بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   حي على الفلاح (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   الفرق بين توحيد السلف وتوحيد المعتزلة (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=175069)

خالد مسعد . 01-01-2010 01:17 PM

الفرق بين توحيد السلف وتوحيد المعتزلة
 
الفرق بين توحيد السلف وتوحيد المعتزلة
توحيد الأسماء والصفات
·الأصول الخمسة عند المعتزلة .

1.التوحيد
2.العدل
3.المنزلة بين المنزلتين
4.إنفاذ الوعيد
5.الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

·التوحيد أساس الاعتقاد السلفي في باب الصفات .
·لا بد للتوحيد من نفي قياس التمثيل والشمول.
·قياس التمثيل هو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة
·ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق.
·قياس الشمول قياس يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد.
·ظاهر نصوص الصفات هل هو مراد أو غير مراد؟
تفريغ الحلقة الحادية عشر من لقاء العقيدة على قناة الناس - فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني - حفظه الله -

خالد مسعد . 01-01-2010 01:17 PM

توحيد الأسماء والصفات ينفي قياس التمثيل
·الأصول الخمسة عند المعتزلة .
وقد أسس المعتزلة مذهبهم على خمسة أصول رنانة وشعارات فتانة. اغتر بها كثير من المسلمين في الماضي وكثير من العلمانيين في الحاضر:
الأصل الأول: التوحيد فقد زعموا فيه أنهم أهلُ التوحيد وخاصتُه. والمنزهون لربهم عن التشبيه. وخلاصة رأيهم في التوحيد أن الله تعالى لا صفة له لأنه منزه عن الشبيه والمثيل كما قال: } ليس كمثله شيء { [الشورى:11]. وهذا توحيد يناقض الفطرة ولا ينطلي إلا على أذهان السفهاء. بل هو توحيد يسخر منه جميع العقلاء فهل يصح أن تقول مثلا ولله المثل الأعلى: الأمير لا نظير له أبد. فيقال لك في ماذا؟ أو ما الذي انفرد به؟ فتقول: ولا شيء. أو لا صفة له أصلا.
ولا نظن عاقلا يقبل ذلك على نفسه فضلا عن ربه. فالعقلاء يمدون غيرهم بإثبات الصفات التي تليق بهم. والموحدون لله حقا يحمدون ربهم بإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا. أما توحيد المعتزلة فتوحيد معكوس يزعمون فيه أنهم يمدحون ربهم وهم في حقيقة أمرهم يذمونه ويصفونه بصفات النقص التي لا يرضاه عاقل لنفسه. وقد أداهم توحيدهم هذا إلى القول بنفي صفة الكلام عن الله سبحانه وتعالى والقول بخلق القرآن وزعموا أنه مخلوق كسائر المخلوقات.
وقد وصل الأمر ببعضهم إلى محاولته تحريف القرآن حتى لا يؤمن بتلك الصفة فقال لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة: أريدك أن تقرأ هذه الآية: } وَكَلمَ اللهُ مُوسَى تَكْليمَا {[النساء:164] بنصب لفظ الجلالة. وذلك ليكون موسى u هو المتكلم. أما الرب عنده فلا يتكلم ؛ لأن الكلام لا يكون إلا بفم ولسان حسب زعمه فقال أبو عمرو: هب أني وافقتك في ذلك. فماذا تفعل بقوله تعالى: } وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّه {[الأعراف:143] فبهت المعتزلي؟ ([1]).
الأصل الثاني: العدل ومعناه على رأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد. فعطلوا قوله تعالى: } وَاللهُ خَلقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ { [الصافات:96]. وستروا تحت شعار العدل نفي التقدير وعلم المقادير. وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقه ثم عذبهم عليه كان ذلك جورا وظلما والله تعالى عدل لا يظلم ولا يجور.
