![]() |
نساء أهل الجنة المطلب الأول زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة المطلب الثاني المرأة لآخر أزواجها ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالاً لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه عن أسماء . والآخر أخرجه البيهقي في السنن أن حذيفة قال لزوجته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا " (1). فلذلك حرم الله على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينكحن من بعده ، لأنهن أزواجه في الآخرة . المطلب الثالث الحور العين وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراب، قال تعالى: ( إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أترابا ) [النبأ: 31-33]. والكاعب: المرأة الجميلة التي برز ثدياها، والأتراب المتقاربات في السن . والحور العين من خلق الله في الجنة ، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهنّ أبكاراً، عرباً أتراباً ( إنا أنشأنهن إنشاء * فجعلنهن أبكاراً * عرباً أترابا ) [ الواقعة : 35-37] وكونهن أبكاراً يقضي أنه لم ينكحهن قبلهم أحد، كما قال تعالى: ( لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ) [ الرحمن : 56]، وهذا ينفي قول من قال : إن المراد بالزوجات اللواتي ينشئهن الله في الجنة زوجاتهم في الدنيا إذ يعيدهن شباباً بعد الكهولة والهرم، وهذا المعنى صحيح ، فالله يدخل المؤمنات الجنة في سن الشباب، ولكنهن لسن الحور العين اللواتي ينشئهن الله إنشاء. والمراد بالعُرُب : الغنجات المتحببات لأزواجهنّ . وقد حدثنا القرآن عن جمال نساء الجنة فقال: ( وحورٌ عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة : 22 – 23] والمراد بالمكنون: المخفي المصان ، الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس، ولا عبث الأيدي، وشبههن في موضع آخر بالياقوت والمرجان ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان ) الرحمن : 56-58] ، والياقوت والمرجان حجران كريمان فيهما جمال ، ولهما منظر حسن بديع، وقد وصف الحرور العين بأنهن قاصرات الطرف، وهن اللواتي قصرن بصرهن على أزواجهن، فلم تطمح أنظارهن لغير أزواجهن، وقد شهد الله لحور الجنة بالحسن والجمال، وحسبك أن الله شهد بهذا ليكون قد بلغ غاية الحسن والجمال ( فيهن خيرات حسان * فبأى ءالآء ربكما تكذبان * حور مقصورات في الخيام ) [ الرحمن : 70-72]. ونساء الجنة لسن كنساء الدنيا، فإنهن مطهرات من الحيض والنفاس، والبصاق والمخاط والبول والغائط ، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( ولهم فيها أزوج مطهرة وهم فيها خالدون ) [ البقرة: 25]. وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جمال نساء أهل الجنة، ففي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون، ولا يمتخطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ". (2) وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل تجد له نظيراً مما تعرف؟ " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " رواه البخاري . (3) وتحديد عدد زوجات كل شخص في الجنة باثنين يبدو أنه أقل عدد، فقد ورد أن الشهيد يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ففي سنن الترمذي وسنن ابن ماجة. بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للشهيد عند الله ثلاث خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه ". (4) غناء الحور العين وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين في الجنان يغنين بأصوات جميلة عذبة ، ففي معجم " الطبراني الأوسط" بإسناد صحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط . إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنّه ". (5) وروى سموية في " فوائده " عن أنس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام ". (6) غيرة الحور العين على أزواجهنّ في الدنيا : أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الحور العين يغرن على أزواجهن في الدنيا إذا آذى الواحد زوجته في الدنيا ، ففي مسند أحمد، وسنن الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك ، يوشك أن يفارقك إلينا ". (7) المطلب الرابع يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل -------------------------------- (1) هذا التحقيق أخذناه بشيء من الاختصار من (سلسلة الأحاديث الصحيحة) للشيخ ناصر: (3/275) ورقم الحديث : 1281 . (2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/318)، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة: (4/2178) ورقمه: 2834 . (3) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد، باب وزوجناهم بحور عين، فتح الباري: (6/15)، والنصيف: الخمار. (4) مشكاة المصابيح : (3/358)، ورقمه: 3834 . (5) صحيح الجامع الصغير: (2/48)، ورقم الحديث: 1557، وعزاه الشيخ ناصر أيضاً إلى الطبراني في الأوسط، وإلى أبي نعيم، والضياء في صفة الجنة. (6) صحيح الجامع: (2/58)، ورقمه: 1598 . (7) صحيح الجامع الصغير : (6/125)، ورقم الحديث: 7069 . (8) مشكاة المصابيح: (3/90)، ورقمه: 5636، وقال محقق المشكاة : (قال الترمذي : حديث صحيح غريب) قلت (المحقق): وإسناده حسن، بل هو صحيح ، لأنه له شواهد منها عن زيد بن أرقم عند الدارمي بسند صحيح) . |
