بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   الأدب العربي (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=28)
-   -   [ حُبّ ] ... من وراء حجاب ! (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=389303)

نقاء الروح 03-12-2011 11:22 AM

[ حُبّ ] ... من وراء حجاب !
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






[ حُبّ ] ... من وراء حجاب !

رواية هادفة قرأتها وأعجبتني
وأحببت مشاركتكم إيها
أتمنى ان تستمتعوا وتستفيدوا منها ان شاء الله







نقاء الروح 03-12-2011 11:26 AM






باسم الله رب القلم ..
باسم الله أكتب حروفي ..

البعض سيتساءل ( من هذا ؟ وماذا يريد ؟ ) ، ولأشفي هذا الفضول المقبول .. أقول :
لستُ سوى كاتب قصّة .. كاتب أو كاتبة لا يهمّ .. رأيتُ من يعيش أحداثاً ويكتوي بنارها ، قلب مرهف .. أسَره بريق الحب .. وشدّته انعكاسات الأضواء على صفحته اللامعة ؛ ولم يدرِ أنّه شفرة قاطعة تدمي الفؤاد وتقطع الأوداج ، فاتّكأ عليها يريد الراحة .. فقطعت شريانه وأراقت دم مهجته وتركت قلبه يثعب أحمرَ الألم !

أكتب عن د. إياس ..
أكتب عن الحبيبة رؤى ..
أكتب وقائعاً ولست أنسجُ خيالاً ..
وأرجو أن أصل للنهاية وبي رمق الحياة !


دمتم بحب
1 / 4 / 1429 هـ

الفصل الأول



استيقظتُ صباح الخميس على رنين هاتفي الجوال .. والذي لم يطق صبراً أن يكتم خبر وصول رسالة جديدة ، تناولته ولمحتهُ سريعاً فإذا التنبيه لرسالة من د. إياس ، لم أندفع بفضولي القاتل لأفتحها هذه المرّة ؛ ربما الشعور الجارف بالنعاس كان كفيلاً بأن يكبح أي اندفاع فضولي .. لذا لم أقرأها .. فأعدته إلى طاولة خشبية منقوشة وُضعت عليها أبجورة فاخرة قربَ سريري ، ثم انقلبتُ بجانبي نحو جهة زوجتي والتي كنتُ اعتدتُ أن أهبها مساحة إجبارية للتأمل في ظهري .

تأملت جمالها الهاديء وهي تتنفس برفقٍ وسكينة منهمكة في نوم عميق ، وقد اكتسى وجهها بتعابير أقرب ما تكون إلى الابتسامة ..

( آآآخ .. ليتني أدري بمَ تحلمين يا منال ! )
عبارة تمتمت بها شفتاي وأنا أرمق منال غارقة في نومها ، امممـ.. ما دمتِ غارقة هكذا في نومك يا حبيبتي ؛ فليس لي إلاّ أن أنام لعلي أن ألقاك مستيقظة في حلمي .

أغمضت جفني ..
وغطيت عيني جيداً ..
وعُدت إلى نومي الهاديء !



نقاء الروح 03-12-2011 02:09 PM

الفصل الثاني



يدٌ ناعمة تتلمس شعري وتدلك رأسي برفق ، وأنفاس دافئة تداعب أذني بحنان ، وصوت ملؤه الدلال والغنج يخاطبني بهدوء وسكينة ..
منال : ريّان .. ريّان .. استيقظ حبيبي .. حان وقت الإفطار !
ريّان : طيب .. طيب .. أمهليني عشر دقائق فقط ريثما تُعدّين الإفطار .. أجدني متعباً قليلاً .
منال : سلامتك من التعب .. بالمناسبة .. صديقك إياس رُزق بمولدته البكر .. أرسل إلى جوّالك رسالة يخبرك بذلك هذا الصباح .

طار النوم من عيني وقمت من فراشي مبتسماً فرحاً وأنا لم أستوعب الخبر جيداً .. وكأنه مزحة ألقيت على مسمعي :
ريّان : حقاً ؟ إياس جارنا .. الدكتور .. صديقي ؟
منال : نعم .. وهو عند زوجته الآن في المستشفى ينتظرها أن تفيق من نومها بعد الولادة ، ويريدك أن تأتيَ إليه وتصطحبني لأمكث عندها .
ريّان : ما شاء الله .. لكن أكل ذلك قاله في الرسالة ؟
منال : لا .. ولكنه لسان حاله ، فهو مغتربٌ عن أهله كما تعلم ، ولا بّد أن تقف بجانبه وأعين زوجته خصوصاً وأنها المولودة الأولى .
ريّان : .. العقبى لك !
ضحكَتْ باستحياء .. ثم خرجت من الغرفة لتعدّ الإفطار بعد أن تأكدت من استيقاظي ،أما أنا فلم أجد أي صعوبة في أن أنتزع نفسي من فراشي ، فالنشاط والأنس بدأ يسري ويدبّ في دمي ، دخلتُ دورة المياه .. غسلتُ وجهي وتوضّأتُ .. ارتديتُ ثوبي وكامل لباسي ، ثم خرجتُ إلى صالة شقتنا الصغيرة بعد أن ركعت ركعتي الضحى .

كان فطوراً خفيفاً ولذيذاً - كالعادة - أتقنته يدا منال ، ولكنها لم تشاركني فيه ، حيث أعدته لي ثم اتجهت صوب غرفتها تستعدُّ للذهاب إلى المستشفى لزيارة لينة .



...
ان شاء الله انزل كل يوم فصلين
قراءة ممتعة ان شاء الله



T!to 03-12-2011 03:46 PM

شكلها حلوة .. بس الفصلين صغيرين اوى ..
هى كام فصل ؟؟
والف شكر لحضرتك

نقاء الروح 03-12-2011 06:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة t!to (المشاركة 4143448)
شكلها حلوة .. بس الفصلين صغيرين اوى ..
هى كام فصل ؟؟
والف شكر لحضرتك

ممم تقريبا 17 جزء
الجزئين دول بس ال صغيرين
الباقي هيبقى طويل ان شاء الله

الشكر لحضرتك عالمرور الجميل
شكراً جزيلاً (:

نقاء الروح 04-12-2011 02:33 PM

الفصل الثالث



خرجنا من البيت سوياً بعد أن أخذت زوجتي معها بعض الضيافة فيما لو أتى زوّار لصديقتها وجارتها لينة ، كان الطريق - كعادة شوارع العاصمة - مزدحماً بالعربات والسيارات بكافة الأحجام ، لقد انغمست في الزحام دون أن أدري خصوصاً وأني ذهلت عن أن اليومَ يومُ خميس .

ورغبة منها في كسر حاجز الصمت القائم بيننا وإشباعاً لفضولها ؛ سألتني منال عن بداية علاقتي بالدكتور إياس وكيف تعرفت عليه أول مرة خصوصاً وأنه ليس من أهل مدينتنا وإنما أتى إليها منتقلاً من مدينة الخبر في المنطقة الشرقية ، ومن جهتي فقد اعتدتُ على هذه الأسئلة الفضولية المقبولة من زوجتي والتي من حقها أن تعرف كل شيء عني ، فزواجي منها لم يكمل عامه الثاني بعد !

إن كثيراً من الأزواج - وحتى الإخوان - تستفزهم بسرعة أسئلة الأنثى الشخصية ، ربما لأنهم يرونها من باب الفضول متناسين أن الدافع الأول لمثل ذلك هو " الحب " ، إن الأنثى تحتاج كثيراً لإشباع عاطفتها وإروائها ليس فقط بالكلام المعسول وتنميق العبارات ؛ ولكن أيضاً بأخبار الحبيب وأيامه التي عاشها ليتغلغل حبه في روحها فتشعر أنه لم يفتها ولا حتى يوم واحد من حياته .. وكأنها وإياه كشيء واحد ، لكَ أن تتأمل عيني الأنثى الباسمتين وهي تستمع إلى قصصك وتميّز نبرة صوتها الدافئة وهي تسأل باسترسال واندفاع .. أجبتها :
ريّان : ألم أحكِ لكِ من قبل قصته ؟ ظننت أني فعلت ! لا بأس ، كنتُ شاباً وحيداً ليس من الدنيا إلا والدي ، كان هو لي الأخ والصديق وحتى الأم بعد أن توفيت والدتي وأنا ابن 15 عاماً ، كنت في عينيه كل هذه الدنيا وقد عشتُ وإياه في البيت الذي نسكن فيه الآن ، تخرجتُ من الثانوية ودخلتُ الجامعة وتخرجتُ منها في قصة طويلة سبق وأن حكيتها لك ، بعد تخرجي .. توظفتُ في الشركة التي أعمل فيها حالياً براتب جيّد ، ولكن في الجانب الآخر خسرَ والدي تجارته وركبته الديون وأصابه من الهم والغم ما الله به عليم ، ولمّا استحال حال والدي إلى هذه الدرجة أقسمتُ عليه أن يستريح في البيت وأن يتركني أعمل ، فراتبي يكفيني وإياه وقد جاء دوري لأرد جميله عليّ ، وبطبيعته العصامية رفض اقتراحي وأصر على أن يبدأ تجارته من جديد ، ولكن سبق قدر الله فقبض الله والدي - رحمه الله - بعد أن ترك لي ديوناً ثقيلة ، ولكن ثقل فراق أبي الذي يعني لي كل شيء كان أكبر على قلبي الصغير الذي لم يختبر الدنيا بعد من كل الديون التي تركها .

وبتودد ورغبة في المشاركة الوجدانية قاطعتني :
منال : ليتني كنت معك مذ ذلك الحين لأخفف عليك بعض هذه الهموم ، وأحمل عنك بعض هذه الأحمال الجسام ، الحمد لله الذي هوّن عليك ورزقك وربط على قلبك حتى بلغت ما بلغت .. وماذا بعد ؟

ريّان : تكونين معي ؟ هههه .. بالكاد وافقتِ وقبلتِ بي زوجاً لمّا تقدمت إليكِ بعد أن قام عودي واكتسى أخضر الورق وصرتُ رجلاً مستور الحال ، ثم بعد هذا تقولين ليتني كنتُ معك يوم أن كنتَ مُعدماً ؟ ، شكراً على شعورك النبيل ، سأقبلها منك هذه المرّة !

منال : ياااه .. عجباً لكم معاشر الرجال .. إن أحسنّا إليكم بالحديث سخرتم منّا ، وإن تبلّدت مشاعرنا أنفتم قسوتنا ، أعتقد أن الرجل مخلوقٌ .. امممـ .. لن أكمل .. أعتقد أن الرجل أجمل مخلوق .. لنكمل الآن .. وماذا عن جارنا ؟

ريّان : حسناً .. حسناً .. سأكمل .. أقسمتُ على نفسي بعد فراق والدي أن لا أتزوج ولا أرفّه عن نفسي بعيشٍ حتى أقضي دينه - رحمه الله - ، فبعتُ سيارتي الفارهة واقتنيتُ أخرى بسيطة ، وقسمتُ بيتنا وجعلته دورين ، دور أسكنه ودورٌ أؤجره حتى أجمع مبلغ دين والدي بأسرع ما أستطيع ، وقد كان ذلك بالفعل .. فلم تمضِ أربع سنوات من عيشة الكفاف التي عشتها - رغم راتبي العالي جداً مقارنةً بمن هم مثلي - إلا وقد قضيتُ دين والدي .

أما إياس .. الطبيب .. الطيب .. الحبيب .. فكان أول مستأجر للدور العلوي قبل ست سنوات ، وكان حين استأجر الدور أعزباً مغترباً قادماً من المنطقة الشرقية ليعمل في أحد مستشفيات الرياض ، استغربتُ من كونه يستأجرُ شقة من دور كامل وهو أعزب ، فأخبرني أنه خاطب وسيتزوّج بعد أشهر من صديقتك الجديدة لينة ؛ بصراحة .. لم أصدق أنه كان خاطباً فتعابير وجهه وهو يحدّثني ليست بتعابير شاب أعزب متديّن سيتزوّج بعد أشهر ، ولا أخفيكِ يا منال أني حتى الساعة لا أدري ما سبب ذلك !

المهم .. في السنة الثانية رفعتُ الإيجار عليه بعد استقراره وزواجه ، فاستضافني في شقته ورحّب بي وأكرمني حتى خجلتُ من نفسي ، ولمّا أقدمتُ على الانصراف ألحّ عليّ بالجلوس .. وقال :
إياس : أريد أن أفاتحكَ بموضوعٍ خاصٍ نوعاً ما ..
ريّان : تفضّل د. إياس .. يسعدني أن أكون معيناً لك إن كان ثمةَ ما ينغّص عليك !
إياس : يا أخي الكريم .. كنتُ سابقاً أستأجرُ منك شقتي بثلاثين ألف ريال ، فلمَ ارتفعَ إيجارها ليصبح ستة وثلاثين ألف ريال ؟ لستُ معترضاً على رفع المبلغ فهذا حق لك ، كما أني لا أحب أن أسـاوم في البيع والشراء فقدوتي من يقول ( رحم الله امرؤاً سمحاً إذا باع .. سمحاً إذا اشترى ) ، ولكني خشيت أن نكون آذيناك بجيرتنا لك ، وإني أحسبك رجلاً صالحاً لن تُقدم على ما أقدمت عليه إلا بعلّة وسبب .. فهل يمكنني أن أعرف سبب ذلك ؟



نقاء الروح 04-12-2011 02:35 PM

تابع
الفصل الثالث


كان سؤاله هذا محرجاً كثيراً لي خصوصاً بعدما لقيته من حفاوة وتكريم غمرني بهما ، أضيفي إلى ذلك أنه كان نعم الجار طول فترة إقامته فوق شقتي ، فلم أسمع ولم أرَ ولم ألقَ أيّ أذىً أو إزعاجٍ منه على مدار عامٍ كامل ، بل كان كثيراً ما يدعوني لأرتشف معه فنجانَ شايٍ كلما التقينا دُبرَ كل صلاة !


لم أجدّ بُداً من أن أبوح له بالسبب وإن كنتُ حتى لحظتي لا أجد ما يدفعني لذلك ؛ إلاّ أنه كان كريماً خلوقاً احتواني بابتسامته وصوته الذي كان أقرب وصف يوصف به أنه خافت هامس .. فلم أجد شيء يمنعني من أن أكشف له ما في قلبي ، قلتُ له :
ريّان : والله يا أبا ... ؟ بالمناسبة يا دكتور بمَ تُكنّى ؟
إياس : أبو سارة ..
ريّان : أبو سارة ؟ ولمَ ليسَ سواها ؟ امممـ .. اسم رجلٍ مثلا !
إياس : " سارة " اسم أمي ، وهي أعزّ وأحب شيء رأته عيني يوماً .
ريّان : إيه يا أبا سارة .. أنتَ أمّك وأنا أبي ، ربما هي افتتاحيّة مناسبة لما سأخبرك به ، يا أبا سارة .. إن والدي رحل عن الدنيا ولم يترك لي من الدنيا سوى هذا البيت ، وقد أجّرتُ شطره لأسدد وأقارب في تسديد الديون التي عليّ ، فالدائنون ينتظرون .. ووالدي في قبره موثق بدينه ، وأنا أريد أو أوفيه عنه ، لذا لم أجد إلا أن أرفع عليك إيجار المكان الذي تسكن به ، ليس من سبب إلا هذا ؛ وإلا فأنت جار كريم السجايا لطيف المعشر ما وجدتُ منك سوءاً قط !
إياس : هكذا إذاً ؟ لك كل الحق فيما فعلت يا أخي ، أعتذر من تطفلي عليك وعلى تخطيطك ، ولك عليّ أن أدفع الزيادة كاملة في القسط الأوّل جزاء إزعاجي لك .
ريّان : لا داعي .. لا داعي .. لا ترهق نفسك ، بل اقسمها قسمين مناصفة ، يكفي أن يصل المبلغ لي كاملاً في آخر السنة ، مقدّر لك تفهّمك يا دكتور .

أتظنين أنها انتهى إلى هذا الحد من التفهّم يا منال ؟ لا ! بل إنه لمّا انتهت السنة وحان موعد سداد القسط الثاني جاءني بشيكين اثنين ، أحدهما بقيمة ثمانية عشر ألف ريال وهو المبلغ المستحق ، أما الشيك الآخر فكان بقيمة مئة ألف ريال !

منال : مئة ألف ريال ..!؟ ولكن ما مناسبتها ؟

ريّان : أتاني يقول بأن خير البرّ عاجله ، وهذه قيمة إيجار الشقة لمدة ثلاث سنوات قادمة ، يدفعها مقدماً لي لأنه يريد أن يريح تفكيره من قضيّة السكن ، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد لحاجتي إلى هذه المبلغ رغم يقيني بأن ما دفعه لما فعل هو رغبته في مساعدتي ، قمت له .. عانقته .. لم أملك والله دمعتي يا منال ، وكأنه يشعر بي .. إذ أتاني أحد الدائنين قبل يومين من مجيء إياس يطالبني بقيمة ثمانين ألف ريال خلال أسبوع وإلا فسيرفع أمري إلى المحكمة .

بعد هذا الموقف .. علمتُ حقيقةً ( رُب أخ لك لم تلده أمّك ! ) ، وتأكدُت أن من أغلى ما في الحياة الصديق الصدوق الذي يأتيك قبل أن تأتيه ويُعينك قبل أن تطلبه ويُغيثك قبل أن تستغيث به ، صار لي د. إياس - أو إياس كما يُحبّ أن أناديه -أكثر من جار .. بل وحتى أكثر من صديق ، لقد كان الناصح لي وقد كنت الناصح له كذلك ، عجيب هو قدر الله في تسخير الناس لبعضهم وتسيير الأرزاق لهم سواء أكان الرزق مالاً أو قوتاً أو أغلى منهما وهو الجليس الصالح ، ولطالما تأملتُ حديث الأرواح ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف ) فلا أكاد أن أتم كلماته حتى ترتسم على شفتيّ ابتسامة التصديق والإيمان بكلام الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - .

منال : ها قد بدأت في الوعظ والفلسفة ، كفاك منهما يا ريّان ، أريد مرّة أن أستمع إليك دون أن تصبغ مقولك بنبرة الفوقية المعلّمة وكأن الناس جُهّال لا يفهمون .. إلا أنت !

ريّان : أعتذر .. هذه آخر مرّة .. أتوب .. لا أعود ثانية .. رضيتي الآن إذاً ؟ على أية حال هذا هو المستشفى أمامنا ، لكن تبقت لنا الخطوة الأصعب من زحمة الطريق والأثقل من وعظي وفلسفتي ، أين سنجد موقفَ سيّارة ؟

نقاء الروح 04-12-2011 04:09 PM

الفصل الرابع



صوتُ وقع أقدامي وزوجتي في ممرات المستشفى يهتك ستار الصمت الرقيق المخيّم على المكان ، حيث كان لا يوجد في تلك الممرات سوانا رغم أن بعض أسراب حمائم الرحمة - أو الممرضات - تغشانا وهي تنتقل من غرفة إلى أخرى ، وتفسير هذا السكون المنكسر أن زيارتنا كانت أواخر الصباح قبيل الظهيرة في الوقت الذي لا يُفتح فيه باب الزيارة ، ولولا أن د. إياس طبيب في هذا المستشفى لما سُمح لنا بالدخول بتاتاً ، كنتُ أسير بخطىً سريعة ثم أتوقف هنيهة منتظراً البطة التي معي والتي لا أدري أتمشي على قدميها أم أنها تحبو !؟

التفتُ إليها ممازحاً وقلتُ :
ريّان : نسيت أن أخبرك بأن من أكثر فضائل إياس عليّ تعريف زوجته لنا بك يوم أن كنتُ أبحثُ لي عن زوجة ، فقد دلتني على ملاكٍ أحببته من كل قلبي وكان لي أنساً وصنع من بيتي جنة .

منال : شكراً .. لا تحرجني يا ريّان .. لا داعي لمثل هذه الإحراجات !

ريّان : لكنّ المؤسف أن الملاك الذي دلتني عليه برغم كل مواصفاته إلاّ أنه كان على هيئة سلحفاة !

منال : من رحمة الله بك أن قلت هذا ونحن في مكانٍ عامٍ وإلا لكنت علمتك كيف تختار مصطلحاتك بعناية يا كتلة الشحم ، لكن تذكر أنك أخذتني من بيت أهلي رشيقة جميلة كغزال ؛ ولكنّ ما في أحشائي منك هو من جعل أمثالك يسبق أمثالي !

ريّان : ههههه .. كنت أمازحك فقط ، لا داعي لمثل كل هذا الشحن النفسي ، كل مرّة أتأكد أننا أحياناً بمزاحنا الذي في غير وقته قد نختلق مشكلات نحن في غنىً عنها ، وكذا كل مزاح لا يقوم على مبدأ احترام الطرف الآخر فإن مصيره ثلم - ولو مقدار شعرة - في الزجاجة المبنية أساساً لعلاقتهما . على أي حال .. ها نحن وصلنا لغرفة زوجة د. إياس .

طَرَقَت زوجتي الباب مستأذنة للدخول فأُذن لها وخرج إياس من عند زوجته ، أتى صوبي مسرعاً فهنّأته وباركت له وتعانقنا ، كان وجهه يتهلل بشراً وفرحاً ، فابنته هذه بِكره بعد حوالي ست سنين من زواجه ، أخذني والبهجة تملؤه لغرفة الحضانة وأدخلني سريعاً ونادى الممرضة بثقة الطبيب الذي يعرف ما الذي يفعله وهو يقول ( Where is my baby ? ) .

فأشارت إليها .. وتوجه نحو بنيّته بخفّة وحملها وكأنه يطير من فرحه ، كنتُ أتأمله فأرى في عينيه نفس ذلك الذي كنتُ أراهُ في عينيّ والدي ، نفس الشعور بالشغف .. نفس الشعور بالأمل .. نفس الشعور بالعطف .. نفس الشعور بالحنان والرقة والرحمة .. نفس الشعور بالحب الجبلّي الذي زرعه الله في قلب الوالدين تجاه أولادهما ؛ والذي من خلاله لم يكن ثمّة حاجة لأن يأمر الله الوالدين في كتابه بأن يُحسنا إلى أولادهما ، ولقد كِدتُ أرقّ وأبكي لمّا تذكرتُ والدي وهو يحملني بنفس طريقة حمله رغم أني لم أكن طفلاً ، فسبحان من غرس هذه المحبة في نفوس الآباء !

نقاء الروح 04-12-2011 04:10 PM

تابع


بادرته بعد أن نسيني وانشغل بتلك الجميلة :
ريّان : ما شاء الله .. هذه إذاً العروسة سارة ، أصـلحـ ...
إياس : سارة من ؟ لا .. هذه "رؤى" وسارة تأتي بعدها إن شاء الله !

ريّان : مبارك على أي حال ، سارّة .. حارّة .. رؤى .. أروى .. مروى ، هو مجرّد اسمٍ لك حريّة اختياره ، ولكن ألستَ تُكنّي نفسك سابقاً بأبي سارة تيمناً بأمك ؟ هذا تماماً ما جعلني أظن أنك أسميت عروستك الصغيرة بسارة .. لا شيء غير ذلك .

إياس : امممـ... إن لهذا الاسم قصّة يا ريّان ، قصّة طويلة جداً .. جداً غيّرت حياتي وقلبتها رأساً على عقب ، هي من أتى بي إلى الرياض بعد أن كنتُ مقيماً بين أهلي ، تلك القصّة مؤلمة محزنة غريبة بل ومضحكة ، أفكّر فيها بين حينٍ وآخر فأضحك .. وابكي ، أسترجع أحداثها في أوقات صفائي فيغشاني الحزن والاستغراب ، دفنتها في صدري لثمانِ سنوات ، ولكني أجدني ضعيفاً أمامك فأحدّثك عنها .. آآآهـ من تلك الأيام !