وقد يفتن العامة بأصلهم هذا كما فعل العلمانيون والماديون الذين لا يؤمنون بالتقدير وجريان المقادير. أو كما هو منتشر بين العامة من العبارات التي يرددها الفاسقون كقول بعضهم: قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه. وهذه الكلمة كفيلة وحدها بإخراج قائلها من ملة الإسلام إن كان يدرك معناها ويفهم لوازمها. أو كقول بعضهم بجهلهم: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وكأن أفعال الله أسيرة أو مرهونة بأفعال عباده. وقد قال الله في كتابه: } وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً { [الإنسان:30]. وقال: } وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [التكوير:29]. وقال تعالى: } وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ { [الأنعام:111]. وقال: } وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً { [الكهف:23/24].
لا فرق بين كلام هؤلاء وكلام المعتزلة فهذا الأصل الفاسد الذي رفعوا فيه شعار العدل. يلزمهم فيه أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده. فيريد الشيء ولا يكون ولازمه وصفه سبحانه بالعجز في مقابل وصفهم بمطلق المشيئة والحرية ونفي كونها مشيئة محدودة ومقيدة بالاختيار بين طريقين. طريق الخير أو الشر. أو طريق الإيمان أو الكفر. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. قال تعالى: } إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً { [الإنسان:3]. وقال: } هُوَ الذِي خَلقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ { [التغابن:2] .
الأصل الثالث: المنزلة بين المنزلتين ويقصدون به أن مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الإيمان والكفر. خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر فليس بمؤمن ولا كافر وقد قرر ذلك الأصل واصل بن عطاء رأس المعتزلة لما رد على السائل في حلقة الشيخ الحسن البصري.
أما حكم مرتكب الكبير في الآخرة فهم يتفقون في ذلك مع الخوارج حيث يقولون بأنه مخلد في النار. ولا يخرج منها أبدا. ولا تجوز فيه شفاعة النبي S. والفرق بين المذهبين أن الخوارج يقولون بأن مرتكب الكبيرة في الدنيا كافر خارج من الملة والمعتزلة يقولون هو في منزلة بين المنزلتين. أو بين الإيمان والكفر.
الأصل الرابع: إنفاذ الوعيد ويقصدون به حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة ويعني عندهم أن الله U يجب عليه أن يعاقب مرتكب الكبيرة من المسلمين ويخلده في النار أبد الآبدين. ولا يجوز أن يخرجه من النار بشفاعة أحد من المؤمنين حتى لو كان الشافع سيد الأنبياء والمرسلين. فهم يشبهون الخوارج في قولهم: إذا توعد الله بعض عبيده وعيدا فلا يجوز ألا يعذبهم ويخلف وعيده. وكأنه سبحانه مقيد لا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يشاء. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
روي عن قريش بن أنس قال : سمعت عمرو بن عبيد يقول : يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله فيقول لي : أقلت إن القاتل في النار ؟ فأقول : أنت قلته ، ثم تلا هذه الآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) حتى إذا فرغ من الآية فقلت : وما في البيت أصغر مني : أرأيت إن قال لك : أنا قلت : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا ؟ فما رد علي شيئا .

