![]() |
ب- جريمة الحرابة: تعريف الحرابة: اصطلاحا: هي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى و سفك الدماء و سلب الأموال و الاعتداء على الأعراض. عقوبة الحرابة: تتراوح بين القتل أو القتل مع السلب أو القطع بالخلاف و العذاب العظيم في الآخرة، و غاية المشرع من ذلك قطع دابر المحاربين و تخليص الناس و المجتمع من شرورهم. - هذه العقوبات لا تنفذ إلا بعد استتابة المحاربين و رفضهم التوبة، فمن قتل يقتل أو يصلب، و من أخذ المال حرابة يقتل أو يصلب أو يقطع من خلاف، و من أرعب السبيل فإنه يقتل أو يصلب أو يقطع من خلاف أو ينفى من موطنه. - تنفيذ إحدى هاته العقوبات متروك لبصيرة الإمام. |
الحدود رحمة: الإسلام ينظر لحقوق الإنسان على أنها منحة إلهية، ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمن بها عليه إن شاء أو يسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق قررها الله له بمقتضى فطرته الإنسانية، فهي تتمتع بقدر كاف من الهيبة والاحترام والقدسية فلا يتجرأ شخصعلى انتهاكها أو الاعتداء عليها, أما ما يثيره المبطلون من أن إقامة الحدود الشرعية اعتداء على حقوق الإنسان فهذهشبهة باطلة عقلًا وشرعًا، والمتأمل لحال المجتمعات التي تطبق فيها الحدود والأخرى التي لا تطبق فيها ليجد البون الشاسع في استقرار تلك المجتمعات، وانتشار الأمن فيها، فيشعر الإنسان بطمأنينة نفسية، وسكينة قلبية، وأمن مستتب، بل إن تطبيق الحدودالشرعية على المجرمين خير وسيلة للقضاء على الجريمة، وخير وسيلة لحفظ الدماء أن تسفك، والحياة من أن تهدر، والأعراض من أن تنتهك، والأنساب من أن تختلط، والأموالمن أن تضيع أو تؤكل بالباطل، والعقول من أن تختل، والدين من أن يتخذ سخرية وهزوًا(15)، ولقد أخرج المجتمع الإسلامي الأول أناسًا ارتكبوا حدودًا، وكان لهم أن يستروا على أنفسهم، لكنهم كانوا هم الذين يذهبون بأنفسهم لإقامة الحد عليهم، أفبعد ذلك كله، يأتي من يجهلون الإسلام ويقولون: إن الحدود تعذيب وقسوة! بل إن الحدود حفاظ ورحمة(16). والإسلام حين وضع الحدود لم يكن يهدف من ورائها إشباع شهوة تعذيب الناس، بل يطبق الحدود في حدود ضيقة، فيدرأ الحد بأدنى شبهة، ولا يقام إلا إذا وصل إلى الحاكم المسلم، فإن لم يصل، فللذي ارتكب الحد أن يتوب إلى الله تعالى, ثم إن الناظر إلى تطبيق الحدود يعلم أن هذا التطبيق يمنع ارتكابه وتكرره مرة أخرى، وإن إقامة الحدود في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعهد الخلفاء الراشدين لم يتعد حدود أصابع اليدين، ثم إن اللِّين لا يجدي في كل موقف من المواقف، بل القسوة والشدة لهما أثرهما في الإصلاح أحيانًا كثيرة. وما تفعله دول العالم المتحضر أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان لهو أشد مما يمكن أن يوصف بأنه قسوة، وخذ سجن أبو غريب وغوانتنامو مثالاً على عدم القسوة في أعرافهم، كما يحاول البعض من أعداء الإسلام أن يصوروا تطبيق الحدود على أنه تعذيب وقسوة وتنكيل، وهم حين يفكرون في ذلك الأمر، يفكرون في منظر تقطيع اليد، أو الجلد أو الرجم لمن أتى حدًا من حدود الله، ويتناسون تمامًا الأضرار التي نجمت عن ارتكابهم الحدود، من أموال الناس التي انتهبت، والتي ربما تسببت في فقر أصحابها، أو هتك الأعراض واختلاط الأنساب وفساد المجتمع، أليس من الأنفع للمجتمع أن تقطع يد كل عام، ويشيع الأمن بين الناس، ويطمئن الناس على أموالهم وأعراضهم، بدلاً من إشاعة الخوف في نفوسهم وقلوبهم من أولئك الذين يرتكبون جرمًا في حق أنفسهم قبل أن يرتكبوا جرمًا أعظم في حق الناس(17). إن إقامة حدود الله في الأرض رحمة للعباد، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنى الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه الله مالكه وخالقه، فلا يطمع في أخذ حق الآخرين, ومتى قضي على الجريمة أو ضاق نطاقها فإن الأمن يستقر، ويتوفر الرخاء، وتتسع الأرزاق ويصبح المجتمع هادئًا مستقرًا لا يعاني من قلاقل أو اضطرابات، فضلاً عن كون ذلك كله وقبل كل شيء هو امتثال لأمر الله عز وجل واحتكام إلى شرعه القويم. إذا لم تطبق الحدود الشرعية تحولت إلى عقوبات كونية: قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾[طه: 124] إن الله تعالى أمرنا نحن المسلمين أن نقيم الحدود على أصحاب المعاصي، فإذا تخلينا عن إقامة الحدود فإن هذه العقوبة الشرعية التي كان من المفروض