بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   محمد نبينا .. للخير ينادينا (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=43)
-   -   دلائل النبوة (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=504522)

محمد رافع 52 02-03-2013 11:43 AM

دلائل النبوة
 
دلائل النبوة
د. منقذ بن محمود السقار

إخباره صلى الله عليه وسلم بكيفية ومكان وفاة بعض معاصريه
إخباره صلى الله عليه وسلم بأخبار الفتن
إخباره صلى الله عليه وسلم بفتوح أمته للبلدان
إخباره صلى الله عليه وسلم بأخبار آخر الزمان وعلامات الساعة
المعجزات الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم
تكثير الطعام والشراب والوضوء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
شفاء المرضى بنفْثِه وريقه صلى الله عليه وسلم
استجابة الله دعاءه صلى الله عليه وسلم
حماية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
دلالة القرآن الكريم على نبوته صلى الله عليه وسلم
شهادات الكتب السابقة وأتباعها بالنبي صلى الله عليه وسلم
دلالة أخلاقه وأحواله صلى الله عليه وسلم على نبوته

محمد رافع 52 02-03-2013 11:45 AM

تعظيم السنة وموقف السلف ممن عارضها أو استهزأ بشيء منها
عبدالقيوم بن محمد السحيباني

تقريظ
فضيلة الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي
المدرس بالمسجد النبوي وخطيب مسجد قباء والأستاذ بالجامعة الإسلامية

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا .. وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:
فإنَّ الله أعلى للسنة مكانها، وأوجب على العباد حبَّها واتباعها، وقيَّض لها على مرِّ العصور والدهور رجالها وأنصارها، الذين تعلَّموها وعملوا بها ودعوا إليها، فكانوا أحقَّ بها وأهلها.
بذلوا لِمن والاها صادق محبتهم، ولمن عاداها جليَّ بُغضهم وظاهر عداوتهم، فهم أهل السُّنة شعارًا ودثارًا، وحماة عرينها ليلاً ونهارًا.
وهذه الرسالة المباركة جُملة من نصوص الكتاب والسُّنة، وشذا من عبير السلف الصالح لهذه الأمة.
فجزى الله الشيخ عبد القيوم بن محمد السحيباني خير الجزاء على هذه الحمية الدينية، والغيرة الصادقة السلفية.
وأسأل الله العظيم أن يجعل فيها فوق ما يُرجَى من الانتفاع، وأن يفتح لها القلوب والأسماع .. وصلِّي الله وسلِّم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

كتبه
محمد بن محمد المختار بن محمد
الشنقيطي

محمد رافع 52 02-03-2013 11:49 AM

المقدمة

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له .. وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ [آل عمران : 102].
وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ [النساء : 1].
وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب : 70، 71].
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثةٍ بدعة، وكلُّ بدعةٍ ضلالة، وكلُّ ضلالةٍ في النار.
وبعد:
فإنَّ الله أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليُبيِّن لهم ما نُزِّل إليهم، ويُخرِجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، وأوجب عليهم طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره.
قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[ [النساء : 59].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين».
وقد أخذ بهذا الصحابة رضي الله عنهم ، وساروا عليه، فكانوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُحبِّين طائعين، وكانت سُنته وقوله وهديه مُقدَّمةً عندهم على كلِّ شيء؛ فكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو الأول لا يُقدَّم عليه كلام أحدٍ من البشر كائنًا من كان.
كانوا عن السُنة منافحين، ولها حامين، فإذا رأوا أحدًا يعارضها أو يستهزئ بشيءٍ منها – قصدًا أو بغير قصد – وبَّخُوه وقرَّعوه وزجروه، ثم هجروه، لا يكلمونه ولا يساكنونه، وقد يضربونه أو ي***ونه رِدَّةً أو تعزيرًا.
وبذلك حموا السُّنة عن كيد الكائدين وعدوان المعتدين.
وكانوا بواجب النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائمين.
ثم جاء بعدهم التابعون فساروا على طريقهم وحذوا حذوهم.
حتى إذا بَعُدَ الزمان، وطال بالناس العهد، وضعف الإيمان، وكثر الخبث والنفاق، وقلَّ الورع؛ تجرَّأ كثيرٌ من الناس على القول والكلام، فقال كلٌّ بهواه، وتكلَّم بما لا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا الزمان، زمان الفتن التي يرقِّق بعضها بعضًا، رأينا العجائب والعظائم، رأينا أمورًا لا يسع أحدًا السكوت عنها بحال.
فمن ذلك السخرية والاستهزاء بالسُّنة النبوية، ومعارضتها بالعقول والآراء والرغبات والعادات، كالسخرية والاستهزاء باللحية، ورفع الرجل ثوبه فوق الكعبين، وحجاب المرأة، والسواك، والصلاة إلى سترة، وغير ذلك.
فتسمع من يصف تلك الأعمال بأوصاف رديئة، أو يتهكَّم بمن التزم بها، فلم يجد هؤلاء ما يملئون به فراغهم إلاَّ الضحك والاستهزاء بمن عمل بالسُّنة وحافظ عليها، فيجعلونه محلاًّ لسخريتهم هازلين لاعبين، فيصدق في مثلهم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم؟

ويغفل كثيرٌ من الناس عن أمرٍ خطير، وهو أنَّ الاستهزاء بالدين كفر، سواء كان على سبيل اللعب والهزل والمزاح، أو على سبيل الجد، فهو كفرٌ مُخرِج من الملَّة.
قال ابن قدامة: من سبَّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحًا أو جادًا، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه. ؟

لهذا قمت بكتابة هذا البحث مشاركةً في التحذير من هذه الظاهرة السيئة، والتنبيه على خطرها، وبيان موقف المسلم من أصحابها، ذاكرًا بعض الآيات والأحاديث والآثار في أهمية السُّنة وتعظيمها، وتعجيل عقوبة من عارضها أو استهزأ بشيءٍ منها، وموقف سلف الأمَّة منه.
وسأقتصر على سرد النصوص وبعض تعليقات الأئمَّة، وهي كافية إن شاء الله في توضيح الحقِّ وبيان الهدى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وإن علَّقت بشيءٍ بعد ذلك فهو يسير بالنسبة لِما ذكرته من النصوص .. والله أسأل أن ينفعني به ومن بلغ.
وتوضيحًا للمراد من السُّنة أقول:
ليس المراد بالسُّنة هنا المرادف للمندوب والمستحب، المقابل للمكروه فحسب.
وليس المراد كذلك المقابل للقرآن، كما يقولون: «الدليل من الكتاب كذا ومن السُّنة كذا».
ولكن المراد بالسُّنة هنا: الطريق والهدي، أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته.
فهو عام يشمل الواجب والمستحب، ويشمل العقائد والعبادات والمعاملات والسلوك.
قال علماء السلف: «السُّنة» هي العمل بالكتاب والسُّنة، والاقتداء بصالح السلف، واتِّباع الأثر؟

وقال أبو القاسم الأصبهاني:
قال أهل اللغة: «السُّنة» السيرة والطريقة، قولهم «فلان على السُّنة»، و«من أهل السُّنة»، أي هو موافق للتنـزيل والأثر في الفعل والقول، ولأنَّ السُّنة لا تكون مع مخالفة الله ومخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟.
قال ابن رجب:
و«السُّنة» هي الطريق المسلوك؛ فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه صلَّى الله عليه وسلَّم هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السُّنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يُطلقون اسم السُّنة إلا على ما يشمل ذلك كلَّه.
ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض.


محمد رافع 52 02-03-2013 11:53 AM

تعظيم السُّنة

قال الله جل وعلا: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ [الأحزاب : 36].
]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[ [النساء : 80].
]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[ [الأحزاب : 21].
]وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[ [النور : 54].
]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النور : 63].
]أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ[ [التوبة : 63].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[ [الحجرات : 2].
قال ابن القيم تعليقًا على هذه الآية: فحذَّر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض.
وليس هذا برِدَّة، بل معصية تحبط العمل، وصاحبها لا يشعر بها فما الظن بمن قدَّم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟!
أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟ .
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا.
قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ».
علَّق ابن بطة على هذا بقوله: هذا يا أخواني الصدِّيق الأكبر يتخوَّف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟!.. نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل.
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : «لا رأي لأحد مع سُنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ».

وعن أبي قلابة قال: إذا حدَّثت الرجل بالسُّنة فقال «دعنا من هذا وهات كتاب الله» فاعلم أنه ضال.
علَّق الذهبي على هذا بقوله:
وإذا رأيت المتكلِّم المبتدع يقول «دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل» فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول «دعنا من النقل ومن العقل وهات الذوق والوجد» فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر أو قد حلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلاَّ فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه.

قال الشافعي:
أخبرني أبو حنيفة بن سمَّاك بن الفضل الشهابي قال: حدَّثني ابن أبي ذئب عن المقري عن أبي شريح الكعبي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: «من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إن أحبَّ أخذ العقل، وإن أحب فله قود».
قال أبو حنيفة:
فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري، وصاح علي صياحًا كثيرًا ونال مني وقال: أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: تأخذ به؟!.. نعم، آخذ به، وذلك الفرض عليّ وعلى من سمعه، إنَّ الله اختار محمدًا من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتَّبعوه طائعين أو داخرين، لا مخرج لمسلم من ذلك.
قال: وما سكتَ حتى تمنيتُ أن يسكت .
قال الشافعي:
أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد
قال الحميدي:
رَوى الشافعي يومًا حديثًا فقلت: أتأخذ به؟
فقال: رأيتني خرجت من كنيسة أو علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله حديثًا لا أقول به؟!
وسُئل الشافعي عن مسألة فقال: رُويَ فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال السائل: يا أبا عبد الله، تقول به؟
فارتعد الشافعي وانتفض وقال: يا هذا، أيُّ أرضٍ تقلُّني، وأيُّ سماءٍ تظلُّني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم أقل به؟ نعم، عليّ السمع والبصر.
قال أحمد بن حنبل: من رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة.
قال البربهاري: وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار أو يريد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع.

وقال أبو القاسم الأصبهاني:
قال أهل السُّنة من السلف: إذا طعن الرجل على الآثار، ينبغي أن يُتهم على الإسلام.
قال محمد بن يحيى الذهلي:
سمعت يحيى بن يحيى – يعني أبا زكريا التميمي النيسابوري – يقول: الذّبُّ عن السُّنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
قال محمد: قلت ليحيى: الرجل يُنفق ماله، ويتعب نفسه ويجاهد، فهذا أفضل منه؟! قال: نعم، بكثير.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: المتَّبِع لِلسُّنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.
قال الحميدي: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردُّون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ من أغزو عدَّتهم من الأتراك.
قال مالك بن أنس: السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق.


محمد محمود بدر 02-03-2013 11:55 AM



جزاكم الله خيرا



محمد رافع 52 02-03-2013 11:57 AM

تعجيل عقوبة من لم يُعظِّم السُّنة

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنَّ رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: «كل بيمينك»، قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت؟ ما منعه إلاَّ الكبر» قال: ما رفعها إلى فيه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُشرب من فِيّ السقاء.
قال أيوب: فأُنبِئت أنَّ رجلاً شرب من فِيّ السقاء فخرجت حيَّة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يتبختر في بردين خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
فقال له فتى: يا أبا هريرة، أهكذا كان يمشي ذلك الفتى الذي خُسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسَّر منها.
عن عبد الرحمن بن حرملة قال:
جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودِّعه بحجٍّ أو عمرة، فقال له: لا تبرح حتى تصلِّي؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق، إلا رجل أخرجته حاجة وهو يُريد الرجعة إلى المسجد».
فقال: إنَّ أصحابي بالحرَّة. فخرج، فلم يزل سعيد يذكره، حتى أُخبِر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه.
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل التيمي في شرحه لصحيح مسلم:
قرأت في بعض الحكايات أنَّ بعض المبتدعة حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين باتت يده».
قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم: أنا أدري أين باتت يدي، باتت في الفراش!
فأصبح وقد أدخل يده في دُبره إلى ذراعه..!
قال التيمي:
فليتَّق المرء الاستخفاف بالسُنن ومواضع التوقيف، فانظر كيف وصل إليه شؤم فعله.

وعن أبي يحيى الساجي قال:
كنا نمشي في أزقَّة البصرة إلى باب بعض المحدثين، فأسرعنا المشي ومعنا رجلٌ ماجنٌ مُتَّهمٌ في دينه، فقال مستهزِئًا: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها.
فلم يزل من موضعه حتى جفَّت رجلاه وسقط.
قال النووي:
قال الحافظ عبد الحافظ: إسناد هذه الحكاية كالوجد أو كرأي العين، لأنَّ رواتها أعلام أئمَّة.
وقال القاضي أبو الطيب:
كنا في مجلسٍ بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استدلَّ بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال (وكان حنفيًا): أبو هريرة غير مقبول الحديث.
فما استتمَّ كلامه حتى سقطت عليه حيَّة عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها، وهي تتبعه، فقيل له: تب، تب.
فقال: تبت، فغابت الحية، فلم يُرَ لها أثر..!
قال الذهبي: إسنادها أئمة .
وقال قطب الدين اليونيني:
بلغنا أنَّ رجلاً يُدعى «أبا سلامة» من ناحية بصري كان فيه مجون واستهتار، فذُكِر عنده السواك وما فيه من الفضيلة فقال: والله لا أستاك إلاَّ في المخرج – يعني دبره - فأخذ سواكًا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه .. فمكث بعده تسعة أشهر وهو يشكو من ألم في البطن والمخرج..!
فوضع ولدًا على صفة الجرذان له أربعة قوائم ورأسه كرأس السمكة، وله دُبر كدُبر الأرنب، ولَمَّا وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين، ومات في الثالث، وكان يقول: هذا الحيوان ***ني، وقطَّع أمعائي.
وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيًّا، ومنهم من رآه بعد موته


محمد رافع 52 02-03-2013 12:03 PM

موقف سلف الأمة مِمَّن عارض السُّـنة

عن أبي قتادة قال:
كنا عند عمران بن حصين في رهطٍ منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحياء خيرٌ كلُّه» أو قال: «الحياء كلُّه خير»، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة: أنَّ منه سكينة ووقارًا لله، وفيه ضعف.
فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتُعارض فيه؟
وعن أبي المخارق قال:
ذكر عبادة بن الصامت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم، فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا، يدًا بيد.
فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول: لا أرى به بأسًا؟.. والله لا يظلُّني وإياك سقف أبدًا.
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: «إنها لا تصطاد صيدًا، ولا تنكأ عدوًا، ولكنها تفقًأ العين، وتكسر السن» .. فقال رجل لعبد الله بن مغفل: وما بأس هذا؟ فقال: إني أحدِّثك عن رسول الله، وتقول هذا؟ والله لا أكلمك أبدًا.
قال النووي:
فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السُّنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، أمَّا النهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام فإنما هو فيمن هُجِر لِحَظِّ نفسه ومعايش الدنيا، وأمَّا أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائمًا .. وهذا الحديث مِمَّا يُؤيِّده مع نظائره له، كحديث كعب بن مالك وغيره.
وقال ابن حجر:
وفي الحديث جواز هجران من خالف السُّنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث؛ فإنه يتعلَّق بِمَن هُجِر لِحَظِّ نفسه.

وعن قتادة قال:
حدَّث ابن سيرين رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: قال فلان كذا وكذا، فقال ابن سيرين: أحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: قال فلان كذا وكذا؟!.. لا أكلمك أبدًا.
وعن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ.
فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟.
قال النووي: فيه تعزير المعترض على السُّنة والمعارض لها برأيه.
قال ابن حجر: أُخِذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترِض على السُّنن برأيه، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد «فما كلَّمه عبد الله حتى مات، وهذا – إن كان محفوظًا – يُحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير.
وعن عطاء بن يسار أنَّ رجلاً باع كسرة من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُنهى عن مثل هذا إلاَّ مثلاً بمثل، فقال الرجل: ما أرى بمثل هذا بأسًا.
فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان؟ أحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه!.. لا أساكنك بأرض أنت بها .
وعن الأعرج قال:
سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل: أتسمعني أحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تبيعوا الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إلا مثلاً بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلاً بآجل» ثم أنت تفتي بما تفتي، والله لا يؤويني وإياك ما عشت إلا المسجد.
وقال أبو السائب:
كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده مِمَّن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول أبو حنيفة «هو مُثلة».
قال الرجل: فإنه قد رُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: «الإشعار مُثلة»، قال: فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا وقال: أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: قال إبراهيم؟!.. ما أحقّك بأن تُحبس ثم لا تخرج حتى تنـزع عن قولك هذا.
وعن خُرَّزَاذ العابد قال:
حديث أبو معاوية الضرير عند هارون الرشيد، بحديث «احتجَّ آدم وموسى».
فقال: رجل شريف من وجوه قريش فأين لقيه؟.. فغضب هارون الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث .. فما زال أبو معاوية يُسكنه ويقول: بادرة يا أمير المؤمنين ولم يفهم، حتى سكن .
وقال عاصم: مرَّ رجل على زرِّ بن حبيش وهو يؤذِّن فقال: يا أبا مريم، قد كنت أكرمك عن ذا، فقال: إذن لا أُكلِّمك كلمة حتى تلحق بالله.
قال الحاكم: سمعته – يعني أبا بكر الصبغي – وهو يخاطب فقيهًا، فقال: حدِّثونا عن سليمان بن حرب، فقال له: دعنا مَن حدَّثنا إلى متى حدَّثنا وأخبرنا؟
فقال: يا هذا، لست أشمُّ من كلامك رائحة الإيمان، ولا يحلُّ لك أن تدخل داري .. ثم هجره حتى مات.

قال الواقدي:
حدَّثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم، وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري: كيف كان *** ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدرًا.
وكان محمد ابن مسلمة جالس، شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟.. والله ما ***ناه إلاَّ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله لا يؤويني وإيَّاك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا بن يامين فلله عليّ إن أفلتّ وقدرتُ عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك.
وقال أبو عبد الله المؤذن:
كنت مع ابن أبي شريح في طريق غور، فأتاه إنسان في بعض تلك الجبال فقال له: إنَّ امرأتي ولدت لستة أشهر..
فقال: هو ولدك، قال رسول الله «الولد للفراش»، فعاوده، فردَّ عليه كذلك.
فقال الرجل: أنا لا أقول بهذا. فقال: إنَّ هذا الغزو، وسلَّ عليه السيف، فأكببنا عليه، وقلنا: جاهل، لا يدري ما يقول.
وقال أبو الحسين الطبسي:
سمعت أبا سعيد الأصطخري يقول: ...وجاءه رجل وقال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هو زاد إخوانكم من الجن».. فقال له: الإنس أفضل أم الجن؟
قال: بل الإنس. قال: فلِمَ يجوز الاستنجاء بالماء وهو زاد الإنس؟
قال: فنـزا عليه وأخذ بحلقه وهو يقول: يا زنديق، تُعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.. وجعل يخنقه، فلولا أني أدركته ل***ه، أو كما قال.
قال ابن القيم:
هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟.. وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟. فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم.
ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قدَّم حُكمه على نصِّ الرسول بالسيف، وقال: هذا حُكمي فيه..
فيا الله!
كيف لو رأى ما رأينا؟ وشاهد ما بُلينا به من تقديم رأي كلِّ فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ومعاداة من اطَّرح آراءهم وقدَّم عليها قول المعصوم؟
فالله المستعان .. وهو الموعد .. وإليه المرجع.


محمد رافع 52 02-03-2013 12:06 PM

الخَاتَمَـة

هذه نصوص الكتاب والسُّنة جليَّة في تعظيم السُّنة.
وهذا موقف السلف (الصحابة والتابعين) مِمَّن عارضها، ترى فيه القوَّة والحزم والشدَّة على من بدر منه شيءٌ فيه معارضة السُّنة.
قال ابن القيم:
وقد كان السلف الطيب يشتدُّ نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيٍ أو قياسٍ أو استحسانٍ أو قول أحدٍ من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يُضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقِّي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله.
فقارن أيها المسلم بين موقف السلف مِمَّن عارض السُّنة وموقف أهل هذا العصر مِمَّن استهزأ بالسُّنة.
وقبل ذلك انظر قول أولئك، ثم انظر قول أهل هذا العصر.
أمَّا أولئك فقد رأيت، وأما هؤلاء فخُذ أمثلة على استهزائهم:
1- ردَّ بعضهم حديثًا فقيل له: إنه في صحيح مسلم، فقال: ضعه تحت قدمك!
2- ويقول أحدهم بكلِّ وقاحة تعليقًا على حديث «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم...»: أنا آخذ بقول الطبيب الكافر ولا آخذ بقول الرسول!
3- وقال آخر: إذا عارض الحديث العقل فردّه. فقيل له: وإن كان في صحيح البخاري؟.. قال: وإن كان في صحيح البخاري، ولا كرامة!
هكذا يستهزئ هؤلاء بالسُّنة ويسخرون!
فما موقف أهل زماننا منهم وكيف يعاملونهم؟
بالهجر والزجر والمقاطعة؟.. لا.
بل أكثر يُمجِّدونهم ويُعظِّمونهم، اتباعًا للهوى وتحكيمًا للرأي ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ[ [القصص : 50].
قد اغترُّوا بكثرة أعمالهم وشهرتهم عند الناس، ونسوا أنَّ من شرط قبول الأعمال الإيمان ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ[ [طه : 112].
والاستهزاء بالسُّنة ناقض للإيمان، وهذا ناتج عن عدم اتباع الكتاب والسُّنة، ]إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى[ [النجم : 23].
]أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[ [الجاثية : 23].
وفي الحديث: «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيُحرِّمون الحلال ويُحلِّلون الحرام».
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا».
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لو كان الدِّين بالرأي لكان أسفل الخفِّ أولى بالمسح من أعلاه».
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، وإياكم والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق».
قال ابن بطة: فاعتبروا يا أولي الأبصار، فشتَّان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين مُلئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم والشحُّ على أديانهم، وبين زمانٍ أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم..
هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد من سادتهم يقطع رحمه ويهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلف أيضًا على قطيعته وهجرانه، وهو يعلم ما في صلة الأقربين وقطيعة الأهلين.
وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء – سَمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «حكيم هذه الأمة» – وأبو سعيد الخدري؛ يظعنون عن أوطانهم، وينتقلون عن بلدانهم، ويظهرون الهجرة لإخوانهم، لأجل مَن عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوقَّف عن استماع سُنته..!
فيا ليت شعري كيف حالنا عند الله عزَّ وجل ونحن نلقَى أهل الزيغ في صباح مساء يستهزئون بآيات الله ويعاندون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حائدين عنها وملحدين فيها؟!
سلمنا الله وإياكم من الزيغ والزلل.
وإذا كان بعض المنتسبين إلى أهل السُّنة والجماعة لا يتورَّع عن تمجيد الساخرين بالسُّنة وتعظيمهم، فإنَّ من المنتسبين كذلك مَن وقع في شيء من السخرية والاستهزاء بالسُّنة، وذلك فيما يُسمى بـ«السُنن الجبلية» كإطالة الشعر، فإذا رأى شابًا يحرص على ذلك ويُطبِّقه لمزه وغمزه وتهكَّم به، ولا يدري المسكين أنه يسخر من شيءٍ فعله النبي صلى الله عليه وسلم !
وإذا كان هذا البائس لا يرى مشروعية الاقتداء بالسُنن الجبلية – كما هو رأي بعض أئمَّة العلم– فليعلم أنَّ هذا لا يبيح له الاستهزاء بمن يرى ذلك ويفعله، وإن كان قصده التوجيه والإرشاد فباب النقاش العلمي مفتوح.
وأخطر من هؤلاء من يسخر بالأفعال التعبُّدية التي جاء الأمر فيها صريحًا كتقصير الثياب إلى نصف الساق، وكالصلاة إلى السترة، وغير ذلك.
وإني لأعجب من هؤلاء الذين تضيق صدورهم عندما يرَون من يجتهد في تطبيق السُّنة، حتى وإن كانت جبلية، فإنّ من يعمل بها لَم يرتكب مُحرَّمًا ولا مكروهًا، فهو على أقلِّ الأحوال لم يخرج عن المباح.
فلماذا تضيق صدورهم عند رؤية هؤلاء ما لا تضيق عند رؤية أهل البدع والمعاصي؟ !
أيريدون أن يكونوا كالذين ي***ون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان؟!
فالله المستعان.


محمد رافع 52 02-03-2013 12:08 PM

أيها الأخوة:
إنَّ الاستهزاء بالسُّنة والسخرية بها نذير شرّ، وأيّ شر.
قال عبد الله بن الديلمي: بلغني أنَّ أول ذهاب الدين ترك السُّنة.
يذهب الدين سُنةً سنة، كما يذهب الحبل قوَّةً قوة .
فعودة أيها الناس إلى الكتاب والسُّنة على فهم سلف الأمة.
فَكُلُّ خيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَف --- وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَن مُخْلِفِ

قال أبو حفص عمرو بن سلمة النيسابوري الحداد: من لم يزن أفعاله وأحواله في كلِّ وقتٍ بالكتاب والسُّنة، ولم يتهم خواطره، فلا تعدّه في ديوان الرجال.
وقال محمد بن عبد الوهاب في رسالته «نواقض الإسلام»:
ومن أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر، ومن استهزأ بشيءٍ من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر.
والدليل قوله تعالى: ]قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[ [التوبة : 65، 66].
ويقول سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
أجمع العلماء على كفر من فعل شيئًا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء – إجماعًا.


محمد رافع 52 02-03-2013 12:09 PM

أيها المسلمون:
إنَّ الأمر خطير جدّ خطير.
فإنكم لو قارنتم بين ما قاله ذلك الرجل في غزوة تبوك والذي بسببه نزلت هذه الآية وبين ما يقول بعض المنتسبين للدعوة اليوم – لوجدتم أنَّ قول هؤلاء أعظم وأشد من قول أولئك، فالله المستعان.
قال ابن بطة: فالله الله إخواني، احذروا مجالسة من قدر أصابته الفتنة فزاغ قلبه، وعشيت بصيرته، واستحكمت للباطل نصرته؛ فهو يخبط في عشواء، ويعشو في ظلمة. أن يصيبكم ما أصابهم.
فافزعوا إلى مولاكم الكريم فيما أمركم به من دعوته، وحضَّكم عليه من مسألته فقولوا:
]رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[ [آل عمران : 8].
كتبه الفقير إلى الله تعالى
عبد القيوم بن محمد بن ناصر السحيباني
وكان الفراغ منه ليلة الثلاثاء
الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة 1413هـ
بالمدينة النبوية
ثم روجع – في طبعته الثانية – فزيد فيه، وحذف منه وكان الفراغ من ذلك بعد ظهر الخميس الثامن من شهر جمادى الأولى سنة 1420هـ
بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم


محمد رافع 52 02-03-2013 12:16 PM

وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها



الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد المرسل رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وعلى آله وأصحابه الذين حملوا كتاب ربهم سبحانه، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم، بغاية الأمانة والإتقان، والحفظ التام للمعاني والألفاظ رضي الله عنهم وأرضاهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
أما بعد: فقد أجمع العلماء قديماً وحديثاً على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ثم إجماع علماء الأمة.

واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر:
أما الأصل الأول: فهو كتاب الله العزيز، وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به، والوقوف عند حدوده، قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[1]، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[2]، وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[3]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[4] وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[5] . وقال تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِه}[6] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، دالة على أن من تمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلال، ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله)) رواه مسلم في صحيحه، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به)) فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) وفي لفظ قال: في القرآن: ((هو حبل الله من تسمك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال)).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي إجماع أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إليه، مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن.
أما الأصل الثاني من الأصول الثلاثة المجمع عليها: فهو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، يؤمنون بهذا الأصل الأصيل، ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة، وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته، وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم؛ لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته، حتى تقوم الساعة، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المفسر لكتاب الله، والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره، ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة، والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات، وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات.
ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[7]، وقوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[8]، وقال تعالى في سورة النساء أيضا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[9]، وكيف تمكن طاعته ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله، إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت كلها غير محفوظة، وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له، وهذا من أبطل الباطل، ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به، وقال عز وجل في سورة النحل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[10]، وقال فيها أيضا: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لهم الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[11]، فكيف يكل الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم تبيين المنزل إليهم، وسنته لا وجود لها أو لا حجة فيها، ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[12]، وقال تعالى في السورة نفسها: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[13].
وقال في سورة الأعراف: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[14] وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهداية والرحمة في اتباعه عليه الصلاة والسلام، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته، أو القول بأنه لا صحة لها، أو لا يعتمد عليها، وقال عز وجل في سورة النور: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْم}[15]، وقال في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[16] والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام، واتباع ما جاء به، كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتاب الله، والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان، من جحد واحداً منهما فقد جحد الآخر وكذب به، وذلك كفر وضلال، وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب طاعته، واتباع ما جاء به، وتحريم معصيته، وذلك في حق من كان في عصره، وفي حق من يأتي بعده إلى يوم القيامة، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله))، وفي صحيح البخاري عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))، وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه))
وخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح: عن ابن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)). وعن الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه يقول: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال ((يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله)) أخرجه الحاكم والترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته، أن يبلغ شاهدهم غائبهم، ويقول لهم: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم: ((فليبلغ الشاهد الغائب فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه)) فلولا أن سنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته، ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة، لم يأمرهم بتبليغها، فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه عليه الصلاة والسلام وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة.
وقد حفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنته عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية، وبلغوها من بعدهم من التابعين، ثم بلغها التابعون من بعدهم، وهكذا نقلها العلماء الثقات جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، وجمعوها في كتبهم، وأوضحوا صحيحها من سقيمها، ووضعوا لمعرفة ذلك قوانين وضوابط معلومة بينهم، يعلم بها صحيح السنة من ضعيفها، وقد تداول أهل العلم كتب السنة من الصحيحين وغيرهما، وحفظوها حفظاً تاماً، كما حفظ الله كتابه العزيز من عبث العابثين، وإلحاد الملحدين، وتحريف المبطلين، تحقيقاً لما دل عليه قوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[17]، ولا شك أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي منزل، فقد حفظها الله كما حفظ كتابه، وقيض الله لها علماء نقادا، ينفون عنها تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون والملحدون؛ لأن الله سبحانه جعلها تفسيرا لكتابه الكريم، وبيانا لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها أحكاما أخرى، لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع، وبعض أحكام المواريث، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم تذكر في كتاب الله العزيز.

