![]() |
موسوعة عائشة أم الؤمنين
http://dorar.net/files/banners/aishah1434.png أُمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها إنَّ الأمة الإسلامية ما فتئت تتلقَّى الطعنات تلو الطعنات، في جسدها المثخَن بالجراح، ولا تزال السهام المسمومة، تُصوَّب إليها من قِبَل أعداء الإسلام في الداخل والخارج، تريد أن تنال من عقيدة الإسلام وشريعته، لكن من فضل الله تعالى أنَّه ما من محنة إلا وتأتي من ورائها منحة، وصدق الله عزَّ وجلَّ إذ يقول: ﴿وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱلَّلُه وَٱلَّلُه خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾(لأنفال: 3) وأشدُّ تلك السهام التي رماها بها أعداء الإسلام، الطعن في عرض نبي الإسلام، وقائد الأنام، محمد بن عبد الله، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، بالتعرُّض لأُمِّ المؤمنين عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنها وعن أبيها، ورميها بالإفك والبهتان، وبثِّ الشبهات حولها بتحريف ما جاء في الكتاب والسنة، أو اختلاق الكذب عليها. لكن النتيجة قد أتت - والحمد لله- بخلاف ما أرادوا، ويأبى الله إلا أن يتمَّ نوره، ولو كره الكافرون؛ فقد ردَّ الله كيدهم في نحورهم، فأثار هذا الإفك المعاصر، المتجدِّد بين الحين والآخر، حفيظة المسلمين، وتضاعفت محبَّتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجاته الطاهرات، وعلى رأسهنَّ عائشة رضي الله عنها؛ فهَبُّوا للدفاع عنها، وإبراز فضائلها، وإحياء سيرتها، وبثِّ الحميَّة في نفوس الناشئة من أبنائها؛ وذلك مصداقًا لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(النور11) |
اسمها ونسبها (إنَّها حبيبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم)عمر بن الخطاب هي أُمُّ المؤمنين، حبيبة خليل الله صلَّ الله عليه وسلم، الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، عائشة بنت الإمام الأكبر، خليفة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أبي بكر الصِّدِّيق)(1) - واسمه عبد الله - بن أبي قحافة - واسمه عثمان - بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن فهر بن مالك بن كنانة، القرشية، التيميِّة، المكيَّة، ثمَّ المدنيَّة، زوجة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم. ----------------- (1)هو عبد الله بن عثمان بن عامر، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، القرشي التيمي، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفيقه في هجرته، أول من أسلم من الرجال، وأفضل الصحابة، شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفي سنة 13 ه. |
كنيتها هي أُمُّ عبد الله، كنَّاها بتلك الكنية النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وذلك عندما طلبت منه أن يكون لها كنية، فكنَّاها بابن أختها أسماء؛ تطييبًا لخاطرها، فعن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنَّا قالت: ((يا رسول الله، كلُّ صواحبي لهنَّ كنًى، قال: فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير))- يعني ابن أختها- فكانت تُدعى بأُمِّ عبد الله حتى ماتت. وقيل: كنيت بذلك؛ لأنَّها أسقطت من النَّبي صلَّى الله عليه وسلم سقطًا، فسمَّه النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عبد الله فاكتنت به، وهذا لم يثبت، والأوَّل أصحُّ. |
ألقابها كان لعائشة رضي الله عنها عدد من الألقاب، ومضامين هذه الألقاب دالَّة على عظيم فضلها وشرفها، وكثرتها تؤكِّد على هذا الفضل والشرف، فمن أهمِّ هذه الألقاب: 1- أُمُّ المؤمنين: وهو أشهر ألقابها، وقد لقَّبها الله تبارك وتعالى به؛ حيث يقول سبحانه، وهو أصدق القائلين:(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا )( الأحزاب- 6) وهذا اللقب الدالُّ على شرفها، مما يشاركها فيه بقية أزواج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فكلهنَّ رضي الله عنهنَّ من أُمَّهات المؤمنين. 2- حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: وهو لقب مستنبط من اختصاصها بمزيد المحبة منه صلَّ الله عليه وسلم، فقد سُئل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: أيُّ النَّاس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. قلت: ثمَّ من؟ قال: عمر بن الخطاب. واختصاصها بمحبة زائدة من النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كان معلومًا عند الصحابة، ولذا لما قدم دُرْج من العراق فيه جَوهر، قال عمر رضي الله عنه للصحابة: تدرون ما ثمنه؟ قالوا: لا. ولم يدروا كيف يقسمونه، فقال: تأذنون أن أبعث به إلى عائشة؛ لحبِّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إيَّاها؟ فقالوا: نعم. فبعث به إليها. وفرض عمر رضي الله عنه لأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن عشرة آلاف، وزاد عائشة رضي الله عنها ألفين، وقال: (إنَّا حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم). 3- المُبرَّأة: وهو لقب أُطلق عليها؛ لنزول القرآن ببراءتها مما رماها به المنافقون من الإفك، فهي عائشة المبرَّأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها، وقد كان مسروق,إذا حدَّث عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها يقول: (حدَّثتني الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، حبيبة حبيب الله، المبرَّأة). 4- الطَّيِّبة: فقد شهد الله لها بأنَّا طيِّبة؛ فقال تعالى تعقيبًا على حادثة الإفك: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )( النّور- 26). قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: )فهذه كلمة عامة، وحصر لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته أنَّ الأنبياء - خصوصًا أولي العزم منهم، خصوصًا سيدهم محمد صلَّ الله عليه وسلم، الَّذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كلُّ طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدحٌ في النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلَّ الله عليه وسلم، يُعلم أنَّا لا تكون إلا طيِّبة طاهرة من هذا الأمر القبيح، فكيف وهي هي؟! صِدِّيقة النساء وأفضلهنَّ وأعلمهنَّ وأطيبهنَّ، حبيبة رسول رب العالمين). وجاء عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّا قالت: (وإنِّ لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عُذري من السماء، ولقد خُلِقت طَيِّبةً وعند طيِّب، ولقد وُعِدت مغفرةً ورزقًا كريمً). ولما دخل ابن عباسرضي الله عنهما عليها، وهي في مرض الوفاة، قال لها: (كنتِ أَحبَّ نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحبُّ إلا طيِّبًا). 5- الصِّدِّيقة: كان مسروق رحمه الله إذا حدَّث عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها يقول: (حدَّثتني الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، حبيبة حبيب الله، المبرَّأة). وقال الحاكم: (ذِكر الصحابيات من أزوج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وغيرهنَّ، رضي الله تعالى عنهنَّ، فأوَّل من نبدأ بهنَّ الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق؛ عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما). وقال الحافظ ابن حجر: (هي الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق...). 6- الحُميراء: الحُميراء تصغير حمراء، قال الذهبي: (والحمراء في خطاب أهل الحجاز هي البيضاء بشُقْرة، وهذا نادرٌ فيهم). وجاء ذكر هذا اللقب في غير ما حديث، لكنها أحاديث متكلَّم فيها، حتى قال الإمام الذهبي: (وقد قيل: إنَّ كلَّ حديث فيه يا حميراء لم يصحَّ). بل ذهب بعض أهل العلم - كالإمام ابن القيم - أنَّ كلَّ حديث جاء فيه ذكر الحميراء فهو موضوع، قال عليه رحمة الله:(وكلُّ حديث فيه ياحميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق؛ مثل: يا حميراء، لا تأكلي الطين؛ فإنَّه يُورث كذا وكذا، وحديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء). لكن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر في (الفتح)حديث: (دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم). ثمَّ قال معقبًا: (إسناده صحيح، ولم أرَ في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا). |
8- مُوَفَّقة: من الألقاب التي لُقِّبت بها عائشة: (موفَّقة) لقَّبها به النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول: ((من كان له فَرَطان من أُمَّتي دخل الجنة. فقالت عائشة: بأبي، فمن كان له فَرَط؟ فقال: ومن كان له فَرَط يا موفَّقَة، قالت: فمن لم يكن له فَرَط من أمتك؟ قال: فأنا فرط أُمَّتي، لم يصابوا بمثلي)). وهذه الألقاب جميعًا دالَّة على فضل أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها، كما سبق، وما لقَّبها به النَّبي صلَّ الله عليه وسلم منها فيدلُّ أيضًا على شدة حبِّه صلَّ الله عليه وسلم لها واهتمامه بها، وقد كان صلَّ الله عليه وسلم يناديها بقوله: (يا عائش) على الترخيم، وهي من عادات العرب مع مَن يحبون، فعن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: ((ياعائش، هذا جبريل يقرئك السلام. قلت: وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو يرى ما لا نرى)). وقال الحافظ ابن حجر: )عُويش خاطب بها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عائشة أُمَّ المؤمنين، أورده الطبراني في (العشرة) من طريق مسلم بن يسار، قال: بلغني أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم دخل على عائشة فقال: ((يا عويش)). وكان أيضًا يناديها بقوله صلَّ الله عليه وسلم: ((يا بنت الصِّدِّيق، يا بنت أبي بكر))، وغير ذلك. وقد عدَّ بعضهم في ألقابها خليلة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، على اعتبار أنَّ الخُلَّة أعلى درجات المحبة، واحتجوا بقول حسَّان بن ثابترضي الله عنه يمدح أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: خليلة خير النَّاس دينًا ومنصبًا *** نبي الهدى والمَكرُمات الفَواضل وهو تصحيف، صوابه (حَليلة خير الناس) كما في (ديوانه). وجاء في (سير أعلام النبلاء) أنَّه جرى ذكر أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند علي رضي الله عنه فقال: (خليلة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم). وهوأيضًا تصحيف صوابه (حليلة)، ومعلوم أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قال:((إنِّ أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل)). |
جزاكم الله خيرا وبارك الله في حضرتك
|
أسرتها وأقاربها 1- أبوها: أبوها هو أبو بكر الصِّدِّيق: عبد الله بن أبي قُحافة -وهو عثمان- بن عامرٍ، القرشي، التيمي، أوَّل من آمن برسول الله صلَّ الله عليه وسلم من الرجال، وأوَّل الخلفاء الراشدين، وخير صحابة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم على الإطلاق، بل خير النَّاس بعد الأنبياء والمرسلين، وُلِد بمكة، ونشأ بها، وكان أحد أعاظم العرب، وسيدًا من سادات قريش، ومن كبار أغنيائهم، عالمًا بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها، وكان موصوفًا بالحلم والرأفة والرحمة، خطيبًا لسِنًا، وشجاعًا بطلً. صاحَب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وهاجر معه، ودخل معه الغار، وفي ذلك يقول تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(التوبة: 40) . وقد وردت في فضل أبي بكر رضي الله عنه أحاديث كثيرة، منها قوله صلَّ الله عليه وسلم: ((لو كنت متخذًا خليلً غير ربي لاتخذت أبا بكرٍ، ولكن أُخوَّة الإسلام ومودَّته)) (رواه البخاري ، ومسلم). بُويع له رضي الله عنه بالخلافة بعد وفاة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وكانت مُدَّة خلافته سنتين وثلاثة أشهر ونصف شهر، وتُوفِّ بالمدينة سنة ثلاث عشرة للهجرة، وعمره ثلاثٌ وستون سنة |
2- أُمُّها: هي أُمُّ رُومان - قيل: اسمها زينب، وقيل: دَعد - بنت عامر بن عُويمر بن عبد شمس بن عَتَّاب بن أُذَينة بن سُبَيع بن دُهمان بن حارث بن غَنمْ بن مالك بن كنِانة ، تزوَّجها أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه في الجاهلية بعد أن تُوفِّ زوجها عبد الله بن الحارث الأزدي، وقد أسلمت أُمُّ رومان في مكة، وكانت من أوائل المسلمات، وبايعت النبَّي صلَّ الله عليه وسلم، وهاجرت إلى المدينة مع أهل النبَّي صلَّ الله عليه وسلم، وآل أبي بكر رضي الله عنه. وبما سبق نعلم أنَّ نسبها رضي الله عنها وأرضاها يلتقي مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم من جهة الأب في الجدِّ السابع (مُرَّة بن كعب) ، ومن جهة الُأمِّ في الجدِّ الحادي عشر أو الثاني عشر. وقد اختُلف في سنة وفاتها، والأقرب أنها تُوُفِّيت بعد سنة ثمان من الهجرة . 3- إخوتها: عبد الرحمن، وأُمُّه أُمُّ رُومان. وعبد الله . وأسماء، من قَتْلة أو قُتَيْلة بنت عبد العُزَّى، تزوَّجها أبو بكر في الجاهلية، واختُلِف في إسلامها. ومحمد، وأُمُّه أسماء بنت عُمَيْس. وأُمُّ كُلْثوم، وأُمُّها حَبيبة بنت خارجة ، وقد وُلدت بعد وفاة الصِّدِّيق رضي الله عنه . |
4- عمَّتها: وكلُّهنَّ صحابيات، وهنَّ: أُمُّ عامر، وقُرَيبة، وأُمُّ فَرْوة. 5- أبواها من الرضاعة: وقد أرضعت عائشةَ رضي الله عنها زوجةُ أبي القُعَيس ، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن عليَّ أفلح أخو أبي القُعَيس بعدما أُنزِل الحجاب، فقلت: لا آذن له حتى أستأذن فيه النبَّي صلَّ الله عليه وسلم، فإنَّ أخاه أبا القُعَيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القُعَيس، فدخل عليَّ النبَّي صلَّ الله عليه وسلم، فقلت له: (يا رسول الله، إنَّ أفلح أخا أبي القُعَيس استأذن، فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك، فقال النبَّي صلَّ الله عليه وسلم: وما منعك أن تأذني، عمُّك؟، قلت: يا رسول الله، إنَّ الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القُعَيس، فقال: ائذني له، فإنَّه عمُّك، تَرِبت يمينك) . |
