بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   حي على الفلاح (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   هكذا كانوا يحاسبون أنفسهم (خطبة) (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=764771)

abomokhtar 31-12-2018 07:30 AM

هكذا كانوا يحاسبون أنفسهم (خطبة)
 
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاعلموا - علَّمني الله وإياكم - أن المسلم لا بد من أن يحاسب نفسَه على أقواله وأفعاله في سفره وحضره، يحاسبها على العمل، سواء كان الأمر يتعلَّق بالدين أو الدنيا، أو كان يتعلَّق به في خاصته أو يتعلَّق بغيره من إخوانه، فإن ذلك هو أسلم الطرق للنجاة من النار، ومن شدَّة المحاسبة في الآخرة.
*
تعريف المحاسبة: عرَّفها الإمام الماوردي، فقال: المحاسبة أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعاله نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه، وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها، وينتهي عن مثلها في المستقبل.
*
دعوة القرآن والسنة إلى المحاسبة:
والمحاسبة لا نجاة إلا بها ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6]، والمحاسبة تصدر من التأمل في هذه النصوص: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 6 - 8]، المحاسبة تكون انطلاقًا من آثار قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
*
والمحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر، وأن الله يحاسب فيه الخلائق، وقد حذَّرنا الله من ذلك اليوم؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
*
حث السلف على محاسبة النفس:
اعلم - زادك الله علمًا - أن سلف هذه الأمة تواترت أقوالهم على الحث على محاسبة العبد نفسه، والوقوف بها عند الخطرات وغيرها؛ عن وهب بن منبه: قال مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألَّا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسَه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذَّاتها، فيما يحل ويحمد في هذه الساعة؛ عونًا على تلك الساعات وإجمامًا للقلوب[1].
*
وحق على العاقل ألَّا يرى ظاعنًا إلا في ثلاث: زاد لميعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وحق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه على شأنه.
*
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18][2].
*
هكذا كانوا يحاسبون أنفسهم
أيها الإخوة الفضلاء، هيا لنعيش مع سلف هذه الأُمَّة لنرى كيف كانوا يحاسبون أنفسهم في جميع أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم.
*
أولًا: حاسبوا أنفسهم على أقوالهم
إن للكلمة تأثيرًا عظيمًا، ولها خطرًا كبيرًا؛ فرُبَّ كلمةٍ كانت سببًا من أسباب سعادة المرء في الدنيا والآخرة، ورُبَّما كانت سببًا لشقائه في الدنيا والآخرة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم))[3].
*
لذا كان سلف هذه الأمة يحاسبون أنفسهم على أقوالهم؛ لعلمهم أن هناك ملائكة يُدوِّنون ما يتلفَّظ به الإنسان ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 16 - 18].
*
فتأمَّلوا صِدِّيق هذا الأمة رضي الله عنه؛ فعن قيس، قال: رأيت أبا بكر آخذًا بطرف لسانه، ويقول: هذا الذي أوردني الموارد[4].
*
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يعاتب لسانه ويقول: "أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه، فقال: يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرٍّ تسلم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثر خطايا ابن آدم في لسانه))"[5].
*
حدث أبو حيان التميمي عن أبيه، قال: رأيت ابنة الربيع بن خثيم أتَتْهُ فقالت: يا أبتاه، أذهب ألعب؟ قال: يا بنيتي، اذهبي قولي خيرًا[6].
*
ثانيًا: حاسبوا أنفسهم على تركهم المحافظة على صلاتهم
أيها الآباء والإخوة الأعزَّاء، إن الصلاة التي يتهاون بها كثيرٌ من المسلمين، ويُضيِّعونها، ويُفرِّطون فيها، والله تعالى أمرنا أن نحافظ عليها، وأن نقيمها في أوقاتها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
*
ولعظم شأن الصلاة جعلها النبي صلى الله عليه وسلم العهد الذي بين أهل الإيمان وأهل الكفر والعصيان؛ فعن أبي بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر))[7]، وجعلها الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة))[8].
*
واعلم - علمني الله وإياك - أن الصلاة هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأُمَّته عند فراقه الدنيا؛ فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم))[9].
*
عن أبي إدريس الخولاني، قال: جلست إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: هو سنة، وقال بعضهم: هو واجب، فقال عبادة: لا أدري ما تقول غير أني أشهد لسمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل من عند الله تعالى، وقال: إن ربك أرسلني إليك، إني أفرضت على أُمَّتك خمس صلوات، فمن أدَّاهُنَّ بحقوقهن وطهورهن، وما افترضت عليه فيهن، فإن له عهدًا أن أُدخله الجنة، ومن انتقص من حقوقهن شيئًا، فلا عهد له عليَّ، إن شئت عذَّبته، وإن شئت غفرت له))[10].
*
ولقد كان سلف هذه الأمة يحافظون عليها ولا يتخلَّفون عن صلاة الجماعة، وكانوا يحاسبون أنفسهم إذا فترة عزائمهم عن الصلاة، فها هو الفاروق رضي الله عنه يحاسب نفسه على تركه لصلاة الجماعة؛ فعن نافع: أن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.
*