محمد رافع 52 02-03-2013 12:21 PM

ذكر بعض ما ورد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها..
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))؟ فقال أبو بكر الصديق: (أليست الزكاة من حقها؟ والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها) فقال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق وقد تابعه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فقاتلوا أهل الردة حتى ردوهم إلى الإسلام، و***وا من أصر على ردته، وفي هذه القصة أوضح دليل على تعظيم السنة، ووجوب العمل بها.
وجاءت الجدة إلى الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها، فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لك بشيء، وسأسأل الناس. ثم سأل رضي الله عنه الصحابة: فشهد عنده بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، فقضى لها بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله، فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله، فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أشكل عليه حكم إملاص المرأة، وهو إسقاطها جنيناً ميتاً، بسبب تعدي أحد عليها، سأل الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بغرة عبد أو أمة. فقضى بذلك رضي الله عنه.
ولما أشكل على عثمان رضي الله عنه حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها، وأخبرته فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد وفاة زوجها: أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله. قضى بذلك رضي الله عنه، وهكذا قضى بالسنة في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة.
ولما بلغ علياً رضي الله عنه أن عثمان رضي الله عنه ينهى عن متعة الحج أهلَّ علي رضي الله عنه بالحج والعمرة جميعاً، وقال: (لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس).
ولما احتج بعض الناس على ابن عباس رضي الله عنهما في متعة الحج، بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تحبيذ إفراد الحج، قال ابن عباس : (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟)، فإذا كان من خالف السنة لقول أبي بكر وعمر تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفهما لقول من دونهما، أو لمجرد رأيه واجتهاده!.
ولما نازع بعض الناس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في بعض السنة، قال له عبد الله : (هل نحن مأمورون باتباع عمر أو باتباع السنة؟) ولما قال رجل لعمران بن حصين رضي الله عنهما: حدثنا عن كتاب الله. وهو يحدثهم عن السنة، غضب رضي الله عنه وقال: (إن السنة هي تفسير كتاب الله)، ولولا السنة لم نعرف أن الظهر أربع، والمغرب ثلاث، والفجر ركعتان، ولم نعرف تفصيل أحكام الزكاة إلى غير ذلك، مما جاءت به السنة من تفصيل الأحكام، والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في تعظيم السنة ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جداً. ومن ذلك أيضا أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما حدث بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) قال بعض أبنائه: والله لنمنعهن. فغضب عليه عبد الله وسبه سباً شديداً، وقال: (أقول قال رسول الله وتقول: والله لنمنعهن؟).
ولما رأى عبد الله بن المغفل المزني رضي الله عنه، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أقاربه يخذف، نهاه عن ذلك وقال له: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف)، وقال: ((إنه لا يصيد صيداً ولا ينكأ عدواً، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين)). ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال: (والله لا كلمتك أبدا، أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف ثم تعود).
وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل، أنه قال: (إذا حدثت الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال). وقال الأوزاعي رحمه الله: (السنة قاضية على الكتاب)، أي تقيد ما أطلقه، أو بأحكام لم تذكر في الكتاب، كما في قول الله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[18].
وسبق قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه)) وأخرج البيهقي عن عامر الشعبي رحمه الله أنه قال لبعض الناس: (إنما هلكتم في حين تركتم الآثار) يعني بذلك الأحاديث الصحيحة.
وأخرج البيهقي أيضًا عن الأوزاعي رحمه الله أنه قال لبعض أصحابه: (إذا بلغك عن رسول الله حديث فإياك أن تقول بغيره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبلغاً عن الله تعالى)، وأخرج البيهقي عن الإمام الجليل سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله أنه قال: (إنما العلم كله، العلم بالآثار)، وقال مالك رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين).
وقال الشافعي رحمه الله: (متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً فلم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب). وقال أيضا رحمه الله: (إذا قلت قولاً وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه، فاضربوا بقولي الحائط).
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لبعض أصحابه: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي، وخذ من حيث أخذنا) وقال أيضا رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذهبون إلى رأي سفيان، والله سبحانه يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[19] ثم قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله عليه الصلاة والسلام، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك).
وأخرج البيهقي عن مجاهد بن جبر التابعي الجليل أنه قال في قوله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[20] قال: (الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة).
وأخرج البيهقي عن الزهري رحمه الله أنه قال: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة) وقال موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في كتابه روضة الناظر، في بيان أصول الأحكام، ما نصه: (والأصل الثاني من الأدلة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، لدلالة المعجزة على صدقه، ولأمر الله بطاعته، وتحذيره من مخالفة أمره) انتهى المقصود. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[21] أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته، وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي: فليخش وليحذر من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الدنيا ب*** أو حد أو حبس أو نحو ذلك.

كما روى الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها)) أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
وقال السيوطي رحمه الله في رسالته المسماة: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) ما نصه: (اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة) انتهى المقصود. والآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تعظيم السنة، ووجوب العمل بها، والتحذير من مخالفتها كثيرة جداً، وأرجو أن يكون في ما ذكرنا من الآيات والأحاديث والآثار كفاية ومقنع لطالب الحق، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، وأن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم إنه سميع قريب.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
---------------------------------------------
[1] الأعراف الآية 3.
[2] الأنعام الآية 155.
[3] المائدة الآيتان 15-16.
[4] فصلت الآيتان 41-42.
[5] الأنعام الآية 19.
[6] إبراهيم الآية 52.
[7] آل عمران الآية 132.
[8] النساء الآية 59.
[9] النساء الآية 80.
[10] النحل الآية 44.
[11] النحل الآية 64.
[12] النور الآية 54.
[13] النور الآية 56.
[14] الأعراف الآية 158.
[15] النور الآية 63.
[16] الحشر الآية 7.
[17] الحجر الآية 9.
[18] النحل الآية 44.
[19] النور الآية 63.
[20] النساء الآية 59.
[21] النور الآية 63.



محمد رافع 52 02-03-2013 12:27 PM

الثورةُ عَلى السنةِ النبوية



د. علي بن عبد الله الصيّاح


إنَّ مِنْ أسبغ نعم الله على هذه الأمة حفظ دينها بحفظ كتابه العزيز، وسنة نبيه الكريم، قال تعالى : { إِنّا نَحْنُ نَزّلنا الذِّكرَ وإِنّا لهُ لحافظون } وهذا الوعد والضمان بحفظ الذكر يشمل حفظ القرآن ، وحفظ السنة النبوية - التي هي المفسرة للقرآن وهي الحكمة المنزلة كما قال تعالى { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } -وقد ظهر مصداقُ ذلك مع طول المُدّة، وامتدادِ الأيام، وتوالي الشهور، وتعاقبِ السنين، وانتشارِ أهل الإسلامِ، واتساعِ رُقعتهِ، فقيض الله للقرآن من يحفظه ويحافظ عليه.
وأما السُّنَّةُ فإنَّ الله تعالى وَفَّق لها حُفَّاظاً عارفين، وجهابذةً عالمين، وصيارفةً ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المُبْطلين، وتأويل الجاهلين ، فتفرغوا لها، وأفنوا أعمارهم في تحصيلها، وبيانها والاستنباط منها، وتمييزِ ضعيفها من صحيحها، فجزاهم اللهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ وأوفرَهَ.
هذا وفهم السنة النبوية وبيانُ حِكَمها وأحكامها له أصول وقواعد يُنطلق منها وفق منهج علميّ رصين ، فمن لم يراع هذه القواعد العلمية والأسس المنهجية كان فهمه للسنة النبوية –في الواقع-ثورة عليها وتغييراً لدلالتها، وبالتالي يصبح الأمر فوضى ، وتضيع كل قواعد العلم ، وتصبح السنة النبوية حمى مستباحاً لكل من هبّ ودب !، يقرأ أحدهم كتاباً في "السنة النبوية" يوم السبت، ويصنف فيه يوم الأحد، ويدعو كلَّ أحد للاستنباط يوم الاثنين، أما يوم الثلاثاء فيطاول الأئمة ويقول: نحن رجال وهم رجال!!..
قال ابنُ حزم في السير ((لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويظنون أنهم مصلحون )).
وقال الجرجاني في دلائل الإعجاز:((إذا تعاطى الشيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعضل الداء واشتد البلاء)).
إنَّ مسألة فَهْم السنةِ النبوية وبيان حِكَمها وأحكامها والاستنباط منها، وتمييزِ ضعيفها من صحيحها، ليست من قبيل الثقافة العامة التي يتناولها الكتاب والمفكرون والمثقفون والشعراء بالنقد والتعليق كما يتناولون نقد القصيدة أو المقالة ، وإنما هي مسألة علمية ، تتعلق بدين الله وشرعه، والقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم كالقول على الله بلا علم لأنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا هو وحي يوحي .
قال ابنُ القيم في إعلام الموقعين: ((وقد حرَّم الله القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها؛ قال تعالى: "قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..." الآية، فرتَّب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو الفواحش، وثنّى بما هو أشد تحريمًا منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما، وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أعظم تحريمًا من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعمُّ القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه)) وقال تعالى {[ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }.
وهنا أصول ينبغي لمن أراد الاستنباط من السنة النبوية أن يراعيها لكي يكون كلامه من *** كلام أهل العلم والأيمان المؤصل تأصيلاً علمياً :
1- استشعار عظمة وخطورة الكلام عن الله ورسوله بدون علم مؤصل.
2- التأكد من درجة الحديث من حيثُ الصحة والضعف، فلا تبنى الأحكام والاستنباطات على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وهذا الأصل له فنٌّ خاص عند دارسي السنة النبوية اسمه "علوم الحديث" أو "مصطلح الحديث" وهو قائم على "النقد العلمي للإسناد والمتن"، و"ضوابط توثيق الأخبار" وتنقية السنة مما قد يشوبها، وقد سئل عبد الله بن المبارك-الإمام المشهور-: عن الأحاديث الموضوعية؟ فقال: "تعيش لها الجهابذة، قال تعالى { إنا نحن نزلنا الذِّكر وإنا له لحافظون}"، وأخذ هارونُ الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين ؟ قال: أريح العباد منك، قال: فأين أنتَ من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأين أنت ياعدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا !.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : » المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب ، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث ، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب ، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة ، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك ، فلكل علم رجالٌ يعرفون به ، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً ، وأعظمهم صدقاً ، وأعلاهم منزلة ، وأكثرهم ديناً ، وهم من أعظم الناس صدقاً و أمانة وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل ، مثل : مالك وشعبة وسفيان ... «
وعلم الإسناد وما ترتب عليه لم يظهر في الأمم السابقة، وهو من أعظم إنجازات المسلمين في مجال البحث العلمي، ومثار الثناء والإعجاب من الأعداء قبل الأصدقاء.
3- جمعُ روايات وألفاظ الحديث الواحد فالحديث بمجموعه يفسر بعضه بعضاً، قال أحمد بن حنبل :(( الحديث إذا لم تُجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يُفسر بعضه بعضاً ))، قال ابن حجر في الفتح:((المتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث ))، لذا تجد الشارح البارعين –أمثال: ابن عبد البر في كتبيه "التمهيد" و"الاستذكار" ، وابن رجب في كتابه "فتح الباري" وبقية كتبه، و ابن حجر شارح صحيح البخاري في كتابه "فتح الباري" - يُعنون في بيانهم لسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بجمع روايات وألفاظ الحديث الواحد، وقد ذكر العلائيّ في كتابه " نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد" -قاعدة شريفة عظيمة الجدوى في هذا الباب يحسن بالمتخصص أن يتقنها.
ومما يمثل به على هذا الأصل حديث أم حرام بنت ملحان –المتفق على صحته- فله طرق كثيرة وألفاظ عديدة ففي بعض طرقه أنَّ أم حرام "قالت:يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت" قد يفهم بعضهم من هذه الرواية أنها خرجت بدون محرم، ولكن هذا الفهم مردود بالرواية الأخرى –المتفق على صحتها- "فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية..." وهكذا الروايات والألفاظ يفسر بعضها بعضاً لمن طلب الحق بصدق وعدل.
4- جمع الأحاديث الواردة في المسالة المستنبطة، ومراعاة قواعد وأصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، والفقهاءُ المحققون إذا أرادوا بحث قضية ما، جمعوا كل ما جاء في شأنها من الكتاب والسنة، ، وأحسنوا التنسيق بين شتى الأدلة،
قال الشاطبي : » من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية ولا ينظم بعضها ببعض، فيوشك أن يزل، وليس هذا من شأن الراسخين وإنما هو من شأن من استعجل طلبا للمخرج في دعواه« .
وقال أيضاً : » ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد : وهو الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض ، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامّها المرتب على خاصّها ، ومطلقها المحمول على مقيدها ، ومجملها المفسر بِبَيّنها ، إلى ما سوى ذلك من مناحيها ، -إلى أن قال - فشأن الراسخين : تصور الشريعة صورة واحدة ، يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة،وشأنُ متبعى المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفواً وأخذاً أولياً وإنْ كان ثم ما يعارضه من كلى أو جزئى، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلا « .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : » إذا ميّز العالم بين ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما لم يقله ، فإنه يحتاج أن يفهم مراده ويفقه ما قاله ، ويجمع بين الأحاديث ويضم كل شكل إلى شكله ، فيجمع بين ما جمع الله بينه ورسوله ، ويُفرق بين ما فرق الله بينه ورسوله ؛ فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون ، ويجب تلقيه وقبوله ، وبه ساد أئمة المسلمين كالأربعة وغيرهم « .
أما اختطاف الحكم من حديث عابر، وقراءة عجلى من غير مراعاة لما ورد في الموضوع من آثار أخرى فليس من عمل العلماء.
ومما يمثل به على هذا الأصل حديث أم حرام بنت ملحان المتقدم ذكره فقد اختطف بعضهم من الحديث جواز العسكرية للنساء هكذا بدون قيد ولا شرط ولا حال ولا زمان ، و من غير مراعاة لما ورد في الموضوع من أحاديث تأمر بالستر ومجانبة الرجال، ولهذا كان جهاد النساء الحج كما ثبت في الصحيح.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار:" قال ابنُ وهب: أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه، قال أبو عمر : لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها والله أعلم، وقد روي عنه عليه السلام من حديث عمر وبن عباس: لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم، على أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه، وهذا الخبر ..فيه إباحة النساء للجهاد وقد قالت أم عطية: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنداوي الجرحى ونمرض المرضى وكان يرضخ لنا من الغنيمة"
وليس هذا موضع الحديث عن هذه المسألة إذ المقصود هنا الإشارة والتنبيه فقط.
5- الإحاطة بقدر كاف من العلوم الأساسية و علوم الآلة المعينة على الفهم والاستنباط.

محمد رافع 52 02-03-2013 12:29 PM

وأذكر هنا وقفات سريعة :
1- جميلٌ أنْ تقرأ في "السنة النبوية" وتعيش مع أخباره صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وتطبقها عملياً، ولكن قبيحٌ أن تتصدر للفتيا والاستنباط والتصنيف من غير مقدمات علمية متخصصة، إذْ لا بدَّ من احترام التخصص، و إتيان البيوت من أبوابها، وكل من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب.
2- قال ابنُ الوزير (( ومن المعلوم لدى الفرق الإسلامية على اختلاف طبقاتها ولدى جميع العقلاء في الأرض الاحتجاج في كل فن بكلام أهله، ولو لم يرجعوا إلى ذلك لبطلت العلوم لأنّ غير أهل الفن إما أن لا يتكلموا فيه بشيء ألبته أو يتكلموا فيه بما لا يكفي ولا يشفي، ألا ترى أنك لو رجعت في تفسير غريب القرآن والسنة إلى القراء وفي القراءات إلى أهل اللغة وفي المعاني والبيان والنحو إلى أهل الحديث، وفي علم الإسناد وعلل الحديث إلى المتكلمين وأمثال ذلك لبطلت العلوم وانطمست منها المعالم والرسوم وعكسنا المعقول وخالفنا ما عليه أهل الإسلام )).
3- ما أحسن وأصدق قول الشاطبي : » وكذلك كل من اتبع المتشابهات، أو حرف المناطات، أو حمل الآيات مالا تحمله عند السلف الصالح، أو تمسك بالأحاديث الواهية، أو أخذ الأدلة ببادى الرأى، له أن يستدل على كل فعل أو قول أو أعتقاد وافق غرضه بآية أو حديث لا يفوز بذلك أصلا، والدليل عليه استدلال كل فرقة شهرت بالبدعة على بدعتها بآية أو حديث من غير توقف...فمن طلبَ خلاصَ نفسهِ تثبّت حتى يتضحَ له الطريق، ومن تساهل رمته أيدي الهوى في معاطب لا مخلص له منها إلا ما شاء الله«. من كتاب "الاعتصام" وهو كتابٌ جديرٌ بالقراءة والتأمل فإنْ ضعفتَ فقرأ البابَ الرابع منه.
4- التجرد المسبق أكبر معين على الاستنباط فلا يعتقد ثم يبحث ؛ ولكن يبحث أولاً ثم يعتقد-بالضوابط العلمية-، ويتحلى بالنصفة والعدل والاستقلال، قال الإمام الشافعي: » ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ « ، وقال أيضا : » ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بَيّنَ الله الحق على لساني أولسانه «.
5- سُئل الإمام أحمد عن حرف من الغريب فقال: (سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن).
ولو كان لي من الأمر شيء لوضعت في كل دور الطباعة والنشر عبارة " إذا تكلم المرءُ في غير فنه أتى بالعجائب والغرائب فكن على حذر"، والله الموفق.
وما تقدم من الحقائق العلمية الشرعية التأصيلية سطرتها لمّا قرأتُ كتاب "ثورة في السنة النبوية" تأليف.غازي بن عبدالرحمن القصيبي، سائلاً المولى للجميع التوفيق والهداية.

و صلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.


محمد رافع 52 02-03-2013 12:31 PM

تنبيه على شناعة وخطورة وصف السنة النبوية بالأوصاف البذيئة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على معلم البشرية وهادي الإنسانية نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فقد استمعت إلى ما تحدث به الأخ الكاتب الصحفي يحيى الأمير لإحدى القنوات الفضائية في سياق وصفه لأحد الأحاديث النبوية الشريفة بوصف مقذع ، وهو وصف في حقيقة الأمر لمن تحدَّث بالحديث الشريف وهو نبينا محمد حاشاه عليه الصلاة والسلام من كل سوء أو إساءة.

فقد نص الكاتب المشار إليه على وصف قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " بأنه: "خطاب متوحش"!! وأنه تضمن "وحشية مفرغة من سياقاتها" !!. ثم اخترع قاعدة من عنده في الحكم على السنة النبوية مبنية على الإحساس بتوحش نصوصها كما يزعم!! ليتم ردها ورفضها.

وبداية فهذا الحديث الشريف الصادر ممن لا ينطق عن الهوى حديث متفق على صحته، وقد تلقته الأمة بالقبول، حيث إنه مسند بأسانيد كالشمس في أصح الكتب بعد كتاب الله، فقد رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعاً، وأيضاً رواه غيرهما في كتب السنة الشهيرة.

والذي نجزم به أن الأخ يحيى وأي مسلم لا يمكن أن يقصد ولا أن يتعمد تنقص الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبحمد عليه الصلاة والسلام نبياً، لأن هذه الإساءة خطر على إيمان من تعمدها.

ولكن مهما قيل من حسن الظن في المسلم فالعبرة بما ظهر من كلام وكتابة أما السرائر فنكلها إلى عالمها، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أناساً كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمِنَّاه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري.

ودفعاً لما توهمه الكاتب المشار إليه وما أيدته فيه المذيعة التي استضافته في حديثه المسيء لجناب النبوة فإن النص النبوي الكريم لم يحمل "توحشاً" ولا إساءة لجانب النساء كما توهمه، بل هو رحمة وهداية للناس أجمعين، وتنظيم لعلاقاتهم من أجل حياة طاهرة كريمة، وهو مؤيد بكلام الرب جل وعلا في القرآن العظيم: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ) الآية من سورة آل عمران.

وللأسف فإن الكاتب المذكور ومن يشابهه في تحكيم عقولهم في نصوص الوحي المقدس من القرآن والسنة كثيراً ما تخونهم أفهامهم وعقولهم، ولو أنهم رجعوا إلى أهل العلم فيما أشكل عليهم لما وقعوا فيما وقعوا فيه من تنقص القرآن والسنة ووصفهما بالأوصاف المشينة.

وليعلم أن منهج الأئمة في فهم كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام التسليم المطلق، وأن ينزَّل على أحسن محامله، وأن يجمعوا النصوص الواردة في مسألة محددة ليتضح المراد فيها فكلام الله وكلام رسوله يصدق بعضه بعضاً.

وهذا ما أوضحه الحافظ ابن كثير حين أورد الآية من سورة آل عمران حيث قال: فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه. ا.هـ.

فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " لم يكن مفرغاً من سياقه كما زعم الكاتب المذكور، بل هو مراد ومقصود وله دلالاته المشاهدة في القديم والحديث ، وليس هذا قدحاً في النساء ولا إقلالاً من شأنهن ، بل هو تقرير للواقع الإنساني، فالميل إلى النساء مركوز في الطبع ، وضعه الله تعالى لحكمة بقاء النوع بداعي طلب التناسل؛ إذ المرأة هي موضع التناسل ، فجعل ميل الرجل إليها في الطبع حتى لا يحتاج بقاء النوع إلى تكلف ربما تعقبه سآمة.

وفي الحين نفسه قررت الشريعة أن من الرجال من يتجاوز حدود الله فينتهك حرمة النساء فيظلمهن ويظلم نفسه ، كما لا يخلو منه زمان ومكان ، ولذلك جاء هذا الحديث وما في معناه ليوجد ضوابط تنظم العلاقة بين الرجال والنساء، من أجل أن تقف النفوس عند الحد السليم من تعاطي هذه «الشهوات» المحببة إلى النفوس بين ال***ين، وهو الحد الباني للنفس وللحياة ، وليس حد الكبت والحرمان.

وفي هذه التنبيهات القرآنية والنبوية _ كما لا يخفى _ حماية للمرأة من ظلم الرجل واندفاعه غير المحسوب نحوها. وحماية لكيان المجتمع بأسره.

ونلحظ في التعبير القرآني الوصف بأنها "شهوات" وفي التعبير النبوي "فتنة" فهي شهوات مستحبة مستلذة إنسانياً؛ وليست مستقذرة ولا كريهة. ولكنها تكون مهلكة إن تم فيها تجاوز المباح، والتعبير لا يدعو إلى استقذارها وكراهيتها؛ إنما يدعو فقط إلى معرفة طبيعتها وبواعثها ، ووضعها في مكانها لا تتعداه.

ويا سبحان الله! كيف يصف الأخ يحيى الوحي الرباني لنبينا عليه الصلاة والسلام الذي فيه تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء، وفيه أيضاً حماية المرأة بأنه "متوحش"!! وهو عليه الصلاة والسلام الذي أخبرنا عن قول الحق سبحانه: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [سورة البقرة:187] وقوله تعالى في آية ثانية: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

ويا سبحان الله! كيف يجترئ الأخ يحيى على تلك الأوصاف لأرحم الخلق بالخلق... ألم يسمع اللطف والحنو النبوي على النساء في مناسبات متعددة، وقد حثَّ على حمايتهن واللطف بهن في أعظم مشاهد البشرية وتاريخها، هناك في حجة الوداع حيث قال عليه الصلاة والسلام: " اسْتَوْصُوا بالنساء خيراً " رواه الشيخان.

وبهذا فإني أدعو الأخ الكاتب لمراجعة منهجيته في التعامل مع نصوص السنة المشرفة، وأن يرجع عن هذا الخطأ الفاحش، وإذا أشكل عليه شيء فليراجع المتخصصين ولا يتكل على فهمه وعقله ، فالسنة قسيمة القرآن، ومن أساء إليها فقد أساء إلى من أوحيت إليه، واعترض على من أوحاها. وحسبك بهذا زيغاً وضلالاً.

والواجب علينا جميعاً تعظيم السنة ونصوصها، والحذر من تقديم آرائنا في الاعتراض عليها أو تحييدها، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات:1].
وقال سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7] .
وقال جلَّ وعلا: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].
وقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

قال الإمام أحمد رحمه الله: أتدري ما الفتنة؟! الفتنة: الشرك. لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

ويبقى في الخاتمة عتب كبير على هيئة الصحفيين بالمملكة أنها لم تنكر هذه المقولة على قائلها، وبخاصة أن الهيئة يقوم عليها اثنان من كبار الصحفيين وعندهما من الغيرة على القرآن والسنة ومن الرشد وطول الخبرة ما يكفل ذلك ، إذ المنتظر أن يكون لهيئة الصحفيين دورها في رد الأطروحات المسيئة للشريعة الإسلامية أو للقرآن والسنة أو المسيئة للوطن أو لعموم ثوابتنا وقضايانا الكبرى، بحكم الاختصاص، لأن المتحدث بتلك الأغلوطات منتسب للصحفيين، ونحن ندرك أن الصحافة والصحفيين في المملكة براء من أن ينشز من بينهم شيء من تلك الإساءات لنبي الهدى عليه الصلاة والسلام أو لسنته. بل إننا لننتظر من زملائنا الصحفيين كافة أن يكونوا عوناً لنا في التعريف بنبي الهدى ونصرته والدفاع عنه وعن سُنته عليه الصلاة والسلام.

وبعد فقد حررت ما تقدم براءةً للذمة وغيرةً على الجناب النبوي الكريم وعلى السنة المطهرة أن تحكَّم فيها الأهواء أو أن توصف بسوء، والله حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.



محمد رافع 52 02-03-2013 12:32 PM

تنبيه على شناعة وخطورة وصف السنة النبوية بالأوصاف البذيئة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على معلم البشرية وهادي الإنسانية نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فقد استمعت إلى ما تحدث به الأخ الكاتب الصحفي يحيى الأمير لإحدى القنوات الفضائية في سياق وصفه لأحد الأحاديث النبوية الشريفة بوصف مقذع ، وهو وصف في حقيقة الأمر لمن تحدَّث بالحديث الشريف وهو نبينا محمد حاشاه عليه الصلاة والسلام من كل سوء أو إساءة.

فقد نص الكاتب المشار إليه على وصف قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " بأنه: "خطاب متوحش"!! وأنه تضمن "وحشية مفرغة من سياقاتها" !!. ثم اخترع قاعدة من عنده في الحكم على السنة النبوية مبنية على الإحساس بتوحش نصوصها كما يزعم!! ليتم ردها ورفضها.

وبداية فهذا الحديث الشريف الصادر ممن لا ينطق عن الهوى حديث متفق على صحته، وقد تلقته الأمة بالقبول، حيث إنه مسند بأسانيد كالشمس في أصح الكتب بعد كتاب الله، فقد رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعاً، وأيضاً رواه غيرهما في كتب السنة الشهيرة.

والذي نجزم به أن الأخ يحيى وأي مسلم لا يمكن أن يقصد ولا أن يتعمد تنقص الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبحمد عليه الصلاة والسلام نبياً، لأن هذه الإساءة خطر على إيمان من تعمدها.

ولكن مهما قيل من حسن الظن في المسلم فالعبرة بما ظهر من كلام وكتابة أما السرائر فنكلها إلى عالمها، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أناساً كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمِنَّاه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري.

ودفعاً لما توهمه الكاتب المشار إليه وما أيدته فيه المذيعة التي استضافته في حديثه المسيء لجناب النبوة فإن النص النبوي الكريم لم يحمل "توحشاً" ولا إساءة لجانب النساء كما توهمه، بل هو رحمة وهداية للناس أجمعين، وتنظيم لعلاقاتهم من أجل حياة طاهرة كريمة، وهو مؤيد بكلام الرب جل وعلا في القرآن العظيم: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ) الآية من سورة آل عمران.

وللأسف فإن الكاتب المذكور ومن يشابهه في تحكيم عقولهم في نصوص الوحي المقدس من القرآن والسنة كثيراً ما تخونهم أفهامهم وعقولهم، ولو أنهم رجعوا إلى أهل العلم فيما أشكل عليهم لما وقعوا فيما وقعوا فيه من تنقص القرآن والسنة ووصفهما بالأوصاف المشينة.

وليعلم أن منهج الأئمة في فهم كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام التسليم المطلق، وأن ينزَّل على أحسن محامله، وأن يجمعوا النصوص الواردة في مسألة محددة ليتضح المراد فيها فكلام الله وكلام رسوله يصدق بعضه بعضاً.

وهذا ما أوضحه الحافظ ابن كثير حين أورد الآية من سورة آل عمران حيث قال: فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه. ا.هـ.

فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ " لم يكن مفرغاً من سياقه كما زعم الكاتب المذكور، بل هو مراد ومقصود وله دلالاته المشاهدة في القديم والحديث ، وليس هذا قدحاً في النساء ولا إقلالاً من شأنهن ، بل هو تقرير للواقع الإنساني، فالميل إلى النساء مركوز في الطبع ، وضعه الله تعالى لحكمة بقاء النوع بداعي طلب التناسل؛ إذ المرأة هي موضع التناسل ، فجعل ميل الرجل إليها في الطبع حتى لا يحتاج بقاء النوع إلى تكلف ربما تعقبه سآمة.

وفي الحين نفسه قررت الشريعة أن من الرجال من يتجاوز حدود الله فينتهك حرمة النساء فيظلمهن ويظلم نفسه ، كما لا يخلو منه زمان ومكان ، ولذلك جاء هذا الحديث وما في معناه ليوجد ضوابط تنظم العلاقة بين الرجال والنساء، من أجل أن تقف النفوس عند الحد السليم من تعاطي هذه «الشهوات» المحببة إلى النفوس بين ال***ين، وهو الحد الباني للنفس وللحياة ، وليس حد الكبت والحرمان.

وفي هذه التنبيهات القرآنية والنبوية _ كما لا يخفى _ حماية للمرأة من ظلم الرجل واندفاعه غير المحسوب نحوها. وحماية لكيان المجتمع بأسره.

ونلحظ في التعبير القرآني الوصف بأنها "شهوات" وفي التعبير النبوي "فتنة" فهي شهوات مستحبة مستلذة إنسانياً؛ وليست مستقذرة ولا كريهة. ولكنها تكون مهلكة إن تم فيها تجاوز المباح، والتعبير لا يدعو إلى استقذارها وكراهيتها؛ إنما يدعو فقط إلى معرفة طبيعتها وبواعثها ، ووضعها في مكانها لا تتعداه.

ويا سبحان الله! كيف يصف الأخ يحيى الوحي الرباني لنبينا عليه الصلاة والسلام الذي فيه تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء، وفيه أيضاً حماية المرأة بأنه "متوحش"!! وهو عليه الصلاة والسلام الذي أخبرنا عن قول الحق سبحانه: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [سورة البقرة:187] وقوله تعالى في آية ثانية: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

ويا سبحان الله! كيف يجترئ الأخ يحيى على تلك الأوصاف لأرحم الخلق بالخلق... ألم يسمع اللطف والحنو النبوي على النساء في مناسبات متعددة، وقد حثَّ على حمايتهن واللطف بهن في أعظم مشاهد البشرية وتاريخها، هناك في حجة الوداع حيث قال عليه الصلاة والسلام: " اسْتَوْصُوا بالنساء خيراً " رواه الشيخان.

وبهذا فإني أدعو الأخ الكاتب لمراجعة منهجيته في التعامل مع نصوص السنة المشرفة، وأن يرجع عن هذا الخطأ الفاحش، وإذا أشكل عليه شيء فليراجع المتخصصين ولا يتكل على فهمه وعقله ، فالسنة قسيمة القرآن، ومن أساء إليها فقد أساء إلى من أوحيت إليه، واعترض على من أوحاها. وحسبك بهذا زيغاً وضلالاً.

والواجب علينا جميعاً تعظيم السنة ونصوصها، والحذر من تقديم آرائنا في الاعتراض عليها أو تحييدها، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات:1].
وقال سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7] .
وقال جلَّ وعلا: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].
وقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

قال الإمام أحمد رحمه الله: أتدري ما الفتنة؟! الفتنة: الشرك. لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

ويبقى في الخاتمة عتب كبير على هيئة الصحفيين بالمملكة أنها لم تنكر هذه المقولة على قائلها، وبخاصة أن الهيئة يقوم عليها اثنان من كبار الصحفيين وعندهما من الغيرة على القرآن والسنة ومن الرشد وطول الخبرة ما يكفل ذلك ، إذ المنتظر أن يكون لهيئة الصحفيين دورها في رد الأطروحات المسيئة للشريعة الإسلامية أو للقرآن والسنة أو المسيئة للوطن أو لعموم ثوابتنا وقضايانا الكبرى، بحكم الاختصاص، لأن المتحدث بتلك الأغلوطات منتسب للصحفيين، ونحن ندرك أن الصحافة والصحفيين في المملكة براء من أن ينشز من بينهم شيء من تلك الإساءات لنبي الهدى عليه الصلاة والسلام أو لسنته. بل إننا لننتظر من زملائنا الصحفيين كافة أن يكونوا عوناً لنا في التعريف بنبي الهدى ونصرته والدفاع عنه وعن سُنته عليه الصلاة والسلام.

وبعد فقد حررت ما تقدم براءةً للذمة وغيرةً على الجناب النبوي الكريم وعلى السنة المطهرة أن تحكَّم فيها الأهواء أو أن توصف بسوء، والله حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.



محمد رافع 52 02-03-2013 06:59 PM

دلائل نبوة خاتم المرسلين عليه الصلوات والبركات والتسليم
الحمد لله الواحد الصمد, لا إله غيره ولا رب سواه, والصلاة والسلام والبركة على نبينا سيد البشرية وخيرة الخليقة ومصطفى المجتبين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وعظّم سنته, أما بعد:

أيا صاحبي! اصقل شهادتك لنبيك باصطباح هذه الرسالة وامذق واغتبق, وانهل وتعلل, واخلع نعليك فإنك بوادي الأنبياء وروضات المرسلين, وليس لمحبك فيها قليل ولا كثير, إنما هو بعد الله عالةٌ على الكواكب النيرة والفحول الشآبيب الفطاحل من سالف من مضى من علماء الأمة, الذين نفاخر بهم شتى أمم المعمورة ونغلبها في كرة تلو أختها, لصفاء المعدن الذي منه ينهلون وجلاء الضياء الذي عليه يبصرون, فالحمد لله الذي حفظ لنا ديننا بعد ما ارتضاه لنا, وأسأله التوفيق لحسن المعتقد والعمل والخُلُق, والتثبيت حتى الموافاة, إنه سميع قريب مجيب.




ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادٍ وحولي إذخر وجليلُ



وهل أرِدَن يوماً مياه مجنّةٍ ... وهل يبدون لي شامةٌ وطفيلُ


سبيل دلائل النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم رائق رنق شيق, وعبق شذي عاطر, يملأ القلب يقيناً, ويكسو النفس سكينة, ويسكب في الصدر انشراحاً, ويشحذ كلالة الهمة, وبعد هذا يرفع الهامة بالإسلام فخراً ويملأ الرأس شمماً, صلِّ اللهم وسلم وبارك عليه.


لها أحاديث من ذ**** تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد



لها بوجهك نور تستضيء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي



إذا شكت من كلال السير أوعدها ... روح اللقاء فتحيا عند ميعاد


هذا ودلائل النبوة كثيرة وعظيمة كمّاً وكيفاً وهي ما يسميها بعض أهل العلم بالمعجزات, وقد أولاها العلماء عناية تليق بصاحبها صلوات الله عليه وسلامه وبركاته.
وهي كثيرة جدًا ولا تكاد تحصر، وتفوق كمًّا وكيفًا معجزات سائر النبيين، فما من نبي أعطي معجزة إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من ***ها أعظم منها، وليس لمنازع في هذا مقالاً، وليس فيه حط من مقام الرسل فلا كان ولا يكون كَهُم لكنه بيان مقام سيدهم وسيدنا صلى الله عليهم وسلم, وإلى شيء من براهين ذلك:



"تفوّق دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على الرسل كمّاً وكيفاً"


فمعجزة نوح عليه السلام في استجابة الله دعوته، وإنجائه ومن معه من المؤمنين، وإغراق الأرض بكفارها.
فنقول: إن الله تعالى قد أرسل ملك الجبال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء عودته من الطائف حزينًا حين كذبه قومه وتبعهم أهل الطائف وأغروا به سفهاءهم، وقال له الملك: «يا محمد إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين» فقال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا»([1])، فاستجاب الله دعوته فلم يمت حتى فتح الله له مكة والطائف وكافة جزيرة العرب وأسلم أهلها.
أما نجاة نوح عليه السلام في السفينة مع المؤمنين فقد حصل لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك؛ فقد مشوا على الماء بخيولهم كما حصل في العراق وفي البحرين، ومعجزات أمته معجزات له؛ لأنها لم تتحقق وتحصل إلا ببركة اتباعهم له وتصديقهم به. أما إنهار الماء وإغراق الأرض فأعجب منه نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم في أكثر من حادثة، فأحيانًا من بين أصابعه، وأحيانًا من كنانته وأحيانًا من السماء، فكان ينزل الغيث قبل أن يتم دعاءه صلوات الله وسلامه عليه.
ومعجزة إبراهيم الخليل عليه السلام في عدم إيذاء النار لما ألقي فيها؛ فقد خمدت نيران مجوس فارس لمولده وبينه وبينها مسيرة أشهر، كما لم تؤذ النار أبا مسلم الخولاني لما ألقي فيها ببركة اتباعه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن معجزات إبراهيم عليه السلام إحياء الطيور الميتة المقطعة، فأعجب من ذلك كلام ذراع الشاة المصلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، كذلك كلام الطيور له والبهائم بل والشجر والحجر.
وأما معجزة موسى الكليم عليه السلام فكانت انقلاب العصا حية تسعى، فأعظم منها شهادة الشجر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة([2])، وتسليم الشجر والحجر عليه([3])، وتسبيح الحصا بين يديه، وتسبيح الطعام بين يديه ويدي أصحابه([4])، وحنين الجذع شوقًا إليه([5])، وكان موسى عليه السلام يضرب الحجر فتنفجر منه اثنتا عشر عينًا، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الماء يتفجر من بين أصابعه الشريفة، وقد شرب منه الألوف وحملوا واغتسلوا، قال جابر: «ولو كنا مئة ألف لكفانا ...فلقد رأيت الماء يثور من بين أصابعه كأمثال العيون» وفي روايات: «يفور»، «ينبع»، «ينفجر»، «يخرج» ([6]).
ومن معجزات موسى عليه السلام أنه إذا أدخل يده في جيب درعه أخرجها وهي بيضاء كأنها تضيء من صفائها، فأعظم من ذلك انشقاق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم حين طلب ذلك من ربه فأجابه ففلق القمر فلقتين واحدة على يمين جبل أبي قبيس والأخرى عن يساره، وقال: «اشهدوا»، وقد شهدت بذلك القبائل والأحياء التي كانت خارج مكة لما قالت قريش: لقد سحرنا محمد. كذلك فقد استجاب الله دعوته لما أسلم الطفيل وأرسله إلى قومه بآية وهي نور في وجهه ثم في طرف سوطه، فجعلوا ينظرون إليه كالمصباح([7])، كذلك حصل لأسيد بن حضير وعباد بن بشر([8])، وحمزة الأسلمي([9])، وعبد الحميد الأنصاري([10])، وقتادة بن النعمان([11]).
ومن معجزات موسى عليه السلام أن أتى قوم فرعون بالعذاب كالجراد والقمّل والضفادع والدم. وقد استجاب الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حين دعا على قريش وسأل ربه أن يعينه عليهم بسني كسبع يوسف فأخذتهم سنة حصّت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة، وينظر أحدهم للسماء فلا يرى إلا الدخان من الجوع والعطش، ثم توسلوا لرسول الله عليه الصلاة والسلام بقرابتهم ورحمهم, فدعا ربه لهم فأغاثهم بعدما أشرفوا على الهلكة. وقد فلق الله تعالى لموسى عليه السلام البحر اثني عشر فرقًا، وأعظم من ذلك فلق القمر بكامله فلقتين([12]).
ولنا استطراد يسير في شأن هذه الآية الجليلة "وانشق القمر" (القمر:1) قال ابن كثير: «شوهد انشقاق القمر في كثير من بقاع الأرض، ويقال: إنه أرخ ذلك في بعض بلاد الهند» البداية والنهاية (3/ 120).
وقال الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق): «وفي تاريخ فرشته أن أهل أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوا انشقاق القمر، وأسلم والي تلك الديار التي كانت من مجوس الهند بعدما تحقق له هذا الأمر، وقد نقل الحافظ المزي عن ابن تيمية أن بعض المسافرين ذكروا أنه وجد في بلاد الهند بناءً قديمًا مكتوبًا عليه: بُني ليلة انشق القمر» وانظر: تحرير العلامة العثيمين لذلك في: شرح العقيدة السفارينية (ص559ــ 561)
قلت: وهناك مخطوطات وسجلات ولوحات وثقت ذلك في كل من فارس والصين؛ فهناك لوحة فارسية قديمة تظهر قمرًا مشطورًا في السماء بينما الناس يشيرون إليه متعجبين وذكر في الصين معبد مكتوب على بابه عبارةٌ كتلك التي في الهند.
وعلى كل حال فلا غرابة في ذلك فالله على كل شيء قدير وهو الذي يؤتي أنبياءه ورسله ما شاء من الآيات الدالة على صدقهم، فإن قيل لم لم ينتشر هذا النبأ في الأرض كلها؟
فالجواب: إن عدم العلم ليس نقلاً للعدم، فقد يكون ذلك ولكن بسبب انقطاع الأخبار لبعد المسافات ضاع مثل ذلك، وإذا نظرنا لتوقيت ذلك فهو بعد الغروب بساعة أو ساعتين تقريبًا بتوقيت مكة المكرمة إذ القوم ليسوا بأهل سهر وسمر ــ أي في عمومهم ــ وفي مثل هذا الوقت يكون نصف الأرض نهارًا فلا يرونه والبقية نحو المشرق قد انتصف عليهم الليل وتأخرت ساعاته كلما سرنا شرقًا، أما الغرب، مصر فما بعدها فلا زالوا في آخر النهار أو أوائل شروق القمر، أما الشام والعراق ونحوها فقد يكون في السماء غيم أو نحو ذلك، كما أن الانشقاق ربما لم يطل به بل بقي لحظات قليلة حتى إذا تبينوا الآية السماوية الحسية الهائلة عادت كما كانت، كذلك فقد يكون من رآه أنكر ما يراه ولم يحدث به خجلاً أو خوفًا من أن يرمى بجنون خاصة إن كان لوحده أو نحو ذلك، وقد يكون قوم قد رأوه وتحققوا ولم يوثقوه أو وثقوه فباد معهم، وعلى كل فهذه الحادثة ثابتة عند المسلمين بنص الوحي المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر"[القمر: 1، 2]، كذلك فهو ثابت بالوحي القاطع الثاني وهي السنة النبوية الصحيحة حيث اتفق الشيخان البخاري ومسلم على رواية حديث انشقاق القمر، فلا مجال لرد ذلك، ولن نتمحّل التأويلات ونتمحك المعاذير خوفًا من كلام الماديين فنحن أشد يقينًا بذلك من رؤيتنا للشمس في رائعة النهار، فلئن أخطأت أعيننا فلن يخطئ وحي ربنا. وانظر كلام شيخ الإسلام في: الجواب الصحيح (6/ 159 وما بعدها)، مما لا مزيد عليه وسيأتي لاحقاً إن شاء الله.
ولما أعطى الله موسى عليه السلام انفلاق البحر فقد أعطى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم نظير ذلك بل أعظم منه إذ لم يحوجهم إلى فرقة لهم بل عبروا البحر بدوابهم، كما عبر ابن الحضرمي وأصحابه البحر ومشوا على الماء في البحرين([13])، وكذلك فعل أبو عبيدة الثقفي وأصحابه حينما اقتحموا نهر دجلة وهو يقذف الخشب من شدة جريانه وفيضانه([14])، وكذلك حصل لأبي مسلم الخولاني وجيشه([15]).
وإن كان قد ظُلّل موسى عليه السلام وبنو إسرائيل بالغمام في التيه فكذلك ظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكر من قصة بحيرا الراهب([16])، وقد كان عمره اثنا عشر عامًا، بل لما سبقه كبار قومه إلى ظل الشجرة وجلس هو في الشمس مال فيء الشجرة عليه، وفي هذا من التـخصيص وشدة العناية ما ليس لغيره، ولما احتاج الناس إلى الشمس بعد كثرة المطر دعا ربه واستصحى فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت السحابة([17]).
ونبي الله داود عليه السلام سخر الله له الجبال والطير يسبحن معه، وألان له الحديد، وأعظم من ذلك تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه :«لقد كنا نأكل الطعام مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام» ([18])، كذلك سبح الحصى في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وسمع تسبيحه من حضر([19])، وكانت الأشجار والأحجار تسلم عليه، وكلمه ذراع الشاة المسموم، وقد سُخرت له الطير فلما لبس إحدى خفيه جاء غراب فطار بالأخرى ورمى بها فخرجت منها حية([20])، وسخر له البعير الشارد الهائج حتى أتاه وسجد له، وشكى له مالكه الذي كان يجيعه ويدئبه([21])، وتكلّم له الذئب وشهد له بالرسالة([22])، وشكت له الحُمَّرَة آخذ بيضها فنصرها، وسخّر له الأسد فأكل من سبّه حين دعا عليه بأن يسلط الله عليه كلبًا من كلابه([23])،( والساب المأكول هو عتيبة بن أبي لهب) وسخر له تيس الجبل فنطح من شجه في وجهه ولم يزل ينطحه حتى قطّعه قطعة قطعة([24]) (والشاج القتيل هو ابن قمئة) ودلّ الأسد مولاه وصاحبه سفينة لما أضاع طريقه بعد أن قال له: إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم([25]).
أما إلانة الحديد لداود عليه السلام فقد ألان الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الصخر الجلاميد والصم الصلاب كما في غزوة الخندق حينما عرضت لهم كدية عظيمة لم تطقها المعاول، فنزل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فضربها ضربة واحدة فانهالت كأنها كثيب رمل([26])، كما ألان الله له الجبال وسكّنها بأمره لما صعد أُحُدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال مخاطبًا الجبل: «اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»([27]). ولما تحركت بهم صخرة حراء بمكة قال: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد»([28])، بل قد سوّى الله له طريقه الذي كان صعبًا([29])، واستجابت له الأشجار والأحجار فانقلعت من أصولها وخطّت الأرض بأمره حتى التأمت عليه حتى قضى حاجته ثم عادت والناس ينظرون([30])، واستجاب لأمره عذق النخلة فنزل ينقز من النخلة فشهد له بالرسالة ثم عاد لمكانه([31])، كذلك الضب قد شهد له على طلب الأعرابي، كذلك تحوّل الخشب إلى سيف صليت في يده لما هزّه ثم ناوله أبا محجن في بدر([32])، كذلك انقلب عسيب النخل إلى سيف فناوله عبد الله بن جحش في أحد([33]).
أما معجزات نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام فمنها: تسخير الريح له، وقد سُخرت لمحمد صلى الله عليه وسلم كما أرسلها الله على المشركين في الأحزاب، وكان يقول: «نصرت بالصَّبَا»([34])، أي الريح المشرقية، وتسمى صبا نجد، وقال: «نُصرت بالرعب مسيرة شهر»([35])، وسخر الله له الريح التي تسوق السحاب لما دعا ربه في مواطن كثيرة في حضره وسفره صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الريح تحمل سليمان عليه السلام فتقطع به مسافة الشهر في غدوة أو روحة ــ أي نصف نهار بمقدار ست ساعات تقريبًا ــ فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار به البُراق إلى بيت المقدس فصلى بالأنبياء فيه ثم عُرِجَ به إلى السماوات سماءً سماءً، وسلّم على أهلها، ورأى سدرة المنتهى، ودخل الجنة ورأى النار، وعُرضت عليه أعمال أمته، ورُفع حتى سمع صريف الأقلام التي تكتب القدر، ورفع حتى بلغ موضعًا لم يبلغه جبريل عليه السلام، ثم كلمه رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته، وفرض عليه الصلاة، وغفر لأمته المقحمات ــ أي المهلكات ــ ثم نزل إلى الأرض، وعاد إلى مكة، كل هذا في ليلة واحدة([36]). وقد خلد الله هذه الرحلة العظيمة ــ أعظم رحلة في تاريخ البشرية ــ في سورة الإسراء, وقد أحسن الحافظ ابن كثير في إيراد ما يتعلق بهذه الرحلة السماوية من أحاديث وآثار في صدر تفسير تلك السورة الهائلة.
وقد سخر الله الشياطين تـخدم نبيه سليمان عليه السلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمدّه الله بالملائكة المقربين في غير ما موطن، في بدر وأحد والأحزاب وحنين وغيرها. وقد كانت الشياطين تأتي لسليمان عليه السلام مكرهة مجبورة، لكنها تأتي لمحمد صلى الله عليه وسلم طائعة مؤمنة مسلمة مختارة، مستمنحة منه التعليم والقرآن، والزاد لهم ولدوابهم. وقد كان سليمان عليه السلام يفهم كلام الطير والنمل، ترجمة وإن العقل ليدهش من سماعه لصوت النملة أولاً ثم كلامها ثانيا! فما أعظم الخلاق الحكيم العليم, وقد أعطى الله هذه وأكثر وأعجب لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد كلم الطير والدواب والسحاب، بل أعظم من ذلك حينما كلمه الذراع المسموم الـمَصْلِي، كما كانت الجبال والحجارة والشجر تسلم عليه بالرسالة قبل مبعثه وتقول: «السلام عليك يا رسول الله» فيا خيبة من الدواب والحجر والشجر أفقه منه بنبي الأمة، وسيد البشرية صلى الله عليه وسلم!
أما عيسى عليه السلام فقد أعطاه الله إحياء الموتى، وقد أُعطى محمدًا صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك مثل حنين الجذع حينما تركه وكان يخطب عليه إلى منبر جديد فحنّ حنينًا كحنين العشار، فلم يزل كذلك حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منبره إليه واستلمه واحتضنه وأخذ يسكنه كما يسكن الطفل، ولا غرو فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة, كذلك كلام ذراع الشاة المسمومة له، ومثله تسليم الشجر والحجر والجبال عليه بل وأداؤهن الشهادة له لما طلبها منهن، كما فعل عذق النخل، وكذلك الضب، وكذلك التي خطت الأرض حتى وقفت وشهدت([37])، وكما أمّنت أسكفّة البيت وحوائطه على دعائه، وكما قد ورد أن الله تعالى قد أحيا بعض الموتى لبعض صحابته كابن العجوز العمياء([38])، وبعض الحيوانات كحمار المهاجر([39])، وهذا ببركة اتباعهم له وإيمانهم به.
ومن معجزات المسيح عليه السلام تكثير الطعام، وقد حدث هذا كثيرًا لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم كما في قصة شاة جابر رضي الله عنه مع صاع شعيره الذي أشبع أهل الخندق وهم زهاء ألف([40]).
ومن معجزات المسيح عليه السلام إبراء الأكمه والأعمى والأبرص، وقد أعطى الله ذلك لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ كما في قصة الأعمى الذي طلب منه ذلك([41])، ورده عين قتادة بن النعمان رضي الله عنه يوم بدر بعد أن سالت حدقته على وجنته فبرأ وكانت أحسن عينيه بل كانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى([42])، كما أبرأ عين رفاعة بن رافع رضي الله عنه لما ضُربت بسهم ففقئت([43])، وكما أبرأ عين أبي ذر رضي الله عنه في أحد([44])، ونفث في عيني علي رضي الله عنه يوم خيبر فلم يشك بعدها([45])، ومسح رجل عبد الله بن عتيك رضي الله عنه ليلة *** أبي رافع اليهودي فبرأ من ساعته([46])، ولما قُطعت يد خبيب بن أسامة رضي الله عنه تفل فيها وألزقها فالتأمت([47])، وأتاه أقرع فمسحه فنبت شعره وكثر حتى سُمي الهلب ــ أي كثير الشعر ــ([48])، وتفل على يد محمد بن حاطب رضي الله عنه لما احترقت بالنار فبرأ من ساعته([49])، وغير هذا كثير جدًا. قال ابن دريد في شأن ذلك الأقرع: كان أقرعًا فصار أفرعًا. قلت: وهذا من دلائل نبوته بخلاف من كان يدّعيها بالباطل كمسيلمة الكذاب حيث جعل الله تعالى علامات صدقه دلائل على كذبه؛ فلما مسح على قليل الشعر صار أقرعًا، ولما مسح عين الأرمد عمي، ولما بصق في البئر الأجاج غار ماؤها!
ومن معجزات المسيح عليه السلام إنزال المائدة عليه لما طلبها الحواريون، وقد حدث هذا كثيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، كما في قصة القصعة التي أكل منها الناس من الغدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة وتُـمَدُّ من السماء([50])، والطعام الذي كان يزيد ويربو من وسط القصعة وهم يأكلون، والبر والشعير الذي كان يزيد في أوعية أصحابه ببركة دعائه، وكعذق العنب الذي أوتيه خبيبٌ لما كان أسيرًا بمكة قبل أن ي***وه([51])، وكالدلو الذي علّق وتدلّى من السماء حتى أروى أم أيمن من العطش حينما كانت مهاجرة صائمة([52])، فما عطشت بعده رضي الله عنها، وكجفنة صاحب الرحى والتنور التي امتلأت بعد دعوة امرأته ربها([53]).
وكان المسيح عليه السلام يخبر بالمغيبات، وقد أعطى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في هذا أعظم العطاء وأعجبه، فقد كان يخبر ببعض ما كان وما يكون في الأزمان السحيقة في الماضي والمستقبل وما غاب من الحاضر، ويخبر الرجل عن مسألته قبل أن يسأله، ويخبره بما حدثته به نفسه، وأخبر عن علامات الساعة، ما يتبعها من أحداث رهيبة، ورُوي عنه من المغيبات التي كشفها الله تعالى له أكثر من ستمئة حديث شريف([54]).
أما عن تبشير الملائكة لمريم الصديقة بميلاد المسيح عليه السلام، فقد بُشرت أمه آمنة بنت وهب الزُّهرية حيث رأت في المنام قائلاً يقول لها: «إنك قد حملت بخير البرية، وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه أحمد ومحمد»([55])، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام»([56]).
أما كلام المسيح عليه السلام في المهد فقد أُثر عن حليمة السعدية ــ مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم ــ أنها لما فطمته تكلّم فقال: «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً»([57]).
وقد ألّف العلماء كثيرًا من المؤلفات بهذا الخصوص كأبي نعيم وابن الزملكاني وابن كثير وغيرهم.
هذا ومن آيات محمد صلوات الله عليه وسلامه وبركاته ودلائل نبوته التي في القرآن الكريم قصة أصحاب الفيل وهي متواترة عند العرب قبل الإسلام، فإن أهل الحبشة النصارى قد ساروا بجيش كثيف ليهدموا الكعبة لما أهان بعض العرب بنيانهم القُلَيْسِ الذي باليمن مضاهاة لبيت الله الحرام وبنيِّته المقدسة الكعبة، فأرسل الله عليهم طيرًا أهلكتهم، وكان ذلك العام إرهاصًا لبعثة سيد البشر حيث ولد في السنة عينها صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله في ذلك سورة الفيل.
ومن آياته كذلك أن السماء ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا قبيل مبعثه صلى الله عليه وسلم، وقد منعت الجن مما كانت تسترق قبل ذلك من السماء، قال تعالى ذاكرًا قول الجن: "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً . وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً . وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" [الجن: 8 ــ 10]


إبراهيم الدميجي
.........................([1]) متفق عليه.
([2]) ابن حبان (519).
([3]) الدارمي (21).
([4]) البخاري (3386).
([5]) متفق عليه.
([6]) متفق عليه.
([7]) أبو نعيم، وابن سعد (515).
([8]) البخاري، وأحمد (698).
([9]) البيهقي في الدلائل (6/ 79).
([10]) الحاكم (3/ 394).
([11]) أحمد (3/65).
([12]) متفق على صحته.
([13]) البيهقي في الدلائل (6/ 52).
([14]) البداية والنهاية (6/ 260ــ 279).
([15]) البيهقي في الدلائل (6/ 54).
([16]) البداية والنهاية (6/ 279)، وقد جوّد ابن حجر سند رجال الخبر كما في الإصابة (1/ 176).
([17]) متفق عليه.
([18]) البخاري (3386).
([19]) الطبراني في الأوسط (3520، 3521) بسند صحيح.
([20]) الدارمي (17).
([21]) الحاكم (4/ 467) ووافقه الذهبي.
([22]) أحمد (3835) بسند صحيح.
([23]) الحاكم (2/ 588) ووافقه الذهبي.
([24]) مصنف عبد الرزاق (5/ 290)
([25]) الحاكم (3/ 702) ووافقه الذهبي.
([26]) البخاري (524).
([27]) البداية والنهاية لابن كثير (6/ 287).
([28]) البخاري (3472).
([29]) معجم الطبراني الكبير (2/ 179).
([30]) مسلم (4/ 2306)، وانظر: المطالب العالية للحافظ (4/ 8) رقم (383).
([31]) الترمذي (3628) وصححه.
([32]) البيهقي في الدلائل (2/ 99).
([33]) مصنف عبد الرزاق (10/ 279) رقم (20539).
([34]) مسلم (988).
([35]) متفق عليه.
([36]) متفق عليه.
([37]) كل هذه الأمثلة الثلاثة قد أجراها الله تعالى له لما طلب منه آحاد الناس ــ في حوادث متفرقة ــ شهادة محددة وهي أن يشهد له كذا بالرسالة فيطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتستجيب مسخرة طائعة خاضعة. فصلى الله وسلم وبارك عليه.
([38]) الدلائل، البيهقي (6/ 5).
([39]) الدلائل، البيهقي (6/ 48) وقال: إسناده صحيح.
([40]) متفق عليه.
([41]) أحمد (4/ 138).
([42]) صحيح أبي يعلى وأبي عوانة.
([43]) الكبير، الأوسط للطبراني.
([44]) أبو يعلى (2/ 216) (ح1547).
([45]) متفق عليه.
([46]) البخاري (7/ 480).
([47]) أحمد (3/ 454).
([48]) الإصابة للحافظ ابن حجر (3/ 609) (ح8992).
([49]) أحمد (6/ 437).
([50]) الترمذي (3886) وقال: حسن صحيح.
([51]) البخاري (6/ 165).
([52]) المطالب العالية، الحافظ (4161).
([53]) أحمد (2/ 513).
([54]) انظر تقصيها في: دلائل النبوة، سعيد باشنفر.
([55]) دلائل النبوة، أبو نعيم (78).
([56]) أحمد (5/ 262).
([57]) الدلائل، البيهقي (1/ 139).

محمد رافع 52 02-03-2013 07:03 PM

دلائل النبوة
د. منقذ بن محمود السقار

دلالة أخلاقه وأحواله صلى الله عليه وسلم على نبوته

ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كرم أخلاقه وجميل صفاته، فمثل هذه الكمالات إنما هي بعض منحة الله له، وهي دليل يقنع العقلاء على نبوته صلى الله عليه وسلم، فما كان لهذه الأخلاق أن تكون لدعي يفتري على الله الكذب.
قال ابن تيمية: "ودلائل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جداً، فإن من ادعى النبوة وكان صادقاً؛ فهو من أفضل خلق الله وأكملهم في العلم والدين، فإنه لا أحد أفضل من رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه ...
وإن كان المدعي للنبوة كاذباً فهو من أكفر خلق الله وشرهم .. ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات؛ كان بينهما من الفروق والدلائل والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما، ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة".[1]
وبهذا النوع من الدلائل آمن الرهط الأول من المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تظهر على يديه معجزاته الباهرة، فأول أهل الأرض إيماناً به خديجة رضي الله عنها، استدلت لنبوة زوجها بما عرفته من كمال أخلاقه، وعظيمِ خلاله، فقالت له وقد رجع إليها من غار حراء خائفاً: (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).[2] فجعلت - رضي الله عنها - من كريم خِلاله دليلاً على صدقه ونبوته.
يكفيه في ذلك وصفُ ربهِ له ]وإنك لعلى خلق عظيم[ (القلم: 5).
وكثير من العقلاء رأوا في أخلاقه صلى الله عليه وسلم دليلاً كافياً على نبوته ، من هؤلاء هرقل ملك الروم الذي بلغه أمرُ النبي، فسأل أبا سفيان - وهو يومئذ على الكفر- عن صفاته وأخلاقه.
فلما استبانت له نبوته قال: "فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه".

كرم النبي صلى الله عليه وسلم
ومن جميل صفاته صلى الله عليه وسلم كرمُه الفياض، وجُوده السيّال، كرمُه كرمُ رجل عافت نفسه الدنيا، حتى ما عاد يفرح بإقبالها، ولا يغتم ولا يهتم بإدبارها، إنه أكرمُ الناس وأجودُهم، وصفه ابنُ عمهِ ابنُ عباس رضي الله عنه فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة).[3]
وعاشره أنس بن مالك عشرَ سنين، ثم وصفه فقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس).[4]
ومن رام إثبات ذلك فليصخ السمع وهو شهيد:
رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين فعلِقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمُرة [نوع من الشجر]، فخطِفَتْ رداءَه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضاهِ نَعَماً لقسمتُه بينَكم ، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً)).[5]
وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيتُه)). فقال عمر: يا رسول الله، ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم قولَ عمر.
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعُرف البِشر في وجهه بقول الأنصاري، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((بهذا أمرت)).[6] فعطاؤه مع العوز وقلة ذات اليد، وهذا غاية الجود.
وجاءه صلى الله عليه وسلم نفرٌ من الأنصار فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِد ما عنده، ثم قال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعففْ يعِفُّهُ الله، ومن يستغن يغنِه الله، ومن يتصبر يصبرْه الله، وما أعطي أحد عطاء هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)).[7]
وجاءته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اُكسُنيها. قال: ((نعم)).
فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتَها إياه، وقد عَرفْتَ أنه لا يرد سائلاً! فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت.[8]
نعم، إنه صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً، ويجود حتى بما هو أحوج الناس إليه.
هو البحر من أيِ النواحي أتيتَه *** فلُجتُه المعروف والبحرُ ساحله
تراه إذا مـا جئته مـتهللاً *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
‏ ولو لم يكن في كفه غيرُ روحه ‏ *** ‏لـجاد بها فليـتق الله سائلُه
ولفرط كرمه صلى الله عليه وسلم ، يقول جابر: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط؟ فقال: لا).[9]
في يوم حنين جاءه رجلٌ فسأله غنماً بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أيْ قومِ أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر!
فقال أنس: إن كان الرجل ليُسلِم، ما يريدُ إلا الدنيا، فما يسلمْ حتى يكونَ الإسلام أحبَ إليه من الدنيا وما عليها. [10]
ويذكر ابن عساكر أن صفوان بن أمية سار يوم حنين بين الغنائم ، فجعل ينظر إلى شِعبٍ مُلأ نعماً وشاء ورعاء، فأدام النظر إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقه فقال النبي: ((أبا وهب، يعجبُك هذا الشِعب؟)) قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: ((هو لك وما فيه)).
فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أسلم صفوان سيد قريش وأحد عقلائها لما رآه من جود النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى في كرم كفه وفيضِ عطائه وطيبةِ نفسه بهذا العطاء؛ ما يدل على نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم.
وعطاؤه صلى الله عليه وسلم ليس مرتبطاً بمصلحة شخصية، ولا يطرد بزيادة العلاقة مع المُعطى أو نقصاِنها، يقول عليه الصلاة والسلام: (( إني لأعطي الرجل، وغيرُه أحبُ إليّ منه، خشيةَ أن يكبه الله في النار)).[11]
ومن صور كرمه صلى الله عليه وسلم ما رواه جابر بن عبد الله، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال لي: ((أتبيع ناضِحك [أي جملك] هذا بدينار، واللهُ يغفرُ لك؟)).
قلت: يا رسول الله هو ناضِحكم إذا أتيتُ المدينة [أي أنه يعطيه للرسول صلى الله عليه وسلم بلا مقابل إذا وصلوا المدينة].
فقال صلى الله عليه وسلم: ((فتبيعه بدينارين، واللهُ يغفر لك؟)) قال: فما زال يزيدني ديناراً ديناراً، ويقول مكان كل دينار: ((والله يغفر لك)) حتى بلغ عشرين ديناراً.
فلما أتيت المدينة أخذتُ برأس الناضح، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا بلال، أعطه من الغنيمة عشرين ديناراً)) وقال: ((انطلق بناضحك، فاذهب به إلى أهلك)).[12]
وفي رواية في مسند أحمد قال جابر: (فمررت برجل من اليهود، فأخبرته: قال: فجعل يعجب ، ويقول: اشترى منك البعير، ودفع إليك الثمن، ووهبه لك؟ فقلت: نعم).
وحُق له أن يعجب، رجل يشتري جملاً من آخر ، ويزيده في السعر، ثُم يعطيه ثمن البعير والبعير، فما هذا بمعهود بين الناس لا مألوف، إنه جود نبي أدبه ربه فأحسن تأديبه.