مواليها كان لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عدد من الموالي من النساء والرجال، وكانت تكرمهم، وتحسن معاملتهم، وهم: 1 - بَريرة، وحديثها مشهور في (الصحيحين)، ولفظه عند البخاري ((أنَّ عائشة أرادت أن تشتري بريرة، فأبى مواليها إلا أن يشترطوا الولاء، فذكرت ذلك للنبي صلَّ الله عليه وسلم، فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنَّما الولاء لمن أعتق. وأُتِ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم بلحم، فقيل: إنَّ هذا ما تُصُدِّق به على بَريرة، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية)). 2 - سائبة، روى عنها نافع مولى ابن عمر، فقال: عن سائبة مولاةٍ لعائشة: ((أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم نهى عن *** الحيات التي في البيوت، إلا ذي الطُّفْيَتين أو الأبْتَ؛ فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء)). 3 - مُرجانة، وهي أُمُّ عَلقمة بن أبي علقمة، أحد شيوخ مالك، يقول مالك: أخبرنا علقمة بن أبي علقمة، عن أُمِّه مولاة عائشة زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، أنَّا قالت: (كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدِّرَجة فيها الكُرْسف فيه الصُّفرة من الحيض، فتقول: لا تَعْجلن حتى تَرَين القَصَّة البيضاء. تريد بذلك الطهر من الحيض). 4 - أبو يونس، يروي القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة الله عنهاأُمِّ المؤمنين، أنَّه قال: (أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثمَّ قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنِّ: ﴿حَٰفِظُواْ عَلىَ ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾(البقرة: 238) فلما بلغتها قالت: وصلاة العصر، سمعتها من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم. 5 - ذَكْوان، وكنيته أبو عمرو، وكان هو مَن يؤمُّ أُمَّ المؤمنين في رمضان من المصحف، ذكر البخاري في (صحيحه) باب إمامة العبد والمولى، وكانت عائشة يؤمُّها عبدها ذكوان من المصحف، وجاء في شأنه ما أخبر به عبد الله بن أبي مُلَيكة: (أنهم كانوا يأتون عائشة أُمَّ المؤمنين بأعلى الوادي هو، وعُبيد بن عُمير، والمِسْور بن مَخرمة، وناس كثير، فيؤمُّهم أبو عمرو مولى عائشة رضي الله عنها،وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يعتق). 6 - ليلى، فقد رُوي أنَّ من مواليها امرأة يقال لها ليلى، روى الحاكم بسنده عن المنهال بن عبيد الله، عمن ذكره، عن ليلى، مولاة عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته، فدخلت فلم أرَ شيئًا، ووجدت ريح المسك. فقلت: يا رسول الله، إنِّ لم أرَ شيئًا قال:((إنَّ الأرض أمِرت أن تكفيه منَّا معاشر الأنبياء)). |
مولدها ونشأتها في بيت أبيها وُلِدت أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمكة، بعد البعثة بأربع سنين أو خمس تقريبًا، فكان مولدها في الإسلام ولم تدرك الجاهلية، وُلِدت لأبوين مسلمين، آمنَا بالنَّبي صلَّ الله عليه وسلم وصدَّقاه مبكرًا، فوالدها هو أبو بكر الصِّدِّيق، رضي الله عنه، أوَّل من أسلم من الرجال، وبإسلامه أسلمت زوجته أُمُّ رُومان، وابنتاه أسماء وعائشة، رضي الله عنهنَّ، وبذلك يُعدُّ البيت الَّذي نشأت فيه عائشة من أوَّل بيوتات المسلمين، وبه تُعدُّ عائشة رضي الله عنها من أوائل المسلمات. وكان والداها - مع إسلامهما المتين - لهما علاقات حميمة، وصِلات وثيقة برسول الله صلَّ الله عليه وسلم، كما حكت ذلك عائشة رضي الله عنها، فعن عُروة ابن الزبير أنَّ عائشة زوج رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قالت: (لم أعْقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرَّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله صلَّ الله عليه وسلم طرفَ النهار؛ بكرةً وعشيةً). وقد نشأت في أسرة كريمة ذات يسارٍ، وكانت تنعَم في عيشٍ رغيدٍ، فقد كان أبو بكر الصِّدِّيق من كبار تجار مكة، وكان رجال قومه يألَفُونه ويتعاملون معه، ويجالسونه؛ لعلمه وتجارته الكبيرة. ورحم الله أبا بكر، كم أنفق في الإسلام؛ لنشر دعوته، فقد ورد أنه أعدَّ للهجرة راحلتين، وأنه حمل معه خمسة آلاف درهم، واشترى عددًا من الرقيق ممن أسلم؛ ليُحرِّرهم من الرِّق، أشهرهم بلال رضي الله عنه، ويكفيه قول النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فيه: ((ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متَّخذًا خليلً لاتَّذت أبا بكر خليلً، ألا وإنَّ صاحبكم خليل الله)). أمَّا من الناحية الاجتماعية: فكانت لأسرة أبي بكرٍ الصِّدِّيق مكانةٌ اجتماعية طيبة، وقد بيَّ ابن الدَّغِنة هذا الحضور الطيب لأبي بكر في الحياة الاجتماعية؛ فقال حين خرج أبو بكر من مكة مهاجرًا للحبشة: (إنَّ مثلك لا يَرُج، ولا يُرَج؛ فإنَّك تَكسِب المعدومَ، وتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحقِّ، وأنا لك جارٌ، فارجع، فاعبد ربَّك ببلادك). نشأت عائشة رضي الله عنها في هذه الأسرة المباركة، وهي كغيرها من أترابها كانت كثيرة اللعب، دائبة الحركة، بلغت التاسعة ولها أتراب وصواحب تلعب معهنَّ، ولها أُرجوحة تلعب عليها، وقد حدَّثت السيدة كيف انتقلت من فوق الأُرجوحة إلى بيت الزوجية (فأتتني أُمُّ رُومان، وأنا على أُرجوحة، ومعي صواحبي، فصرختْ بي، فأتيتها، وما أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي، فأوقفتني على الباب، فقلت: هه هه، حتى ذهب نَفسي، فأدخلتني بيتًا، فإذا نسوة من الأنصار، فقلنَ: على الخير والبركة، وعلى خير طائر)). ونظرًا لحداثة سنِّها عندما تزوجتْ بقِيت تلعبُ بعد زواجها لفترة من الزمن مع صواحبها، وكان صلَّ الله عليه وسلم يُقَدِّر حداثة سنِّها وحاجتها إلى اللعب، فكان يُسَّرِب لها صواحباتها يلاعبنها... وكان لها لُعَب تلعب بها، وتقول السيدة في هذا: كنت ألعب بالبنات). وجاء النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وعائشة تلعب مع البنات، فرأى بين البنات فرسًا له جناحان عن يمين وشمال، فسألها: ((ما هذا يا عائشة؟ فقالت: فرسٌ. فقال: وهل يكون للفرس جناحان؟ فردت قائلةً: أما كانت لخيل سليمان أجنحة؟ فضحك النَّبي صلَّ الله عليه وسلم)). وهذا يدلُّ على ثقافتها العالية، والذكاء المتوقِّد. |
بوركت جهودكم الطيبة .. ان شاء الله متابعين |
وكانت تحفظ كثيرًا مما حَدَث أيام طفولتها، وتفقه من الأحاديث ماتيسَّر لها، فتقول: (لقد أُنزل على محمد صلَّ الله عليه وسلم بمكة، وإنِّى لجارية ألعب: ﴿بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أدۡهَٰ وَأمَرُّ) [ القمر /46 ]. وعندما هاجر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إلى المدينة لم تكن عائشة تجاوزت الثامنة من عمرها، لكنها كانت تفهم وتعي، وتحسن الحفظ لأسرار وقائع الهجرة النبوية. ومما يحسن التنبيه إليه هنا تلك العلاقة المميزة التي كانت تجمع بينها وبين أبيها رضي الله عنهما، فقد كانت علاقة تقوم على الحبِّ والثقة والتقدير، فكانت تراه خير صحابة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وترى مِن نُصرته لنبي الله صلَّ الله عليه وسلم ما يحملها على التشرُّف بالانتساب إليه، وكان هو يراها زوجةً للنبي صلَّ الله عليه وسلم، وأُمًّا للمؤمنين، قد زكَّى رسول الله علمها بالحديث والفقه، ولذا فقد كان يُجلُّها ويثق بها وبرأيها، ويسألها في أمور الدين، ويأخذ بقولها، ويروي عنها الحديث. وكان شديد العطف عليها والحنان، وكان يقول لها: (انظري حاجتك فاطلبيها إليَّ). وعن البراء قال: (دخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حُّمى، فرأيت أباها يُقَبِّل خدَّها، وقال: كيف أنت يا بنية؟) ولما حضرته الوفاة قال لها:(يا بنية، ما مِن النَّاس أحد أحب إليَّ غنًى بعدي منك، ولا أعز عليَّ فقرًا منك). كما نحلها -حال حياته- جَدَاد عشرين وَسْقًا من ماله. وقد كان أبو بكر رضي الله عنه حازمًا في تربية أولاده، وكانت عائشة تخاف أباها وتتَّقي غضبه، حتى بعد زواجها، يقول أنسرضي الله عنه:((كان للنَّبي صلَّى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهنَّ لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكُنَّ يجتمعن في كلِّ ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمدَّ يده إليها: فقالت: هذه زينب. فكفَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى اسْتَخَبَتا،وأُقيمت الصلاة، فمرَّ أبو بكر على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحثُ في أفواههنَّ التراب. فخرج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فقالت عائشة: الآن يقضي النَّبي صلاته، فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم صلاته أتاها أبو بكر، فقال لها قولً شديدًا، وقال: أتصنعين هذا؟ . ولما سمع صوتها مرة عاليًا دخل، وتناولها ليلطمها، وقال: (لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا). وفي قصة التخييردخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يُؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النَّبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا... وفيه: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: هنَّ حولي - كما ترى - يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده. فنشأت عائشة رضي الله عنها في أحضان هذه الأسرة المباركة، وترعرعت في بيت الصدق والإيمان، وعاشت منذ نعومة أظفارها في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وشهدت في طفولتها أشدَّ المراحل التي مرَّت بها دعوة الإسلام، وما لاقاه المسلمون من الأذى والاضطهاد. وقد حدَّثتنا السيدة عائشة عن بعض ما أصاب والدها الصِّدِّيق رضي الله عنه من الأذى في سبيل دينه وإيمانه، حتى اضطرَّ ذات يوم أن يخرج من مكة مهاجرًا نحو أرض الحبشة، يريد أن يلحق بإخوانه المسلمين هناك، ولما بلغ بَرْك الغِمَدلقيه ابن الدَّغِنَّة، وهو سيد قبيلة القارة، فأرجعه إلى مكة، وأجاره من أذى قريش، وكان فيما قاله له: إنَّ مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، إنَّك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحقِّ، فأنا لك جار، فارجع فاعبد الله ببلدك. واستمرت في بيت أبيها رضي الله عنه حتى هِجرتها إلى المدينة، وذلك أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم هاجر - كما هو معلومٌ - مع صاحبه ورفيقه أبي بكر الصِّدِّيق إلى المدينة، وتركا أهليهما بمكة، ولما استقرَّ بهما الحال هناك أرسل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم من يُضر أهله وأهل أبي بكر، بعد أن تحمَّلوا شدة العيش؛ فعن أسماء بنت أبي بكرٍ، قالت: (لما خرج رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وخرج أبو بكرٍ معه، احتمل أبو بكرٍ ماله كلَّه، ومعه خمسة آلاف درهمٍ أو ستة آلافٍ، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جَدِّي أبو قُحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إنِّ لأرُاه قد فَجَعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت، إنَّه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. قالت: فأخذت أحجارًا فوضعتها في كُوَّةٍفي البيت الَّذي كان أبي يضع ماله فيها، ثمَّ وضعت عليها ثوبًا، ثمَّ أخذت بيده فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه. فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغٌ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئًا، ولكنيِّ أردت أن أُسَكِّن الشيخ بذلك) |
حياتها مع النَّبي صلَّى الله عليه وسلم زواجها من النَّبي صلَّى الله عليه وسلم تزوَّج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها قبل الهجرة ، وهي ابنة ست سنوات، ودخل بها في شوال بعد الهجرة، وهي بنت تسع سنوات، فعنها رضي الله عنها قالت: (تزوَّجني رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين. وقد رأى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها في المنام قبل زواجه بها، فتروي عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أنَّه قال: ((أُرِيتُكِ في المنام ثلاث ليالٍ، جاءني بك المَلَك في سَرَقَةٍ من حريرٍ، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله يُمضِه)) ثم بعد هذه الرؤيا المباركة جاءت مرحلة الخِطبة، وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها قصة خِطبة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لها بتفاصيلها الدقيقة؛ وذلك لأنَّا تمثِّل عندها ذكريات حلوة لا تُنسى، فقالت رضي الله عنها: ((لما تُوفِّيت خديجة ، قالت خَوْلة بنت حكيم بن أمية بن الأوَقص - امرأة عثمان بن مَظعونٍ رضي الله عنهما - وذلك بمكة: أي رسول الله، ألا تتزوج؟ قال: ومَنْ؟ قالت: إن شئتَ بكِرًا، وإن شئتَ ثيبًا، قال: فمَن البكر؟ قالت: بنت أحبِّ خلق الله إليك؛ عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنه. قال: ومَن الثيب؟ قالت: سَوْدة بنت زَمْعة بن قيسٍ ، آمنتَ بك، واتبعتْكَ على ما أنت عليه. قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ. قالت: فجاءت، فدخلت بيت أبي بكرٍ رضي الله عنه، فوجدت أُمَّ رُومان أُمَّ عائشة. قالت: أيْ أُمَّ رومان، ماذا أدخَلَ الله عزَّ وجلَّ عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة. قالت: وَدِدتُ، انتظري أبابكرٍ رضي الله عنه؛ فإنَّه آتٍ. فجاء أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقالت: يا أبا بكرٍ، ماذا أدخل الله عزَّ وجلَّ عليكم من الخير والبركة، أرسلني رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة رضي الله عنها. قال: وهل تصلح له؟ إنَّما هي ابنة أخيه. فرجعتُ إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فذكرت له، فقال: ارجعي إليه، فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وأنا أخوك، وابنتك تصلح لي. فأتت أبا بكرٍ رضي الله عنه، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم. فجاءه فأنكحه، وهي يومئذٍ ابنة ست سنين . وتقصُّ أيضًا عائشة رضي الله عنها كيف كان وصول الخبر إليها، وكيف كانت مراسم الزفاف، حيث قالت: (فأتتني أمُّ رُومان وأنا على أُرجوحةٍ ومعي صواحبي، فصرخَتْ بي، فأتيتها وما أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي، فأوقفتني على الباب، فقلت: هه هه ، حتى ذَهَب نَفَسي فأدخلتني بيتًا، فإذا نسوةٌ من الأنصار، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائرٍ. فأسلمَتْني إليهنَّ، فغسلن رأسي وأصلحنني، فلم يَرُعنيإلا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلم ضُحًى، فأسلمنني إليه). وتروي عائشة رضي الله عنها استعدادها للزِّفاف، وتجهيز أُمِّها لها، فتقول: (كانت أُمِّي تعالجني للسُّمْنة، تريد أن تدخلني على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فما استقام لها ذلك حتى أكلتُ القِثَّاءبالرُّطَب، فسَمِنْتُ كأحسن سُمنةٍ). وزُفَّت عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولُعبها معها. وأمَّا في ليلة الزفاف نفسها، فتولَّت تجهيزها أسماء بنت يزيد وصاحباتها، تقول أسماء رضي الله عنها: ((إني قَيَّنْتُ عائشة لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم، ثمَّ جئته، فدعوته لجَلْوَتها، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأُتي بعُسِّلبنٍ، فشرب، ثمَّ ناولها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فخفضت رأسها واستحيت. قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد النبَّي صلَّ الله عليه وسلم، قالت: فأخذتْ، فشربتْ شيئًا، ثمَّ قال لها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: أعطي تِرْبك . قالت أسماء: فقلتُ: يا رسول الله، بل خذه، فاشرب منه، ثمَّ ناولنيه من يدك. فأخذه، فشرب منه، ثمَّ ناولنيه، قالتْ: فجلستُ، ثمَّ وضعْتُه على ركبتي، ثمَّ طفقت أُديره، وأُتبعه بشَفتي؛ لأصيب منه مَشْب النَّبيصلَّ الله عليه وسلم)). |
