![]() |
الأربعون النووية
الأربعون النووية هو كتاب يضم اثنان وأربعين حديث نبوي للإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. يقدم هذا الكتاب بعض أهم أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مجرد نموذج من حكمته صلى الله عليه وسلم يأتي إلينا عبر القرون ليهدينا إلى نواحي كثيرة مما يجب أن تكون عليه حياة المسلم. و ينبغي على كل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من جميع الطاعات والمهمات. عندما سئل الإمام النووي عن سبب جمعه للأربعين النووية قال: من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة، رضي الله عن قاصديها. و قدرايت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي اربعون حديثاً مشتملةً على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأنه مدار الإسلام عليه، أو يصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك. ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي بخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها، إن شاء الله. |
|
|
(الأول): الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وهي باقية إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح في قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « لا هجرة بعد الفتح ». هي القصد إلى رسول الله صلى عليه وسلم حيث كان. (الثاني): الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُ فيها السلف. (الثالث): الخروج من أرض يغلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم. (الرابع): الفرار من الأذية في البدن، وذلك فضل من الله تعالى أرخص فيه، فإذا خشي على نفسه في مكان فقد أذن الله تعالى له في الخروج عنه، والفرار بنفسه يخلصها من ذلك المحذور، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام حيث خاف من قومه فقال: {إٍنًّي مُهَاجِر ُ إِلى رَبًّي } [العنكبوت: 26]. وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفَاَ يَتَرَقَّب ُ} [القصص: 21]. (الخامس): الخروج خوف المرض في البلاد الوخمة، إلى الأرض النزهة، وقد أذن http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png للعرنيين في ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج. (السادس) الخروج خوفاً من الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه. وأما قسم الطلب، فإنه ينقسم إلى عشرة: طلب دين وطلب دنيا، وطلب الدين ينقسم إلى تسعة أنواع: (الأول) سفر العبرة قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيْروُا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذينَ مِنْ قَبْلهِم } [الروم: 9]. وقد طاف ذو القرنين في الدنيا ليرى عجائبها. (الثاني): سفر الحج. (الثالث): سفر الجهاد. (الرابع): سفر العبرة المعاش. (الخامس): سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وهو جائز لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلْيكُمْ جُنَاحُ أَنْ تَبْتغُوا فَضْلاً مِنْ رَبَّكم } [البقرة: 198]. (السادس): طلب العلم. (السابع): قصد البقاع الشريفة، قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ». (الثامن): قصد الثغور للرباط بها. (التاسع): زيارة الإخوان في الله تعالى، قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « زار رجل أخاً له في قرية، فأرسل الله ملكاً على مدرجته. فقال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تؤديها قال: لا، إلا أنني أحبه في الله تعالى قال: فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته ». رواه مسلم. وغيره. الثالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ليتعلموا الشرائع ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم. الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ثم يرجع إلى قومه. الخامسة: الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فلا يحل للمسلم الإقامة بدار الكفر، قال الماوردي: فإن صار له بها أهل وعشيرة، وأمكنة إظهار دينه، لم يجز له أن يهاجر، لأن المكان الذي هو فيه قدر دار إسلام. السادسة: هجرة المسلم أخاه فوق ثلاثة، بغير سبب شرعي، وهي مكروهة في الثلاثة، وفيما زاد حرام إلا لضرورة. السابعة: هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها قال تعالى {واهْجُرُوهُنَّ فِي اَلمَضَاجِع ِ} [ النساء: 34]. ومن ذلك هجرة أهل المعاصي في المكان، والكلام، وجواب السلام وابتداؤه. الثامنة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي أعم الهجر. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله »: أي نية وقصداً فهجرته إلى الله ورسوله حكماً وشرعاً. « ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها.. الخ » نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فسمي مهاجر أم قيس. فإن قيل النكاح من مطلوبات الشرع فْلمَ كان من مطلوبات الدنيا؟ قيل في الجواب: إنه لم يخرج في الظاهر لها، وإنما خرج في الظاهر للهجرة، فلما أبطن خلاف ما أظهر استحق العتاب واللوم، وقيس بذلك من خرج في الصورة الظاهرة لطلب الحج وقصد التجارة وكذلك الخروج لطلب العلم إذا قصد به حصول رياسة أو ولاية. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « فهجرته إلى ما هاجر إليه » يقتضي أنه لا ثواب لمن قصد بالحج التجارة والزيارة، وينبغي حمل الحديث على ما إذا كان المحرك الباعث له على الحج إنما هو التجارة، فإن كان الباعث له الحج فله الثواب، والتجارة تبع له إلا أنه ناقص الأجر عمن أخرج نفسه للحج، وإن كان الباعث له كليهما فيحتمل حصول الثواب لأن هجرته لم تتمخص للدنيا، ويحتمل خلافه لأنه قد خلط عمل الآخرة بعمل الدنيا، لكن الحديث رتب فيه الحكم على القصد المجرد، فأما من قصدهما لم يصدق عليه أنه قصد الدنيا فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم. |
|
الحديث الثاني عن عمر (رضي الله عنه) أيضاً قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام؟! فقال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً"، قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ثم انطلق. فلبثت ملياً، ثم قال: "يا عمر أ تدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: أخبرني عن الإيمان: الإيمان في اللغة: هو مطلق التصديق، وفي الشرع: عبارة عن تصديق خاص، وهو التصديق بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. وأما الإسلام فهو عبارة عن فعل الواجبات، وهو الانقياد إلى عمل الظاهر. قد غاير الله تعالى بين الإيمان والإسلام كما في الحديث، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤِْمُنوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } [الحجرات: 14].وذلك أنَّ المنافقين كانوا يصلون ويصومون ويتصدقون، وبقلوبهم ينكرون، فلما ادَّعوا الإيمان كذَّبَهم الله تعالى في دعواهم الإيمان لإنكارهم بالقلوب، وصدقهم في دعوى الإسلام لتعاطيهم إياه. وقال الله تعالى: {إِذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يعلمُ إنَّك لرسولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إنَّ المنافقينَ لكَاذبون َ} [المنافقون: 1]. أي في دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة قلوبهم، لأن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم، وشرط الشهادة بالرسالة: أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم بَّين الله تعالى كذبهم، ولما كان الإيمان شرطاً في صحة الإسلام استثنى الله تعالى من المؤمنين المسلمين قال الله تعالى: { فأخرجْنا مَنْ كَانَ فيها مِنَ المؤمنينَ فما وَجَدْنَا فيها غير بَيْتٍ مِنَ المسِْلمِينَ } [الذاريات: 35- 36] فهذا استثناء متصل لما بين الشروط من الاتصال ولهذا سمى الله تعالى الصلاة: إيماناً: قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ اللهُ ليضيع إيمانكم } [البقرة: 143]. وقال تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [الشورى: 52] أي الصلاة. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وتؤمن بالقدر خيره وشره » بفتح الدال وسكونها لغتان، ومذهب أهل الحق: إثبات القدر، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره الله سبحانه وتعالى. واعلم أن التقادير أربعة: (الأول) التقدير في العلم ولهذا قيل: العناية قبل الولاية، والسعادة قبل الولادة، واللواحق مبنية على السوابق، قال الله تعالى {يؤفك عنه من أُفِك َ} [الذاريات: 9] أي يصرف عن سماع القرآن وعن الإيمان به في الدنيا من صرف عنه في القدم، قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « لا يهلك الله إلا هالكاً » أي من كتب في علم الله تعالى أنه هالك. (الثاني) التقدير في اللوح المحفوظ، وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال الله تعالى: {يمحو الله ما يشاءُ ويثبت وعنده أم الكتاب } [الرعد: 39] وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول في دعائه: « اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً ». (الثالث) التقدير في الرحم، وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد. (الرابع ) التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت، والله تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى العبد في أوقات معلومة.و الدليل على أن الله تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى: { إن المجرمين في ضلال وَسُعُرُ * يوم يُسحَبون في النار على وجوهِهمْ ذوقوا مَسَّ سَقَر * إنَّا كلَّ شي خلقناهُ بقَدَر ِ} [القمر 47-49] نزلت هذه الأية في القدرية، يقال لهم ذلك في جهنم، وقال تعالى { قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق } [الفلق 1-2]. وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد صرف عنه قبل أن يصل إليه. وفي الحديث: « إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة ». وفي الحديث: « إن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يقتتلان، ويدفع الدعاء البلاء قبل أن ينزل ». وزعمت القدرية: أن الله تعالى لم يقدر الأشياء في القدم، ولا سبق علمه بها، وأنها مستأنفة، وأنه تعالى يعلمها بعد وقوعها، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى جلَّ عن إقوالهم الكاذبة وتعالى علواً كبيراً، وهؤلاء انقرضوا وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة يقولون: الخير من الله والشر من غيره، تعالى الله عن قولهم، وصح عنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أنه قال: « القدرية مجوس هذه الأمة ». سماهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس، وزعمت الثنوية أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية، كذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره وهو تعالى خالق الخير والشر. قال إمام الحرمين في كتاب «الإرشاد » إن بعض القدرية تقول: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم أخبار القدر، ورد على هؤلاء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم، ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: فأخبرني عن الإحسان قال: « الأحسان أن تعبد الله كأنك تراه » وهذا مقام المشاهدة لأن من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلىغيره في الصلاة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الإحسان مقام الصديقين وقد تقدم في الحديث الأول الإشارة إلى ذلك. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «فإنه يراك » غافلاً إن غفلت في الصلاة وحدثت النفس فيها. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: فأخبرني عن الساعة فقال: « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل » هذا الجواب على أنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png كان لا يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر الله تعالى به، قال الله تعالى: { إن الله عنده علم الساعة } [لقمان: 34]. وقال تعالى: {ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة } [الإعراف: 187].وقال تعالى: { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً }[الأحزاب: 63]. ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثلاثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه الطوخي في «أسباب التنزيل » عن بعض المنجمين وأهل الحساب، ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة فهذا يسوف على الغيب ولا يحل اعتقاده. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: فأخبرني عن أماراتها قال: « أن تلد الأمة ربتها » الأمار والأمارة بإثبات التاء وحذفها لغتان، وروي ربها وربتها، قال الأكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقيل معناه الإماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته، ويحتمل أن يكون المعنى: أن الشخص يستولد الجارية ولداً ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه، وهذا من أشراط الساعة. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وأن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان » إذ العالة هم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر. والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء وزيادة تاء بلا مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا في البنيان. قوله: « فلبث مليا » هو بفتح الثاء على أنه للغائب، وقيل: فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح. وملياً بتشديد الياء معناه وقتاً طويلاً.وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال: بعد ثلاثة أيام. وفي « شرح التنبيه » للبغوي أنه قال: بعد ثلاثة فأكثر، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال. وفي ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « ردوا علىَّ الرجل » فأخذوا يردونه فلم يروا شيئاً فقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « رودا علىَّ الرجل » فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئاً فقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « هذا جبريل » فيمكن الجمع بينهما بأن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png الحاضرين في الحال، وأخبروا عمر بعد ثلاث إذ لم يكن حاضراً عن إخبار الباقين. وفي قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم »، فيه دليل على ان الإيمان، والإسلام، والإحسان، تسمى كلها ديناً، وفي الحديث دليل على أن الإيمان بالقدر واجب، وعلى ترك الخوض في الأمور، وعلى وجوب الرضا بالقضاء. دخل رجل على ابن حنبل رحمه الله. فقال: عظني. فقال له: إن كان الله تعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟ وإن كان الخلف على الله حقاً فالبخل لماذا؟ وإن كانت الجنة حقاً فالراحة لماذا؟ وإن كان سؤال منكر ونكير حقاً فالأنس لماذا؟وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا؟ وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا؟ وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالخوف لماذا؟ (فائدة ) ذكر صاحب « مقامات العلماء » أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسماً: خمسة بالقضاء والقدر، وخمسة بالاجتهاد، وخمسة منها بالعادة، وخمسة بالجوهر، وخمسة بالوراثة. فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر: فالرزق، والولد، والأهل، والسلطان، والعمر. والخمسة التي بالاجتهاد: فالجنة، والنار ن والعفة، والفروسية، والكتابة. والخمسة التي بالعادة: فالأكل، والنوم، والمشي، والنكاح، والتغوط.و الخمسة التي بالجوهر: فالزهد، والزكاة، والبذل، والجمال، والهيبة. والخمسة التي بالوراثة: فالخير، والتواصل، والسخاء والصدق، والأمانة. وهذا كله لا ينافي قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « كل شيء بقضاء وقدر ». وإنما معناه: أن بعض هذه الأشياء يكون مرتباً على سبب، وبعضها يكون بغير سبب، والجميع بقضاء وقدر. |