محمد رافع 52 02-03-2013 07:08 PM

حلم النبي صلى الله عليه وسلم
ومن عظيم أخلاقه وجميل خلاله صلى الله عليه وسلم؛ عفوه عمن ظلمه، وحِلمه على من جهل عليه، وذلك أن لا حظَّ لنفسه في نفسه. ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)).[13]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً. كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ((ما له؟ ترِبَ جبينُه)).[14]
ولما سئلت أمُ المؤمنين عائشةُ عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويصفح).[15]
وهذه الصفة من صفاته صلى الله عليه وسلم مذكورة في الكتب قبل الإسلام، ففي البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن .. ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُماً، وقُلوباً غُلفاً).[16]
وقد صدق رضي الله عنه ، ففي السفر المنسوب إلى النبي إشعيا: " هوذا عبدي الذي أَعضُده، مختاري الذي سُرّت به نفسي، وضعتُ روحي عليه، فيخرج الحق للأمم، لا يصيح، ولا يَرفع ولا يُسمع في الشارع صوتُه، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته، هكذا يقول الله الرب خالق السموات " (إشعيا 42/1-4)
ومن عفوه صلى الله عليه وسلم وحِلمه أنه في يوم حنين لما أجزل العطاء لضعاف الإيمان يتألف قلوبهم للإسلام؛ قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! يتهم رسول الله بالظلم والحيف.
يقول ابن مسعود: فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فغضب حتى رأيتُ الغضب في وجهه، ثم قال: ((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).[17]
إنه يمتثل أمر ربه وهو يقول له: } فاصفح الصفح الجميل {(الحجر: 85).
ويقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ حتى إذا بلغ وسطه أدركه رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه صلى الله عليه وسلم خشناً، فحمّر رقَبتَه، فقال: يا محمد، احمل لي على بعيريَّ هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك.
فقال رسول الله: ((لا، وأستغفر الله، لا أحملُ لك حتى تُقِيدني مما جبذتَ برقبتي)) فقال الأعرابي: لا والله لا أُقيدُك .
يقول أبو هريرة: فلما سمعنا قولَ الأعرابي أقبلنا إليه سراعاً، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عزمتُ على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامَه حتى آذن له)).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: ((يا فلان، احمل له على بعير شعيراً، وعلى بعير تمراً)). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((انصرفوا)).[18]
قال السندي: "أراد أنه لكمال كرمه يعفو البتة، وفي أمثال هذه الأحاديث دليل على أنه لولا (أي: لو لم يؤت) المعجزات إلا هذا الخلق لكفى شاهداً على النبوة".[19] } فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين{ (آل عمران: 159).
ومن حلمه صلى الله عليه وسلم أن أعرابياً جهل حرمة المسجد، فقام يبول في طرف المسجد، فقام إليه الصحابة ينتهرونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه، دعوه)) فتركوه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له مبيناً ومعلماً: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن))، ثم أمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنَّه [فصبَّه] عليه.[20]
واستدان النبي صلى الله عليه وسلم من أحدهم ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب دينه، فأغلظ القول في طلبه، فهمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام معتذراً لسوء مقال الرجل وغلظته: ((إن لصاحب الحق مقالاً)).
ثم قال لأصحابه: ((اشتروا له سِناً))، فأعطوه إياه. فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنَّاً هو خيرٌ من سِنِّه. قال: ((فاشتروه، فأعطوه إياه، فإن من خيركم أحسنَكم قضاءً)).[21]
فلم يقابل رسول الله إساءة الرجل بمثلها، بل عفا عنه وصفح، ثم أحسن إليه، فرد خيراً مما أخذ، وهو في كل ذلك يمتثل أمر ربه ومولاه } والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين { (آل عمران: 134).
وهكذا فإن هذا الصفح وذلكم الحلم، إنما هما بعض أخلاق النبوة التي كساها الله نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم لتكون شاهداً آخر على نبوته ورسالته.[22]


hishmet 02-03-2013 07:09 PM

http://www.samysoft.net/forumim/shokr/1/868686.gif

محمد رافع 52 02-03-2013 07:13 PM

زهد النبي صلى الله عليه وسلم
وإن من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم زهادته في الدنيا وإعراضه عنها ترقباً لجزاء الله في الآخرة، ولو كان دعياً يفتري الكذب لما فرط في دنيا يفتري ابتغاء الكسب فيها، فإعراضُه صلى الله عليه وسلم عن الدنيا وزهدُه في متاعها دليل نبوته ورسالته.
وأول ما نلحظه أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطلب أجراً على نبوته من أحد، بل كان يقول بمثل ما قال إخوانُه الأنبياء من قبل: } قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين { (ص: 86).
واستغناء الأنبياء عن أجر الناس وجزائهم دليل على نبوتهم، وأنهم يرقبون الأجر من الله، ولذا لما دعا مؤمن آل ياسين قومه للإيمان بأنبياء الله قال لهم: } قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون { (يـس: 20-21).
ودعونا نتأمل بعض صنيعه صلى الله عليه وسلم وبعضَ ما أنزل الله إليه ، ثم ننظر هل هذا صنيعُ دعي كذاب، أم هو أدبُ النبوة وعبق الرسالة؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثِر حياة الزهد، ويدعو الله أن يجعله من أهلها، فكثيراً ما تبتل إلى ربه مناجياً: ((اللهم أحيني مسكيناً، وأمِتْني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)).[23]
وخيره ربه بين المُلكِ في الأرض وبين حياة الشظف والقِلة، فاختار صلى الله عليه وسلم شظف العيش زهادة منه في الدنيا وترفعاً على متاعها، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ملَكاً نزل من السماء، فقال: يا محمد أرسلني إليك ربك. قال: أفملِكاً نبياً يجعلُك أو عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. فقال صلى الله عليه وسلم: ((بل عبداً رسولاً)).[24]
وإذا تأملنا حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ونظرنا كيف كان يعيش صلى الله عليه وسلم في بيته، فإنا راؤون عجباً، فلكم بقي عليه الصلاة والسلام طاوياً على الجوع ، لا يجد ما يأكله، وهو رسولُ الله وصفوتُه من خلقه، يقول أبو هريرة: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض).[25]
ورآه عمر رضي الله عنه يتلوى من الجوع، فما يجد رديء التمر يسد به جَوعَتَه ، ثم رأى رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال: (لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه).[26] والدقل: هو التمر الرديء.
وحين يجد النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فإنما يجد خبز الشعير فحسب، يقول ابن عباس حاكياً حال ابن عمه صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعةَ طاوياً، وأهلُه لا يجدون عشاء، وكان أكثرُ خبزِهم خبز الشعير).[27] ومع ذلك فما كان يجد ما يشبعه منه.
وهذا الشعير الذي لم يشبع منه صلى الله عليه وسلم كان من رديء الشعير، لا من جيده، فقد كان غير منخول.
سئل سهل بن سعد: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي [أي من الشعير]؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله.
فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه [أي: بللناه بالماء] فأكلناه.[28]
وتحكي أم المؤمنين عائشة لابن أختها عروة حال بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: (ابنَ أختي، إنْ كنا لننظرُ إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثةَ أهلَّةٍ في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار).
فسألها عروة: يا خالةُ، ما كان يُعيشُكم؟ قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا).[29]
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دُعي أبو هريرة رضي الله عنه إلى شاة مشوية، فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.[30]
وتدخل امرأة وابنتاها على أم المؤمنين عائشة يشكون الجوع، فما الذي وجدوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟
تجيبنا أم المؤمنين عائشة: فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمَتَها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت، فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار)).[31]
وفي مرة أخرى يطرق باب النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يضيفه، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن شيئاً سوى الماء، فلم يجد رسول الله بُداً من الطلب من أصحابه أن يضيِّفوه.[32]
ومع ذلك كله فقد كان لسانه صلى الله عليه وسلم لا يفتَر أن يطلب دوام حال الكفاف والزهادة ، فيقول داعياً ربه: ((اللهم ارزق آلَ محمدٍ قوتاً)).[33]
قال القرطبي: "معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة, وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغِنى والفقر جميعاً".[34]
وإذا تساءلنا عن أثاث بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعيش إلا كسائر لأصحابه، أما وساده صلى الله عليه وسلم فتصفه أم المؤمنين عائشة وتقول: (كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يتكئ عليها من أدَم [جلد مدبوغ]، حشوها ليف).[35]
وأما فراشه فحصير يترك أثراً في جنبه، يقول ابن مسعود: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاء [فراشاً] فقال: ((ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا ****بٍ استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)).[36]
ودخل عليه عمر رضي الله عنه ، فرآه مضطجعاً على حصير قد أثر في جنبه، وألقى ببصره في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيها قبضةٌ من شعير، نحو الصاع ، وقبضة أخرى من ورق الشجر في ناحية الغرفة.
قال عمر: فابتدرتْ عيناي بالبكاء. فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك يا ابن الخطاب؟)) قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنتَ رسولُ الله وصفوتُه، وهذه خزانتك!
فقال: ((يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة، ولهم الدنيا؟)) قلت: بلى.[37]
ودخلت امرأة أنصارية بيته صلى الله عليه وسلم ، فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ((رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليّ جبال الذهب والفضة)). قالت عائشة: فرددته.[38]
لقد كان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، ممتثلاً أمرَ ربه الذي أمره أن يعيش عيشة الكفاف والزهد، وأمره أن يخير نساءه بين حياة الزهد معه وبين تسريحهن إلى بيوت أهلهن، فاخترن جميعاً رضي الله عنهن البقاء معه على هذه الحال.
تقول عائشة: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: ((إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك)) ...
ثم قال: إن الله عز وجل قال: }يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً { (الأحزاب: 28-29).
قالت: فقلتُ: في أي هذا أستأمرُ أبويَّ؟ فإني أريد اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة.
قالت: ثم فعل أزواجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلَ ما فعلتُ.[39]
وتشكو إليه صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها ما تلقى في يدها من الرحى، وترجو من أبيها أن يعطيها خادماً يخفف عنها ما هي فيه، فلا يجد الأب الحاني من نصيحة لابنته وزوجها أفضلَ من قوله: ((ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشِكما أو أخذتما مضاجِعكما، فكبرا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم)).[40]
وأدركت فاطمة معدِن أبيها ونوعه بين الرجال، وعرفت إيثاره الآخرة على الدنيا، فأتته ذات يوم بكِسْرةِ خبزِ شعير، فأكلها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاث)).[41]
وتدور الأيام دورتها، وتقبل الدنيا على المسلمين، فيقف عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر فقال: (ما أبعد هديَكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ، أما هو فكان أزهدَ الناس في الدنيا، وأنتم أرغبُ الناس فيها).[42]
وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم جبل أُحدٍ فقال لأصحابه: ((ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين)).
ثم قال: ((إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وقليل ما هم)) وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله، أي يفرقه.[43]
وتروي عائشة من خبره صلى الله عليه وسلم عجباً، فتذكر أنه كان في بيتها بعضُ قطعٍ من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعلتْ الذهبُ)) فقالت عائشة: هي عندي، فقال: ((ائتيني بها)).
تقول عائشة: فجئتُ بها، فوضعها في يده ثم قال بها [أي رماها] ، وقال: ((ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ أنفقيها)).[44]
وكيف لا يكون هذا حاله، وهو الأسوة الحسنة الذي أوصى أصحابه بالاقتصاد من الدنيا، فكان أسبقهم إلى ذلك، يقول سلمان: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً أن يكون بُلغَةُ أحدنا من الدنيا كزاد الراكب).[45]
وحين غادر صلى الله عليه وسلم الدنيا ماذا ترك لأهله منها؟
يجيب عمرو بن الحارث أخو أمِ المؤمنين جويرية فيقول: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمَة ولا شيئاً؛ إلا بغلتَه البيضاء وسلاحَه، وأرضاً جعلها صدقة).[46]
ويروي الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير.[47]
وكما زهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا زمن حياته، فإنه لم يبتغ جر نفع من منافعها إلى أهله وذويه بعد موته ، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يبتغي أن يجر لأهله شيئاً من زخارفها، لذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا نورّث، ما تركناه صدقة)).[48]
وهكذا فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الكسب الدنيوي الذي جناه النبي صلى الله عليه وسلم من نبوته، فإنه عاش عيشة المساكين التي تمناها ودعا الله بدوامها، فكان طعامه خشنُ الشعير، ورديءُ التمر، إذا ما تيسر له ذلك، وأما وساده وفراشه صلى الله عليه وسلم فهما دليلٌ آخرُ على استعلاء النبي صلى الله عليه وسلم على الدنيا التي هجرها صلى الله عليه وسلم بإرادته واختياره.
وصدق فيه قول الشاعر:
وراودَته الجبال الشُّمُّ من ذهب *** عن نفسه فأراها أيما شمم


محمد رافع 52 02-03-2013 07:17 PM

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
ولقائل أن يقول: إن كثيرين قد يزهدون بالمال في سبيل الرفعة عند الناس، فما أعظمها من لذة أن يشير الناس إليه ببنانهم ، وأن يستبقوا إلى إجلال الزاهد وخدمته، فيكون له في ذلك ما يدعوه على الصبر على الحرمان والفاقة.
وهذا كله صحيح، فتلك نفوس رتعت بالكبر، وأحبت من الدنيا العلو فيها.
اما النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع إلى الزهد التواضع للناس، ولم يمنعه من ذلك جلالة قدره عند الله ورفعة مكانته عند مولاه وعند المسلمين.
ولنفتح هذ ا السفر الخالد، ونقرأ فيه ما يحكيه لنا أبو رفاعة، فقد دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله، رجل غريب، جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه.
قال أبو رفاعة: فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته، حتى انتهى إلي، فأُتي بكرسي حسِبتُ قوائمَه حديداً قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها.[49]
قال النووي: " وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين, وشفقتُه عليهم, وخَفْضُ جناحِه لهم".[50]
وحين تلاحقه صلى الله عليه وسلم نظرات الإعجاب من أصحابه، فتنساب على ألسنتهم عبارات الثناء الممزوجة بالحب، حينها كان صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن إطرائه والمبالغة في مدحه، فما فتئ لسانه يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم ، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه)).[51]
ودخل عليه رجل فقال: يا سيدَنا وابنَ سيدِنا، ويا خيرَنا وابنَ خيرِنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بنُ عبدِ الله، عبدُ الله ورسولُه، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل )).[52]
وحين انطلق الصحابة إلى غزوة بدر، كانوا يتعاقبون، كلُّ ثلاثةِ نفرٍ على بعير، وكان صاحبا النبي صلى الله عليه وسلم في الركوب عليٌّ وأبو لبابة.
قال ابن مسعود: وكان إذا كانت عُقْبَة النبي صلى الله عليه وسلم [أي إذا انتهت مرحلة النبي في الركوب] قالا له: اركب حتى نمشي عنك. فيقول لهما صلى الله عليه وسلم: ((ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكُما)). [53]
وحين شرع الصحابة في حفر الخندق لم يركن النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلته بين أصحابه، ولم يترفع النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل معهم في الحفرِ ونقلِ التراب، يقول البراء بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، ولقد رأيته وارى الترابُ بياضَ بطنه يقول:
والله لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنـزِلَنْ سكيـنة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأعداء قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبَـينا [54]
وكان صلى الله عليه وسلم يمقت كل مظاهر الكِبْر والتميز عن الناس، ومنه كراهيته أن يقوم له أصحابُه، فقد كان يكره ذلك ويمنعهم منه، يقول أنس: (ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لِما يعلمون من كراهيته لذلك).[55]
ومن كان هذا نعته فجدير أن يبغض وقوف أحد فوق رأسه كما يُفعل للملوك ، وهاهو صلى الله عليه وسلم يصلي في مرض وفاته قاعداً، وصلى أصحابه وراءه قياماً..
يقول جابر: فالتفت إلينا، فرآنا قياماً ، فأشار إلينا، فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً ، فلما سلم قال: ((إن كدتم آنفاً لتفعلون فِعل فارسَ والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا؛ ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)). [56]
وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الداعي، كائناً ما كان طعامُه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لو دعيتُ إلى كُراع لأجبتُ، ولو أهدي إليّ كُراعٌ لقبِلتُ).[57] والكُراع ما دون كعب الدابة.
قال ابن حجر: "وفي الحديث دليل على حُسنِ خلُقِه صلى الله عليه وسلم ، وتواضُعِه وجبرِه لقلوب الناس".[58]
ورغم ازدحام وقته وشرف منزلته؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ما كان يأنف من كثير مما يأنف منه دهماء الناس، فضلاً عن أكابرهم، فما كان صلى الله عليه وسلم يجد حرجاً أن يمشي في حاجة الضعفاء ويسعى في قضاء أمورهم ، يقول عبد الله بن أبي أوفى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثِر الذكر، ويُقِل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصِّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضيَ له الحاجة).[59]
ويحكي خادمه أنس بن مالك أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة فقال: ((يا أم فلان، انظري أيّ السكك شئت حتى أقضيَ لك حاجتَكِ)). قال أنس: فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها.[60]
لكن تواضعه صلى الله عليه وسلم ما كان ليمنع هيبته في صدور الناس وهم يقفون بين يديه صلى الله عليه وسلم، فقد أتاه رجل، فكلمه، فجعل الرجل ترْعَد فرائصُه، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((هون عليك، فإني لست بملكٍ، إنما أنا ابن امرأةٍ تأكل القديد)) [اللحم المجفف]. [61]
وتواضعه صلى الله عليه وسلم ليس خلقاً يتزين به أمام الناس، بل هو خُلَّة شريفة لم تفارقه حتى وهو في بيته وبين أهله، فقد سُئلت عائشة: ما كان صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)، وفي رواية لأحمد: (كان بشراً من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلِب شاته، ويخدِمُ نفسَه).[62]
ولقد خيره ربه بين أن يكون عبداً رسولاً أو ملِكاً رسولاً ، فاختار أن يكون عبداً رسولاً ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن ملك نزل إليه، فقال: يا محمد، أرسلني إليك ربُك قال: أفملِكاً نبياً يجعلُك أو عبداً رسولاً؟ فقال جبريل: تواضع لربك يا محمد. فقال عليه الصلاة والسلام: ((بل عبداً رسولاً)).[63]


محمد رافع 52 02-03-2013 07:20 PM

تعبده لربه وخوفه منه
وإن من دلائل نبوته وأمارات صدقه صلى الله عليه وسلم ما رأينا من تعبده لله تعالى وخشيته منه، ولو كان دعياً لما تعبد لله، ولما أتعب نفسه، ولا ألزمها ضروب العبادة التي قرحت رجليه، بل لكان صنع ما يصنعه سائر الأدعياء من مقارفة الشهوات واستحلال المحرمات ، فكل ما اشتهى الدعي أمراً صيره ديناً وشرعة.
ومن ذلك ما فعله مسيلمة الكذاب، فقد أحل لأتباعه الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة ، فتكاليف الشريعة لا يطيقها الأدعياء، لذا سرعان ما يتخلصون منها.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعبدَ الناس لله وأخوفَهم منه بما عرف من عظمته وقوته، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي)).[64]
وشواهد خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الله وتعبده لله كثيرة، منها أن صاحبه أبا بكر رأى شيباً في شعره، فقال: يا رسول الله قد شِبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)) .[65]
قال الطيبي: "وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة والمَثُلات النوازل بالأمم الماضية: أخذ مني مأخذه، حتى شبتُ قبل أوانه".[66] فالذي شيب رسول الله ما قرأه في هذه السور من الأهوال التي يرهبها الأتقياء العارفون بربهم، الذين قدروه حق قدره.
وتصف أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وجَلَه صلى الله عليه وسلم من ربه، فتقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواتِه، وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف ذلك في وجهه. فقلت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه عُرف في وجهك الكراهية! فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: } هذا عارض ممطرنا { (الأحقاف: 24) )).[67]
وذات ليلة يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أخبار الفتن وهو في بيت أم سلمة ، فيأمر أن تستيقظ نساؤه، وأن يقُمن لقيام الليل فزعاً وتعوذاً مما يأتي من الفتن ، تقول أم سلمة: فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فزِعاً، يقول: ((سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات، يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ في الآخرة)).[68]
وفي ليلة أخرى رآه بعض أزواجه وهو يتلوى في آخر الليل على فراشه، لا يجد الكرى إلى عينيه سبيلاً، فما الذي أرَّقه صلى الله عليه وسلم؟
يجيبنا عبد الله بن عمرو، فيقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً، فوجد تمرة تحت جنبه، فأخذها فأكلها، ثم جعل يتضور من آخر الليل، وفزع لذلك بعض أزواجه فقال: ((إني وجدت تمرة تحت جنبي، فأكلتُها، فخشيتُ أن تكون من تمر الصدقة)).[69] إن الذي أرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم خوَّفَه أن تكون التمرة التي أكلها من تمر الصدقة التي لا تحل له.
وأما عبادة النبي صلى الله عليه وسلم لربه، فهي شاهد لا مراء في صدقه، فهي مما لا يصدر عن دعي يكذب على الله ويضل الناس باسمه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون دعياً، فما من دعي يكذب على ربه ثم يجهد نفسه بالعبادة له.
تروي لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم في ليله، فتقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلتُ له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟)). [70]
وتصف عائشة رضي الله عنها صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، فتقول: (كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته، يسجد السجدة من ذلك قدرَ ما يقرأ أحدُكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة).[71]
ويصف عليٌّ رضي الله عنه حاله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر حين تعب الصحابة وأسلموا أعينهم للنوم، فيقول: (ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح).[72]
وتكرر بكاؤه صلى الله عليه وسلم وهو يتضرع بين يدي ربه ومولاه عارفاً قدرَه وراجياً فضله، يقول عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: (أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل [أي القِدر] من البكاء).[73]
لقد كان صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربه } إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه { (المزمل:20)، فهل سمعت الدنيا عن مدع للنبوة يقوم نصف ليله يتضرع لربه ويبكي بين يديه.
وأما صومه صلى الله عليه وسلم ، فكان يداوم على صيام يومي الإثنين والخميس تقرباً إلى ربه وابتغاء رضاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحِبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم)) .[74]
ولم يكن صيامه هذا فحسب ، بل كان صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام المتتابعة ، يقول أنس رضي الله عنه : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه شيئاً، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تَشاء أن تراه من الليل مصلياً إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيتَه).[75]
وما كان صلى الله عليه وسلم يُفوِّتُ على نفسه أجر الصوم في أيام الصيف الهواجر، يبتغي في ذلك المحبة من ربه والزلفى إليه، يقول صاحبه أبو الدرداء رضي الله عنه : (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وإن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما منا صائم إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعبدُ الله بنُ رواحة).[76]
وبقي هذا حاله، لم يتوانَ عن عبادة ربه، حتى لبى نداء ربه، وهو في كل ذلك يمتثل: } واعبد ربك حتى يأتيك اليقين { (الحجر: 99)، ولو كان دَعِيّاً لأراح نفسه وأحبابه من جهد القيام في الليل وتفطُرِ الأقدام، ومن الصيام في الهواجر، لكن هيهات، كيف يريح نفسه وربه يأمره: } فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب {؟ (الشرح: 7-8).

--------------------------------------
[1] الجواب الصحيح (1/127-129).
[2] رواه البخاري ح (4)، ومسلم ح (160).
[3] رواه البخاري ح (6) ، مسلم ح ( 2308).
[4] رواه البخاري ح (2820).
[5] رواه البخاري ح (2821).
[6] رواه الطبري في تهذيب الآثار ح (168)، والترمذي في الشمائل ح (350)، والبزار في مسنده ح (274).
[7] رواه مالك في الموطأ ح (1880).
[8] رواه البخاري ح (5810).
[9] رواه البخاري ح (6034)، ومسلم ح (2311).
[10] رواه مسلم ح (2312).
[11] رواه البخاري ح (27)، ومسلم ح (150).
[12] رواه ابن ماجه ح (2205)، وأحمد ح (13839).
[13] رواه البخاري ح (3296)، ومسلم ح (4294).
[14] رواه البخاري ح (6031).
[15] رواه الترمذي ح (2016)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (5820).
[16] رواه البخاري ح (2125).
[17] رواه البخاري ح (3405)، ومسلم ح (1062).
[18] رواه النسائي ح (4776)، وأبو داود ح (4775).
[19] شرح السندي على النسائي (8/34).
[20] رواه البخاري ح (221)، ومسلم ح (285)، واللفظ له.
[21] رواه البخاري ح (2390)، ومسلم ح (1601).
[22] يعلق المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج في كتابه "حياة محمد" على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش عند فتح مكة بقوله: "كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في مكة تدل على أنه نبي مرسل، لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو". قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل ص (81).
[23] رواه الترمذي ح (2352)، وابن ماجه ح (4126)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (3328).
[24] رواه أحمد ح (7120)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (1002).
[25] رواه البخاري ح (5374).
[26] رواه مسلم ح (2978).
[27] رواه الترمذي ح (2360)، وابن ماجه ح (3347)، وأحمد ح (2303)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2703).
[28] رواه البخاري ح (5413).
[29] رواه البخاري ح (2567)، ومسلم ح (2972).
[30] رواه البخاري ح (5414).
[31] رواه البخاري ح (1418)، ومسلم ح (2629).
[32] انظره في البخاري ح (3798)، ومسلم ح (2054).
[33] رواه البخاري ح (6460)، ومسلم ح (1055).
[34] نقله عنه ابن حجر في فتح الباري ح (11/299).
[35] رواه البخاري ح (6456)، ومسلم ح (2082)، اللفظ له.
[36] رواه الترمذي ح (2377)، وابن ماجه ح (4109)، وأحمد ح (3701)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (3317).
[37] رواه البخاري ح (4913)، ومسلم ح (1479) ، واللفظ له.
[38] رواه البيهقي في الشعب ح (1449)، وأحمد في الزهد ح (77)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح (3287).
[39] رواه البخاري ح (4786)، ومسلم ح (1475) واللفظ له.
[40] رواه البخاري ح (6318) ، ومسلم ح (2727).
[41] رواه أحمد ح (12811).
[42] رواه أحمد ح (17353)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (3294).
[43] رواه البخاري ح (2388)، ومسلم ح (94).
[44] رواه أحمد ح (24964).
[45] رواه أحمد ح (23199).
[46] رواه البخاري ح (2739).
[47] رواه أحمد ح (2719).
[48] رواه البخاري ح (3094)، ومسلم ح (1757).
[49] رواه مسلم ح (876).
[50] شرح النووي على صحيح مسلم (6/165).
[51] رواه البخاري ح (3445).
[52] رواه أحمد ح (12141).
[53] رواه أحمد ح (3769).
[54] رواه البخاري ح (3034)، ومسلم (1803).
[55] رواه أحمد ح (11936)، والترمذي ح (2754)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[56] رواه مسلم ح (413).
[57] رواه البخاري ح (5178).
[58] فتح الباري (9/154).
[59] رواه النسائي ح (1414)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (5833).
[60] رواه مسلم ح (4293).
[61] رواه ابن ماجه ح (3312)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (2677).
[62] رواه البخاري ح (676)، وأحمد ح (25662).
[63] رواه أحمد ح (7120)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (1002).
[64] رواه مسلم ح (1868).
[65] رواه الترمذي ح (3297)، وصححه الألباني ح (2627)
[66] تحفة الأحوذي (9/131).
[67] رواه البخاري ح (4829)، ومسلم ح (899).
[68] رواه البخاري ح (1058).
[69] رواه أحمد ح (11400)، وابن ماجه (2201).
[70] رواه البخاري ح (4827)، ومسلم ح (2820).
[71] رواه البخاري ح (1123)، و مسلم ح (724)،
[72] رواه أحمد ح (1062).
[73] رواه النسائي ح (1199)، وأبو داود ح (769)، وأحمد ح (15722)، واللفظ له، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (1000).
[74] رواه الترمذي ح (678)، وابن ماجه ح (1730)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح (1041).
[75] رواه البخاري ح (1141)، ومسلم ح (1158).
[76] رواه أحمد ح (20707).


محمد رافع 52 03-03-2013 01:17 AM


http://www.quranway.net/edaeia/cards.../Ta3t_Naby.jpg


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (‏كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) [صحيح البخاري].

حديث سهل العبارة، واضح الغاية يرشد فيه النبي -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى حسن طاعته، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار. قال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾ [النساء:80].

وطاعة النبي -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تتحقق إلّا بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى.

فوائد من طاعة النبي -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

1- طاعته طاعة لله تعالى.
قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظ﴾ [النساء:80].

2- طاعته من أركان الإيمان.
قال تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيم﴾ [النساء:65].

3- طاعته سبب في الهداية.
قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158].

4- طاعته سبب في الرحمة.
قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران:132]، وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴿156﴾ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ [الأعراف:156-157].

5- طاعته سبب في حُب الله تعالى للعبد.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [ آل عمران:31].

6- طاعته سبب في حبُ أهلِ السماء للعبد، ووضع القبول له في الأرض.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (‏‏إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى ‏ ‏جِبْرِيلَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فَيُنَادِي ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) [صحيح البخاري].

7- طاعته سبب في مغفرة الذنب.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران:31].

8- طاعته تجمع المطيع مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴿70﴾ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً ﴾ [النساء:69].

9- طاعته سبب في الفوز و دخول الجنة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء:13]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور:52].





محمد رافع 52 03-03-2013 01:35 AM

من دلائل النبوة.. شفاء المرضى

http://www.al-eman.com/aleman/others...mage/13643.jpg

أجرى الله ـ تبارك وتعالىـ على يد أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدلائل القاطعات ما يدل على صدق دعواهم أنهم رسل الله، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} (الحديد: من الآية25) . .
ولما أرسل الله نبيه عيسىـ عليه السلامـ آتاه من الآيات والمعجزات ما يقيم به الحجة على بني إسرائيل، ومن ذلك إبراء الله الأكمه والأبرص على يديه كما قال تعالى: {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} (المائدة: من الآية110) . .

وكذلك أيد الله خاتم أنبيائه وأفضل رسلهـ صلى الله عليه وسلمـ بمثل هذا الدليل وهذه المعجزة، حين شفى على يديه وبِرِيقهِ ونفثه (نفخ بلا ريق) بعضا من أصحابه. . فاللهـ عز وجلـ الشافي، وهو الذي جعل ريقه ونفثهـ صلى الله عليه وسلمـ سببا في الشفاء، ليكون برهانا على ما أكرم الله به رسولهـ صلى الله عليه وسلمـ من الكرامات والدلائل العظيمة، بيانا لعلو منزلته، وتأييداً لدعوته، وتصديقا لنبوته. .

والأمثلة في ذلك كثيرة، منها:

عن سهل بن سعدـ رضي الله عنهـ قال: قال رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون (يتحدثون) ليلتهم أيهم يُعْطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ كلهم يرجوا أن يعطاها.
فقالـ صلى الله عليه وسلمـ: أين علي بن أبي طالب؟ ، فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتِيَ به فبصق رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية) (البخاري). .
وفي رواية لابن ماجه أن علياـ رضي الله عنهـ قال: (إن رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، قلت: يا رسول الله إني أرمد العين، فتفل في عيني ثم قالـ صلى الله عليه وسلمـ: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، قال: فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ)
وعند بريدة في الدلائل للبيهقي: " فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات ". .
وعند الطبراني من حديث علي: " فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ إليَّ الراية يوم خيبر. . ". .
قال الشوكاني: " فيه معجزة ظاهرة للنبي ". .

وعن يزيد بن أبي عبيدـ رضي الله عنهـ قال: (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ ، فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة) (البخاري).

ويرسل النبيـ صلى الله عليه وسلمـ عبدَ الله بن عتيك ورجالاً من الأنصار لاغتيال سلام بن أبي الحُقَيق الذي آذى الله ورسوله، وبينما عبد الله بن عتيك في طريق العودة وقع فانكسرت ساقه، فعصبها بعمامة، ثم يقول ابن عتيك: فانتهيت إلى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ ، فقال: (ابسط رجلك، فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكِها قط) (البخاري) .
وذكرالبيهقي في دلائل النبوة:

عن حبيب بن يسافـ رضي الله عنهـ قال: " شهدت مع النبيـ صلى الله عليه وسلمـ مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي فتعلقت يدي، فأتيت النبيـ صلى الله عليه وسلمـ فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت، و***ت الذي ضربني ". .
وروى ابن حبان:

عن عبد الله بن بريدةـ رضي الله عنهـ قال: سمعت أبي يقول: إن رسول اللهـ صلى الله عليه وسلمـ تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله فبرأ. .

إن جموع الصحابة التي شاهدت سلمةـ رضي الله عنهـ يشتكي ساقه ثم رأوه لا يشتكي منها ألما ولا وجعا، ورأت علياـ رضي الله عنهـ يشتكي عينيه ثم يبرأ منها، وشاهدت عبد الله بن عتيكـ رضي الله عنهـ تنكسر ساقه ثم يبرأ ولا يشعر بألمـ وكل ذلك بريقه ونفثهـ صلى الله عليه وسلمـ ، لا يسعهمـ ومن يأتي بعدهمـ إلا أن يشهدوا للنبيـ صلى الله عليه وسلمـ بعلو المنزلة والمكانة، وبالنبوة والرسالة. .