وأمَّا الوليمة في يوم عُرسها، فتقول عنها عائشة رضي الله عنها: (ما نُحِرت عليَّ جَزور، ولا ذُبحِت عليَّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عُبادةبجَفْنة كان يرسل بها إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين). وأمَّا مهرها فلم يُرْوَ في ذلك شيء يميِّزها عن غيرها من أزواج النبي ص لىالله عليه وسلم، بل ورد ما يؤيِّد أنَّ مهرها كان كمهر غيرها من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: ((سألتُ عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا. قالت: أتدري ماالنشُّ؟ قلت: لا. قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم. وقال عمر رضي الله عنه: ))ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئًا من نسائه، ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أُوقية. وقد أقامت عائشة رضي الله عنها في صحبة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم ثمانية أعوام وخمسة أشهر ، وتُوُفِّي صلَّى الله عليه وسلَّم وهي ابنة ثماني عشرة سنة، فعنها رضي الله عنها: )أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم تزوَّجها وهي بنت ست سنين، وأُدْخِلتْ عليه وهي بنت تسعٍ، ومكثتْ عنده تسعًا، وفي رواية: ومات عنها، وهي بنت ثمان عشرة . (وكان شهر شوال من أحبِّ الشهور إلى قلب السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لأنه شهر الذكريات العزيزة في حياتها، تقول رضي الله عنها: (تزوَّجني رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأيُّ نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كانت أحظى عنده مني؟!وكانت رضي الله عنها تستحبُّ أن تُدْخِل نساءها في شوال) . |
اقتباس:
بارك الله فيك ورضى عنك |
اقتباس:
بار الله فيك ورضى عنكِ |
معيشتها في بيت النَّبي صلَّى الله عليه وسلم صفة مسكنها: تصف السيدة عائشة جهاز حجرتها فتقول: (إنَّما كان فراش رسول الله صلَّ الله عليه وسلم الَّذي ينام عليه أَدَمًا ، حَشْوه لِيف. ولم يكن لها غير فراش واحد في أوَّل الأمر، ودلَّ على ذلك أنَّ السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت أكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم، إذا شددت عليَّ إزاري، ولم يكن لنا إذ ذاك إلا فراش واحد، فلما رزقني الله عز وجل فراشًا آخر اعتزلت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم . وضمَّت السيدة عائشة بعد ذلك إلى أثاث حجرتها بعض الوسائد، تقول رضي الله عنها: كان في بيتي ثوب فيه تصاوير، فجعلته إلى سَهْوة في البيت، فكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُصلِّ إليه، ثمَّ قال: يا عائشة، أخِّريه عني. فنزعتُهُ فجعلته وسائد ولم يكن في بيتها مصباح، ويدلُّ على ذلك قولها: ((كنت أنام بين يدي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح)). ولما أرسل إليها أبو بكر بقائمة شاة ليلً أمسكَتْها، وقطعها رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، قالت: هذا على غير مصباح. فقيل لها: يا أُمَّ المؤمنين، على غير مصباح؟ فقالت: لو كان عندنا دُهن مصباح لأكلناه. وكانت حجرتها في شرقيِّ المسجد، وكان بابه من هذه الحجرة واقعًا داخل المسجد النبوي على جهة الغرب، وكأنَّ المسجد النبوي صار فناء لها. وكان عرض الحجرة ست أو سبع أذرع، جدرانها من الطين، وسقفها من جريد النخل، قصير حيث يناله كلُّ من يقف، مُغَشَّاة من الخارج بمسوح الشعر لكي تكون وقاية من المطر . وكان لِلباب مِصراع واحد من عَرعَر أو ساج، وكان في جنب الحجرة مَشْربة(أقام فيها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم شهرًا زمن الإيلاء). تلك هي الحجرة التي عاشت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها قرابة خمسين عامًا. |
صفة معيشتها: هذه بعض الأحاديث التي فيها وصف لمعيشة أُمَّهات المؤمنين مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ومنهنَّ عائشة رضي الله عنها، فها هي تصف معيشتها على عهد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فتقول لابن أختها عروة: (ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثمَّ الهلال، ثمَّ الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلَّ الله عليه وسلم نار. فقلت: يا خالة، ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلَّ أنَّه قد كان لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا). وعنها قالت: )ما شبع آل محمد صلَّ الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبِض . وعنها أيضًا قالت: (ما أكل آل محمد صلَّ الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر). وقالت أيضًا: (تُوُفِّ رسول الله وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رَفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ). وعن أنس رضي الله عنه: (أنَّه مشى إلى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم بخبز شعيرٍ وَإهِالَةٍ سَنخِةٍ )))، ولقد رهن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم درعًا له بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرًا لأهله ولقد سمعته يقول:((ما أمسى عند آل محمد صلَّى الله عليه وسلم صاعُ بُرٍّ، ولا صاعُ حَبٍّ)). وإن عنده لتسع نسوة). وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جار فارسيٌّ، وكان طيِّب المرق. فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يدعوه، فقال: وهذه؟ لعائشة. فقال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا. فعاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ قال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا. ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ قال: نعم. في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله. |
من أحوالها مع النَّبي صلَّى الله عليه وسلم مظهرها أمام النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: كانت رضي الله عنها تهتمُّ بمظهرها وزينتها، وتحرص أشدَّ الحرص ألَّ يرى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم منها إلا ما يَسرُّه، ومن ذلك قولها: (دخل عليَّ رسول الله فرأى في يدي فَتَخَات من وَرِق، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهنَّ؛ أتزيَّن لك يا رسول الله.... وكان من نصائحها للنساء أن يتزينَّ لأزواجهنَّ، فقد قالت لإحداهنَّ:(إن كان لك زوج، فاستطعت أن تنزعي مُقلتيك)))، فتضعيهما أحسن مما هما فافعلي). لباسها وحجابها: لم تكن رضي الله عنها تملك إلا ثوبًا واحدًا: فعنها أنها قالت: (ما كان لإحدانا إلاثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالتْ بريقها، فقَصَعَتْه بظُفرها). وكان عندها دِرعٌ ثمين غال، ثمنه خمسة دراهم، وكانت النساء يستعرنه منها؛ ليُلْبِسنه عرائسهنَّ ليلة زفافهنَّ، تقول السيدة عائشة: (كان لي منهنَّ دِرع على عهد رسول الله، فما كانت امرأة تُقَيَّ - أي: تُزَيَّن لزفافها - إلا أرسلت إليَّ تستعيره) . وكانت تتزين بعِقد لها من جَزْعِ ظَفَار كما في قصة حادثة الإفك. وعن القاسم بن محمد قال: (لقد رأيت عائشة تلبس المعصفر، وتلبس خواتيم الذهب). |
خدمتها لرسول الله صلَّ الله عليه وسلم والقيام بحقوقه: لم يكن لعائشة رضي الله عنها في بداية الأمر خادم، ثمَّ اشترت جارية اسمها بَريرة وأعتقتها، واشترطت أن يكون ولاؤها لها . كانت عائشة رضي الله عنها تقوم بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، وتقضي سائر حاجاته صلَّ الله عليه وسلم، حتى أنَّا كانت تغسل سواكه ، وتقوم بترجيل شعره حتى في حال اعتكافه في المسجد وهي حائض، وتقول عن ذلك: (كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليَّ رأسه فأُرَجِّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان). وفي لفظ: (أنَّها كانت تُرَجِّل رأس رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها، يناولها رأسه). كما كانت تقوم رضي الله عنها بتطييبه صلَّى الله عليه وسلم بيدها لإحرامه ولحلِّه، تقول عن ذلك: (طيَّبت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم بيدي بذَرِيرةفي حجة الوداع، الحل والإحرام)وفي رواية: (طيَّبتُ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم عند حِرمِه بأطيب الطيب). كما كانت تساهم في العمل العام، فقد ذكر الأَسْود عنها أنَّا كانت تَفْتل القلائد لهدي النَّبي صلَّ الله عليه وسلم. وكانت تحافظ على راحة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم حتى وهي تتألَّ، ومن ذلك أنَّه عندما تأخَّر الجيش أثناء البحث عن عِقدها، فنام رسول الله صلَّ الله عليه وسلم على فخذها، جاء أبو بكر يطعنها في خاصرتها ويُعَنِّفها، وهي لا يمنعها من التحرُّك إلا مكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم منها. تقول عائشة رضي الله عنها: (خرجنا مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام النَّاس معه، وليسوا على ماء، فأتى النَّاس إلى أبي بكر الصِّدِّيق، فقالوا: ألا ترى ما صنعتْ عائشة؟ أقامت برسول الله صلَّ الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله صلَّ الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبَستِ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلَّ الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمَّموا، فقال أُسَيد بن حُضَير: ما هي بأوَّل بركتكم يا آل أبي بكر. قال: فبعَثْنا البعير الَّذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته. ولمَّ مرض رسول الله صلَّ الله عليه وسلم مرض الموت كانت تَرقيه، وتقول رضي الله عنها عن ذلك: (كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إذا مرض أحدٌ من أهله نفث عليه بالمعَوِّذات، فلما مرض مرضه الَّذي مات فيه، جعلت أنْفُث عليه، وأمسحه بيد نفسه؛ لأنَّا كانت أعظم بركةً من يدي). وكانت عائشة رضي الله عنها تحبُّ قرب النبيِّ صلَّ الله عليه وسلَّم، ولا تُؤثر بيومها غيرها، فعن معاذة العدوية، عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله ص لىالله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منَّا، بعد أن أُنزلت هذه الآية: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ) (الأحزاب:51). فقلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذاك إليَّ فإنِّى لا أريد يا رسول الله أن أُوثر عليك أحدًا. يقول النووي: (هذه المنافسة فيه صلَّ الله عليه وسلَّم ليست لمجرَّد الاستمتاع، ولمطلق العشرة، وشهوات النفوس وحظوظها، التي تكون من بعض الناس، بل هي منافسة في أمور الآخرة، والقرب من سيِّد الأوَّلين والآخرين،والرغبة فيه، وفي خدمته ومعاشرته، والاستفادة منه، وفي قضاء حقوقه وحوائجه، وتوقُّع نزول الرحمة والوحي عليه عندها، ونحو ذلك . وكانت رضي الله عنها تُؤخِّر قضاء ما عليها من أيام رمضان إلى شعبان؛ مراعاة له صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان؛ الشغلُمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم)وفي رواية (فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان). يقول النووي: (وتعني ب (الشغل) وبقولها في الحديث الثاني: (فما تقدر على أن تقضيه). أنَّ كلَّ واحدة منهنَّ كانت مهيِّئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مترصِّدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها، إن أراد ذلك، ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها، فتُفوِّتها عليه، وهذا من الأدب... وإنما كانت تصومه في شعبان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيهنَّ حينئذ في النهار؛ ولأنَّه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان، فإنَّه لا يجوز تأخيره عنه. كما كانت رضي الله عنها شديدة الاهتمام برسول الله صلى الله عليه وسلم، ترقب أحواله؛ حزنه وفرحه، وإذا رأت تغيُّرا في وجهه بادرت بسؤاله، ومن ذلك قولها: (رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته عرفتُ في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: يا عائشة، ما يُؤمِّنُني أن يكون فيه عذاب؟ قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) |