أن نقوم بها نحن، تتحول بإذن الله تعالى إلى عقوبة كونية عامة، وإذا كان الحد الشرعي إنما يتناول العاصي فقط، فإن العقوبة الكونية العامة قد تشمل المباشر للجريمة وغير المباشر، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كُلِّم في المخزومية التي كانت تسرق، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أسامة بن زيد حبَّه وابن حِبّه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها»(18), وحاشاها رضي الله عنها من ذلك، لكن هذا مثال في العدالة، حتى على بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس في المجتمع الإسلامي من يجري في عروقه دم مقدس، فهو فوق النظام والعدالة أو -كما يقال- فوق القانون، إنما يخضع الجميع لشريعة الله عز وجل، الكبير والصغير أمام شريعة الله تعالى سواء، وقد جاء عمر رضي الله عنه بـابن عمرو بن العاص، وطلب من القبطي الأجنبي البعيد بل والكافر أن يأخذ الدرة ويضعها على رأسه ويضربه ويقول: اضرب ابن الأكرمين، خذ حقك، انتصر من ابن الأكرمين، وفي بلاط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي اشتهر عنه قوله: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا(19). |
إذن: عقوبة الحد -مثلاً- على السارق بالقطع، أو عقوبة رجم الزاني المحصن، أو عقوبة جلد غير المحصن، أو أي حد شرعي أمر الله تعالى به، إذا فعله الناس أمنوا واطمأنوا على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأرغد عليهم الله تعالى بالعيش، فإذا قصروا ولم يقوموا بالحدود، فإن هذه العقوبة الشرعية تتحول إلى عقوبة كونية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إنما أهلك الذين من قبلكم...» أهلكوا لماذا؟ لأنهم عطلوا الحدود؛ لم يقيموا الحدود الشرعية، فنـزلت عليهم العقوبات الكونية القدرية التي لا يدلهم في دفعها، وهي عقوبات عامة تشمل الجميع، ثم يبعثون على نياتهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم(20). وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 25]ولا شك أن تعطيل حدود الله من أشد الظلم. |
مميزات الحدود في الشريعة الإسلامية: إن الشريعة الإسلامية شريعة متكاملة، صالحة لكل زمان ومكان، عادلة في تشريعاتها وأحكامها، وهذا يتجلى في موازنة التشريع لأنواع العقوبات الشرعية بأنواع موجباتها، فجعل شدة العقاب مقابل شدة أثر الجريمة، وخطرها على المجتمع الإسلامي أفرادًا وجماعات, وهذا يتجلى لنا واضحًا في عقوبة الزاني المحصن، وعقوبة المحارب، فشدة العقوبة فيهما نظرًا لشدة الجريمة البشعة، وفي مقابل ذلك: عقوبة القذف، فهي أخف الحدود ضربًا، لأن جريمة القذف أقل أثرًا من الزنا والحرابة. ومن مميزات هذا التشريع: المساواة بين مستحقي العقوبة الشرعية المقدرة، فلا تسقط عن الشريف لمنـزلته بين الناس أو جاهه أو سلطانه، ولا تسقط عن الغني لكثرة أمواله، وهذا يتجلى لنا واضحًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث:«لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»(21). كما إن ورود الإسقاط على الحدود الشرعية لا يضعف من قطعيتها في الوجوب، ولا يؤدي إلى تعطيلها –كما يقوله بعض المتأخرين- وإنما الإسقاط الشرعي يعني: استثناء حالة الإسقاط من حكم النص الدال على وجوب الحد، وهذا أمر له شواهد كثيرة في الأحكام الشرعية؛ كما في الصلاة، والصيام والحج والكفارات، فمثلاً: الصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة، وتسقط عن المرأة في أيام حيضها فتركها للصلاة في هذه الفترة ليس تعطيلًا للنص الدال على الوجوب المطلق، وإنما تمشيًا مع النصوص الأخرى الدالة على استثناء هذه الحالة من الحكم العام. وهذا هو الشأن في الحدود إذا ورد ما يسقطها بنص أو إجماع(22), بالإضافة إلى أن الأخذ بقاعدة درء الحدود بالشبهات يؤدي غالبًا إلى تبرئة المتهم من الجريمة المنسوبة إليه، ودرء العقوبة الحدية عنه كأن تكون الشبهة قائمة في ركن من أركان الجريمة، أو في طرق إثباتها، وقد تستدعي الحال أحيانًا بعد درء الحد إلى استبدال ذلك بعقوبة تعزيرية بدلاً من الحد المشتبه فيه، كمن أقر بحد من الحدود الشرعية، ثم عدل عن إقراره لشبهة قوية، فإن الإمام يدرأ عنه الحد، وله أن يعاقبه عقوبة تعزيزية ليكون أبلغ في ردعه وزجره. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:06 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.