أوووه .. مالذي قلته ؟ أتمنى منك يا صاحبي أن تعذر هلوستي وثرثرتي الغبيّة ، كنت أهذي مجرّد هذيان لا قيمة له ، ربما التعب الذي أصابني نتيجة سهري البارحة والإرهاق الذي أحس به كانا سببين فيما تحدّثتُ به .

خرجتُ وإياس من غرفة الحضانة متوجّهين صوب غرفة زوجته وعلى رأسي علامات استفهام وتعجب كثيرة كنتُ أشعر بها وبثقلها وأنا أسير في ممرات المستشفى ، ما هذا الحمل الثقيل الذي يحمله صديقي إياس في صدره لدرجة تفقده تركيزه ووعيه ، عزمتُ على نفسي أن أسأله لاحقاً بعد أن يهدأ .

واصلنا المسير إلى الغرفة .. وأخيراً وصلنا ، دخلنا على بعد أن طرقنا الباب ، باركتُ لأم رؤى ( ! ) وتحمّدت لها بالسلامة ، واستأذنتها لصاحبي أن أذهب به إلى البيت ليرتاح في مقابل أن أتركها من صديقتها .. زوجتي ، وهكذا اتفقنا جميعاً على أن أعود وإياس إليهم بعد صلاة المغرب - إن شاء الله - ، وأن يتصلوا بنا قبل ذلك إن احتاجوا أي شيء .

ودّعناهما وخرجتُ ممسكاً بيد إياس ومشبكاً أصابعي بأصابعه ، كنتُ أريده أن يستشعر الأخوة ويشعر بالاطمئنان ، علّه أن يزيح عن كاهله بعض ما أثقله من هموم كنت لبلادتي لا أراها في عينيه الطيبتين الممتلئتان طيباً وسماحة ، لم تبدُ منّي إليه ولا منه إليّ أي كلمة ، كان صوت كعب حذائه يملأ الممرات ضجيجاً ونحن في طريق خروجنا من المستشفى ، وأخيراً .. رأينا السماء واتّجهنا نحو سيارتي المركونة في مواقف الأطباء ، ربما نسيتُ أن أخبركم أنني اتصلتُ بإياس حين وصلتُ المستشفى مع زوجتي أسأله عن أقرب المواقف فأشار عليّ أن اقف في موقف زميله الطبيب المسافر لحضور مؤتمرٍ طبّي .

ركبنا سيّارتي وانطلقنا نشقّ طريقنا نحو مسكننا تحت سياط أشعة شمس الرياض الحارقة فترة منتصف الظهيرة ؛ والتي لا ينفع معها لا مكيّف سيارة ولا سواه ، كان الصمت سيد الموقف بيني وبين إياس حتى استوقفتنا إشارة مرورية أطالت إيقافنا ، التفتُ نحو إياسٍ وسألته :

ريّان : سأتطفلُ عليك قليلاً .. طبعاً يمكنك رفض ذلك .. ما قصة اختيارك لاسم رؤى ؟ وما السر في كل تلك التنهّدات والآهات التي أطلقتها ؟ ما الذي تحمله في صدرك يا صاحبي ؟ من هي رؤى هذه ؟

وعلى وقع أسئلتي الفضولية المتتابعة ؛ طأطأ صاحبي رأسه وتنفّس بعمقٍ .. ثم رفعه ملتفتاً نحوي وقد رفع وسط حاجبيه بصورة محزون ثم استرسل يحكي لي ويقول بصوتٍ مصدره قلبه لا لسانه ، فأنا أميّز الأصواتَ جيداً .. يقول :

إياس : كنتُ ...

Free Love 04-12-2011 06:42 PM

رواية شيقه

شكرا لك يانقاء .........

T!to 04-12-2011 08:05 PM

شكلها قصة مشوقة فعلا ..
بس الفصلين طوال :blush:
مفيش حاجة على مقاسى :p
الف شكر استاذة نقاء ..
جزاكم الله خيرا ..بانتظار الباقى

نقاء الروح 05-12-2011 02:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة free love (المشاركة 4145122)
رواية شيقه

شكرا لك يانقاء .........


العفوو ^^
شكراً لمرورك الرائع يامحمد
قراءة ممتعة ان شاء الله

نقاء الروح 05-12-2011 02:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4145285)
شكلها قصة مشوقة فعلا ..
بس الفصلين طوال :blush:
مفيش حاجة على مقاسى :p
الف شكر استاذة نقاء ..
جزاكم الله خيرا ..بانتظار الباقى

ههههه
اعمل ايه شوفتك قولت عليهم قصيرين
طولناهم :p
الفصول الجاية هتبقى وسط ان شاء الله :bosyht9:
جزانا واياكم يارب
شكراً لمتابعة حضرتك (:
قراءة ممتعة ان شاء الله

نقاء الروح 05-12-2011 02:38 PM

الفصل الخامس



إياس : كنتُ .. كنتُ .. كنتُ .. ثم ماذا يا ريّان ، أظن اجترار الأحزان مهلك .. قاتل .. بل مغتال للبسمة التي نعيش بها في أوقات أنسنا ، وماذا نصنع بأحزان تجربة عشناها وانقضت ؟ لماذا نتذكرها فنتجرّع غُصتها كل مرة رغم أننا لم نعشها سوى مرّة ؟ دع المصائب تأتي وتتكالب على القلب فتتتكسر نصال بعضها على بعضها حتى نفيق وما في القلب أي نشابٍ عالق لم يعترك مع آخر على مكان انغراسه !

ريّان : صدقني أنا معك .. ثّمة الكثير من الأحزان تُهلكنا باجترارنا لمآسيها ، خصوصاً وأننا نبحث عنها بعد مضي السنوات في قمامة الذاكرة ، فنستخرجها مرة أخرى ونستحضرها في مخيلاتنا ونبدأ من جديد في خوض غمار تلك المأساة خيالاً ؛ ولربما دمعت العين وضاق الخاطر وتكدّر اليوم بطوله نتيجة لتلك الذكرى ، لستُ أتحدّث عن تلك الذكريات يا دكتور إياس ..

إياس : كم مرة قلتُ لك أن لا تناديني .. دكتور ؟ أنا دكتور هناك .. بين جدارن المستشفى .. عند التأوهات والآلام .. عند رؤوس المرضى الذين يطربون عند سماع " دكتور " .. أولئك الذين يرقبون أي بصيص أملٍ في الشفاء ، بل حتى ذلك المكان لا أحب أن أنادى فيه بما ناديتني ، أنا إنسان بسيط لا زلت أتعلّم من هذه الدنيا وأختبرها ، أكره الألقاب والرسميات التي تخلق الحواجز ولو لفظاً .. صدقني ، تأمل قولك : " أخي الدكتور إياس " ألا تستثقلها ؟ ألا تشعر بأن الطب قد حال بين إخوتنا ولو لفظاً ؟ أوليست أجمل لو قلت : " أخي إياس " ؟ أوليس الأجمل منها أن تكتفي بقولك : " أخي " ؟ ألا يشعرك هذا التمازج - ولو كان لفظياً - بيننا بالقرب ، إن كثيراً من الأشياء اللفظية التي لا نعيرها انتباهاً تقع في القلوب موقعاً لا نشعر به إلا بعد زمن !

ريّان : طيب .. طيب يا " أخي " ، كما قلتُ .. أنني أوافقك فيما ذهبت إليه من رفض اجترار الأحزان ، لكن ثمّة أحزان لا نجترّها .. لا نستخرجها .. لا نبحث عنها في زوايا الذاكرة .. هي تعيش دوماً على السطح .. تقتات من سعادتنا الداخلية وإن أبدينا الأنس والبسمة ظاهراً ، تلك الأحزان يجب .. ويجب .. ويجب أن نشاركها مع من يحملها معنا ، إن الأحزان كالأثقال .. كلما ازداد عدد حامليها كلما خفّ الحملُ على المحزون ، خصوصاً إن كان أصحابه من ذوي العصبة أولي القوة في العقل والإدراك ، أعتقد - واعذر تطفلي - أن ما تكتمه هو من قبيل النوع الأخير الذي يستلزم أن تزيح منه شيئاً عن نفسك ، وها قد أظفرك الله بفضوليّ يحبّ الثرثرة مثلي .. فما بك يا صاحبي ؟

إياس : امممففف .. سأحكي لك على لا أن تسخر مني ولا تتخذ مني موقفاً ساخراً أو ناقداً ، هي أحداث عشتها مضت وانقضت بخيرها وشرّها .. وصوابها وخطئها .. وعجرها وبجرها ، لكنها - وبتفاصيلها - ما تزال عالقة في ذهني حتى الآن ، حاولتُ أن أصرفها بكثير من الصوارف ففشلت ؛ غيرتُ مسكني في مدينتي .. ثم غيّرت مقرّ عملي .. ثم غيّرت مدينتي بأسرها .. ثم تزوّجت .. ثم قصدتُ الإنجاب .. وها أنا ذا أكابد جرحاً في صدري ما زال يرعف حتى الآن ، جرحٌ رائحته وطعمه ولونه واسمه " رؤى " ، فتاة عشقتها من كل قلبي رغم أني لم أرها ، لم أحادثها بالهاتف يوماُ ولم أفكّر ، بل إنني كنت أحياناً أراها أمامي فأشيح ببصري عنها تطهيراً لها واحتراماً لذاتها النقيّة .

ريّان : وما قصّة رؤى هذه ؟ يبدو أنني كنت أعيش مع روميو جديد دون أن أشعر ، لا تقل لي أنها زميلة دراسة في الكلية أو طبيبة أعجبتَ بأخلاقها في المستشفى أو حتى ابنة جيرانكم !

إياس : لا ليست كذلك .. بل هي شيء آخر تماماً على الأقل في خيالاتي الحالمة ، لكني لن أحكيها لك الآن فهاقد وصلنا إلى البيت ولن نبقى في السيارة تحت هذه الشمس المحرقة ، وكذلك لن أحكيها لك في البيت الآن لأنك أخذتني من زوجتي لتوصلني إلى البيت وأرتاح .. لا أن أحكي لك قصّة .

ريّان : طيب .. والغداء ؟

إياس : لستُ جائعاً بقدر اشتهائي للنوم في هذه الساعة ، سأذهب إلى شقتي وأقيل فيها حتى صلاة العصر ، لا تنسَ أن توقظني مع الأذان ، فأنا أريد أن أغتسل قبل ذهابي إلى المسجد ، فأنا .. وأنا أنا .. لا أطيق رائحة نفسي !

ريّان : وهو كذلك .. نوماً هنيئاً يا روميو .. هههه .

نقاء الروح 05-12-2011 05:37 PM

الفصل السادس



قبل الأذان بعشر دقائق .. كنت أفتح بالمفتاح الذي أعطانيه إياس باب شقته لأوقظه من نومه ؛ أتيتُ قبل الموعد خشيةَ أن لا أستطيع أن أوقظه جرّاء التعب الذي عاناه ، دخلتُ وبدأتُ أتلمّس الجدار باحثاً عن مفتاح الإضاءة الذي أتذكر أنه كان قريباً من الباب ، وبعد أن أشعلت فتيل المصابيح تقدمتُ في داخل منزله متجهاً صوب غرفة نومه ، طرقتُ الباب بهدوء وأنا أنطق باسمه بشكل متتالي : ( إياس .. إياس .. إياس ) ، وإذ بصوته يناديني من الداخل ..

إياس : ادخل يا ريّان .. ادخل !

فتحتُ الباب ودخلتُ فإذا بصاحبي جالسٌ على كرسي مكتبه في أقصى الغرفة مطأطئ الرأس وهو ينكتُ بقلم رصاصٍ كان يمسك به على ورقةٍ أمامه ، ودون حتى أن يرفع رأسه أخبرني أن النوم لم يطرق جفنه سريعاً رغم تعبه ، حيث كان الحديث الذي دار بيننا مُوقداً لحرّ الذكريات في صدره ، ولمّا أن غمضَت عينه رأى في منامه والدَ " رؤى " وهو يُمسكُ بيده ويحدّثه ويضحك ويقهقه معه ، فاستيقظ من نومه .. بل وطار النوم من عينيه وبدأ يسبح في أفكاره وخيالاته ، ثم قام واغتسل وهاهو جالسٌ أمام مكتبه ينتظرُ أذان صلاة العصر .

استوقفته بنبرة متعجبة :
ريّان : وما دخل والد رؤى في الموضوع ؟ وما علاقتك به أساساً ؟

إياس : والد رؤى هو سبب معرفتي بها !

ريّان : مادام هو من عرّفك عليها أوّل مرّة فكيف إذاً يمنعك من الزواج بها ؟ أشعر أنك مشوّشٌ قليلاً يا صاحبي أو أن ما جرى لا يحدث في الكرة الأرضية إلا مرة واحدة ، فتاة ووالدها وأنت .. وهو من عرفك ثم لا تتزوج !

إياس : من قال أنه هو من عرفني عليها ؟ ومن قال أنه منعني من الزواج بها ؟

ريّان : أولم تقل الآن أنه هو من عرّفك بها ؟ وعن منعك من الزواج بها فهذا لا يعدو كونه استنتاجاً مني أنا فقط ، إذ أن كل قصص العاشقين الحالمين الـ.. الـ.. تنتهي بمنع ولي الفتاة من زواج الطرفين ببعضهما .

إياس :لم أقل أنه هو من عرفني بها ، بل قلتُ أنه كان سبب معرفتي بها .

ريّان : أحياناً أشعر أنك تفوقني فلسلفةً ولعباً بالكلمات والجمل .

إياس : وهذا هو الواقع .. ههههه !

ريّان : أخيراً ابتسمتُ وضحكت ، أسعدك الله يا صاحبي وأزاح عنك ما أهمّك ويهمّك ، صدقني ما في الحزن من نفع سوى أنه مدخل من مداخل إبليس على عباد الله ، دعنا من مشاهد الحزن والألم هذه وأخبرني ما قصّة " رؤى " ؟ ومن هو ووالدها وكيف تعرفت عليه ؟ لا أريد أن أنتظر أكثر فرأسي لا يحتمل دخول والدة رؤى وأختها وأخيها وعمتها وخالتها ، فالدائرة لديك تتسع والشخصيات تزداد كلما أمهلتك بعض الوقت .

إياس : اسمع ..كنتُ طالباً جيدَ المستوى ذا هيبة وشعبية في كليتي - كلية الطب - يعرفني الدكاترة وعميد الكلية ، ساعدني في ذلك كون عائلتي عائلة ميسورة الحال وعلاقات والدي الواسعة هنا وهناك ، لكني وفي نفس الوقت كنت ذا لسانٍ ناقدٍ سليطٍ لا يقبل الخطأ ولا يبرره ، وكثيراً ما اقحتمتُ مكاتبَ إدارة الجامعة معترضاً على بعض التصرفات الغبية الساذجة أو منكراً بعض المنكرات الظاهرة ، حتى تضايق مني ومن تصرفاتي الكثير من الإداريين بما فيهم مدير الجامعة ، وفي المقابل ازدادت شعبيتي بين الطلاب كوني صوتهم المسموع .

قدّر الله وأن تم تغيير مدير الجامعة الذي كان بحق رجلاً عملياً فاضلاً رغم شطحاته القليلة ، والذي كان -رغم تضايقه مني - محترماً نظامياً نزيهاً ، وصار بدلاً منه أحد وكلاء الجامعة ممن سبق وتصادمتُ معه بقوّة واشتكيته لمدير الجامعة من قبل ، وقد أصاب هذا التغيير الكثير منّا بالإحباط والاستياء كون هذا المدير الجديد ذا سابقة سيئة عندنا .

كنتُ حينها في السنة الرابعة في الكلية ، وقد تولّدت لدى أهلي قناعة بضرورة زواجي خصوصاً وأني صرتُ أدرس في المستشفى في بيئة مختلطة مليئة بالفتن والمغريات والصوارف مما قد يزيغ المؤمن عن طريقه ولو كان رسوخ إيمانه كالجبال ، فالإنسان مهما كان دينه لا تؤمن عليه الفتنة ، فكيف بفتنة يقول عنها - صلى الله عليه وسلم - : ( ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، كانت والدتي تسأل وتأتيني بالأخبار فتخطب لي .. ثم أرد من الفتاة أو أهلها ، كنت أتقبّل الأمر بشكل أريحي تماماً ، فبدل المرأة أربع .. ومن ترفضني الآن ستبكي عليّ غداً ، هكذا كنت أسلّي تفسي وأتقبل الأمر .. والأيام تمضي !

لمّا عُيّن المدير الجديد أراد أن يُحدث نقلة نوعيّة في الجامعة - كما يزعم ! - ، فاستحدث فكرة لم تكن موجودة من قبل في أي جامعة سعودية حينها ، وهي إنشاء مجالس طلابية لكل كلّية يتم فيها تداول الأمور ورفع الشكاوى والنقاش مع أعضاء هيئة التدريس و .. و .. غيرها من الأحلام التي كان يدغدغ خيالنا بها ... امممـ ... ألا تسمع الأذان ؟ دعنا نكمل لاحقاً !

سعاد اقتصاد منزلى 05-12-2011 06:59 PM

رائعه جدا ومشوقه ولا اطيق صبرا لاكمالها
دومت مبدعه يا نقاء ...وياريت ما تتأخريش علينا بباقى الفصول

T!to 05-12-2011 07:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نقاء الروح (المشاركة 4146479)
ههههه
اعمل ايه شوفتك قولت عليهم قصيرين
طولناهم :p
الفصول الجاية هتبقى وسط ان شاء الله :bosyht9:
جزانا واياكم يارب
شكراً لمتابعة حضرتك (:
قراءة ممتعة ان شاء الله

هما حضراتكم اللى بتعملوها :p
القصة حلوة .. بس لسه مادخلناش فى الدراما كل ده :(
تم قراءة الفصل الخامس والسادس ..
الف شكر

نقاء الروح 06-12-2011 02:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد اقتصاد منزلى (المشاركة 4146809)
رائعه جدا ومشوقه ولا اطيق صبرا لاكمالها
دومت مبدعه يا نقاء ...وياريت ما تتأخريش علينا بباقى الفصول

الاروع مرور حضرتك استاذتي
ان شاء الله انزلها اهو
مرسي جداً لمرورك (:
قراءة ممتعة ان شاء الله

نقاء الروح 06-12-2011 02:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4146914)
هما حضراتكم اللى بتعملوها :p
القصة حلوة .. بس لسه مادخلناش فى الدراما كل ده :(
تم قراءة الفصل الخامس والسادس ..
الف شكر


ههههههه :d
معلش هي طويلة حبتين :(
بس حلوة ان شاء الله :rolleyes:
مرسي جداً لمرور حضرتك (:

نقاء الروح 06-12-2011 02:15 PM

الفصل السابع



بعد أن فرغنا من أداء صلاتنا ؛ بادرني إياس ..
إياس : إلى أين وصلنا ؟

ريّان : إلى فكرة إنشاء المجالس الطلابية !

إياس : آها .. جميل .. قلت لك أنها مجرد فكرة لدغدغة خيالاتنا ، وإلا فإن ثمة خطوات أولى من هذه الفكرة التي وُلدت خديجةً مشوهة ، وحتى هذه الفكرة - فكرة المجالس الطلابية - طغت عليها البيروقراطيةالمقيتة البغيضة ، حيث عينت إدارة الجامعة الأعضاء في تلك المجالس من عندها دون أدنى استشارة للطلاب ، وقد أحسنوا الاختيار - طبعاً أسخر ولست جاداً - ؛ حيث اختير الطلاب ذوو المصالح الشخصية أو أولئك الذين يخافون أكثر من اللازم من التعبير عن وجهات نظرهم .

بعد هذه المهزلة لم أشأ السكوت ولم يشأ الكثيرون مثلي كذلك ، وبدأنا التفكير في تصعيد القضيّة إعلامياً على مستوى الجامعة بشكل ساخر ، وتعدّينا الخط الأحمر أيضاً من خلال الدخول الجماهيري على مدير الجامعة والاعتراض على طريقة اختيار الممثلين ، كان اعتراضنا على طريقة الاختيار مع بقاء احترامنا لمن اختيروا ؛ بل إن أحد المعينين كان من ضمن من اعترض على النظام معنا ، أبلَغَنا المدير أنه سينظر في الأمر .

تم إجراء تحقيق سريع بعد تلك الأحداث واكتشاف الرؤوس المدبّرة للفتنة - زعموا - ، كنت أنا الضعيف النحيل المغلوب على أمره المسكين رأس الأفعى في ذلك التصعيد والذي كان مؤدباً جداً ويتخذ الطرق المشروعة مع الإبقاء على احترام الآخرين ، وعليه .. تم استدعائي لمجلس تأديبي أعضاؤه : مدير الجامعة ووكيلها وعميد كليتنا ورئيس أحد الأقسام وعميد القبول والتسجيل ، بعد مدولات ونقاش ساخن وأخذٍ وردٍ تم تقرير حرماني من دخول اختبار مادتين ثنتين في الكلية تأديباً لي مع إعطائي إنذاراً أحمراً بالطرد من الجامعة إن تكرر الأمر لاحقاً بشكل أو بآخر .

ريّان : يا إلهي .. هذا القرار أشبه ما يكون بمحاكمة عسكرية وليس مجلساً تأديبياً لطالب جامعيّ اعترض على قرار !

إياس : لا أخفيك أن القرار كان صدمة ما كنت أتوقعه يوماً ، فهو إلى كونه سيؤخرني سنة كاملة وسيخسف بمعدلي كون أحد المادتين اللتين رُسّبتُ بهما تعادل ثماني ساعات ؛ أصابني بصدمة نفسية رهيبة كوني سأفارق دفعتي التي أحببتها وأحبتني وسأتخلّف في دفعة أخرى لا أصدقاء مقربين لي فيها ، لقد كان بإمكاني تصعيد الأمر إلى جهة عليا لكن آثرتُ أن أسكت وأكتفي بالضجة التي أحدثناها كونها لقنتهم درساً قاسياً .

ريّان : طيب .. و ماذا حدث لك بعدها ؟

إياس : لا شيء سوى أني أكملت سنتي هذه بدون المادتين ، وسط حزن من والدتي التي تلومني باستمرار على جُرأتي في تصرفاتي ، وانتهت تلك السنة على خير حالٍ والحمد لله ونجحتُ بدرجة رائعة فيما بقي لي من مواد .

ريّان : مع احترامي الشديد يا حبيبي وأخي وصديقي وجاري العزيز إياس ، ما دخل قصة طموحك وكفاحك ونضالك الجامعي بما نحن بصدده من الحديث عن قصتك مع تلك التي تسميها " رُؤى " ، ما مثلي ومثلك إلا كمن قصد المكتبة ليشتري كتاباً عن قصة روميو وجولييت فإذا به يجد الكتاب يتحدّث عن نضال جورج واشنطن ، ما علاقة هذا بهذا ؟

إياس : لا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً !

ريّان : لا تؤاخذني ..!!