فهمها للنبي صلَّ الله عليه وسلم حتى من نظراته ولو لم يتكلَّم: عن ذكوان أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تقول: (إنَّ مِن نِعم الله عليَّ: أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم تُوُفِّ في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونَحْري، وأنَّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده سواك، وأنا مسندة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرَفت أنَّه يحبُّ السواك، فقلتُ: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم. فتناوله، فاشتدَّ عليه، فقلتُ: أُليِّنه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم. فلَيَّنته، فأمَرَّه). وفي رواية: (فأخذتُ السواك فقضمته ونفضته وطيَّبته، ثمَّ دفعتُه إلى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فاستَنَّ به. فما رأيت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم استنَّ استنانًا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم رفع يده أو أصبعه، ثمَّ قال: في الرَّفيق الأعلى. ثلاثًا، ثمَّ قضى). والشاهد: فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنَّه يحبُّ السواك. |
كتمانها لأسرار رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: لقربها من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، ومحبته لها، كان صلَّ الله عليه وسلم يفضي إليها بأسراره فتكتمها، كما كان في فتح مكة، فحينما رأى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم سحابًا، قال: (إنَّ هذا السحاب لينصب بنصر بني كعب، فمكث رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث بعدما خرج من عنده أبو سفيان، ثمَّ أعذر في الجهاز، وأَمَر عائشة أن تجهزه وتخفي ذلك، ثمَّ خرج رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إلى المسجد أو إلى بعض حاجاته، فدخل أبو بكر على عائشة، فوجد عندها حنطة تُنسَف أو تُنقَّى، فقال لها: يا بنية، لماذا تصنعين هذا الطعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم أن يغزو؟ فصمتت، فقال: لعله يريد بني الأصفر - وهم الروم - فذكر من ذلك أمرًا فيه منهم بعض المكروه في ذلك الزمان، فصمتت، قال: فلعله يريد أهل نجد، فذكر منهم بعض المكروه في ذلك الزمان، فصمتت، قال: فلعله يريد قريشًا، وإن لهم مدة، فصمتت، قال: فدخل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتريد أن تخرج مخرجًا؟ قال: نعم، قال: لعلك تريد بني الأصفر؟ قال: لا، قال: أفتريد أهل نجد؟ قال: لا، قال: فلعلك تريد قريشًا؟ قال: نعم، قال أبو بكر: يا رسول الله، أليس بينك وبينهم مدة؟ قال: ألم يَبْلُغك ما صنعوا ببني كعب). |
دفاعها عن رسول الله وانتصارها له: عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قالت: (دخل رهط من اليهود على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقالوا: السامعليكم. قالت عائشة: ففهِمْتُها، فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: مهلً يا عائشة، إنَّ الله يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه. فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: قد قلت: وعليكم) وفي رواية لمسلم قالت: (أتى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أناسٌ من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام . فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: يا عائشة! لا تكوني فاحشةً. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الَّذي قالوا؟ قلت: وعليكم). قال النووي معلقًا على الحديث: (وأمَّا سبُّها لهم ففيه الانتصار من الظالم، وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يُؤذيهم). |
جزاك الله خيرا وبارك الله بحضرتك
شكرا على الموضوع تحياتي وتقديري |
اقتباس:
ويغفر لك ولوالديك |
غَيرتها على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: الغَيرة طبيعة في المرأة، وهي دليل محبتها لزوجها، خاصَّة إن كان له زوجات غيرها، ولم تخرج عائشة رضي الله عنها عن هذه الطبيعة، فقد كانت تغار على النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ولما سألها رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يومًا: ((أغِرْت؟ قالت: وما لي أن لا يغار مثلي على مثلك)). وهذه جملة من الأحاديث تبيِّ مبلغ غيرة عائشة على النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: - عن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النَّبي صلَّى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى. فركبت فجاء النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلَّم عليها، ثمَّ سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخِر، وتقول: يا ربِّ سلِّط علي عقربًا، أو حيةً تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئًا)). - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أُمَّهات المؤمنين بصَحْفةفيها طعام، فضربت التي النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فِلَقالصحفة، ثمَّ جعل يجمع فيها الطعام الَّذي كان في الصَّحْفة، ويقول: غارت أُمُّكم. ثمَّ حبس الخادم حتى أُتي بصَحْفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت)). - وعن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، فيشرب عندها عسلً، فتواصيت أنا وحفصة أنَّ أيَّتنا دخل عليها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فلتقل: إنِّ أجد منك ريح مَغَافير، أكلْتَ مغافير. فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له، فقال: لا، بل شربت عسلً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له. فنزلت:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ ) (التحريم:1) (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ ) (التريم:4) لعائشة وحفصة (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ) (التحريم:3) لقوله: بل شربت عسلً)). - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهنَّ، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرتُ فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عُكَّة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنَّ له. فقلت لسودة بنت زمعة: إنَّه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير. فإنه سيقول لك: لا. فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك؟! فإنَّه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل. فقولي له: جرست نحله العُرْفُط . وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك. قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقًا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا. قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل. فقالت: جرست نحله العرفط. فلما دار إليَّ قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي فيه قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه. قلت لها: اسكتي. - وعنها أيضًا قالت: ((افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظنت أنَّه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست ثم رجعت. فإذا هو راكع أو ساجد يقول: سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت. فقلت: بأبي أنت وأُمِّي! إنِّ لفي شأن، وإنَّك لفي آخر)). - وعنها أيضًا قالت: ((ألا أُحَدِّثكم عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وعنِّي؟ قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي انقلب، فوضع نعليه عند رجليه، ووضع رداءه، وبسط إزاره على فراشه، ولم يلبث إلا ريثما ظنَّ أنِّ قد رقدت، ثمَّ انتعل رويدًا،وأخذ رداءه رويدًا، ثمَّ فتح الباب رويدًا، وخرج وأجافه رويدًا، وجعلتُ دِرْعي في رأسي، فاختمرتُ وتقنعتُ إزاري، وانطلقت في إثره، حتى جاء البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات، وأطال القيام، ثمَّ انحرف وانحرفتُ، فأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ وسبقتُه فدخلتُ، وليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال: ما لك يا عائش؟ رابية- قال سليمان: حسبته قال: حشيًا- قال: لتخبرنِّى أو ليخبرني اللطيف الخبير. قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي. فأخبرته الخبر. قال: أنت السواد الَّذي رأيتُ أمامي؟ قلتُ: نعم، قالت: فلَهَدَني لهدةً في صدري أوجعتني. قال: أظننتِ أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالتْ: مهما يكتم النَّاس فقد علمه الله عزَّ وجلَّ. قال: نعم. قال: فإنَّ جبريل عليه السلام أتاني حين رأيتِ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فناداني، فأخفى منك، فأجبتُه وأخفيتُه منكِ، وظننتُ أنك قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظكِ، وخشيتُ أن تستوحشي، فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم)) . |
- وعنها قالت: ((رجع إليَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صُداعًا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه. قال: بل أنا وارأساه. قال: ماضرَّك لو مِتِّ قبلي، فغسَّلتُكِ وكفَّنتُكِ، ثمَّ صليتُ عليكِ ودفنتكِ؟ قلتُ: لكني -أو لكأني- بك والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعْرَست ))) فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسَّم رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، ثمَّ بُدئ بوجعه الَّذي مات فيه)). - وفي حديث جابر: (أنَّ عائشة لما قالت: بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: يا رسول الله، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ. فقال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إنَّ الله لم يبعثني متعنِّتًا ، وإنَّما بعثني معلِّمًا ميسِّرا). يقول ابن حجر معددًا ما في الحديث من الفوائد، ومنها: (أنَّ الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها؛ لسؤالها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أن لا يخبر أحدًا من أزواجه بفعلها، ولكنَّه صلَّ الله عليه وسلم لمَّا علم أنَّ الحامل لها على ذلك ما طُبع عليه النساء من الغيرة، ومحبة الاستبداد دون ضرائرها، لم يُسعفها بما طلبت من ذلك) . - تقول عائشة: قال لي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: ((إنِّ لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى. قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أمَّا إذا كنتِ عني راضية، فإنَّك تقولين: لا وربِّ محمد. وإذا كنت عليَّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك)). قال النووي: (قوله صلَّ الله عليه وسلم لعائشة: ((إنِّ لأعلم إذا كنت عنِّي راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى، إلى قولها: يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك) قال القاضي: مغاضبة عائشة للنبي صلَّى الله عليه وسلم هي مما سبق من الغيرة التي عُفي عنها للنساء في كثير من الأحكام... لعدم انفكاكهنَّ منها، حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة: يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة. قال: واحتجَّ بما رُوي عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أنه قال: ((ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله)). ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه؛ لأنَّ الغضب على النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة، ولهذا قالت: ((لا أهجر إلا اسمك)). فدلَّ على أنَّ قلبها وحبَّها كما كان، وإنَّما الغيرة في النساء لفرط المحبة. - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شَمَّس أو ابن عمٍّ له، فكاتبتْ على نفسها، وكانت امرأة مَلَّحةتأخذها العين، قالت عائشة رضى الله عنها: فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فلما قامت على الباب فرأيتها، كرهت مكانها، وعرفت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث، وإنَّما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإنِّ كاتبت على نفسي، فجئتك أسألك في كتابتي، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: فهل لك إلى ما هو خير منه؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أُؤدِّي عنك كتابتك وأتزوَّجك. قالت: قد فعلتُ. قالت: فتسامع - تعني الناس - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوَّج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أُعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق)). ومن عجيب شأن غيرتها رضي الله عنها غيرتها من خديجة رضي الله عنها، بالرغم من كونها قد فارقت الحياة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((استأذَنَت هالة بنت خويلد أخت خديجة، على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: اللهمَّ هالة. قالتْ: فغِرْتُ، فقلتُ: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشِّدْقين، هلكتْ في الدهر، قد أبدلك الله خيرًا منها)). - وقالت: (ما غِرتُ على امرأة للنبي صلَّ الله عليه وسلم ما غِرت على خديجة، هلكتْ قبل أن يتزوَّجني، لِا كنتُ أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قَصَب ، وإن كان لي*** الشاة فيُهدي في خلائلهامنها ما يسعهنَّ). ومع تفهُّم النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لهذه الغيرة، وتسامحه في كثير من شأنها، إلا أنَّه إذا وقع بسببها تجاوز شرعي فإنَّه يُنبِّه إلى الخطأ، فمن ذلك مثلً ما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا. تعني قصيرة. فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لَمَزَجَتْه)). |
جزاك الله خيرا
|
اقتباس:
|