وروي أن عمر بن الخطاب فاتته صلاة العصر مع جماعة، فتصدَّق بأرض قيمتها مائة ألف درهم، وحاتم الأصم وهو رجل صالح فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلَّاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته - نقول هذا لكثير من المؤمنين الذين تفوتهم الصلاة بكليتها حتى يخرج وقتها - فجاءه أصحابه يعزُّونه على فوات صلاة الجماعة، فنظر إليهم وكانوا قلَّةً فبكى، قالوا: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: لو مات ابنٌ من أبنائي لأتى أهل المدينة كلهم يعزُّونني، أما أن تفوتني صلاة، فلا يأتيني إلا بعض أهل المدينة! ووالله لموت أبنائي جميعًا أهونُ عندي من فوات صلاة الجماعة: ﴿ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]، ندم لأنه ترك الطاعة، وندم لأنه ارتكب المعصية.
*
ثالثًا: حاسبوا أنفسهم على إضاعة أوقاتهم
إخوة الإسلام، ومما هو مشاهد لدى الجميع أننا نرى كثيرًا من الناس يضيعون أوقاتهم في غير طاعة أمام الشاشات والفضائيات والشبكات، ي***ون أوقاتهم، وما درى هؤلاء أنهم ي***ون أعمارهم؛ فعن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه؛ وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه)) [11].
*
في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)) [12].
*
ولقد كان سلف هذه الأمة يدركون قيمة الوقت، وأنه أنفس من الذهب؛ لذا كانوا يحاسبون أنفسهم على أوقاتهم التي ربما تمرُّ من غير طاعة؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، اقترب فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي.
*
فلله درُّه، هو صحابي جليل، ساقاه النحيلتان أثقلُ في الميزان من جبل أُحُد كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم،
*
وتدبَّر أخي المسلم معي ما قاله هذا الحكيم: "مَنْ أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه أو علم أقتبسه، فقد عقَّ يومه، وظلم نفسه".
*
وعن سحيم مولى بني تميم، قال: جلستُ إلى عامر بن عبدالله، وهو يصلي فتجوز في صلاته، ثم أقبل عليَّ، فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر، قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت، رحمك الله، قال: فقمت عنه، وقام إلى صلاته [13]، وقال رجل: قف حتى أكلمك، فقال: فأمسك الشمس! [14].
*
رابعًا: حاسبوا أنفسهم على الاشتغال بغير ما يعنيهم
ومن الأمور التي كان سلف الأمة يحرص عليها، عدم الاشتغال بما لا يعنيهم، والعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))[15].
*
يقول ابن القيم رحمه الله: فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحقُّ شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئًا خسيسًا، لم يكن في سائر أمره إلا كذلك، وإيَّاك أن تُمكِّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك، فإنَّه يُفسدها عليك فسادًا يصعب تداركه[16].
*
يقول عطاء بن رباح رحمه الله: "أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى في صدر نهاره، وليس فيها شيء من أمر آخرته ينفعه".
*
دخلوا على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض، فكان وجهه يتهلَّل، فقيل له: ما لوجهك يتهلَّل يرحمك الله؟ فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا" [17]، ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].
*
ودخل رجل فضولي على داود الطائي رحمه الله زائرًا، فقام يتفقَّد البيت، ثم قال: يا إمام، إن في سقف بيتك جذعًا مكسورًا، قال: يا بن أخي، إن لي في البيت عشرين سنة ما تأمَّلْتُ سقفه، مالك وله رحمك الله؟! ((مِنْ حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه)).
وكل ما يزرع الإنسان يحصده ♦♦♦ فأحسِنِ الزَّرْعَ يحسن حين يحتصد
*
ورحم الله ابن بشار يوم قال متحدثًا بنعمة الله عليه: منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر عنها.
*
واسمع أخي لأحد السلف رحمه الله: أنه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلَّقها، قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري[18].
*
خامسًا: كانوا يحاسبون أنفسهم على النوم عن صلاة الليل
إخوة الإسلام، ومن مجالات المحاسبة التي كان سلف الأُمَّة يحرصون عليها محاسبة أنفسهم على صلاة الليل وتركهم إيَّاها،
قال أبو جعفر البقَّال: دخلت على أحمد بن يحيى رحمه الله، فرأيته يبكي بكاءً كثيرًا ما يكاد يتمالك نفسه!! فقلت له: أخبرني: ما حالك؟! فأراد أن يكتمني فلم أدعه، فقال لي: فاتني حزبي البارحة! ولا أحسب ذلك إلا لأمر أحدثته، فعوقبت بمنع حزبي، ثم أخذ يبكي! فأشفقت عليه وأحببت أن أسهِّل عليه، فقلت له: ما أعجب أمرك! لم ترضَ عن الله تعالى في نومةٍ نومك إياها، حتى قعدت تبكي! فقال لي: دع عنك هذا يا أبا جعفر، فما أحسب ذلك إلا من أمر أحدثته، ثم غلب عليه البكاء! فلما رأيته لا يقبل مني انصرفت وتركته.
*
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل، فإذا أصابه فتور أو كسل، قال لنفسه: أيظنُّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه، والله لأزاحمنَّهم عليه، حتى يعلموا أنهم خلَّفُوا بعدهم رجالًا! ثم يصلي إلى الفجر.
*
أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:
سادسًا: محاسبتهم أنفسهم على ما بدر منهم من خطايا وذنوب
ومن موطن المحاسبة التي كان يواظب عليها الأنبياء والصالحون محاسبتهم أنفسهم على ما بدر منهم من خطايا وذنوب، وتوبتهم إلى علَّام الغيوب جلَّ جلالُه.
*
روي عن سلمة بن سعيد، عن بعض رجاله، أن زيادًا ضحك ذات يوم حتى علا صوته، ثم قال: أستغفر الله، وبكى بكاءً شديدًا، فقال له جلساؤه بعد ذلك المجلس: ما رأينا أصلح - الله الأمير- بكاءً في إثر ضحك أسرع من بكائك بالأمس قال: «إني والله ذكرت ذنبًا أذنبته، كنت به حينئذٍ مسرورًا، فذكرته، فبكيت خوفًا من عاقبته ثم بكى أيضًا»[19].
*
هكذا أيها الآباء والإخوة الفضلاء، كانوا يحاسبون أنفسهم في جميع أحوالهم، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا وزنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تُحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
*
الدعاء...