إياس : لمّا ابتدأتِ الإجازة الصيفية كان عليّ أرتّب لي جدول عمل ، خصوصاً وأني لن أدرس في السنة القادمة سوى مادتين ثنتين فقط بمعدل ثلاث محاضرات في الأسبوع فقط ، الأمر أشبه ما يكون بإجازة إجبارية وسط زحمة الدراسة ويجب استغلالها بشيء مفيد ، وكثيراً ما تواجهنا أوقات فراغ إجبارية في زحمة أعمالنا الحياتية يقف الناس منها موقفين .. موقف المستفيد المطوّر لنفسه وذاته ممن يبحث لنفسه عن مجالٍ آخر يختبرها فيه .. وموقف الكسول الراغب في الدعة واستغلال كل دقيقة في النوم والاسترخاء دون البحث عن مقومات بناء ذاتية ، وفي مثل تلك الأوقات يتمايز الناس فيما بينهم بين غني وفقير ومثقف وسطحي .

بعد بدء الإجازة بأسبوع تماماً وجدتُ وظيفة بنظام الساعة في إحدى المؤسسات الإعلامية الرائدة ، وبحكم ميلي إلى الكتابة كان هذا العمل بمثابة المفاجئة الغير متوقعة ، سعدتُ بهذا العمل كثيراً ولا أخفيك أني بعد مدة زمنية فكّرت في ترك كليتي والانخراط في العمل الإعلامي ؛ إذ وجدتُ نفسي ومواهبي تتفجر هناك .

خُضتُ مرحلة تجريبية مدة أسبوعين في تلك المؤسسة ، راقتهم طريقة عملي وانبهروا بحرصي الشديد على العمل ، كنتُ أحضر قبل الدوام بنصف ساعة تقريباً ولا أنصرف حتى أنهي ما في يدي حتى لو كلّف ذلك وقتاً إضافياً ، مما جعلهم يرفعون راتبي المتفق عليه إلى حوالي خمسة آلاف ريال .

عُدتُ مسروراً إلى بيتنا أبشرُ والدتي بما كافؤوني به إذ بمجرّد عمل دام ثلاثة أسابيع صرتُ معروفاً في المؤسسة والكل يناديني باسمي حتى المدير العام عرفني شخصياً ، قبلتُ رأس أمي وجلستُ بجانبها مُسنداً رأسي على كتفها وبي نشوة عاطفية لربما تدفعني للبكاء في أي لحظة وبلا سبب ، كل ما أعرفه أنني كنت مبتهجاً أبتلع الهواء من فرحي وسعادتي ، بعدَ السؤال عن الحال .. ثم طرفتين سريعتين لجرّ البسمة على شفتي أمي .. قلتُ لها :

نقاء الروح 06-12-2011 02:17 PM

تابع



إياس : لدي لكِ مفاجأة حصلت لي اليوم في دوامي !

أم إياس : كل شيء لديّ مقبول وسيكون رائعاً إلا أن تكون قد جئت لتبشّرني بخيبة جديدة وأنهم طردوك كما أوشكت جامعتك أن تفعل

إياس : ههههه ، لا .. ليس الأمر كذلك ، اليوم استدعاني المدير العام في المؤسسة وأثبتني موظفاً رسمياً ورفع راتبي ليصل إلى حدود الخمسة آلاف ريال ، ووعدني بالزيادة إن استمر عطائي على نفس هذا المنوال ، بل وبالاستمرار في الكتابة حتى بعد تركي للمؤسسة لإكمال دراستي .

أم إياس : ما شاء الله .. إي وربي .. هذه هي الأخبار المفرحة التي تجعلني أفخر بك .

إياس : بالمناسبة .. ألم يستجدّ جديد في موضوع بحثك لي عن زوجة يا أمي ؟ الآن أنا طالب في كلية الطب ولديّ مرتّب شهري ، والحمد لله حالتنا ميسورة بل وفوق الميسورة بكثير - اللهم لك الحمد - ، وفوق ذلك لدي أمّ كالشهد على قلب من ستكون زوجة لابنها .

أم إياس : أنتَ تعلم يا ولدي أني ما قصرتُ في البحث ، بل وطرقتُ لك باب أكثر من ثمانِ فتياتٍ من قبل ولكن لم يُقدّر الله لك معهنّ نصيباً ، صدقني عندما يدق الجرس سنجد الفتاة التي كتبها الله لك تقف أمام باب بيتنا إن نحن لم نجدها ، وإن كنتُ أشك أن يقبل بك أحد إن علم بما جرى في الجامعة .

إياس : ولمَ يا أمي .. والله ما فعلتُه لم يكن خاطئاً ولا سلوكاً سيئاً ، لكنه بطش من بيدهم الأمور وتشويه الصورة فحسب ، أنتِ تعرفينني أي أمّه أكثر منهم وأكثر من أيّ أحدٍ ، تعرفين ديني وأخلاقي وطيبة قلبي ، ألا يشفع هذا لي بأن أكون زوجاً صالحاً ؟
أم إياس : بلي يشفع لك ، ولو تقدّم إلى أختك من هو بمثل صفاتك لما ترددنا بالموافقة عليه ، لكن الناس الآن أصبحوا كالدجاج يريدون السلامة والدعة .. عملٌ وطعامٌ ونوم .. عملٌ وطعامٌ ونوم ؛ وهكذا دواليك ، لا أظن أحداً سيقبل بك زوجاً إلا حبيبك الدكتور خالد .

إياس : الدكتور خالد وهل للدكتور خالد بنات ؟ ربما هذا رزقي الذي أبحث عنه منذ زمن ، ياااااه .. هل أنا في حلمٍ يا أمي ؟ أنتِ تعلمين أن الدكتور خالد هو قدوتي فلمَ لم تذكري لي بناته من قبل ؟ أرجوك يا أمي لا تضيعي وقتاً واسألي عنهم من الآن !

أم إياس : ما بالك هكذا انتشيت ؟ سأسأل .. سأسأل .. ابذل جُهدك وادعُ ربك .. وأنا أهتم بالباقي .

إياس : وهكذا انتهى الحوار بيني وبين أمي وكلي نشوة .. كلي حُلم .. كلي أمل .. كلي فرحة وبهجة وسرور ، وكأني وجدتُ كنزاً كنتُ أبحث عنه منذ زمن ، لم أصدّق حقاً أنه يمكنني فعلاً الزواج من إحدى بنات دكتوري خالد !

ريّان : ومن يكون هذا الدكتور خالد ؟

إياس : تريدها من النهاية ؟ هو والد رُؤى بشحمه ولحمه ..!!

نقاء الروح 06-12-2011 05:50 PM

الفصل الثامن



ريّان : هكذا إذاً ! أهو دكتور لك في الجامعة ؟

إياس : دكتور في الجامعة ؟ ههههه آخر عهده بالجامعة والجامعات قبل حوالي خمس عشرة سنة ، قبل أن يتم إعفاؤه من التدريس في الجامعة وإخراجه وطرده حتى من السكن الجامعي بطريقة بشعة وساخرة ووقحة ، وأوذي في الله كثيراً لا لشيء إلا أنه صادق مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع الآخرين !

ريّان : إذاً كيف تعرفت عليه ؟

إياس : التقيته أوّل مرة يوم أن كان عمري أربعة عشر عاماً ، لم أكن أسمع باسمه قبل ذلك حتى ، ولكن حصل أن حضرتُ مجلساً خاصاً مع والدي وأنا في تلك السنّ ، كان المجلس مليئاً بكبار الرجال ولم يحضره سوى ثلاثة فتية كنتُ رابعهم ، أذكر ذلك المجلس جيداً .. رجلٌ مهيب لا أذكر ملامحه جيداً يجلس في رأس المجلس ، والرجال جلوس حوله يتحدثون سوياً ، وبعد ربع ساعة التفت أحد الحضور وطلب منّا - نحن الفتية - الخروج للعب الكرة ، خرج الثلاثة وبقيتُ متعللاً أني لا أرغب اللعب في الوقت الذي أشار والدي بيده لصاحبنا أن دعه يبقى .

بدأ الدكتور يتحدّث عن حياته ومواقف حصلت له وعن سبب طرده من الجامعة و .. و .. ؛ أشياء كثيرة كنت أستمع إليه يتحدّث عنها بثقة وكأنه جبل ، أذهلني شموخه وحديثه وشدّني صوته الحازم الغير متردد ، كنت أستمع إلى حديثه كأنه بطل شريف لم يقبل السكوت لأن يأكل البسكوت .. كان كُلما سئل عن شيء أجاب بأن عليه أن يقول الحق الذي يعتقده مهما كان ومهما كان ما ينتظره محتسباً على الله كل أذىً يصيبه ممن آذاه ، وهبته أذنيّ كليهما وأنا أسمع حديثه ؛ ولخشيتي أن يفوتني شيء أتبعتهما عينيّ اللتين لم يكن لهما شُغل إلا النظر إلى شفتيه وهو يتحدّث !

خرجتُ من ذلك المجلس صامتاً أفكّر في كل ما قاله ، عُدت إلى البيت وأنا أسأل والدي من يكون وهل تعرفه شخصياً وهل يمكنك أن تعرفني عليه أريد فقط أن أقبّل رأسه واسلّم عليه ، انبهرتُ به تماماً وأسر فكره فكري وشد وثاقه ، ربما لأني في تلك المرحلة العمرية كنتُ أبحث عن قدوة لي ، وهذه مزيّة لي أن جعل الله في طريقي قدوة كهذا الرجل ، إن كثيراً من أبناء المتوسطة والثانوية يبحثون عن تلك القدوة التي تبهرهم وتسترعي انتباههم وتلفتهم إليها ليكونوا شخصيّاتهم ، ولمّا كان الإعلام مسلّطاً على مجموعة مشاهير تافهين كان كثير من أبناء أمتنا تافهاً بسيط الاهتمامات .

المهم .. ظللت منذ ذلك الوقت وأن أبحث في نتاج هذا الرجل وأتتبع كتاباته وخطاباته وتصريحاته باستمرار حتى يومي هذا بل وأتمنى الاقتراب منه أكثر وأكثر فله في قلبي مكانة لا يعلمها إلا الله ، والحق أني مدين له بالشكر لأن أحرفه وكلماته صنعت شخصيتي وأفكاري .. كوّنت لي قالباً قوياً أضع فيه معتقداتي ومن ثم أدافع عنها دون ألتفت ولا مجرد التفاتة عين إلى أولئك الساخرين أو حتى الكائدين حولي .

ريّان : يبدو أنك معجب به حد الجنون يا إياس ! ألا تظنّ أنك تغلو فيه ؟

إياس : أتصدّق ؟ سألت نفسي هذا السؤال كثيراً خصوصاً عندما أجدني مندفعاً دوماً نحو خندقه مدافعاً عنه وعن أقواله وأفعاله هنا وهناك ، ولم أجد بعدُ إجابة .. لا أدري .. لكنني راضٍ عن نفسي حتى الآن !

ريّان : شوقتني للتعرف عليه أكثر .. نعود الآن لأمك ، أسألت عن بناته ؟

إياس : غفر الله لأمي .. من ساعتها وهي تسألُ عنهنّ من هو قريب من الدكتور ومن أهله ، حتى أتتني بعد خمسة أيام تخبرني أنها سألت عن عائلة الدكتور وأهله فإذا هم أناس في قمة التدين الخلق وعلى مستوى رفيع جداً من الذوق والأدب ، وأنهم نالوا إعجابها كثيراً ولم تكن تتوقعهم حسني السيرة لهذه الدرجة ، فسألتها :

إياس : طيب .. أسألتِ عن بنات الدكتور ؟
أم إياس : لا تستعجل يا بني ؛ نعم نعم سألت فإذا الدكتور لديه الكثير من الفتيات ممن هنّ في سنّ الزواج !
إياس : صدقاً !؟
أم إياس : نعم .. ولكن شدتني ابنته الكبرى" رؤى " ، أثنى عليها كثيراً من سألته عنهم ، وأشار عليّ بها فهي أيضاً تناسبك وتناسب تفكيرك وديانتك ، لكن أمهلني قليلاً حتى أسأل عنها أكثر لنكون على بيّنة من أمرنا ، فالزواج والزوجة لا يجب التعامل معهما كألعاب اليانصيب وإن كانا في النتيجة متماثلين .. إمّا رابح أو خاسر .. ولا وسط .

إياس : لكِ ذلك يا أمي .. ولكن أرجوكِ سريعاً سريعاً فأنا أخشى أن تذهب .

إياس : وبقيتُ أنتظر ردّ أمي على أحرّ من الجمر ...!

T!to 06-12-2011 05:50 PM

قرات 7 فصول متوالية .. لربط القصة ببعضها ..
وقراتها بتانى ..
القصة مشوقة - اللغة فيها ممتعة- تسلسل الاحداث رغم مابه من شرح طويل لكنه جميل ..
ريان دمه خفيف جدا ..;)
فى قطع اضحكتنى . زى ريان وزوجته لما بيقول انتظر البطة ..:d
وكانو هيتخا نقوا فى المستشفى ..:rolleyes:
وكمان لما بيقول لاياس انته هتعملى فيها جورج واشنطن ..ولما بيقوله نام ياروميو ..:cool:
القطعة بتاعت الالقاب ده جميلة لما قال اياس لريان لاتنادينى دكتور واستدلاله جميل ومنطقى ..اعجبنى صراحة ..
استدلاله باحاديث للرسول فى موضعها تماما جميل جدا ..
اكتر جزء مبالغ لما والدة اياس بتقوله انا شفتلك 8 عرايس :bosyht9:
..
فى شىء فقط ..
لو حضرتك تميزى بين الاشخاص فى الحديث بالالوان يبقى افضل ..
بحيث نعرف اياس من ريان من خلال الالوان او والدته زى الفصل السابع ..
انا بميز مابينهم من خلال سياق الكلام لكن الكلام متداخل فلو كده يبقى تمام اوى ..
منتظرين الباقى ان شاء الله ..
ممكن حضرتك تنزلى اكثر من جزء يعنى لو طويلة ..انا ممكن اقراها كلها مرة واحدة ..;)
انا احيانا بقرا كتاب فى يوم :rolleyes:
بس يعنى كنت بهزر :p
تسلم ايدك يادكتورة ..جزاكم الله خيرا ..

نقاء الروح 07-12-2011 03:31 PM

الفصل التاسع



طال الانتظار على إياس كثيراً وسلب منه ما تبقى من تركيزه وعقله الذي لم يكن يستوعب تماماً كيف وصل به الأمر لأن يقترب من الزواج من ابنة الدكتور خالد .. بالرغم أن ذلك الانتظار لم يتجاوز الأسبوع الواحد ، كان كلّما عاد من مركز عمله استقبل غرفة أمّه واقتحمها عليها يسأل عن آخر المستجدات وأمّه لا تجيبه بشيء سوى ( انتظر بني .. لا تستعجل ) ، يقول د. إياس :

إياس : بالرغم أني لا أعرف عنها شيئاً إلا أني بدأت أفكّر بها في كل وقت .. في كل دقيقة .. في كل مكان .. في كل زاوية من زوايا بيتنا وفي كل زقاق من أزقة العمل ، بدأتُ أرسم صفاتها كما أحب وكأنها ورقة بيضاء أمامي تنتظر ريشتي لأتخيّلها وأرسم فيها ما أريده وأتمنّاه في شريكة المستقبل .

كنتُ كلّما عُدت من عملي .. من المسجد .. من الزملاء .. من أي مكان خارج البيت ؛ أول مكان أستقبله بعد دخولي هو غرفة أمي إذ أطرق الباب مستأذناً الدخول ليكون أول سؤال أسأله : ( ما الذي حدث ؟ أسألتِ عنهم ؟ ) ، فتبستم والدتي وتصمت ، وأحياناً تقتل صمتها بأمري بالصبر وعدم العجلة .

كان أسبوعاً مملاً وطويلاً من ناحية الوقت والانتظار ، ولكنه في المقابل كان حالماً ومترعاً بالخيالات التي كنت أعيشها كأنها حقيقة لا جدال فيها ، كنت كثيراً ما أستلقي على أريكة صالة البيت أو على فراشي بل وصل الأمر أيضاً إلى أن يكون لسرير أمي نصيب من استلقائي ، كنت أتمدد واضعاً يدي خلف رأسي سارحاً وغارقاً في التفكير والتأمّل والعيش في الأحلام ، ولا تسأل عن ملامح وجهي التي كانت تعيش ما أتخيّله من أحداث .. مرة أبتسم .. ومرة أكفهرّ .. ومرة أتعجّب .. ومرات كثيرة تدمع عيني بدون أي سبب !

دخولاً خروجاً على غرفة أمي إلى أن بشّرتني بأنها سألت عن رؤى كثيراً فإذا هي دُرّة .. جوهرة .. لؤلؤة مكنونة ، أغرقتها والدتي مديحاً ، كانت تتحدّث عنها وكأنها رأت تلك التي رسمتها على صفحة أحلامي ، دين وخلق وجمال ونسب نقيّ وحسب شريف وفكرٌ مبهر وعقلٌ واعٍ وأعمال لها في كل مكان تُشير إلى التميّز ؛ أي شيء في فتاة ينقصها !؟

كان حديث أمّي عنها يُطربني ويشدني ، وكنت أستمع إليها بكل جوارحي إذ لا يكفي أن أشرّف سمعي وحده بالاستماع إلى الحديث عن رؤى ، حدّثتني أمّي عنها كثيراً في تلك الجلسة الدافئة بعد أن أقفلت الباب علينا لكنني لم أكن أشعر بالوقت يمضي وهي تحدّثني عنها ، انتهت والدتي من الحديث وأنا باقٍ على هيئتي أنتظرها أن تواصل كلامها عنها ، تبسّمت لمّا رأتني وضربتني بيدها مداعبةً لي على جبهتي معلنة نهاية تقرير اليوم الأول .

أتظّن أني اكتفيتُ بذلك ؟

نقاء الروح 07-12-2011 03:33 PM

لا ، بل طلبتُ من أمّي أن تواصل السؤال عنها لاكتشافها أكثر والتعرّف على صفاتها بشكل أوسع ، كان ظاهر السؤال الرغبة في التأكد من الصلاحيّة ، ولكن الغرض منه في حقيقة الأمر كان الاستمتاع بالاستماع إلى خلالها التي لولا ثبوت قطعيتها في متون كثيرة جاءت بأسانيد مختلفة كلها ترقى إلى درجة الصحيح لقلت أن في المتن علّة أو شذوذاً .

ريّان : أظنّ أننا نتحدّث عن رؤاك لا مصطلح الحديث !

إياس : وهذا إشكال بحد ذاته .. أتصدق أننا نحتاج في أمور حياتنا المصيرية منها وحتى غير المصيرية إلى استخدام بعض آليّات علم المصطلح خصوصاً في تلقي الأخبار والوقائع وبالأخص تلك التي تمس أخلاقيّات الناس وأعراضهم وصفاتهم ، كثيرٌ من الناس لا يبالون أقالوا في غيرهم خيراً أوشراً مستبسطين الأمر لأنه - في رأيهم - لا يعدو أن يكون سوى حديث مجالس ، ونسوا أن ديننا رتب أحكاماً وحدوداً على تلك الكلمات الجائرة .. سواءاً أكان جورها على المتلقّي حين يسمع ثناءاً على من لا يستحق .. أم كان جورها على المتحدَّث عنه حين يوصف بما ليس فيه من سوء .

ريّان : صدقت .. وما الذي حدث بعد ذلك ؟

إياس : كانت " رؤى " في عيني سابقاً أشبه ما تكون بقطعة اكسسوارة عادية سأقتنيها من بائع ذهب متخصص ، فهي وإن لم تكن ذهباً فستلقى عناية أرباب الذهب وستكتسب من الذهب بعض البريق ؛ يكفي أنني اقتنيتها من بين قطع ذهبية ، ولكن بعد تقارير أمي التي كانت تخبرني بها عنها بين فترة وأخرى أصبحت " رؤى " في عيني كألماسة مصقولة ذات بريق وشعاع آسر .. يسلب اللب ويسرق العين حتى من تلك القطع الذهبية التي اتكأت عليها بثقة .

صرتُ أراها في كل مكان وأتخيّلها أمامي أينما سرتُ واتجهتُ ، وكلّما رأيتُ امرأة محتشمة قد أحسنت الاستتار بعباءتها ظننتها هي ، صحيح أني أصرف عيني عنها مباشرة لكني أحس بشعور غريب بداخلي يؤزني إلى أنها هي ، حتى تلك الفتاة التي التقيتها فجأة ولمرة واحدة عند باب المؤسسة التي أعمل بها لم تسلم من ظنّي هذا !

وهكذا بقيتُ طول تلك الإجازة أعمل في الصباح وحتى الظهيرة ، ثم إذا عُدتُ إلى بيتنا بدأت أسألُ أمي وأفكّر في تلك الـ " رؤى " ، في تلك الثلاثة الأشهر فعلتُ مع " رؤى " - في خيالي طبعاً - كل شيء ، زُرنا كل مطاعم المدينة الراقية ، وتضاحكنا على مائدة الطعام ، وسافرنا إلى تلك الدول البعيدة هناك ، حتى تلك التفاصيل الصغيرة الدقيقة التي يعيشها اثنان متحابان .. كالوقوف عند محل لبيع العصيرات الطازجة لنزهة على الطريق أو شراء قالب من الأيسكريم لتبريد الأجواء الساخنة أو ارتشاف كوب قهوة أمام شاطيء البحر .. كل تلك التفاصيل الهامشية لم أنسها ، عشتها كل في خيالي .

وبعد العودة إلى الدراسة بأسبوع .. أخبرتني والدتي أنها ستخطب لي " رؤى " عن قناعة منها وأنها معجبة بها ، سعدتُ بموقف أمي .. فقد كنتُ أستحيي أن أطلب منها ذلك .. لكني طلبتُ منها أن تتمهّل قليلاً ولا تعجل في الخطبة ، كنتُ أخشى بعد تلك الأحلام أن أرد كما ردني من هم قبلها ، لم أكن متأثراً كثيراً بما مضى بقدر خشيتي من التأثر هذه المرة ، ففي المرّات السابقة كنت لا أعلم عن الفتاة إلا اسمها فقط وأترك لوالدتي البحث عمّا يناسبني مع بعض الشروط ، أمّا " رؤى " فقد عشتها وتشّربها قلبي ، لذا استسمحتُ والدتي أن تنتظر حتى يأتي رمضان - وكان قد بقي عليه شهران - فأنا أودّ أن أسأل ربي وأطلبه أن لا يصرفني عنها ولا يحرمني منها في عمرة في العشر الأواخر !

ريّان : كل الأمور تسير في صالحك حتى الآن قبلت بها والدتك عن قناعة .. وها أنت تنتظر رمضان لتسأل الله الإعانة والتوفيق .. وقبل ذلك وبعده أنك اكتشفتها جيداً وعلمتَ أنها قريبة منك ومن قلبك كثيراً .