(1)السابق168.

خالد مسعد . 01-01-2010 01:18 PM

الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا الشعار الرنان الذي يفتن به كل إنسان يقصدون به الدعوة إلى أصولهم الخمسة. فالمعروف عندهم هو من اعتنق أصولهم ودان بها. والمنكر عندهم هو اتباع مذهب السلف أهل السنة والجماعة. وقد أدى بهم هذا الأصل أن يجوزوا مسلك الخوارج في الخروج على حكام المسلمين وخلفائهم بالسيف
l التوحيد أساس الاعتقاد السلفي في باب الصفات .
القاعدة الأولى التي قام عليها اعتقاد السلف الصالح في التعرف على أوصاف الله عز وجل هي توحيده وإفراده عمن سواه، فهم يتميزون عن سائر الناس بهذه الصفة صفة التوحيد.
سواء كان ذلك في إيمانهم بربوبية الله تعالى وإفراده بالخلق والأمر كما قال: } أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ العَالمِينَ { [الأعراف:54].
أو كان في عبادتهم له سبحانه وتعالى كما قال تعالى: } وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ { [البينة:5]، فلا يخضعون عن محبة ورغبة لأحد إلا لله، ولا يشركون معه سواه في العبادة.
أو كان في إيمانهم بما أثبته الله لنفسه من أنواع الكمالات في الأسماء والصفات، فالتوحيد يقصد به في باب الصفات إفراد الله سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم .
والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى: } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11].
والشاهد في الآية أن الله سبحانه بين انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال والجمال والجلال وعلو شأنه فيها في كل حال .
وقال تعالى في أول سورة الإخلاص: } قل هُوَ الله أَحَدٌ { [الإخلاص:1]، وقال في نهايتها مبينا معنى الأحدية: } وَلمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَدٌ { [الإخلاص:4].
أي أن الأحد هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون، أو قياس، أو قواعد تحكمه كما تحكمهم، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد .
وقال تعالى: } هَل تَعْلمُ لهُ سَمِيًّا { [مريم:65]، والمعنى الذي دلت عليه الآية هل تعلم لله شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه، أو يرقي إلي سمو ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وعلى ذلك فلا يمكن بحال من الأحوال أن نخضع أوصاف الله لما يحكم أوصاف البشر من قوانين .
ومن هنا يمكن القول إنه من البلاهة العقلية أن نطبق قوانين الجاذبية الأرضية على استواء الله على عرشه أو على حملة العرش أو على نزوله إلي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، لأن ذلك ينطبق على الكائنات الأرضية ولا ينطبق على رب البرية، فهو منفرد متوحد عن قوانين البشر بذاته وصفاته وأفعاله.
ومعلوم أننا لم نر الله ولم نر له مثيلا أو شبيها أو نظيرا، والشيء لا يعرف إلا برؤيته أو برؤية نظيره فكيف نقول كما قالت الجهمية والمعتزلة والمتكلمون الأشعرية لو كان الله على العرش لكان محمولا .
ولذلك فإن السلف الصالح فرقوا بين النصوص التي تدل على المخلوق والنصوص التي تدل على الخالق، فالنصوص التي تدل على المخلوق تليق به، وظاهرها مراد في حقه، وهي معلومة المعني لورودها في القرآن والسنة باللغة العربية، وكذلك معلومة الكيفية لأننا نراها بحواسنا ومدركاتنا، أو نري نظيرها، فنحكم عليها بالتشابه أو المثلية .
أما النصوص القرآنية والنبوية التي تدل على الخالق فهي معلومة المعني أيضا لأن الله U خاطبنا باللغة العربية لا باللغة الأعجمية، فلا يمكن القول إن كلام الله بلا معني، أو يشبه كلام الأعاجم والألغاز التي لا تفهم، أما الكيفية الغيبية للصفات الإلهية التي دلت عليها تلك النصوص فهي كيفية حقيقية معلومة لله وتليق به، لكنها مجهولة لنا لا نعلمها لأننا ما رأينا الله U.
روى مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم: (تَعَلمُوا أَنَّهُ لنْ يَرَي أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَل حتى يَمُوتَ) ([1]) .
وكذلك ما رأينا لكيفيته سبحانه وتعالى نظيرا أو مثيلا نحكم عليها من خلاله إذ يقول الله تعالى: } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11].
·لا بد للتوحيد من نفي قياس التمثيل والشمول.
من الأمور الهامة التي ينبغي الحذر منها صيانة للقاعدة الأولى وحتى لا يهدم التوحيد في قلب المسلم أو تشوبه شائبة، أن يحذر من نوعين من القياس حرمهما الله U على من استخدمهما في حقه، وقد وقع فيهما أهل الضلال من الممثلة والمشبهة الذين جسدوا في أذهانهم صورا للمخلوقات، وزعموا أن أوصاف الله التي وردت بها النصوص في الكتاب والسنة على هذه الكيفية، وقد استخدم الممثل النوع الأول من القياس، والنوع الثاني استخدمه المشبه وأحيانا يطلق عليه المكيف .
·قياس التمثيل هو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة
النوع الأول:قياس التمثيل
، وهو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة؛ فالممثل جعل صفة الإنسان التي لا يعرف غيرها أصلا، وجعل صفة الله U التي دلت عليها النصوص فرعا، ثم طابق الفرع على الأصل وحكم بينهما بالتماثل .
ولو سئل عن السبب في ذلك التمثيل؟ لقال: لأن الله له أوصاف والإنسان له أوصاف ذكرت بنفس الألفاظ، فهذا يوجب التماثل، ومن أجل ذلك حكمت بأن استواء الله على العرش يماثل استواء الإنسان، ووجه الله يماثل وجه الإنسان ويد الله تماثل يده، وهكذا في سائر أوصاف الله وأوصاف الإنسان، قيل له: (ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق، فمن نفى القدر المشترك فقد عطل ومن نفى القدر الفارق فقد مثل) .

(1)مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد(7540) .