محمد رافع 52 03-03-2013 01:44 AM

دلائل النبوة

ومعرفة أحوال صاحب الشريعة


وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي مصنف هذا الكتاب رحمه الله ونفع بعلومه


الحمد الله الذي خلق السموات الأرض وجعل الظلمات والنور وابتدع الجواهر والأعراض وركب الصور والأجساد وقضى الموت والحياة وقدر المعاش والمعاد وأعطئ من شاء من السمع والبصر والفؤاد ومن شاء منهم المعرفة والعقل والنظر والاستدلال ومن شاء منهم الهداية والرشاد وبعث الرسل بما شاء من أمره ونهيه مبشرين بالجنة من أطاعه ومنذرين بالنار من عصاه وأيدهم بدلائل النبوة وعلامات الصدق لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وخصنا بالنبي المكين والرسول الأمين سيد المرسلمين وخاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أفضل خلقه نفساً وأجمعهم لكل خلق رضي في دين ودنيا وخيرهم نسباً

وأشرفهم دار أرسله بالهدى ودين الحق إلى كافة المكلفين من الخلق فتح به رحمته وختم به نبوته واصطفاه لرسالته واجتباه لبيان شريعته ورفع ذكره مع ذكره وأنزل معه كتاباً عزيزا وقرآناً كريماً مباركاً مجيداً دليلاً مبيناً وحبلاً متيناً وعلماً زاهراً ومعجزاً باهراً اقترن بدعوته أيام حياته ودام في أمته بعد وفاته وأمره فيه بان يدعو مخالفيه إلى أن يأتوا بمثله والعربية طبيعتهم والفصاحة جبلتهم ونظم الكلام صنعتهم فعجزوا عن المعارضة وعدلوا عنها إلى المسايفة التي هي أصعب مما دعاهم إليه وتحداهم به كما قال عز وجل (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) مع سائر ما آتاه الله وحباه من المعجزات الظاهرات والبينات الباهرات (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فبلغ الرسالة وأدى النصيحة وأوضح السبيل وأنار الطريق وبين الصراط المستقيم وعبد الله حتى أتاه اليقين فصلوات الله عليه وعلى آله الطيبين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون أفضل صلاة وأزكاها وأطيبها وأنماها
أما بعد فإني لما فرغت بعون الله وحسن توفيقه من تخريج الأخبار الواردة في الأسماء والصفات والرؤية والإيمان والقدر وعذاب

القبر وأشراط الساعة والبعث والنشور والميزان والحساب والصراط والخوض والشفاعة والجنة والنار وغير ذلك مما يتعلق بالأصول وتمييزها ليكون عوناً لمن تكلم فيها واستشهد بما بلغه منها فلم يعرف حالها وما يقبل وما يرد منها أردت والمشيئة لله تعالى أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمد ودلائل نبوته ليكون عوناً لهم على إثبات رسالته فاستخرت الله تعالى في الابتداء بما أردته واستعنت به في إتمام ما قصدته مع ما نقل إلينا من شرف أصله وطهارة مولده وبيان أسمائه وصفاته وقدر حياته ووقت وفاته وغير ذلك مما يتعلق بمعرفته على نحو ما شرطته في مصنفاتي من الاكتفاء بالصحيح من السقيم والاجتزاء بالمعروف من الغريب إلا فيما لا يتضح المراد من الصحيح أو المعروف دونه فأورده والاعتماد على جملة ما تقدمه من الصحيح أو المعروف عند أهل المغازي والتواريخ
وبالله التوفيق وهو حسبي في أموري ونعم الوكيل



محمد رافع 52 03-03-2013 01:57 AM

ذكر مولد المصطفى والآيات التي ظهرت عند ولادته وقبلها وبعدها
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال حدثنا عبد الله ابن جعفر قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو صالح
ح وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد قال حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية صاحب رسول الله أنه قال
سمعت رسول الله يقول إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام

وفي رواية يعقوب أضاءت منه قصور الشام تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح ورواه أيضاً أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد
وقوله إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته يريد به أنه كان كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول الأنبياء صلوات الله عليهم
وقوله وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم عليه السلام يريد به أن إبراهيم عليه السلام لما أخذ في بناء البيت دعا الله تعالى جده أن يجعل ذلك البلد آمناً ويجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ويرزقهم من الثمرات والطيبات ثم قال (وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فاستجاب الله تعالى دعاءه في نبينا وجعله الرسول الذي سأله إبراهيم عليه السلام ودعاه أن يبعثه إلى أهل مكة فكان النبي يقول أنا دعوة أبي إبراهيم ومعناه أن الله تعالى لما قضى أن يجعل محمداً خاتم النبيين وأثبت ذلك في أم الكتاب أنجز هذا القضاء بأن قيض إبراهيم عليه السلام للدعاء الذي ذكرنا ليكون إرساله إياه بدعائه كما يكون تقلبه من صلبه إلى أصلاب أولاده
وأما قوله وبشارة عيسى بي فهو أن الله تعالى أمر عيسى عليه
السلام فبشر به قومه فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يخلق
وأما قوله ورؤيا أمي التي رأت فإنما عنى به والله أعلم
ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي:
أعيذه بالواحد
من شر كل حاسد

من كل بر عاهد
وكل عبد رائد
يرود غير رائد
فإنه عبد الحميد الماجد
حتى أراه قد أتى المشاهد
قال آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السماء وأهل الأرض واسمه في الانجيل أحمد يحمده أهل السماء وأهل الأرض
واسمه في الفرقان محمد فسميته بذلك
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء وقراءة قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت لأبي اليمان حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال
سمعت النبي يقول إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام
قصر أبو بكر بن أبي مريم بإسناده فلم يذكر فيه عبد الأعلى بن هلال وقصر بمتنه فجعل الرؤيا بخروج النور منها وحده وكذلك قال خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاءً وقراءةً قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت كأنه خرج منها نور أضاءت له
بصرى من أرض الشام
وروى في ذلك عن أبي أمامة عن النبي
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الفرج بن فضالة
ح وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا محمد بن الفضل بن جابر قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة قال
قيل يا رسول الله ما كان بدء أمرك قال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام
وفي رواية أبي داود خرج مني
وأخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح قال حدثنا محمد بن سنان العوقي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال
قلت يا رسول الله متى كتبت نبياً قال وآدم بين الروح والجسد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الأصبهاني قال حدثني الحسن بن الجهم التميمي وعبد الله بن بندار قالا حدثنا موسى بن المساور الضبي الثقة المأمون قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن الزهري قال
أول ما ذكر من عبد المطلب جد رسول الله أن قريشاً خرجت من الحرم فارة من أصحاب الفيل وأجلت عنه قريش وهو غلام شاب فقال والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره فجلس عند البيت وقال

(لا هم إن المرء يم نع رحله فامنع حلالك)

وذكر مع ذلك غيره
قال فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله تعالى الفيل وأصحابه فرجعت قريش وقد عظم فيهم لصبره وتعظيمه محارم الله تعالى فبينا هو على ذلك وعنده أكبر بنيه قد أدرك وهو الحارث بن عبد المطلب فأتي عبد المطلب في المنام فقيل له احفر زمزم خبية الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال اللهم بين لي فأري في المنام مرة أخرى احفرتكتم بين الفرث
والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر فقام عبد المطلب يمشي حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة فانقلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فنحرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هنالك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب ما هذا الصنيع إنا لم نكن نزنك بالجهل لم تحفر في مسجدنا فقال عبد المطلب إني لحافر هذه البئر ومجاهد من صدني عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فتسفه عليهما ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عنه أناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم يومئذ حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حيث دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا يا عبد المطلب أحذنا مما وجدت فقال عبد
المطلب إنما هذه السيوف لبيت الله فحفر حتى أنبط الماء فخرقها في القرار ثم بحرها حتى لا تنزف ثم بنى عليها حوضاً فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج فيكسره أناس حسدة من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له قل اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حل وبل ثم كفيتهم فقام عبد المطلب حين اختلفت قريش في المسجد فنادى بالذي أرى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته
ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت فأقرع بينهم فصارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب اللهم أهو أحب إليك أم مائة من الإبل ثم أقرع بينه وبين المائة فكانت القرعة على مائة من الإبل فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله .
وكان عبد الله أحسن من رؤي في قريش قط فخرج يوماً على نساء من قريش مجتمعات فقالت امرأة منهن يا نساء قريش أيتكن تتزوج هذا الفتى فتصطاد النور الذي بين عينيه وإن بين عينيه نوراً قال فتزوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجامعها فحملت برسول الله
ثم بعث عبد المطلب عبد الله بن عبد المطلب يمتار له تمراً من يثرب فتوفي بها عبد الله بن عبد المطلب فولدت آمنة رسول الله فكان في حجر جده عبد المطلب فاسترضعته امرأة من بني سعد بن بكر فنزلت أمه التي ترضعه سوق عكاظ فرآه كاهن من الكهان فقال يا أهل عكاظ ا***وا هذا الغلام فإن له ملكاً فزاغت به أمه التي ترضعه فأنجاه الله تعالى
ثم شب عندها حتى إذا سعى وأخته من الرضاعة تحضنه جاءت أخته من أمه التي ترضعه فقالت أي أمتاه إني رأيت رهطا أخذوا أخي القرشي آنفاً فشقوا بطنه فقامت أمه التي ترضعه فزعة حتى تأتيه فإذا هو جالس منتقع لونه لا ترى عنده أحداً فارتحلت به حتى أقدمته على أمه فقالت لها اقبضي عني ابنك فإني قد خشيت عليه فقالت أمه لا والله ما بابني مما تخافين لقد رأيت وهو في بطني أنه خرج معتمدا على يديه رافعاً رأسه إلى السماء
فافتصلته أمه وجده عبد المطلب ثم توفيت أمه فيتم في حجر عبد المطلب فكان وهو غلام يأتي وسادة جده فيجلس عليها فيخرج جده وقد كبر فتقول الجارية التي تقود جده انزل عن وسادة جدك فيقول عبد المطلب دعوا ابني فإنه يحس بخير
قال فتوفى جده ورسول الله غلام فكفله أبو طالب وهو أخو عبد الله لأبيه وأمه فلما ناهز الحلم ارتحل به أبو طالب تاجراً قبل الشام فلما نزل تيماء رآه حبر من يهود تيماء فقال لأبي طالب ما هذا الغلام منك قال هو ابن أخي قال أشفيق أنت عليه قال نعم قال فوالله لئن قدمت به الشام لا تصل به إلى أهلك أبداً لت***نه اليهود إن هذا عدوهم فرجع به أبو طالب من تيماء إلى مكة
فلما بلغ رسول الله الحلم أجمرت امرأة من قريش الكعبة فطارت شررة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فوهى البيت للحريق الذي أصابه فتشاورت قريش في هدم الكعبة وهابوا هدمها فقال لهم الوليد بن المغيرة أتريدون بهدمها الإصلاح أم تريدون الإساءة فقالوا بل نريد الإصلاح قال فإن الله تعالى لا يهلك المصلح وقالت فمن ذا الذي يعلوها فيهدمها فقال الوليد بن المغيرة أنا أعلوها فأهدمها فارتقى الوليد على ظهر البيت ومعه الفأس فقال اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح ثم هدم فلما رأته قريش قد هدم منها ولم يأتهم ما يخافون من العذاب هدموها معه حتى إذا ابتنوا فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه حتى كاد يشجر بينهم فقالوا تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فطلع رسول الله وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم
أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية الثوب ثم ارتقى هو وأمرهم أن يرفعوه إليه فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه
ثم طفق لا يزداد فيهم على السن إلا رضا حتى سموه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي
قال وطفقوا لا ينحرون جزوراً للبيع إلا دعوه ليدعو لهم فيها
فلما استوى وبلغ أشده وليس له كثير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشه وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلاً من قريش فقال رسول الله وهو يحدث عنها
ما رأيت من صاحبة أجيد خيراً من خديجة ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا
قال فلما رجعنا من سوق حباشة قال رسول الله قلت لصاحبي انطلق بنا نتحدث معاً عند خديجة فجئناها فبينما نحن عندها إذ دخلت علينا منشية من مولدات قريش وفي رواية مستنشية وهي الكاهنة من مولدات قريش فقالت أمحمد هذا والذي يحلف به إن جاء لخاطباً قال قلت كلا قال فلما خرجت أنا وصاحبي قال لي أمن خطبة خديجة تستحي فوالله ما من قرشية إلا تراك لها كفؤاً قال فرجعت أنا وصاحبي مرة أخرى قال فدخلت علينا تلك المنشية فقالت
أمحمد هذا والذي يحلف به إن جاء لخاطباً فقلت على حياء أجل قال فلم تعصني خديجة ولا أختها فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد وهو ثمل من الشراب فقالت له هذا ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة وقد رضيت خديجة فدعاه فسأله عن ذلك فخطب إليه فأنكحه قال فخلقت خديجة أباها وحلت عليه حلة فدخل عليه بها رسول الله فلما صحا الشيخ من سكره قال ما هذا الخلوق وما هذه الحلة قالت أخت خديجة هذه حلة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أنكحته خديجة وقد بنى بها فأنكر الشيخ ثم صار إلى أن سلم ذلك واستحيا قال فطفقت رجاز من رجاز قريش تقول

(لا تزهدي خديج في محمد جلد يضيء كإضاء الفرقد)

فلبث رسول الله مع خديجة حتى ولدت له بعض بناته وكان له ولها القاسم
وقد زعم بعض العلماء أنها ولدت له غلاماً يسمى الطاهر
وقال بعضهم ما نعلمها ولدت غلاماً إلا القاسم وولدت بناته الأربع زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم
وطفق رسول الله بعد ما ولدت بعض بناته يحبب إليه الخلاء
قلت هذا الحديث عن الزهري رحمنا الله وإياه يجمع بيان أحوال من أحوال رسول الله إلا أنه على ما كان عنده من تقدم عام الفيل على ولادة رسول الله
وقد روينا عن غيره أن ولادة النبي كانت عام الفيل فسبيلنا أن نبدأ في شواهد ما روينا عن الزهري بحديث زمزم
ما جاء في حفر زمزم على طريق الاختصار
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول وهو يحدث حديث زمزم قال
بينا عبد المطلب نائم في الحجر أتي فقيل له احفر برة فقال وما برة ثم ذهب عنه حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك فأتي فقيل له احفر المضنونة قال وما مضنونة ثم ذهب عنه حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه ذلك فأتي فقيل له احفر طيبة فقال وما طيبة ثم ذهب عنه فلما كان الغد عاد فنام بمضجعه فأتي فقيل
له احفر زمزم فقال وما زمزم فقال لاتنزف ولا تذم ثم نعت له موضعها فقام يحفر حيث نعت له فقالت له قريش ما هذا يا عبد المطلب فقال أمرت بحفر زمزم فلما كشف عنه وبصروا بالظبي قالوا يا عبد المطلب إن لنا حقا فيها معك إنها لبئر أبينا إسماعيل فقال ما هي لكم لقد خصصت بها دونكم قالوا فحاكمنا قال نعم قالوا بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بأشراف الشام قال فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا القوم قالوا ما نستطيع أن نسقيكم وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم فقال عبد المطلب لأصحابه ماذا ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فقال إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرة بما بقي من قوته فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم ففعلوا ثم قال والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لا نضرب في الأرض ونبتغي لعل الله عز وجل أن يسقينا عجز فقال لأصحابه ارتحلوا قال فارتحلوا وارتحل فلما جلس
على ناقته فانبعثت به انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب فأناخ وأناخ أصحابه فشربوا وسقوا واستقوا ثم دعوا أصحابهم هلموا إلى الماء فقد سقانا الله تعالى فجاءوا واستقوا وسقوا ثم قالوا يا عبد المطلب قد والله قضي لك إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم انطلق فهي لك فما نحن بمخاصميك
قال ابن إسحاق فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت فيها حين أخرجت من مكة وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي سقاه الله عز وجل حين ظمئ وهو صغير


محمد رافع 52 03-03-2013 02:00 AM

قال ابن إسحاق ووجد عبد المطلب أسيافاً مع الغزالين فقالت قريش لنا معك في هذا يا عبد المطلب شرك وحق فقال لا ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح فقالوا فكيف نصنع قال اجعلوا للكعبة قدحين ولكم قدحين ولي قدحين فمن خرج له شيءُ كان له فقالوا له قد أنصفت وقد رضينا فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول
(لاهم أنت الملك المحمود ربي وأنت المبدئ المعيد)
(وممسك الراسية الجلمود من عندك الطارف والتليد)
(إن شئت ألهمت لما تريد لموضع الحلية والحديد)
(فبين اليوم لما تريد إني نذرت عاهد العهود)
(اجعله رب لي ولا أعود)
وضرب صاحب القداح القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة فكانا أول ذهب حليته وخرج الأسودان على السيوف والأدراع لعبد المطلب فأخذها وكانت قريش ومن سواهم من العرب في الجاهلية إذا اجتهدوا في الدعاء سجعوا فألفوا الكلام


وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع
قال ابن إسحاق
فلما حفر عبد المطلب زمزم ودله الله عليها وخصه بها زاده الله تعالى بها شرفاً وخطراً في قومه وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت وأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها لمكانها من البيت وأنها سقيا الله عز وجل لإسماعيل عليه السلام

نذر عبد المطلب
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار قال
وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يذكرون قد نذر حين لقي من قريش عند حفر زمزم ما لقي لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة فلما توافى بنوه عشرة الحارث والزبير وحجل وضرار والمقوم وأبو لهب والعباس وحمزة وأبو طالب وعبد الله وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره الذي نذر ودعاهم إلى الوفاء لله تعالى بذلك فأطاعوا

له وقالوا كيف نصنع قال يأخذ كل رجل منكم قدحاً فيكتب فيه اسمه ثم تأتوني ففعلوا ثم أتوه فذكر الحديث بطوله في دخوله على هبل عظيم أصنامهم
قال وكان عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله أصغر بني أبيه وكان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائد بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم وكان فيما يزعمون أحب ولد عبد المطلب إليه فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو ألا يخرج القدح على عبد الله فخرج القدح على عبد الله فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة الوثنين اللذين تنحر قريش عندهما ذبائحهم لي***ه فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا ماذا تريد يا عبد المطلب قال أ***ه
قال ابن إسحاق وذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشاً لم يزل في وجهه حتى مات فقالت قريش وبنوه والله لا ت***ه أبداً ونحن أحياء حتى نعذر فيه ولئن فعلت هذا لا يزال رجل منا يأتي ابنه حتى ي***ه فما بقاء الناس على ذلك وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عبد الله بن عبد المطلب ابن أخت القوم والله لا ت***ه أبداً حتى نعذر فيه فإن كان فداء فديناه بأموالنا


وذكر أشعارهم في ذلك إلى أن قال
فقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق إلى الحجاز فإن به عراقة يقال لها سجاع لها تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك فقال نعم فانطلقوا حتى جاءوها وهي فيما يزعمون بخيبر فسألوها فقالت ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فخرج عبد المطلب يدعو الله
قال ثم غدوا إليها فقالت نعم قد جاءني تابعي بالخبر فكم الدية فيكم فقالوا عشر من الإبل وكانت كذلك قالت فارجعوا إلى بلادكم فقدموا صاحبكم وقدموا عشراً من الإبل ثم اضربوا عليه بالقداح فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم فإذا خرجت القداح على الإبل فقد رضي ربكم فانحروها ونجا صاحبكم فخرجوا حتى قدموا مكة وفعلوا
وذكر الحديث بطوله في سجع عبد المطلب ودعواته وخروج السهم على عبد الله وزيادة عشر عشر من الإبل كلما خرج السهم عليه حتى بلغت الإبل مائة
وقام عبد المطلب يدعو الله تعالى ثم ضربوا فخرج السهم على الإبل فقالت قريش ومن حضره قد انتهى رضا ربك وخلص لك

ابنك فقال عبد المطلب لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا فخرج على الإبل في المرات الثلاث فنحرت ثم تركت لا يصد عنها أحد

محمد رافع 52 03-03-2013 02:08 AM

تزوج عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي بآمنة بنت وهب وحملها برسول الله ووضعها إياه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال
ثم انصرف عبد المطلب آخذاً بيد عبد الله فمر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي عند الكعبة فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله فقال مع أبي قالت لك عندي من الإبل مثل التي نحرت عنك وقع على الآن فقال لها إن معي أبي الآن لا أستطيع خلافه ولا فراقه ولا أريد أن أعصيه شيئاً فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسباً وشرفاً فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً


وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت عوف ابن عبيد يعني ابن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي
قال وذكروا أنه دخل عليها حين ملكها مكانه فوقع عليه عبد الله فحملت برسول الله قال ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهي في مجلسها فجلس إليها وقال لها مالك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت أمس فقالت قد فارقك النور الذي كان فيك فليس لي بك اليوم حاجة وكانت فيما زعموا تسمع من أخيها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر واتبع الكتب يقول إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل فقالت في ذلك شعراً واسمها أم قتال بنت نوفل بن أسد
(ألآن وقد ضيعت ما كنت قادراً عليه وفارقك الذي كان جاءكا)
(غدوت علي حافلاً قد بذلته هناك لغيري فالحقن بشانكا)
(ولا تحسبني اليوم خلواً وليتني أصبت جنيناً منك يا عبد داركا)
(ولكن ذاكم صار في آل زهرة به يدعم الله البرية ناسكا)
وقالت أيضاً
(عليك بآل زهرة حيث كانوا وآمنة التي حملت غلاما)
(ترى المهدي حين ترى عليه ونوراً قد تقدمه أماما)


وذكرت أبياتاً وقالت فيها
(فكل الخلق يرجوه جميعا يسود الناس مهتدياً إماما)
(براه الله من نور صفاء فأذهب نوره عنا الظلاما)
(وذلك صنع ربك إذ حباه إذا ما سار يوماً أو أقاما)
(فيهدي أهل مكة بعد كفر ويفرض بعد ذلكم الصياما)
قلت وهذا الشيء قد سمعته من أخيها قد سمعته من أخيها في صفة رسول الله ويحتمل أن كانت أيضا امرأة عبد الله مع آمنة


وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني والدي إسحاق بن يسار قال
حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة بنت وهب بن عبد مناف فمر بامرأته تلك وقد أصابه أثر من طين عمل به فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين فدخل فغسل عنه أثر الطين ثم دخل عامداً إلى آمنة ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها فأبى للذي صنعت به أول مرة فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج فدعاها إلى نفسه فقالت لا حاجة لي بك مررت بي وبين عينيك غرة فرجوت أن أصيبها

منك فلما دخلت على آمنة ذهبت بها منك
قال ابن إسحاق فحدثت أن امرأته تلك كانت تقول لمر بي وإن بين عينيه لنوراً مثل الغرة ودعوته له رجاء أن يكون لي فدخل على آمنة فأصابها فحملت برسول الله
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال حدثنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل الأزدي قال حدثنا محمد ابن يونس القرشي قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري
ح وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء قال حدثنا أبو جعفر محمد ابن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن ابن عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه قال
قال عبد المطلب قدمت اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزبور يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بدنك فقلت أنظر ما لم يكن عورة قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم نظر في الآخر فقال أشهد أن في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى نبوة وأرى ذلك في بني زهرة فكيف ذلك فقلت لا أدري قال هل لك من شاعة قال قلت وما الشاعة قال زوجة قلت

أما اليوم فلا قال إذا قدمت فتزوج فيهن فرجع عبد المطلب إلى مكة فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله فقالت قريش حين تزوج عبد الله آمنة فلج عبد الله على أبيه وقد قيل إنها كانت امرأة من خثعم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري قال حدثنا مسدد قال حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال
كانت امرأة من خثعم تعرض نفسها في مواسم الحج وكانت ذات جمال وكان معها أدم تطوف بها كأنها تبيعها فأتت على عبد الله بن عبد المطلب فأظن أنه أعجبها فقالت إني والله ما أطوف بهذا الأدم وما لي إلى ثمنها حاجة وإنما أتوسم الرجل هل أجد كفؤا فإن كانت لك إلي حاجة فقم فقال لها مكانك حتى أرجع إليك فانطلق إلى رحله

فبدأ فواقع أهله فحملت بالنبي فلما رجع إليها قال ألا أراك ههنا قالت ومن كنت قال الذي واعدتك قالت لا ما أنت هو ولئن كنت هو لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الفارسي قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى الكناني قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال
كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت
كان يهودي قد وسكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله قال في مجلس من قريش يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود فقال القوم والله ما نعلمه قال الله أكبر أما إذ أخطأكم فلا بأس انظروا واحفظوا ما أقول لكم ولد فيكم هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس لا يرضع ليلتين وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمداً فالتقى القوم فقالوا هل سمعتم حديث هذا اليهودي بلغكم مولد هذا الغلام فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر قال فاذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقال أخرجي إلينا ابنك فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة

فوقع اليهودي مغشياً عليه فلما أفاق قالوا ويلك مالك قال ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل أفرحتم به يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب
وكان في النفر الذي قال لهم اليهودي ما قال هشام والوليد ابنا المغيرة ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة بن الحارث وعقبة بن ربيعة شاب فوق المحتلم في نفر من بني عبد مناف وغيرهم من قريش
وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي غسان محمد بن يحيى ابن عبد الحميد الكناني
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني يوسف بن حماد المعني البصري قال حدثنا عبد الأعلى
ح قال وحدثنا يعقوب قال حدثنا عمار قال حدثني سلمة جميعاً عن محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم عن

يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت قال
إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كلما رأيت وسمعت إذا يهودي بيثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع قالوا ويلك مالك قال طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة
وفي رواية يونس بن بكير الذي يبعث فيه وهو غلط
زاد القطان في روايته قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان ابن كم كان حسان مقدم رسول الله المدينة قال ابن ستين سنة
قال محمد وقدم رسول الله المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو بشر مبشر ابن الحسن قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز

ابن عمران قال حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال
حدثنى أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله ليلة ولدته قالت فما شيءُ أنظر إليه في البيت إلا نور وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعن علي
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
وكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع على الأرض فقولي
(أعيذه بالواحد من شر كل حاسد )
وذكر سائر الأبيات كما مضى
وقال فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة والإنجيل أحمد

يحمده أهل السماء وأهل الأرض واسمه في القرآن محمد فسمته بذلك فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى ويقال إن عبد الله هلك والنبي ابن ثمانية وعشرين شهراً فالله اعلم أي ذلك كان فقالت قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه فلما جاءها خبرته خبره وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة فقام عبد المطلب يدعو الله ويتشكر الله عز وجل الذي أعطاه إياه فقال
(الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان)
(قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان)
(حتى يكون بلغة الفتيان حتى أراه بالغ البنيان)
(أعيذه من كل ذي شنآن من حاسد مضطرب الجنان)
(ذي همة ليست له عينان حتى أراه رافع اللسان)
(أنت الذي سميت في الفرقان في كتب ثابتة المباني)
(أحمد مكتوب على اللسان )


وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنبأني أحمد بن كامل القاضي شفاهاً أن محمدً بن إسماعيل السلمي حدثهم قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي الحكم التنوخي قال
كان المولود إذا ولد من قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فيكفين عليه برمة فلما ولد رسول الله دفعه عبد المطلب إلى نسوة يكفين عليه برمة فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عليه باثنتين فوجدنه مفتوح العينين شاخصاً ببصره إلى السماء فأتاهن عبد المطلب فقلن له ما رأينا مولوداً مثله وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ووجدناه مفتوح العينين شاخصاً ببصره إلى السماء فقال احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيراً فلما كان اليوم السابع *** عنه ودعا له قريشاً فلما أكلوا قالوا يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته قال سميته محمداً قالوا فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته قال أردت أن يحمده الله تعالى في السماء وخلقه في الأرض


أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الداربجردي بمرو قال حدثنا أبو عبد الله البوشنجي قال حدثنا أبو أيوب سليمان بن سلمة الخبائري قال حدثنا يونس بن عطاء عن عثمان بن ربيعة بن زياد بن الحارث الصدائي بمصر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال
ولد رسول الله مختوناً مسروراً قال فأعجب به جده عبد المطلب وحظي عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن

محمد رافع 52 03-03-2013 02:12 AM


كيف فعل ربك بأصحاب الفيل في السنة التي ولد فيها رسول الله وما كان قبله من أمر تبع على سبيل الاختصار
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار قال
ثم إن تبعاً أقبل حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء فحفر فيها بئراً فهي اليوم تدعى بئر الملك قال وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج فنصبوا له فقاتلوه فجعلوا يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة إلى اصحابه فلما فعلوا به ذلك ليالي استحيا فأرسل إليهم يريد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي فقال له أحيحة بن الجلاح أيها الملك نحن قومك وقال بنيامين أيها الملك هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك قال ولم قال لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه

الله تعالى من قريش وجاء تبعاً مخبر أخبره عن اليمن أنه بعث عليها نار تحرق كل ما مرت به فخرج سريعاً وخرج معه نفر من يهود فيهم بنيامين وغيره وذكر شعراً وقال فيه
(ألقى إلي نصيحة كي أزدجر عن قرية محجوزة بمحمد)
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدف من جمدان من مكة على ليلتين أتاه أناس من هذيل بن مدركة وتلك منازلهم فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً تصيبه وتعطينا منه قال بلى فقالوا هو بيت بمكة فراح تبع وهو مجمع لهدم البيت فبعث الله تعالى عليه ريحاً فقفعت يديه ورجليه وشنجت جسده فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال ويحكم ما هذا الذي أصابني فقالوا أحدثت شيئاً قال وما أحدثت فقالوا أحدثت نفسك بشيء قال نعم فذكر ما أجمع عليه من هدم البيت وإصابة ما فيه قالوا ذلك بيت الله الحرام ومن أراده هلك قال ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه قالوا تحدث نفسك أن تطوف به وتكسوه وتهدي له فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله تعالى ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه
وذكر الحديث في نحره بمكة وإطعامه الناس ثم رجوعه إلى اليمن و***ه وخروج ابنه دوس إلى قيصر واستغاثته به فيما فعل قومه بأبيه
وان قيصر كتب إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث معه ستين ألفاً واستعمل عليهم روزبة حتى قاتلوا حمير ***ه أبيه ودخلوا صنعاء فملكوها وملكوا اليمن وكان في أصحاب روزبة رجل يقال له أبرهة بن الأشرم وهو أبو يكسوم فقال لروزبة أنا أولى بهذا الأمر منك و***ه مكراً وأرضى النجاشي
ثم إنه بنى كعبة باليمن وجعل فيها قباباً من ذهب وأمر أهل مملكته بالحج بها يضاهي بذلك البيت الحرام وأن رجلاً من بني ملكان بن كنانة وهو من الحمس خرج حتى قدم اليمن فدخلها فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال من اجترأ علي بهذا فقال له أصحابه أيها الملك هذا رجل من أهل ذلك البيت الذي يحجه العرب قال فعلي اجترأ بهذا ونصرانيتي لأهدمن ذلك البيت ولنخربنه حتى لا يحجه حاج أبداً فدعا بالفيل وأذن في قومه بالخروج ورحل ومن اتبعه من أهل اليمن وكان أكثر من تبعه منهم عك والأشعريون وخثعم فخرجوا يرتجزون
(إن البلد لبلد مأكول تأكله عك والأشعريون والفيل)
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه أيضاً رجل من الحمس من بني كنانة ف***ه فازداد بذلك لما بلغه حنقا وجرأة وأحث السير

والانطلاق وطلب من أهل الطائف دليلاً فبعثوا معه رجلاً من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش متفرقين عباديد في رؤوس الجبال وقالوا لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم فلم يبق بمكة أحد إلا عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول
(لا هم إن العبد يم نع رحله فامنع حلالك)
(لا يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدواً محالك)