إياس : بل وأكثر من ذلك .. لن تصدق لو قلت لك أن " رؤى " كانت قريبـة مني كثيراً وأنا لا أشعر ، بل كانت أقرب إلي حتى من والدتي التي ألقاها في بيتنا كل يوم في الغداء والعشاء

نقاء الروح 07-12-2011 03:40 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4148320)
قرات 7 فصول متوالية .. لربط القصة ببعضها ..
وقراتها بتانى ..
القصة مشوقة - اللغة فيها ممتعة- تسلسل الاحداث رغم مابه من شرح طويل لكنه جميل ..
ريان دمه خفيف جدا ..;)
فى قطع اضحكتنى . زى ريان وزوجته لما بيقول انتظر البطة ..:d
وكانو هيتخا نقوا فى المستشفى ..:rolleyes:
وكمان لما بيقول لاياس انته هتعملى فيها جورج واشنطن ..ولما بيقوله نام ياروميو ..:cool:
القطعة بتاعت الالقاب ده جميلة لما قال اياس لريان لاتنادينى دكتور واستدلاله جميل ومنطقى ..اعجبنى صراحة ..
استدلاله باحاديث للرسول فى موضعها تماما جميل جدا ..
اكتر جزء مبالغ لما والدة اياس بتقوله انا شفتلك 8 عرايس :bosyht9:
..
فى شىء فقط ..
لو حضرتك تميزى بين الاشخاص فى الحديث بالالوان يبقى افضل ..
بحيث نعرف اياس من ريان من خلال الالوان او والدته زى الفصل السابع ..
انا بميز مابينهم من خلال سياق الكلام لكن الكلام متداخل فلو كده يبقى تمام اوى ..
منتظرين الباقى ان شاء الله ..
ممكن حضرتك تنزلى اكثر من جزء يعنى لو طويلة ..انا ممكن اقراها كلها مرة واحدة ..;)
انا احيانا بقرا كتاب فى يوم :rolleyes:
بس يعنى كنت بهزر :p
تسلم ايدك يادكتورة ..جزاكم الله خيرا ..

تحليل حضرتك جميل جداً
واتفق معاك فيه ..

بس انت حسدت المسكين ع 8 عرايس :p
ماهو ياعيني اترفض :d
ودا ال كتر عددهم :d

حاضر ان شاء الله
انا عملت كدا فالفصل التاسع
الاسود كلام الكاتب
البنفسجي اياس
والبمبى ريان او مامت اياس

ما شاء الله
بس ننزلها شوية شوية احسن :p

شكراً جزيلاً لمتابعة حضرتك :)
ورد حضرتك الرائع ال اضاف للرواية بعد تاني


نقاء الروح 07-12-2011 04:02 PM

الفصل العاشر





ريّان : بِت أعتقد أنك تُزيّن قصتك يا إياس .. إسمح لي أظن أنك تبالغ كثيراً في وصف الأحداث وتزيد في بعضها لتجعلها أكثر تشويقاً وأكثر إثارة ، لستُ من طلاب الإثارة ولكني أريد أن أعرف حقيقة ما جرى لك !


إياس : وأنا أقسم لك أني أحكي الواقع .

ريّان : كيف تكون حبيبتك المزعومة هذه قريبة منك دون أن تشعر ؟

إياس : سأخبرك .. لمّا ابتدأنا الدراسة أصبح لزاماً عليّ أن أحوّل موعد دوامي إلى الفترة المسائية ، إذ لدي في بعض الأيام صباحاً محاضرات يجب عليّ أن أحضرها ، وهكذا ذهبتُ إلى مدير القسم الذي أعمل به لأستأذن منه ليحوّل دوامي مساءاً كما كنّا قد اتفاقنا سابقاً ، ولمّا وصلتُ مكتب المدير وجدتُ بابه مغلقاً على غير العادة ، طرقته ثم فتحته فإذا بي أشاهد منظراً هزّني كثيراً ، وهكذا لا شعورياً أقفلتُ الباب وخرجتُ ، ثم استندتُ على الجدار في وقد غشتني حيرة وتعجب وازداد نبضي وتصبب العرق منّي بشكل غزير !

ريّان : وما الذي رأيت !!؟

إياس : كان معنا فتاة أشاهدها أحياناً في الدوام وهي في غاية الأدب والخلق والاحتشام ، لا تمشي إلا لصيقة الجدار ولا نرى منها شيئاً حتى إننا لا ندري أهي بيضاء أو سوداء ، تلك الفتاة المحتشمة رأيتها كاشفة لوجهها تضحك مع المدير وتمازحها وقد قام من كرسيّ مكتبه وجلس أمامهاا على أريكة في مكتبه ، لم أتبيّن وجه الفتاة ولم أره حتّى لكني لأول ما دخلتُ كانت قد ابتدرت نقابها وغطّت به وجهها .

ريّان : أف ! وماذا فعلت ؟

إياس : وقفتُ عند الباب مرتبكاً لا أدري ماذا أفعل ، أأدخل عليهما مرة أخرى منكراً وناصحاً أم أن في الأمر سراً ، لم يمهلاني أتخذ قراراً حتى خرجت تلك الفتاة سريعاً من مكتب المدير ، تبعتها من بعيد فوجدتها تدخل المكتب الذي بجوار مكتبي مباشرة ، عدتُ إلى مديري فإذا بابه قد صار مفتوحاً كالعادة ، سلمتُ ودخلتُ عليه ووجهي ليس بالوجه الباسم الذي اعتاد عليه وتفكيري غارق كيف أفاتحه بالموضوع ؛ فلم يمهلني حتى ضحك ضحكة مدويّة وطلب مني أن أغلق الباب ، وقال ...

المدير : أعلم سبب استنكارك وتغيّر ملامح وجهك ، لا عليك .. تلك الفتاة التي كانت هنا لم تكن سوى ابنة أختي ، لا أراها كثيراً في اجتماعاتنا العائلية فأستغل قدومها إلي وطلباتها منّي لأحدّثها وأقترب منها أكثر وأكثر ، أقول ذلك من باب سد الذريعة وكشف الشبهة وإغلاقاً لباب سوء الظن .


إياس : جزاك الله خيراً ؛ بالفعل كنتُ قد أسأتُ الظن بكما معاً ، على أي حالٍ أتيتك هذه المرة لأغيّر موعد دوامي إلى الفترة المسائية كما كنت طلبت منكم سابقاً في المؤسسة ، وذلك لكوني ما زلتُ طالباً جامعياً .

المدير : لا بأس ، بالمناسبة .. حتى هي طلبت تغيير فترة عملها للفترة المسائية .

إياس : أعانها الله ، شكراً لك لتفهّمك لطلبي واستجابتك له .

...

إياس : أتُصدّق يا ريّان ؟ أعجبني موقف المدير في كشف الأمر وإغلاق باب الشك وسوء الظن .. أعجبني تصرفه .. وأعجبتني أيضاً نفسيّته الواثقة والمطمئنة الغير غاضبة ، كثيراً ما نكون في مواقع مريبة فإذا ما سألنا أحد عن ذلك استشطنا غضباً واتهمناه بإساءة الظن بنا ، بينما الواجب أن ندرأ الشبه عن أنفسنا بأنفسنا لا أن نترك الأمر لضمائر الناس ولا لوساوس أنفسهم التي يجري فيها الشيطان بمجاري الدم ، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة يوم أن ابتدر الأنصاريين بقوله : ( على رسلكما إنها صفيّة بنت حيي ) .

ريّان : ما زلتُ أنتظر أن تبيّن لي كيف كانت " رؤى " قريبة منك !

إياس : بعد أسبوعين من الدوام المسائي دخلتُ إلى المؤسسة وكنت متلف الأعصاب منهكاً قابلاً للغضب ، فإذا من قد تم تغيير طريقة وضع الأثاث في مكتبي بطريقة لا أرضاها ، فخرجتُ غاضباً وأنا أصرخ أبحث عن المسؤول عن ذلك ، وفي المقابل كان مديري غاضباً - وأنا لا أعلم - وكنت متجهاً إليه لأوبّخه ، فإذا بتلك الفتاة المتدينة المحتشمة التي بجانب مكتبي تقف في طريقي على غير عادتها وتطلب مني العودة إلى مكتب بصوت مؤدب واضعة المسؤولية كلها عليها ، حمدتُ ربي لاحقاً أن جعلها في طريقي حتى لا تحدث مشكلة بيني وبين الإدارة وإن كنت أتعجب كيف امتصّت غضبي !

وبعد أيام .. أصدرت المؤسسة منشوراً يذكر المتميّزين فيها والناشطين لتكريمهم ، لمّا دخلتُ المؤسسة في ذلك اليوم كان يقف أمام الباب مديري مع مدير قسم آخر ، كانا يتحادثان ويتضاحكان ومعهما تلك المجلّة المصغّرة ، سلمتُ عليهما فأعطاني المدير المجلة لأطّلع عليها مخبراً إياي أنه لولا غضبتي ذلك اليوم لكنت متميزاً مع المتميزين ، وقد كانت الصفحة مفتوحة على أسماء الموظفين المتميّزين ، بدأت أقرأ الأسماء بسرعة ثم توقفت فجأة عند الاسم السابع ! كان الاسم : ( رؤى بنت خالد .... ) ، وبلا شعور ولا تمييز وبلا تركيز وكردّ فعل أشبه إلى الجنون التفت إليهما وقلت ...

إياس : ما شاء الله .. ابنة الدكتور خالد معنا في المؤسسة ؟

التفتَ إلي المدير الآخر وقال :
المدير الآخر : ألا تعلم أن مديرك هو خال ابنة الدكتور خالد ؟

إياس : ما شاء الله !
...

إياس : كنتُ كمن أصيب بحادث سيّارة أو ضرب على هامة رأسه بمطرقة ، إذاً تلك الفتاة التي كانت بمكتب مديري والتي تعمل بجانب مكتبي مدة ثلاثة أشهر هي " رؤى " ، تلك الفتاة التي استطاعت تهدئة غضبي هي " رؤى " ، ما كنت لأصدق ذلك أوّل مرّة وبقيتُ أفكّر في ذلك وأنا في طريقي إلى مكتبي .

ارتميتُ على كرسيي وقد أسندتُ ظهره إلى الجدار وألصقته به ، ما كنتُ أتخيّل يوماً أن لا يفصلني عن تلك أحببتها من كل قلبي والتي سأخطبها قريباً سوى هذا الجدار الخشبي ، بدأت أسترجع الأحداث التي جمعتني بها في العمل وأنا أجهل من تكون ولا أعرف عنها سوى أنها فتاة تقيّة صالحة عفيفة لا تحب الاحتكاك بالرجال الغرباء قدر استطاعتها ، حتى عينيها لم أكن لأراهما يوماً ، كانت لي كملكة جمال الدنيا !


نقاء الروح 07-12-2011 04:09 PM

إن جمال المرأة يكمن في عفتها وحيائها وسترها وتدينها وحسن خُلقها ، لا في تقاطيع وجهها ولا تعرجات جسدها ولا في مساحيق تنشرها على مفاتنها ، إن المرأة تجمل في عين الرجل بصوتها الخافت ومشيتها الخجولة وعبائتها الفضفاضة ونقابها الذي لا يبين أي جزء من وجهها ، بل إنها تجمل أيضاً بقفازاتها التي تحكم عليها قبضة الستر .


إن الرجل - ولو كان غير متدين - فإنه يميل إلى المرأة المستورة النقيّة التي يرى فيها مملكته الخاصة التي لا يمكن أن يطّلع عليها أحد ، تلك التي يرى فيها نبعاً للطهارة يغسل كل ما بدا من بعض عيوب مظهرها ، الغريب أن النساء يغفلن كثيراً عن هذا وينشغلن بأشياء أخرى هي أقرب ما تكون فاتنة للرجل الذي يرغب التمتع بها وبجسدها فقط ؛ فإذا قضى وطره منها رماها غير آسف على ما سيحلّ بها ، ولو أنهنّ التفنَ إلى ما ذكرته من وصفات الجمال لجاءهنّ الرجل ممن يرغبون أن يستوطنوهن ويسكنوا إليهنّ .

لا أرى في " رؤى " إلا تلك المرأة التي يرغب الرجل أن يسكن إليها ، فقد رأيت منها وسمعتُ وعشتُ مواقفَ لا يمكن أن تُفسّر إلا بذلك ، بل بقيتُ بعد أن عرفتها أرقبها .. أرقب تصرفاتها .. أرقب ما تكتبه في تلك المجلات التي نصدرها ، فإذا هي امرأة تخاف الله وتخشاه وتعظّمه ، وإذا هي امرأة عاقلة رزينة ليست جانحة ولا ثقيلة ، لقد رأيت فيها ما كانت أمي تذكره عنها .. بل وزيادة !

ريّان : وماذا بعد ذلك ؟


إياس : كنت أودّ أن أخبر أمي بما قد رأيتُ من أمر " رُؤى " ، وأنها معي في دوامي وفي نفس مؤسستي بل وبجانب مكتبي ، لكني خشيتُ .. خشيتُ ماذا ؟ لا أدري ! ولكني كنتُ أخشى أن أخبر أمي بذلك ، بقيتُ هكذا أتابع " رؤى " وأستقصي أخبارها .. أزداد لها حباً وبها إعجاباً حتى جاء رمضان ، وفي الليلة الأولى منه وبينا أنا ووالدتي عائدين من صلاة التراويح ، أمسكتُ بيد والدتي وقلتُ لها ...

...

إياس : أظن يا أمي أنه حان الوقت لنستخير ربنا في موضوع زواجي من رؤى ، وإني لأسأل الله أن يكون الخير وما يختاره فيما أتمنّاه وآمله وأرجو ، وهو أن يُيسر لي الزواج منها ويسعدني بها .

أم إياس : والله يا ولدي ما صليت وتراً منذ أن علمت أنك ترغبها بعد سؤالنا عنها .. إلا ودعوت الله لك بأن يُهيّء لك من أمرك الرشد ، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب ، وأن يُسعدك برؤى إن كان في سابق علمه - سبحانه - أن سعادتك معها .


إياس : جزاك الله خيراً يا أمي .. أعلم أنك لم ولن تُقصّري يوماً في توفير ما يسعدني ويُقر عيني ، أسأل الله أن لا يحرمك جنته ، وأن لا يحرمني منك في جنته ، فإن كان في الجنة نعيم بعد لقاء الله ورسوله فهو لقياك أنتِ يا غالية .

أم إياس : رفع الله قدرك يا ولدي .. غداً تأتي حبيبة القلب فتأكلك لقمة واحدة لا تبقي لنا منك ولا حتى الفتات ، لكني أحسن الظن بربي وأسأله أن لا يحرمنا منك وأن يجعلك لي ولوالدك قرّة عين ومصدر أنسٍ وسعادة .

إياس : حفظك الله لي ولا أبقى من يصرفني عنكِ ، على أي حالٍ .. من الآن سأنقطع إلى عبادة ربي ودعاءه مُخلياً بالي من أي شيء ، فإن أتى شوّال فاتّصلي بأهل رؤى واخطبيها لي منهم دون أن تخبريني بذلك ، واجعلي موافقتـهم لي مفاجأة ، فإني أحسن الظن بربي وهو - سبحانه - لا يرد داعيه وطرق بابه .
...

إياس : ومنذ دخل رمضان وأنا أدعو ربّي في كل وقت .. في كل وقت دون استثناء وأتحرّى أوقات الإجابة ، أرفع يديّ إلى السماء في آخر الليل .. وفي السّحر .. وعند الفطور .. في سجود التراويح والقيام ، بل ووالله العظيم أني كنت أحياناً أتذكّرها فأرفع يديّ وأنا عند إشارة المرور ، وكم مرة دمعت عيني رافعاً سبابتي أثني على الله وأنا أسير في سيارتي وأسأله بأسمائه أن يجيب دعائي .

حتى جاءت العشر الأواخر من رمضان .. كان صدري مليئاً بالحاجات والمطالب التي لا طاقة لبشرٍ بها ، و لا ينبغي لمخلوقٍ أن يسمعها ، ليس غير الله يقـدر على استقبال بوحي وتلك الشكوى ، فقصدتُ مكة مع رفقة أريد أداء العمرة وكأني لأوّل مرة أعتمر ، هي الحاجة إلى الله إذا عصفت بالقلب جعلت منه مستكيناً خاضعاً يستشعر كل خطوة يخطوها إلى الله !

عشتُ عمرة طويلة لا أظن أن يتكرر وقتها أو ما عشت فيها إذ استغرقت مني ست ساعات ، طفتُ كُليَ بالبيت سبع أشواط ، وقلبي لا يعرف سوى العظيم الذي لا ترد عند بابه حاجاتنا ، كنتُ أهتف باسمه دون شعوري ، ورغم الزحام الشديد إلا أني كنت أشعر بأني كنت وحيداً معه ، كأنه ينظر إليّ وأنا ألبي دعوتـه ؛ وقد خلعت كل الألبسة والأسمال ورميت الخلق ورائي ظِهرياً ،وانتزعت كبرياء نفسي .. وعفنها ،يكفيني للقائه ما يسترني من إزار ورداء سألف بهما إن مُت ،وتكفيني معيّته التي تغشاني ، وأبيتُ - بعد الشوط السابع - إلا أن أستلم الحجر الأسود ، فزاحمتُ وزاحمتُ حتى بلغته ، قبلته تعبـداً لله واقتداء برسوله وأداءاُ لسنة نبوية محمديّـة وطيفُ " عُمر " ماثلٌ أمامي .

وفي مكانٍ لا ترُد في الدعـوات ، حيث " مُلتزم الكعبة " - وهو ما بين الحجر الأسـود والباب - ؛ كان اللقاء بالذي وسعت كل شيء رحمته وقهرت كل شيء قدرته وأحاط بكل شيء علمه ، من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يُجـار عليه ، طرقتُ بابـه .. سألتُه .. دعوتُه .. استغثتُه .. شكوتُ إليه .. نثرت كل ما في قلبي بين يديه .. حتى أحسست ببرد السكينة تغمرني وبالرضـا يغسل فؤادي ..

لكني كلّما تذكرتُ ذلك الموقف .. تعجبتُ .. عجباً لأقدامي إذ استطاعت حملي في حضرة الحي القيوم ، عجباً لقلبي إذ لم يتوقف مهابةً وإجلالاً وتعظيمـاً وتقديسـاً .. وهو يناجي ملك الملوك ، عجباً لدموع عيني لم تجفّ إذ هي بباب القريب المجيب ..

وفي غمرة حديثنا انفجرَ إياس يبكي وهو يحدّثني ويردد ( سبحانه .. سبحانه .. سبحانه ) !

T!to 07-12-2011 07:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نقاء الروح (المشاركة 4149740)
تحليل حضرتك جميل جداً
واتفق معاك فيه ..

بس انت حسدت المسكين ع 8 عرايس :p
ماهو ياعيني اترفض :d
ودا ال كتر عددهم :d

حاضر ان شاء الله
انا عملت كدا فالفصل التاسع
الاسود كلام الكاتب
البنفسجي اياس
والبمبى ريان او مامت اياس

ما شاء الله
بس ننزلها شوية شوية احسن :p

شكراً جزيلاً لمتابعة حضرتك :)
ورد حضرتك الرائع ال اضاف للرواية بعد تاني


الله يخليكى يا أ \ نقاء وده بسبب الرواية اكيد الجميلة ..
ومعلش انا عارف انى تعبت حضرتك بموضوع الالوان بس هيبقى افضل ..
وبجد القصة جميلة جدا .. واياس ده شخصية جميلة وعاقلة ..
ولما اتكلم عن صاحب والده اللى اتعلم منه صفات .. فكرنى بشخصية زيه تقريبا غيرت حاجات فيا كتير ..
واتعلمت منه كتير ..
من اجمل مافى هذه القصة الواقعية .. حتى كلامه عن المراة ..كلام موزون وواقعى ..
وبعد السناريو ده اكيد هتحصل حاجة غير متوقعة .. هتخليه لايرتبط برؤى .. توقعى يعنى ..:rolleyes:
لان الشخصيتين حسب القصة مناسبين اوى لبعض ..
مستنين الباقى وشوقتينا يا نقاء :(
جزاكم الله خيرا .. :)

نقاء الروح 08-12-2011 02:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4150035)
الله يخليكى يا أ \ نقاء وده بسبب الرواية اكيد الجميلة ..
ومعلش انا عارف انى تعبت حضرتك بموضوع الالوان بس هيبقى افضل ..
وبجد القصة جميلة جدا .. واياس ده شخصية جميلة وعاقلة ..
ولما اتكلم عن صاحب والده اللى اتعلم منه صفات .. فكرنى بشخصية زيه تقريبا غيرت حاجات فيا كتير ..
واتعلمت منه كتير ..
من اجمل مافى هذه القصة الواقعية .. حتى كلامه عن المراة ..كلام موزون وواقعى ..
وبعد السناريو ده اكيد هتحصل حاجة غير متوقعة .. هتخليه لايرتبط برؤى .. توقعى يعنى ..:rolleyes:
لان الشخصيتين حسب القصة مناسبين اوى لبعض ..
مستنين الباقى وشوقتينا يا نقاء :(
جزاكم الله خيرا .. :)

لا ابداً ، وزي ماحضرتك قولت هيبقى افضل
واريح للعين ..
هنشوف اياس هيوصل لفين :rolleyes:

جزانا واياكم
شكراً جزيلاً لمتابعة حضرتك :)

نقاء الروح 08-12-2011 02:03 PM

الفصل الحادي عشر



أخذتُ أطبطب على كتف إياس وظهره وهو يبكي بحرقة كأنما لامس في حديثه جرحاً غائراً ، لا أفشي سراً إن قلتُ أنه أبكاني بحديثه ووصفه فكيف ألومه وقد عايش تلك الأحداث بنفسه وذاق لذتها وحلاوتها بكامل شعوره وإحساسه ، كنت أحاول تسليته والتخفيف عنه ، والحقيقة أنه غشاني بذلك الموقف المهول الذي لا أملك أمامه إلا أن أسكت وأشاركه بكاءه ، ولكني كنت أخشى على صاحبي لكثرة ما بكى ، كنت أردد على مسمعه ( هوّن عليك .. هوّن عليك ) فيهز رأسه ويخفض صوته إلى أن هدأ قليلاً وبدأ يسكت عن بكائه وإن كنت أعلم أن دمعه ما يزال منهمراً وأنا أراه ينسكب على خدّه مبللاً لحيته الخفيفة .

رفع إياس رأسه بعد أن سكت عنه بكاؤه وقام عجِلاً نحو حامل المصاحف وجاء بواحد يحمله في يده ، قبّله ثم اعتنقه في لحظة هدوء وسكون وأنا أرقبه لا أتحدّث ولا أسأل وإنما تركته ليفعل ما يشاء إن أراد أن يكمل حديثه أو أن يقف ، وفي هذه الأثناء التفت نحوي وقال ...

إياس : ربنا عظيم يا ريّان .. عظيم عظمة لا يمكن أن نتخيلها ، عظيم عظمة تأخذ قلبك ولبّك لمجرّد أن تمشي خطواتك الأولى وأنت تدخل بيته المحرّم ، فتبدأ الكعبة تتراءى لك من بعيد وتظهر لك هيبتها رويداً رويداً ، حتى تصل إلى أولى عتبات صحن الكعبة ؛ حيث الجلال والرهبة والتعظيم والحب والخوف والرجاء .. كلها تحيا في قلبك وتهتز فيه وأنت تشاهد الكعبة بكاملها أمامك والناس حولها يطوفون في سكينة ، إننا حينما نذهب إلى مكة لأداء العمرة لا نستشعر هذه المعاني ولا نلتفت إليها ، مشغولون بما معنا من نساء وأطفـال أن لا يضيعوا في فوج الزحام ، مستعجلون نريد الانتهاء من عمرتنا في أسرع وقت ونتباهى في ذلك إذا جلسنا مع رفاقنا سوياً ، ليت شعري ما لهذا شُرعت زيارة البيت !

ريّان : إيــــه .. صدقت يا أخي .. صدقت .

إياس : بعد أن انتهيت من عمرتي عُدت إلى مقرّ سكني ، انشغلتُ في تلك الرحلة - لأول مرة في حياتي - بالعبادة تماماً ، انقطعتُ عن كل شيء من ملاذّ الطعام والشراب ، حتى القيل والقال ما كنت ألتفتُ إليه ولا أبغيه ، إلتزمتُ كلام ربي صباح مساء في ثلاثة أيام قضيتها هناك ، ليس لي من عملٍ فيها إلا الصلاة والقرآن والذكر والدعاء ، كنتُ أدعو في كل حينٍ متى ما تذكرتُ طلبي من ربّي ، كنتُ ألح عليه إلحاحاً وأعيد طلبي عليه وأكرره مرات كثيرة .