[1] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية، جـ28، ص368، وإحياء علوم الدين جـ4، ص402، وأخبار أصبهان (رقم 198).
[2] أخرجه ابن المبارك في الزهد (1/ 103، رقم 306)، وابن أبي شيبة (7/ 96، رقم 34459).
[3] رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب: حفظ اللسان [6478].
[4] آداب النفوس (ص: 44)، صفة الصفوة، جـ1، ص87، والرياض النضرة في مناقب العشرة (ص: 91).
[5] رواه الطبراني (10/ 197) (10446)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 107).
[6] أخرجه ابن سعد (6/ 188)، وهناد في "الزهد" (2/ 538).
[7] أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 167، رقم 30396)، وأحمد (5/ 346، رقم 22987)، والترمذي (5/ 13، رقم 2621).
[8] أخرجه البخاري، رقم 25، وأخرجه أيضًا: أحمد (3/ 389، رقم 15221).
[9] أحمد (1/ 78، رقم 585)، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 67، رقم 158).
[10] أخرجه أحمد (4/ 244، رقم 18157) [الصحيحة:(848)].
[11] أخرجه الترمذي (4/ 612، رقم 2416)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي، رقم 1969.
[12] سبق تخريجه.
[13] قصر الأمل (1/ 102).
[14] صيد الخاطر، ص467.
[15] أخرجه الترمذي (4/ 558 رقم 2317)، وقال: غريب، وابن ماجه (2/ 1315، رقم 3976).
[16] الفوائد (ص: 175).
[17] رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 557) من حديث زيد بن أسلم.
[18] إحياء علوم الدين؛ للغزالي (2/ 56).
[19] الرقة والبكاء؛ لابن أبي الدنيا (ص: 140).

السيد مراد سلامة

صوت الامة 27-02-2019 10:21 PM

جزاكم الله خيراً

محمد مصطفى سراج 08-05-2019 09:01 PM

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:16 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.