خالد مسعد . 01-01-2010 01:18 PM

·ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق.
وقد علم العقلاء أن قول الممثل باطل لا يتوافق مع العقل السليم، فلو قيل نملة قوية وسفينة قوية، فهل صورة النملة كصورة السفينة لاشتراكهما في لفظ قوية؟
وإذا كانت أوصاف البشر مختلفة، فهناك فرق كبير بين عرش بلقيس وعرش سليمان، ووجه يوسف عليه السلام ووجه غيره من بني الإنسان، فإن الفرق أعظم وأكبر من باب أولى بين أوصاف الخالق سبحانه وتعالى وأوصاف المخلوق، وسيقر المسلم في خشوع وخضوع أن استواء الله ليس كاستواء البشر ووجهه تعالى ليس كوجوههم، وسائر أوصافه ليست كأوصافهم، وأن الله u ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، وتلك طريقة الموحدين .
أما الممثل لأوصاف الله بأوصاف البشر فهو ظالم لنفسه، متقول على ربه ما ليس له به علم، فهو في الحقيقة تخيل في ذهنه أن صفة الله الواردة في نصوص الكتاب والسنة كصورة إنسان ثم عظمها له الشيطان، فعبدها على أنها المقصود عند ذكره لأوصاف الله، وهو في الحقيقة إنما يعبد صنما، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف حال الممثل: الممثل يعبد صنما .
·قياس الشمول قياس يستوي فيه الأفراد تحت حكم واحد.
النوع الثاني: قياس الشمول وهو القانون الشامل أو الأحكام العامة التي تطبق على جميع الأفراد أو كما عرفوه بأنه قياس كلي على جزئ، فالمكيف أو المشبه الذي يستخدم قياس الشمول جعل الكيفية التي تحكم أوصاف الإنسان قانونا يحكم به على أوصاف الرحمن كقوله: لو كان الله متصفا بالكلام لكان له فم ولسان، لأنه لم ير المتكلم في أحكام الدنيا إلا على هذه الكيفية، وكقوله: لو كان على العرش لكان محمولا، فطبق قانون الجاذبية الأرضية على كيفية استواء الخالق كما يطبقها على استواء الإنسان أو حمله للأشياء .
ومعلوم أن صاحب الفطرة السليمة يأبى أن يقال مثل هذا في أوصاف الله، بل يعلم أن هذه الأحكام ربما لا تطبق على الإنسان خارج نطاق الجاذبية الأرضية، مثل أماكن انعدام الوزن أو المحطات الفضائية، أو ربما يسمع صوتا من غير فم أو لسان كما يري المسجل يعيد الصوت ويكرره كأنه إنسان . وإذا قيل لا يدخل قاعة الاختبار في الكلية إلا طلاب السنة النهائية علم العقلاء أن ذلك لا ينطبق على الأساتذة المراقبين أو القائمين على النواحي الإدارية .وإذا قيل لا يدخل المصنع إلا العاملون، علمنا أن ذلك لا ينطبق على صاحب المصنع ومن رافقه من أهله وأصحابه .وهكذا يعلم العقلاء وأصحاب الفطرة السليمة أن القوانين التي تحكم أوصاف البشر لا تنطبق على ربهم، وأن الله ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله.
·نفاة الصفات ضلوا في فهم القدر المشترك والقدر الفارق.
أساس مذهب تعطيل الصفات أو نفيها سوء الفهم لمعنى التوحيد، وتخبطهم في إدراك القدر المشترك والقدر الفارق عند التعبير عن الأشياء، فمن المعلوم أنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق، فمن نفى القدر الفارق فقد مثل، ومن نفى القدر المشترك فقد عطل.
قال ابن تيمية: (سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص) .