ريّان : أشعر أن بعض المطالب أحياناً تزيدنا قرباً من ربنا .. دون أن نشعر !

إياس : ثم بعد أيامٍ ثلاثٍ قضيتها في رحاب بيت الله ؛ عُدتُ وكلي أمل بالله وثقة به أنه لن يُخيبني ولن يردني صفراً ، عُدتُ من هناك وكأني ضمنتُ رؤى من فرط يقيني ، بدأت أخطط ماذا سأفعل وأين سنذهب وما نوع الأثاث الذي سنختاره وما الطعام الذي تُحبّه ، جاء العيد فصارت بهجته بهجتين .. بهجة العيد وبهجة ثقتي بأني سأفوز بـ " رؤى " ، وبعد العيد كنتُ أسأل أمي كل يوم - وكأن المسألة مسألة وقت لا أكثر - هل اتصلت بهم أم لم تفعل ، وكنت حينها لم أترك الدعاء ولا سؤال ربي طلبي ، كانت أمي تعجب من ثقتي بموافقتهم بل كانت تظن أنهم لن يوافقوا بسهولة كوني طالب لم أنهي دراستي الجامعية بعد .



نقاء الروح 08-12-2011 02:06 PM


بقيتُ أنتظر وأنتظر وطال الانتظار حتى ظننت أن في الأمر خلاف ما توقعت وتمنّيت ،فطلبتُ من والدتي أن تأتي لغرفتي وقاسمتها أن تخبرني الحقيقة وأن تبصرني بما يجري ولا تخفي عني شيئاً ، تغيّر وجه أمي الباسم الذي اعتدته مشرقاً متفائلاً يمنحني الحياة عندما أراه كل صباح ، أخذت بيدي .. والدموع تتزاحم في عينيها ولأول مرة أراها تبكي لأمر لا يكون لله كالدعاء أو تلاوة قرآن .. ضغطت على يدي قليلاً وقالت لي ...
...
أم إياس : أنا أمّك يا ولدي .. أتعرف ما هي الأم ؟! أنا أعرفك أكثر من أي مخلوق يمشي على هذه الأرض ، أعرف خلقك وطيبة قلبك .. أعرف كرمك وسمو سجاياك .. أعرف تديّنك وحبّك لربك .. أعرف حتى تقاسيم جسدك ، أنت رفيق لي أكثر من عشرين سنة ، حملتك على يديّ هاتين وأرضعتك من صدري ، أزلت القذارات منك واستمتعتُ ببولك علي لباسي وقيئك في حجري ، رتبت لك دروسك ورسمتَ أول حروفك ويدي على يدك ، بقيتَ تكبر أمامي وأنا أشاهدك وأتأمل النبتة التي غرستها فيك حتى حفظت القرآن صغيراً وأنت طفل ، أعرف ماذا تحب .. وماذا تكره .. ما الذي يسعدك .. ومالذي يحزنك ويغضبك ، لذا .. عندما أقول أنهم همُ الذين لم يفوزوا بك ولم يربحوك لابنتهم فأنا صادقة غير كاذبة ولا خائنة !
...

إياس : أتعرف يا ريّان !؟ برغم قساوة وقع الخبر عليّ إلا أن رؤيتي لعيني أمي وهما غارقتين بالدموع من أجلي كان أقسى على قلبي ، قمتُ من فراشي لأتي لأمي بمنديل أمسح به دمعها بيدي ، أخبرتها أن لا تحزن فالأمر لا يستحق الحزن ، كنتُ أريد أن لا تعيش ألمي وحرارة ما أجده في صدري ، فابتسمت وقالت ...

أم إياس : سأجد لك امرأة تستحقك فعلاً !

إياس : ابتسمت لها شفتاي لتطمئنها أني بخير ، ولكن قلبي كان يرعف دماً ويجثم عليه ألم رهيب ، جُننت يا ريّان حينها .. جُننت ، صِرتُ أهذي بعد خروج أمي من غرفتي بكلامٍ لا معنى له ، حتى إني تسخطت على ربّي - عز وجل وتبارك وتقدّس - إذ لم يستجب دعائي ، ولكن التربية التي ربتني عليه أمي وأنعشها في صدري والدي كانت حاضرة في تلك الأحداث ؛ فبرغم ما أنا فيه من سكرة إلا أني لا شعورياً تناولتُ المصحف وشرعتُ أقرأ فيه ، أقرأ وأبكي .. أقرأ وأبكي .. أشعر بإقبال على القراءة .. ثم أشعور بشيء كالغضب تسخطاً يدفعني للتوقف فألزم نفسي بالقراءة إلزاماً ، كنت أقرأ في سورة غافر حتى وصلت قول الله : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ... الآية ) ، فسجـدتُ وأنا أبكي مناديـاً ربي ( يا ربِ دعوتك فلم تجبني .. يا ربِ دعوتك فلم تجبني ) ، وبقيت أكررها وأنا أشعر بمرارة في صدري ، أسأل الله أن يعفو عني .. كلّما تذكرتها الآن استحييت من ربي وتصدقتُ واستغفرتُه من حمقي وجهلي وعدم احترامي لجنابه المقدّس !

لم أذهب للدوام ذلك اليوم .. بل صليتُ المغرب ثم العشاء فنمتُ بعدهما سريعاً وقد هدّ البكاء المتواصل في دعائي لربي طاقتي وأخذ مني كل جهد ، قمت في آخر الليل قبيل الفجر وصليت ركعتين أطلت فيها القراءة ومن ثم خرجت إلى المسجد قبل الأذان بدقائق ، فتحتُ أضواءه وصليت الوتر خفيفة واستندتُ إلى سارية متأملاً مفكراً في أحداث اليوم السابق وما جرى فيه ، أذّن الفجر وصلينا ثم بقيتُ في المسجد أنظر إلى المستقبل وأن كل حلمٍ قطعته صار أشبه ما يكون بمفرقعة انفجرت وانتهت .

وبعد تأملٍ وتفكيرٍ وأخذ ورد مع نفسي عزمتُ أن أمضي في حياتي قُدماً وأن أترك ما حدث خلف ظهري ولا ألتفت إليه ، وهكذا عُدتُ إلى البيت والابتسامة تملأ وجهي وتناولتُ الإفطار مع والديّ ثم خرجتُ إلى جامعتي ، وعُدت من جديد إلى نظامي حياتي السابق .

بعد أسبوع تقريباً .. بدأت " رؤى " تعود إلى ذهني من جديد ، صرتُ أفكّر فيها كثيراً ولا أحدّث بما في نفسي أحداً ممن هم حولي ، فالأمر انقضى ولا مجال للعودة إليه ، تطوّر الأمر إلى أن صرتُ أحلم بها في نومي ، حيث رأيت أكثر من ست مرات رجلاً يأتيني في منامي وهو يشير إلى بيت الدكتور ويقول لي ( مرة ثانية .. مرة ثانية .. مرة ثانية ) ثم ينصرف !




نقاء الروح 08-12-2011 02:10 PM

الفصل الثاني عشر



ريّان : وما الذي أعادها إلى ذهنك هكذا ؟

إياس : كنتُ أتناساها قدر استطاعتي وأصرف عن ذهني كل شيء يستعيد ذكراها فيه ، كنت تماماً كمن يقف خلف باب محاولاً إغلاقه بكل قوته بينما في الجهة الأخرى يدفعه مفتـول العضلات ؛ فهو يدفعه مرة ويُغلب مرة ، إلى أن قدّر الله علي بعد أسبوع فقط أن أُكلّف بالبحث عن طريقة عملية جراحية مميزة قام بها طبيبان سعوديان - لم أكن أعرف مَن هما - ، توجّهت نحو مكتبة الكليّة وبدأت أبحث وأبحث لكني لم أجد ما أريده ، فكل المصادر العالمية التي توردُ العملية بشكل غير متخصص لا تذكر إلا أنهما طبيبان سعوديان دون أن تشير إلى اسميهما ، كان لزاماً عليّ أن أتوجّه صوب مكتبة المستشفى لأواصل بحثي ، قصدتُ فهرس الإنجازات الطبيّة المتعلقة بالمستشفى الجامعي وشرعتُ بالبحث من جديد عن العمليّة ، فإذا ثمّة مفاجأة تنتظرني !

ريّان : خير إن شاء الله .. وما هي ؟!

إياس : سُجل في دليل الأوليات المسجلة للمستشفى أن أول من قام بتلك العملية الجراحية في العالم دكتوران من رموز العمل الطبي الراقي في المملكة ، د. خالد ... و د. مؤيّد ...

ريّان : لا تقل لي أن د. خالد هذا هو والد رؤى .

إياس : بلى هوَ !

ريّان : أنتَ مُمتحن بالدكتور خالد .. ومن هو هذا د. مؤيّد ؟

إياس : المرشد الأكاديمي ليّ وأحب دكتور بالنسبة لي في الجامعة .

ريّان : أشعر وكأني أمام مؤلّف قصص خياليّة يصنع المفاجآت عند كل خطوة من خطوات قصته لتبقى على نفس الوتيرة من الإثارة والجذب ، يبدو لي فيما يبدو أن ما يبدو لي الآن سيبدو على كل من ستبدأ برواية قصتك له !

إياس : صدقني هذه حقيقة ، وهذا تماماً ما أعاد رؤى إلى دائرة اهتمامي ، إذ شعرتها قريبة مني جداً ، فبعد قربها لأشهرٍ من مكتبي ومكان عملي هاهي الآن تبدو قريبة مني من جهة أخرى .

ريّان : وماذا فعلت ؟

إياس : رميتُ كل الأوراق والكتب التي بحوزتي وذهبتُ أجري نحو حبيبي د. مؤيّد ، لا داعي لأن أبحث وأرهق نفسي وأكبّدها عناء البحث ما دام المرشد الأكاديمي لي هو من أجرى تلك العملية ، سأذهب إليه وآخذ منه كل التفاصيل وهو كذلك لن يبخل عليّ بمصادر تفيدني .

ريّان : أكل هذا الجموح نحو د. مؤيّد لأجله هو .. أم لأجل .. احم احم

نقاء الروح 08-12-2011 02:14 PM

إياس : كليهما .. سيّان .. سواء احم احم أو د. مؤيّد .. المهم أني سأحصل على ما أريده في النهاية ، صعدتُ إلى الدور الثالث في المستشفى حيث مكاتب الدكاترة ، وبخطوات مُقدمة .. ومترددة في نفس الوقت ، طرقتُ الباب على مكتب د. مؤيد ، استأذنتُ منه فأذن لي بالدخول وتلقّاني كما يتلقى الأب ابنه ، بحق .. ذلك الدكتور من أروع من لا قيت في حياتي ، رحّب بي كثيراً وسألني عن أحوالي وعن أهلي وعن مستجدات حياتي وأخباري بعد القرار التأديبي من الجامعة وكيف هي نفسيتي ، والحقيقة أنه ما لقيني إلا سألني نفس الأسئلة ، لكن طبيعته الأبويّة تجعله يسأل دائماً هكذا ، وكذا كلّ معلّم ومربٍ يريد كسب طالبه وغرس ما يريد أن يغرس فيه ، لا بد أن يشعر الطالب أن من أمامه يحبّه ويكترث لحاله حتى يفتح له قلبه ليقرأه وليضع فيه ما يشاء ..

ابتدأني :
د. مؤيّد : آمرني يا ولدي .. ما الذي أتى بك الآن ؟ ما الذي تريد ؟


إياس : كُلفت ببحثٍ صغير حول العملية التي أجريتها أنت و د. خالد قبل سنوات ، كنتُ أبحث في المكتبة الجامعية ومكتبة المستشفى ، فلمّا علمت أنها لك أتيتك أنت لأسمع منك كيف أجريتها أنت ود. خالد .

إياس : بدأ الدكتور يشرح لي بحماس وروح الشباب السالفة أراها في عينيه المندفعتين ولسانه المنطلق الذي يغرف مما في قلبه من فخر لأداء تلك العملية الرائدة - وحُق له - ، تحدّث وتحدّث وتحدّث حتى ملّ هو من الحديث وأنا مُنصت مستمع مستمتع ، لم أكن أتوقع أن نمتلك قامة علمية كـ د. مؤيّد .

لمّا انتهى الدكتور من حديثه شكرته ثم طأطأتُ رأسي إلى الأرض وبدأت أحرك قدمي باضطراب ، ولم أخرج كما هي العادة عند نهاية الحاجة من القدوم على مكتبه ، فبادرني ..

د. مؤيّد : أهناك شيء تريد قوله يا ابني إياس ؟ ألديك مشكلة ما ؟ أتريد شيئاً ؟

إياس : نعم يا دكتور .. أود أن أسألك عن د. خالد ، أين هو الآن ؟ ولماذا ترك المستشفى الجامعي ؟ أعتذر إن كانت أسئلتي محرجة أو فضولية ، لكني معجب يا دكتور بشخصيته كثيراً ولا أجد أحداً أسأله عنه سوى رفيق قديم له .. كأنت !

د. مؤيّد : إيــه ! .. د. خالد ..

ثم التفت د. مؤيّد نحو نافذته .. رفع الستارة وأشار إلى مسجد كبير وسط المستشفى وقال :

د. مؤيّد : أترى ذلك المسجد ؟ لو لا د. خالد لما كان موجوداً هنا !

إياس : كيف يا دكتور ؟

د. مؤيّد : قصة طويلة جداً .. كان د. خالد صريحاً جريئاً لا يخاف في الله لومة لائم ، تم تكليفه من قبلنا نحن الأطباء بالعمل على رفع مشروع إلى إدارة الجامعة لبناء مسجد في المستشفى ، وبالفعل تحرّك د. خالد وخاطب المسؤولين بأسمائنا ، لكن طلبه رُفض بحجة عدم وجود مبالغ مالية كافية في ميزانية الجامعة ، لم يقف د. خالد هنا .. بل رفع الأمر إلى الوزارة ودخل على الوزير بنفسه ثم رفع الأمر إلى المقام السامي وتم له ولنا ما أردنا ، وبقينا ننتظر تفعيل الأمر ونزول المبلغ في ميزانية الجامعة .. وهذا ما حصل ، لكن إدارة الجامعة استغفلتنا واقتطعت نصف المبلغ تقريباً لتفعيل مشاريع أخرى على أساس بناء مسجد صغير ليس كما تم التخطيط له !
عندها ثارت ثائرة د. خالد .. واتهم إدارة الجامعة بالعبث واستغلال أموال الدولة في غير مكانها المخصصة له ، وزاد التراشق هنا وهناك وكبرت المسألة حتى انتهت بفصل د. خالد عن العمل في أي جامعة سعودية وإقالة مدير الجامعة من منصبه .
صحيح أن ما حدث للدكتور خالد يُعد إهانة لأكاديمي ، وصحيح أن فصله كان مؤلماً ، لكن بعد كل هذه السنوات التي مرّت عندما أرى حال د. خالد بعد أن افتتح عيادته الخاصة وصار يعمل بها ورزقه الله ما يكفيه وزيادة .. أعتقد جازماً أن الخيرة فيما اختاره الله !

إياس : عجيب ! هل للدكتور خالد عيادة خاصّة ؟

د. مؤيّد : نعم ..

إياس : معلومة جديدة يا دكتور ما كنت أعرفها ، كنت أظن أنه ترك المجال الطبي تماماً ، أتصدق يا د. مؤيّد أني أحـب هذا الدكتور بشكل لا يمكن أن تتصوره ، له في قلبي مكانة لا أدري كيف استحقّها !

د. مؤيّد : ههههه .. سبحان الله .. قبل أيام كان بيني وبين د. خالد اتصال هاتفي ، كان جُل ذلك الاتصال عنك أنت وعن سلوكك في الجامعة وعن رأيي فيك وفي طبيعة دراستك وأخلاقيّاتك .

إياس : عني ؟ أنا ؟

د. مؤيّد : نعم .. نعم .. أنت ، ولمّا أخبرته عن كوني المرشد الأكاديمي لك صار يسألني بتوسّع كبير عنك ، بصراحة ما زلت أستغرب من طريقة اتصاله وسؤاله وكأنه سيزوّجك أحد بناته ، أخبرته كل ما أعرفه عنك يا بني ، وأثنيت عليك كثيراً عنده ، هل ظنّي في مكانه ؟

إياس : هاه .. ل ل لا يا دكتور ، عموماً شكراً لك على إعطائي هذا الوقت الثمين يا دكتور .. شكراً !

...

ريّان : إذن أثنى عليك صديق والد خطيبتك .. عنده .. أعتقد أن هذه المحاورة هي التي فتحت لك باباً جديداً .. وذكرتك بها !

إياس : الحقيقة أنه بعد لقائي هذا بـ د. مؤيّد كان كل شيء حولي يذكّرني برؤى ، مكان جلوسي في غرفتي وأنا أفكّر فيها سابقاً .. كتبي الدراسية التي كثيراً ما سرحتُ أفكر بها وأنا أقرؤها .. مكان عملي الذي لا يفصلني فيه عنها سوى حاجز خشبي ، أتُصدق ؟ حتى الكافتيريا التي أحياناً أفطر فيها في وقت استراحة الكلية غيرت اسمها لتصبح (استراحة رؤى) .. والله العظيم !



T!to 08-12-2011 06:18 PM

جميل جدا .. واياس ده مش ناوى يجبها لبر :stickjo4:
مستنيين الباقى ,, ان شاء الله ..
فاضل كام جزء ؟؟
جزاكم الله خيرا :)

نقاء الروح 09-12-2011 09:29 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4151446)
جميل جدا .. واياس ده مش ناوى يجبها لبر :stickjo4:
مستنيين الباقى ,, ان شاء الله ..
فاضل كام جزء ؟؟
جزاكم الله خيرا :)

شكله كدا :d
باقي تقريبا 3 فصول غير فصلين النهاردة
هانت ;)، هي طويلة شويتين بس :romarioxp6:
جزانا واياكم
شكراً كثيراً :)

نقاء الروح 09-12-2011 09:35 AM

الفصل الثالث عشر



إياس : كنت أفكر بها في كل وقت وفي كل مكان ، لكني لا أستطيع الوصول إليها رغم أنها قريبة مني جداً جداً ، أجد حاجزاً من نار يفصلني عنها لا حاجزاً خشبياً ، صعب أن تعيش ممتلكاً خيارات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع .. وأن تمتلك ضغوطات غير قابلة للتنفيس .. ومشاعر لا يشعر بها أحد ، صحيح أني أستطيع الوصول إلى الدكتور ومحادثته لكن في ذلك بعض بجاحة ، صحيح أن باستطاعتي محادثتها لكن عقاب الله بالمرصاد ، صحيح أني أحبها لكن حبي مكبّل ضعيف مقابل الكثير من القيود ..كالموءودة التي تكافح لأجل الحياة مبعدة بعض التراب عن أنفها لمجرّد أن تتنفس .. وفي النهاية يكون دفنها ودفن يديها وأنفها المشهد الآخير !

كان حالي أشبه ما يكون بطنجرة ضغط ، أغلي من الداخل موشكاً الانفجار وظاهري هادئ ساكن لا يبدي أي شيء ، كنتُ في تلك الأيام حساساً جداً سريع الانفعال على غير عادتي في البيت والجامعة والعمل .

وتحت تأثير حالي تلك .. كنت أشعرُ بعينيّ أمي ترمقني من أعلاي إلى أسفلي بتأمل ، أحس ببرد عينيها يلفني مسكناً بعض الحرارة التي أجدها في داخلي ، وقد كنتُ لا أظهر لها أني أشعر بها تنظر إلي وبشكل ملفت ، حتى إني أذكر مداعبة أخي لها بقوله : ( أكل هذا الحب في قلبك يا أمي مكنون لإياس ؟ ) ، فتتبسّم معلنة محبتها للجميع بنفس القدر !

بعد مرور أيـام .. وحين دخولي إلى البيت في العاشرة مسـاءاً قادماً من العمـل نادتني أمي - وكانت تجلس في صالة البيت - ، لم أنتبه لندائها إذ كنتُ غارقاً ساهياً سارحاً في خيالات كثيرة ، نادت مرّة أخرى بصوتٍ أعلى قليلاً فالتفتُ صوبها وابتسمتُ ، دعتني للجلوس وإياها فوضعتُ حقيبتي عند الدرج وأقبلتُ نحوها بخطوات أجرّها جراً حتى لا تشعر صاحبة القلب الرقيق بما أعانيه من إعياء نفسي وذهني وجسدي .

قدّمت لي كوباً من العصير ثم انطلقت بروح الأمومة تحلّق في سمائي ، تحدثَت عن كل شيء .. الجامعة والمسجد والبيت والعمل وبيوت الأعمام والأخوال والسفر والذكريات القديمة ، كانت تستولد الضحكة من فِيّ وتعصرها من شفتيّ عصراً ، إن ابتسمتُ ضحكتْ .. وإن ضحكتُ من طرفة انفجرتْ مقهقهة سعيدة ، لم يبقَ إلا بابٌ واحدٌ في حديثها لم تطرقه - كعادتها - وقد كنتُ أنتظر قلِقاً خشية أن تشرع في الحديث عنه وأنا لا طاقة لي به .

وكان ما أخشاه .. قالت أمي بعد أن ارتشفت من كوب عصير البرتقال الذي أمامها :

أم إياس : ما رأيك الآن يا بني ؟ أنبحث عن المحظوظة التي ستسرقك مني ؟ كنت أسأل في الأيام الماضية عن بعض الفتيات ذوات الدين والخلق والجمال والدلال والحسب والنسب ، أسأل عن فتياتٍ بعينهنّ ممن هن جديرات بك ولن أستخسر أن أهبك لإحداهنّ ، فما ترى ؟

كنتُ أمسك بفطيرة صغيرة محشية بالجبن موشكاً قضمها ، ولمّا أن انتهت أمي من سؤالها كنت قد قضمتها ومضغتها وبلعتها ، ارتبكتُ وتغير وجهي مُفترّاً عن ابتسامة صفراء ميتة قائلاً ..

إياس : من أين لكم هذا الجبن الطيّب ؟ لا أذكر أن اشتريت لكم جبناً آخر مرة ؟

أم إياس : ألهذه الدرجة تستحيي من ذكـر الزواج ، لا تغيرّ الموضوع يا ولدي وأجبني ، لقد وجدتُ لك فتاة باسم الله ما شاء الله ، لا أدري كيف أعماني الله عنها من قبل ، وهي بالتمام والكمال على مواصفاتك وأكثر ، إن وافقتَ اتصلتُ بهم غداً أخطبها لك .

إياس : همممففف .. قبل ذلك أريد أن أحدّثك بحديثٍ ما كنت لأطلع عليه أحداً أي أمّه ، استقر في صـدري منذ أسبوعين وأنا أكتمه وأتحاشا إظهاره رغبة في قتله ، وبما أنك حدثتِني يا قرة العين بموضوع الزواج فأريد أن أفاتحك به !

أم إياس : أشعر بك يا ولدي .. أشعر بك ، ما جلستُ هنا إلا منتظرة هذا الحديث منك وإن ألبسته عدة ملابس إلا أن القصد يأبى إلا أن يكون جلياً في النهاية ، قل ما عندك يا روح أمك .