منزلتها عند النَّبي صلَّى الله عليه وسلم كان لعائشة رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم؛ وذلك لأنَّا كانت ابنة صاحبه الأكبر أبي بكر الصِّدِّيق، وكانت أيضًا أحبَّ زوجاته إليه. وقد كان صلَّ الله عليه وسلم يظهر حبَّه لعائشة رضي الله عنها، ولا يخفيه، حتى أنَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأله فقال: ((أيُّ النَّاس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. قال: مِن الرجال؟ قال: أبوها)). وهذا الحديث فيه منقبة ظاهرة لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي أنَّا كانت أحبَّ النَّاس إلى النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم. فعمرو بن العاص رضي الله عنه، يلقي السؤال بين يدي النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم: مَن أحبُّ النَّاس إليك؟ فيُكسى هذا العموم في كلمة (الناس) كسوة الخصوصية في قلب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فيجيب: عائشة. وكم في هذا التخصيص من دلالة على منزلة أُمِّنا عند نبينا أبي القاسم صلَّ الله عليه وسلم! وكم في مبادرته بالجواب قبل البحث عن المقصود بالناس هنا، من إشارة إلى حبِّه لها صلَّ الله عليه وسلم، وكأنَّ لفظة الحبِّ إذا انصرفت، فإنما هي المقصودة رضي الله عنها! فلما قال له: فمِن الرجال؟ لم يغادر الجواب البيان الأول، فعبَّ عن الصِّدِّيق رضي الله عنه، تعبيرًا يصله بأُمِّنا الصِّدِّيقة، فقال: أبوها، ولم يقل: أبو بكر. فكأنَّ في أطواء شهادته بالحبِّ لأبي بكر شهادةً أخرى لأُمِّنا بالحبِّ، وكان في التعبير عن صِدِّيق الأمة بصفته أبًا لعائشة، وليس باسمه، ما فيه من الروعة البيانية عن منزلة أُمِّنا رضي الله عنها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء! وكان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يعلن هذا الحبَّ الشديد لأُمِّنا عائشة، كما قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي رحمه الله: (وأحبَّها حبًّا شديدًا كان يتظاهر به) .وبلغ من حبِّه لها وخوفه عليها أنَّه كان يأمرها أن تسترقي من العين، فعن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين)). وكان صلَّ الله عليه وسلم يفسح لها المجال للَّعِب، ولم يحرمها من هذه المتعة، بل إنَّه كان يفرح بلعبها، ويضحك حتى تُرى نواجذه، فعنها رضي الله عنها قالت: ((كنت ألعب بالبنات عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يَلعبنَ معي، فكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيُسَّربهنَّإليَّ فيلعبنَ معي)).وكان صلَّ الله عليه وسلم دائمً يحبُّ أن يُدخل الفرح والبهجة على قلبها، فيحملها على عاتقه؛ لتشاهد الحبشة وهم يلعبون، فعنها قالت: ((والله، لقد رأيت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم، في مسجد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثمَّ يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف . ولا يكون إطلالها على هذا المشهد الطريف، إلا وهي مسندة رأسها على كتف النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ما بين أذنه وعاتقه، وهي تطيل الوقوف، لا استزادة من النظر، بل إظهارًا لمكانتها عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فتقول أُمُّنا: ((فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: حسبك، فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمَّ قال: حسبك. فقلت: لا تعجل يارسول الله. قالت: وما بي حبُّ النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه)). |
ففي هيئة الوقوف ما فيها من حنان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وحبِّه لها، وقد كان بوسعه أن يجعلها تشاهد المشهد وحدها، بتهيئة مكان تطلُّ منه على لعب الحبشة بالحراب، وقد كان ممكنًا أن يقف إلى جوارها، دون أن يجعل من كتفه الكريم موئلً لرأسها، تستند عليه وتطلُّ على المشهد من خلاله، وقد كان ممكنًا أيضًا أن لا يقف معها حتى تنتهي- وقد أطالت- بل كان مقبولً أن يقف قليلً ثمَّ ينصرف لشأنه، وقد حمل ما حمل من أعباء الدعوة وأمر الأمة! لكن هذا الإمكان كله منفي في حقِّ الصِّدِّيقة، ففي إفساحه الوقت لها، شاهد حبٍّ لا يتلعثم، وفي إطالة الوقوف شاهد آخر، وفي هيئة الوقوف شاهدٌ ثالث، وفي احتماله إطالة الوقوف شاهد رابع، وفي رعايته لحداثة سنها، وصبره الودود، ولطفه الحاني، شاهدٌ وشاهدٌ، فهو موقف زاخر بشواهد الفضل - التي لا تنتهي - على عظيم مكانة أُمِّنا الصِّدِّيقة عند خير الخلق صلَّ الله عليه وسلم. كما كان صلَّ الله عليه وسلم يسمح لها بالترفيه عن نفسها يوم العيد، ويشاركها في مرحها، فعنها رضي الله عنها قالت: ((دخل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحَوَّل وجهه، فدخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلَّ الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وقال: دعهما. فلما غفل غمزتُما فخَرَجتا)). وكان صلَّ الله عليه وسلم من شدة حبِّه لها ينزل إلى رغباتها، ويشاركها في لعبها، فعنها رضي الله عنها: ((أنَّا كانت مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في سفرٍ، قالتْ: فسابقتُه فسبقْتُه على رجلي، فلما حمَلتُ اللحمسابقتُه فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة)). وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تطييب خاطرها، ومراعاة مشاعرها، تقول عائشة رضي الله عنها: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلَّ الحج، فلما جئنا سرِف طمثتُ، فدخل عليَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أنِّ لم أحجَّ العام. قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال: فإنَّ ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاجُّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وفي رواية أنَّه قال لها: ((فلا يضرُّكِ، فكوني في حجِّك، فعسى الله أن يرزقكيها)). فلما طهرت وطافت قالت عائشة رضي الله عنها: ((يا رسول الله، أتنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحجة؟ قال: ثم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق أن ينطلق معها إلى التنعيم، فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد أيام الحج)). وفي رواية: ((وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلً سهلً، إذا هويتْ الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع عبدالرحمن بن أبي بكر، فأهلَّت بعمرة من التنعيم)). وقد وجعتْ يومًا فقالت: ((وارأساه. فقال النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه)). قال بدر الدين الزركشي رحمه الله: (فيه إشارة للغاية في الموافقة حتى تألَّ بألمها، فكأنَّه أخبرها بصدق محبته حتى واساها في الألم). |
وقال ابن القيم: (قول النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: لما قالت عائشة: وارأساه! فقال: ((بل أنا وارأساه)) . أي: الوجع القوي بي أنا دونك، فتأسَّىْ بي فلا تشتكي، ويلوح لي فيه معنًى آخر، وهو أنَّا كانت حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، بل كانت أحبَّ النساء إليه على الإطلاق، فلمَّ اشتكت إليه رأسها، أخبرها أنَّ بمُحبِّها من الألم مثل الَّذي بها، وهذا غاية الموافقة من المحبِّ ومحبوبه؛ يتألَّ بتألمه، ويُسرُّ بسروره، حتى إذا آلمه عضو من أعضائه آلم المحبَّ ذلك العضو بعينه، وهذا من صدق المحبة وصفاء المودة. فالمعنى الأول: يُفهم أنك لا تشتكي واصبري، فبي من الوجع مثل ما بك، فتأسَّىْ بي في الصبر وعدم الشكوى. والمعنى الثاني: يُفهم إعلامها بصدق محبته لها، أي: انظري قوة محبتي لك، كيف واسيتُك في ألمك ووجع رأسك، فلِمَ تكوني متوجعة، وأنا سليم من الوجع، بل يُؤلمني ما يُؤلمك، كما يسرُّني ما يسرُّكِ، كما قيل: وإنَّ أوْلَى البرايَا أنْ تُواسِيَه *** عندَ السُّورِ الَّذي واسَاكَ في الحزنِ)) وكان صلَّ الله عليه وسلم ربَّما جلس يستمع إلى حديثها لا يملُّ منه، كما في حديث أُمِّ زرع الطويل، الَّذي حكت فيه عائشة أحوال إحدى عشرة امرأة مع أزواجهنَّ. ثم قال لها في آخره: ((كنِتُ لك كأبي زرع لأُمِّ زرع)). قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)). قال العلماء: هو تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن عشرته إياها، ومعناه أنا لك كأبي زرع )). وكان صلَّ الله عليه وسلم يتبادل معها أطراف الحديث بعد الفراغ من تهجُّده صلَّ الله عليه وسلم، قالت رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر، فإن كنتُ مستيقظة تحدَّث معي، وإلا اضطجع حتى يؤذَّن بالصلاة))وفي رواية: ((اضطجع على شِقِّه الأيمن)). وكذلك في أسفاره كان يتجاذب معها الحديث خاصة إذا جنَّ الليل، فعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث. وكان يُدنيها منه صلَّ الله عليه وسلم، ويبسط عليها من حنانه ورحمته، ويُترجم قوله إلى فعل شريف، تأنس به أُمُّنا رضي الله عنها، فيتتبع مواضع طعامها وشرابها ليشرب منه، فتقول رضي الله عنها: ((كنت أشرب وأنا حائض، ثم أُناوله النبي ص لىالله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّق العَرْق، وأنا حائض، ثم أُناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ)). ويلطف لها الخطاب، فيقول صلَّ الله عليه وسلم: ((إنِّ لأعلم إذا كنت عني راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى. فتقول رضي الله عنها: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنتِ عنِّي راضيةً، فإنَّك تقولين: لا، وربِّ محمدٍ، وإذا كنت عليَّ غضبى، قلت: لا، وربِّ إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك)).. فبادلته حبًّا بحبٍّ ولطفًا بلطف، صلَّ الله عليه وسلم. ويوم أن همَّ بها والدها الصِّدِّيق رضي الله عنه حين سماع ارتفاع صوتها، وهي تتحدَّث مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيتهما، فتناولها ليلطمها، وقال: ((ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم - وفي رواية: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم - فجعل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النَّبي صلَّ الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر أيامًا ثمَّ استأذن على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، -وفي رواية: فسمع تضاحكهما-، فقال: لهما أدخلاني في سِلمكما، كما أدخلتماني في حربكما. فقال النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: قد فعلنا قد فعلنا)). فقد قطع عنها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم ما يؤذيها، ولو من والدها حميةً لها،وجعل يترضَّاها ويُلاطفها تطييبًا لخاطرها، وإسعادًا لنفسها، وفي هذا ما فيه من حبِّه لها رضي الله عنها. ولم يكن يرضى بأن ينالها أمرٌ ولو من أبيها رضي الله عنه، فعن عائشة: ((أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم استعذر أبا بكر عن عائشة، ولم يظنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها، فرفع أبو بكر يده فلطمها، وصكَّ في صدرها، فوجد من ذلك النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وقال: يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبدًا)). ومن دلائل هذه المحبة أيضًا ما جرى في قصة التخيير، تقول عائشة: ((لمَّ أُمر رسول الله صلَّ الله عليه وسلم بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: إنِّ ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد علم أنَّ أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه...)). قال القرطبي: (العلماء: وأمَّا أمر النبَّي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تشاور أبويها؛ لأنَّه كان يحبُّها، وكان يخاف أن يحملها فرط الشباب على أن تختار فراقه، ويعلم من أبويها أنَّما لا يُشيران عليها بفراقه). |
وظلَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم متمسِّكًا بحُبِّها حتى فارق الدنيا، فقد اختار صلَّ الله عليه وسلم أن يُمرَّض في بيتها، وتُوُفِّ بين سَحْرها ونَحْرها، ودُفنِ في بيتها رضي الله عنها . وقد سرى ضياء هذا الحب النبوي لأُمِّنا الصِّدِّيقة رضي الله عنها في جنبات الكون، وجاوز الأفق، فنالت الثناء الحسن والذكر الجميل، وعُوملت بالإجلال الَّذي يليق بمكانتها. وقد كان صحابة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم على عِلمٍ بحبِّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لزوجه عائشة، بل كانوا يتحيَّنون بهديتهم له صلَّ الله عليه وسلم اليوم الَّذي يكون فيه عندها، فقد صحَّ عنها رضي الله عنها أنَّا قالت: ((إنَّ نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كن حِزبين؛ فحزب فيه عائشة وحفصة وسودة، والحزب الآخر أُمُّ سلمةوسائر نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حُبَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، أخَّرها حتى إذا كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلَّمَ حزبُ أُمِّ سلمة أمَّ سلمة فقلن لها: كلِّمي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يكلِّم الناس، فيقول: من أراد أن يُدي إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه، فكلَّمَتْه أُمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: فكلِّميه. قالت: فكلَّمَتْه حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: كلِّميه حتى يكلِّمك. فدار إليها فكلَّمْته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإنَّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأةٍ، إلا عائشة، قالت: فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثمَّ إنَّنَّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم تقول: إنَّ نساءك ينشدنك اللهالعدل في بنت أبي بكر، فكلَّمَتْه فقال: يا بنية، ألا تُحِبِّين ما أُحبُّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنَّ، فأخبرتهنَّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلنَ زينب بنت جحش، فأتته، فأغلظت، وقالت: إنَّ نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبَّتها، حتى إنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة، هل تكلَّم، قال: فتكلَّمَتْ عائشة تردُّ على زينب حتى أسكتتها، قالت: فنظر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إلى عائشة، وقال: إنَّا بنت أبي بكرٍ)). وكما علم الصحابة بهذا الحبِّ فقد كان نساء النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يعرفونه، ومن دلائل ذلك ما جاء من حديث أبي قيس في شأن القُبلة للصائم قال: ((أرسلني عبد الله بن عمرو إلى أُمِّ سلمة أسألها، هل كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل لها: إنَّ عائشة تخبر النَّاس أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يُقَبِّل وهو صائم، قال: فسألها: أكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم؟ قالت: لا. قلتُ: إنَّ عائشة تخبر النَّاس أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يُقَبِّل وهو صائم. قالت: لعلَّه إياها كان لا يتمالك عنها حبًّا، أمَّا إيَّاي فلا)). وعن عمر رضي الله عنه أنَّه ((دخل على حفصة، فقال: يا بنيَّة، لا يغرنَّكِ هذه التي أعجبها حسنها حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاها. يريد عائشة، فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسَّم)) وقد ترجم له البخاري (باب حبِّ الرجل بعض نسائه أفضل من بعض). وبلغ من علمهم بشدة محبة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لها أن صار شأنها شفيعًا عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فهذه أُمُّنا سودة رضي الله عنها، عندما حاك في صدرها هاجسٌ ما، وخشيت أن لا تقوم بحقِّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عليها في أمور البيت والزوجية، ولم يكن بها حاجة للرجال، وخشيت فراق النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لها، تترك يومها الَّذي هو لها لأُمِّنا الصِّدِّيقة، ولم تذهب لزوجة أخرى من زوجات نبينا صلَّ الله عليه وسلم؛ لعلمها بالمحل الأسنى لأُمِّنا الصِّدِّيقة، والذي لا يشاركها فيه أحد. وشواهد هذا الفضل لا تنتهي، حتى صارت أُمُّنا عَلمً على سموِّ القدر، وشرف المنزلة عند الله، وعند رسوله صلَّ الله عليه وسلم، حتى كان مسروق رحمه الله إذا حدث عنها، يقول: (حدَّثتني المبرَّأة المصدَّقة بنت الصِّدِّيق، حبيبة حبيب الله) . |
عائشة والأيام الأخيرة من حياة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم ما أشدَّ لحظات الفراق، وما أصعبها على النفس، لولا الصبر والرضا بقضاء الله عزَّ وجلَّ، وها هي عائشة رضي الله عنها تعيش اللحظات الأخيرة من حياة حبيبها صلَّ الله عليه وسلم، بينما لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة. وكان ابتداء المرض برسول الله صلَّ الله عليه وسلم بوجع في رأسه؛ إذ دخل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم على عائشة فقالت: (( وارأساه، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه)). ومنذ ذلك الحين ابتدأ به صلَّى الله عليه وسلم وجعه، وكان وجعًا في رأسه الكريم، وكان أكثر ما يعتريه صلَّ الله عليه وسلم الصداع، فجعل مع هذا يدور على نسائه، فما أن اشتدَّ به بالمرض حتى أخذ يسأل: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ استبطاءً ليوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. تقول عائشة رضي الله عنها: ((لما ثَقُل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم واشتدَّ به وجعه، استأذن أزواجه أن يُمرَّض في بيتي، فأذِنَّ له، فخرج وهو بين الرجلين تخطُّ رجلاه في الأرض؛ بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الَّذي لم تُسَمِّ عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب. وكانت عائشة زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم تُحدِّث أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: هَرِيقواعليَّ من سَبْع قِرَب لم تُلل أَوْكِيتهنَّلعلِّي أعهد إلى الناس، فأجلسناه في مِخْضبلحفصة زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ثمَّ طَفِقنا نَصُبُّ عليه من تلك القِرَب حتى طَفِق يشير إلينا بيده أن قد فعلتنَّ، قالت: ثمَّ خرج إلى النَّاس فصلَّى بهم وخطبهم)). وربما يفهم البعض أنَّ سبب رغبته صلَّ الله عليه وسلم في التمريض في بيت عائشة رضي الله عنها هو حبُّه لها وهو حقٌّ، ولكن لما خصَّ الله سبحانه وتعالى السيدة عائشة رضي الله عنها بكثير من الفضائل والمزايا الفطرية، ووهبها حظًّا وافرًا من كمال العقل، وقوة الذاكرة، وسرعة الفهم، والذكاء المتوقِّد، والبديهة الواعية، وقدرة التحصيل، والإحاطة بكلِّ ما يقع في متناول ذهنها، ومَلَكة في الاستنباط والاستخراج، وقوة نادرة للاجتهاد، إذًا فلا غرابة أن يكون غرض الرسول صلَّ الله عليه وسلم من التمريض في بيت عائشة، والاستقرار فيه - أن تقوم عائشة بحفظ كلِّ الأقوال والأفعال الصادرة من النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة. والحقُّ الَّذي لا مِراء فيه أنَّ المسلمين قد عرفوا الكثير من أمر نبيِّهم وأمر دينهم، وأحواله صلَّ الله عليه وسلم عند الاحتضار، من أحاديث عائشة عن زوجها المحبوب عليه الصلاة والسلام. قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يقول في مرضه الَّذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجِد ألم الطعام الَّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أَبْهَريمن ذلك السُّمِّ)). |
واشتدَّ المرض بالنَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم على مرِّ الأيام، حتى لم يسعه أن يصلِّ بالناس في المسجد، وكانت هناك أدعية كان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إذا مرض نفث بها على نفسه، فعائشة رضي الله عنها كذلك كانت تنفث عليه بتلك المعوذات والأدعية، وتمسح بيده، وكان النَّاس عكوفًا ينتظرون النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في المسجد لصلاة الصبح، فكلما ذهب لينوء أُغمي عليه، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. قالت عائشة: يا رسول الله، إنَّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم النَّاس بأوَّل من يقوم في مقام رسول الله صلَّ الله عليه وسلم. قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثًا، فقال: ليصلِّ بالناس أبو بكر، فإنكنَّ صواحب يوسف)). وكان صلَّ الله عليه وسلم قد ترك شيئًا من الذهب عند عائشة رضي الله عنها قبل مرضه الَّذي مات فيه، فتذكَّره في مرضه، فقال لعائشة: ((يا عائشة، ما فعلتِ بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يُقلِّبها بيده، ويقول: ما ظنُّ محمد بالله عزَّ وجلَّ لو لقيه وهذه عنده، أنفقيها)) وحانت اللحظة الأخيرة من حياة سيد المرسلين صلَّ الله عليه وسلم، وكانت عائشة مسندة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، تقول: ((دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السِّواك، وأنا مسندة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فرأيتُه ينظر إليه، وعرَفت أنَّه يحبُّ السِّواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتدَّ عليه، وقلت: أُليِّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلَيَّنته، فأمَرَّه، وفي رواية: فاستنَّ بها كأحسن ما رأيته مستنًّا قط)). وكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُعَوِّذ بهذه الكلمات:(( اللهم ربَّ النَّاس، أذهب الباس، واشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمً)). تقول عائشة: ((ثقل في مرضه الَّذي مات فيه، أخذت بيده، فجعلتُ أمسحه بها وأقولها، فنزع يده من يدي، وقال: اللهم اغفر لي، وألحقني بالرفيق الأعلى. قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه )). وكانت رضي الله عنها تقول: ((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنَّه لم يُقبَض نبيٌّ قطُّ حتى يُرى مقعده من الجنة، ثمَّ يحيا أو يُيَّ. فلما اشتكى وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غُشي عليه، فلما أفاق شَخَص بصرهنحو سقف البيت، ثمَّ قال: اللهمَّ في الرفيق الأعلى. فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرَفت أنَّه الحديث الَّذي كان يُدِّثنا وهو صحيح )) وقالت: مات النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم، وإنَّه لبين حاقِنَتِي وذاقِنَتِي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النَّبي صلَّ الله عليه وسلم. ومما لا شكَّ فيه أنَّ من أعظم الفضائل، وأهمِّ المناقب للسيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ حجرتها الشريفة كانت المسكن الأخير للنبي صلَّ الله عليه وسلم، ومكان دفنه ووفاته؛ لذا كانت عائشة رضي الله عنها تعتزُّ وتفتخر بما نالت من هذه الفضيلة والكرامة، وتقول: (إنَّ من نِعم الله تعالى عليَّ أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم تُوُفِّ في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونَحْري، وأنَّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته) . |
عائشة بعد وفاة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صدمة كبيرة للمسلمين، وتحكي عائشة رضي الله عنها هذه اللحظات الحرجة، حينما وصل نبأ موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صحابته، وكيف ثبَّت الله أبا بكر رضي الله عنه، مع شدة وقع المصيبة عليه، إذ مات صاحبه، وأحبُّ الخلق إليه، فأخذ أبو بكر بأيدي المسلمين ليمرُّوا بهذه المرحلة الصعبة، وتحكي لنا عائشة رضي الله عنها ما دار بين المسلمين، حتى اجتمعوا على أبي بكر، ونصبوه خليفة للمسلمين. تقول رضي الله عنها: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح - قال إسماعيل: يعني بالعالية - فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله، قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده، لا يذيقنَّك الله الموتتين أبدًا. ثم خرج فقال: أيُّا الحالف على رسلك. فلمَّ تكلَّم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت. وقال: ﴿إنِكَّ مَيّت وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾(آل عمران: 14) . وقال: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إلِّاَ رَسُول قدَ خَلتَ منِ قبَلۡهِ ٱلرُّسُلُ فإَيِنْ مَّاتَ او قُتلِ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَٰٓلىَ أعۡقَبٰكِمۚۡ وَمَن ينَقَلبِ عَٰلىَ عَقِبَيۡه فَلَن يضَرُّ ٱلَّلَه شَيۡئا وَسَيَجۡزِي ٱلَّلُه ٱلشَّٰكِرِينَ) (آل عمران: 144) فنشج الناس يبكون . وفي رواية: ((أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يُكلِّم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشًّى بثوب حِبَة ، فكشف عن وجهه، ثمَّ أكبَّ عليه فقبَّله وبكى، ثمَّ قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أمَّا الموتة التي كُتبت عليك فقد متَّها. قال الزُّهري: حدَّثني أبو سلمة، عن عبد الله بن عباس: أنَّ أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يُكلِّم الناس، فقال: اجلس يا عمر. فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أمَّا بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت. قال الله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إلِّاَ رَسُول قدَ خَلتَ منِ قبَلۡهِ ٱلرُّسُلُ فإَيِنْ مَّاتَ او قُتلِ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَٰٓلىَ أعۡقَبٰكِمۚۡ وَمَن ينَقَلبِ عَٰلىَ عَقِبَيۡه فَلَن يضَرُّ ٱلَّلَه شَيۡئا وَسَيَجۡزِي ٱلَّلُه ٱلشَّٰكِرِينَ)(آل عمران: 144) . وقال: والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أنَّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقَّاها منه الناس كلُّهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها)) بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منَّا أمير ومنكم أمير.، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح،. فذهب عمر يتكلَّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلَّ أنِّ قد هيَّأت كلامًا قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلَّم أبو بكر فتكلَّم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حُباب بن المنذر: لا والله، لا نفعل، منَّا أمير، ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنَّا الأمراء، وأنتم الوزارء، هم أوسط العرب دارًا، وأعربهم أحسابًا، فبايِعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيِّدنا، وخيرنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس)).118 |