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يقول: "بني الإسلام على خمسٍ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « بني الإسلام على خمس » أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسلامه، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه وهي خمس، وهذا بناء معنوي شبه بالحسي، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم، فكذلك البناء المعنوي، ولهذا قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين »، وكذلك يقاس البقية. وقد ضرب الله مثلاً للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى: { أفمن أسس بُنيانَهُ على تقوى مِنَ الله ورضوان خيُر أم من أسس بنيانه علىشفا جُرُف هارٍ فانهارَ به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين } [التوبة109]. شبه بناء المؤمن بالذي وضع بنيانه على وسط طود أي: جبل راسخ، وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار، لا ثبات له فأكله البحر فانهار الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر، فغرق، فدخل جهنم. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « بني الإسلام على خمس » أي بخمس على أن تكون على: بمعنى الباء وإلا فالمبني غير المبنى عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن الإسلام وهو فاسد، ويحتمل أن تكون بمعنى من كقوله تعالى { إلا على أزواجهم }. [المومنون: 6والمعارج: 30]. أي من أزواجهم. الخمسة المذكورة في الحديث أصول البناء وأما التتمات المكملات كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي زينة للبناء. وقد ورد في الحديث أنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: « الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، قال وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ». قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وحج البيت وصوم رمضان ». هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم، وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم، لأن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية الأخرى تقديم الصوم على الحج. |
|
الحديث الرابع عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: حدّثنا رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكَتْب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحد كم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله: وهو الصادق المصدوق، أي شهد الله له بأنه الصادق، والمصدوق بمعنى المصدق فيه. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « يجمع خلقه في بطن أمه » يحتمل أن يراد أن يجمع بين ماء الرجل والمرأة فيخلق منهما الولد كما قال الله تعالى: { خلق من ماء دافق * يَخْرُج من بين الصلب والترائب } [الطارق: 6، 7]. ويحتمل أن المراد أنه يجمع من البدن كله، وذلك أنه قيل: إن النطفة في الطور الأول تسري في جسد المرأة أربعين يوماً، وهي أيام التوحمة، ثم بعد ذلك يجمع ويدر عليها من تربة المولود فتصير علقة ثم يستمر في الطور الثاني فيأخذ في الكبر حتى تصير مضغة، وسميت مضغة لأنها بقدر اللقمة التي تمضغ، ثم في الطور الثالث يصور الله تلك المضغ ويشق فيها السمع والبصر والشم والفم، ويصور في داخل جوفها الحوايا والأمعاء، قال الله تعالى: { هو الذي يصوَّرُكُم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيزُ الحكيمُ } [آل عمران: 6]، ثم إذا تم الطور الثالث وهو أربعون صار للمولود أربعة أشهر نفخت فيه الروح، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} يعني أباكم آدم { ثم من نطفة } يعني ذريته، والنطفة المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف { ثم من علقة } وهو الدم الغليظ المتجمد، وتلك النطفة تصير دماً غليظاً {ثم من مضغةٍ} وهي لحمة { مُخَلَّقَةٍ وغير مُخَلَّقَة ٍ} [الحج: 5]. قال ابن عباس مخلقة: أي تامة، وغير مخلقة أي غير تامة بل ناقصة الخلق، وقال مجاهد: مصورة وغير مصورة، يعني السقط. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: « إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال: أي رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة، قذفها في الرحم دماً ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة، قال الملك: أي رب ذكرُ أم أنثى؟ أشقي أم سعيدُ؟، ما الرزق وما الأجل وبأي أرض تموت؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك. فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي إلى آخر صفته ». ولهذا قيل: السعادة قبل الولادة. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « فيسبق عليه الكتاب » أي الذي سبق في العلم، أو الذي سبق في اللوح المحفوظ، أو الذي سبق في بطن الأم. وقد تقدم أن المقادير أربعة. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع » هو تمثيل وتقريب، والمراد قطعة من الزمان من آخر عمره وليس المراد حقيقة الذراع وتحديده من الزمان، فإن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم مات دخل الجنة، والمسلم إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر دخل النار. وفي الحديث دليل على عدم القطع بدخول الجنة أو النار، وإن عمل سائر أنواع البر، أو عمل سائر أنواع الفسق، وعلى أن الشخص لا يتكل على عمله ولا يعجب به لأنه لا يدري ما الخاتمة. وينبغي لكل أحد أن يسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة ويسعيذ بالله تعالى من سوء الخاتمة وشر العاقبة. فإن قيل: قال الله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نُضَيِّع أجر مَن أحسن عملاً }. [الكهف: 30] ظاهر الآية أن العمل الصالح من المخلص يقبل، وإذا حصل القبول بوعد الكريم أمن مع ذلك من سوء الخاتمة. فالجواب من وجهين: احدهما أن يكون ذلك معلقاً على شرط القبول وحسن الخاتمة، ويحتمل أن من آمن وأخلص العمل لا يختم له دائماً إلا بخير، وأن خاتمة السوء إنما تكون في حق من أساء العمل أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع من الرياء والسمعة ويدل عليه الحديث الآخر « إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس » أي: فيما يظهر لهم صلاح مع فساد سريرته وخبثها، والله أعلم. وفي الحديث دليل على استحباب الحلق لتأكيد الأمر في النفوس وقد أقسم الله تعالى: { فورب السماء والأرض إنه لحق }.[الذاريات: 23]، وقال الله تعالى: {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم }. [التغابن: 7]. والله تعالى أعلم. |
|