إياس : أمي .. لمّا اتصلتِ بأم رؤى تخطبينها أكانت مُرحّبة أو لم تكن مرحبة ؟ وهل ذكَرت موقف الأب من الزواج من طالب أم لا ؟ وهل عرّضت نحو عيبٍ ما وهي تتحدث ؟ أريد أن أعرف فقط .

أم إياس : وأيضاً كنت أظن أن هذا ما يشغل تفكيرك ، الحق أني لستُ من اتصل عليهم يا بني ، ولكن لي صديقة قريبة جداً مني تكون ابنة عم أم رؤى كانت هي واسطة ما بيننا ، والحق أنهم لم يذكروك بعيبٍ ولا بسوء ولم يشيرو إلى أيٍ من ذلك .

إياس : أمي ! لستِ أنتِ من خطبها منهم ؟

أم إياس : لا يا بني ...

إياس : ولمَ يا أمي ؟ لمَ ؟ أترينني شاباً تائهاً ضائعاً لا يُرفع به رأس ؟ أم ترينني سيئ خلق قليل دينٍ لا يُفخر بقربه ؟ أم أنا طالب لا أحد يقبل به فأردتِ أن يكون الرد على غيرك وليس في وجهك ؟ لمَ يا أمي ؟ ألا ترين أن تواصل الأهل وثقتهم بأبنائهم وسمعتهم وتقديمهم إلى غيرهم أكثر بريقاً وأكثر لمعاناً وأجمل في أعين أهل الفتاة ، ذلك أن الشاب يبدو في أعينهم حائزاً على ثقة والديه !

أم إياس : بلى والله .. بلى والله .. أفخر بك وأعتز ، وما جلستُ مجلساً من مجالس النساء إلا قلتُ قال ابني إياس وفعل ابني إياس وأهدى لي ابني إياس ، لكني فعلت ما فعلت ظناً مني أنه الأفضل ، خصوصاً وأنهم لا يعرفون من نكون ، ولا يُستساغ أن أمدحك وأنت ابني وأن أمدح والدك وهو زوجي ، فأحببت أن أجعل صاحبتي بيننا حتى تخبرهم عنّا ما يشاؤون ، لا تقسُ عليّ يا ولدي فأنا والله لك ناصحة محبة .

إياس : ولمّا رأيت والدتي تاثرت من حديثي الذي أطلقته دون إدراك مني بادرتُ إليها مقبلاً رأسها ويديها معتذراً ومتأسفاً ثم أهويتُ إلى قدميها لأقبلهما فأمسكت رأسي من شعره ورفعته إليها ثم نظرت إليّ وقالت ...

أم إياس : ليس لرأسٍ حوى القرآن أن يكون تحتي ولا لفمٍ قرأ القرآن أن يقبل قدمي ، ارفع رأسك فما غضبتُ عليك يا بني وما أنا بالغضوبة ، ولكني أحببت أن تقدر موقفي وأني إلى جانبك في صفك ولست إلى ضدك !

إياس : أمي .. لي طلبٌ واحدٌ منك ، أعـدك وعد حرٍ كريم أن لا أسألك بعده سؤالاً ، وأرجو أن تجيبيني إليه ، ارحمي فلذة كبدك يا أمي واشفِ قلبه المعلّق بفتاة أحبّها ، أمي .. أرجوك .. أرجوك اخطبيها منهم مرة أخرى فلقد دعوت ربي من قبل ولا أظنه إلا سيستجيب لي !

أم إياس : ماذا ؟؟؟؟ أخطبها مرة ثانية ؟؟؟؟ وماذا يقول عنّا الناس ؟؟؟؟ إياس يخطب فيُرد ثم يعود مرة ثانية لمن ردته ؟؟؟؟ أليس لديك كرامة نفس ؟؟؟؟ ألا تحترم سمعة والدك الكريم المحبوب ؟؟؟؟ كنت أظنك أعقل من ذلك وأرقى فكراً وأكثر احتراماً لذاتك وأهلك ، نحن عائلة محترمة كريمة ذات مكانة وقدر ، إن ردت فتاة ابننا فهي الخاسرة إذ حُرمت شاباً ديّناً خلوقاً مهذباً ذا جاه وسمعة حسنة ، اعذرني يا ولدي لا أستطيع أن أفعل ما تريد !

إياس : لكِ ما تريدين يا أمي .. أمركِ مطاع ، لكنكِ علمتِني صغيراً أن لا أهتم بأقوال الناس كثيراً ما دمتُ أعمل ما أراه صحيحاً ، أتذكرين يوم أن امتنعتُ عن الذهاب للحلقة بحجة أن كل من فيها أصغر مني ولأن أبناء الحي يسخرون مني لجلوسي مع الصغار ؟ أتذكرين أنك قلتِ لي أن أفعل ما أراه صائباً وما يرضي ربي وأن أترك من يسخر مني لأنه سيندم يوماً أن لم يفعل مثل فعلي الصحيح ؟ هذا كل شيء يا أمي .. نظرت للأشياء كما علمتِني أنتِ ، ما نظرتُ إلى قول الناس ولا إلى رأيهم ما دام ما أفعله يرضي ربي أولاً ثم يرضيني .

إياس : قبلتُ يدها ثم دعوت لها بخير الصباح وقمت نحو غرفتي ، كنت أغالب دمعتي ألا تسقط متشبثاً ببعض ما تبقى لدي من تماسك الرجولة وبأسها ، استلقيتُ على فراشي أنظر إلى السقف بحزنٍ طاغٍ جارف ، كون بابٍ فُتح ثم أغلق سريعاً .

كنت أنظر إلى السقف بحزنٍ وأتأمله وأرسم عليه أحزاني وألوّنها .. بالأسود ! يا لهذا السقف ؛ بالأمس كنت أنظر فيه إلى نفسي ممسكاً بيد رؤى نجري على أرضٍ خضراء أسبقها وتسبقني .. كنتُ أنظرُ فيه إلى قدحٍ مزخرفٍ سُكب فيه عصير بارد أشرب منه مرة وتشرب هي منه أخرى .. كنتُ أنظر فيه إلى رؤى وقد سخطت عليّ في أمرٍ وهي تصرخ وتعاتب وأنا أسمع إليها بهدوء .. كنتُ أنظر فيه إلى رؤى حاملاً .. نفساءَ .. أماً تُعد ابنها للمدرسة .. كنتُ أنظر فيه إلى كل شيء ، أما الآن .. فهو جدار أسود عديم الآلوان ... ورحتُ أغط في نومٍ عميق !

صباحاً .. استيقظتُ ونزلتُ لأفطر ، فإذا والدي ووالدتي بانتظاري على طاولة الإفطار - بعد أن ذهب إخوتي لمدارسهم وجامعاتهم - ، تحدثنا سوياً واستمعنا إلى نشرة أخبار الصباح من الجريدة التي يمسك بها والدي ويقرأ ، ولمّا أوشكتُ على القيام والتأهب للذهاب لجامعتي قالت لي والدتي وهي باسمة :

أم إياس : تحدّثتُ مع والدك بشأن الموضوع الذي حدثتني عنه البارحة ، اختلف معي كثيراً فيما ذهبت أنا إليه ، وطلب مني أن أقوم بما طلبته مني لأريحك وأريح قلبك يا ولدي ، وهاهو رقم أم رؤى في جوّالي وسأتصل بها في أقرب وقت .

إياس : حقاً ؟ جزاكم الله خيراً .. جزاكما الله خيراً !

إياس : كِدتُ أفقد عقلي من فرحي ، حتى إنني نسيت أن أقبل رأسي والديّ ، خرجتُ من البيت والسعادة تملؤني وكأن الله أعاد إليّ الحياة من جديد ، كنت طول الطريق أحمد الله وأستغفره وأسبحّه دون شعور ، ياااااه .. أصبحَ الحلمُ ممكناً وقريباً مرة أخرى !

مرّ اليوم سريعاً .. عُدتُ ظُهراً إلى البيت تحملني الريح .. لا قدميّ ، وكان المطبخ قبلتي فاستقبلته أبحث عن أمي ، استفسرتُ منها أكان شيء ؟ وماذا قالوا ؟ ومتى سيردون ؟ متعجلاً الأمرَ كنتُ ، فأرتني جوّالها فإذا هي قد اتّصلت على أم رؤى خمس مرات وفي كلها كان جوّالها مقفلاً ، أخذتُ جوّال أمي منها حتى أتصل أنا لها ، كنت أتصل كل خمس أو عشر دقائق تقريباً ويكون الجهاز مقفلاً ، وبعد العشاء .. جربتُ أن أتصل وكانت المفاجأة أن تم الاتصال فعلاً ، فرميتُ الجوّال على والدتي وأشرتُ إليها أن تحدّثي ، قامت والدتي مسرعةُ صوب غرفتها وأقفلت الباب، ثم خرجت بعد نصف دقيقة ، كان صوت الباب وهو يُفتح بهذه السرعة مُزعجاً لي ، ولكن وجه والدتي كان فرحاً ...

إياس : ما الأمر يا أمي ؟

نقاء الروح 09-12-2011 09:39 AM

الفصل الرابع عشر



إياس : اندفعتُ نحو أمي قائماً أجري بسرعة لأحدّثها عند باب غرفتها حتى لا تؤجّل الحديث متعذّرة بوجود إخوتي ، سألتها مستعجلاً ما الخبر ؟ هاتِ البشرى ! فلم تزل تنظر إليّ مبقية على ابتسامتها ، وهي تقول :

أم إياس : رحّبت بي جزاها الله خيراً ، لكن !

قاطعتها وكأني أنتزع الحديث منها انتزاعاً ولا ثَمَّ ذرة صبر بقيت في جعبتي ...
إياس : لكن ماذا ؟ .. ماذا ؟

أم إياس : قالت إنها خارج البيت مع بناتها وستتصل بي حالما تعود إلى بيتها !

إياس : في ذلك اليوم .. لم أذهب إلى عملي بل تغيّبتُ عنه ، كنت أمني نفسي أن أنتهي تماماً من موضوع رؤى هذا الذي أشغلني لعل الله أن يحدث فرجاً ومخرجاً ، كانت الدقائق منذ الظهيرة وحتى موعد إجابة أم رؤى على الهاتف تمر بطيئة جداً ، لكنها لم تكن بأي حال كبطء الدقائق وأنا أنظر إلى جوّال أمي خلسة انتظاراً لاتصال أم رؤى .

يا لدقائق الانتظار التي تحرق ذرات صبرنا حرقاً في قلوبنا ، لا أقسى من الصبر على المصيبة إلا الصبر على لحظات الانتظار لها والتي تطول وتطول حتى إن الصبر ذاته ليُسلخ منها ، خوفٌ وترقب ووجل وتكهنات وتأملات .. أمانٍ تنسج بخيوط العنكبوت .. ازدياد في النبض وتعرّق في الجسد وبطء في الإدراك والاستيعات .. و .. و يرنّ الجوّال بعد ساعة !


تذهب أمي مرة أخرى نحو غرفتها مرة أخرى في امتثال لهيئة أم إسماعيل ساعيةً بين الصفا والمروة ، وبين من تبحث عن ماء ليروي رمق ابنها الجاف .. وبين من تبحث عن فتاة تشفي قلب ابنها العاشق ! كانت الصورة أمامي وأنا أنظر إلى أمي ترد على الهاتف وهي تغمز لي بعينها قبل أن تقفل باب غرفتها .

... وانتظار آخر وإن كان أقسى من سابقه !

أجد أن هناك نسبة وتناسباً بين شعورنا بطول الوقت وبين إداركنا لأهميّة ما ينتظرنا إن كنّا نريده ، وبين قصر الوقت إن كنّا لا نريد ما نتتظر ، أتصدق !؟ تلك الست دقائق الأخيرة التي قضتها أمي تحادث أم رؤى كانت أطول في شعوري من تلك الساعة !!

أسندتُ رأسي إلى الجدار واتكأتُ عليه .. وخرجت أمي ، غشتني سعادة لا توصف وأنا أشاهد ابتسامتها تشق وجهها من أذنها إلى أذنها مروراً بتلك الثنايا البادية ، هرعتُ إليها فأشارت إليّ أن اجلس مكانك ، أقبلت نحونا ثم جلست وقالت ..

أم إياس : اتّصلتُ بهم .. رحبوا بك كثيراً .. حصل حديث جانبي بيني وبين أمها حول ما حصل في المرة الماضية فأخبرتني أن هناك من استعجل الرد منهم ، ولذا كانت إجابتهم بالرد حينها ، طلبت مني أمها بعض الوقت للتفكير على أن تردّ عليّ لاحقاً - إن شاء الله - .

إياس : فرحتُ أيما فرح بهذا الرد المطمئن المبشّر فآليت على نفسي إلا أن أتصدّق حالاً ، ركبتُ سيارتي قاصداً مكتب جمعية خيرية قريبة من بيتنا فألفيتها مغلقة لا أدري ما سبب إغلاقها ، صرتُ أبحث عن أي فقير في الطريق فلم أجد ، فما كان لي بُد من أن أشتري بعض ساندويشات من أحد المطاعم مع بعض الشراب ثم أهديها على عمّال محطة البنزين المقابلة لحيّنا السكني .

عُدت إلى البيت وأنا بين فرحٍ مُطعّمٍ بخوف من خيبة قد تأتي لاحقاً ، نمتُ أسعدَ نومة نمتها منذ زمنٍ طويلٍ جداً ، قمت آخر الليل وقد شبعت واكتفيت من النوم ، توضّأت وصليت لله ركعتين ثم أوترتُ ، وفي دعاء الوتر كان الثناء على الله والشكر والحمد له ، لم أتطرق في دعائي لشيء سوى ثنائي على الله بما هو أهله مع تسبيحٍ وشكر وحمد .. ثم استلقيتُ على فراشي منتظراً آذان الفجر ...!
...

ريّان : بصراحة يا إياس أتعجّب من هكذا صبرٍ وإصرار على نيل رؤى وأنت لم ترها من قبل قط ، ربما تجد في نفسك ميلاً لفتاة سمعت عن جمالها .. سمعت صوتها تتحدث متغنجة .. اممم شممت عطرها ففتنت بها ؛ لكني لا أجد أدني مبرر يمكن أن أتقبله في تبرير كل هذا التعلّق بفتاة لا تعرف عنها إلا ما حدّثتك أمك به عنها ومواقف حصلت في المكتب مرتين أو ثلاث .

إياس : هذا فيمن يريد الجسد يا ريّان ! ولست أريد جسداً ، أرى الجميلات الفاتنات الساحرات تفوح منهن رائحة العطور الآسرة يمشين بتغنج وتكسّر .. أرى الخصور الهيف والتمايل وإبداء المفاتن وكشف أعلى الصدر في المستشفى ؛ لكن ذلك لا يحرّك فيّ رغبة الزواج من إحداهنّ ولا مجرّد تفكير ، لست أريد دمى .. لست أريد أجساداً ملونة ، ربما سأعيش في لذة جسدية شهرين أو ثلاثة وربما امتد ذلك سنة لكني بعدها لن أبالي أنكحتُ امرأةٌ أم جداراً ، إنما أريد ما هو أسمى من لغة الأجساد .. أريد روحاً !

ريّان : روحاً ؟ وهل ستتزوج أمواتاً ؟

إياس : أريد روحاً تغشاني بسكينتها .. بابتسامتها الصادقة المخلصة التي لا تطلب من ورائها نفعاً سوى الحب ، أريد روحاً تملؤني تفائلاً إن أرهقتني صروف الزمان .. روحاً متجددة لي أراها كل يومٍ بملابس الأخلاق الساحرة .. روحاً تغمرني إيماناً بالله وتشجيعاً على الطاعة إن ضعفت أو تكاسلت .. روحاً تدفئني إن أقبلت إليها خائفاً وجلاً أنادي بها زملوني دثروني .. روحاً تريد روحي .. تريد روحي أنا .. تعانقها وتشبعها راحة وطمأنينة وأنساً وسروراً واستقرار وسعادة ، صدقني إن تعانقت الأرواح فلا عليها أتعانقت الأجساد أم تنافرت .

لن أتزوّج مواتاً ولا جثثاً هامدة ، لكني أراهنّ متأثرات بالمسلسلات ، يرين في الزوج شيئاً يُشبع في الفراش ويُشبع على مائدة الطعام ، ولو نقص المصروف ريالاً واحداً لحزمت الحقائب ونادت بصوت يسمعه من في بيت أهلها (اذهب لبيت أهلي ) ، ووالله لو قالت لي امرأة ذلك لما رددتها إليّ ولو توسّط لها من توسط .

لأجلك ذلك كنت أريد رؤى .. لا يهمني أكانت بيضاء أم سمراء .. ناعمة الشعر أو خشنته .. واسعة العين أو صغيرتها .. مليحة الثغر أو مكسورة الأسنان ، عندما تتلبس روحها بروحي سأراها ملكة جمال الدنيا ولن أقدّم عليها أحداً !

ريّان : تعيش في وهم .. كل الفتيات سواء .. طبخ وغسل ثم فراش آخر اليوم .. وهكذا ، لا أجد ميزة لإحداهنّ على أخرى إلا في ما تتخيله أنت عنهنّ ، دعك من الرومانسية التي لا نحسنها نحن العرب .

نقاء الروح 09-12-2011 09:44 AM


إياس : أفنت زوجتي " لينة " شهوراً وهي تبحث لك عن زوجة صالحة تسعدك وتعينك وتسرّك إذا نظرت إليها ، فما عليك من غضاضة حين تقول ذلك وتتبجح بأنهنّ سواء بعد أن رزقك الله بـ " منال " فتاةً صالحة من بيت صالح بأخلاق فاضلة ، ولو رأيت ما رأيته من أخلاق الفتيات وجرأتهن على الرجال وطول ألسنتهن ومزاحمتهنّ لنا في الممرات والمكاتب كاشفات الوجه ضيّقات الثياب لما قلت ما قلت !

ريّان : الحمد لله على نعمه .. طيب .. وماذا جرى بعد ذلك ؟

إياس : عشتُ بعد ذلك اليوم بين خوف ورجاء ، أرجو وأتمنى ثم أخاف فقد أمنيتي ، هذه هي الفرصة الأخيرة لي لأفوز برؤى ، كنت أبحث عن أي شيء أتقرّب به إلى الله لعله - سبحانه - أن يرحمني ويجبر كسري ، حتى رأيت وأنا خارج من صلاة العصر في لوحة إعلانات المسجد دعوة للصدقة على الأيتام ، فحدثتُ نفسي .. ولمَ لا أذهب لدور الأيتام فأبهجهم وأضحكهم علّ الله أن يضحكني .

ركبتُ عندها سيارتي إليهم ، وذهبت قبل أن أصلهم لأحد محلات الهدايا الصغيرة فاشتريت بكل ما في جيبي من مال هدايا ولعباً صغيرة لأدخل بها السرور عليهم ، وصلتُ فمنعوني من الدخول عليهم - لست أدري لماذا ؟ - ، فأصررت عليهم والعبرة تخنقني وأريت المسؤول تلك الهدايا التي حملتها إليهم .. فوافق على مضض .

دخلتُ على الأيتام .. رأيت حالهم وعيشتهم .. رأيت أعينهم الحيرى تجول في المكان تبحث عن من تُسكنه فيها من أبٍ أو أم لم يلتقو بهم قبلاً ، ابتسمتُ وسلمتُ عليهم .. استأذنتهم أن ألعب معهم فوافق بعضهم واعترض آخرون .. لكنهم تحت توسلاتي اللطيفة والممازحة لهم وافقوا جميعاً ، لعبت معهم .. ضحكنا .. جرينا معاً .. تعانقنا .. قبلنا بعضنا ، ما كان يمرّ بقربي يتيم إلا حملته بسرعة ورميته إلى أعلى ثم استقبلته واعتنقته وقبلته ، جربتُ واقعياً المسح على رأسٍ اليتيم .. وياله من شعور باللين والانكسار يملأ قلبك ، كنت أشعر وكأني أمسح على قلبي .. كأني أنفض عنه آلامه .. ويالها من لحظة تلك التي يرفع فيها اليتيم رأسه لينظر إليّ مبستماً وأنا أداعبه مدخلاً يدي في شعر رأسه !

كنتُ أن ألعب معهم .. آخذهم واحداً واحداً .. دون أن يحسّوا بامتيـازٍ لأحدهم على صاحبه .. آخذهم فرادا إلى زاوية في ساحتهم ، فأفتح لواحدهم كيس الهدايا ليختار أيّها شـاء ، وهكذا مر الوقت سريعاً إلى أن اقترب وقت آذان المغرب ولم يتبقّ معي إلا لعبتين ثنتين ، كنت قد تعبتُ من اللعب معهم وتركتهم يلعبون أمامي وجلستُ في ناحية من المكان أرقبهم ، كنت أنظر إليهم يتضحاكون وهم يلعبون ما أتيتهم به من هدايا بسيطة صغيرة ، كنت أنظر إلى السماء .. باكيَ القلب .. ثم أهـوي بها إلى الأرض أدعـو ربي في صدري .. ( يا رب .. هؤلاء ضعفاء مساكين أيتام أطفال .. يا رب وأنت الكريم الرحيم الأرحم مني .. يا رب فأضحكني كما أضحكتهم .. يا رب فأضحكني كما أضحكتهم ) ،


قطع علي الدعاء طفل صغير جاءني يجري وهو يقول
( لمَ تنظر إلى السماء هكذا يا إياس ؟ ) ،
قلت له ( لأني أحمد الله أن جعلني آتي إليكم اليوم فأفرح معكم .. أتحفظ سورة الحمد ؟ ) ،
قال ( نعم ) ،

وقرأ أمامي سورة الفاتحة كاملة دون أي خطأ ، وبدون شعور اعتنقته وقبلته .. ثم تذكرتُ أنه بقي لدي هديتين ثنتين .. فقلت له : ( هذه هديّة لك لأنك تحفظ القرآن بشكل ممتاز .. وهذه الأخـرى أهدها أنت على أي صديق لك تريـد ) ،

ضحك فرحاً ثم قال ( خذها أنت .. أنت أحسن صديق ) .

خرجتُ من دار الأيتام وأنا أحمل نفسي حملاً من انكسار قلبي .. متماسكاً لأن لا تسح دموعي ، كنتُ طول الطريق إلى مقر عملي أدعو الله أن يتقبّل عملي وأن يرزقني ما أتمنّى .

دخلتُ مكتبي سريعاً رغبة مني أن لا أتلقي رؤى في أي مكان ، أشعر بهيبة لها خصوصاً بعد اتصال الأمس ، أنجزتُ عملي والبسمة تغشى محيّاي بشكل ملفت ولم يعهده أحد من الزملاء منذ شهور ، كان كل من مرّ في الممر ورآني من النافذة الزجاجية التي تطل على مكتبي لوّح بيده إليّ مسلماً مبتسماً ، ويأبى الفضولي - وهي كنية لأحد الموظفين - إلا أن يقتحم مكتبي مسلماً .. مرحباً .. ومباركاً ، يظن أني قد خطبت امـرأةً ما لذا أنا سعيـد ، صرفته بلطف - كالعادة مع الفضوليين - ولم أخبره شيئاً !

وهكذا مرت الأيام وأنا في انتظار الرد ، مضى أسبوع .. أسبوع ونصف .. بدأ القلق يتسرّب إلى قلبي ، ومع هذا كنتُ أوهم نفسي أنهم لولا موافقتهم المبدئية لما تأخروا كل هذا الوقت ، فلربما احتاجوا وقتاً أكبر ليتعرفوا علي بشكل أفضل .