عائشة في عهد أبي بكر تولَّ أبو بكر رضي الله عنه الخلافة بعد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، بعد مبايعة أصحاب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم له. ولزمت السيدة بعد وفاة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم حُجرتها، تُعزِّي نفسها بجواره صلَّ الله عليه وسلم. ولم يظهر للناس دورها العلمي الَّذي قامت بعد ذلك به ظهورًا بارزًا؛ نظرًا لحداثة العهد بالنبي صلَّ الله عليه وسلم، وفداحة المصيبة بموته صلَّ الله عليه وسلم، مع انشغال النَّاس بحروب الرِّدة. لكن مع ذلك لما أراد أزواج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أن يرسلنَ عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنَّ من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قالت السيدة لهنَّ: ((أوليس قد قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة )). وكان أبو بكر رضي الله عنه يرجع إلى عائشة في الأمور الشرعية التي تخفى عليه، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة قالت: ((دخلت على أبي بكر فقال: في كم كفنتم النَّبي صلَّ الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سَحوليَّة ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أيِّ يوم تُوُفِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال: فأيُّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين)). وكانت رضي الله عنها تقوم بدورها في إجابة المستفتين في عهد أبي بكر، فيقول محمد بن أبي بكر : (كانت عائشة قد استقلَّت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلمَّ جرًّا، إلى أن ماتت، يرحمها الله) ولم تطل خلافة الصِّدِّيق؛ فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أشهر، وعشر ليال. وامتدَّ المرض بأبي بكر خمسة عشر يومًا، والناس يعودونه، والسيدة تُشرف على تمريضه، وأثناء ذلك كانت تُعَزِّي نفسها؛ فتتمثَّل ببعض الأشعار، فيُنبِّهها رضي الله عنه، وهو في سياقة الموت، لتستبدلها بالآيات القرآنية، ولما حضرته الوفاة قالت رضي الله عنها كلمة من قول حاتم: لعَمْرك ما يُغني الثَّراءُ عن الفتَى *** إذا حَشْرَجتْ يومًا وضاق بها الصَّدرُ فقال: لا تقولي هكذا يا بُنيَّة، ولكن قولي: ﴿ وَجَاءٓتَ سَكۡرَة ٱلمۡوۡتِ بٱِلۡحقَۖ ذَلٰكِ مَاكُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ﴾. وأوصى أبو بكر عائشة رضي الله عنهما أن يُدفَن إلى جنب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فلما تُوُفِّ حُفِر له في حجرة السيدة، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وأُلصق اللَّحْد بقبر رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ، وجُعل قبر أبي بكر مثل قبر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم مسطَّحًا، ورُشَّ عليه الماء. واختار أبو بكر من بين أولاده ابنته عائشة؛ لتتولَّ تنفيذ وصيته، ومنها قوله لها: قد كنت نحلتك حائطًا - بستانًا- وإنَّ في نفسي منه شيئًا، فرُدِّيه إلى الميراث. قالت: نعم، فرددته، فقال: أما إنَّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارًا ولادرهمًا، ولكنَّا قد أكلنا من جَريشطعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير النَّاضِح ، وجَرْد هذه القطيفة، فإذا متُّ فابعثي بهنَّ إلى عمر،وأبرئي منهنَّ. ففعلت. فلما جاء الرسولُ عمرَ بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض، ويقول: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده؛ رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده |
عائشة في عهد عمر بدأت تظهر المكانة العلمية الكبرى لعائشة رضي الله عنها في عهد عمر رضي الله عنه، وكان عمر وغيره من كبار الصحابة إذا أشكل عليهم أمر من الأمور، لاسيما ما يتعلَّق بشؤون الإنسان الخاصة، يسألون عنه أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها. فعن محمود بن لَبيد قال: (كان أزواج النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يحفظن من حديث النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كثيرًا، ولا مثلً لعائشة وأُمِّ سلمة، وكانت عائشة تُفتي في عهد عمر وعثمان إلى أن ماتت يرحمها الله، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، عمر وعثمان بعده، يرسلان إليها فيسألانها عن السنن). وكان عمر رضي الله عنه شديد الاهتمام بأُمَّهات المؤمنين ، كثير التفقُّد لأحوالهنَّ. ولما قسم خيبر خيَّ أزواج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم بين أن يقْطَع لهنَّ من الأرض، أو يضمن لهنَّ المائة وسق كلَّ عام. وكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأوسق. وقد بلغ من شدة اهتمامه بهنَّ، وحرصه عليهنَّ، وتعظيمه لمقامهنَّ، أنَّنَّ لما استأذنَّه بالحج أرسل معهنَّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وأمرهما أن يسير أحدهما بين أيديهنَّ والآخر خلفهنَّ، ولا يسايرهنَّ أحد، وقال: (فإذا نزلن فأنزلوهنَّ شِعبًا، ثمَّ كونا على باب الشعب، لا يدخلنَّ عليهنَّ أحد. ثمَّ أمرهما إذا طفن في البيت ألَّايطوف معهنَّ أحد إلا النساء). وعن عروة قال: قالت عائشة: (كان عمر بن الخطاب يبعث إلينا بأحظائنا من الأكارع، والرؤوس). وكان لعائشة رضي الله عنها عند عمر رضي الله عنه مزيد خصوصية، فقد فرض لأُمَّهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: (إنَّا حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم). وأيضًا قدم دُرْج من العراق فيه جوهر إلى عمر، فقال لأصحابه: (تدرون ما ثمنه؟ قالوا: لا. ولم يدروا كيف يقسمونه، فقال: أتأذنون أن أُرسل به إلى عائشة؛ لحبِّ رسول الله إياها؟ قالوا: نعم. فبعث به إليها، فقالت: ماذا فتح الله على ابن الخطاب بعد رسول الله، اللهمَّ لا تُبقني لعطيته لقابل). وكانت عائشة رضي الله عنها تهاب عمر وتُلُّه. وفي مسندها عدد من الأحاديث ترويها عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في فضائله ومناقبه. ولما أرسل عمر رضي الله عنه ولده عبد الله إلى عائشة رضي الله عنها بعدما طُعِن؛ ليستأذنها في أن يُدفن بجانب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وأبي بكر، آثرته على نفسها وأذِنت له، وقالت:(كنت أريده لنفسي، فلأوثرنَّه اليوم على نفسي) . وتأمَّل أدب عمر مع أُمِّ المؤمنين رغم أنَّه على فراش الموت، يقول لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشة أُمِّ المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه). فسلَّم واستأذن، ثمَّ دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يُدفن مع صاحبيه. فقالت: كنتُ أريده لنفسي، ولأُوثرنَّ به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمرقد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه،لا فقال: ما لديك؟ قال: الَّذي تحبُّ يا أمير المؤمنين أذِنَتْ، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قَضَيت فاحملوني، ثمَّ سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنَتْ لي فأدخلوني، وإن ردَّتني رُدُّوني إلى مقابر المسلمين. |
عائشة في عهد عثمان اتسعت رقعة الدولة المسلمة في عهد عثمان رضي الله عنه، ودخلت في الإسلام أُمم وشعوب كثيرة، وكثرت حاجة النَّاس إلى علم أُمِّ المؤمنين وفقهها، فقصدوها من كلِّ حَدَب وصَوْب ؛ لذا زادت المكانة العلمية لعائشة رضي الله عنها في خلافة عثمان رضي الله عنه. ولم يكن عثمان رضي الله عنه أقلَّ من عمر عناية بأُمَّهات المؤمنين، ورعاية لهنَّ، واهتمامًا بشؤونهنَّ، فقد حجَّ بأُمَّهات المؤمنين، فصنع بهنَّ كما صنع عمر، فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه، وجعل في موضع نفسه الصحابي الجليل سعيد ابن زيد، هذا في مؤخَّر القطار وهذا في مقدَّمه. ولا شك أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت من أعرف النَّاس بفضائل عثمان، ومناقبه، ومكانته عند رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وقد انفردت برواية عدة أحاديث عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في فضائله ومناقبه، مما يدلُّ دلالة قاطعة على تقديرها له. وعائشة رضي الله عنها هي التي روت أيضًا حديث وصية النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لعثمان؛ لكي لا يتنازل عن الخلافة إن وليها، مهما طلبوا منه ذلك، فقالت: ((قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: يا عثمان، إنْ ولَّك الله هذا الأمر يومًا، فأرادك المنافقون على أن تخلع قميصك الَّذي قمَّصكالله، فلا تخلعه. يقول ذلك ثلاث مرات، قال النعمان بن بشير))): فقلت لعائشة: ما منعك أن تُعلمي النَّاس بهذا؟ قالت: أُنسيته)). وروت أيضًا أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قال في مرضه: ((وددتُ أنَّ عندي بعض أصحابي. قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم. فجاء فخَلَ به، فجعل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يُكلِّمه، ووَجْه عثمان يتغيَّ، قال قيس بن أبي حازمراوي الحديث عن عائشة: فحدَّثني أبو سهلة مولى عثمان، أنَّ عثمان بن عفان قال يوم الدار: إنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم عهد إليَّ عهدًا، فأنا صائر إليه، وفي رواية: فأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يَرَوْنه ذلك اليوم)). وظلَّت السيدة عائشة على مودتها لعثمان وتقديرها له، إلى أن قُتِل رضي الله عنه شهيدًا، فكانت رضي الله عنها أوَّل من طالب بدمه، والاقتصاص من ***ته والثائرين عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله، كما أنَّ عثمان ظلَّ أيضًا على محبته وتقديره، ورعايته وتكريمه لعائشة وبقية أُمَّهات المؤمنين، إلى آخر حياته رضي الله عنه. وكان الثائرون والغوغاءقد غلبوا على المدينة المنورة، وقد بلغت بهم الوقاحة أن اعتدوا على أُمِّ المؤمنين أُمِّ حبيبة رضي الله عنها، عندما حاولت إيصال الماء إلى عثمان، وهو محصور في بيته، بعد أن منعوا عنه الماء، فجاءت راكبة على بغلة، فقطعوا حزام البغلة، ونَدَّت بها، وكادت أن تسقط عنها، وكادت تُقْتل لولا تلاحق بها النَّاس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير جدًّا، ولما وقع هذا أعظمه النَّاس جدًّا، ولزم أكثر النَّاس بيوتهم، ولما جاء وقت الحج خرجت أُمُّ المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحجِّ، فقيل لها: (إنَّك لو أقمت كان أصلح، لعلَّ هؤلاء القوم يهابونك. فقالت: إنِّ أخشى أن أُشير عليهم برأيي، فينالني منهم من الأذيَّة ما نال أُمَّ حبيبة). وعلمت السيدة بم*** عثمان، وهي في طريق العودة إلى المدينة، فرجعت إلى مكة، وهي لا تقول شيئًا، حتى نزلت على باب المسجد، وقصدت للحِجر فسترت فيه، واجتمع النَّاس إليها، فقالت: (يا أيها الناس، إنَّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا، أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإِرْب ، واستعمال من حدثت سِنُّه، وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحِمى حماها لهم، وهي أمور قد سُبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحًا لهم، فلمَّ لم يجدوا حجةً ولا عذرًا، خلجواوبادَروا بالعدوان، ونبافعلهم عن قولهم، فسفكوا الدم الحرام، واستحلُّوا البلد الحرام، وأخذوا المال الحرام، واستحلُّوا الشهر الحرام، والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، ووالله لو أنَّ الَّذي اعتدوا به عليه كان ذنبًا، لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب). هذه هي أوَّل خطب السيدة بعد *** عثمان، وهي تدلُّ على تقديرها لعثمان، وبراءتها من كلِّ ما نُسب إليها من تُم تأليب النَّاس عليه. نعم كانت أحيانًا تُبدي بعض الآراء التي تخالف رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك من باب النصيحة، فكانت تنصح باعتبارها أُمًّا للمؤمنين، ممتثلة لقول النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) . وكلٌّ منهما مجتهد يريد الحقَّ، وأجره يدور ما بين الأجر والأجرين. |
عائشة في عهد علي تولَّ علي رضي الله عنه الخلافة بعد م*** عثمان رضي الله عنه، ولم يكن بينه وبين عائشة رضي الله عنها قبل تولِّيه الخلافة ما يدعوها إلى مخالفته، والخروج عليه، بل كانت علاقتها معه قائمة على المودة والتقدير، ولا شكَّ أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أعرف النَّاس بمقام أُمِّ المؤمنين، ومكانتها العالية عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وهي أيضًا تعرف لعليٍّ رضي الله عنه مكانته وقدره عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وقرابته منه، ومصاهرته له، وفضله، وجهاده، وشجاعته، وسابقته. وكانت ترى أنَّه أولى النَّاس بالخلافة بعد عثمان رضي الله عنه، فقد أخرج الطبري عن الأحنف بن قيس قال: (حججنا، فإذا النَّاس مجتمعون في وسط المسجد - يعني النبوي - فلقيت طلحةوالزبير، فقلت: إنِّي لا أرى هذا الرجل - يعني عثمان - إلا مقتولً، فمن تأمراني به؟ قالا: عليٌّ. فقدمنا مكة، فلقيت عائشة، وقد بلغنا *** عثمان، فقلت لها: مَن تأمريني به؟ قالت: علي. قال: فرجعنا إلى المدينة فبايعت عليًّا، ورجعت إلى البصرة). ولما بُويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة لم يتغيَّ قلب السيدة عليه، بل كانت ثابتة على موقفها منه رضي الله عنه، ناصحة بمبايعته، أخرج ابن أبي شيبةبسند جيد، عن عبد الرحمن بن أبزىقال: (انتهى عبد الله بن بُدَيْل ابن وَرْقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل، وهي في الهَودج، فقال: يا أُمَّ المؤمنين، أتعلمين أنِّي أتيتك عندما قُتل عثمان، فقلت: ما تأمريني؟ فقلتِ: الزم عليًّا. فسكتت) . وقد جرى بينها وبين علي رضي الله عنه شيءٌ من الخلاف في شأن قَتَلة عثمان، كالخلاف الَّذي جرى بين طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة مع عليٍّ ومن معه، رضي الله عنهم أجمعين، مع بقاء الودِّ، ومعرفة الفضل بينهم، وسيأتي تفصيل الكلام عن هذا الشأن عند الحديث عن موقعة الجمل، وما دار بين عائشة وعليٍّ رضي الله عنهما، وما تعلَّق به الروافض من شبهات حول هذا الأمر . وقد نبتت نابتة الخوارج في خلافة علي رضي الله عنه، فكان لها موقف حازم منهم ومن انحرافهم، فقد كان أهل العراق ومصر يسُبُّون عثمان رضي الله عنه، وأهل الشام يسُبُّون عليًّا، أما الخوارج فيسبونهما، فلما أُخبِت عائشة بذلك قالت: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم). قال الإمام النووي: قولها: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم) قال القاضي: الظاهر أنَّا قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في عليٍّ ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا . وكانت الخوارج لما اعتزلوا عليًّا رضي الله عنه نزلوا بحروراء ، لذا سُمُّوا حروريَّة. وجاءت امرأة إليها تسألها: أَتَجْزِي إحدانا صلاتها إذا طَهُرَتْ؟ فقالتْ: أحَروريَّة أنتِ؟ كنا نَحِيضُ مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فلايأمرنا به، أَو قالتْ: فلا نفعله. فدلَّ قولها: (أحروريَّة أنت). على أنَّا كانت تكره هذه الفرقة، وتنكر عليها، وتراها طائفة خارجة عن السنة. |
معلومات لطيفة.