(إن كنت تاركهم وكع بتنا فأمر ما بدا لك)
يقول أي شيء ما بدا لك لم تكن تفعله بنا
ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعماً لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى انتهى إلى القوم وكان حاجب أبرهة رجلا من الأشعريين وكانت له بعبد المطلب معرفة قبل ذلك فلما انتهى إليه عبد المطلب قال الأشعري ما حاجتك قال حاجتي أن تستأذن لي على الملك فدخل عليه حاجبه فقال له أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم إنسها في السهل ووحشها في الجبل فقال إئذن له وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً جميلاً فأذن له فدخل عليه فلما أن رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته وكره أن يجلس معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض وأجلس عبد المطلب معه ثم قال ما حاجتك قال حاجتي مائتا بعير أصابتها لي مقدمتك فقال ابو يكسوم والله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال له ولم أيها الملك قال لأني جئت إلى بيت هو منعتكم من العرب وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ودينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره وأصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك

ولم تطلب إلي في بيتكم فقال له عبد المطلب أيها الملك إنما أكلمك في مالي ولهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شيء فراع ذلك أبا يكسوم وأمر برد إبل عبد المطلب عليه ثم رجع وأمسك ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاماً لاقترابها منهم فأحست أنفسهم بالعذاب وخرج دليلهم حتى دخل الحرم وتركهم وقالم الأشعريون وخثعم فكسروا رماحهم وسيوفهم وبرئوا إلى الله تعالى أن يعينوا على هدم البيت فباتوا كذلك بأخبث ليلة ثم أدلجوا بسحر فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة فوجهوه إلى مكة فربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا
ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا لك الله ألا يوجهك إلى مكة فجعلوا يقسمون له ويحرك أذنيه فأخذ عليهم حتى إذا أكثروا من أنفسهم انبعث فوجهوه إلى اليمن راجعاً فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقاً حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول ربض وتمرغ فلما رأوا ذلك أقسموا له وجعل يحرك أذنيه فأخذ عليهم حتى إذا أكثروا انبعث فوجهوه إلى اليمن فتوجه يهرول فلما رأوا ذلك ردوه فرجع بهم حتى إذا كان في مكانه الأول ربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك يعالجوه حتى كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها وطلعت عليهم طير من البحر أمثال اليحاميم سود فجعلت ترميهم وكل طائر في منقاره حجر وفي رجليه

حجران فإذا رمت بتلك مضت وطلعت أخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ولا عظم إلا أوهاه وثقبه وثاب أبو يكسوم راجعاً قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضاً انقطع منه فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن ولم يبق منه شيءُ إلا باده فلما قدمها انصدع صدره وانشق بطنه وهلك ولم يصب من خثعم والأشعريين أحد
وذكر ما قالوا في ذلك من الشعر قال وقال عبد المطلب وهو يرتجز ويدعو على الحبشة ويقول
(يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا)
(إن عدو البيت من عاداكا إنهم لن يقهروا قواكا)
قلت كذا قال محمد بن إسحاق بن يسار في شأن عبد المطلب وأبرهة
وقد حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ إملاء قال حدثنا أبو زكريا العنبري قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال


أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم ما جاء بك إلينا ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت فقال أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحدٌ إلا أمن فجئت أخيف أهله فقال إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع فأبى إلا أن يدخله وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب فقام على جبل فقال لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله ثم قال
(اللهم إن لكل إله حلالاً فامنع حلالك)
(لا يغلبن محالهم أبداً محالك)
(اللهم فإن فعلت فأمر ما بدا لك)
فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التي قال الله تبارك وتعالى (ترميهم بحجارة من سجيل) قال فجعل الفيل يعج عجا (فجعلهم كعصفٍ مأكول)
وعندي في هذا قصة أخرى طويلة بإسناد منقطع وفيما ذكرنا فيما قصدناه كفاية
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى (وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم) قال طير لها خراطيم كخراطيم

الطير وأكف كأكف الكلاب
وحدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قال حدثنا أبو الحسن الطرائفي قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (طيراً أبابيل) يقول يتبع بعضها بعضاً وفي قوله (كعصف مأكول) يقول التبن
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن العباس المؤدب قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود في قوله (طيراً أبابيل) قال فرق
أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن محمد بن قتادة قال حدثنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي قال حدثنا أحمد بن نجدة قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا خالد بن عبد الله عن حصين عن عكرمة في قوله (طيراً أبابيل) يقول كانت طيراً نشأت من قبل البحر لها مثل رؤوس السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده فأثرت في جلودهم أمثال الجدري فإنه لأول ما رؤي الجدري
قال وحدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير الليثي قال
لما أراد الله عز وجل أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً نشأت

من البحر كأنها الخطاطيف بلق كل طير منها معه ثلاثة أحجار مجزعة في منقاره حجر وحجران في رجليه ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر إن وقع على رأسه خرج من دبره وإن وقع على شيء من جسده خرج من جانب آخر
قال وبعث الله ريحا شديدة فضربت أرجلها فزادها شدة فأهلكوا جميعا
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد قال حدثنا أبو عمران التستري قال حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال حدثنا ثابت بن يزيد قال حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال
جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فجاءهم عبد المطلب جد النبي فقال إن هذا بيت الله تعالى لم يسلط الله عليه أحداً قالوا لا نرجع حتى نهدمه قال وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه


أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد قال حدثنا أبو الحسن علي بن حسن المصري قال حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن محمد بن عروة عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله قال
إنما سمي الله البيت العتيق لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال
حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة زوج النبي قالت
لقد رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان بمكة

محمد رافع 52 03-03-2013 02:14 AM

ما جاء في ارتجاس ايوان كسرى وسقوط شُرفه ورؤيا الموبذان وخمود النيران وغير ذلك من الآيات ليلة ولد رسول الله
أخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد رحمه الله قال أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي ح وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي قال أخبرنا الحسين بن علي بن محمد بن يحيى ومحمد بن محمد بن داود وإبراهيم ابن محمد النصراباذي واللفظ للحسين قالوا حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال حدثنا علي بن حرب الموصلي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله البجلي قال حدثنا مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت عليه مائة وخمسون سنة قال
لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك

بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلا صعاباً تقود خيلا عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك وتصبر عليه تشجعاً ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن وزرائه ومرازبته حين عيل صبره فجمعهم ولبس تاجه وقعد على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال أتدرون فيما بعثت إليكم قالوا لا إلا أن يخبرنا الملك بذلك فبيناهم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس فازداد غما إلى غمه ثم أخبرهم بما هاله فقال الموبذان وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ثم قص عليه رؤياه في الإبل قال أي شيء يكون هذا يا موبذان وكان أعلمهم في أنفسهم قال حدث يكون من ناحية العرب فكتب كسرى عند ذلك من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال ألك علم بما أريد أن أسألك عنه قال يسألني أو يخبرني الملك فإن كان عندي منه علم أخبرته وإلا دللته على من يعلمه قال فأخبره بما رأى قال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فاذهب إليه فاسأله وائتني بتأويل ما عنده فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر جواباً فأنشد عبد المسيح يقول


(أصم أم يسمع غطريف اليمن أم فاد فازلم به شأو العنن)
(يا فاصل الخطة أعيت من ومن وكاشف الكربة عن وجه غضن)
(أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن)
(أرزق بهم الناب صوار الأذن أبيض فضفاض الرداء والبدن)
(رسول قيل العجم يسرى بالرسن لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن)
(تجوب بي الأرض علنداة شزن ترفعني وجناً وتهوي بي وجن)
(حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن)
(كأنما حثحث من حضني ثكن )
قال ففتح سطيح عينيه ثم قال عبد المسيح على جمل مسيح إلى سطيح وقد أوفى على الصريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات

على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى رحله وهو يقول
(شمر فإنك ماضي الهم شمير لا يفزعنك تفريق وتغيير)
(إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم فإن ذلك أطوار دهارير)
(فربما ربما أضحوا بمنزلة يهاب صولتها الأسد المهاصير)
(منهم أخو الصرح بهرام وإخواته والهرمزان وسابور وسابور)
(والناس أولاد علات فمن علموا أن قد أقل فمحقور ومهجور)
(وهم بنوا الأم إما إن رأوا نشباً فذاك بالغيب محفوظ ومنصور)
(والخير والشر مقرونان في قرن والخير متبع والشر محذور)
قال فلما قدم عبد المسيح على كسرى فأخبره بقول سطيح فقال إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى أن *** عثمان بن عفان رضي الله عنه
قلت ولسطيح قصة أخرى في إخباره حين قدم مكة من لقيه من قريش منهم عبد مناف بن قصي بأحوال النبي وخلفائه بعده


وله قصة أخرى ولشق في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي

محمد رافع 52 03-03-2013 02:19 AM


ذكر رضاع النبي ومرضعته وحاضنته
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو

العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
فدفع رسول الله إلى أمه والتمس له الرضعاء واسترضع له من حليمة بنت أبي ذويب وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر
واسم أبي رسول الله الذي أرضعه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن
وإخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء غلب عليها ذلك فلا تعرف في قومها إلا به وهي لحليمة بنت أبي ذؤيب أم رسول الله
وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله مع أمه إذ كان عندهم
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن إسحاق قال


حدثني جهم بن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب فكان يقال مولى الحارث بن حاطب قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول
حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله التي أرضعته أنها قالت
قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمس بها الرضعاء وفي سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه إنما نرجو المعروف من أب الوليد وأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيري فلما لم أجد رضيعاً غيره قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لأكره أن أرجع

من بين صواحبي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه فقال لا عليك فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره فما هو إلا أن أخذته فجئت به إلى رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيراً حتى خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحباتي يقلن ويلك يا ابنة أبي ذؤيب أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا فأقول نعم والله إنها لهي فيقلن والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله تعالى أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعاً لبناً فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعاً حتى إنهم ليقولون لرعيانهم ويحكم انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب فاسرحوا معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فيريحون أغنامهم جياعاً ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبناً نحلب ما شئنا فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها حتى بلغ سنتيه فكان يشب شباباً لا يشبه

الغلمان فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاماً جفراً فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة فلما رأته أمه قلنا لها يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة فوالله ما زلنا بها حتى قالت فنعم فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاءنا أخوه ذلك يشتد فقال ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاه فشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائماً منتقعاً لونه فاعتنقه أبوه فقال أي بني ما شأنك فقال جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد اصيب فانطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر فيه ما نتخوف قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها فقالت ما ردكما به فقد كنتما عليه حريصين فقلنا لها لا والله يا ظئر إلا أن الله تعالى قد أدى عنا وقضينا الذي علينا فقلنا نخشى الإتلاف والأحداث نرده على أهله قالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره قالت أخشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما

خبره قلنا بلى قالت حملت به فما حملت حملاً قط أخف منه فأريت في المنام حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعاً ما يقعه المولود معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء فدعاه عنكما


قلت وقد روى محمد بن زكريا الغلابي بإسناده عن ابن عباس عن حليمة هذه القصة بزيادات كثيرة وهي لي مسموعة إلا أن محمد بن زكريا هذا متهم بالوضع فالاقتصار على ما هو معروف عند أهل المغازي أولى والله أعلم
ثم إني استخرت الله تعالى في إيرادها فوقعت الخيرة على إلحاقه بما تقدمه من نقل أهل المغازي لشهرته بين المذكورين
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس قال حدثني أبي عن أبيه سليمان بن علي عن أبيه علي بن عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس قال
كانت حليمة بنت أبي ذؤيب التي أرضعت النبي تحدث أنها لما فطمت رسول الله تكلم قالت سمعته يقول كلاماً عجيباً سمعته

يقول الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً فلما ترعرع كان يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم فقال لي يوماً من الأيام يا أماه مالي لا أرى إخوتي بالنهار قلت فدتك نفسي يرعون غنماً لنا فيروحون من ليل إلى ليل فأسبل عينيه فبكى فقال يا أماه فما أصنع ههنا وحدي ابعثيني معهم قلت أوتحب ذلك قال نعم قالت فلما أصبح دهنته وكحلته وقمصته وعمدت إلى خرزة جزع يمانية فعلقت في عنقه من العين وأخذ عصاً وخرج مع إخوته فكان يخرج مسروراً ويرجع مسروراً فلما كان يوماً من ذلك خرجوا يرعون بهماً لنا حول بيوتنا فلما انتصف النهار إذا أنا بابني ضمرة يعدو فزعاً وجبينه يرشح قد علاه البهر باكياً ينادي يا أبت يا أبه ويا أمه الحقا أخي محمداً فما تلحقاه إلا ميتاً قلت وما قصته قال بينا ونحن قيام نترامى ونلعب إذ أتاه رجل فاختطفه من أوساطنا وعلا به ذروة الجبل ونحن ننظر إليه حتى شق من صدره إلى عانته ولا أدري ما فعل به ولا أظنكما تلحقاه أبداً إلا ميتاً قالت فأقبلت أنا وأبوه تعني زوجها نسعى سعياً فإذا نحن به قاعداً على ذروة الجبل شاخصاً ببصره إلى السماء يتبسم ويضحك فأكببت عليه وقبلت بين عينيه وقلت فدتك نفسي ما الذي دهاك قال خيراً يا أماه بينا أنا الساعة قائم على إخوتي إذ أتاني رهط ثلاثة بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ملؤها ثلج فأخذوني فانطلقوا بي إلى ذروة الجبل فأضجعوني على الجبل إضجاعاً لطيفاً ثم شق من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حساً ولا ألماً ثم أدخل يده في

جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها وقام الثاني فقال للأول تنح فقد أنجزت ما أمرك الله به فدنا مني فأدخل يده في جوفي فانتزع قلبي وشقه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم فرمى بها فقال هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ثم حشاه بشيء كان معه ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نور فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي وقام الثالث فقال تنحيا فقد أنجزتما ما أمر الله فيه ثم دنا الثالث مني فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي قال الملك زنوه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ثم قال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضاً لطيفاً فأكبوا علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا يا حبيب الله إنك لن تراع ولو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك وتركوني قاعداً في مكاني هذا ثم جعلوا يطيرون حتى حيال السماء وأنا أنظر إليهما ولو شئت لأريتك موضع دخولهما قالت فاحتملته فأتيت به منزلاً من منازل بني سعد بن بكر فقال لي الناس اذهبي به إلى الكاهن حتى دخلوا ينظر إليه ويداويه فقال ما بي شيء مما تذكرون وإني أرى نفسي سليمة وفؤادي صحيح بحمد الله فقال الناس أصابه لمم أو طائف من الجن قالت فغلبوني على رأيي فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة قال دعيني أنا أسمع منه فإن الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت حليمة فقص ابني محمد قصته ما بين أولها إلى آخرها فوثب الكاهن قائماً على قدميه فضمه إلى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل

العرب من شر قد اقترب ا***وا هذا الغلام وا***وني معه فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم وليكذبن أديانكم وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه
قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت لأنت أعته منه وأجن ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به اطلب لنفسك من ي***ك فإنا لا ن*** محمداً فاحتملته فأتيت به منزلي فما أتيت يعلم الله منزلاً من منازل بني سعد بن بكر إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر وكان في كل يوم ينزل عليه رجلان أبيضان فيغيبان في ثيابه ولا يظهران فقال الناس رديه يا حليمة على جده عبد المطلب وأخرجيه من أمانتك قالت فعزمت على ذلك فسمعت منادياً ينادي هنيئاً لك يا بطحاء مكة اليوم يرد عليك النور والدين والبهاء والكمال فقد أمنت أن تخذلين أو تحزنين أبد الآبدين ودهر الداهرين قالت فركبت أتاني وحملت النبي بين يدي أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة فوضعته لأقضي حاجة وأصلح شأني فسمعت هدة شديدة فالتفت فلم أره فقلت معاشر الناس أين الصبي قالوا أي الصبيان قلت محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي نضر الله به وجهي وأغنى عيلتي وأشبع جوعتي ربيته حتى إذا أدركت به سروري وأملي أتيت به أرده وأخرج من أمانتي فاختلس من يدي من غير أن تمس قدميه الأرض واللات والعزى لئن لم أره لأرمين بنفسي من شاهق هذا الجبل ولأتقطعن إرباً إرباً فقال الناس إنا لنراك غائبة عن الركبان ما معك محمد قالت قلت الساعة

كان بين أيديكم قالوا ما رأينا شيئاً فلما أيسوني وضعت يدي على رأسي فقلت وامحمداه واولداه أبكيت الجواري الأبكار لبكائي وضج الناس معي بالبكاء حرقة لي فإذا أنا بشيخ كالفاني متوكئاً على عكاز له قالت فقال لي مالي أراك أيها السعدية تبكين وتضجين قالت فقلت فقدت ابني محمداً قال لا تبكين أنا أدلك على من يعلم علمه وإن شاء أن يرده عليك فعل قالت قلت دلني عليه قال الصنم الأعظم قالت ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد قال إنك لتهذين و لا تدرين ما تقولين أنا أدخل عليه وأسأله أن يرده عليك قالت حليمة فدخل وأنا أنظر فطاف بهبل أسبوعاً وقبل رأسه ونادى يا سيداه لم تزل منعماً على قريش وهذه السعدية تزعم أن محمداً قد ضل قال فانكب هبل على وجهه فتساقطت الأصنام بعضها على بعض ونطقت أو نطق منها وقالت إليك عنا أيها الشيخ إنما هلاكنا على يدي محمد قالت فأقبل الشيخ لأسنانه اصتكاك ولركبتيه ارتعاداً وقد ألقى عكازه من يده وهو يبكي ويقول يا حليمة لا تبكي فإن لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل قالت فخفت

أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي فقصدت قصده فلما نظر إلي قال أسعد نزل بك أم نحوس قالت قلت بل نحس الأكبر ففهمها منى وقال لعل ابنك قد ضل منك قالت قلت نعم بعض قريش اغتاله ف***ه فسل عبد المطلب سيفه وغضب وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه فنادى بأعلى صوته يا يسيل وكانت دعوتهم في الجاهلية قال فأجابته قريش بأجمعها فقالت ما قصتك يا أبا الحارث فقال فقد ابني محمد فقالت قريش اركب نركب معك فإن سبقت خيلاً سبقنا معك وإن خضت بحراً خضنا معك قال فركب وركبت معه قريش فأخذ على أعلى مكة وانحدر على أسفلها فلما أن لم ير شيئاً ترك الناس واتشح بثوب وارتدى بآخر وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعاً ثم أنشأ يقول
(يا رب إن محمداً لم يوجد فجميع قومي كلهم متردد)
فسمعنا منادياً ينادي من جو الهواء معاشر القوم لا تصيحوا فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه فقال عبد المطلب يأيها الهاتف من لنا به قالوا بوادي تهامة عند شجرة اليمنى فأقبل عبد

المطلب فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعاً يسيران فبينما هم كذلك إذا النبي قائم تحت شجرة يجذب أغصانها ويعبث بالورق فقال عبد المطلب من أنت يا غلام فقال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال عبد المطلب فدتك نفسي وأنا جدك عبد المطلب ثم احتمله وعانقه ولثمه وضمه إلى صدره وجعل يبكي ثم حمله على قربوس سرجه ورده إلى مكة فاطمأنت قريش فلما اطمأن الناس نحر عبد المطلب عشرين جزوراً و*** الشاء والبقر وجعل طعاماً وأطعم أهل مكة
قالت حليمة ثم جهزني عبد المطلب بأحسن الجهاز وصرفني فانصرفت إلى منزلي وأنا بكل خير دنيا لا أحسن وصف كنه خيري وصار محمد عند جده
قالت حليمة وحدثت عبد المطلب بحديثه كله فضمه إلى صدره وبكى وقال يا حليمة إن لابني شأنا وددت أني أدرك ذلك الزمان
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا أحمد قال حدثنا يونس عن ابن إسحاق قال حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك فذكر الحديث قال


واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بياض معهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى إذا أنقيا ثم رداه كما كان ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة بمائة فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم فقال دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا أحمد حدثنا يونس عن أبي سنان الشيباني عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال
قال رسول الله
إن ملكين جاءاني في صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشرح أحدهما صدري ومج الآخر بمنقاره فيه فغسله
هذا مرسل وقد روى حديث الشق بإسناد صحيح موصول
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثني محمد بن صالح بن هاني قال حدثنا محمد بن النضر بن عبد الوهاب قال حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك


أن رسول الله أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمداً قد *** فاستقبلوه وهو منتقع اللون
قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ وهو يوافق ما هو المعروف عند أهل المغازي
وقد أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا تمتام قال حدثنا موسى هو ابن إسماعيل قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال
قال رسول الله أتيت وأنا في أهلي فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة إيماناً وحكمة فحشي بها صدري قال أنس ورسول الله يرينا أثره فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا فاستفتح الملك وذكر حديث المعراج
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث بهز بن أسد عن سليمان بن المغيرة

محمد رافع 52 03-03-2013 02:20 AM

وبمعناه رواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك عن النبي
والزهري عن أنس بن مالك عن أبي ذر عن النبي
وقتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي
ويحتمل أن ذلك كان مرتين مرة حين كان عند مرضعته حليمة ومرة حين كان بمكة بعد ما بعث ليلة المعراج والله أعلم
وكانت ثويبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب أرضعت أيضاً رسول الله مع أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي
أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني قال أخبرنا علي بن محمد بن عيسى قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال
أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة أخبرته أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان أخبرتها أنها قالت
قلت يا رسول الله انكح أختي ابنة أبي سفيان قالت فقال لي أوتحبين ذلك قالت فقلت يا رسول الله نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قالت فقال رسول إن ذلك لا يحل لي قالت فقلت والله يا رسول الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة فقال ابنة أم سلمة فقلت نعم فقال والله لو
أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن
قال عروة وثويبة مولاة أبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت رسول الله فلما مات أبو لهب أرية بعض أهله في النوم بشرحيبة فقال له ماذا لقيت فقال أبو لهب لم ألق بعدكم رخاء غير أني سقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة وأشار إلى النقير التي بين الإبهام والتي يليها من الأصابع
رواه البخاري في الصحيح
وكانت أم أيمن حاضنته حتى كبر
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا ابن وهب
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب قال حدثنا حسين بن حسن ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا أبو الطاهر قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال
لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة فذكر الحديث وفيه قال
وكانت أم سليم أعطت رسول الله عذاقاً لها فأعطاهن رسول الله أم أيمن وهي مولاته أم أسامة بن زيد
قال ابن شهاب وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله بعد ما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله بخمسة أشهر
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر

محمد رافع 52 03-03-2013 01:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر (المشاركة 5160541)

جزاكم الله خيرا


بارك الله فيكم

محمد رافع 52 04-03-2013 10:06 AM

دلائل النبوة
د. عادل بن محمد السبيعي
الحمد لله الذي بعث في كل أمة نذيراً، وشرف هذه الأمة بمبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فجعله لها سراجاً منيرًا،ومبشرًا نذيرًا، فملأ به الأرض خيرًا كثيرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد صاحب الدلائل الباهرة، والحجج القاهرة، والبراهين القاطعة الدامغة، بعثه الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين، ثم أما بعد:
فمن المعلوم بالاضطرار أن الله لم يترك الخلق هملاً، ولم يذرهم سدًا، بل بعث فيهم المرسلين مبشرين ومنذرين، كما قال سبحانه: (ولقد بعثنا في كل قرية نذيرًا)(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً منهم) وقوله سبحانه وتعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).
أيد الله كل نبي بالآيات الباهرات، وأيد كل نبي بالآيات الباهرات التي لا يستطيع ردها أحد من البشر إلا من كابر وعاند كفرعون ونحوه من طواغيت الأرض. ولقد كان لنبينا صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات الشيء العظيم والكثير المستمر، لكونه خاتم النبيين وسيد المرسلين، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" متفق عليه.
ولهذا تنوعت دلائل نبوته وتعددت وكان القرآن الكريم هو المعجزة العظيمة الباقية الدالة على صدق نبوته وشمول رسالته، صلى الله عليه وسلم، أما سائر الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه فإن دلائل نبوتهم انتهت، كعصا موسى، وناقة صالح، وإبراء الأكمه والأبرص لعيسى عليهم صلوات الله وسلامه، وذلك لأنهم بعثوا إلى قوم خاصين ولم يبعثوا إلى الناس كافة كما هو الحال في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من أجل هذا بقيت معجزته العظمى دون سائر الأنبياء، كما أن بعض دلائل نبوته لا يزال باقياً كإخباره ببعض المغيبات التي يتوالى وقوعها زمناً بعد آخر.
وقوله سبحانه:
المقصود بدلائل النبوة :
والمقصود بدلائل النبوة العلامات التي يستدل بها على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والبراهين الظاهرة التي يستوي فيها الناس كلهم غالباً نحو انشقاق القمر ونبوع الماء بين أصابعه وتكثير الطعام ونحوها كما سيأتي بيانه.

القرآن مليء بدلائل النبوة:
وقد دل القرآن على شيء كثير من هذه الدلائل واحتواها في آية فمنها على سبيل المثال:
(وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين) ويقول سبحانه وتعالى:(وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون).
1) إخباره عن الأمم السابقة وما حصل لهم وحل بهم مما يعلم ضرورة عدم شهود النبي صلى الله عليه وسلم أو إخبار أحد له لكونه لم يلتق عن أهل الكتاب ولم يكن بالقارئ صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى بعد ذكره لقصة موسى عليه السلام:
ويقول سبحانه وتعلى في قصة مريم: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون).
ويقول جل وعلا بعد ذكر خبر يوسف عليه السلام: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون).
(آلم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضعسنين.....) ووقع كذلك وقوله جل ذكره: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا لتدخلنالمسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون). ووقع كما أخبر. وشواهد ذلك كثيرة لا تحصى.

وهناك أمور أخرى احتواها القرآن دلت على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم كإبطاله دين اليهود والنصارى بالحجج الباهرة ورده دعاوى اليهود وأكاذيبهم بالبراهين الساطعة وإخباره عن ما أخفوه من كتبهم على الناس، وصدق الله حيث يقول: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).
2) إخبار القرآن عما سيكون من الحوادث العظام ووقوعها كما أخبر مما يدل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالوحي الذي لا يكذب يقول تعالى:
3) إخبار القرآن عن اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم وسبب الافتراق والاختلاف وحقيقته مما لا يستطيع أحد معرفته إلا من اطلع على كتبهم وعاش بينهم دهرًا وطويلاً ومن المعلوم أن هذا وهذا لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم منه شيء إلا ما أوحى الله تعالى له فعلم بذلك صدق نبوته.
وقد تنوعت دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم الحسية والخبرية بشكل لم يحصل لنبي من الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه ويمكن أن نقسم دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم إلى عد أقسام لتتضح.

محمد رافع 52 04-03-2013 10:08 AM

أقسام دلائل نبوته:
القسم الأول:ما وقع قبل مولده صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: ما وقع في حياته صلى الله وعليه وسلم
وهذا القسم يمكن تقسيمه إلى نوعين:
الأول: ما وقع قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.
الثاني: ما وقع بعد بعثته صلى الله عليه وسلم.
القسم الثالث: ما وقع بعد موته صلى الله عليه وسلم.
كما أن هناك تقسيمات أخرى ليس هذا مكان بسطها وعلى كل حال فدلائل نبوته لا يجمعها كتاب جامع لكثرتها وقد صنف العلماء في جمعها مصنفات كثيرة.
والمقصود هنا ذكر شيء من هذه الدلائل حسب التقسيم المذكور على وجه الإجمال على أن عامة هذه الدلائل مما أخرجه الشيخان في وسأكتفي بالإجمال خشية التطويل

دلائل النبوة قبل مولده
القسم الأول ما وقع قبل مولده.
وقع قبل مولده دلائل كثيرة تدل على نبوته صلى الله عليه وسلم إما بطريق الالتزام أو التضمن، ومن ذلك ما جاء في أخبار كل من وهب بن منبه وخبر حسان بن ثابت وخبر أبي قيس البخاري وخبر حويصة بن مسعود وكثير مما يدل على بشارة أهل الكتاب بمولده وظهور نجمه ولعل من أهم ما يذكر مثالاً على هذا النوع قصة الفيل الذي غزا الكعبة فصرفه الله عن البيت في السنة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم وهي أشهر من أن تذكر ولهذا امتن الله على أهل مكة بها وطلب منهم معرفتها وشكرها بالإيمان بنبيه وتوحيد ربهم يقول تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول).
وكذا اهتزاز عرش كسرى وقيصر لولادته.
دلائل نبوته في حياته
القسم الثاني:ما كان منها في حياته وهي نوعان:
النوع الأول: ما كان قبل بعثته وقبل أن ينبأ.
فمن ذلك ما حصل عند ولادته من النور الذي رأته أمه وما حصل لحليمة السعدية من البركة لها ولقومها حين استرضع صلى الله عليه وسلم عندهم وقصة رفع الحجر الأسود وتكريم الله له بهذه المهمة وما حصل له من الإغماء عند إرادة التعري عندما أراد حمل حجارة الكعبة على عاتقه مع ما عرف عنه من جميل الخلال وطيب السجايا وكل ذلك ثابت ثبوتاً كما قال أهل لعلم يبلغ درجة الاستفاضة.


النوع الثاني: ما حصل بعد مبعثه وقبل وفاته.
وهذا النوع أكثر من أن يحصى أو يحيط به كتاب لكثرة الروايات الدالة على نبوته وعظم مكانته عليه الصلاة والسلام فمن ذلك تكثير الماء القليل تارةً ونبوعه بين أصابعه تارةً أخرى وتكثير الطعام القليل وإجابة دعاءه في الحال وحنين الجذع له حتى سمع له صوت وإخباره عن الأمم السابقة وما حصل لها مع أنبيائها ورفع الصخرة له عند هجرته وإخباره عما وقع في عصره في نفس الوقت كإخباره عن م*** كسرى وموت النجاشي وما وقع لسراقة بن مالك من الاحتباس حين أراد ضره وما وقع من أخبار الذراع المسموم له بأن فيه سماً وحفظ الله له ممن أراد ***ه وأعظم ذلك انشقاق القمر له حتى رؤي فرقين إلى غير ذلك مما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما من وجوه لا تحتمل الشك.

القسم الثالث: ما وقع بعد موته.
فمن ذلك إخباره عن المغيبات التي ستقع بعده ووقعت كما أخبر كأخبار الفتن وم*** بعض أصحابه وما سيجري لبعضهم من الشرور وما سيجعل الله في بعضهم من الخير ومنه إخباره عن هلاك كسرى وأنه لا كسرى بعده وهلاك قيصر وأنه لا قيصر بعده وإخباره عن خروج الكذابين الدجالين مدعي النبوة وإخباره عن ظهور أمته وكرامتها، وعن الطائفة المنصورة وبقائها على أمر الله وإخباره بموت فاطمة بعده وأنها أسرع أهله لحوقاً به إلى غير ذلك وقد صح كل هذا ولله الحمد من طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما.

دلائل نبوته متواتر لا يردها إلى من أعمى الله بصيرته والمقصود هنا أن دلائل نبوته كثيرة متنوعة تبلغ درجة التواتر ولا يستطيع أحد ردها إلا من أعمى الله بصيرته واستحكم عليه هواه عياذًا بالله، فتباً لقوم به لا يؤمنون ولشريعته لا يتبعون (فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) وله الحمد ظاهرًا وباطناً.
الهم اجعلنا لنبيك متبعين وبه مؤمنين وعلى طريقه وطريق أصحابه مقتفين وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك سميع.

محمد رافع 52 04-03-2013 02:18 PM

مزايا السيرة النبوية

أولا: التوثيق المعتمد على الرواية المسندة المتصلة عن طريق الثقات الأثبات الذين شاركوا الرسول صلى الله عليه وسلم فترات حياته، ثم التابعين الذين عاصروا الصحابة وسمعوا منهم وحملوا عنهم.
فالصحابة عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وشاركوا في صياغة سيرته ثم امتدت حياة الكثيرين منهم لفترة طويلة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فعاشوا مع التابعين فترة طويلة، فلو علمنا أن من الصحابة من امتدت به الحياة إلى سنة مائة أو بعدها بقليل من الهجرة فقد توفي أبو الطفيل عامر بن واثلة عام 110هـ ومحمود بن الربيع 99هـ وعبد الله بن بسر المازني 96هـ وأنس بن مالك 93هـ رضي الله عنهم. إذا علمنا ذلك كله ثبت لنا أن تتابع التلقي للسنة والسيرة لم ينقطع قط، ولم تكن هناك فترة فاصلة بين التدوين والتلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة ثم التابعين.