ومن ثم فإن الأسماء من جهة اللغة عامة مشتركة تتخصص دلالتها عند العقلاء بالإضافة والتقييد، فلو قال قائل: هذا فيل كبير، وقال آخر: هذا طائر كبير فالمشترك بين القولين بعد اسم الإشارة لفظ كبير، وهو عند سائر العقلاء من حيث الدلاله له ثلاثة معان ظاهرة، الأول عند إضافته إلى الفيل فأي عاقل يتصور من دلالته معنى معينا يستوعبه الذهن حيث يتصور فيلا كبيرا بين بني جنسه من الفيلة، والثاني عند إضافته إلى الطائر فإن العاقل يتصور من دلالته معنى آخر غير المعنى السابق فهو طائر كبير بين الطيور، ولا يزعم عاقل أنه عندما يسمع قول القائل طائر كبير فإنه يتصور جبلا أو جملا أو فيلا أو بغلا أو غير ذلك، والثالث إذا قطع لفظ كبير عن الإضافة وكان وحده مجردا، فإن له معنى آخر يتصور الذهن فيه شيئا عاما يمكن اشتراك الكل فيه، وإن كانت الألفاظ لا تطلق مجردة بين العقلاء؛ فالله u وله المثل الأعلى إذا قال في كتابه: } إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً { [الإنسان:2]، وقال عن نفسه: } إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً { [النساء:58]، فإن السميع والبصير كاسمين أو لفظين من مفردات اللغة لهما من حيث الدلالة ثلاثة أنواع يستوعبها العقلاء:
الأول: إذا أضيفا إلى الإنسان؛ فإن العاقل يعلم معنى كونه سميعا بصيرا، ويعلم الكيفية الحقيقية التي دل عليها هذان الاسمان في حق المخلوق، فالإنسان يسمع بأذن ويبصر بحدقة، وهذا ظاهر اللفظ عند تخصيصه وتقييده بالإنسان .
الثاني: إذا أضيفا إلى الله u؛ فإن العاقل يعلم معنى كونه سبحانه سميعا بصيرا فالله يسمع ويرى على الحقيقة، لكن العاقل لا يعلم الكيفية الحقيقية للوصفين الذين دل عليهما هذان الاسمان في حق الله تعالى؛ فالكيف مجهول لنا؛ لأننا ما رأينا الله، وما رأينا له نظيرا، وهو سبحانه وحده الذي يعلم كيف هو؟ وقد أمرنا أن نؤمن بما أخبرنا به عن نفسه وأن نصدقه تصديقا جازما، وهذا مراد السلف بأن نصوص الصفات على ظاهرها في حق الله u .
الثالث: إذا قطعا عن الإضافة وانفصلا عن التقييد وكانا مجردين؛ فإن لهما معنى ثالثا عاما ومشتركا غير المعنى الأول والثاني، وهذا لا يكون في الواقع، بل يتصوره الذهن فقط، ولا يلزم أبدا من استعمال الأسماء المجردة في حق الخالق أو المخلوق وجود التطابق بين سمع هذا وذاك أو بصر هذا وذاك، أو وجود المماثلة والمشابهة بينهما .
ومن هنا ظهر الخطأ الذي وقع فيه المعطل والممثل، لأن المعطل لما شبه الله بخلقه لم يجد الصورة التي كونها في ذهنه مستساغة أو مقبولة؛ فأراد أن ينفيها بمثل ما ذكره المتكلمون من أنواع التأويل وسحب النصوص عن دلالاتها، فالنصوص المكونة من حروف وكلمات وهي بدورها تشتمل على الأسماء والصفات، وهذه الألفاظ كمفردات لغوية يستخدمها المتكلم في التعبير عن مراده عند تجردها وذكر مفرداتها منقطعة عن الإضافة تكون عامة مشتركة بحيث يمكن استخدامها في حق الخالق والمخلوق معا .
أما إذا أضيفت إلى الخالق سبحانه وقيدت ألفاظها بالدلالة عليه؛ فإنها تدل على معنى يخص الخالق دون غيره، وكذلك إذا أضيفت إلى المخلوق وقيدت ألفاظها بالدلالة عليه؛ فإنها تدل على معنى آخر يخص المخلوق دون غيره، فهناك قدر مشترك عند التجرد، وقدر فارق عند التخصيص والتقيد، ولا يمكن إهمال القدر الفارق لأن ذلك تمثيل للمخلوق بالخالق، ولا يمكن نفي القدر العام المشترك بين الجميع لأنه تعطيل للألفاظ اللغوية وإبطال للتفاهم والتواصل في لغة التخاطب بين الإنسانية .
·هل ظاهر نصوص الصفات مراد أو غير مراد؟
ذكر شيخ الإسلام اين تيمية أن من المتأخرين من يقول مذهب السلف اقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، وهذا اللفظ مجمل، فان قوله ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين، مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلى أنه مستقر فى الحائط الذى يصلى اليه، وان الله معنا ظاهره أنه الى جانبنا ونحو ذلك فلا شك أن هذا غير مراد .

ابو الحسن 30-05-2010 01:11 AM

جزاكم الله خيرا ورزقكم الله الجنة


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.