|
اقتباس:
بارك لله فيك |
عائشة في عهد معاوية تأثَّرت السيدة عائشة رضي الله عنها بيوم الجمل كثيرًا، وكان بالنسبة لها بشكل خاص مأساة مروعة، أُصيبت فيه بخيبة أملٍ مريرةٍ، فقد خرجت تسعى لرأب صدع الأمة وإصلاحه، فازداد الصدع، واتسع الخرق، واجتلد المسلمون أمام عينها، وسفكوا دماء بعضهم بين يديها. فلزمت السيدة حجرتها، وانقطعت للعبادة، وقسَّمت ليلها ونهارها بين: صلاة، وصيام، واستغفار، وصدقات، ونشر علم، وبيان سنة. ولم تكن علاقة السيدة مع معاوية كما كانت مع الخلفاء الراشدين، إلَّ أنَّه أيضًا لم يكن بينهما قبل تولِّيه الخلافة ما يعكِّر صفو العلاقة بينهما، بل كان معاوية وغيره من الصحابة يُجِلُّون أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل كان متفقًا مع عائشة رضي الله نهما في الرأي حول المطالبة بدم عثمان. ورغم أنَّ معاوية رضي الله عنه حرص حرصًا شديدًا على أن يُحسِّن علاقته مع عائشة رضي الله عنها بعد تولِّيه الخلافة، فقد حدثت عدة حوادث استوجبت تعكيرالعلاقة بينهما: - منها: *** أخيها محمد بن أبي بكر سنة ثمان وثلاثين في مصر، وقد كان واليًا عليٍّ رضي الله عنه عليها، فثار عليه الموالون لمعاوية، بزعامة معاوية بن حُدَيْج لسَّكُونِّى، وأمدَّهم معاوية بجيش كثيف، بقيادة عمرو بن العاص، فهُزم جيش محمد بن أبي بكر، ووقع أسيرًا في يد معاوية بن حديج، ف***ه، ثمَّ ألقاه في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ عائشة م***ه جزعت عليه جزعًا شديدًا، وقنتت في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو، ثمَّ قبضت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكرفي عيالها. ومع ما حدث من معاوية بن حُدَيج من *** أخيها، إلا أنَّ ذلك لم يمنعها من أن تثني عليه، حين بلغها حُسن معاملته لرعيته، فقد سألت عبد الرحمن بن شُماسة لما لما دخل عليها: ((ممن أنت؟ قال: رجل من أهل مصر. فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئًا، إن كان ليموت للرجل منَّا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنَّه لا يمنعني الَّذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي، أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهمَّ من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به. وقد قام معاوية بزيارتها؛ حرصًا منه على تحسين العلاقة التي ساءت بينهما على إثر *** أخيها محمد بن أبي بكر، فكانت تعظه وتنصحه. - ومنها: منع مروان بن الحكم وكان واليًا على المدينة مِن قِبَل معاوية أن يدفن الحسن بن عليرضي الله عنهما في الحجرة الشريفة، بعد أن أذنت أُمُّ المؤمنين عائشة بذلك. - ومنها: ما حدث بين عائشة رضي الله عنها ومروان بن الحكم، عندما أراد معاوية رضي الله عنه أن يستخلف ولده يزيد، وأن يستوثق له في ذلك، فكتب إلى مروان عامله على الحجاز، فجمع مروان الناس، فخطبهم، فذكر يزيد، ودعا إلى بيعته، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر:(أجئتم بها هِرَقليَّة تبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: خذوه. فدخل بيت عائشة، فلم يقدِروا عليه، فقال مروان: إنَّ هذا الَّذي أنزل الله فيه: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَلَٰدِيۡهِ أفّٖ لَّكُمَا أتعِدَاننِىِٓ..) فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري. |
وكان معاوية يسترضيها، ويجزل لها العطايا، يقول عروة: (ما كانت عائشة تستجدُّ ثوبًا حتى تُرقع ثوبها وتنكسه، ولقد جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلَّ اشتريتِ لنا منه لحمً بدرهم؟ قالت: لو ذكَّرتيني لفعلتُ). وكان يُراسلها مستنصحًا؛ فقد كتب إليها: (أن اكتبي إليَّ كتابًا ولا تُكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد؛ فإنِّ سمعت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول: ((من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء النَّاس بسخط الله، وكَلَه الله إلى الناس)). والسلام عليك). ولم نجد شيئًا يدلُّ على معارضتها تولِّ معاوية الخلافة، ولكن مع ذلك فقد أنكرت عليه بعض تصرفاته، واشتدَّ نكيرها عليه لما *** حُجْر بن عديٍّ . وقد امتدَّت مدة حكم معاوية عشرين سنة، عاشت منها عائشة رضي الله عنها ثماني عشرة سنة، وتُوُفِّيت قبل انتهاء حكمه بسنتين. |
وفاة عائشة رضي الله عنها و ضريح الموت أُمَّنا الصِّدِّيقة رضي الله عنها، بعد أن أقعدها المرض، إنَّه مرض الموت، وتعلم رضي الله عنها أنَّه الرحيل، فتقول في تواضع الخاشعين- وكانت تُدِّث نفسها أن تُدفَن في بيتها-: (إنِّ أَحْدثت بعد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم حدثًا، ادفنوني مع أزواجه). وتعني بذلك أمر الجمل، وتأوُّلها رضي الله عنها للأمر؛ لذا أوصت عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما: (لا تدفنِّي معهم، وادفنِّي مع صواحبي بالبقيع، لا أُزكَّى به أبدًا). وقد زارها بعض الصحابة في مرض موتها، فعن ابن أبي مليكة: أنَّ ابن عباس استأذن عليها وهي مغلوبة فقالت: (أخشى أن يُثني عليَّ. فقيل: ابن عم رسول الله صلَّ الله عليه وآله وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له. فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيت. قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلَّ الله عليه وآله وسلم، ولم يتزوَّج بكِرًا غيرك، ونزل عُذرك من السماء. فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس، وأثنى عليَّ، وودِدت أنِّ كنت نسيًا منسيًّا. وفي رواية: (استأذن ابن عباس على عائشة في مرضها الذي ماتت فيه، فأبت أن تأذن له، فلم يزل بها حتى أذنت له، فسمعها وهي تقول: أعوذ بالله من النار. قال: يا أُمَّ المؤمنين، إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعاذك من النار، كنت أول امرأة نزل عُذرها من السماء) وفي رواية: (أنَّ عائشة اشتكت، فجاء ابن عباس فقال: يا أُمَّ المؤمنين، تَقدَمين على فَرَط صِدق، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر). وهذا البيان المضيء الَّذي شهد به ابن عباس رضي الله عنهما، وهو من آل البيت، ومن أعلم الصحابة، يُتوِّج به هذه الحياة الحافلة، وينطق بلسان كلِّ مؤمن في هذه الأُمَّة المباركة، من لدن الصحب الكرام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. مرضت رضي الله عنها، وكانت إذا سُئِلت كيف أصبحتِ؟ قالت: (صالحة، الحمد لله) وكان من يعودها يبشِّها، فتردُّ عليه قائلة: (يا ليتني كنت حجرًا، يا ليتني كنت مَدَرة). وتُوُفِّيت أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالمدينة النبوية، ليلة الثلاثاء، السابع عشر من رمضان من السنة الثامنة -وقيل السابعة، وقيل التاسعة- والخمسين للهجرة، في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وعند وفاتها حزن عليها أهل المدينة حزنًا شديدًا، وصَدَق عبد الله بن عبيد بن عمير: (أما إنَّه لا يحزن عليها إلا من كانت أُمَّه!) ولما سمعت أُمُّ سلمة رضي الله عنها الصرخة على عائشة أرسلت جاريتها: انظري ماذا صنعت؟ فجاءت فقالت: قد قضت. فقالت: يرحمها الله، والذي نفسي بيده لقد كانت أحبَّ النَّاس كلِّهم إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، إلا أبوها، وفي رواية: (أذهبَ عنك يا عائشة، فما كان على ظهر الأرض نَسمةٌ أحب إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم منك. ثمَّ قالت: أستغفر الله، غير أبيها). وقد صلَّ عليها أبو هريرة رضي الله عنه وسط مقابر البقيع، وكان يومئذٍ خليفة مروان بن الحكم أمير المدينة حينئذٍ من جهة معاوية؛ لأنَّه حجَّ فاستخلف أبا هريرة، رضي الله عنه. ودُفِنت رضي الله عنها ليلً بعد صلاة الوتر، وكان الليل مظلمً، فلم يجد المشيِّعون بدًّا من أن يحملوا فيه خِرقًا غمسوها في زيت، وأشعلوا فيها النار؛ لتضيء لهم الطريق إلى المقابر، وازدحم النَّاس وتجمَّعوا حول النعش، ولم تُرَ ليلة أكثر ناسًا منها، ونزل أهل العواليإلى المدينة. ونزل في قبرها خمسة من آل الصِّدِّيق: عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر، والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عمرها يومئذ سبعًا وستين سنة، ودُفنت بالبقيع ، رضي الله عنها وأرضاها. |
صِفات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومكانتِها العلميَّة، وآثارِها الدَّعويَّة. صفاتها الخَلْقية كانت أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها امرأةً جميلةً، بيضاء، مُشربة بحُمرة؛ ولهذا يقال لها: (الحُميراء) ، والعرب تُطلق على الأبيض (الأحمر)، كراهة اسم البياض؛لكونه يُشبه البرص، فهي كانت رضي الله عنها بيضاء بياضًا مُشربًا بحمرة، وهو أحسن الألوان. وكانت رضي الله عنها نحيلة الجسم في شبابها، ثمَّ بمرور الأيام امتلأت وبَدُنت، وحملت اللحم، وهذا ما تحكيه هي بنفسها، فقالت رضي الله عنها: (سابقني النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا رَهقني اللحم، سابقني فسبقني، فقال: هذه بتلك. وكانت رضي الله عنها أقرب إلى الطول في جسمها؛ لأنَّا كانت تعيب القصر، وكان شعرها طويلً وهي صغيرة، ثمَّ أصابها مرض شديدٌ فتمزَّق معه شعرها، وصار تحت المنكبين، وكان عمرها حينئذٍ ستَّ سنين، ثمَّ تحسَّن شعرها في الطول، فعنها رضي الله عنها قالت: (تزوَّجني النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرجٍ، فوعكت فتمَرَّقشعري، فوفَى جُيمةً). ومما يدلُّ على جمال عائشة رضي الله عنها ووضاءتها، قول أُمِّ رُومان لها في حادثة الإفك: (يا بُنيَّة، هَوِّني على نفسك الشأن، فوالله لقلَّما كانت امرأةٌ قط وضيئة عند رجلٍ يحبُّها ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها). وفي رواية: (لقلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبُّها...). ويدِّلل على ذلك أيضًا قول عمر رضي الله عنه لابنته حفصة رضي الله عنها:(لا يغرنَّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك، وأحبَّ إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم. يريد عائشة). |
جزاك الله خيرا
|
اقتباس:
|
صفاتها الخُلُقية عاشت عائشة رضي الله عنها في بيت النبوة بعد أن انتقلت في مقتبل حياتها -وهي لم تتجاوز التاسعة- من بيت أبيها إلى بيت أعظم مربٍّ ومعلِّم ومؤدِّب،فكان صلى الله عليه وسلم يحوطها بنصحه، ويشملها بتوجيهه وإرشاده، مع اقتدائها بأفعاله، وانتهاج طريقته، والعمل بسيرته. وتحكي رضي الله عنها جانبًا كبيرًا من جوانب التوجيه، فيما أخطأت فيه، وهذا يعكس صدقها وأمانتها في التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتمام النبي بتعليمها وتوجيهها، ومن ذلك: قولها: قلت للنبي صلَّ الله عليه وسلم: ((حسبك من صفية كذا وكذا -قال بعض الرواة: تعني قصيرةً- فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر لمزجته)). قالت: ((وحَكَيتُ له إنسانًا فقال: ما أُحبُّ أنِّي حكيت إنسانًا، وأنَّ لي كذا وكذا)). وعن عُروة بن الزُّبير، أنَّ عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قالت: ((دخل رهطٌ من اليهود على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: ففهِمْتُها، فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم:مهلً يا عائشة، إن الله يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه. فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: قد قلت: وعليكم)). وفي رواية لمسلم: قالت: ((أتى النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أناسٌ من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام. فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: يا عائشة! لا تكوني فاحشةً. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الَّذي قالوا؟ قلت: وعليكم)). ويقول لها صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، إياكِ ومحقَّرات الذُّنوب؛ فإنَّ لها من الله عزَّ وجلَّ طالبًا)) وكانت رضي الله عنها تستجيب وتتعلَّم، وتسارع في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، يدلُّ على ذلك أنَّا ((اشترت نُمْرُقَةوسادة فيها تصاوير، فلمَّا رآها رسول الله قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لك تقعد عليها، وتتوسدها. فقال رسول الله: إنَّ أصحاب هذه الصور يُعذَّبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم. ثم قال: إنَّ البيت الذي فيه الصورلا تدخله الملائكة)). وزاد مسلم في رواية عن عائشة قالت: ((فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت)) وتُدِّثنا عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم -والذي تعلَّمت منه كثيرًا- فتقول لسائلها عن خلقه: ((ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإنَّ خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن)) . وتقول عنه: ((لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صاخبًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح)). وتبيِّن فضل حسن الخلق، فتقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ المؤمن ليدرك بحسن الخُلق درجة الصائم القائم)). إلى غير ذلك، مما ترك أكبر الأثر في نفس الصِّدِّيقة رضي الله عنها، وطبَعها بمكارم الأخلاق ومحاسنها. |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:07 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.