ثانيًا: التدوين المبكر للسيرة النبوية: فقد بدأ تدوين السنة والسيرة النبوية جنبًا إلى جنب منذ وقت مبكر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بكتابة الأحاديث التي تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم، مثل بعثته صلى الله عليه وسلم، وبداية نزول الوحي عليه، وما لقيه بمكة قبل الهجرة، ثم هجرته إلى المدينة، وهجرة بعض أصحابه إلى الحبشة قبل ذلك، وزيجاته صلى الله عليه وسلم وغزواته، وأسفاره وغير ذلك من الأمور التي تتعلق بشخصه وسلوكه في حياته كلها. فكل هذه الأمور مثبتة في كتب السنة والسيرة.
أما التدوين الشامل للسيرة فقد بدأ منذ عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، حيث كان عبد الله بن عباس المتوفى سنة (68) هـ رضي الله عنه يدرس تلاميذه نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وكان تلاميذه يدونون ذلك، وكذلك فعل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما المتوفى سنة (63)هـ ومثلهما البراء بن عازب رضي الله عنه المتوفى سنة (74)هـ حيث كان يملي تلاميذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: الشمول والوضوح: فقد ثبتت تفاصيل سيرته صلى الله عليه وسلم بصورة شاملة وواضحة في جميع مراحلها قبل البعثة وبعدها، وقبل الهجرة وبعدها إلى وفاته صلى الله عليه وسلم فقد تضمنت مصادر السيرة النبوية كل تفاصيل حياته صلى الله عليه وسلم وجميع أحواله وصفاته الخلقية والخلقية.وهذا ما لم يتهيأ لأحد قبله ولا بعده صلى الله عليه وسلم.
وهذه المزايا الثلاث تجعلنا على يقين تام بصحة هذه السيرة، وأنها سيرة نبي خاتم هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ونوقن يقينًا مبنيًا على أساس علمي منهجي بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى إلى الناس كافة.

محمد رافع 52 04-03-2013 02:21 PM

ثمرة معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم


لمعرفة شمائله صلى الله عليه وسلم والنظر فيها فوائد وثمراتٍ عدة، يمكن إيجازها بما يلي:
أولاً: معرفة الكمال البشري الظاهري والباطني الذي اجتمع في النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمع في أحد قطُ قبله، ولن يجتمع في أحد بعده، وهذه الثمرة تستجلب ثمرات عظيمة، تتعلق بعبادة المرء لربه جل وعلا.
إحداها: زيادة الإيمان به صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن الإيمان به صلى الله عليه وسلم أصلٌ من أصول الإيمان، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل)، وقال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)؛ ولهذا لا يصح إيمانُ عبدٍ لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، كما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ".
ولكن الناس يتفاوتون في الإيمان، فليس إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كإيمان آحاد الناس؛ فلذا كان مما ينبغي أن يعتني به من هداه الله للإسلام، أن يقوي إيمانه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليزداد قربه إلى الله، قال الله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) ومما يقوي الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم معرفة أوصافه وأحواله، التي اشتمل عليها، وكمّلها ربه عز وجل له. ولما كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ألصق الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعرفهم به وأولهم إيماناً برسالته، كان أعظم الناس إيماناً بعد الأنبياء. وتأملوا في قصة الإسراء والمعراج لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وأصبح وأخبر عما كان. فلما سمع المشركون قوله صلى الله عليه وسلم، أتوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا: يا أبا بكر، هل لك في صاحبك ؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر، ثم رجع في ليلته. فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء. ولذا سُمِّي الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
وثاني الثمرتين: زيادة محبته صلى الله عليه وسلم، محبةً تقتضي طاعته واتباعه وتعظيمه وتعزيره وشوقاً إلى رؤيته والورود على حوضه والشرب من يده الكريمة شربة هنيئة لا ظمأ بعدها. وذلك إن المحبة كلما كمُلتْ كان الإتباع أكمل، وكلما ضعُفت المحبةُ ضعف الإتباع، قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)؛ فمعرفة شمائله صلى الله عليه وسلم تُشُوقُ العبدَ إلى رؤيته صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ".
وثالثها: أن معرفة هذه الشمائل على ما صحت به الأخبار، وثبتت به الآثار يحقق للمسلم الاعتقاد الصحيح في النبي صلى الله عليه وسلم، فمن جهة اتصافه بصفات البشر يقف المرء بالنبي صلى الله عليه وسلم عند حد العبودية لله، ولا يرفعه إلى منزلة الخالق جل وعلا، أو يعتقد فيه ما هو من خصائص الرب عز وجل، ومن جهة أخرى يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم شريفَ قدرِه وعلوِّ مكانته ؛ إذ فضّله الله على البشر بما أعطاه من صفات الكمال، وما جمع فيه من الشمائل التي لا يمكن أن تجتمع إلا في عبد اختاره الله وفضّله، وعندئذ يقف المسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.
ثـانيـاً: ومن ثمرات معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم: الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيما كان منها محلاً للاقتداء، فشمائله صلى الله عليه وسلم نوعان:
1) نوعٌ متعلق بالهيئة التي خلقه الله عليها، كطوله ولونه، فهذه ليست محلاً للاقتداء؛ لأنه ليس للعبد فيها فعل أو اختيار. والنوع الثاني: متعلقٌ بالصفات التي يكون للعبد فيها فعلٌ واختيار على جهة القصد، كزهده وورعه وكرمه وعفوه صلى الله عليه وسلم. فيقتدى به فيها لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
ثـالثـاً:ومن ثمرات معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم معرفة صفاته الظاهرة صلى الله عليه وسلم كالبياض والطول والشعر، وغيرها، كما وصفها أصحابه رضي الله عنهم، وهذه لها تعلقٌ وثيقٌ برؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام، فمن رآه صلى الله عليه وسلم في المنام على هيئته فقد رآه، ومن رأى شخصاً في المنام ليس على هيئته صلى الله عليه وسلم فليس هو. وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بَاباً: مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ. وخرّج فيه حديثَ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي". قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ. وفي حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يتمثلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ". وفي حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ. فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَرَاءَى بِي". وفي رواية "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ". وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَكَوَّنُنِي".
وأثر ابن سيرين خرّجه إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: "كان محمد - يعني ابن سيرين - إذا قصّ عليه رجلٌ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيتَه، فإن وصف له صفةً لا يعرفُها قال: لم تره. قال الحافظ ابن حجر: وسنده صحيح. وقال: ووجدت له ما يؤيده: فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب " حدثني أبي قال: قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن علي، فشبهته به، قال: قد رأيتَه " وسنده جيد.
لكن ينبغي التنبه إلى أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت حقاً لمن رآه على صفته، لا يثبت بها تحليلَ ما حرّم الله، أو تحريمَ ما أحل الله، أو تشريع؛ فإن التشريع مرتبطٌ بالوحي، والوحي قد انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام.
رابعـاً: ومن ثمرات العلم بشمائله وخصاله الحميدة صلى الله عليه وسلم، أنها من أعظم ما يستعان به على هداية المشركين، ودعوتهم إلى الله تعالى والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم. كما أنها سلاح نافذٌ وسيفٌ مُصْلَتٌ، ودرعٌ واقٍ، يقف به المسلم في وجه كل من يريد الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو الطعن فيه بأي وجه من الوجوه. لأن النفوس المنصفة، والعقول السليمة، إذا تبصرت في هذه الشمائل رأت أن اجتماعها في بشرٍ واختصاصه بها لا يكون إلا بتفضيل من الخالق جل وعلا له، فقادها ذلك إلى الإيمان به، وتصديقِه في رسالته. كما أن النفوسَ الظالمةَ الشريرةَ التي تنال منه صلى الله عليه وسلم، وتهزأ به، وتحاول صدَّ الناس عنه، بالأقاويل المكذوبة، والقصصِ المفتراه، والرسومِ الساخرة؛ إذا واجهها المسلمون ببيان هذه الشمائل، وإشهارها، وتعريف الناس بها، تبدد ـ بإذن الله ـ ظلام تلك المفتريات، وانكشف الحقيقة. ولكن ثمة تقصيرٌ ظاهر واضحٌ في في هذا الجانب ـ أعني بيان هذه الشمائل ـ فقليل من وسائل الإعلام من يبرزها. ومنه من يخاطب بها المسلمين فحسب، وهناك جهود في بيانها حتى لغير أهل الإسلام وهي قليلة من جانب، ومن جانب آخر أنها قد تفتقر للوسطية والاعتدال، والأصل أنه لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء في جناب النبي صلى الله عليه وسلم بل يُنزل المنزلةَ التي أنزله الله إياه وأنه صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله.
هذه بعض فوائد وثمرات تعلم الشمائل ومعرفتها، وذلك ليس على سبيل الاستقصاء والحصر، ولكنها إشاراتٌ لعل فيها ما يفيد العبد ويستحثه لتعلم هذه الشمائل ليقتدي بصاحبها صلى الله عليه وسلم ويعظمه ويوقره ويعملُ بشريعته، ويدعو إلى دينه وسنته وهديه.

محمد رافع 52 04-03-2013 02:24 PM

أهمية معرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم

تكمن أهمية معرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وسجاياه وصفاته الخلُقية والخَلقية في عدة نقاط من أهمها:
أولاً: أن من أعظم أصول الدين معرفةَ العبد لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الأصل تأتي معرفته بعد معرفةِ العبدِ ربَّه، ومعرفةِ العبدِ دينَه.
وأسئلة القبر -كما هو معلوم - مدارها على هذه الأصول الثلاثة. ولذا صنف الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب الرسالة العظيمة: " ثلاثة الأصول". والمراد بها: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه صلى الله عليه وسلم. وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بيننا وبين الله عز وجل. فالله هو الذي يُشَرِّعُ الشرائعَ ويحكمُ الأحكامَ، ولا يمكن تَلقي أحكامَ الشرعِ إلا عن طريق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. فلا سبيل إلى معرفة الدين إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا يمكن أن نقوم بعبادة الله تعالى على الوجه المطلوب إلا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم.
والعبادة لها ركنان: الإخلاص والمتابعة. ولا يمكن للإنسان أن يعبد الله تعالى على علم وبصيرة وتكون عبادته صحيحة مقبولة إلا عن طريق التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم. ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم تشتمل على أمور كثيرة: ومن ذلك معرفة اسمه ونسبه سيرته وهديه وسنته وشريعته وشمائله.
ثانياً: أن معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم وسيلةٌ إلى امتلاء القلب بتعظيمه، وذلك وسيلة لتعظيم شريعته، وتعظيم شريعته واحترامها وسيلة إلى العملِ بها.
والله تعالى أوجب على المؤمنين تجاه نبيهم صلى الله عليه وسلم واجبات لابد أن يمتثلوا بها ويتمسكوا بها ويعملوا بها. فلقد أوجب الله على المؤمنين الإيمانَ بالنبي صلى الله عليه وسلم {فأمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون }. وأوجب الله وطاعته وقرن طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في خمسة مواضع من القرآن ورتب على طاعته ثواباً فقال تعالى{ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}. ورتب على معصيته صلى الله عليه وسلم عقاباً {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم}. وأوجب الله اتباعه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}.
وأوجب الله كذلك محبته {قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وأوجب الله تحكيم شريعته صلى الله عليه وسلم {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}. فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وقوله تعالى {ما كان محمدُ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيءٍ عليماً}.
ثالثاً: أن الله تعالى تعبدنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله.اهـ
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بيننا وبين الله تعالى، و لا طريق لنا لأن نعرف ما ينجينا من غضب الله وعقابه، ويقربنا من رضى الله وثوابه إلا بما جاء به نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، لذا قال صلى الله عليه وسلم:" فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وتتجلى أهمية الشمائل في ذلك أن العبد يجد فيها صفته صلى الله عليه وسلم، وأحواله، وعبادته لربه تعالى، وأخلاقه مع أهله وأصحابه ومع أعدائه. وصفاته الظاهرة في ملبسه ونومه وعبادته لربه في ليله ونهاره، وفي طعامه وشرابه وحليته، وغير ذلك من شمائله الشريفة. وتظهر أهمية معرفة هذه الشمائل في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في المدارج (3/268): فإذا رُزِق العبدُ محبةَ الرسول صلى الله عليه وسلم،واستولت روحانيته على قلبه، جعله إمامَه ومعلمَه وأستاذَه وشيخه وقدوته، كما جعله الله نبيَه ورسولَه وهادياً إليه، فيطالع سيرته ومبادئ أمره وكيفية نزول الوحي عليه، ويعرف صفاتَه وأخلاقَه وآدابَه، في حركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه.أهـ بتصرف.
ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي". وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك. قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: "هذِهِ بتلْك". ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شِعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم .

محمد رافع 52 04-03-2013 02:29 PM

من مظاهر العدل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم


عدلٌ مطلق لا يوازيه عدل بشر، ذلك العدل الذي اتسمت به شخصية النبي صلى الله عليه وسلم. كان أكثر الناس عدلا، لا يرضى الظلم لأحد ولا لشيء. امتد عدله ليرسل ظلاله إلى الكون كله. كان يعدل ويأمر الناس أن يقتصوا منه لو كان لهم حق عنده.
أرسى قواعد العدل مع النفس ، ومع الغير، وقواعد العدل في حالات الغضب والرضا.
العدل مع النفس:
العدل مع النفس، خُلُق كان النبي حريصا على أن يعلمنا إياه، ويجعلنا عادلين مع أنفسنا لنتعلم كيف نعدل مع الآخرين.
ففي يوم من الأيام، بلغ النبي أن عبد الله بن عمرو كان يصوم النهار ويقوم الليل. ورغم قيمة العبادة في الإسلام إلا أن النبي رفض أن تذهب هذه العبادة بالشخص مذهبا بعيدا عن العدل مع النفس حين يرهق نفسه ويتعبها. فها هو النبي يقول لعبد الله: "يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار، وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظا، ولعينك عليك حظا، وإن لزوجك عليك حظا." (رواه مسلم).
وحين يكون المرء عادلا مع نفسه، مدربا إياها على التمتع بالوسطية وعدم الإفراط، وعدم تعريض نفسه لما لا تطيقه، حتما سيتعلم هذا الإنسان كيف يكون عادلا مع الآخرين.
العدل مع الآخرين:
حين يتعلم المرء المبادئ الأولى للعدل مع النفس، تنحو به هذه المبادئ نحو الرقي والتعامل بمنطق العدل مع الآخرين. والرسول حين يوصينا بذلك ويعلمنا، لا يقتصر تعليمه على الوصايا، بل على المواقف الواقعية التي يتعامل بها هو مع الآخرين. فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أحد الصحابة بالاقتصاص منه تطبيقا لمبدأ العدل الذي يعيش به حياته، وقد عرضنا منذ قليل لحديث سواد، وهو خير مثال على ذلك.
وكان يخطب في الناس ويقول : "أيها الناس: من كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليجلده، ومن شتمت له عرضا فهذا عرضي فليشتمه، ومن أخذت منه مالا فهذا مالي فليأخذه مني، ولا يخش الشحناء فإنها ليست من طبيعتي". (رواه البخاري).
وهو الذي يتعامل بمبدأ العدل دوماً، فلا يفضل نفسه على الآخرين، بل يساوي بينهم وبينه تطبيقا لهذا العدل. فها هو يرفض أن يحمل عنه الصحابة نصيبه من العمل.
"كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: "ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما." (رواه أحمد في مسنده).
العدل في الحالات النفسية المختلفة:
ربما يكون الإنسان عادلا في معظم أوقات حياته، ولكن حين يمر بمشاعر معينة، مع أناس معينين، فربما خاف عليهم وظلمهم، وهذا ما يعلمنا الرسول إياه: أن تكون عادلا مع من تحب ومع من تكره.
الحب لا ينسي العدل:
كما نعرف جميعا، كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحب لعائشة رضي الله عنها، إلا أن ذلك الحب لم ينسه العدل، ولم يجعله يظلم إحدى زوجاته يوما ما، بل كان شديد العدل بينهن في كل صغيرة وكبيرة، حتى إنه "كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك." (رواه الترمذي). ومعنى قوله لا تلمني فيما تملك ولا أملك، أي الحب والمودة القلبية، كما قال أهل العلم.
والمقصود بهذا الحديث أنه كان يطلب من الله العفو، وألا يؤاخذه بسبب حبه لبعض زوجاته أكثر من الأخريات، رغم أنه لا يظلم إحداهن في أي أمر بعيد عن المشاعر والحب.
يروي لنا أنس رضي الله عنه موقفا من مواقف العدل عند النبي مع من يحب.
فعن أنس أنه قال: "أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام، وإناء بإناء." (رواه الترمذي والحديث في البخاري بلفظ آخر).
العدل مع الأعداء:
إذا كان الحب عند رسول الله لا يجعله يحيف أو يظلم لحساب من يحب، فإن العداوة كذلك لا يمكنها أن تؤثر على عدل رسول الله، فهو أعدل البشر حتى مع أعدائه، وهذا ما تعلمه من قرآن ربه الذي يقول للمسلمين كافة:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
العدل في معالجة الأخطاء:
وإذا كان النبي يعلمنا كيف نتحكم في أنفسنا في الحالات التي نكون فيها مع من نحب أو مع من نعادي أثناء الحكم، فإنه كذلك يعلمنا كيف نعامل من حولنا حين يخطئون بمنطق العدل لا بمنطق الغضب، فها هو الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حين يخطئ خطأ فادحا أثناء استعداد النبي لفتح مكة، وحين أرسل للمشركين بنية النبي وعزمه على فتح مكة،لم يعاقبه النبي كما قد يتوقع البعض، ووضع في اعتباره نية حاطب التي لم تكن لتنوي المكر بالنبي أو المسلمين.
والقصة في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس. قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين. فأدركناها تسير على بعير لها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب. فقالت: ما معنا من كتاب. فأنخناها، فالتمسنا فلم نر كتابا. فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد، أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين. فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أردت أن تكون لي عند القوم يد، يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله بها عن أهله وماله. فقال صلى الله عليه وسلم: صدق ولا تقولوا إلا خيرا. فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم."
لقد كان الصحابة غاضبين أشد الغضب من موقف حاطب، ويريدون له عقابا ليكون عبرة لغيره، ولكن النبي بلمسته العادلة والحانية، علمهم ألا يأخذهم الغضب بعيدا عن العدل حين يعالجون الأخطاء غير المبيتة، وأن يوازنوا بين حسنات الناس وسيئاتهم، بين أعمالهم الكريمة وبين أخطائهم.
هذا المنطق في العدل قد لا يتبينه الكثيرون في خضم الحياة، ولكن ما أحوج الناس إليه في علاقاتهم الإنسانية بشتى أنواعها، بين الزوجين، وبين الآباء و أبنائهم، بين المعلم والمتعلم.
العدل مع الأبناء:
عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضِيَ اللَّه عنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَال: إِنِّي نَحَلْتُ ابْني هذا غُلاماً كَانَ لي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحلْتَهُ مِثْلَ هَذا؟" فَقَال: لا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "فأَرْجِعْه." (متفقٌ عليه).

محمد رافع 52 04-03-2013 02:32 PM

مُدَاراتُهُ، وَصَبرُهُ على ما يَكرَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم

دارِ منَ النَّاس مَلالاتهم مَنْ لم يدارِ الناسَ ملُّوهُ
وَمُكرِمُ الناسِ حَبيبٌ لهمْ مَن أكرمَ الناسَ أحبُّوهُ
روى الشيخان، عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال:" ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه ألانَ لهُ القولَ وتطلَّق في وجههِ، وانبسط إليه، فلمَّا انطلق الرجلُ، قلتُ: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت: كذا وكذا، فلما دخل ألنت له القول، وتطلقت في وجهه، وانبسطتَ إليه، فقال صلى الله عليه وسلم:" متى عهدتني فاحشاً إنَّ شرَّ الناس عند الله تعالى منزلةً يوم القيامة مَن تركه الناس اتقاء فحشه ". وفي رواية:" اتِّقاءَ شرِّه ".
وروى أحمد , وقال محققه إسناده صحيح على شرط الشيخين, عن أنس بن مالك قال: دخل النبي صلى الله عليه و سلم المسجد وعليه رداء نجراني غليظ الصنعة, فجاء أعرابي من خلفه فجذب بطرف ردائه جذبةً شديدةً حتى أثَّرت الصنعة في صفح عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا محمد أعطنا من مال الله الذي عندك. قال: فالتفت إليه النبي صلى الله عليه و سلم فتبسم ثم قال: " مُرُوا له ".
تنبيهـات:
الأول: قال الإمام ابن حبان في روضة العقلاء:" الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة، إذ المداراة من المداري صدقة له؛ والمداهنة من المداهن تكون خطيئةً عليه، والفصل بين المداراة والمدهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثَلْمٍ في الدِّين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق شابهُ بعض ما كره الله منه في تخلقه، فهذا هو المداهنة، لأن عاقبتها تصير إلى قُلٍّ ويلازم المداراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار الناس مَلُّوه "اهـ.
الثاني : هذا الرجل المبهم - قال ابن بطال والقاضي، والقرطبي، والنووي رحمهم الله تعالى هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق المطاع.
الثالث: قال الخطابي: جمع هذا الحديث علماً، وأدباً، وليس قوله صلى الله عليه سلم لأمَّته في الأمور التي ينصحهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض، بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك، ويفصح به، ويعرف الناس أمرهم، فإن ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمة، ولكنه لما جبل عليه من الكرم، وأعطيه من حسن الخلق، أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه ليفتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله، وفي مداراته، ليسلموا من شره وغائلته.
الرابع : قال القرطبي: في هذا الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق، أو بالفحش، ونحو ذلك مع جواز مداراته اتقاء شره، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى، ثم قال تبعا للقاضي الحسين: الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه.
حسن عشرته، والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه حق، وفعله معه حسن معاشرته، فيزول بهذا التقدير الإشكال.
وقال القاضي رحمه الله تعالى: لم يكن عيينة والله أعلم حينئذ أسلم، فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم، ولم يكن إسلامه ناصحا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده، أمور تدل على ضعف إيمانه، فيكون ما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات النبوة، وأما إلانة القول له بعد أن دخل فعلى سبيل التألف له قال الحافظ: وقد ارتدَّ عيينة في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه وحارب، ثم رجع، وأسلم، وحضر بعض الفتوح في عهد عمر رضي الله تعالى عنه.
الرابع: في بيان غريب ما سبق:
المداراة: بميم مضمومة، فدال مهملة، فألف فراء، فألف، فتاء تأنيث غير مهموز، وقد يهمز: ملاينة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمالهم، لئلا ينفروا عنك.
الصبر: حبس النفس عند الجزع من المصيبة، بأن يتصور ما خلق لأجله ورجوعه إلى ربه عز وجل، وتذكره للمنة عليه، فيرى أن ما أبقى له أضعاف ما استرده منه، فيهون بذلك على نفسه.

محمد رافع 52 04-03-2013 02:37 PM

هيبتـه ووقـاره صلى الله عليه وسلم

روى أبو داود , وصححه الألباني, عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو غلام شاب - فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد, فدعا بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال:" ما منعكما أن تصليا معنا " ؟ قالا: قد صلينا في رحالنا. فقال:" لاتفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل, فليصل معه فإنها له نافلة ".
روى الطبراني , وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": إسناده لا بأس به, عن قيلة بنت مخرمة قالت: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعاً في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم ينظر إليَّ، وأنا عند ظهره -: يا مسكينة، عليك بالسكينة، فلمَّا قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهبَ اللهُ تعالى ما دخل قلبي من الرعب ".
وروى ابن ماجه , وصححه الألباني, عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: كنَّا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فأرعد، فقال:" هوِّن عليك، فإني لست بملَكٍ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ".
وروى الحاكم , وصححه الألباني في السلسلة , عن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم كأنما على رؤوسنا الطير لا يتكلم منا متكلم؛ إذ جاءه ناس من الأعراب فقالوا : يا رسول الله أفتنا في كذا أفتنا في كذا.. الحديث ".
وروى مسلم , عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه ".
وروى الحاكم , وصححه الذهبي، عن ابن بريدة عن أبيه قال:" كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم ترتفع رؤوسنا إليه إعظاماً له ".
وروى الحاكم , وصححه الذهبي، عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى، فمرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بعضهم، فجاء نحوهم قاصداً، حتى دنا منهم، فكفُّوا عن الحديث إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وروى الشيخان, عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة.. الحديث".
قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه "الروح" في الفرق بين المهابة والكبر:" إن المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله ، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور ، ونزلت عليه السكينة ، وألبس رداء الهيبة ، فاكتسى وجهه الحلاوة والمهابة ، فأخذ بمجامع القلوب محبة ومهابة ، فحنت إليه الأفئدة ، وقرت به العيون ، وأنست به القلوب ، فكلامه نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ، إن سكت علاه الوقار ، وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع .
قال: وأما الكبر فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم ، ترحلت منه العبودية ونزل عليه المقت ، فنظره إلى الناس شزر ، ومشيه بينهم تبختر ، ومعاملته لهم معاملة الاستيثار لا الإيثار ، ولا الإنصاف ، ذاهب بنفسه تيها ، لا يبدأ من لقيه بالسلام ، وإن رد عليه رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه ، لا ينطلق لهم وجهه ، ولا يسعهم خلقه ، ولا يرى لأحد عليه حقا ، ويرى حقوقه على الناس ، ولا يرى فضلهم عليه ، ويرى فضله عليهم ، ولا يزداد من الله إلا بعدا ، ولا من الناس إلا صغارا وبغضا ".
بيان غريب ما سبق:
الهيبة: بهاء مفتوحة، فمثناة تحتية ساكنة، فموحدة: المخافة والتقية.
الوقار: بواو، وقاف مفتوحتين، وراء: الرزانة.
قيلة: بفتح القاف، وسكون المثناة التحتية، بعدها لام.
مخرمة، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة.
متخشعا: بميم مضمومة، ففوقية، فخاء معجمة مفتوحتين، فشين معجمة، فعين مهملة: من الخشوع، وهو في الصوت، والبصر، كالخضوع في البدن: وهو الانقياد والطاعة.
الفرق: بفاء، فراء مفتوحتين، فقاف: الخوف والفزع.
السكينة: تقدم الكلام عليها، أوائل الكتاب، عند شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم.
الرعب: بضم الراء، وسكون المهملة، وبالباء الموحدة: الفزع.
الفرائص: بفاء، فراء مفتوحتين، فألف فهمزة مكسورة، فصاد مهملة: جمع فريصة: وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها، لا تزال ترعد.

محمد رافع 52 04-03-2013 08:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hishmet (المشاركة 5161152)

سلمكم الله من كل سوء
وجزاك عنا خيراً

محمد رافع 52 05-03-2013 01:51 PM

ذكر مولد المصطفى والآيات التي ظهرت عند ولادته وقبلها وبعدها
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال حدثنا عبد الله ابن جعفر قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو صالح
ح وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد قال حدثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية صاحب رسول الله أنه قال
سمعت رسول الله يقول إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام

وفي رواية يعقوب أضاءت منه قصور الشام تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح ورواه أيضاً أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد
وقوله إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته يريد به أنه كان كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول الأنبياء صلوات الله عليهم
وقوله وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم عليه السلام يريد به أن إبراهيم عليه السلام لما أخذ في بناء البيت دعا الله تعالى جده أن يجعل ذلك البلد آمناً ويجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ويرزقهم من الثمرات والطيبات ثم قال (وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فاستجاب الله تعالى دعاءه في نبينا وجعله الرسول الذي سأله إبراهيم عليه السلام ودعاه أن يبعثه إلى أهل مكة فكان النبي يقول أنا دعوة أبي إبراهيم ومعناه أن الله تعالى لما قضى أن يجعل محمداً خاتم النبيين وأثبت ذلك في أم الكتاب أنجز هذا القضاء بأن قيض إبراهيم عليه السلام للدعاء الذي ذكرنا ليكون إرساله إياه بدعائه كما يكون تقلبه من صلبه إلى أصلاب أولاده
وأما قوله وبشارة عيسى بي فهو أن الله تعالى أمر عيسى عليه
السلام فبشر به قومه فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يخلق
وأما قوله ورؤيا أمي التي رأت فإنما عنى به والله أعلم
ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي:
أعيذه بالواحد
من شر كل حاسد
من كل بر عاهد
وكل عبد رائد
يرود غير رائد
فإنه عبد الحميد الماجد

حتى أراه قد أتى المشاهد
قال آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السماء وأهل الأرض واسمه في الانجيل أحمد يحمده أهل السماء وأهل الأرض
واسمه في الفرقان محمد فسميته بذلك
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء وقراءة قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس قال حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت لأبي اليمان حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال

سمعت النبي يقول إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام
قصر أبو بكر بن أبي مريم بإسناده فلم يذكر فيه عبد الأعلى بن هلال وقصر بمتنه فجعل الرؤيا بخروج النور منها وحده وكذلك قال خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاءً وقراءةً قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت كأنه خرج منها نور أضاءت له

محمد رافع 52 05-03-2013 01:55 PM

بصرى من أرض الشام
وروى في ذلك عن أبي أمامة عن النبي

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الفرج بن فضالة
ح وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا محمد بن الفضل بن جابر قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة قال
قيل يا رسول الله ما كان بدء أمرك قال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام
وفي رواية أبي داود خرج مني
وأخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح قال حدثنا محمد بن سنان العوقي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال

قلت يا رسول الله متى كتبت نبياً قال وآدم بين الروح والجسد
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الأصبهاني قال حدثني الحسن بن الجهم التميمي وعبد الله بن بندار قالا حدثنا موسى بن المساور الضبي الثقة المأمون قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن الزهري قال
أول ما ذكر من عبد المطلب جد رسول الله أن قريشاً خرجت من الحرم فارة من أصحاب الفيل وأجلت عنه قريش وهو غلام شاب فقال والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره فجلس عند البيت وقال

(لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك)
وذكر مع ذلك غيره
قال فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله تعالى الفيل وأصحابه فرجعت قريش وقد عظم فيهم لصبره وتعظيمه محارم الله تعالى فبينا هو على ذلك وعنده أكبر بنيه قد أدرك وهو الحارث بن عبد المطلب فأتي عبد المطلب في المنام فقيل له احفر زمزم خبية الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال اللهم بين لي فأري في المنام مرة أخرى احفرتكتم بين الفرث
والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر فقام عبد المطلب يمشي حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة فانقلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فنحرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هنالك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب ما هذا الصنيع إنا لم نكن نزنك بالجهل لم تحفر في مسجدنا فقال عبد المطلب إني لحافر هذه البئر ومجاهد من صدني عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فتسفه عليهما ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عنه أناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم يومئذ حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حيث دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا يا عبد المطلب أحذنا مما وجدت فقال عبد
المطلب إنما هذه السيوف لبيت الله فحفر حتى أنبط الماء فخرقها في القرار ثم بحرها حتى لا تنزف ثم بنى عليها حوضاً فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج فيكسره أناس حسدة من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له قل اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حل وبل ثم كفيتهم فقام عبد المطلب حين اختلفت قريش في المسجد فنادى بالذي أرى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته
ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال اللهم إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت فأقرع بينهم فصارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب اللهم أهو أحب إليك أم مائة من الإبل ثم أقرع بينه وبين المائة فكانت القرعة على مائة من الإبل فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله .
وكان عبد الله أحسن من رؤي في قريش قط فخرج يوماً على نساء من قريش مجتمعات فقالت امرأة منهن يا نساء قريش أيتكن تتزوج هذا الفتى فتصطاد النور الذي بين عينيه وإن بين عينيه نوراً قال فتزوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجامعها فحملت برسول الله