الحديث الخامس عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري ومسلم) وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » أي مردود. فيه دليل على أن العبادات من الغسل والوضوء والصوم والصلاة إذا فعلت على خلاف الشرع تكون مردودة على فاعلها، وأن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك، وقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png للذي قال له: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاه ووليدة، فقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الوليدة والغنم ردّ عليك ». وفيه دليل على أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه، وعمله مردود عليه وإنه يستحق الوعيد، وقد قال صلى عليه وسلم: « من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله ». |
|
الحديث السادس عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يقول: "إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات.... الخ » اختلف العلماء في حد الحلال والحرام، فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: الحلال مادل الدليل على حله. وقال الشافعي رحمه الله: الحرام ما دل الدليل على تحريمه. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وبينهما أمور مشتبهات » أي بين الحلال والحرام أمور مشتبهة بالحلال والحرام، فحيث انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة.وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فلا يجب البحث عن ذلك، بل ولا يستحب، ويكره السؤال عنه. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه » أي طلب براءة دينه وسلم من الشبهة. وأما براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الإثم وقد ورد عنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أنه قال: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف مواقف التهم ».. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فرب سامع نكراً لا تستطيع أن تسمعه عذراً. وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إذا أحدث أحدكم في الصلاة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف » وذلك لئلا يقال عنه أحدث. قوله عليه الصلاة والسلام: « فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام » يحتمل أمرين: احدهما أن يقع في الحرام وهو يظن أنه ليس بحرام. والثاني: أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما يقال: المعاصي بريد الكفر.لأن النفس إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر منها، قيل: وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: { ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }. [آل عمران: 112]. يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل الأنبياء. وفي الحديث: « لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ». أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة، والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في الأرض المباحة فمن رعى حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخلاف ما إذا رعى إبله بعيداً من الحمى.واعلم أن كل محرم له حمى يحيط به، فالفرج محرم وحماه الفخذان لأنهما جعلاً حريماً للمحرم، وكذلك الخلوة بالإجنبية حمى للمحرم، فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحرَّم، فالمحرم حرام لعينه، والحريم محرم لأنه يتدرج به إلى المحرم. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « ألا وإن في الجسد مضغة » أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح، وإذا طمحت طمحت الجوارح وإذا فسدت فسدت الجوارح. قال العلماء: البدن مملكة والنفس مدينتها، والقلب وسط المملكة، والأعضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة، والعقل كالوزير المشفق الناصح به، والشهوة طالب أرزاق الخدام، والغضب صاحب الشرطة، وهو عبد مكار خبيث، يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل، ودأبه أبداً منازعة الوزير الناصح والقوة المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن، والقوة المفكرة في وسط الدماغ، والقوة الحافظة في آخر الدماغ، واللسان كالترجمان، والحواس الخمس جواسيس، وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات، فوكل العين بعالم الألوان، والسمع بعالم الأصوات، وكذلك سائرها فإنها أصحاب الأخبار، ثم قيل: هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه، وقيل: إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها النفس، فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية، وإنما يحصل صلاحه بسلامته من الأمراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور، وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الأربعين، عافانا الله منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم. |
|
الحديث السابع عـن أبي رقية تميم بن أوس الداري (رضي الله عنه) أن النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: "الدين النصيحة"، قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له. وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسد من خلل الثوب، وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل، إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط. قال العلماء: أما النصيحة لله تعالى فمعناها ينصرف إلى الإيمان بالله، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع أنواع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه، والبغض فيه، ومودة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته، وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها، والتطلف بجميع الناس، أو من أمكن منهم عليها، وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، والله تعالى غني عن نصح الناصحين. وأما النصيحة لكتاب الله تعالى: فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الناس، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه لتأويل المحرفين، وتعريض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتكفير في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته. وأما النصيحة لرسوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه وموالاة من ولاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسننه، وبث دعوته ونشر سنته، ونفس التهم عنها، ونشر علومها، والفقه فيها، والدعاء لها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها. والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك. وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به ونهيهم وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك الخورج عليهم، وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم. قال الخطابي: ومن النصيحة لهم، الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح. قال ابن بطال رحمه الله تعالى: في هذا الحديث دليل أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول، قال: والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به، يسقط عن الباقين، قال: والنصيحة واجبة على قدر الطاعة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي أذى فهو في سعة والله تعالى أعلم. فإن قيل ففي صحيح البخاري أنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: « إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له »، وهويدل على تعليق الوجوب بالاستنصاح لا مطلقاً، ومفهوم الشرط حجة في تخصيص عموم المنطوق. فجوابه: يمكن حمل ذلك على الأمور الدنيونية كنكاح امرأة ومعاملة رجل ونحو ذلك، والأول يحتمل بعمومه في الأمور الدينية التي هي واجبة على كل مسلم، والله تعالى أعلم. |
|
الحديث الثامن عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « أمرت إلخ.. » فيه دليل على أن مطلق الأمر وصيغته تدل على الوجوب.
وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «إلا بحق الإسلام » فمن حق الإسلام فعل الواجبات، فمن ترك الواجبات جاز قتاله كالبغاة، وقطاع الطريق، والصائل، ومانع الزكاة، والممتنع من بذله الماء للمضطر والبهيمة المحترمة. والجاني والممتنع من قضاء الدين مع القُدرة، والزاني المحصن، وتارك الجمعة والوضوء. ففي تلك الأحوال يباح قتله وقتاله، وكذلك لو ترك الجماعة، وقلنا إنها فرض عين، أو كفاية. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وحسابهم على الله » يعني من أتى بالشهادتين واقام الصلاة وآتى الزكاة عصم دمه وماله، ثم إن كان فعل ذلك بنية خالصة صالحة فهو مؤمن، وإن كان فعله تقية وخوفاً من السيف كالمنافق فحسابه على الله، وهو متولي السرائر، وكذلك من صلى بغير وضوء أو غسل من الجنابة، أو أكل في بيته وادعى أنه صائم، يقبل منه وحسابه على الله عز وجل والله أعلم. |
|
الحديث التاسع عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « ما نهيتكم عنه فاجتنبوه » أي اجتنبوه جملة واحدة لا تفعلوه ولا شيئاً منه، وهذا محموله على نهي التحريم، فأما نهي الكراهة فيجوز فعله، وأصل النهي في اللغة: المنع. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم » فيه مسائل: منها إذا وجد ماء للوضوء لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي. ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة فإنه يجب إخراجه. ومنها إذا وجد بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله. وهذا بخلاف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه لا يجب عتقه عن الكفارة، لأن الكفارة لها بدل وهو الصوم. وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم علىأنبيائهم ». اعلم ان السؤال على أقسام: القسم الأول: سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصلاة والصوم، وعن أحكام المعاملة ونحو ذلك. وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « طلب العلم فريضة على كل مسلم » ومسلمة، ولا يسع الإنسان السكوت عن ذلك قال تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [النحل: 43]، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أعطيت لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً، كذلك أخبر عن نفسه رضي الله تعالى عنه. والقسم الثاني: السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى: { فلولا نفر َ مِنْ كُلَّ فرقةٍ منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولِينذِروا قومَهُمْ إذا رَجَعوا إليهم لعلهم يَحذَرون } [التوبة: 122]. وقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « ألا فليعلم الشاهد منكم الغائب ». القسم الثالث: أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه، ولا على غيره، وعلى هذا حمل الحديث لأنه قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها ». وعن علي رضي الله عنه لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ً}. [آل عمران: 97]. قال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى أعاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وما يوشك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه ». فأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤُكُم } [المائدة: 101]. أي لم آمركم بالعمل بها، وهذا النهي خاص بزمانه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png. أما بعد أن استقرت الشريعة، وأمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه، وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني الآيات المشتبهة. سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى }[طه: 5] فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأراك رجل سوء أخرجوه عني. وقال بعضهم: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم: وهو السؤال. |
|
الحديث العاشر عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "إن الله تعـالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إن الله تعالى طيب »، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: « اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر، الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، واذا استفرجت به فرجت »، ومعنى الطيب: المنزه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ الأسماء عند العارفين بها: وهو طيب عباده لدخول الجنة بالإعمال الصالحة وطيبها لهم، والكلمة الطيبة: لا إله إلا الله. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « لا يقبل إلا طيباً » أي فلا يتقرب إليه بصدقة حرام، ويكره التصدق بالرديء من الطعام كالحب العتيق المسوس، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال الله تعالى: { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } [البقرة: 267]. فكما أنه تعالى لا يقبل المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل إلا الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها. قوله: فقال تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } [المؤمنون: 51].وقوله تعالى: { يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }[البقرة: 172]. المراد بالطيبات الحلال. في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه، وذلك من الواجبات، بخلاف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم. قوله: « مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام » أي شبع، وهو بضم الغين المعجمة وكسر الذال المعجمة المخففة من الغذي بالكسر والقصر، وأما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة: فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة، قال الله تعالى: { قال لفتاه آتنا غداءنا } [الكهف: 62]. قوله: «فأنى يستجاب له » أي استبعاداُ لقبوله إجابة الدعاء، ولهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل الحلال، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال: {إنك من المنظرين } [الأعراف: 15]. |
|
الحديث الحادي عشر عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". (رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن لا يأكل المال الذي فيه شبهة، كما يحرم عليه أكل الحرام، وقد تقدم. قوله: « إلى ما لا يريبك » أي اعدل إلى ما لا ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس. والريبة: الشك وتقدم الكلام عن الشبهة. |
|
الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". (حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » أي ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأفعال والأقوال. وقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لأبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال: « كانت أمثالاً كلها، كان فيها: أيها السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الأموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني لا أردها، ولوكانت من كافر. وكان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يتفكر في صنع الله تعالى، وساعة يحدث فيها نفسه، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام، وإن تلك الساعة عون له علىتلك الساعات، .و كان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله، أن لا يكون ساعياً إلا في ثلاث: تزود لمعاد، ومؤنة لمعاش، ولذة في غير محرم.وكان فيها: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون بصيراً لزمانه، مقبلاً على شأنه. حافظاً للسانه، ومن حسب الكلام من عمله يوشك أن يقل الكلام إلا فيما يعنيه ». قلت: بأبي وأمي فما كان في صحف موسى؟ قال: « كانت عبراً كلها، كان فيها: عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك، وعجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها، وعجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو يغضب، وعجباً لمن أيقن بالحساب غداً وهو لا يعمل »؟!. قلت: بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال: «نعم يا أباذر { قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى* بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخِرُة خيرَّ وأبقى * إنَّ هذا لفي الصُّحُفِ الأولى * صحف إبراهيم وموسى } [الأعلى: 14-19]. إلى آخر السورة. قلت: بأبي وأمي أوصني، قال: « أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك كله »، قال: قلت زدني، قال: « عليك بتلاوة القرآن واذكر الله كثيراً فإنه يذكرك في السماء »، قلت زدني، قال: « عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين »، قلت زدني، قال: « عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك، وعون لك على أمر دينك »، قلت زدني، قال: « قل الحق ولو كان مراً »، قلت زدني، قال: « لا تأخذك في الله لومة لائم »، قلت: زدني، قال«صل رحمك وإن قطعوك »، قلت: زدني، قال: «بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه، ويتكلف ما لا يعنيه. يا أبا ذر: لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسن كحسن الخلق ». |
|
الحديث الثالث عشر عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png عن النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه »: الأولى أن يحمل ذلك علىعموم الأخوة، حتي يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام، ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً، والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه. والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة، ثم المراد: المحبة الدينية لا المحبة البشرية، فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير وتمييز غيرها عليها، والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه، والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسوداً. والحسد كما قال الغزالي: ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه. الثاني: أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها، وهذا أشر من الأول. الثالث: أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواةولا يرضى بالزيادة، وهذا أيضاً محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى: { أهم يقسمون رحمة ربك؟! نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهُم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضُهًم بعضاً سخرياً ورحمةُ ربكَ خيرُُمما يجمعون } [الزخرف: 32]. فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته.وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس. |
|
الحديث الرابع عشر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الثيب الزاني » المراد: من تزوج ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك، فإنه يرجم، وإن لم يكن متزوجاً في حالة الزنا لاتصافه بالإحصان. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والنفس بالنفس » أي بشرط المكافأة فلا يقتل المسلم بالكافر ولا الحر بالعبد عند الشافعية، لا الحنفية. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والتارك لدينه المفارق للجماعة »وهو المرتد والعياذ بالله تعالى، وقد يكون موافقاً للجماعة كاليهودي إذا تنصر، وبالعكس يقتل لأنه تارك لدينه غير مفارق للجماعة، وفيه قولان، أصحها: لا يقتل بل يلحق بالمأمن. والثاني: يقتل لأنه اعتقد بطلان دينه الذي كان عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطلانه قبل ذلك، وهو غير الحق فلا يترك بل إن لم يسلم يقتل، وقد تقدم القتل أيضاً في صورة سبق الكلام عليها. |
|
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » قال الشافعي رحمه الله تعالى: معنى الحديث: إذا أراد أن يتكلم فليفكر، فإن ظهر أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر أن فيه ضرر أو شك فيه أمسك. وقال الإمام الجليل أبو محمد ابن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه: جميع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ». وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ». وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: للذي اختصر له الوصية: « لا تغضب ». وقوله: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ». ونقل عن أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه قال: السكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال. قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس.وكذا نقله في « حلية العلماء » عن غير واحد. وفي « حلية الأولياء » أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال: لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام. وروي عنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أنه قال: « من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه » وروي عنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أنه قال: « العافية في عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلاَّ عن ذكر الله تعالى عز وجل ».ويقال: من سكت فسلم، كمن قال فغنم. وقيل لبعضهم: لم لزمت السكوت؟ قال: لأن لم أندم على السكوت قط، وقد ندمت على الكلام مراراً. ومما قيل: جرح اللسان كجرح اليد، وقيل: اللسان كلب عقور إن خلي عنه عقر.وروي عن على رضي الله عنه. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ». قال القاضي عياض: معنى الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام، لزمه إكرام الضيف والجار. وقد قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ». وقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « من آذى جاره ملكه الله داره ». وقوله تعالى: {والجار ذي القربي والجار الجنب }[النساء: 36]. الجار يقع على أربعة: الساكن معك في البيت. قال الشاعر: أجارتنا بالبيت إنك طالق ويقع على من لاصق لبيتك، ويقع على أربعين داراً من كل جانب، ويقع على من يسكن معك في البلد، قال الله تعالى: {ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلاً }[الأحزاب: 6] فالجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق، والجار البعيد المسلم له حقان، وغير القريب المسلم له حق واحد. والضيافة من آداب الإسلام، وخلق النبين والصالحين، وقد أوجبها الليث ليلة واحدة، واختلفوا: اهل الضيافة على الحاضر والبادي، أم على البادي خاصة؟ فذهب الشافعي، ومحمد بن عبد الحكم إلى أنها على الحاضر والبادي.وذهب مالك وسحنون: إلى أنها على أهل البوادي، لأن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق ومواضع النزول وما يشتري من الأسواق وقد جاء في حديث: « الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر ». لكنه حديث موضوع. |
|
الحديث السادس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردّد مراراً، قال: "لا تغضب". (رواه البخاري ومسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png « لا تغضب » معناه لاتنفذ غضبك، وليس النهي راجعاً إلىنفس الغضب، لأنه من طباع البشر، ولا يمكن الإنسان دفعه. وقوله عليه الصلاة والسلام: « إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالأرض ». وجاء رجل إلى النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقال: يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال: « لا تغضب ولك الجنة ». وقال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ». وقال أبو ذر الغفاري: قال لنا رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضجع ». وقال عيسى عليه الصلاة والسلام ليحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام: إني معلمك علماً نافعاً: لا تغضب. فقال: وكيف لي أن لا أغضب؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل: ذنب ذكرته أستغفر الله منه، وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به، وهي حسنة سيقت إليك. وقال عمرو بن العاص: سألت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png عما يبعدني عن غضب الله تعالى قال: « لا تغضب ». وقال لقمان لأبنه: إذا أردت أن تؤاخي أخاً فأغضبه، فإن أنصفك وهو مغضب، وإلا فاحذره. |