مضى أسبوعان ولا ثمّة خبر .. اتصلت والدتي كثيراً بأم رؤى لكنها كانت مغلقة جوّالها ، فلم يكن من حلّ حينها إلا أن ترسل لها رسالة نصّية تستفسر فيها عن الأمر وماذا أتم فيه ، فكان الجواب سريعاً .. ومؤلماً ( الحمد لله على كل حال .. يبدو أنه لا يوجد نصيب .. رزقكم الله بخير منّا ) .

اتصلت أمي مباشرة بأم رؤى .. لست أدري ما دار بينهما من حديث تماماً ، لكن ما علمته كان كافياً لأن تسودّ الدنيا كله في وجهي وأن أذهل عن عقلي فأفقده مدة ليست بالقصيرة وأقوم بأعمال جنونية ، قالت لي أمي عن أم رؤى أن ابنتها هي من رفضت الزواج ، رغم أنها - يعني الأم - وأبوها موافقين على ذلك !

ريّان : وما الجنون الذي عملته ؟ كسّرت سيارتك مثلاً ؟ ضربت أمك ؟ مشيت عارياً على أسوأ تقدير !؟

إياس : جنون .. وجنون فقط ، انقطعت عن دوامي أسبوعاً و ...

T!to 09-12-2011 08:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نقاء الروح (المشاركة 4152393)
شكله كدا :d
باقي تقريبا 3 فصول غير فصلين النهاردة
هانت ;)، هي طويلة شويتين بس :romarioxp6:
جزانا واياكم
شكراً كثيراً :)

:d
يامسهل .. انا متشوق لنهايتها ..
هى سر طولها .. انها لا تترك حتى التفاصيل ..;)
لكن لولا جمال وتسلسل اللغة بطريقة رائعة ,, كانت هتبقى مملة ..:(
واياس ده فيلسوف فى قطع من الرواية .. وياريت بجد كل البنات تقرا القصة ده ..
لان اغلب الشباب المحترم تفكيرهم كده .. والغير محترم بيبقى عاوز الزوجة ده وبيدرو عليها اولا ..
وده طبعا مش اجتهاد منى ولا بناء على القصة .. ده اراء شباب انا زيهم و عايش مع مئات فيهم ..
يعنى بكرة بقى تنزلنا 3 فصول بالمرة :p
الف شكر بجد ..على القصة :)

T!to 09-12-2011 08:15 PM

ونسيت اقول ان اللغز الان فى عائلة (رؤى ) !!

رحييق 10-12-2011 08:27 AM

ما شاء الله
بجد قصة تحفه
شخصياتها مليحة ومهضومة وبجد إياس شخصية رائعة
والأجمل إرادته الغريبة مع كل اللي بيحصله
سبحان الله


انا بتابع لكن بنسى وارجع اقرا فصول جديدة احتاج للقراءة من البداية
انا أحب أقرأ القصة مرة واحدة . أنا قرأت أمس كل الفصول دي مرة واحدة
وكنت بتوقع أحداث كثيرة والحمد لله التوقعات كانت في محلها

حاولى بقى تنزلي الفصول الأخرة مرة واحدة

عايزة أتعلم من الشخصيات الصبر وقوة الإرادة خاصة إياس
وأحب أعرف صفات لينة وازاي ماقدرتش تنسي إياس كل اللي الآهات دي
بمعنى آخر قربها منه وكيف تتعامل معه
ولما هيتلم عنها هيذكرها كما ذكر ريان منال زوجته

للدرجة دي رؤى جميلة كدا في كل شيء
بس الأجمل إياس في ذوقه وحديثه وتفكيره وإرادته وقربه من ربنا
أنا اشتاقت أتعرف على الدكتور خالد والد رؤى


بجد قصة فيها عبر كثيرة جدا

ياريت فعلا كل البنات تقرأها زي ما قال الأستاذ طاهر
وياريت الشباب كمان





يالا يا نقاء شوفي أنا كتبت قد فصل من فصولك
المفروض بقى تنزلي الباقي مرة واحدة

وإلاااااااا !!!!!!!!!!!!!!




هقرأها برده بأي شكل طبعا
جزاك الله خيرا

رحييق 10-12-2011 08:41 AM

اقتباس:

ريّان : بصراحة يا إياس أتعجّب من هكذا صبرٍ وإصرار على نيل رؤى وأنت لم ترها من قبل قط ، ربما تجد في نفسك ميلاً لفتاة سمعت عن جمالها .. سمعت صوتها تتحدث متغنجة .. اممم شممت عطرها ففتنت بها ؛ لكني لا أجد أدني مبرر يمكن أن أتقبله في تبرير كل هذا التعلّق بفتاة لا تعرف عنها إلا ما حدّثتك أمك به عنها ومواقف حصلت في المكتب مرتين أو ثلاث .

إياس : هذا فيمن يريد الجسد يا ريّان ! ولست أريد جسداً ، أرى الجميلات الفاتنات الساحرات تفوح منهن رائحة العطور الآسرة يمشين بتغنج وتكسّر .. أرى الخصور الهيف والتمايل وإبداء المفاتن وكشف أعلى الصدر في المستشفى ؛ لكن ذلك لا يحرّك فيّ رغبة الزواج من إحداهنّ ولا مجرّد تفكير ، لست أريد دمى .. لست أريد أجساداً ملونة ، ربما سأعيش في لذة جسدية شهرين أو ثلاثة وربما امتد ذلك سنة لكني بعدها لن أبالي أنكحتُ امرأةٌ أم جداراً ، إنما أريد ما هو أسمى من لغة الأجساد .. أريد روحاً !

ريّان : روحاً ؟ وهل ستتزوج أمواتاً ؟

إياس : أريد روحاً تغشاني بسكينتها .. بابتسامتها الصادقة المخلصة التي لا تطلب من ورائها نفعاً سوى الحب ، أريد روحاً تملؤني تفائلاً إن أرهقتني صروف الزمان .. روحاً متجددة لي أراها كل يومٍ بملابس الأخلاق الساحرة .. روحاً تغمرني إيماناً بالله وتشجيعاً على الطاعة إن ضعفت أو تكاسلت .. روحاً تدفئني إن أقبلت إليها خائفاً وجلاً أنادي بها زملوني دثروني .. روحاً تريد روحي .. تريد روحي أنا .. تعانقها وتشبعها راحة وطمأنينة وأنساً وسروراً واستقرار وسعادة ، صدقني إن تعانقت الأرواح فلا عليها أتعانقت الأجساد أم تنافرت .

لن أتزوّج مواتاً ولا جثثاً هامدة ، لكني أراهنّ متأثرات بالمسلسلات ، يرين في الزوج شيئاً يُشبع في الفراش ويُشبع على مائدة الطعام ، ولو نقص المصروف ريالاً واحداً لحزمت الحقائب ونادت بصوت يسمعه من في بيت أهلها (اذهب لبيت أهلي ) ، ووالله لو قالت لي امرأة ذلك لما رددتها إليّ ولو توسّط لها من توسط .

لأجلك ذلك كنت أريد رؤى .. لا يهمني أكانت بيضاء أم سمراء .. ناعمة الشعر أو خشنته .. واسعة العين أو صغيرتها .. مليحة الثغر أو مكسورة الأسنان ، عندما تتلبس روحها بروحي سأراها ملكة جمال الدنيا ولن أقدّم عليها أحداً !


ريّان : تعيش في وهم .. كل الفتيات سواء .. طبخ وغسل ثم فراش آخر اليوم .. وهكذا ، لا أجد ميزة لإحداهنّ على أخرى إلا في ما تتخيله أنت عنهنّ ، دعك من الرومانسية التي لا نحسنها نحن العرب .


احوار دا جميل جدا
وشوفوا الاختلاف في تفكير الشخصيتين في الجزئية دي
!!!!
سبحان الله
ياريت كل الشباب والبنات يتعلموا منها

ياريت فعلاا يكون كل الشباب المحترم بيفكر كدا
مش أغلبهم فقط مثل ما قال الأستاذ طاهر


ممكن تضعي يا نقاء سؤال في النهاية
كل اللي يقرأ القصة يقول استفاد منها ايه ؟؟
ايه اللي اتعلمه وخرج به منها

دي وجهة نظر طبعا


لك أرق تحياتي وأعذبها
دمت كما تحبي

تقبلي حروفي

نقاء الروح 10-12-2011 11:02 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4153428)
:d
يامسهل .. انا متشوق لنهايتها ..
هى سر طولها .. انها لا تترك حتى التفاصيل ..;)
لكن لولا جمال وتسلسل اللغة بطريقة رائعة ,, كانت هتبقى مملة ..:(
واياس ده فيلسوف فى قطع من الرواية .. وياريت بجد كل البنات تقرا القصة ده ..
لان اغلب الشباب المحترم تفكيرهم كده .. والغير محترم بيبقى عاوز الزوجة ده وبيدرو عليها اولا ..
وده طبعا مش اجتهاد منى ولا بناء على القصة .. ده اراء شباب انا زيهم و عايش مع مئات فيهم ..
يعنى بكرة بقى تنزلنا 3 فصول بالمرة :p
الف شكر بجد ..على القصة :)

فعلاً اسلوب الكاتب رائع جداً
ودا ال خفف من طولها ،
وياريت الشباب كمان يقرأها
اياس شخصية جميلة جداً
بس هأجل كلامي عنه لتعليقي فاخر الرواية ان شاء الله

ههههه للاسف مش هينفع :p
الجزء الاخير طويل زي جزئين كدا
وكمان هخليه فيوم وحده لزوم الاكشن :cool:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة T!to (المشاركة 4153449)
ونسيت اقول ان اللغز الان فى عائلة (رؤى ) !!

فعلاً ..
بس ياترى هيتكشف ولا ..

قراءة ممتعة ان شاء الله
وجزاكم الله خيراً عالمتابعة :)

نقاء الروح 10-12-2011 11:07 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق (المشاركة 4154227)
ما شاء الله
بجد قصة تحفه
شخصياتها مليحة ومهضومة وبجد إياس شخصية رائعة
والأجمل إرادته الغريبة مع كل اللي بيحصله
سبحان الله


انا بتابع لكن بنسى وارجع اقرا فصول جديدة احتاج للقراءة من البداية
انا أحب أقرأ القصة مرة واحدة . أنا قرأت أمس كل الفصول دي مرة واحدة
وكنت بتوقع أحداث كثيرة والحمد لله التوقعات كانت في محلها

حاولى بقى تنزلي الفصول الأخرة مرة واحدة

عايزة أتعلم من الشخصيات الصبر وقوة الإرادة خاصة إياس
وأحب أعرف صفات لينة وازاي ماقدرتش تنسي إياس كل اللي الآهات دي
بمعنى آخر قربها منه وكيف تتعامل معه
ولما هيتلم عنها هيذكرها كما ذكر ريان منال زوجته

للدرجة دي رؤى جميلة كدا في كل شيء
بس الأجمل إياس في ذوقه وحديثه وتفكيره وإرادته وقربه من ربنا
أنا اشتاقت أتعرف على الدكتور خالد والد رؤى


بجد قصة فيها عبر كثيرة جدا

ياريت فعلا كل البنات تقرأها زي ما قال الأستاذ طاهر
وياريت الشباب كمان





يالا يا نقاء شوفي أنا كتبت قد فصل من فصولك
المفروض بقى تنزلي الباقي مرة واحدة

وإلاااااااا !!!!!!!!!!!!!!




هقرأها برده بأي شكل طبعا
جزاك الله خيرا

كلامك مضبوط يارحييق
وان شاء الله الفصول الجاية
تجاوب وتكشف كل حاجة جات على بالك

كان نفسي يارحييق
بس مش هينفع معلش :o
زي ماقولت لـ أ/ طاهر
الجزء الاخير طويل
وكمان لزوم الاكشن :cool:

شكراً جزيلاً لمرورك وتعليقك الرائع ياقمر
جزاكِ الله خيراً

نقاء الروح 10-12-2011 11:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق (المشاركة 4154237)
احوار دا جميل جدا
وشوفوا الاختلاف في تفكير الشخصيتين في الجزئية دي
!!!!
سبحان الله
ياريت كل الشباب والبنات يتعلموا منها

ياريت فعلاا يكون كل الشباب المحترم بيفكر كدا
مش أغلبهم فقط مثل ما قال الأستاذ طاهر


ممكن تضعي يا نقاء سؤال في النهاية
كل اللي يقرأ القصة يقول استفاد منها ايه ؟؟
ايه اللي اتعلمه وخرج به منها

دي وجهة نظر طبعا


لك أرق تحياتي وأعذبها
دمت كما تحبي

تقبلي حروفي

الجزء من الحوار دا
فعلاً اثر فيا وفيه جزء كمان هييجي فالفصول الاخيرة
هيوضح قد ايه اياس دا رائع ،

اوك تمام
هيبقى كويس جداً
انا كنت ناوية انزل تعليقي عليها بعد اخر جزء
بس هيكون أجمل ان الكل يكتب حاجة استفادها من الرواية
وهو المطلوب ،

ربنا يخليكِ ياقمر
ومرسي جداً عالمرور الرائع :)

نقاء الروح 10-12-2011 11:14 AM

الفصل الخامس عشر



إياس : جنون .. وجنون فقط ، انقطعت عن دوامي أسبوعاً وكذلك غبت عن جامعتي ، كثيراً ما أجلس في صالة البيت لأخرج عن جوّ غرفتي التعيس .. وكثيراً ما تخنقني العبرة فأقوم نحو غرفتي لأخرج ما في صدري ، أشعر بأن الدنيا كلها انطبقة عليّ فلا مهرب لي منها ، أحس أني أتنفّس من ثقب إبرة صغيرة .. بالكاد يكفي الهواء الداخل منها لأن يشفي حشرجات صدري الباكي .

صرتُ أخرج إلى الكورنيش لأسير فيه ، وما أكثر ما ابتعدت عن أعين الناس وجلست على أحد الصخرات المرصوفة على شاطيء البحر وبدأت أبكي ، دمع الرجل عزيز يا ريّان .. دمع الرجل ثمين .. الرجل لا يبكي إلا من عظيم يهزّ قلبه وروحه ، لم أكن أبكي لأن أمنية ما لم تتحقق لي فقط ؛ فهذا شيء اعتدناه في هذه الحياة ، كنت أبكي لشيئين اثنين ...

أبكي لأن رؤى هي من ردني .. هي من جرحني ، وكان السبب أنها " لا تريدني آنا " ، وماذا فيّ أنا ؟ بقدر ما وهبتها ساعات التفكير والحب والخيال .. تركلني بقدمها ؟ أهذه هي طبيعة المرأة التي يخلص لها في الحب حبيبها ؟ أيلزم أن يقسو الرجل على المرأة لتسكن إليه ؟ أيلزم أن يرتفع عنها لتهفو نحوه ؟

وأكبر من رد رؤى لي .. شعرت بحقارتي عند ربي ، شعرت بأنه غاضب عليّ ، شعرتُ بأني لا أستحق رحمته وكرمه وجوده ، شعرت بأن لدي معصية كبيرة جداً .. جداً منعت عني فضل ربي ، أنا مؤمن أكثر من أي شيء آخر أن رحمة ربي واسعة وأن ربي حكيم عليم .. ولذا .. ما كان ليمنع رحمته عني إلا من جرم فعلته .. جرم عظيم .. صرت أبكي وأستغفر ربي .. أناديه من قلبي .. ( ربِ لا أريدها .. ربِ أريدك أنت .. ربِ أنا تائب .. ربِ بصّرني بذنوبي .. ربِ اغفر لي ما علمته وما لم أعلمه ) .. أريد أن أعرف ذنبي .. لا لأنالها .. ولكن أستغفر منه .. لأستغفر منه وأتوب إلى ربي

اعتنق إياس المصحف الذي كان بيده مرة أخرى .. بقوة ، وشرع يبكي أمامي بكاء طفلٍ صغير ، يبكي ويجهش بالبكاء وصدره يهتز ويرجف حتى خفت أن يصيبه شيء من ذلك فابتدرته مفاتحاً له ..

ريّان : أهذا هو الجنون الذي تتحدث عنه ؟ هذا ليس جنوناً .. ما أسعدك إذا بدأتُ تنقب في أخطائك ولم تبتعد عن ربك ، نحتاج كثيراً إلى تفكيرك هذا يا أخي في تصحيح ما نقع فيه من أخطاء ورفع ما يُلمّ بنا من مصائب وكوارث !

بدأ يسكن من بكائه رويداً .. رويداً - وأنا أغبطه على حساسيته في شعوره نحو ربه - ، ثم رفع رأسه بعد أن هدأ قليلاً ونظر إليّ بعينيه الحمراوين الباكيتين ..

إياس : لم أنتهِ بعد .. لم أنتهِ ، ما رأيك لو عدنا إلي البيت لنتحدّث هناك فأنا أريد أن أريك شيئاً ؟

دخلنا شقته ثم قادني نحو مكتبه الذي توسّط مكتبته ، جلست على الكرسي بجانب الطاولة منتظراً له ، وتوجه هو نحو أحد رفوف مكتبته وسحب كتاباً طبيّا ضخماً كبيراً وأتى به ووضعه على الطاولة ، ما زلت أذكر شكل الكتاب الضحم الكبير والذي يُخيّل إليّ أن عدد صفحاته يتجاوز الألفي صفحة ، وسط الكتاب بيننا ثم فتحه من المنتصف وأخرج ورقتين ثنتين ، أخذ بكل يدٍ ورقة ورفعهما أمامي وقال بصوتٍ هادئ خافت بعد أن عقد حواجبه ...

إياس : هذا هو الجنون !

ريّان : لم أفهم ! ورقتين .. وردية ورصاصية .. ما علاقة الجنون بهاتين ؟

إياس : بعد أسبوع من غيابي من دون عذر .. عُدتُ إلى المكتب مرة أخرى ، وكثيراً ما كنتُ أفكّر بتلك التي لا يفصلني عنها إلا حاجز خشبي لو رميت عليه أحد الملفات المرصوفة فوق بعضها أمامي .. لتهشّم ، كنتُ أفكّر بها كثيراً .. في عملي وجامعتي .. وأكثر ما كانت تتداعي صورتها الخياليّة إلي وأنا أقرأ هذا الكتاب الضخم .. كنتُ أراها في كل صفحة منه حتى أني لربما أقضي في الصفحة الواحدة ساعة كاملة ، كان تفكيري بها مؤثراً كثيراً على إنتاجيتي وعملي وبادياً كذلك على صفحة وجهي ، فجاءني الفضولي - هو نفسه الأول ! - يسليّني ويُحدّثني ، وكان مما أخبرني به أن زميلنا في المكتب / سلمان خطب الأسبوع الماضي وأقام احتفالاً صغيراً في المكتب بهذه المناسبة في غيابي ، واشار إلى وقوع أحداث دراماتيكية في خطبته ، كان يريد الزواج من ابنة خالته التي كان يحبها مذ كان صغيراً فمنعه زوج خالته من ذلك بحجة أنها هي التي لا تريـد .. بينما الحقيقة أنه هو لا يريـد أن يزوّج ابنته من صحفيّ - كما يقول - ، وهنا لم يستسلم سلمان للأمر بل بحث عن طريقة حتى وصل إلى ابنة خالته واستفسر منه فإذا هي موافقة وإنما الرد كان من أبيها ، فبحث عن من يتوسّط له عنده .. وفعلاً تمت الخطبة !

ريّان : صاحبك هذا فضولي ملقوف درجة أولى !!

إياس : جاءني إبليس - نعوذ بالله منه - وقال لي .. ولمَ لا تفعل ما فعله سلمان ؟ بدأت أفكّر جدياً خصوصاً وأنه لا يلزمني ركوب مشاق للوصول إلى رؤى .. فهي هاهنا بجانبي ، وأيضاً هذا ينفي عني الشكوك في كونها من رفضني وردّني ويجعلني أكرهها ويقلب حبها في قلبي بغضاً .. ربما ، بداية استصعبتُ ذلك ورأيته فعلاً مشيناً فما عند الله من الفضل والخير والبركة والنعيم لا يُنال بسخه وغضبه ، لكني استمرأتُ ذلك مع تكرار التفكير وتزيين الشيطان لي ذلك العمل ، ولله در ابن القيم إذ يقول ( دافع الخطرة ..فإن لم تفعل صارت فكرة .. فإن لم تفعل صارت همّاً وإرادة .. فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً .. فإن لم تفعل صار عادة وسجية ! ) .

ريّان : هنا الجنون بعينه .. وماذا فعلت !!؟

إياس : بلاوي !!

نقاء الروح 10-12-2011 11:18 AM

الفصل السادس عشر



إياس : آهـ من تلك الأيام .. أرجو الله أن يعفو عني ويغفر لي ، فقد كنت حينها مجنوناً حقاً لا أدرك مالذي أفعله ، كنت واقعاً تحت ضغط نفسيٍ رهيب أفقدني صوابي .. أفقدني حسن التدبير .. أفقدني فهم حقيقة ما أفعله إن كان صحيحاً أو خاطئاً ، وما أكثر ما نعيش تحت الضغوط ونعيش في دوّاماتها التي تفسد بوصلة اتجاهاتنا وتجعلنا نسير من غير هدى .. دون وعي .. ولا أدنى استشراف للمستقبل ، كم كنتُ اتمنى لو أنني خرجتُ من المكتب مبتعداً عن ضغط الحب الذي أعماني لأفكّر في الأمور وأقيّمها بشكل صحيح بدل أن أجاري التيار في نفسي والذي لم يترك لك فسحة لأن أفكر بغير الحب ( ! ) ، تعلمتُ من تلك الأيام أن أبتعدَ دوماً عن مركز التأثير النفسي قبل اتخاذ قراراتي حتى لا أصاب بالعمى فأقدم على أمور أدرك لاحقاً أنها خاطئة .. بل هي محض جنون !

ريّان : ألمس من حديثك ندمك على محبة " رؤى " ...!؟

إياس : حب رؤى ؟ هـه ! لم أندم علي محبتي لتلك الإنسانة يوماً ، لكني ندمتُ على الذي أسرفت به نفسي باسم " حب رؤى " ، فضيّعت حقوقاً وارتكبتُ أخطاءاً ودمّرتُ حياتي وجرحتُ كبريائي وشوّهت صورتي .. وآذيتُ رؤى !

ريّان : طيب ومالذي قمتَ به ؟ يبدو فظيعاً !

إياس : ألا ألتمس منك العذر بأن تقيلني عن أن أخبرك إبقاءاً على كبريائي وصورتي عندك ؟

ريّان : صورتك عندي ؟ كلنا نرتكب الأخطاء يا إياس ، من منّا ذاك الذي لم يرتكب خطاً ؟ المهم هو تصحيح المسار بعد الانحـراف وأن لا يبقى الإنسان مداوماً على نفس الخطأ الذي ارتكبه سابقاً ، أن لا يبقى أسيراً له .. فكلما أراد الخروج من مستنقع الخطأ إلى واحة الراحة والطمأنينة .. تذكّر أن ثيابه نتنة وجسده متسخ بالأوحال .. فيعود مرة أخرى وكله يأس إلى ما كان يفعله سابقاً ، هاه .. ستكمل أم ستكمل ؟

إياس : الله المستعان .. لمّا أخبرني سلمانُ بما أخبرني به ؛ بدأت أفكّر بطريقة جدّية بأن أتواصل مع رؤى بأي وسيلة كانت وأرى إن كان ثمة موانع تمنع من إتمام ما أريده ، فكثير من الزيجات توأد من البداية عند وجود بعض العراقيل أو الغموض عن أحد الأطراف ، خشيت أن يكون هناك سرٌ ما في ذهنها ولذا أقدمت لأن أكتشفه ، بقيت أفكّر لأسبوع متردداً أأقدم أم أحجم .. ولو أقدمت .. فما هي الطريقة الأكثر قبولاً .. وهل ستقبل هي تصرفي هذا أم لا .. إلخ من الأسئلة .