ضحك أهل الجنة من أهل النار لقد كان الكفار في الدنيا يخاصمون المؤمنين، ويسخرون منهم، ويهزؤون بهم، وفي ذلك اليوم ينتصر المؤمنون، فإذا بهم وهم في النعيم المقيم، ينظرون إلى المجرمين، فيسخرون منهم، ويهزؤون بهم، ( إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عيناً يشرب بها المقربون * إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين* وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) [المطففين : 22-36]. نعم ، والله لقد جوزي الكفار بمثل ما كانوا يفعلون، والجزاء من جنس العمل، ويتذكر المؤمن في جنات النعيم ذلك القرين أو الصديق الذي كان يزين له الكفر في الدنيا، وكان يدعوه إلى تلك المبادئ الضالة التي تجعله في صف الكافرين أعداء الله ، فيحدّث إخوانه عن ذلك القرين، ويدعوهم للنظر إليه في مقره الذي يعذب فيه، فعندما يرى ما يعاينه من العذاب – يعلم مدى نعمة الله عليه ، وكيف خلصه من حاله، ثم يتوجه إليه باللوم والتأنيب ( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أءنك لمن المصدقين * أءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرءاه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين* ولولا نعمه ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم ) [الصافات: 50-60]. |
التسبيح والتكبير من نعيم أهل الجنة وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: " هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به ". (3) -------------------------------- (1) صحيح البخاري، كتاب بده الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/318) . (2) فتح الباري : (6/326) . (3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : (4/330) . |
أفضل ما يُعطاه أهل الجنة رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم وأعظم النعيم النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم ، يقول ابن الأثير: " رؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله منها ما نرجو ". (2) وقد صرح الحق تبارك وتعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، والكفار والمشركون يحرمون من هذا النعيم العظيم، والتكرمة الباهرة : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين:15]، وقد روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن صهيب الرومي – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا دخل أهل الجنة ، يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى "، زاد في رواية: " ثم تلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ". (3) وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها – وفي رواية طولها – ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". (4) والنظر إلى وجه الله تعالى هو من المزيد الذي وعد الله به المحسنين ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ ق: 35]، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26]، وقد فسرت الحسنى بالجنة ، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، يشير إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم وذكرناه قيل قليل . ورؤية الله رؤية حقيقية، لا كما تزعم بعض الفرق التي نفت رؤية الله تعالى بمقاييس عقلية باطلة ، وتحريفات لفظية جائرة ، وقد سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة عن قوله تعالى: ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23]، فقيل : إن قوماً يقولون : إلى ثوابه. فقال مالك: كذبوا ، فأين هم عن قوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين: 15]؟ قال مالك: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب، فقال: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15] ، رواه في " شرح السنة" . (5) ومن الذين نصوا على رؤية المؤمنين ربهم في الجنات الطحاوي في العقيدة المشهورة باسم " العقيدة الطحاوية " ، قال : " والرؤية حق لأهل الجنة ، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 22-23] ، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه ، وكل ما جاء في ذلك الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال، ومعناه على ما أراد ، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سَلِم في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وردّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه ". (6) وقال شارح الطحاوية مبيناً مذاهب الفرق الضالة في هذه المسألة ومذهب أهل الحق : " المخالف في الرؤية الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية . وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة ، وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون ، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين ، وأهل الحديث ، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة ". ثم بين أهمية هذه المسألة فقال : " وهذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها ، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس المتنافسون ، وحرمها الذين هم عن ربهم محجوبون ، وعن بابه مردودن ". ثم بين أن بين أن قوله تعالى: ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) [ القيامة: 22-23]. من أظهر الأدلة على هذه المسألة ، وأما الذين أبوا إلا تحريفها بما يسمونه تأويلاً : فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والحساب ، أسهل من تأويلها على أرباب التأويل . ولا يشاء مبطل أن يتأول النصوص وبحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول هذه النصوص. وبين خطورة التأويل : " وهذا الذي أفسد الدنيا والدين. وهكذا فعلت اليهود والنصارى في نصوص التوراة والإنجيل، وحذرنا الله أن نفعل مثلهم. وأبى المبطلون إلا سلوك سبيلهم، وكم جنى التأويل الفاسد على الدين وأهله من جناية. فهل قتل عثمان رضي الله عنه إلا بالتأويل الفاسد ؟ وكذا ما جرى في يوم الجمل، وصفين، ومقتل الحسين ، والحرة ؟ وهل خرجت الخوارج ، واعتزلت المعتزلة ، ورفضت الروافض ، وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، إلا بالتأويل الفاسد "!؟ . ثم بين أن دلالة الآية على الرؤية من جانبين : الأول فقه النص . والثاني : فقه علماء السلف لهذا النص . ففي الأول قال: " وإضافة النظر إلى الوجه، والذي هو محله، في هذه الآية، وتعديته بأداة " إلى " الصريحة في نظر العين ، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه – حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار: ( انظرونا نقتبس من نوركم ) [ الحديد : 13]. وإن عدي بـ " في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: ( أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ) [ الأعراف: 185]. وإن عدي بـ " إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) [ الأنعام: 99] . فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟ وساق في الثاني عدة نصوص عن السلف تبين فقههم للآية، فعن " الحسن قال: نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ، وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23] . قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل. وقال عكرمة: ( وجوه يومئذ ناضرة ) [القيامة : 22]. قال : من النعيم، ( إلى ربها ناظرة ) [القيامة : 23] ، قال : تنظر إلى ربها نظراً، ثم حكى عن ابن عباس مثله. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث. وقال تعالى: ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) [ق: 35] . قال الطبري: قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك: هو النظر إلى وجه الله عز وجل . ثم ذكر معنى الزيادة في قوله تعالى: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26]، وأنها النظر إلى وجه الله الكريم وساق في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون: ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة ". ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر ، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل . وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم . روى ابن جرير ذلك عن جماعة، منهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم. ومن الأدلة على هذه المسألة قوله تعالى: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15]. وذكر المصنف أن الشافعي – رحمه الله – وغيره من الأئمة احتجوا بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي ، وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي، وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين : 15]. فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا . ثم تعرض لاستدلال المعتزلة بقوله تعالى: ( لن تراني ) [ الأعراف : 143]. وبقوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام: 103]، وذكر أن الآيتين دليل عليهم ، فالآية الأولى : تدل على ثبوت رؤيته من وجوه : أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال. الثاني : أن الله لم ينكر عليه سؤاله ، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله، وقال: ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [هود:46] . الثالث : أنه تعالى قال: ( لن تراني ) ، ولم يقل : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً صح أن يقال: إنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى. الرابع : يوضح الوجه الثالث قوله تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) [ الأعراف : 143]. فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خُلق من ضعف ؟ . الخامس : أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء . السادس : قوله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) [الأعراف: 143]، فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف . السابع : أن الله كلم موسى ، وناداه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما . ثم أجاب على دعواهم أن " لن " تفيد التأبيد وتدل على نفس الرؤية في الآخرة، وبيّن الشيخ أنها لو قيدت بالتأبيد فلا تدل على دوام التفي في الآخرة، فكيف إذا أطلقت ؟ ولهذا نظائر في القرآن ، قال تعالى: ( ولن يتمنوه أبدا ) [ البقرة: 95]، مع قوله: ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) [ الزخرف : 77]. ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك ، قال تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى ) [ يوسف : 80]. فثبت أن ( لن ) لا تقتضي النفي المؤبد . قال الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله : ومن رأى النفي بلن مؤبداً ××× فقوله اردد وسواه فاعضدا ولهذا لم يتمدح بعدم محض لم يتضمن أمراً ثبوتياً ، فإن المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فإن المعنى: إنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام : 103] يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن " الإدراك " هو الإحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: ( فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا ) [ الشعراء: 61-62]. فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك ، كما يعلم ولا يحاط به علماً، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه. ثم ذكر الشيخ أن " الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ، الدالة على الرؤية متواترة ، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن . فمنها: حديث أبي هريرة: " أن ناساً قالوا: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل تُضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا :لا يا رسول الله، قال:هل تُضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، قال فإنكم ترونه كذلك "، الحديث، أخرجاه في "الصحيحين" بطوله. وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً في "الصحيحين" نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: " كنا جلوساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ". الحديث أخرجاه في "الصحيحين". وحديث صهيب المتقدم، رواه مسلم وغيره. وحديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " وجنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن "، أخرجاه في "الصحيحين". ومن حديث عدي بن حاتم: " ولَيَلقَينّ الله أحدكم يوم يلقاه ، وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ، فيقول: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك ؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى يا رب " (7) . أخرجه البخاري في "صحيحه". -------------------------------- (1) مشكاة المصابيح : (3/88) . (2) جامع الأصل : (10/557) . (3) جامع الأصول: (10/560) . (4) مشكاة المصابيح: (10/86)، ورقمه : 5616 . (5) مشكاة المصابيح : (3/100)، ورقمه : 5663 . (6) شرح الطحاوية : 203 . (7) راجع شرح الطحاوية : 204-210 . |
الفوز بنعيم الجنة لا يستلزم ترك متاع الدنيا والدنيا تذم إذا كانت شاغلاً عن الآخرة، أما إذا جعلها العبد معبراً ومدخلاً لنيل الآخرة، فالأمر ليس كما يظن بعض الناس. |
آخر دعواهم وآخر دعواهم في جنات النعيم : الحمد لله رب العالمين ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 10]. |
أصحاب الأعراف وعلى هذا السور يحبس أقوام بين الجنة والنار، ومنه يشرفون على أهل الجنة وعلى أهل النار. وأصحاب الأعراف – كما يقول ابن كثير – قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، ذلك أن الله أخبرنا أن من ثقلت موازينه، فهو من أهل الجنة المفلحين، ومن خفت موازينه، فهو من أهل النار الخاسرين ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [المؤمنون: 102-103] وسكت النص عمن استوت حسناته وسيئاته. وفي أصحاب الأعراف يقول رب العزة: ( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصرهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) [الأعراف : 46-49]. والتمعن في هذه الآيات يدل على ما يأتي : 1- أن أهل الأعراف ليسوا بكفار قطعاً، لأن الكفار يدخلون النار لا شك في ذلك ، إذ مصير الكفار النار. 2- أنهم يطمعون في دخول الجنة، وهم يدعون ربهم أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين أهل النار. 3- أنهم ينادون أصحاب الجنة مسلمين عليهم طامعين في صحبتهم، ومنادين أهل النار مبكتيهم ذاميهم. 4- أن الموقع الذي هم فيه موقع مشرف، يشرفون منه على أهل الجنة وأهل النار، ومن هنا سمي الموضع الذي هم فيه بالأعراف، فالأعراف جمع عرف، والعرب تسمي كل مرتفع من الأرض عرفاً، ومنه قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه. 5- أهل الأعراف أحسن حالاً من بعض المؤمنين الذين خفت موازينهم، فأدخلوا النار بذوبهم ، ثم يخرجهم الله من النار بإيمانهم وتوحيدهم، فأهل الأعراف لا يدخلون النار، وإن تأخر دخولهم الجنة. |
المحاجة بين الجنة والنار وللبخاري قال: " اختصمت الجنة والنار ( إلى ربهما )، فقالت الجنة: يا رب مالها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ وقالت النار (1)، فقال (الله) للجنة : أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما الجنة، فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشئ للنار (2) . من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد ؟ ويلقون فيها، فتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها، فتمتلئ ، ويزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط قط ". وله في أخرى : - وكان كثيراً ما يقفه أبو سفيان الحميري، أحد رواته، قال : " يقال لجهنم، هل امتلأت ؟ وتقول: هل من مزيد ؟ فيضع الرب قدمه عليها، فتقول : قط قط ". ولمسلم بنحو الأولى ، وانتهى عند قوله : " ولكل واحدة منهما ملؤها ". وقال في رواية : " فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (3) وغرتهم ؟ " وفي آخره: " فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض " وأخرجه الترمذي نحو الأولى (4) (5) . -------------------------------- (1) قال محقق جامع الأصل: كذا في الأصول المخطوطة. وفي النسخ المطبوعة: يعني: أوثرت بالمتكبرين، قال الحافظ في (الفتح): كذا وقع هنا مختصراً، قال ابن بطال: سقط قول النار هنا من جميع النسخ، وهو محفوظ في الحديث وانظر (الفتح) (13/434). (2) جزم غير واحد من أهل العلم أن هذا خطأ من بعض الرواة، وصوابه ينشئ للجنة . (3) السّقط: المزدرى به ، ومنه السَّقط: لرديء المتاع. وغرتهم: الغرّ الذي لم يجرب الأمور، فهو قليل الشر منقاد. (4) رواه البخاري (8/458) في تفسير سورة (ق) ، باب قوله تعالى : ( وتقول هل من مزيد ) [ق: 30] وفي التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) [الأعراف : 56 ]، ومسلم رقم (2846) في الجنة ، باب النار ويدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، والترمذي رقم (2564) في صفة الجنة ، باب ما جاء في احتجاج الجنة والنار. (5) جامع الأصول: (10/544-547) . |
تمت بحمد الله وفضله
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:56 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.