|
الحديث السابع عشر عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة؛ وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء » من جملة الإحسان عند قتل المسلم في القصاص أن يتفقد آلة القصاص، ولا يقتل بآلة كالّة، وكذلك يحد الشفرة عند الذبح، ويريح البهيمة، ولا يقطع منها شيء حتى تموت، ولا يحد السكين قبالتها، وأن يعرض عليها الماء قبل الذبح، ولا يذبح اللبون، ولا ذات الولد، حتى يستغني عن اللبن.وإن لا يستقصي في الحلب، ويقلم أظفاره عند الحلب، قالوا: ولا يذبح واحدة قدّام أخرى. |
|
الحديث الثامن عشر عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". (رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « اتق الله حيثما كنت » أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة الناس، واتقه في سائر الأمكنة والأزمنة. مما يعين على التقوى استحضار أن الله تعالى مطلع على العبد في سائر أحواله، قال الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم يُنَبِّئُهم بما عملوا يوم القيامة إنّ الله بكل شيء عليم } [المجادلة: 7]. والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات. وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وأتبع السيئه الحسنة تمحها » أي إذا فعلت سيئة فاستغفر الله تعالى منها وافعل بعدها حسنة تمحها. اعلم: أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسنة لا تمحو إلا سيئة واحدة، وإن كانت الحسنة بعشر، وأن التضعيف لا يمحو السيئه، وليس هذا على ظاهره، بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سئيات. وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «تُكِّبرون دبر كل الصلاة عشراً وتحمدون عشراً وتُسبِّحون عشراً فذلك مَائة وخمسون باللسان وألف وخمسائة في الميزان ». ثم قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « أيكم يفعل في اليوم الواحد ألفاً وخمسمائة سيئة »دل على أن التضعيف يمحو السيئات. وظاهر الحديث: أن الحسنة تمحو السيئة المتعلقة بحق الله تعالى، أما السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة والنميمة، فلا يمحوها إلا الاستحلال من العباد، ولا بد أن يعين له جهة الظلامة، فيقول: قلت عليك كيت وكيت. وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة، قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ». وقال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتَنظُر نفسُ ما قدمت لغد ٍ} [الحشر: 18]. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وخالق الناس بخلق حسن ».. اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس، وإلى كف الأذى عنهم، قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوه ا ببسط الوجه وحسن الخلق ». وعنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « خيركم أحسنكم أخلاقاً». وعنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « أن رجلاً أتاه فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال؟ قال: « حسن الخلق »، وهو على ما مر أن أن لا تغضب. ويقال: اشتكى نبي إلى ربه سوء خلق امرأته، فأوحى الله إليه: قد جعلت ذلك حظك من الأذى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم ». وعنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إن الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق والسخاء، فإنه لا يكمل إلا بها ». وقال جبريل عليه السلام للنبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حين نزل قوله تعالى: { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } [الأعراف: 199]. قال في تفسير ذلك: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك وتعطي من حرمك. وقال الله تعالى: { اُدْفَعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت: 34]. وقيل في تفسير قوله تعالى: { وإنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم } [القلم: 4]. قال: كان خلقه القرآن، يأتمر بأمره وينزجر بزواجره، ويرضى لرضاه، ويسخط لسخطه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png. |
|
الحديث التاسع عشر عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يوماً، فقال لي: "يا غلام إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفـظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لـم ينفعـوك إلا بشيء قـد كتبـه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف". (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح) وفي رواية غير الترمذي: "احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً". شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « احفظ الله يحفظك » أي احفظ أوامره وامتثلها، وانته عن نواهيه، يحفظك في تقلباتكم ودنياك وآخرتك قال الله تعالى: { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } [النحل: 97]. وما يحصل للعبد من البلاء والمصائب بسبب تضييع أوامر الله تعالى، قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم }[الشورى: 30]. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « تجده تجاهك » أي أمامك، قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة » وقد نص الله تعالى في كتابه: أن العمل الصالح ينفع في الشدة وينجي فاعله، وأن عمل المصائب يؤدي بصاحبه إلى الشدة، قال الله تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام: {فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [الصافات: 143-144]. ولما قال فرعون: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } قال الملك: {الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } [يونس: 90-91]. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « إذا سألت فاسأل الله » إشارة إلى أن العبد لا ينبغي له أن يعلق سره بغير الله، بل يتوكل عليه في سائر أموره، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه: كطلب الهداية، والعلم، والفهم في القرآن والسنة، وشفاء المرض، وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة، سأل ربه ذلك. وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه، كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول: اللهم حنن علينا قلوب عبادك وإمائك، وما أشبه ذلك، ولا يدعو الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png سمع علياً يقول: اللهم اغننا عن خلقك فقال: « لا تقل هكذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض، ولكن قل: اللهم اغننا عن شرار خلقك » وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم، ويروى عن الله تعالى في الكتب المنزلة: أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح؟ أم هل يؤمل للشدائد سواي وأنا الملك القادر؟ لأكسونَّ من أمل غيري ثوب المذلة بين الناس... الخ. قوله: « واعلم أن الأمة » الخ، لما كان قد يطمع في بر من يحبه ويخاف شر من يحذره، قطع الله اليأس من نفع الخلق بقوله: {وإن يمسسك الله بُضرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله }[يونس: 107]. ولا ينافي هذا كله قوله تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام: {فأخاف أن يقتلون }[الشعراء: 14]. [والقصص: 33]. وقوله تعالى: {إنّنا نخافُ أن يفرطَ علينا أو أنْ يَطْغى } [طه: 45]. وكذا قوله: { خذوا حذركم } [النساء: 71] إلى غير ذلك. بل السلامة بقدر الله، والعطب بقدر الله، والإنسان يفر من أسباب العطب إلى أسباب إلى أسباب السلامة، قال الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلُكة }[البقرة: 195]. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «واعلم أن النصر مع الصبر » قال صلى عليه وسلم: « لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا ولا تفروا، فإن الله مع الصابرين ».. وكذلك الصبر على الأذى في موطن يعقبه النصر. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وأنّ الفرج مع الكرب » والكرب هو شدة البلاء، فإذا اشتد البلاء أعقبه الله تعالى الفرج كما قيل: اشتدي أزمة تنفرجي. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « وأن مع العسر يسراً » قد جاء في حديث آخر أنه http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال: « لن يغلب عسر يسرين » وذلك أن الله تعالى ذكر العسر مرتين وذكر اليسر مرتين، لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة توحدت لأن اللام الثانية للعهد، واذا أعيدت النكرة تعددت فالعسر ذكر مرتين معرفاً، واليسر مرتين منكراً فكان، اثنين فلهذا قال http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « لن يغلب عسر يسرين ». |
