تكن إلا سببا من الأسباب، و الله يسوق لك السبب المناسب، حتى لو كنت بقيت في أمريكا، فربما كان حدث آخر سيصنع التغيير... ابتسم و هو يصغي إلى كلماتي و أردف بعد لحظات من الصمت : ـ الحمد لله على كل حال... الحمد لله مجري السحاب و مسبب الأسباب... المهم الآن... أنت تعلمين أنني عزمت على العودة إلى أرض الوطن للاستقرار بصفة نهائية... هززت رأسي علامة الإيجاب و أنا أنتظر بقية كلامه في وجل فواصل قائلا : ـ و أعني بالاستقرار، الاستقرار المهني... و العائلي أيضا... بدا عليه التردد للحظات و قد تعلق بصره بالأرض : ـ فأنا في حاجة إلى أن أبدأ مشواري هنا على أسس سليمة و... ربما كنت في حاجة أكثر إلى شريكة حياة تساندني و تقف إلى جانبي لتحقيق طموحاتي... فالاستقرار النفسي و العاطفي، كما تعلمين، مهم جدا لتحقيق النجاح على جميع الأصعدة... يا إلهي... إنه يتحدث عن موضوع الزواج بالفعل! لم يعد بالإمكان تغيير الموضوع بعد الدخول في صلبه! ولكن إلى أين سيأخذنا هذا الحديث يا ترى؟! بدا على طارق الإحراج و هو يتابع : ـ ربما بدا لك الوقت غير مناسب... لكن الأمر لا يتحمل التأجيل بالنسبة إلي، و ربما لا تحين فرصة أخرى في الأيام القادمة... لذا غامرت بمفاتحتك في الموضوع حتى تكون خطواتي المستقبلية على بيّنة... فأنا أبحث في الوقت الحالي عن موقع مناسب لفتح مكتبي الجديد... ثم سأقوم بتهيئة الطابق الثاني من منزل العائلة حتى يكون عشا للزوجية... لذا فمن الضروري أن تكون زوجتي المستقبلية على علم أيضا حتى تستعد هي الأخرى... صمت طارق، فسكتت بدوري و أنا أتساءل في سري : أي جواب ينتظره مني؟! ما هذه الورطة التي وضعني فيها؟ كيف سأصده هاته المرة دون أن أجرح مشاعره؟ ظننته استوعب الدرس في المرة الماضية، فإذا به يعود... و بجرأة أكبر هاته المرة! صحيح أنه تغير... و ربما يظن أن علاقتي بحسام لم تثمر، خاصة بعد أن صرحت أمي بأنني في حل من أية علاقة... ما العمل إذن؟؟ مضت ثواني قليلة قبل أن يتمالك طارق نفسه و يستعيد رباطة جأشه ليقول في صمت كالهمس : ـ مرام... هلا فاتحت صديقتك راوية برغبتي في الارتباط بها... للحظات لم أصدق أذني... راوية؟! غير معقول!!!http://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gifhttp://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gifhttp://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gif انفرجت شفتاي و هممت بقول شيء ما لكن الدهشة كانت قد عقدت لساني و لم أملك التعليق بكلمة... هل هو جاد فعل؟! إذن فهو لم يفكر فيّ أنا بل في صديقتي راوية!! لكن منذ متى؟ و كيف؟ لكن عمتي... هل تعلم بما يزمع القيام به؟! لاحظ طارق الدهشة التي اكتست ملامحي، و فمي الذي ظل مفتوحا في بلاهة دون أن أنبس ببنت شفة فأردف موضحا : ـ ربما تقولين بأنني لا أعرف راوية جيدا و لم أرها كثيرا، فكيف قررت خطبتها... لكنني رأيتها بضع مرات... المرة الأولى كانت في زيارتي السابقة، أمام كليتك... و قد لاحظت حياءها و حسن تعاملها... لكنني في الحقيقة أعتمد أكثر على كونها صديقتك المقربة! لذا أعتقد أنها ستكون في مثل خلقك و التزامك... تضرجت وجنتاي و أطرقت هامسة : ـ حسن... سأفاتحها في الموضوع قريبا... لكن ربما كان وضعها غير مناسب اليوم... هز رأسها موافقا و قال : ـ أعتمد عليك في تحيّن الفرصة المناسبة... انصرف طارق و لبثت واقفة مكاني بالحديقة، متفكرة... هل من الممكن أن تنسى راوية قصة جاد بسهولة و توافق على طلب طارق؟! هل من الممكن أن توافق لمجرد العرفان بالجميل بعد أن أنقذها من محاولة الاعتداء؟ كما أن طارق مستعجل على الزواج... و راوية لا تزال في السنة الثالثة من دراستها الجامعية. فهل سيكون الزواج في مثل هاته المرحلة خيارا مناسبا بالنسبة إلى دراستها و مستقبلها المهني؟ على أية حال... الأمر لها قبل كل شيء... فلم أشغل بالي قبل مشاورتها! تمت الحلقة العاشرة بحمد الله |
اقتباس:
جزاكي الله خيرا على تلك الكلمات الجميله واتمنى أن تباعي معنا باقي الحلقات اقتباس:
مشكوووره لمرورك العطر اقتباس:
كده كتير اووووي يا أسماء هي 14 حلقه |
ايون كده يا سارة متشوقين لمعرفة باقى الاحداث
حاسة ان طارق ده بقى غريب جدااااااا وخصوصا طلبه للارتباط براوية لما نستنى نشوف اللى هيحصل ان شاء الله بس برده جاد احسن من طارق |
ايه ده الحكاية اتعقدت معقول هيترفض للمرة التانية
لما نشوف منتظرين الياقي |
بجد الاحداث اتغيرت 360 درجة
الجمااااااااال ده:028ja7::028ja7::022yb4::022yb4::022yb4::022yb4: بس ماتتأخريش تاني لان الحلقات بات بجد مدهشة وفقك الله;);) وجزاك الله خيرا |
اقتباس:
اه فعلا معاكي حق يا أسماء انا عن نفسي بحس إنه عاوز يثبت نفسه لمرام خصوصا بعد تغيره المفاجيء ده وفعلا انا بحس إن جاد أفضل بس متنسيش إن في مشاااااااااااااااااكل كتير أووووي هتحصل لو راويه وافقت على جاد خصوصا إن مامتها مش موافقه وباباها كمان تعالي نشوف إيه المفاجأااات اللي جايه :bosyht9: اقتباس:
بس أعتقد لما تشوفي الحلقه الجايه الإجابه هتوضح:friendsxs3: اقتباس:
فغلا الأحداث إتغيرت كتير بس 180 درجه بس بعد الحلقه الجايه ممكن تبقى 360 :p من عيوني إن شاء الله مفيش تأخير تاني وتابعينا |
الحلقة الحادية عشر ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ موافقة... لم أصدق أذنيّ و أنا أسمع تلك الكلمة، و اتسعت عيناي عن آخرهما و أنا أحملق في الفراغ، و قد ارتخت يدي عن سماعة الهاتف التي كانت في يميني... هتفت في تنبيه : ـ راوية، هل فكّرت جيدا في قرارك؟ لا تتسرعي... إنه زواج و ليس لعبة! جاءني صوتها و قد شابه بعض التردد : ـ إنها موافقة مبدئية يا مرام... ثم فترة الخطبة ستمكن كلينا من اتخاذ القرار النهائي... أليس كذلك؟ قلت في قلق : ـ و جاد؟ ماذا عنه؟ أجابت راوية في استغراب : ـ ماذا عنه؟ هتفت من جديد و الدهشة تغمرني : ـ هل نسيته بسرعة؟ ألم تكوني تعيشين في أرق و سهاد متواصل لأنك ظننتك أنك تسرعتِ في رفضه؟ تنهدت راوية تنهيدة قصيرة و قالت : ـ حين فكرت في الأمر أكثر، وجدت أنني قد أغامر طويلا و أحارب عائلتي و أهلي و أهله إلى أجل غير مسمى من أجل هدف غير مضمون... و قد أرفض خطابا كثيرين في انتظاره، ثم لا يكون هنالك نصيب! لذا فقد استخرت الله و قررت الموافقة على طارق... و إن لم نكن متوافقين فسيظهر ذلك جليا في فترة الخطوبة. ما رأيك؟ تنهدت في تسليم... لم أكن أستطيع أن أقول أية كلمة أخرى! راوية لم تكن تعلم عن مشاعر طارق السابقة ناحيتي... و لم أملك أن أخبرها عن شيء منها حتى لا تساورها شكوك في نواياه... لكنني في نفس الوقت كنت متخوفة منه. و خطرت على بالي كلماته الأخيرة في الحديقة... حياني و ابتعد باتجاه الباب الخارجي، لكن قبل أن يختفي تماما، التفت نصف التفاتة و همس مبتسما، نفس الابتسامة المرة التي لمحتها على شفتيه حين مغادرته منزلنا منذ بضعة أشهر : ـ وفقك الله مع حبيبك... ثم انصرف دون أن ينتظر تعليقي... أما أنا فقد وقفت مشدوهة، لا أدري ما علي عمله أو قوله! أخرجني نداء أمي القادم من خارج الغرفة من تخيلاتي فقلت لراوية : ـ حسن، أتركك الآن... نداء عاجل من والدتي... أراك لاحقا... السلام عليكم و رحمة الله... وضعت السماعة في نفس اللحظة التي أدارت فيها أمي مقبض الباب و هي تقول مبتسمة : ـ عندك ضيوف... ثم ظهرت من خلفها دالية و على شفتيها ابتسامة واسعة. قفزت من مكاني و سارعت إلى معانقتها في فرح : ـ ما هذه المفاجأة الرائعة! و أخيرا ظهرت!! جلست إلى جانبي على السرير و هي تقول : ـ لا تعلمين يا مرام كم كنت مشغولة في الفترة الماضية... هززت رأسي في عتاب و قلت : ـ طبعا مشغولة عن كل الناس... فتختفين بكل بساطة، و إن اتصلت بك تقول أمك بأنك خرجت إلى مكان ما... و لا تكلفين نفسك عناء الاتصال فيما بعد! حتى في الكلية لا تظهرين بتاتا... ما الأمر يا دالية؟ أنت تخفين شيئا ما! احمر وجه دالية و هي تطرق في خفر و قد علت شفتيها ابتسامة جذلة... حملقت فيها في دهشة : ـ انطقي بسرعة، فقلبي يحدثني بأمر جلل! ضحكت دالية ضحكة قصيرة وقالت : ـ في الحقيقة... كنت أجهز... لزفافي... ظهرت علي علامات عدم التصديق و قلت في بلاهة غير مقصودة : ـ زفاف من؟! ضحكت من جديد و قالت معتذرة : ـ حدث كل شيء بسرعة شديدة، و لم تكن لدي فرصة لأخبرك... أنا آسفة حقا لأنني لم أخبرك في الإبان... عانقتها في فرح حقيقي و أنا أقول مهنئة : ـ ألف مبروك يا حبيبتي... مع أنني أعتب عليك كثيرا! لكن اشرحي لي بالتفصيل، من هو و كيف حصل ذلك... ولماذا و متى ووو... اعتدلت في جلستها و قالت : ـ حسن... في الحقيقة هو أحد أقربائنا... لكنه سافر للدراسة ثم العمل في كندا، و لم أكن قد رأيته منذ فترة طويلة... لكن أمه تزورنا باستمرار و هي من صديقات أمي المقربات... و قد طلب منها مؤخرا بأن تبحث له عن زوجة مناسبة، فوقع اختيارها علي! فسأل أبي عن العريس عن طريق أحد معارفنا في كندا... ثم تمت الموافقة! نظرت إليها في دهشة و هتفت : ـ و أنت ما رأيك في العريس؟ اكتسى وجهها حمرة من جديد : ـ يقولون بأنه على قدر من التدين و الأخلاق... و مستواه الاجتماعي جيد... يعمل مهندسا في شركة مرموقة في كندا... وسيم و أنيق... عاجلتها بسؤال ثان : ـ هل رأيته؟ ـ كنت أعرفه في الصغر... ثم رأيته في الصور... ثم التقينا منذ أسبوع حين جاء للقاء أبي... ـ هل تحدثت إليه؟ ـ قليلا... كان مستعجلا نوعا ما... و عليه الاهتمام بالكثير من الترتيبات قبل السفر... فهو سيبقى هنا ثلاثة أسابيع فقط، سيتم خلالها عقد القران... على أن يقام الزفاف في أجازته المقبلة... هتفت في استغراب شديد : ـ أية معاملات من الممكن أن تكون أكثر أهمية من الجلوس إلى زوجته المستقبلية و التعرف عليها عن كثب؟! خطر على بالي سؤال آخر بدا لي ملحا : ـ كم عمر العريس؟ بدا عليها الارتباك و هي تقول : ـ فارق السن ليس مهما... فكلما كان الرجل أكبر، كلما كان أكثر نضجا و كلما كانت حنكته في الحياة و خبرته المهنية كافية ليتحمل مسؤولية بيت و زوجة، خاصة في الغربة... قاطعتها في إصرار : ـ دالية، كم عمره؟ ـ 38 سنة... شهقت في فزع و هتفت في استنكار : ـ دالية! أنت لم تبلغي الثانية و العشرين بعد! كيف ترتبطين برجل يكبرك بأكثر من 15 عاما؟! ابتسمت دالية و هي تقول في حرج : ـ لماذا ترين المسألة على أنها كارثة؟ هتفت من جديد و أنا أقول : ـ طبعا كارثة، أن تنقطعي عن دراستك و ترتبطي بشخص يكبرك بعدد لا يستهان به من السنوات، لا تعرفينه، و لا يهتم هو بأن يتعرف عليك، ثم تسافرين و تبتعدين عن أهلك لتلاقي حياة مجهولة المعالم في الغربة! و ما رأي حسام في الأمر؟ أطرقت دالية للحظات و هي تقول : ـ حسام لم يكن موافقا في البداية... و قد قال نفس كلامك... لكن وليد تحدث إليه و أقنعه بأنني لن أنقطع عن دراستي بل سأواصلها هناك، كما أنه وعده بأن يسهل له الانضمام إلى كلية الطب في كندا، حتى يسافر معنا... أحسست بدوار عنيف، و مادت الأرض تحت قدمي و لم أنطق بكلمة... حسام؟! هل تبيع أختك بسهولة من أجل مستقبلك المهني؟ كيف تفكر بهاته الطريقة؟ لاحظت دالية علامات الذهول في عيني فقالت مطمئنة : ـ لا تسيئي الظن بحسام، فهو لم يوافق من أجل دراسته و مستقبله... بل لأنها طريقة تمكنه من البقاء إلى جانبي حتى لا أحس بالغربة وحدي و حتى يتأكد من سلامة نوايا وليد و معاملته الحسنة لي! ثم هو لم يوافق إلا لأن أمي و أبي كانا موافقين على وليد و لم يملك أن يغير رأيهما فوافق على اقتراحه... ثم ألا تجدين أن اقتراح وليد يدل على إخلاصه و صدقه؟ كنت قد هدأت بعض الشيء... و سرحت قليلا أفكر في سفر حسام إلى كندا، فانتابني قلق مفاجئ... هل كل من يسافر إلى الغرب يتغير؟ و ما أدراني بأنه يعود مثلما سافر، حسام الذي عرفته و أعجبت به؟ التفتت إلى دالية مجددا و أنا أقول : ـ و لكن يا دالية... أنت حتى لم تحضي بفترة خطبة تدرسين فيها شخصية زوجك المستقبلي لتعرفي مدى ملائمة طباعه لطبعك! ألا تحسين بالغيظ لأنه اهتم بكل التفاصيل إلا الجلوس إليك و محادثتك عن مشاريعه و اهتماماته؟ ـ في الحقيقة هو جلس إلى أبي و حسام... حتى حسام كان مقتنعا بشخصيته، لكن جل ما يقلقه هو فارق السن... ساد الصمت للحظات قبل أن تهتف دالية : ـ كدت أنسى سبب زيارتي لك... تطلعت إليها في اهتمام فقالت مبتسمة : ـ حسام يقرئك السلام... و يطلب موعدا مع والدك قبل سفره... ثم اقتربت مني و همست : ـ كما أنه يريد أن يراك... غدا... في المكتبة... |
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ جلست إلى طاولة غير بعيدة عن المدخل، حتى تسهل رؤيتي للداخل إلى المكتبة، ثم أخرجت كتبي و كراساتي و وضعتها أمامي، مبعثرة على الطاولة، و أكببت عليها كأية طالبة مجتهدة منسجمة مع مراجعتها غير عابئة بما يدور حولها... غير أنني كنت أرفع رأسي بين الفينة و الأخرى لألقي نظرة على المدخل كلما سمعت صرير الباب و هو يفتح... كانت راوية تجلس إلى جانبي و هي تكتم ضحكتها بصعوبة : ـ من يراك لا يمكن أن يشك بأنك على موعد! حدجتها بنظرة تنمّ عن التحدي و تفصح عن الغضب الذي يعتمل في صدري : ـ و من قال بأنني أهتم لموعده؟! أنا هنا مثل العادة، أراجع دروسي... أطلقت راوية ضحكة قصيرة و هي تقول : ـ إذن توقفي عن مراقبة الباب! فإن عيونك تفضحك... أشحت بوجهي في عصبية و هتفت : ـ هل تتصورين يا راوية... يفكر و يقرر و لا يهتم حتى برأيي! كأنني طرف ثانوي في حياته... ثم يطلب موعدا لتوديعي!! ما الداعي يا ترى؟ ألم يكن من الأفضل أن يرسل إلي بطاقة معايدة من كندا بعد بضعة شهور؟! قالت راوية مهدئة : ـ أنت تعلمين أن كل شيء حصل بسرعة و دون سابق تخطيط... فهو اضطر إلى السفر حتى يكون إلى جانب أخته... ـ نعم، ذكرتني... و قصة دالية أيضا... ألم بإمكانه أن يتخذ موقفا ليمنعها من الارتباط بذاك الشخص الذي في سن والدها؟ ـ يا مرام، يا حبيبتي... إن كانت دالية موافقة و والداها موافقان، فهل سيعني رفضه شيئا؟!!! تنهدت في حسرة و ألم ثم هتفت في مرارة : ـ و لكن ذلك لا يمنع أنني مغتاظة منه... جدا!!! لم تعلق راوية على كلماتي... بل أنها لم تملك الوقت لتعلق، لأنه في تلك اللحظة تناهى إلى مسامعنا صوت مألوف ألقى علينا السلام : ـ السلام عليكم و رحمة الله... رفعت رأسي مذعورة لأجده أمامي مباشرة... يا إلهي، لقد غفلت عن مراقبة الباب و انهمكت في الحديث مع راوية! منذ متى و هو هنا يا ترى؟ هل سمع ما قلته؟ على أية حال لا يهم، بل من الأفضل أن يعلم موقفي منه... اكتسى وجهي بعض الحمرة و أنا أرد بصوت لا يكاد يسمع : ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... جذب حسام الكرسي المقابل و جلس إلى الطاولة في هدوء و على شفتيه تلك الابتسامة الأزلية التي لا تكاد تفارقهما... كم اشتقت إليه، و كم اشتقت إلى حديثه، إلى صوته و ضحكته... لكنني كنت مغتاظة، تتصارع في داخلي رغبتي في الابتسام و السؤال عن حاله بعد غياب دام بضعة شهور، و حاجتي إلى التنفيس عن غضبي و معاقبته على تجاهله لي... ـ كيف حالك يا مرام... و كيف أحوال الدراسة؟ انتصرت الابتسامة على التكشيرة فرفعت رأسي لأقول في استسلام : ـ الحمد لله... كل شيء على ما يرام... ثم التفت إلى راوية و قال : ـ راوية، قولي الحقيقة... هل تأكل جيدا، و تهتم بصحتها؟ ابتسمت راوية و قالت : ـ كما ترى... وجهها شاحب يحاكي شحوب الأموات... لكنني لست واثقة إن كان في الأمر مرض ما... أم أنها عوامل نفسية... الامتحانات و ما شابهها... و ما إن أنهت عبارتها تلك حتى وقفت و هي تقول : ـ أحتاج بعض الكتب... سأعود بعد قليل... ثم ابتعدت و اختفت بين الرفوف... خيم علينا الصمت للحظات قبل أن يبادر حسام : ـ أعلم أنك مستاءة مني... لأنني لم أسأل عنك منذ فترة... و لكن أتذكرين ما اتفقنا عليه... أن نجاهد أنفسنا... و قد حدثتني نفسي كثيرا بالقدوم إلى الكلية، و رؤيتك حتى من بعيد... و لكنني أعلم أنني إن أذعنت لرغباتي مرة فلن أقدر على مقاومتها مرات، لذلك آثرت أن نضل بعيدين عن بعضنا البعض... حتى أنتهي من الدراسة النظرية. لم يتبق الكثير... بضعة شهور فقط... ثم... رفعت رأسي و قاطعته قائلة : ـ ثم تسافر إلى كندا!!! زمّ شفتيه و تنهد قائلا : ـ كنت أعلم أن هذا ما يزعجك... عقدت ذراعي أمام صدري و قلت دون أن أنظر إليه : ـ ماذا كنت تتوقع مني؟ أن أهنئك على قرارك السليم الذي جاء في الوقت المناسب؟ كنت أنتظر نهاية السنة بفارغ الصبر حتى يوافق والدي على إعلان الخطبة رسميا... لكن الآن... نظر إلي في قلق و لهفة : ـ الآن ماذا يا مرام؟ هل ستغيرين رأيك؟ اغرورقت عيناي بدميعات منعتها من التدحرج على خدي و أشحت بوجهي حتى لا يتفطن إليها و أنا أهمهم : ـ سفرك إلى كندا لم يكن في الحسبان و أنت حتى لم تسألني عن رأيي! ثم ما مصير علاقتنا برأيك بعد سفرك؟ و كم سيدوم هذا السفر؟ بدا عليه الارتباك و هو يقول في توسل : ـ أعلم أنني وعدتك بأن نتزوج في أقرب فرصة ممكنة... و لن أخلف بوعدي... إلا أن بعض الظروف تغيرت... إن سافرت إلى كندا فإنني سأتم هنالك الدراسة التطبيقية و التخصص... يعني خمس أو ست سنوات... و بالطبع يمكننا أن نتزوج في الأثناء و تسافرين معي... رفعت رأسي وقلت في حدة : ـ و من قال لك بأنني أرغب في العيش في كندا؟ حين عرفتك ووافقت عليك لم يكن هذا مشروعك... ألا ترى أنه من حقي أن أغير رأيي بعد أن تغيرت المعطيات؟ اكتسى وجهه مسحة من الوجوم، ولبث ساكتا للحظات، ثم قال و قد تغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر عمقا... و حزنا : ـ مرام، أنت تعلمين أنني أفعل ذلك من أجل أختي... دالية... و مسألة السفر لم تكن لتخطر على بالي في يوم من الأيام... و لو كان أمامي أي حل آخر لما ترددت... لكن للضرورة أحكام... صحيح، لست أنت المسؤولة عما يحدث مع دالية، بل أمي و أبي و دالية نفسها... لكن ألا ينبغي أن يكون أحدنا عاقلا ويفعل شيئا ما لحمايتها؟ كنت أنتظر منك قدرا أكبر من التفهم... اختفت الحدة من صوتي و أنا أقول في لين أكبر : ـ و لكنك فاجأتني يا حسام! وضعتي في موقف لا أحسد عليه! أليس من المفروض أن نخطط لحياتنا معا... نفكر معا و نقرر معا... ثم حتى إن وافقت أنا، فمن قال بأن أبي سيوافق؟ إن ما يلاحظه من تغييرات في حياة أبناء عمتي سيجعله يقلق علي، و أكيد لن يعجبه الوضع! عادت الابتسامة لتزين وجهه الوسيم و هو يقول : ـ من أجل ذلك طلبت موعدا معه... حتى أوضح له خططي المستقبلية و أشرح له التغييرات التي طرأت... المهم أن تكوني أنت موافقة... ترددت للحظات قبل أن أقول : ـ و إن لم أوافق... كيف ستتصرف؟ ألقيت بسؤالي كالمقاتل الذي يلقي قنبلته في ساحة المعركة ثم ينبطح وراء كثبان الرمال... لكنني لم أجد كثبانا قريبة أختفي خلفها فنظرت إليه مترقبة ردة فعله... لكنه أجاب في هدوء حزين : ـ مرام... أنت أعقل من تضعيني في خيار بينك و بين أختي... أطرقت في خجل... فتابع : ـ لكن... إن عارض والدك، فعليك مساعدتي لإيجاد حل مناسب... وقف من مجلسه و هو يهمس : ـ مرام... أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف كهذا... لم أرد أن يكون لقاؤنا بعد شهور طويلة من الفراق كئيبا هكذا... لكنني في حاجة إلى مساندتك حقا... اعتبريها إحدى التضحيات الكثيرة التي ستقابلنا في مشوارنا معا... كنت لا أزال مطرقة و في عيني ألم و خوف و قلق... فقال و هو يهم بالانصراف : ـ فكري جيدا... و أنا في انتظار ردك... السلام عليكم و رحمة الله... رفعت رأسي و هممت بأن أقول شيئا ما، لكنه كان قد ابتعد في خطوات واسعة سريعة... فظلت عيناي معلقتين بطيفه الذي توارى خلف الباب و تمتمت شفتاي بصوت مهموس كان من المستحيل إلى أن يصل إلى مسامعه : ـ وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته... هزت راوية كتفي في رفق و هي تهتف : ـ مرام، ما بك؟ هل انصرف حسام؟ ثم التقطت شيئا كان موضوعا على الطاولة أمامي : ـ و ما هذا؟ هدية؟ انتبهت ونظرت إلى المغلف الظريف الذي كان بين يديها، ثم اختطفته من بين يديها و قلبته في حرص... لقد أحضر لي هدية! إنها المرة الأولى التي تصلني فيها هدية منه! كنت لا أزال أمسك بالمغلف دون أن أفتحه، فهتفت راوية : ـ هيا... هيا... افتحيها و دعينا نرى! هززت كتفي في عناد و أخفيت العلبة في حقيبتي و أخذت أجمع أدواتي في عجلة... ثم التفتت إلى راوية و في عيني نظرة غريبة : ـ راوية... يجب أن نقنع دالية برفض العريس! |
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ أمسكت راوية بذراعي في صرامة، بينما كنت أحث الخطى إلى قاعة المحاضرات و هي تقول : ـ إن كنت تريدين حقا مصلحة دالية فانسي تماما مسألة سفر حسام! مرام، أنا معك في أن راوية ربما تكون تسرعت في موافقتها على هذا الزواج... و ربما تكون مبهورة بالسفر، و اكتشاف عالم جديد... لكن علينا أن نستمع إليها و نفهمها قبل أن نحكم على قرارها بأنه خاطئ... و أن نكون لها صديقتين، تنصحانها و تخافان عليها... دون أن نترك لمصالحنا الشخصية الفرصة للتشويش على حكمنا... قاطعتها في انفعال قائلة : ـ لكن قرارها لا يلمسها وحدها! زواجها سيغير مستقبل حسام و مخططاته تماما! و أنا أيضا... قرارها يمسني بشكل غير مباشر... هزت راوية رأسها علامة عدم التأييد : ـ حسام اختار أن يسافر مع أخته... و زواجها لا يلزمه بالسفر معها... إطلاقا... كان عرضا من الخاطب، و حسام وافق... يعني لا سبيل إلى إلقاء اللوم على دالية و لا على زواجها... توقفت فجأة و تنهدت بعمق، قبل أن أواصل السير من جديد، بخطوات أكثر بطأ. تابعت راوية نسقي و هي تتطلع إلي متسائلة : ـ ماذا الآن؟ التفت إليها و أنا أحاول الابتسام : ـ حسن... ربما تستطيع دالية إقناع حسام بالبقاء... نظرت إلي راوية في دهشة، بينما تابعت سيري إلى قاعة المحاضرات... و أنا أقول : ـ بالتأكيد، هنالك حل لهذه الورطة... و سأجده بإذن الله... لحقت بي راوية و هي تلهث و هتفت : ـ هل ستقابلين دالية اليوم؟ ابتسمت في هدوء قائلة : ـ لا تخافي, سأحاول قدر الإمكان أن أنصحها بإخلاص... و سأفصل الموضوعين تماما... ثم أنت ستكونين معي لتنبيهي... أليس كذلك؟ ابتسمت راوية موافقة و هي تتمتم : ـ أرجو أن تنتهي هاته القصة على خير! ما إن انتهت المحاضرات حتى تركت راوية و طرت بسرعة إلى المنزل... بالطبع، فأنا منذ مغادرة حسام لقاعة المكتبة أنتظر الفرصة المناسبة حتى أختلي بنفسي... و أفتح الهدية! كانت العلبة في شكل متوازي أضلاع... تشبه شكل الكتاب... لكن ارتفاعها يوحي بأنها لا يمكن أن تكون كتابا... ربما كتاب ضخم؟! أو كتابان؟ أو كتاب و شيء آخر له نفس الشكل؟ أعياني التفكير في محتوى العلبة! دخلت المنزل مسرعة بعد أن ألقيت السلام و توجهت مباشرة إلى غرفتي... لكن... سارة كانت في الغرفة... تجلس أمام حاسوبي... اممم... حسن... أريد أن أكون بمفردي حين أفتحها... لكن لا بأس... سأفتحها أمام سارة... فهي ليست غريبة، و سترى الهدية عاجلا أم آجلا... ألقيت السلام على سارة و جلست على الفراش و أنا أخفي ابتسامتي... ردت سارة السلام دون أن تلتفت إلي، فقد كانت منهمكة في إحدى الألعاب الجديدة التي يدمن أخي ماهر اقتناءها... أخرجت العلبة من حقيبتي في هدوء و أنا ألحظ سارة بطرف خفي. هل ستنتبه إلي؟ لكن كان يبدو عليها الانسجام التام مع لعبتها، فأخذت أنزع الغلاف في هدوء تام حتى لا أثير انتباهها... لكن يبدو أن خشخشة ورق التغليف المميزة جعلتها تلتفت إلي في فضول... و ما إن لمحت العلبة بين يدي حتى أهملت الحاسوب و لعبة الحاسوب و قفزت لتجلس إلى جانبي و على شفتيها ابتسامة مميزة : ـ ممن الهدية إذن؟ ابتسمت و قد احمر وجهي في خفر : ـ من حسام... قفزت سارة في حماس في مكانها، و هي تهتف : ـ ماذا تنتظرين... هيا افتحيها... امتدت أصابعي في حذر لتزيل ما تبقى من ورق التغليف... ثم وقعت عيناي على الهدية المكونة من جزئين... كان الجزء الأول علبة أقراص مضغوطة... فتحتها و قد اتسعت ابتسامتي سرورا... فأنا أثق في ذوق حسام، و أنه بالتأكيد قد اختار عددا من الدروس الدينية و التنموية المتميزة التي يعرف مدى شغفي بها... و بالفعل، لم أكن مخطئة في تقديري... لبثت أقلب كنزي الثمين بين يدي و الابتسامة لا تفارق شفتي... كم أنت رائع يا حسام! فقد عرفت كيف تسترضيني و تطيب خاطري... انتبهت على صوت سارة و هي تهتف مداعبة : ـ مرام... ألن تفتحي هذه؟ التفتت لأجدها تمسك بين يديها الجزء الثاني من الهدية، الذي غفلت عنه في غمرة سروري بالجزء الأول... مددت يدي بسرعة لآخذ منها علبة الشكولاطة التي كادت تشرع في فتحها... و فجأة تقلصت الابتسامة على شفتي لتختفي تماما... و حلت في عيني نظرة دهشة و استغراب... و حزن... تطلعت إلي سارة في دهشة بدورها و هي تلحظ التغيير المفاجئ الذي طرأ علي : ـ مرام... هل هنالك ما يزعجك؟ ما الأمر؟ كانت علبة شكولاطة فاخرة و شهية... تنم عن ذوق رفيع... و قد كنت من محبي الشكولاطة... إلى هنا ليس هنالك أية مشكلة... لكن... حين قرأت اسم الشركة المصنعة على العلبة تملكني حزن مفاجئ... نعم، إنها شركة تساند العدوان الصهيوني على إخواننا الفلسطينيين... شركة من أول الشركات الموضوعة على لائحة المقاطعة الإسلامية! و لكن حسام لا يدرك كل هذا؟! كيف يمكنني أن أفرح بهديته؟! و سارة هي الأخرى، لم تفهم سبب انزعاجي... هذا يعني أن الاسم لا يعني لها شيئا... بل ربما كانت ثقافة المقاطعة نفسها لا تعني لها شيئا! و لكن، كيف لي أن ألومها و هي قد عاشت سنوات طويلة في المجتمع الأمريكي حيث تختلف القيم و المبادئ... بل ربما لم تكن تعي شيئا من التغيرات و التحولات التي يعيشها عالمنا العربي... نظرت إليها في و أنا أقول في مرارة : ـ إنها شركة يجب مقاطعة منتجاتها... لأنها تساند العدوان الإسرائيلي و الأمريكي على إخواننا في فلسطين... من المفروض أن لا يقتني منتجاتها، فضلا على أن يهديني منها! رأيت علامات الدهشة في عيني سارة... و بعد تردد قصير قالت : ـ و هل تؤمنين أنت بأهمية المقاطعة؟! اتسعت عيناي دهشة و أنا أتفحص ملامحها اللامبالية : ـ طبعا!!! و هل في الأمر شك؟ هل من المفترض أن نساعد اقتصاديا من يسعى إلى أخذ القدس منا؟ من هدفه سلب أراضي المسلمين و تشريد أبنائهم؟! عقدت حاجبيها في غير اقتناع و هي تقول : ـ و هل تظنين أن مقاطعتك أنت و حسب... بل فلنقل مقاطعة عدد من المسلمين لهاته المنتجات سيؤثر كثيرا على اقتصادها و مرابيحها؟ هل تظنين أنهم سيتأثرون بفقدان عدد قليل من الزبائن؟ إن هذه الشركات ذات رؤوس أموال ضخمة... و مبيعاتها في العالم تتسع كل يوم... إضافة إلى أن منتجاتها ذات جودة عالية مقارنة بما يوجد في الأسواق... فلم نحرم أنفسنا من منتوج متميز، سعيا وراء تحقيق هدف شبه مستحيل؟! كما أن هاته الشركات الأجنبية تساهم في الرقي باقتصادنا... و تشارك في عملية التشغيل... لم أستطع السيطرة على انفعالاتي و أنا أهتف في اعتراض : ـ ألا تعلمين أن هاته الشركات التي تحظى بتمويل من رؤوس أموال صهيونية تسعى إلى القضاء على منتجاتنا المحلية و إغراق السوق بمنتجاتها حتى تضمن استمرار التبعية الاقتصادية العربية إلى كل ما هو أمريكي و صهيوني،حيث يتم تقديمها بأقل الأسعار و مدعومة بحملة إعلانية مميزة تتسبب في انهيار المنتج الوطني والانفراد بالسوق، ثم يرتفع السعر تدريجيًّا لتعويض خسارته، إضافة إلى أن المشروعات الأمريكية والصهيونية التي تقام في بلدنا هدفها الربح فقط دون مساهمة في دعم البنية الاقتصادية الوطنية مثل مشكلة البطالة... حيث إنَّ كل فرصة عمل لديهم تؤدي إلى ضياع ثلاثة فرص لدى الشركات الوطنية ناهيك عن أنها وظائف دنيا لا تكسب خبرة أو كفاءة يستفيد منها المجتمع... رفعت سارة حاجبيها في عدم تصديق، فواصلت في اصرار : ـ ثم من قال أن المقاطعة لا تحدث أضرارا لدى هاته الشركات؟ بالعكس... فقد أثبتت المقطعة فاعليتها على امتداد السنوات القليلة الماضية... فقد ساهمت في إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وتراجع صادرتها من 22 مليار سنة 98 حتى وصلت إلى 16 مليار دولار سنة 2003... لدا فإن علينا أن نواصل الطريق و نستمر في دعم المنتج المحلي و مقاطعة كل الشركات التي تساند عدونا... ثم تابعت في شيء من الفتور : ـ و يؤسفني أن حسام لا يؤمن بضرورة المقاطعة... بدا الأسف في صوت سارة التي بدأت تقتنع بموقفي : ـ ربما لم يكن يعلم أن هاته الشركة بالدات هي من الشركات التي تجب مقاطعتها... فلا تلوميه و تعنفيه... فعلى أية حال، نواياه كانت حسنة... و لم يرد إلا أن يسعدك بهديتك، لا أن يعكر مزاجك... ابتسمت و قد راقني تحليلها... نعم، ربما لم يكن يعلم... لكن يبدو أن هنالك الكثير من النقاط التي يجب وضعها على الحروف قريبا... في لقائي المقبل مع دالية... |
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ جلست دالية بيني و بين راوية و قد ارتسمت على شفاهنا ابتسامات ودودة... ابتسمت دالية بدورها ابتسامتها البريئة التي توحي إلي بأنها لا تزال طفلة غرة و من غير الممكن أن تكون مقبلة على زواج قريب! التفتت دالية إلي و قالت في مرح : ـ ما الجديد يا فتيات؟ أراكما منشرحتين... ضحكت و أنا أربت بكفي على كتفها : ـ و هل تركت لنا فرصة معك! فأنت في كل يوم لك جديد متجدد و أخبارك متسارعة كأنك تسابقين الزمن... هااااا... ماذا بعد الخطبة؟ هل قررتما متى يكون عقد القران؟ احمر وجه دالية و هي تقول : ـ لازلت غاضبة لأنني لم أدعك للخطبة! كان غصبا عني يا حبيبتي فقد تم كل شيء بسرعة فائقة و بحضور عدد قليل من المقربين... قاطعتها و أنا أهز رأسي مؤيدة : ـ طبعا... و وليد كان جد مستعجل و لديه الكثير من المعاملات التي عليه إنهاؤها قبل السفر... على أية حال، يجب أن ألوم حسام لأنه لم يفكر في دعوتي! ضحكنا معا في مرح، ثم التفتت إلى دالية متصنعة الغضب و قلت في حزم : ـ على فكرة... أنا غاضبة من حسام... ابتسمت دالية مداعبة : ـ من أجل السفر؟ أعلم أنه لم يكن في الحسبان... و لكن لمَ لم تتحدثي إليه في الموضوع؟ قاطعتها شارحة : ـ طبعا أنا منزعجة من سفره... لكن تلك نقطة أخرى سنعود إليها بعد قليل... لكنني أتحدث عن شيء آخر... ثم أخرجت من حقيبتي علبة الشكولاطة الأجنبية التي أهداها إلي حسام. تناولتها دالية من بين يدي و هتفت بعد أن تعرفت عليها بسهولة : ـ أليست الشكولاطة التي أهداها إليك حسام؟ إن لم تعجبك فالذنب ليس ذنبه! في الحقيقة هو طلب مني أن أشتري لك شيئا ما على ذوقي... لأنه لا يعرف ما يمكنه أن يهديه إليك... غير الكتب و الأقراص... فذاك عالم أخي المحدود... ضحكت دالية ثانية في حين اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول : ـ هكذا إذن! أنت من اشترى هاته العلبة يا شقية! سارعت دالية تقول في اعتذار : ـ أنا آسفة حقا... إن كنت وجدت في مكوناتها شيئا من الكحول فأنا آسفة حقا، فهي شوكلاطة أجنبية و الحقيقة أنني كنت مستعجلة و لم أملك الوقت الكثير لأتحقق مما كتب على العلبة... آسفة حقا يا مرام! حدقت فيها في استغراب : ـ كحول في مكوناتها؟؟ و هل يسوقون في بلدنا شوكلاطة فيها نسبة من الكحول؟! يا إلهي... ألا يستحون! غير معقول؟! هذا آخر ما كنت أتوقعه!! قاطعتني دالية و قد احمر وجهها خجلا : ـ في الحقيقة الشكولاطة ليست مصنعة في بلدنا و هذا ما جعلني أشك في مكوناتها... فحين طلب مني حسام أن أساعده بخصوص الهدية كنت مشغولة للغاية و لم أستطع الخروج في الوقت المناسب... فكان الحل أن وضعت في المغلف علبة من العلب التي أحضرها وليد من كندا... و لم أتمعن كثيرا فيها، بل أعجبني شكلها و بدت لي من النوع الفاخر... لذا آسفة جدا إن لم تعجبك... فهو ليس خطأ حسام بل خطئي... هززت رأسي في تفهم و أنا أرد : ـ بل هو خطأ وليد على ما يبدو! نظرت إلي دالية في دهشة فواصلت قائلة : ـ الشركة صاحبة المنتج هي من الشركات التي تجب مقاطعتها يا عزيزتي... تطلعت إلي دالية في دهشة ثم أمعنت النظر في العلبة و قالت في حرج : ـ آنا آسفة حقا يا مرام لم أتفطن للأمر... ثم أضافت و هي تحك ذقنها في تفكر : ـ يجب أن أنظر في الهدايا التي أحضرها وليد جيدا... بادرتها راوية التي ظلت صامتة إلى تلك اللحظة قائلة : ـ لم تخبرينا... أي نوع من الشباب... أقصد الرجال، هو وليد؟ كيف هي طريقة تفكيره و ماهي نظرته إلى الحياة؟ ابتسمت دالية في خجل و هي تقول : ـ إنه يبدو لي من النوع العملي... عملي في كل شيء... في حياته الخاصة كما في حياته المهنية... يكره إضاعة الوقت و يحب أن يكون كل شيء في مكانه المحدد... لا يقدم على أية خطوة قبل أن يدرس نتائجها جيدا و يدرك جدواها... ضحكت راوية و هي تعلق قائلة : ـ لذا فقد استمر في دراسة جدوى الزواج قرابة الخمسة عشر عاما! بدا الضيق على دالية فعاجلتها راوية على الفور : ـ ألم تسأليه لمَ لم يتزوج إلي الآن؟ أطرقت دالية قائلة : ـ بلى... سأله حسام عن ذلك... فقال بأنه كان يبني مستقبله المهني حتى يكون قادرا على تحمل مسؤولية زوجة و أطفال و يضمن لهم أفضل الظروف... ضحكت راوية من جديد و هي تقول مداعبة : ـ حسام المسكين! لا بد أن نظرية وليد حطمت معنوياته تماما! كم عليك أن تنتظري يا مرام!!! حدجتها بنظرة صارمة اعتراضا على دعابتها الثقيلة، فتنحنحت و قالت مستعيدة جديتها و هي تقول مخاطبة دالية : ـ و لكن، كيف يمكنك أن تعرفي أنه لم تكن لديه علاقات مع فتيات قبلك... خاصة أنه عاش زمنا غير قصير في كندا... فهل من المعقول أنه لم يعجب بأية فتاة منذ فترة الدراسة؟ و العلاقات غير المشروعة ممكنة جدا هنالك... كانت كلمات راوية صريحة جدا... و قاسية نوعا ما على دالية التي بدت في حيرة من أمرها، و لم يخف علينا أنها كانت ربما تطرح على نفسها نفس التساؤلات دون أن تجد جوابا شافيا. التقت عيناي بعيني راوية فأشرت إليها بأن تتوقف... لكن بدا الاحتجاج في عينيها و هي تهز كتفيها في عدم اقتناع... و تواصل الحوار بيني و بين راوية عبر الإشارات و الإيماءات، و لم نتفطن إلى دالية التي كانت تجلس بيننا مطرقة في حيرة... و لم ننتبه إلا على صوتها الذي بللته الدموع و هي تقول في مرارة ظاهرة : ـ مرام... راوية... أنتما أختاي أليس كذلك؟ نظرنا إليها في دهشة و قلق و أسرعت أقول و أنا أمسك بكفها بين كفي : ـ طبعا يا حبيبتي... و هل في ذلك شك؟ ما الأمر يا حبيبتي قولي... رفعت رأسها إلي و هي تمسح عينيها بكمها و قالت : ـ أريد أن أفضي إليكما بشيء ما... اقتربت راوية أكثر و قالت في اهتمام : ـ طبعا يا عزيزتي... كلنا آذان صاغية... بدا على دالية نوع من التردد، لكنها حسمت أمرها بسرعة و قالت : ـ إنه بخصوص وليد... كل شيء بدا مطمئنا في البداية... فهو من أقاربنا... والده المتوفي كان من المقربين إلى أبي و له عليه فضل كبير... حيث ساعده في بداية حياته المهنية و استقراره الزوجي و كان أبي يلجأ إليه في كل الصعوبات... و يبدو أن حب والده جعل أبي يحب وليد كثيرا... و كان يقص علينا كيف كان يحمله على كتفيه عندما كان صغيرا و يأخذه معه إلى المسجد و يلهو معه بشتى لعب الأطفال... قبل أن يتزوج أبي و ينجب حسام... و استمرت العلاقة بينهما بعد وفاة والد وليد، كأنه شقيقه الأكبر... لكنها انقطعت نوعا ما بعد سفره إلى كندا، حيث لم يكن يتصل كثيرا... لكن والدته كانت تزورنا باستمرار، فقد كانت تربطها علاقة طيبة بأمي... كما أنها بقيت وحيدة بعد سفر وليد و أبي كان يريدها أن تتقرب أكثر من العائلة و فاء لذكرى المرحوم... ثم حين رغب وليد في الزواج، لم تتردد والدته في مفاتحة والدتي في الأمر... و قد سر أبي كثيرا لأنه يحب وليد... و لم يعط أهمية تذكر لفارق السن بيننا، لأنه كان واثقا من تربية المرحوم و يعتقد بأن ابنه لا بد أن يكون على نفس الخصال... بادرتها معترضة و أنا أقول : ـ لكنه لم يضع في اعتباره أن الغربة الطويلة من الممكن أن تغير طباعه... كما أنه لم يعد ذاك الولد الصغير البريء الذي كان يلهو معه في السابق! تنهدت دالية و هي تواصل : ـ المهم... أبي وافق بدون تردد... و أمي لم تعترض كثيرا، لأنها تقدّر والديه و تحترمهما... و مسألة فارق السن لم تبد لها مزعجة جدا... لأنها تصغر والدي بأحد عشرة سنة... و هو فارق يبدو عاديا جدا في عائلة أبي... حيث الفارق بين عمي الأكبر و زوجته يقارب الثلاثة عشرة سنة... و عمي الأصغر أيضا زوجته تصغره بعشر سنوات... و كلاهما يعيش سعيدا مع زوجته... بل لعل فارق السن الهام يبدو مستحسنا عندهم لأنه يعني نضج الرجل و استعداده المادي و النفسي لتحمل مسؤولية ثقيلة... و لا أحدثك عن السخرية التي لقيها حسام من طرف أعمامي حين أبدى رغبته في الزواج و هو لم ينته من دراسته بعد... احمر وجهي دون أن أشعر حين أتت على ذكر ارتباطي بحسام، و ابتسمت في خجل. واصلت دالية حديثها قائلة : ـ كان حسام الوحيد المعترض... فهو يرى وليد كهلا في حين لازلت في بداية الشباب. و نظرية حسام تقول : كلما كان الزوجان متقاربين في السن، كلما كانت فرصهما للتفاهم و التواصل أكبر... و هي نظرية تعارض بالطبع كل ما أسمعه من أمي و خالاتي عن سرعة نضج الفتاة و تأخر نضج الرجل، و أهمية الفارق بين الزوجين لأن المرأة تظهر عليها علامات الهرم بسرعة أكبر من الرجل... خاصة بعد الحمل و الولادة... كما أن الرجل الناضج يكون أكبر قدرة على الاستقرار من الشاب... فهو يكون قد خبر الدنيا و تعلم الكثير و يقدر الحياة الزوجية... و بالطبع لن يبحث عن مغامرات الشباب... قاطعتها راوية في دهشة : ـ هل هذا ما تعلمك إياه أمك و خالاتك؟ أن يكون الرجل قد جرب و خبر كل أصناف البنات قبل أن يختار شريكة حياته؟ طبعا! و بذلك يكون أكيدا بأنها الصنف الذي يريد... و كيف يمكنه أن يختار إن لم يملك المعرفة الكافية بتلك السلعة التي تسمى المرأة!!! تنهدت دالية في حزن و هي تقول : ـ كنت أعلم في قرارة نفسي بأن ما يقلنه مخالف للشريعة الإسلامية... و أن الرجل الشريف الملتزم لا يمكن أن يعيش شتى أنواع المغامرات حتى يقرر في النهاية أن يتزوج... بل هو يتزوج ليعف نفسه و يصون زوجته. لكنني كنت أتساءل : كيف يمكنني أن أضمن في الزوج الذي سيتقدم إلي أنه شخص ملتزم لم تكن له مغامرات سابقة؟ ثم اقتنعت بأن أهم ما في الأمر أن يكون قد تاب بعد مغامراته توبة نصوحا... و هدفه من الزواج هو بناء أسرة مسلمة... و عزمت في نفسي أن أنفذ إلى قرار وليد و أعرف نواياه و أهدافه... تطلعت إليها في فضول و أنا أقول : ـ هاااا... و ما هي نواياه و أهدافه؟ ـ حسن... لست متأكدة بعد... لكن من خلال أحاديثنا القليلة و القصيرة عرفت أنه شخص جريء و قوي الشخصية... ثقته بنفسه ليست لها حدود. ربما بدا كذلك أمامي، لأنني صغيرة و قليلة التجربة بالنسبة إليه... و طوال لقاءاتنا كان يحدثني عن حياته في كندا... عن منزله الكبير الفخم المحاط بحديقة جميلة... به بركة سباحة في الطابق تحت الأرضي... حدثني كذلك عن الأثاث الذي أولى أهمية كبرى لاقتنائه و تنسيقه... حدثني عن عمله و عن انجازاته المهنية... لكن ما أقلقني هو أنه لم يقل شيئا عن نفسه! و حين سألته عن هواياته، ضحك بقوة كأنني رويت طرفة على مسمعه و قال كأنه يحدث طفلة صغيرة : الهوايات يتسلى بها الشباب المتفرغ في مثل سنك... أما رجال الأعمال أمثالي فلا يملكون الوقت لإضاعته، بل لاستثماره فيما يدر الربح الوفير! ربما لا أدرك بالفعل أهمية وقته لأنني لازالت في بداية الشباب و لا أعرف أهمية العمل... لكنني بدأت أتساءل : هل سيجد الوقت بعد زواجنا ليجلس إلي و نتحدث، أما أن ذلك سيكون مضيعة لوقته الثمين أيضا؟ حسن... لكنني وافقت عليه، لأن أبي كان متحمسا و مسرورا بهاته المصاهرة... و لأنني كنت أتطلع إلى حياة الرفاهية في كندا و خيالي المحدود يعجز عن تصور ماهية العيش هنالك... ثم وليد لم يكن فيه عيب يجعلني أنفر منه... إلا عمليته المفرطة! لكنني حدثت نفسي بأنه سيكون من السهل علي فيما بعد أن أتعود على نمط حياته... و لكن... أطرقت دالية من جديد في انزعاج، فبادرتها راوية مشجعة : ـ و لكن ماذا؟ تنهدت دالية و هي تقول : ـ و لكن لقاءنا الأخير جعلني في حيرة من أمري... تذكرين حين جئت إليك يا مرام، و استغربت من قلة اهتمامه بالحديث إلي و التعرف على زوجته المستقبلية... ظل سؤالك يرن في أذني حين عدت إلى البيت... و حين جاء في المساء مع والدته لزيارتنا قررت أن أفعل شيئا. و كانت والدته من فتح لي الباب حيث بادرته قائلة : لم لا تجلس قليلا مع خطيبتك بينما نعد العشاء... ثم قامت هي أمي إلى المطبخ، و لم يكن حسام و لا والدي في البيت... و الحقيقة أنه جاء ليناقش مع والدي مسألة ما، فكان مضطرا لانتظار قدومه... لذا فقد جلسنا سوية في قاعة الجلوس المفتوحة على المطبخ. فسألته بكل جرأة : ما الذي تنتظره من زوجة المستقبل... و تصوري بم أجابني؟ قال بكل برود أنه يريد زوجة جميلة و شابة تمنحه المتعة حين يريد و تلبي رغباته و تسهر على راحته!!! كنت في غاية الذهول... ربما كنت أدرك أنها الحاجة الطبيعية لكل الأزواج لكنني لم أتصور أن يكون صريحا إلى تلك الدرجة... ثم وضعه يده على كفي التي كانت مستقرة على ركبتي و قال ضاحكا : فهل ستكونين لي تلك الزوجة؟ سحبت كفي بسرعة و عاجلته و أنا في حيرة من أمري : ألا تهمك أخلاقها، تدينها، شخصيتها، طموحاتها؟ فارتفعت ضحكته ثانية و هو يقول : إلى أين تريدين الوصول بهاته الأسئلة؟ فأجبته بإصرار : أريد أن أعرف رأيك حقيقة! فتغيرت ملامح وجهه و هي يقول في جدية : أنت لازلت صغيرة و لا تعرفين الكثير عن العالم، لذا لا يمكن أن تكوني مكتملة بناء الشخصية... و أنا سأساعدك على تنمية شخصيتك كما يجب حين نكون هناك. أما الدين و الخلق فهو أمر مفروغ منه بما أن اختيار أمي الحبيبة وقع عليك... لذا لا يجب أن أقلق من تلك الناحية... في تلك اللحظة دخل والدي، فانسحبت بهدوء إلى غرفتي و أفسحت لهما المجال كي يناقشا موضوعهما المهم... دخلت إلى غرفتي و جلست إلى أفكاري و قد أدركت شيئا ما بكل مرارة : إنه لا يتهم بالتعرف إلي، لأنني لا أعني له شيئا... بل أنه يعتبرني لعبة سيقوم هو بتقويمها و تعديلها كيفما يشاء... و فهمت حينها لمَ وقع اختياره على فتاة صغيرة لم تختبر الحياة بعد : حتى يسهل عليه التحكم فيها، و بناء شخصيتها على طريقته! تبادلت و راوية نظرات حائرة و قلقة ثم قلت في جزع : ـ و علام استقر رأيك بعد كلامه ذاك؟ هزت دالية رأسها في استسلام : ـ لست أدري... فأنا في نهاية الأمر لا أزال غرة و خبرتي لا تقارن بخبرته... كما أن الغربة تساعد كثيرا على تنمية الشخصية... فأقول أحيانا بأن التجربة تستحق المحاولة، و هي ستشكل إثراءا كبيرا لحياتي... لكنني في نفس الوقت أشعر بقلق لا أدري مصدره... قاطعتها راوية في حدة : ـ كل هذا و لا تدرين مصدره؟ أنا أحدثك عن مصدره! مصدره هو هذا الرجل الأناني الذي يظن أنه يشتري بنات الناس بثروته و وجاهته الاجتماعية و يقمع شخصيتهن و يتحكمن فيهن كيفما يشاء كأنهن لم يكن شيئا قبله! إنها عقدة التفوق! يظن أنه اكتسب كل خبرة العالم و بناء على ذلك فتصرفاته سليمة مائة بالمائة و ما أنت إلا تحفة صغيرة و جميلة يضيفها إلى مجموعة تحفه... طبعا فهو أنفق الكثير من المال على الأثاث و الرياش و تلزمه تحفة أنيقة أخيرة ليزين بها كل ذلك! و هو طبعا إن أعجبه منظر التحفة فلن يفكر كثيرا في داخلها لأنه من السهل عليه أن يلمعها و يصقلها جيدا على طريقته حتى تناسب ذوقه في جميع الأوقات!!! يا حبيبتي يا دالية، ما الذي يجبرك على المضي في هاته التجربة التي لا تضمن لك أدنى فرص تحقيق ذاتك؟ ثم هو لم يذكر صفة مثقفة في تعريفه للمرأة المناسبة التي يبحث عنها... فما أدراك بأنه سيسمح لك بعد الارتباط بأن تواصلي تعليمك؟ ثم هو يريدك دائما جاهزة لخدمته و متعته... فهل سيقبل أن تنشغلي عنه بعمل ما يا ترى؟؟ عليك أن تفكري جيدا في كل هذه النقاط فالمسألة ليست هينة يا حبيبتي!! إنها رحلة عمر... تنهدت دالية من جديدة و هي تقول : ـ ربما كنت على حق... ربما علي أن أفكر جيدا في الأمر... ثم نظرت إلي مبتسمة و قالت : ـ قبل أن يدخل حسام في دوامة التأشيرة و معاملات السفر... ضحكنا معا ضحكات شابها بعض التوتر و القلق، قبل أن تستدرك دالية كأنها تذكرت شيئا مهما : ـ مرام... هل تذكرين ذاك الشاب المسيحي الذي أسلم... جاد... الذي طلبت من حسام أن يتصل به و يساعده على التعرف أكثر على الإسلام؟ فوجئت بسؤالها و نظرت إلى راوية مباشرة دون وعي مني... فوجدت وجهها قد شحب فجأة... فعاجلت دالية قائلة : ـ نعم... ما شأنه؟ ـ أنا آسفة لأنني تأخرت في إخبارك... فقد مضى على الحادثة حوالي أسبوعين... لكنني كنت مشغولة كما تعلمين. و حين حدثني حسام، فكرت بأنني سأتصل بك قريبا و أخبرك... لكنني سهوت عن ذلك لفترة و لم أذكر الأمر إلا البارحة... قاطعتها بنفاد صبر : ـ و لكن ما الأمر؟ قولي... ـ حسن... لقد أخبر حسام بأنه قد تعلق بالفتاة التي ساعدته على دخول الإسلام... و هو واثق من أنها تعلقت به هي الأخرى رغم أنها رفضت طلبه حين تقدم إليها... و طلب من حسام النصح و المشورة... فأخبره حسام بأنه يتفهم موقف الفتاة و خوفها من ارتباط مماثل قد يسبب لها توترات و مشاكل هي في غنى عنها... و لكن بإمكانه أن يطلب منهامنحه فرصة إضافية ليقنعها بأنه الشخص المناسب لها و أنه مستعد لفعل أي شيء لإسعادها... فحسم جاد أمره و هو عازم على القدوم إلى بلدنا في أجازته المقبلة... أوه يا إلهي... قال أن الأجازة تبدأ بعد أسبوعين! يعني أنها بدأت بالفعل... و قد يكون وصل! لقد تأخرت كثيرا... أرجوك يا مرام، أخبري تلك الفتاة بأنه سيتصل بها قريبا ليطلب موعدا مع والدها... و عبري لها عن أسفي الشديد لأنني تأخرت في إيصال الخبر، مع أنني لا أعرفها... هل أعرفها؟ ابتسمت في هدوء و أنا أرى راوية تشير إلي من وراء دالية بأن أجيب بالنفي... فقلت : ـ حسن سأبلغها... لا تقلقي... لم أجب على سؤالها الأخير... و الحمد لله أنها لم تصر. فقد التفتت إلى راوية كأنها تذكرت شيئا من جملة الأشياء الكثيرة التي نسيتها في الفترة الماضية : ـ و أنت يا حبيبتي... ما أخبارك؟ هل من جديد؟ فبادرتها هاتفة : ـ ألم تصلك الأخبار بعد؟ ابن عمتي طارق تقدم لخطبتها... و هي وافقت! احتضنت دالية راوية في سعادة مهنئة... في حين ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي راوية، و احمرت وجنتاها... و بدت في عينيها نظرة ساهمة، تشي بالدوامة التي وجدت نفسها فيها... |
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ دفعت باب الحديقة في هدوء و أنا ألقي نظرة على السيارة المتوقفة أمام المستودع... طارق عندنا اليوم... خيرا إن شاء الله... قبل أن أتجاوز الباب الرئيسي تناهت إلي، كالعادة ضحكات أخي ماهر... ألا يكبر هذا الشقي و ينضج قليلا!! ضحكه العالي يصل إلى مسامع الجيران... كانت عمتي سهام و سارة تجلسان في قاعة الاستقبال رفقة أمي، في حين كان طارق يبادل ماهر الدعابات في غرفة هدا الأخير. ألقيت التحية و جلست في قاعة الاستقبال... و مند الوهلة الأولى لاحظت النظرة الغريبة التي طالعتني بها عمتي. صحيح أنها نظراتها كلها غريبة مذ جاءت إلى بيتنا أول مرة... لكنها نظرات مختلفة، نظرات عتاب... أو انزعاج... على أية حال، كنت أتوقع خيبة أملها من رغبة طارق في خطبة راوية، فقد تبعثرت أحلامها في لم شمل الأسرة من جديد عبر المصاهرة! لكنني تجاهلت تماما نظراتها تلك و اقتربت من سارة هامسة : ـ هل اتفق طارق مع عمتي على موعد زيارة والدي راوية؟ أشارت إلي سارة أن أغير الموضوع و هي تقول في صوت خفيض : ـ يبدو أنهما تجادلا في السيارة في طريق قدومهما... سأحدثك لاحقا بما حصل... رفعت رأسي لأجد عمتي تحدجني بنظرات فاحصة، فابتسمت بسرعة و أنا أقوم من مجلسي قائلة : ـ آسفة يا جماعة... لدي الكثير من الدراسة هاته الأيام، فالامتحانات على وشك أن تبدأ... لذا سأذهب إلى غرفتي... غادرت الصالة تتبعني دعوات أمي و عمتي بالنجاح و التوفيق. و ما إن أغلقت باب الغرفة خلفي حتى طرق أحدهم الباب. عقدت حاجبي في تساؤل و استغراب ثم فتحت الباب من جديد. كان طارق الذي سمع صوتي و وقع أقدامي في الرواق فتبعني! ـ آسف على الإزعاج... كنت فقط أريد أن أتحدث إليك في أمر ما، بعجالة... لن آخذ من وقتك الكثير... ـ طبعا... تفضل... بدا عليه بعض التردد ثم قال : ـ أمي ليست موافقة على ارتباطي براوية... لكنني وعدتها بأن أتقدم في أقرب وقت ممكن. و لا أريد بأي حال من الأحوال أن تشك في جديتي في مسألة الارتباط... لذلك، سأضطر إلى لقاء والدها و أمي غير راضية... على أمل أن تقتنع فيما بعد... لذا هلا أخبرتها بأنني سأزورهم في نهاية الأسبوع؟ نظرت إليه في دهشة... لكنني سرعان ما أومأت برأسي قائلة : ـ طبعا... سأخبرها... ـ شكرا جزيلا لك يا مرام... عاد طارق أدراجه إلى غرفة ماهر... و ماهي إلا لحظات قليلة حتى لحقت بي سارة إلى غرفتي. ارتمت على الفراش و هتفت في إعياء : ـ طارق المسكين... أبي يضيق عليه من أجل مسألة العودة النهائية إلى الوطن... و أمي تعكر عليه مسألة الزواج! جلست إلى جانبها و أنا أقول في اهتمام : ـ أخبريني... ما الذي حصل بين طارق و عمتي؟ اعتدلت سارة في جلستها مستعدة لحديث طويل، ثم تنحنحت و هي تقول : ـ حسن... أنت تعلمين كم أمي متعلقة بطارق، خاصة أنه ولدها الذكر الوحيد... و هي تخاف عليه كأنه لا يزال طفلا صغيرا، و عندما أعرب عن رغبته في الاستقرار في البلد شجعته على الزواج حتى تطمئن عليه بسرعة... لكنها كانت تفكر في ارتباطه بإحدى فتيات العائلة... يعني أنت أو حنان ابنة خالتي هيام... امتقع لوني مع جملتها الأخيرة، و واصلت سارة قائلة و هي تلاحظ تغير سحنتي : ـ لكن طارق أخبرها بأنك مرتبطة بحسام... و بما أن الخبر لم ينتشر بعد في العائلة و الخطبة لم تعلن رسميا، فهي كانت تميل إلى عدم تصديق ذلك... و أصرت على المحاولة، لكن طارق كان يمنعها بشدة في كل مرة تجنبا للإحراج... ثم حين أخبرها بأنه عزم على خطبة راوية، صديقتك، جن جنونها... و قالت بأنه إن لم يتزوجك أنت فالأولى أن يتزوج حنان... و هي ذهبت البارحة بالفعل لزيارة خالتي هيام، و حاولت جس النبض... و لعلها وجدت ترحيبا من خالتي و حنان نفسها فأصرت على رفضها لراوية... لكن كما ترين، طارق مصر على موقفه... و هي أكثر منه إصرارا، و لست أدري ما الذي سيحصل بينهما!! سرحت للحظات في مشكلة طارق، و مشكلة راوية... فطارق ممزق بين رغبته التي لا أدري ما دافعها، هل هو حب صادق أم تحد أم خداع لنفسه و للعالم... و بين رغبة والدته في لم شمل الأسرة من جديد. و راوية هي الأخرى ممزقة بين حبها القديم لجاد... و بين رغبتها في الخلاص من الدوامة التي تكاد تغرقها بتفكيرها المستمر في الصعوبات و العراقيل التي تعيق ارتباطهما... ماذا لو كان طارق غير واثق من مشاعره تجاه راوية... فهو حينها سيظلمها بإبعادها عن جاد و يظلم نفسه معها بزواج لم يكن مقتنعا به يوما! يا إلهي... يجب أن أعرف سبب تعلق طارق براوية و دوافعه الحقيقية من الارتباط بها... لكن كيف؟! التفتت إلى سارة التي كانت تتأملي ملامحي القلقة المتفكرة و على شفتيها ابتسامة غامضة، فقلت في اهتمام : ـ سارة... هناك مشكلة كبيرة... ترددت للحظات... لا يمكنني أن أخبرها عن مشاعر راوية السابقة نحو جاد، فقد يزل لسانها أمام طارق و يفسد كل شيء... ـ سارة، هل حدثك طارق عن ارتباطه براوية؟ نظرت إلي في استغراب و هي تقول في تساؤل : ـ ماذا تقصدين؟ قلت موضحة : ـ هل قال مثلا أنه يحب راوية، أو معجب بها... هل ذكر أسباب رغبته في الارتباط بها؟ رفعت سارة عينيها نحو السقف و عقدت حاجبيها في تفكير ثم قالت في بطء : ـ لست أدري... ربما... لكنه لم يفصح تماما... و لكنني أظنها تعجبه و إلا لما فكر في الارتباط بها... أليس ذلك منطقيا؟! تنهدت في يأس و أنا أقول في نفسي : لو كانت تصرفات البشر دائما منطقية، لانتشر السلام في أرجاء المعمورة... و لكن هيهات... فقد تعمي بعض المشاعر الطفيلية بصيرة الإنسان و تدفعه إلى تصرفات حمقاء لا يدرك نتائجها إلا بعد فوات الأوان! فكيف تفكر يا طارق؟ هل تحاول مجرد نسيان القصة القديمة... أم أنك شفيت منها و تبحث عن استقرار حقيقي؟! انتبهت إلى سارة التي لازالت تتأملني و نفس الابتسامة الغريبة على شفتيها و قلت : ـ و حنان؟ ماهو موقفه منها؟! هزت رأسها و هي تقول : ـ لقد رفض الذهاب إلى منزل خالتي هيام حين عرف عن رغبة أمي تلك في تزويجه من حنان... و هو إلى الآن لم يزرهم! أيمن جاء لزيارتنا... لكن حنان لم تأت... أليس الأمر غريبا؟ انتبهت إلى اتساع ابتسامة سارة و هي تطرح سؤالها الأخير و ترمقني بنظرة عميقة. ظهرت علامات الدهشة على وجهي و أنا أنظر إلى عيني سارة التي صارت تتصرف بغرابة. فقلت : ـ ما الغريب في الأمر؟ ـ أن طارق يزوركم باستمرار... في حين أنه لم يزر خالتي هيام أبدا! تملكتني الدهشة و أنا أقول في حيرة : ـ ربما كان يشعر بالحرج بما أنه يعلم أن عمتي تريد تزويجه من حنان! قاطعتني سارة : ـ لكنها كانت تريد منه الارتباط بك أنت قبل حنان... فلم لا يشعر بالحرج من لقائك؟ ـ سارة ماذا تقصدين؟ طارق يعلم أنني مرتبطة بحسام، و الأمر منته! هزت سارة كتفيها في لامبالاة و هي تقول : ـ لكن والدتك أكدت بأنك غير مرتبطة... و أنت لم تتحدثي معه عن حسام مجددا منذ قدومنا... كما أنك غاضبة من حسام مؤخرا، أليس كذلك؟ اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول في حيرة متزايدة : ـ و ما علاقة كل هذا بموضوعنا؟ ثم كيف سيعلم طارق بغضبي من حسام... توقفت الكلمات على لساني و نظرت إليها في عدم تصديق : ـ أنت؟! هزت سارة رأسها موافقة و هي تقول : ـ طارق كان يسألني باستمرار عن علاقتك بحسام... و أخبرته البارحة بأنك غاضبة منه للغاية و أنه سيسافر و يتركك... ـ و لكن لماذا؟! لماذا يسأل طارق عن علاقتي بحسام؟ و كيف تخبرينه أنت بكل التفاصيل؟ كيف؟! تجاهلت سارة سؤالي و هي تقول : ـ مرام... هل أنت منزعجة من ارتباط طارق براوية؟! أحسست بجمود ملامحي، فقد استفرغت كل دهشتي و لم يعد لدي طاقة لأعبر أكثر عما اعتراني من الذهول أمام نظرات سارة الغريبة و عباراتها الأغرب... لكنني نطقت بعد فترة من الصمت العجيب : ـ و ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟ وقفت سارة و هزت كتفيها و هي تقول : ـ لست أدري... إحساس خامرني... كما أنك تتساءلين عن مشاعر طارق نحو راوية... فهل لديك تفسير آخر؟ وقفت بدوري في عصبية و أنا أهتف : ـ كنت أتساءل لأنني أتمنى لصديقتي كل الخير و أخشى أن يطلبها طارق دون اقتناع منه بما يفعل فيظلمها و يظلم نفسه! حاصرتني نظرات سارة و هي تتساءل : ـ و لم يطلبها دون اقتناع؟ ما الذي يدفعه إلى ذلك؟! حارت الكلمات على شفتي و لم أدر كيف يجب أن أتصرف. لكن سؤال سارة الموالي فاجأني للغاية : ـ هل تصالحت مع حسام؟ ـ و هل تشاجرنا لنتصالح؟! ـ و مسألة السفر... و المقاطعة؟! ـ حتى هذه أخبرت بها طارق؟! لماذا يا سارة؟ و أنا التي ظننتك تكتمين أسراري و تحافظين على كل ما يقال بيننا؟ و لكن ما يجنني هو ما الذي ينويه طارق و لماذا يتتبع تفاصيل علاقتي بحسام؟ ترددت سارة ثم قالت و هي تتوجه ناحية باب الغرفة : ـ ابحثي عن الجواب في نظراته... فهي تقول الكثير لمن يهتم بفهمها... ثم فتحت الباب و اختفت وراءه تاركة إياي في منتهى الدهشة... و الأسى... أيقظني من ذهول رنين هاتفي الجوال... إنها راوية! أحسست بالألم يعتصر قلبي... ما الذي سأقوله لها؟ ابن عمتي لا يزال يحبني و لم يطلب الارتباط بك إلا ليبقى قريبا مني؟! أجبت بعد تردد قصير فجاءني صوت راوية الحزين... تذكرت المشكلة الأخرى التي تتربص بها : زيارة جاد غير المتوقعة! ـ كيف حالك اليوم؟ هل اتصل جاد؟ ـ لا... ليس بعد... ساد صمت قصير قبل أن أقول و أنا أحاول إخفاء انفعالي : ـ طارق عندنا اليوم... لقد أخبري مند قليل بأنه ينوي زيارتكم في نهاية الأسبوع للقاء والدك... هل يناسبك الموعد؟ أجابت راوية بدون تردد... بل ربما بدا عليها الحماس، مما جعل قلبي ينقبض بشدة : ـ طبعا... لا بأس! سأخبر أمي حالا! لست أدري لم استوقفتها و أنا أقول في صوت ضعيف : ـ راوية... هل أنت مقتنعة بطارق؟ أحسست بدهشة راوية التي لم تجب على الفور، لكنها عاجلتني بسؤال آخر : ـ مرام... هل أنت مقتنعة بحسام؟ تملكتني الدهشة و أنا أجيب باعتراض : ـ ما هذا السؤال يا راوية؟ طبعا مقتنعة به! و إلا لما قبلت بالارتباط به! قاطعتني راوية و هي تقول : ـ لكنك لا تعرفينه! بل جل ما تعرفين عنه هي مواقف قليلة أثارت إعجابك... تمهلت قبل أن أرد عليها و أنا أفكر فيما قالت. لكنها واصلت قائلة : ـ مرام لا يمكنني الجزم الآن إن كنت مقتنعة بطارق أم لا، لأنني لا أعرفه جيدا... لكنني أدين له بإنقاذ حياتي و سمعتي... كما أنه شخص ملتزم و أخلاقه عالية، و إضافة إلى ذلك فهو يرغب في الاقتران بي... فأقل ما يمكنني فعله هو أن أمنحه فرصة إقناعي بنفسه... و لا يمكن أن يحدث ذلك إلا في فترة الخطوبة... استمعت إلى راوية بانتباه و لم أملك إلا أن أجيب : ـ نعم... أنت محقة! وضعت الهاتف، ثم ارتميت على الفراش في إعياء شديد... قلبي متعب، عقلي متعب، روحي متعبة... ما الذي أملك فعله من أجل حبيبتي راوية؟ سأكون مذنبة إن تركتها ترتبط بطارق دون أن أحذرها. أو ربما يمكنني أن أتحدث إلى طارق و أجعله يعدل عن قراره... أو إلى عمتي و أجعلها تصر أكثر على رفضها لزواجه من راوية... أو حتى عمي محمود، فأشجعه على رفض استقرار طارق هنا... كيف يمكنني أن أمنع مأساة من الوقوع دون أن يتحطم قلب ما؟ كيف؟ يا إلهي ألهمني الصواب... يا رب! فتحت سارة الباب فجأة فانتفضت في مكاني و انتصبت جالسة. نظرت سارة طويلا إلى الدموع التي تجمعت في مقلتي منذرة بالنزول... ثم قالت في صوت خال من التعابير : ـ لدينا ضيوف... خالتي هيام و حنان... و أيمن... غادرت سارة الغرفة بسرعة، مثلما ظهرت. سارعت بالوقوف و تعديل حجابي أمام المرآة و أنا أفكر... علاقتنا بعائلة عمتي هيام ليس جد مميزة, فهي على خلاف متواصل مع أبي حول مواضيع قديمة بخصوص الميراث و ما إليه، على خلاف عمتي سهام التي تحبنا كثيرا... أما حنان فهي من النوع المنطوي... و المغرور! صحيح أن سارة خجولة أيضا، لكننا كبرنا معنا و كنا مقربتين لزمن طويل. أما أيمن و حنان فلم أكن أراهما إلا في المناسبات و الأعياد... فما المناسبة التي دعتهم إلى زيارتنا هاته المرة؟! خرجت من غرفتي باتجاه قاعة الجلوس... فالتقيت في الرواق بطارق الذي خرج لتوه من غرفة ماهر. توقفت فجأة و التقت عيناي بعيني طارق... تذكرت في تلك اللحظة عبارة سارة : "ابحثي في عينيه عن الجواب" فغضضت بصري بسرعة و واصلت سيري بعد أن أفسح لي الطريق و تبعني في خطوات بطيئة... كنت أشعر بالاضطراب و أنا أحس بعينيه تتبعان حركاتي من ورائي... كانت عمتاي سهام و هيام تتبادلان الأحاديث رفقة أمي... في حين جلست حنان على الأريكة المقابلة في صمت و نظراتها مركزة على الباب. أيمن لم يكن هنالك. سارعت لأسلم على عمتي التي لم أرها منذ زمن بعيد، و جلست إلى جوار حنان التي لم تفارق عيناها المدخل. فجأة التفتت إلي وقالت : ـ أليس طارق هنا؟ التفتت إليها في دهشة... و لكنني لم أملك الجواب، فقد كان يسير خلفي و ظننته قادما لإلقاء التحية لكنه لم يظهر! تمالكت نفسي و ابتسمت قائلة : ـ إنه مع ماهر في الداخل... ثم سألتها بدوري : ـ سارة قالت بأن أيمن جاء معكم... ألم يدخل؟ ـ نعم... لكنه فضل البقاء في الحديقة... فهو خجول و لا يحب جلسات النساء... سكتت للحظات قبل أن تعاجلني في اهتمام : ـ لم لا تدعين طارق و ماهر و سارة و ننضم جميعا إلى أيمن في الحديقة؟ ثم أضافت ضاحكة : ـ و نترك العجائز يتبادلن أحاديثهن و ذكرياتهن المملة... تطلعت إليها في ذهول. كانت عيناها الخضراوان الجذابتان تلتمعان في سرور ظاهر، و هي تسوي خصلات شعرها الكستنائي في رفق و حرص. حنان تكبرني بسنة واحدة، لكن الناظر إلينا يجد فرقا شاسعا بيننا... فهي كانت تبدو باهتمامها المتواصل بمظهرها و هندامها سيدة مكتملة النضج... في حين تفضح ملابسي الفضفاضة و أظافري المقلمة قلة خبرتي في مجال الزينة و الأزياء... وقفت بناء على طلبها و توجهت إلى الداخل باحثة عن سارة. فتحت باب المطبخ فجأة فالتفت إلي طارق و سارة بحركة واحدة و قد توقفا عن الكلام... تلعثمت و أنا أقول في حرج : ـ هل تريدان الانضمام إلينا في الحديقة؟ حنان و أيمن يريدان الجلوس إليكما... أحنى طارق رأسه موافقا... في حين ابتسمت سارة نفس الابتسامة الغامضة التي باتت تثير اشمئزازي... و لست أدري كيف تمالكت نفسي بصعوبة حتى لا أصرخ في وجهها و أنا أعلم أنها كانت تقص على طارق تفاصيل الحوار الذي دار بيننا منذ قليل!! لماذا تفعلين هذا يا سارة؟ أعلم أنه أخوك... لكن يجب عليك أن توقفيه بدل أن تشجعيه و تساعديه! فالموضوع منته بالنسبة إلي... و لست أدري ما الذي تضمره يا طارق و ما الذي تخفيه من مفاجآت لي... و لراوية المسكينة! تحلقنا حول المائدة الصغيرة في طرف الحديقة. وضعت طبق الحلويات و العصير و أنا أرسم ابتسامة على شفتي أردتها أن تكون تلقائية قدر الإمكان و قلت : ـ تفضلوا... ما أجمله من لقاء بين أبناء العم... تناول أيمن كأسه و هو يقول في صوت مهذب و دافئ دون أن يرفع رأسه عن الأرض : ـ سلمت يداك... أما حنان فإنها أطلقت ضحكتها العذبة و هي تناول طارق كأسه، ثم تتناول كأسها بدورها و ترفع ساقها اليمنى فوق اليسرى ثم هتفت في حماس مخاطبة طارق : ـ ألا تحدثنا عن حياتك في أمريكا يا ابن الخالة؟ و الله إني عجبت حين عملت من أيمن أنك تنوي العودة النهائية قبل أن تقطف ثمار مشروعك الذي بدأته هناك... قاطعتها سارة في برود و هي تقول : ـ أخبرينا أنت أولا يا ابنة خالتي العزيزة... ماذا فعلت بدراستك؟ فقد سمعت أنك تخليت عنها قبل أن تقطفي ثمار شهادة ختم التعليم الثانوي... فوجئت بهجوم سارة غير المتوقع، و رأيت علامات الغيظ على وجه حنان الجميل و قد تشنجت أعصابها و همت بالدفاع عن نفسها أو ربما رد الهجوم و الثأر لكرامتها... لكنها توقفت فجأة. فقد كانت قبضة أيمن تطبق على ذراعها في شدة، و نظراته العميقة الحازمة جعلتها تهدأ بسرعة و تخفض رأسها في استسلام... كانت اللحظات الموالية أقل توترا... و استلم أيمن دفة الحديث و تبادل و طارق الحوار في مواضيع شتى... في حين تبادلت سارة و حنان نظرات حاقدة أراها للمرة الأولى في عيني كل منهما... ما الذي يحصل هنا؟ أي نوايا يخفيها كل منهم؟! كنت أتابع حوار أيمن و طارق في اهتمام حول التحولات الاقتصادية في البلاد، و أيمن يسدي النصائح إلى طارق بخصوص مشروعه الجديد... فأيمن هو أكبرنا، و قد اقترب من الثامنة و العشرين من عمره... فجأة خطر ببالي خاطر غريب جعلني أراقب حركات كل منهما... بدا لي أن طارق كان يقلد حركات أيمن! فطارق الذي أمامي مختلف عن طارق الذي زارنا منذ شهور... لكنه صار يشبه أيمن كثيرا، في نظراته الحيية إلى الأرض و في طريقة حديثه الهادئة المتزنة... و فجأة تذكرت أن طارق حين غادرنا بعد خيبة الأمل التي مني بها منذ بضعة شهور، قضى بقية فترة إقامته في البلد عند عمتي هيام، و لا شك أنه كان يلازم أيمن و قد تأثر بتصرفاته... ابتسمت و أنا أصل إلى ذاك الاستنتاج، و انتبهت فجأة إلى عيني سارة التي لاتزال تراقبني و تلحظ تصرفاتي... فيم تفكر يا ترى؟! رن الهاتف، فوقفت بسرعة لأجيب فارة من نظرات سارة التي صارت تشعرني بالحرج و القلق و الغضب! كانت دالية... ـ كيف سارت الأمور؟ أجابت دالية و علامات السرور تقفز بين كلماتها : ـ لقد رفضت وليد يا مرام! وجدتني أهتف في فرح كأنني أهنئها بإنجاز هام : ـ ألف مبروك يا دالية... أنت تستحقين من هو خير منه بألف مرة... وقعت عيناي فجأة على أيمن و طارق المنسجمين في حديثهما، فابتسمت دون أن أشعر... و تمنيت أمنية في سري. انتبهت لصوت دالية و هي تقول : ـ اطمئني الآن... حسام لن يسافر... اتسعت ابتسامتي و أنا أسألها : ـ و كيف قابل والدك الأمر؟ ـ لا تذكريني... أنا الآن محبوسة في غرفتي، لأن أبي غاضب من تصرفي و يراه طيش شباب... لأنه كان قد اتفق على مشروع مع وليد... كما أنه كان قد شرع في معاملات السفر... لكنني سعيدة، و حسام سعيد... و أمي أعطتني الحرية الكاملة لاتخاذ قراري... و لا داعي للقلق من ناحية أبي، فهو سيتقبل الأمر عاجلا أم آجلا... أعلم أنه لا يقدر على إجباري... و سعادتي بالنسبة له أهم من كل المشاريع... ابتسمت في جذل و أنا أتمتم : ـ الحمد لله... تمت الحلقة الحادية عشر بحمد الله |
الحمدلله ان دالية رفضت
دالية عاوزة واحد يكون نفس شخصيتها مش بالمواصفات دى وجاد جه كمان ايه الحاجات الجديدة دى ان شاءالله جاد اللى هينتصر بس مش عارفة ازاى فيه مشاكل كتير جدااااااااااا |
اقتباس:
وراويه كمان صعبانه عليا أوووووووووي وجاد الله اعلم إيه اللي هيحصل معاه قصاد طارق طب تفتكري هل فعلا طارق إتغير ولا شكليات بس؟؟؟:excl: |
انا طارق ده مش مستريحة له خلاص
انا عندي احساس انه رواية هتتخطب لجاد والله اعلم مستنين نشوف الباقي ان شاء الله |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:38 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.