أتصوّر أنك تفكّر الآن بنفس ما كان يفكّر أهلي به يوماً ، وهو : ما هذه الثقة لديك بأنها ستوافق ؟ ما الثقة التي لديك بأنك ستتزوجها ؟ ولا أخفيك أني كنت أسأل نفسي كثيراً أسئلة من هذا النوع ، فأقنع نفسي أني دعوت الله كثيراً .. وأنا أثق بالله .. ومهما كان من عراقيل فسيستجيب الله دعائي .. كل ما عليّ أن لا أتعجل في طلب استجابة دعائي .

ريّان : يا إياس .. لا تناور مبتعداً .. ما الذي فعلته ؟

إياس : ذات ليلة .. بقيت في المكتب وتأخرتُ عن الانصراف ، صحيح أن أنجزتُ أعمالي لكني بقيتُ أفكرّ في وسيلة أتواصل فيها مع رؤى ، وبينما أنا كذلك إذ سمعتُ صوت الباب يُغلق من المكتب المجاور ، فرفعتُ رأسي وأنا على مكتبي لأنظر من خلال الزجاجة الصغيرة المجودة طرف الباب فإذا رؤى خارجة .. والتقت عيني بعينيها وهي تنظر إلى مكتبي في لمحة عابرة !

استعذت بالله وصرفتُ نظري سريعاً وكانت قد ولّت وذهبت ، جاءني الشيطان مستعيناً بنفسي الأمّارة بالسوء ليُزينا لي أمراً محرماً ، حيث صرتُ أشعر باللوم والتأنيب مما جرى - رغم كونه عابراً - ، كنتُ أشعر وكأن أحداً ما يُحدثني .. ( أما تخاف الله ؟ كيف تنظر إلى امرأة أجنبية لا تحل لك ؟ وكيف تفكّر أن تكلّمها ؟ لا .. لا .. يجب أن تبحث عن أمرٍ مباح تستخدمه .. وأنت نيتك الخير والزواج .. وليست تنوي فعل الحرام .. ولذا ما رأيك لو كتبت لها ورقة صغيرة وتذكر فيها ما تريد .. في هذه الحالة لن تكلمها .. لن تسمع صوتها .. لم تراها .. ولن تشم عطرها لو كانت متعطرة .. ولن تخلو بها أيضاً ! .. كل ما في الأمر ورقة .. مجرد ورقة .. ألست تقرأ لها في المجلة الأسبوعية ؟ أليست هي تقرأ لك أيضاً ؟ ما المانع إذاً لو أرسلت لها ؟ ولا تدري .. ربما يوفقك الله للزواج منها فيرزقكما الله ذرية صالحة ترفع راية الإسلام عالياً ! )

ريّان : هذا شيطان محنّك يذكّرني ببعض الكتاب ممن يزينون المنكرات .

إياس : جلستُ في مكتبي حتى منتصف الليل متظاهراً أني أنهي أعمالي حتى خرج معظم من في قسمنا من موظفي الشركة ، أخرجتُ ورقة من درجي وبدأتُ أكتب .. تحية وسلام .. ثم إظهار لاستحيائي من مراسلة فتاة .. ثم ثناء على عملها .. ثم التماس لأن تعيد النظر في موضوع ردها لي وعدم قبولها بي زوجاً ، كتبت كل ذلك بأسلوب رصين وجادٍ ليس فيه أي تمايع أو لين ، بعد ذلك ثنيتُ الورقة ووضعتها في مظروف ، ثم تسللت إلى مكتبها بخفّة ووضعتها في درجها الأوّل لتقرأها في الصباح .

خرجتُ وقلبي ينبض بين زوايا تلك الورقة ، كنتُ آمل أن تُحـدث فرقاً أو تسرّني بنتيجة إيجابية ، أشغلني التفكير بها في كل وقت .. كيف ستتقبلها ؟ هل ستقرؤها ؟ ماذا ستكون نظرتها لي ؟ هل ستكرهني ؟ هل .. هل .. هل ؟؟؟ لم أتناول طعاماً ولا شراباً في ذلك .. إي وربي .. قلقي كان مذهلاً لي عن أي شيء ، كنت أنتظر عقارب الساعة أن تتحرك .. كنت أرقبها أن تلدغ موعد ذهابي ليصرخ بي أن أسرع وانظر ماذا جرى !

ذهبت ُ مبكراً للعمل ولم أنتظر عقاربي .. كنت آملُ أن أنهي أعمالي سريعاً حتى أخرج من مكتبي سريعاً لتتمكن رؤى إن أرادت أن ترد عليّ من وضع ما ستكتبه ، وقد حصل أن خرجتُ سريعاً حقاً ثم انتحيت بسيارتي نحو إحدى النواحي ونمتُ بها منتظراً نصف الليل والجوع والقلق قد فعلا بي الأفاعيل .

ولمّا تأكدتُ أن الجميع قد ذهب عُدتُ إلى مكتبي كلي أمل وشوق لحرف ستخطّه رؤى .. لكنها لم تفعل ، أصبتُ بصدمة وألم .. ليس فقط من عدم ردها .. بل لخشيتي أن ما فعلته ربما أسقطني من عينها وبغّضني إليها فهي فتاة صالحة طاهرة تقيّة نقيّة عفيفة لا تحسن التعامل مع تلك السخافات .. وتحتقرها ، لكني - رغم ظني - ظللت أسلّي نفسي وأرقب ردها أسبوعاً ، فلربما أرادت أن تفكر في الموضوع ملياً .

نقاء الروح 10-12-2011 11:22 AM


بعد أسبوع .. كررت المحاولة مرة أخرى .. خصوصاً بعد أن سقط الكثير من الحاجز النفسي الذي كان يمنعني مما أقوم به ، كتبت لها هذه المرة بعض مشاعري .. صدق أو لا تصدّق .. كتبت لها شعراً .. ترجيّتها .. قدّمت لها كل ما تريد .. طلبت منها أن تشترط عليّ أي شيء وأنا موافق على أي شيء .. تريد تركي للطب ؟ تريد سفري لمدينة أخرى ؟ تريد أن أتخصص بتخصص معين ؟ تريد معيشة معينة ؟ تخشى من كوني طالباً ؟ أجبتها عن كل تلك الأسئلة وأني رهن إشارتها ، وأني أمتلك مالاً كافياً لي أنا يكفيني لأن أعيش ست سنوات دون عمل .. لعلها أن توافق .. أو حتى أن ترد .. لكنها لم تفعل !!

بقيت أرسل لها كل ثلاثة أو أربعة أيام بنفس الطريقة الأولى علّ قلبها أن يلين فتجيبني ، لكنها لم تكن تفعل ، وبقدر الألم الذي سببه لي تجاهلها لي .. إلا أنها كبرت في عيني كثيراً ، أحببتها أكثر وأكثر .. أحببت طهرها ونقاءها وصفاءها .

ريّان : كم مرة أرسلت لها يا إياس ؟

إياس : كثيراً .. كثيراً .. ربما اثني عشر أو ثلاثة عشر مرة .. كلها بنفس الفكرة ونفس الترجي والاستجداء ، كنتُ أطلب منها على الأقل أن ترُد بالرفض فقط ليطمئنّ قلبي فلا ألوم نفسي لاحقاً كوني لم أوفر سبباً ولا باباً لنيلها إلا طرقته .

وذات ليلة ... وفي منتصفها .. بعد أن فرغ قسمنا من موظفيه ، أخرجتُ قلمي لأكتب لها كما كنت كما أكتب سابقاً ، لكني الكلمات استعصت علي هذه المرّة .. في مقابل خيانة من عيني التي استرسلت هذه المرّة تسبل دمعها ثراً ، كنت رغم ما أفعله أشعر بتأنيب ضميرٍ أسكته باستمرار بالأماني الكاذبة التي أحلم بها ، لكن ضميري هذه المرة استيقظ .. بعد أن عصيتُ ربي .. وأفسدتُ صورتي .. وارتكبتُ الأخطاء تلو الأخطاء .

أقفلت أضواء مكتبي وخرجتُ محزوناً متجهاً نحو سيارتي ،أول ما ركبتها بحثتُ عن أي شريط قرآن .. كنت أشعر بوحشة في قلبي .. ولن يطمئن إلا بذكر الله .. وليس ثمة أفضل ذكر من كلام الله .. من القرآن ، انطلقتُ عبر شوارع مدينتي النائمة نحو البيت ، وفي طريقي كنت أستمتع بسياط الآيات وهي تجلد قلبي العاصي الذي فرّط في جانب ربّه وأراد أن يأتي البيوت من غير أبوابها .. شعرتُ بوقاحة ما فعلته .. شعرتُ بسوء ما اقترفته .. نعم .. لقد استيقظتُ من غفلتي !

دخلتُ غرفتي .. استلقيتُ على سريري وشرعتُ أبكي .. أبكي .. لم أتصوّر نفسي يوماً قليل أدبٍ وسيء خلق ! لم أتصوّر نفسي يوماً ملاحقاً لفتاة ومعاكساً لها ! لم أتصوّر أن حافظ القرآن الذي عاش في بيت مؤمن .. الذي تعرّض لكثير من المشاكل والمضايقات بسبب تمسّكه بدينه .. قد صار عديم غيرة على أعراض المسلمين .

وبعد أن أخرج دمعي كل ما في قلبي .. جلستُ على المكتب في غرفتي وكتبت خطابين ، الأول كان خطاب استقالة من العمل سأقدمه إلى مدير الشركة غداً - إن شاء الله - ، والخطاب الثاني .. وهو هذا الذي نسخته في يدك .. قررت أن أرسله إلى رؤى .. ولكني لن أقتحم هذه المرة مكتبها ولن أقترب منها .. حيث أرسلته لها عبر البريد .. تفضل .. اقرأهُ .

ريّان : حسناً ، تقولُ في الرسالة ..

السلام عليكم ورحمة الله أختي الكريمة

أرسلها لكم أخيرة وكلي حياء ..

فقط .. أود أن أعتذر عن كل إزعاج سببته ، ربما جرحتكم وآذيتكم وأقلقتكم فاعذروني يا أخيّة ، عسى الله أن يتقبّل ما أدعو به لكم ، لقد كنتم أرقى مني سلوكاً وأدباً زادكم الله من فضله ، تصرفت معكم بسوء وبما لا يليق ، لكنكم واجهتموني باحترام أكبره فيكم ..

كنت كمثل النائم أو المجنون الذي لا يـدري ماذا يفعل ، استيقظت على أفعال سيئة قمت بها ، دمعي يا أختي يغطي وجهي وأنا أكتب لك الآن .. وخذيها مني يا رؤى .. أنتي راقية حقاً !

تمنيتك .. وزادت رغبتي لحبي لأبيك وشخصيته ، حتى إن أمي تشبهني به أحياناً ، لكني بعد ذلك ملتُ عن والدك إليك وصرت أريدك أنتِ لذاتك ، ربما .. سأكتب قصة يوماً عن كيف انقدت إليك ، وأني لم أعرف أنك رؤى خالد التي معي في العمل إلا في رمضان الماضي !!

رغم انقيادي .. تمنعت عليّ تكراراً .. أهديتك قلبي لكنك رددته .. ربما قدر الله أني لا أستحقك .. فأنت أعلى مني قدراً ..

أخيراً ..
أردت أن أنقطع عن العمل في الأيام القادمة وربما لا أعود أبداً ، فأحببت أن أودعك يا أختي وأتحلل مما سببته لك ، آسف يا رؤى بقدر الدموع التي تهلّ من عيني ، أعتذر منك بصدق .. سامحني يا أخيّة ، والله لا أدري .. أما في قلبي من حزن هو لفراقك أم لأني آذيتك !!!

سأفرح ..
ربما أطير فرحاً لو جاءني يوماً خبر أنك غيّرت رأيك .. صدقيني ربما أموت فرحاً ، ولكن مهما يكن .. فأنت الدرة في عيني ما بقيتُ !!

انتبهي على نفسك .. الله الله في دينك وعلاقتك بربك .. أرجو أن أكون صفحة بيضاء في كتابك .. تذكريني بالخير يا رؤى وادعي لي .. ادعي لي بأن أنجح هذه السنة .. فدرجاتي سيئة جداً مما كنت أجده في نفسي .. أسأل الله أن يحفظك .. ويسترك .. ويسعدك .. أسأل الله أن يحقق أمانيك ..

يا رب ..
إن أمتك هذه سترتني وعفت عن خطأي نحوها ولم تفضحني رغم إساءتي لها ولو أرادت أن تفعل لفعلت ، اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها ..


في حفظ الله يا أختي ..
إياس !


نقاء الروح 10-12-2011 11:30 AM


إياس : في صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى مكتب البريد وأرسلته إلى عنوان عملنا باسم ( رؤى خالد ) ، وأيضاً ذهبتُ إلى مقر العمل صباحاً أيضاً بخلاف المعتاد وهو دوامي المسائي .. وقدّمت استقالتي من العمل إلى مدير المؤسسة ثم عُدتُ إلى البيت ،

استقبلتني أمي وأنا عائد من جولتي السريعة هذه ، وهي تُزغرد ووجهها يتطاير منه الفرح في كل اتجاه ... تقول ...

أم إياس : أينك يا ولدي ؟ تأخرت البارحة في العودة إلى البيت ، أبشرك .. البارحة اتصل بي أهل خطيبتك يبدون موافقتهم عليك ويرحبون بك زوجاً لابنتهم ، أتصدق .. هؤلاء من ينبغي أن نفرح بمناسبتهم ليس غيرهم .

إياس : خطيبة ؟ وافقوا ؟ عن ماذا تتحدثين يا أمي !؟

أم إياس : ألم تفوضني تفويضاً كاملاً بعد اتصالي الأخير بأم رؤى قبل أشهر بأن أخطب لك تلك الفتاة التي حدثتك عنها ؟ كنت طول الفترة الماضية أستزيد من السؤال عنها وأستخير ربي لنا دون أن أخبرك ، ثم اتصلت بهم أمس ظهراً خاطبة ابنتهم لك فلم يمهلوني ولا حتى عشر دقائق إلا وردوا المكالمة موافقين يرضونك زوجاً لابنتهم !

إياس : ما شاء الله ...

أم إياس : اسمها لينة .. طالبة في السنة الثالثة في كلية العلوم .. ذات دين وخلق وعقل راجح .. حافظة للقرآن .. متفوقة في دراستها .. جميلة جمالاً ساحراً .. كل من حولها في مجتمعها يحبها .. ماذا تريد أكثر ؟

إياس : غشاني صداع فظيع كِدتُ أن أسقط من فرطه على الأرض ، ابتسمتُ مجاملة في وجه أمي شاكراً ثم رميت نفسي بأقوى ما أستطيع على إحدى الكراسي الموجودة في صالة البيت .. وأنا أتعجب من تسارع الأحداث هكذا ، ذهلتُ ودهشتُ مما فعلته أمي بي ومثله من قبول أهل لينة السريع ، تناولت الصحيفة اليومية الملقاة على بجانبي وبدأت أقرأ الأخبار متشاغلاً علّ الصداع الذي استولى على رأسي أن يخف قليلاً .

تريد الحقيقة ؟ لم أعد أستوعب أنني خطبت وأن أهل المخطوبة موافقون وأنهم معجبون بي ، ما زلتُ أعيش وهماً اسمه " رؤى " ، لم تخرج رؤى من ذاكرتي بعد ، ما زلت معششة في رأسي مستولية على عرش قلبي وليس لأحد أن يداني منزلتها .

مرّ اليوم كأي يومٍ من أيامي .. إلا أني لم أذهب إلى العمل الذي استقلت منه ، وكنتُ قد أضمرتُ في نفسي أن أذهب إلى مكتبي آخر الليل لألملم أوراقي وأجمع أغراضي بعد ذهاب الموظفين ، وهذا ما حدث .. فبعد تناولي للعشاء صعدتُ إلى غرفتي ولبستُ ثيابي ثم خرجتُ متخفياً من باب المطبخ كي لا يراني أيّ من والديّ خارجاً .

سرتُ والأيام الخوالي تتبارى في خيالي أيها يستدعي نفسه أولاً .. ليجرحني أولاً ، الأحلام والخيالات والأماني والدعوات تضطرم محترقة في رأسي .. كلها من الماضي ، أسير وأتأمل المدينة والناس نيام .. كانت عيني تهلّ ببعض الدمعات وأنا أذكر الله وأستغفر مما كنت أفعل .. أدعو الله أن يلطف بقلبي الذي ما يزال يحبها .. أسأله أن يرحمني ويجبر انكساري .. آه من أيام السهر تلك التي كنت أتقلب فيها على فراشي مستحضراً ما سأفعله معها من ضحكات ونزهات وسفرات .. من آلام وآمال ستنغص علينا حياتنا .. كنت .. وكنت .. وإلى أنت وصلت إلى المبنى !

ترجلتُ ودخلتُ وتوجّهت إلى مكتبي ، استثارني الضوء المنبعث من مكتب رؤى وأنا أسير في الممر ، اقتربت وأنصتُ فإذا بي أسمعها وهي تبكي .. لا تتكلم .. كانت تبكي فقط ، تألمتُ لحالها كثيراً وبقيتُ هكذا متلصصاً عليها وقد رابني أن تكون بسوء ، وفجأة .. أسمع وقع خطواتها متجهة نحو الباب ، جريتُ سريعاً نحو مكتبي واختبأتُ تحت الطاولة ، فتحت باب مكتبي ودخلت بكامل حجابها وسترها .. وأثناء دخولها رنّ هاتفها .. فأجابت ( حـالاً حالاً يا أبي .. دقيقة فقط وآتيك ) ، تسمرتُ مكاني خشية أن تعلم بي وعندها ستحدث مشكلة ، لم تمضِ ثوانٍ حتى خرجت وأنا أسمع لها نشيجاً .

انتظرت لدقائق حتى أتيقن خروجها من المبنى ثم جلستُ على الكرسي وأوقدت الأضواء ، فإذا هي قد وضعت على طاولتي مظروفاً صغيراً ، استعجلتُ كلّي إليه لأفتحه ، فإذا هو يحوي هذه الرسالة التي بيدي !

ريّان : عجيب .. عجيب .. إذاً ردت عليك في آخر الآمر ! ماذا كتبت فيها ؟

إياس : كتبت لي في ذلك المظروف ...

أجبرتني على الرد حتى أريح قلبي براحة قلبك ..
لعلها الأولى والأخيرة ..

ليتك لم تعتذر .. فمن تقرأ له الآن هو من كان يجب عليه الاعتذار عن كل ألم وهم وضيق سببه لك ،اعلم يا إياس أني لم أعب عليك شي مما مضى ، كنت أشعر بما تشعر به ، وكنت كلما رأيت كتاباتك ؛ تزداد حرارة دعائي وبكائي لك !

إياس .. والله إني أحبك ، ومنزلتك الرفيعة عندي لم تتغير ولن تتغير ،أدعو لك في كل ليلة .. وبين آذان وإقامة .. وأتحيّن قطرات المطر .. وفي وقت رجوعي من العمل ، حيث لا أحد معي في السيارة .. أسبح في دعوات أسأل الله أن يتقبلها ، امتحاناتك .. ومذاكرتك كانت أحد همومي ، صدقات تصدقتها نويتها لك ، مفكرتي .. دفتري .. يحملان الكثير الكثير لكني أخفيها .

اعلم يا إياس علماً يقينيـاً .. إن كتبك الله لي ستأتي رغم كل مانراه عائقاً بمنظورنا نحن البشر ، وإن لم تكن أنت .. فمهما فعلت لن يجدي ، رزقك لن يأخذه أحدٌ غيرك ، ولن تأخذ رزق غيرك ، هذا ما كنتُ أؤمن به في الفترة الماضية ، لذا فعلت ما بوسعي واستسلمت تمااااماً للقدر .

وفي النهاية ..أشكرك على كل شي .. على كل نبضة قلب أهديتها .. على كل حرف كتبته .. على حسن ظنك العظيم العظيم فيّ !

اسمع لتمتمات قلبي ورددها معي :
رب عجل بخير القضاء ..
رب انزع حبي من قلبه إن كنت تعلم في سابق علمك اني لست له ..
الآن وفوررررررررراً !
رب انزع كل ميل له إن كنت تعلم في سابق علمك أنه ليس الشخص الذي اخترته لي ..
الآن وفوررررررررراً !

رب عوضه خيراً مني إلم أكن له، أسعد حياته بفتاة تملأ حياته رضا وسرور ، واجعله ينساني إلى الأبد ، رب عوضه بفتاة تجمع ميزات رآها بي - حسن ظن منه - ، و لا تجعل فيها من عيوبي التي أعلمها شي .

يارؤوف ارأف بقلبين سلما لك الأمر كله ، استسلما وعلما أنه مهما كان و مهما سيكون هو الخير بعينه ، والشر بغيره ومهما فعلا و قالا ، فدعاؤهما سيسّير القدر لما فيه خيرٌ لهما .. ثقة بك .. ونِعم بك ، وأن ماكُتب سيقع .. مهما كانت الظروف !

ربي تعلم مافي نفسيهما ... تعلم طبيعتهما وما يصلح لهما ... فاكتب الخير حيث كان ورضهما به !

أرجوك .. انتبه لدراستك وأشغل نفسك بها ، لا تنقطع عن العمل في المجلة إلى الأبد فالعمل الإعلامي يحتاجك ،أرجو أن تطمأنني على نفسك بعد هذه الرسالة ولو بحضور عابرٍ لك في المجلّة ، لم أستطع النوم بعد رسالتك !!

سامحني سامحني عن كل شيء فهذا آخر شيء بيننا ، إلى اللقاء يا إياس .. وإن لم يكتب في هذه الدنيا ؛ ففي الجنة المتلقى بإذن رب إياس ورؤى .

والله لا أعلم هل ما كتبته لك يرضاه ربي أم لا ؟ فالشيطان يقول لي .. هو ليس رجلاً أجنبياً أجنبياً ، إنما هو خاطب أجنبي .. لكن لعلها الأخيرة ... و خبايا القدر لايعلمها إلا الله !

نبض وفاء لك مادام نبضي لم يقف ...
رؤى ،

ريّان : يا أخي هذه لعّابة .. تريد أن تعلقك بها ولكن لا تريد أن تتزوج بك .

إياس : دعك من كونها لعّابة أو غير لعّابة ؛ لمّا قرأتُ أحرفها ما تمالكتُ نفسي إلا أن سجدتُ شُكراً لله ، أحسست بأن الأمل عاد من جديد ، وأن زواجي من رؤى بات غير مستحيل الآن ، فهي - إن شاء الله - لن تمانع لو تقدمت لأبيها بنفسي .

ريّان : تتقدم لأبيها ؟ يا رجل أمك خطبت لك فتاة أخرى !

إياس : أعلم .. وهذا ما جعلني أتعجل أمر خطبتها مرة ثالثة ، وجعلني لا أنام تلك الليلة منتظراً أذان الفجر لأظفر بأول خيط من الخيوط التي ستقودني إلى رؤى وأبيها ، حيث قررت أن أصلي الفجر في مسجد الدكتور ( مراد ) لأحصل منه على مكان عيادة الدكتور خالد وأوقات تواجده فيها .. ورقم جوّاله أيضاً .

ريّان : اسمح لي أن أقول بأنك متهوّر يا إياس .

إياس : ربما .. ولكني حصلت على ما أريد !




جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:50 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.