|
الحديث العشرون عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". (رواه البخاري) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « اذا لم تستح فاصنع ما شئت » معناهُ: إذا أردت فعل شيء، فإن كان مما لا تستحي من فعله من الله، ولا من الناس فافعله، وإلا فلا. وعلى هذا الحديث يدور مدار الإسلام كله، وعلى هذا يكون قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «فاصنع ما شئت » أمر إباحة، لأن الفعل إذا لم يكن منهياً عنه شرعاً كان مباحاً. ومنهم من فسر الحديث بأنك إذا كنت لا تستحي من الله ولا تراقبه فاعط نفسك مناها وافعل ما تشاء، فيكون الأمر فيه للتهديد لا للإباحة، ويكون كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم }[فصلت: 40]. وكقوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورَجلكَ وشارِكهُمْ في الأموال والأولاد وعِدْهُم وما يعدهم الشيطانُ إلا غروراً }[الإسراء: 64]. |
|
الحديث الحادي والعشرون عن أبي عمرو، وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « قل آمنت بالله ثم استقم »أي كما أمرت ونهيت، والاستقامة ملازمة الطريق بفعل الواجبات وترك المنهيات، قال الله تعالى: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك }[هود: 112].وقال الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة }[فصلت: 30]. أي عند الموت تبشرهم بقوله تعالى: {لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنت توعدون }[فصلت: 30]. وفي التفسير أنهم إذا بشروا بالجنة قالوا: وأولادنا ما يأكلون وما حالهم بعدنا؟ فيقال لهم: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة }.[فصلت: 31]أي نتولى أمرهم بعدكم، فتقر بذلك أعينهم. |
|
الحديث الثاني والعشرون عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: "أن رجلاً سأل رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فقال: أرأيت إذا صلّيت المكتوبات، وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرّمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً أدخل الجنة؟ قال: نعم". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث ومعنى حرّمت الحرام: اجتنبته، ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقداً حلّه. وَمَعْنى حَرَّمْتُ الحَرامَ: اجْتَنَبْتُهُ. وَمَعْنى أَحْلَلْتُ الحَلالَ: فَعَلْتُهُ مُعْتَِقداً حِلَّهُ. قوله: « أرأيت... إلخ » معناه: أخبرني. وقوله: « وأحللت الحلال » أي اعتقدته حلالاً وفعلت منه الواجبات، «وحرمت الحرام » أي اعتقدته حراماً ولم أفعله. وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « نعم » أي تدخل الجنة. |
|
الحديث الثالث والعشرون عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها". (رواه مسلم) شرح وفوائد الحديث قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « الطهور شطر الإيمان » فسر الغزالي الطهور: بطهارة القلب من الغل والحسد والحقد وسائر أمراض القلب. وذلك أن الإيمان الكامل إنما يتم بذلك، فمن أتى بالشهادتين حصل له الشطر، ومن طهر قلبه من بقية الأمراض كمل إيمانه، ومن لم يطهر قلبه فقد نقص إيمانه. قال بعضهم: ومن طهر قلبه وتوضأ واغتسل وصلى، فقد دخل الصلاة بالطهارتين جميعاً، ومن دخل في الصلاة بطهارة الأعضاء خاصة فقد دخل بإحدى الطهارتين، والله سبحانه وتعالى لا ينظر إلا إلى طهارة القلب لقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ». قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض » وهذا قد يشكل على الحديث الآخر وهو أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: « يا رب دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، فلو وضعت السماوات السبع والأرضون السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لرجحت بهم لا إله إلا الله ». ومعلوم أن السماوات والأرضين أوسع مما بين السماء والأرض، وإذا كانت الحمد لله تملأ الميزان وزيادة، لزم أن تكونا لحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض لأن الميزان أوسع مما بين السماء الأرض، والحمد لله تملؤها. والمراد لو كان جسماً لملأ الميزان، أو أن ثواب الحمد لله يملؤها. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والصلاة نور » أي ثوابها نور وفي الحديث: « بَشِّر الماشين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ». قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والصدقة برهان » أي دليل على صحة إيمان صاحبها، وسميت صدقة لأنها دليل على صدق إيمانه، وذلك أن المنافق قد يصلي، ولا تسهل عليه الصدقة غالباً. وقوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « والصبر ضياء » أي الصبر المحبوب، وهو الصبر على طاعة الله، والبلاء ومكاره الدنيا، ومعناه: لا يزال صاحبه مستمراً على الصواب. قوله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: « كل الناس يغدو فبائع نفسه » معناه كل إنسان يسعى لنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما «فيوبقها » أي يهلكها، قال عليه الصلاة والسلام: « من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وأنبياءك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ونبيك، أعتق الله ربعه من النار، فإن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، فإن قالها ثلاثاُ أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، فإن قالها أربعاً أعتق الله كله من النار ». فإن قيل: المالك إذا أتق بعض عبده سرى العتق إلى باقيه والله تعالى أعتق الربع الأول فلم يسر عليه وكذلك الباقي. فالجواب: إن السراية قهرية، والله تعالى لا تقع عليه الأشياء القهرية بخلاف غيره، ولا يقع في حكمه سبحانه ما لا يريد، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهمُ الجنةَ يُقاتلون في سبيلِ الله فَيَقتلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوارة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيِعكُم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }[التوبة: 111]. قال بعض العلماء: لم يقع بيع أشرف من هذا، وذلك أن المشتر ي هو الله، والبائع المؤمنون، والمبيع الأنفس، والثمن الجنة. وفي الآية دليل على أن البائع يجبر أولاً على تسليم السلعة قبل أن يقبض الثمن، وأن المشتري لا يجبر أولاً على تسليم الثمن. وذلك أن الله تعالى أوجب على المؤمنين الجهاد حتى يقتلوا في سبيل الله فأوجب عليهم أن يسلموا الأنفس المبيعة ويأخذوا الجنة. فإن قيل: كيف يشتري السيد من عبيده أنفسهم، والأنفس ملك له؟! قيل: كاتبهم ثم اشترى منهم، والله تعالى أوجب عليهم الصلوات الخمس والصوم وغير ذلك، فإذا أدّوا ذلك فهم أحرار، والله تعالى أعلم. |
|
|
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:19 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.