ثم بعث عبد المطلب عبد الله بن عبد المطلب يمتار له تمراً من يثرب فتوفي بها عبد الله بن عبد المطلب فولدت آمنة رسول الله فكان في حجر جده عبد المطلب فاسترضعته امرأة من بني سعد بن بكر فنزلت أمه التي ترضعه سوق عكاظ فرآه كاهن من الكهان فقال يا أهل عكاظ ا***وا هذا الغلام فإن له ملكاً فزاغت به أمه التي ترضعه فأنجاه الله تعالى
ثم شب عندها حتى إذا سعى وأخته من الرضاعة تحضنه جاءت أخته من أمه التي ترضعه فقالت أي أمتاه إني رأيت رهطا أخذوا أخي القرشي آنفاً فشقوا بطنه فقامت أمه التي ترضعه فزعة حتى تأتيه فإذا هو جالس منتقع لونه لا ترى عنده أحداً فارتحلت به حتى أقدمته على أمه فقالت لها اقبضي عني ابنك فإني قد خشيت عليه فقالت أمه لا والله ما بابني مما تخافين لقد رأيت وهو في بطني أنه خرج معتمدا على يديه رافعاً رأسه إلى السماء
فافتصلته أمه وجده عبد المطلب ثم توفيت أمه فيتم في حجر عبد المطلب فكان وهو غلام يأتي وسادة جده فيجلس عليها فيخرج جده وقد كبر فتقول الجارية التي تقود جده انزل عن وسادة جدك فيقول عبد المطلب دعوا ابني فإنه يحس بخير

قال فتوفى جده ورسول الله غلام فكفله أبو طالب وهو أخو عبد الله لأبيه وأمه فلما ناهز الحلم ارتحل به أبو طالب تاجراً قبل الشام فلما نزل تيماء رآه حبر من يهود تيماء فقال لأبي طالب ما هذا الغلام منك قال هو ابن أخي قال أشفيق أنت عليه قال نعم قال فوالله لئن قدمت به الشام لا تصل به إلى أهلك أبداً لت***نه اليهود إن هذا عدوهم فرجع به أبو طالب من تيماء إلى مكة
فلما بلغ رسول الله الحلم أجمرت امرأة من قريش الكعبة فطارت شررة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فوهى البيت للحريق الذي أصابه فتشاورت قريش في هدم الكعبة وهابوا هدمها فقال لهم الوليد بن المغيرة أتريدون بهدمها الإصلاح أم تريدون الإساءة فقالوا بل نريد الإصلاح قال فإن الله تعالى لا يهلك المصلح وقالت فمن ذا الذي يعلوها فيهدمها فقال الوليد بن المغيرة أنا أعلوها فأهدمها فارتقى الوليد على ظهر البيت ومعه الفأس فقال اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح ثم هدم فلما رأته قريش قد هدم منها ولم يأتهم ما يخافون من العذاب هدموها معه حتى إذا ابتنوا فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه حتى كاد يشجر بينهم فقالوا تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فطلع رسول الله وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم
أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية الثوب ثم ارتقى هو وأمرهم أن يرفعوه إليه فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه
ثم طفق لا يزداد فيهم على السن إلا رضا حتى سموه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي
قال وطفقوا لا ينحرون جزوراً للبيع إلا دعوه ليدعو لهم فيها
فلما استوى وبلغ أشده وليس له كثير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشه وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلاً من قريش فقال رسول الله وهو يحدث عنها
ما رأيت من صاحبة أجيد خيراً من خديجة ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا
قال فلما رجعنا من سوق حباشة قال رسول الله قلت لصاحبي انطلق بنا نتحدث معاً عند خديجة فجئناها فبينما نحن عندها إذ دخلت علينا منشية من مولدات قريش وفي رواية مستنشية وهي الكاهنة من مولدات قريش فقالت أمحمد هذا والذي يحلف به إن جاء لخاطباً قال قلت كلا قال فلما خرجت أنا وصاحبي قال لي أمن خطبة خديجة تستحي فوالله ما من قرشية إلا تراك لها كفؤاً قال فرجعت أنا وصاحبي مرة أخرى قال فدخلت علينا تلك المنشية فقالت
أمحمد هذا والذي يحلف به إن جاء لخاطباً فقلت على حياء أجل قال فلم تعصني خديجة ولا أختها فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد وهو ثمل من الشراب فقالت له هذا ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة وقد رضيت خديجة فدعاه فسأله عن ذلك فخطب إليه فأنكحه قال فخلقت خديجة أباها وحلت عليه حلة فدخل عليه بها رسول الله فلما صحا الشيخ من سكره قال ما هذا الخلوق وما هذه الحلة قالت أخت خديجة هذه حلة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أنكحته خديجة وقد بنى بها فأنكر الشيخ ثم صار إلى أن سلم ذلك واستحيا قال فطفقت رجاز من رجاز قريش تقول

(لا تزهدي خديج في محمد جلد يضيء كإضاء الفرقد)
فلبث رسول الله مع خديجة حتى ولدت له بعض بناته وكان له ولها القاسم
وقد زعم بعض العلماء أنها ولدت له غلاماً يسمى الطاهر
وقال بعضهم ما نعلمها ولدت غلاماً إلا القاسم وولدت بناته الأربع زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم

وطفق رسول الله بعد ما ولدت بعض بناته يحبب إليه الخلاء
قلت هذا الحديث عن الزهري رحمنا الله وإياه يجمع بيان أحوال من أحوال رسول الله إلا أنه على ما كان عنده من تقدم عام الفيل على ولادة رسول الله
وقد روينا عن غيره أن ولادة النبي كانت عام الفيل فسبيلنا أن نبدأ في شواهد ما روينا عن الزهري بحديث زمزم

محمد رافع 52 05-03-2013 01:57 PM

حفر زمزم على طريق الاختصار
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال

حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول وهو يحدث حديث زمزم قال
بينا عبد المطلب نائم في الحجر أتي فقيل له احفر برة فقال وما برة ثم ذهب عنه حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك فأتي فقيل له احفر المضنونة قال وما مضنونة ثم ذهب عنه حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه ذلك فأتي فقيل له احفر طيبة فقال وما طيبة ثم ذهب عنه فلما كان الغد عاد فنام بمضجعه فأتي فقيل
له احفر زمزم فقال وما زمزم فقال لاتنزف ولا تذم ثم نعت له موضعها فقام يحفر حيث نعت له فقالت له قريش ما هذا يا عبد المطلب فقال أمرت بحفر زمزم فلما كشف عنه وبصروا بالظبي قالوا يا عبد المطلب إن لنا حقا فيها معك إنها لبئر أبينا إسماعيل فقال ما هي لكم لقد خصصت بها دونكم قالوا فحاكمنا قال نعم قالوا بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بأشراف الشام قال فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا القوم قالوا ما نستطيع أن نسقيكم وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم فقال عبد المطلب لأصحابه ماذا ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فقال إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرة بما بقي من قوته فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم ففعلوا ثم قال والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لا نضرب في الأرض ونبتغي لعل الله عز وجل أن يسقينا عجز فقال لأصحابه ارتحلوا قال فارتحلوا وارتحل فلما جلس
على ناقته فانبعثت به انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب فأناخ وأناخ أصحابه فشربوا وسقوا واستقوا ثم دعوا أصحابهم هلموا إلى الماء فقد سقانا الله تعالى فجاءوا واستقوا وسقوا ثم قالوا يا عبد المطلب قد والله قضي لك إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم انطلق فهي لك فما نحن بمخاصميك
قال ابن إسحاق فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت فيها حين أخرجت من مكة وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي سقاه الله عز وجل حين ظمئ وهو صغير

قال ابن إسحاق ووجد عبد المطلب أسيافاً مع الغزالين فقالت قريش لنا معك في هذا يا عبد المطلب شرك وحق فقال لا ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح فقالوا فكيف نصنع قال اجعلوا للكعبة قدحين ولكم قدحين ولي قدحين فمن خرج له شيءُ كان له فقالوا له قد أنصفت وقد رضينا فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول

(لاهم أنت الملك المحمود ربي وأنت المبدئ المعيد)
(وممسك الراسية الجلمود من عندك الطارف والتليد)
(إن شئت ألهمت لما تريد لموضع الحلية والحديد)
(فبين اليوم لما تريد إني نذرت عاهد العهود)
(اجعله رب لي ولا أعود)
وضرب صاحب القداح القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة فكانا أول ذهب حليته وخرج الأسودان على السيوف والأدراع لعبد المطلب فأخذها وكانت قريش ومن سواهم من العرب في الجاهلية إذا اجتهدوا في الدعاء سجعوا فألفوا الكلام

وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع
قال ابن إسحاق
فلما حفر عبد المطلب زمزم ودله الله عليها وخصه بها زاده الله تعالى بها شرفاً وخطراً في قومه وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت وأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها لمكانها من البيت وأنها سقيا الله عز وجل لإسماعيل عليه السلام

محمد رافع 52 05-03-2013 01:59 PM

نذر عبد المطلب
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار قال
وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يذكرون قد نذر حين لقي من قريش عند حفر زمزم ما لقي لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة فلما توافى بنوه عشرة الحارث والزبير وحجل وضرار والمقوم وأبو لهب والعباس وحمزة وأبو طالب وعبد الله وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره الذي نذر ودعاهم إلى الوفاء لله تعالى بذلك فأطاعوا
له وقالوا كيف نصنع قال يأخذ كل رجل منكم قدحاً فيكتب فيه اسمه ثم تأتوني ففعلوا ثم أتوه فذكر الحديث بطوله في دخوله على هبل عظيم أصنامهم
قال وكان عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله أصغر بني أبيه وكان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائد بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم وكان فيما يزعمون أحب ولد عبد المطلب إليه فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو ألا يخرج القدح على عبد الله فخرج القدح على عبد الله فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة الوثنين اللذين تنحر قريش عندهما ذبائحهم لي***ه فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا ماذا تريد يا عبد المطلب قال أ***ه
قال ابن إسحاق وذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشاً لم يزل في وجهه حتى مات فقالت قريش وبنوه والله لا ت***ه أبداً ونحن أحياء حتى نعذر فيه ولئن فعلت هذا لا يزال رجل منا يأتي ابنه حتى ي***ه فما بقاء الناس على ذلك وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عبد الله بن عبد المطلب ابن أخت القوم والله لا ت***ه أبداً حتى نعذر فيه فإن كان فداء فديناه بأموالنا

وذكر أشعارهم في ذلك إلى أن قال
فقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق إلى الحجاز فإن به عراقة يقال لها سجاع لها تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك فقال نعم فانطلقوا حتى جاءوها وهي فيما يزعمون بخيبر فسألوها فقالت ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فخرج عبد المطلب يدعو الله
قال ثم غدوا إليها فقالت نعم قد جاءني تابعي بالخبر فكم الدية فيكم فقالوا عشر من الإبل وكانت كذلك قالت فارجعوا إلى بلادكم فقدموا صاحبكم وقدموا عشراً من الإبل ثم اضربوا عليه بالقداح فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم فإذا خرجت القداح على الإبل فقد رضي ربكم فانحروها ونجا صاحبكم فخرجوا حتى قدموا مكة وفعلوا
وذكر الحديث بطوله في سجع عبد المطلب ودعواته وخروج السهم على عبد الله وزيادة عشر عشر من الإبل كلما خرج السهم عليه حتى بلغت الإبل مائة
وقام عبد المطلب يدعو الله تعالى ثم ضربوا فخرج السهم على الإبل فقالت قريش ومن حضره قد انتهى رضا ربك وخلص لك
ابنك فقال عبد المطلب لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا فخرج على الإبل في المرات الثلاث فنحرت ثم تركت لا يصد عنها أحد

محمد رافع 52 05-03-2013 02:02 PM

تزوج عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي بآمنة بنت وهب وحملها برسول الله ووضعها إياه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال

ثم انصرف عبد المطلب آخذاً بيد عبد الله فمر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي عند الكعبة فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله فقال مع أبي قالت لك عندي من الإبل مثل التي نحرت عنك وقع على الآن فقال لها إن معي أبي الآن لا أستطيع خلافه ولا فراقه ولا أريد أن أعصيه شيئاً فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسباً وشرفاً فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً

وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت عوف ابن عبيد يعني ابن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي
قال وذكروا أنه دخل عليها حين ملكها مكانه فوقع عليه عبد الله فحملت برسول الله قال ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهي في مجلسها فجلس إليها وقال لها مالك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت أمس فقالت قد فارقك النور الذي كان فيك فليس لي بك اليوم حاجة وكانت فيما زعموا تسمع من أخيها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر واتبع الكتب يقول إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل فقالت في ذلك شعراً واسمها أم قتال بنت نوفل بن أسد
(ألآن وقد ضيعت ما كنت قادراً عليه وفارقك الذي كان جاءكا)
(غدوت علي حافلاً قد بذلته هناك لغيري فالحقن بشانكا)
(ولا تحسبني اليوم خلواً وليتني أصبت جنيناً منك يا عبد داركا)
(ولكن ذاكم صار في آل زهرة به يدعم الله البرية ناسكا)
وقالت أيضاً
(عليك بآل زهرة حيث كانوا وآمنة التي حملت غلاما)
(ترى المهدي حين ترى عليه ونوراً قد تقدمه أماما)

وذكرت أبياتاً وقالت فيها
(فكل الخلق يرجوه جميعا يسود الناس مهتدياً إماما)
(براه الله من نور صفاء فأذهب نوره عنا الظلاما)
(وذلك صنع ربك إذ حباه إذا ما سار يوماً أو أقاما)
(فيهدي أهل مكة بعد كفر ويفرض بعد ذلكم الصياما)
قلت وهذا الشيء قد سمعته من أخيها قد سمعته من أخيها في صفة رسول الله ويحتمل أن كانت أيضا امرأة عبد الله مع آمنة

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني والدي إسحاق بن يسار قال
حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة بنت وهب بن عبد مناف فمر بامرأته تلك وقد أصابه أثر من طين عمل به فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين فدخل فغسل عنه أثر الطين ثم دخل عامداً إلى آمنة ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها فأبى للذي صنعت به أول مرة فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج فدعاها إلى نفسه فقالت لا حاجة لي بك مررت بي وبين عينيك غرة فرجوت أن أصيبها
منك فلما دخلت على آمنة ذهبت بها منك
قال ابن إسحاق فحدثت أن امرأته تلك كانت تقول لمر بي وإن بين عينيه لنوراً مثل الغرة ودعوته له رجاء أن يكون لي فدخل على آمنة فأصابها فحملت برسول الله
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال حدثنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل الأزدي قال حدثنا محمد ابن يونس القرشي قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري
ح وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء قال حدثنا أبو جعفر محمد ابن محمد بن عبد الله البغدادي قال حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثنا عبد الله بن جعفر عن ابن عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه قال
قال عبد المطلب قدمت اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزبور يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بدنك فقلت أنظر ما لم يكن عورة قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم نظر في الآخر فقال أشهد أن في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى نبوة وأرى ذلك في بني زهرة فكيف ذلك فقلت لا أدري قال هل لك من شاعة قال قلت وما الشاعة قال زوجة قلت
أما اليوم فلا قال إذا قدمت فتزوج فيهن فرجع عبد المطلب إلى مكة فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف فولدت له حمزة وصفية وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله فقالت قريش حين تزوج عبد الله آمنة فلج عبد الله على أبيه وقد قيل إنها كانت امرأة من خثعم
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري قال حدثنا مسدد قال حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال
كانت امرأة من خثعم تعرض نفسها في مواسم الحج وكانت ذات جمال وكان معها أدم تطوف بها كأنها تبيعها فأتت على عبد الله بن عبد المطلب فأظن أنه أعجبها فقالت إني والله ما أطوف بهذا الأدم وما لي إلى ثمنها حاجة وإنما أتوسم الرجل هل أجد كفؤا فإن كانت لك إلي حاجة فقم فقال لها مكانك حتى أرجع إليك فانطلق إلى رحله
فبدأ فواقع أهله فحملت بالنبي فلما رجع إليها قال ألا أراك ههنا قالت ومن كنت قال الذي واعدتك قالت لا ما أنت هو ولئن كنت هو لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الفارسي قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى الكناني قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال
كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت
كان يهودي قد وسكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله قال في مجلس من قريش يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود فقال القوم والله ما نعلمه قال الله أكبر أما إذ أخطأكم فلا بأس انظروا واحفظوا ما أقول لكم ولد فيكم هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس لا يرضع ليلتين وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمداً فالتقى القوم فقالوا هل سمعتم حديث هذا اليهودي بلغكم مولد هذا الغلام فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر قال فاذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقال أخرجي إلينا ابنك فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة
فوقع اليهودي مغشياً عليه فلما أفاق قالوا ويلك مالك قال ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل أفرحتم به يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب
وكان في النفر الذي قال لهم اليهودي ما قال هشام والوليد ابنا المغيرة ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة بن الحارث وعقبة بن ربيعة شاب فوق المحتلم في نفر من بني عبد مناف وغيرهم من قريش
وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي غسان محمد بن يحيى ابن عبد الحميد الكناني
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني يوسف بن حماد المعني البصري قال حدثنا عبد الأعلى
ح قال وحدثنا يعقوب قال حدثنا عمار قال حدثني سلمة جميعاً عن محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم عن
يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت قال
إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كلما رأيت وسمعت إذا يهودي بيثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا أسمع قالوا ويلك مالك قال طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة
وفي رواية يونس بن بكير الذي يبعث فيه وهو غلط
زاد القطان في روايته قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان ابن كم كان حسان مقدم رسول الله المدينة قال ابن ستين سنة
قال محمد وقدم رسول الله المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو بشر مبشر ابن الحسن قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز
ابن عمران قال حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال
حدثنى أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله ليلة ولدته قالت فما شيءُ أنظر إليه في البيت إلا نور وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول ليقعن علي
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
وكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع على الأرض فقولي
(أعيذه بالواحد من شر كل حاسد )
وذكر سائر الأبيات كما مضى
وقال فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة والإنجيل أحمد
يحمده أهل السماء وأهل الأرض واسمه في القرآن محمد فسمته بذلك فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى ويقال إن عبد الله هلك والنبي ابن ثمانية وعشرين شهراً فالله اعلم أي ذلك كان فقالت قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه فلما جاءها خبرته خبره وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة فقام عبد المطلب يدعو الله ويتشكر الله عز وجل الذي أعطاه إياه فقال
(الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان)
(قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان)
(حتى يكون بلغة الفتيان حتى أراه بالغ البنيان)
(أعيذه من كل ذي شنآن من حاسد مضطرب الجنان)
(ذي همة ليست له عينان حتى أراه رافع اللسان)
(أنت الذي سميت في الفرقان في كتب ثابتة المباني)
(أحمد مكتوب على اللسان )

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنبأني أحمد بن كامل القاضي شفاهاً أن محمدً بن إسماعيل السلمي حدثهم قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي الحكم التنوخي قال
كان المولود إذا ولد من قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فيكفين عليه برمة فلما ولد رسول الله دفعه عبد المطلب إلى نسوة يكفين عليه برمة فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عليه باثنتين فوجدنه مفتوح العينين شاخصاً ببصره إلى السماء فأتاهن عبد المطلب فقلن له ما رأينا مولوداً مثله وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ووجدناه مفتوح العينين شاخصاً ببصره إلى السماء فقال احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيراً فلما كان اليوم السابع *** عنه ودعا له قريشاً فلما أكلوا قالوا يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته قال سميته محمداً قالوا فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته قال أردت أن يحمده الله تعالى في السماء وخلقه في الأرض

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الداربجردي بمرو قال حدثنا أبو عبد الله البوشنجي قال حدثنا أبو أيوب سليمان بن سلمة الخبائري قال حدثنا يونس بن عطاء عن عثمان بن ربيعة بن زياد بن الحارث الصدائي بمصر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال
ولد رسول الله مختوناً مسروراً قال فأعجب به جده عبد المطلب وحظي عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن

محمد رافع 52 05-03-2013 02:05 PM

كيف فعل ربك بأصحاب الفيل في السنة التي ولد فيها رسول الله وما كان قبله من أمر تبع على سبيل الاختصار
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار قال

ثم إن تبعاً أقبل حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء فحفر فيها بئراً فهي اليوم تدعى بئر الملك قال وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج فنصبوا له فقاتلوه فجعلوا يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة إلى اصحابه فلما فعلوا به ذلك ليالي استحيا فأرسل إليهم يريد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي فقال له أحيحة بن الجلاح أيها الملك نحن قومك وقال بنيامين أيها الملك هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك قال ولم قال لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه
الله تعالى من قريش وجاء تبعاً مخبر أخبره عن اليمن أنه بعث عليها نار تحرق كل ما مرت به فخرج سريعاً وخرج معه نفر من يهود فيهم بنيامين وغيره وذكر شعراً وقال فيه
(ألقى إلي نصيحة كي أزدجر عن قرية محجوزة بمحمد)
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدف من جمدان من مكة على ليلتين أتاه أناس من هذيل بن مدركة وتلك منازلهم فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً تصيبه وتعطينا منه قال بلى فقالوا هو بيت بمكة فراح تبع وهو مجمع لهدم البيت فبعث الله تعالى عليه ريحاً فقفعت يديه ورجليه وشنجت جسده فأرسل إلى من كان معه من يهود فقال ويحكم ما هذا الذي أصابني فقالوا أحدثت شيئاً قال وما أحدثت فقالوا أحدثت نفسك بشيء قال نعم فذكر ما أجمع عليه من هدم البيت وإصابة ما فيه قالوا ذلك بيت الله الحرام ومن أراده هلك قال ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه قالوا تحدث نفسك أن تطوف به وتكسوه وتهدي له فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله تعالى ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه
وذكر الحديث في نحره بمكة وإطعامه الناس ثم رجوعه إلى اليمن و***ه وخروج ابنه دوس إلى قيصر واستغاثته به فيما فعل قومه بأبيه
وان قيصر كتب إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث معه ستين ألفاً واستعمل عليهم روزبة حتى قاتلوا حمير ***ه أبيه ودخلوا صنعاء فملكوها وملكوا اليمن وكان في أصحاب روزبة رجل يقال له أبرهة بن الأشرم وهو أبو يكسوم فقال لروزبة أنا أولى بهذا الأمر منك و***ه مكراً وأرضى النجاشي
ثم إنه بنى كعبة باليمن وجعل فيها قباباً من ذهب وأمر أهل مملكته بالحج بها يضاهي بذلك البيت الحرام وأن رجلاً من بني ملكان بن كنانة وهو من الحمس خرج حتى قدم اليمن فدخلها فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال من اجترأ علي بهذا فقال له أصحابه أيها الملك هذا رجل من أهل ذلك البيت الذي يحجه العرب قال فعلي اجترأ بهذا ونصرانيتي لأهدمن ذلك البيت ولنخربنه حتى لا يحجه حاج أبداً فدعا بالفيل وأذن في قومه بالخروج ورحل ومن اتبعه من أهل اليمن وكان أكثر من تبعه منهم عك والأشعريون وخثعم فخرجوا يرتجزون
(إن البلد لبلد مأكول تأكله عك والأشعريون والفيل)
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه أيضاً رجل من الحمس من بني كنانة ف***ه فازداد بذلك لما بلغه حنقا وجرأة وأحث السير
والانطلاق وطلب من أهل الطائف دليلاً فبعثوا معه رجلاً من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش متفرقين عباديد في رؤوس الجبال وقالوا لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم فلم يبق بمكة أحد إلا عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول
(لا هم إن العبد يم نع رحله فامنع حلالك)
(لا يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدواً محالك)

(إن كنت تاركهم وكع بتنا فأمر ما بدا لك)
يقول أي شيء ما بدا لك لم تكن تفعله بنا
ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعماً لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى انتهى إلى القوم وكان حاجب أبرهة رجلا من الأشعريين وكانت له بعبد المطلب معرفة قبل ذلك فلما انتهى إليه عبد المطلب قال الأشعري ما حاجتك قال حاجتي أن تستأذن لي على الملك فدخل عليه حاجبه فقال له أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم إنسها في السهل ووحشها في الجبل فقال إئذن له وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً جميلاً فأذن له فدخل عليه فلما أن رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته وكره أن يجلس معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض وأجلس عبد المطلب معه ثم قال ما حاجتك قال حاجتي مائتا بعير أصابتها لي مقدمتك فقال ابو يكسوم والله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال له ولم أيها الملك قال لأني جئت إلى بيت هو منعتكم من العرب وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ودينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره وأصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك
ولم تطلب إلي في بيتكم فقال له عبد المطلب أيها الملك إنما أكلمك في مالي ولهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شيء فراع ذلك أبا يكسوم وأمر برد إبل عبد المطلب عليه ثم رجع وأمسك ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاماً لاقترابها منهم فأحست أنفسهم بالعذاب وخرج دليلهم حتى دخل الحرم وتركهم وقالم الأشعريون وخثعم فكسروا رماحهم وسيوفهم وبرئوا إلى الله تعالى أن يعينوا على هدم البيت فباتوا كذلك بأخبث ليلة ثم أدلجوا بسحر فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة فوجهوه إلى مكة فربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا
ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا لك الله ألا يوجهك إلى مكة فجعلوا يقسمون له ويحرك أذنيه فأخذ عليهم حتى إذا أكثروا من أنفسهم انبعث فوجهوه إلى اليمن راجعاً فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقاً حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول ربض وتمرغ فلما رأوا ذلك أقسموا له وجعل يحرك أذنيه فأخذ عليهم حتى إذا أكثروا انبعث فوجهوه إلى اليمن فتوجه يهرول فلما رأوا ذلك ردوه فرجع بهم حتى إذا كان في مكانه الأول ربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك يعالجوه حتى كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها وطلعت عليهم طير من البحر أمثال اليحاميم سود فجعلت ترميهم وكل طائر في منقاره حجر وفي رجليه
حجران فإذا رمت بتلك مضت وطلعت أخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ولا عظم إلا أوهاه وثقبه وثاب أبو يكسوم راجعاً قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضاً انقطع منه فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن ولم يبق منه شيءُ إلا باده فلما قدمها انصدع صدره وانشق بطنه وهلك ولم يصب من خثعم والأشعريين أحد
وذكر ما قالوا في ذلك من الشعر قال وقال عبد المطلب وهو يرتجز ويدعو على الحبشة ويقول
(يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا)
(إن عدو البيت من عاداكا إنهم لن يقهروا قواكا)
قلت كذا قال محمد بن إسحاق بن يسار في شأن عبد المطلب وأبرهة
وقد حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ إملاء قال حدثنا أبو زكريا العنبري قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال

أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم ما جاء بك إلينا ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت فقال أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحدٌ إلا أمن فجئت أخيف أهله فقال إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع فأبى إلا أن يدخله وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب فقام على جبل فقال لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله ثم قال
(اللهم إن لكل إله حلالاً فامنع حلالك)
(لا يغلبن محالهم أبداً محالك)
(اللهم فإن فعلت فأمر ما بدا لك)
فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التي قال الله تبارك وتعالى (ترميهم بحجارة من سجيل) قال فجعل الفيل يعج عجا (فجعلهم كعصفٍ مأكول)
وعندي في هذا قصة أخرى طويلة بإسناد منقطع وفيما ذكرنا فيما قصدناه كفاية
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى (وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم) قال طير لها خراطيم كخراطيم
الطير وأكف كأكف الكلاب
وحدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قال حدثنا أبو الحسن الطرائفي قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (طيراً أبابيل) يقول يتبع بعضها بعضاً وفي قوله (كعصف مأكول) يقول التبن
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن العباس المؤدب قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود في قوله (طيراً أبابيل) قال فرق
أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن محمد بن قتادة قال حدثنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي قال حدثنا أحمد بن نجدة قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا خالد بن عبد الله عن حصين عن عكرمة في قوله (طيراً أبابيل) يقول كانت طيراً نشأت من قبل البحر لها مثل رؤوس السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده فأثرت في جلودهم أمثال الجدري فإنه لأول ما رؤي الجدري
قال وحدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير الليثي قال
لما أراد الله عز وجل أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً نشأت
من البحر كأنها الخطاطيف بلق كل طير منها معه ثلاثة أحجار مجزعة في منقاره حجر وحجران في رجليه ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر إن وقع على رأسه خرج من دبره وإن وقع على شيء من جسده خرج من جانب آخر
قال وبعث الله ريحا شديدة فضربت أرجلها فزادها شدة فأهلكوا جميعا
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد قال حدثنا أبو عمران التستري قال حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال حدثنا ثابت بن يزيد قال حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال
جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فجاءهم عبد المطلب جد النبي فقال إن هذا بيت الله تعالى لم يسلط الله عليه أحداً قالوا لا نرجع حتى نهدمه قال وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه

أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد قال حدثنا أبو الحسن علي بن حسن المصري قال حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن محمد بن عروة عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله قال
إنما سمي الله البيت العتيق لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال
حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة زوج النبي قالت
لقد رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان بمكة

محمد رافع 52 05-03-2013 02:08 PM

ارتجاس ايوان كسرى وسقوط شُرفه ورؤيا الموبذان وخمود النيران وغير ذلك من الآيات ليلة ولد رسول الله
أخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد رحمه الله قال أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي ح وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السلمي قال أخبرنا الحسين بن علي بن محمد بن يحيى ومحمد بن محمد بن داود وإبراهيم ابن محمد النصراباذي واللفظ للحسين قالوا حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال حدثنا علي بن حرب الموصلي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله البجلي قال حدثنا مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت عليه مائة وخمسون سنة قال

لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك
بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلا صعاباً تقود خيلا عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها
فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك وتصبر عليه تشجعاً ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن وزرائه ومرازبته حين عيل صبره فجمعهم ولبس تاجه وقعد على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال أتدرون فيما بعثت إليكم قالوا لا إلا أن يخبرنا الملك بذلك فبيناهم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس فازداد غما إلى غمه ثم أخبرهم بما هاله فقال الموبذان وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ثم قص عليه رؤياه في الإبل قال أي شيء يكون هذا يا موبذان وكان أعلمهم في أنفسهم قال حدث يكون من ناحية العرب فكتب كسرى عند ذلك من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال ألك علم بما أريد أن أسألك عنه قال يسألني أو يخبرني الملك فإن كان عندي منه علم أخبرته وإلا دللته على من يعلمه قال فأخبره بما رأى قال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال فاذهب إليه فاسأله وائتني بتأويل ما عنده فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر جواباً فأنشد عبد المسيح يقول

(أصم أم يسمع غطريف اليمن أم فاد فازلم به شأو العنن)
(يا فاصل الخطة أعيت من ومن وكاشف الكربة عن وجه غضن)
(أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن)
(أرزق بهم الناب صوار الأذن أبيض فضفاض الرداء والبدن)
(رسول قيل العجم يسرى بالرسن لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن)
(تجوب بي الأرض علنداة شزن ترفعني وجناً وتهوي بي وجن)
(حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن)
(كأنما حثحث من حضني ثكن )
قال ففتح سطيح عينيه ثم قال عبد المسيح على جمل مسيح إلى سطيح وقد أوفى على الصريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات
على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى رحله وهو يقول
(شمر فإنك ماضي الهم شمير لا يفزعنك تفريق وتغيير)
(إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم فإن ذلك أطوار دهارير)
(فربما ربما أضحوا بمنزلة يهاب صولتها الأسد المهاصير)
(منهم أخو الصرح بهرام وإخواته والهرمزان وسابور وسابور)
(والناس أولاد علات فمن علموا أن قد أقل فمحقور ومهجور)
(وهم بنوا الأم إما إن رأوا نشباً فذاك بالغيب محفوظ ومنصور)
(والخير والشر مقرونان في قرن والخير متبع والشر محذور)
قال فلما قدم عبد المسيح على كسرى فأخبره بقول سطيح فقال إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى أن *** عثمان بن عفان رضي الله عنه
قلت ولسطيح قصة أخرى في إخباره حين قدم مكة من لقيه من قريش منهم عبد مناف بن قصي بأحوال النبي وخلفائه بعده

وله قصة أخرى ولشق في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:05 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.