![]() |
من الذي سمى الله عز وجل الخافض المعز المذل العدل الجليل الباعث ؟
إذا كان الأمر كذلك فمن الذي سمى الله عز وجل الخافض المعز المذِل العَدل الجَلِيل الباعِث المحْصِي المبدِيء المعِيد الممِيت المقسِط المغنِي المَانِعُ الضَّارّ النافِع الباقِي الرَّشِيد الصَّبُور ؟ هذه جميعها ليست من أسماء الله الحسنى لأن الله عز وجل لم يسم نفسه بها، وكذلك لم ترد في صحيح السنة، وإنما سماه بها الوليد بن مسلم ضمن ما أدرجه باجتهاده في رواية الترمذي المشهورة، فالخافض مثلا لم يرد في القرآن أو السنة اسما، وإنما ورد بصيغة الفعل فيما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللهَ عز وجل لاَ يَنام وَلاَ يَنْبغِي لَه أنْ يَنامَ يَخفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُه) ([1]) . ولا يجوز لنا أن نشتق لله عز وجل من كل فعل اسما، ولم يخولنا الله في ذلك قط، وإنما أمرنا سبحانه بإحصاء أسمائه وجمعها وحفظها ثم دعاؤه بها، فدورنا حيال الأسماء الحسنى الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء . ولو أصر أحد على تسمية الله بالخافض وأجاز لنفسه ذلك فيلزمه تسميته البناء لأنه بنى السماء، والسقاء لأنه سقى الغيث وسقى أهل الجنة شرابا طهورا، والمدمدم لأنه دمدم على ثمود، والمدمر لأنه دمر على الكافرين، والطامس لأنه طمس على أعينهم، والماسخ لأنه مسخهم على مكانتهم، والمقطع لأنه قطع اليهود أمما . وكذلك يلزمه تسمية الله عز وجل المنسي لأنه أنساهم ذكره، والمفجر لأنه فجر الأرض عيونا، والحامل لأنه حمل نوحا على ذات ألواح ودسر، والصباب والشقاق لأنه قال: } أنا صَببنا المَاءَ صَبّاً ثم شقَقنا الأرْضَ شقا { [عبس:25/26]، وغير ذلك من مئات الأفعال في الكتاب والسنة والتي سيقلبها دون حق إلى أسماء . ويقال هذا أيضا في اشتقاق الوليد بن مسلم وغيره لاسميه للمعز المذل حيث اشتق هذين الاسمين من قوله عز وجل: } قلِ اللهم مَالِكَ الملك تؤتِي الملكَ مَنْ تشاءُ وَتنْزِعُ الملكَ ممن تشاءُ وَتعِز مَنْ تشاءُ وَتذِل مَنْ تشاءُ بيدِكَ الخيْرُ إنكَ عَلى كلِّ شيْءٍ قَدِيرٌ { [آل عمران:26]، فالله عز وجل أخبر أنه يؤتي ويشاء وينزع ويعز ويذل، ولم يذكر في الآية بعد مالك الملك واسمه القدير سوى الأفعال، فاشتقوا لله اسمين من فعلين وتركوا على قياسهم اسمين آخرين، فيلزمهم تسمية الله عز وجل بالمؤتِي وَالمنْزِعُ فضلا عن تسميته بالمشيء طالما أن المرجعية في علمية الاسم إلى الرأي والاشتقاق دون التتبع والإحصاء . وكذلك العدل لم يرد في القرآن اسما أو فعلا ولا دليل لمن سمى الله بهذا الاسم سوى الأمر بالعدل في قوله تعالي: } إن اللهَ يَأمرُ بِالعَدلِ والإحسان { [النحل:90] . أما الجليل فلم يرد اسما في الكتاب أو صحيح السنة، ولكن ورد وصف الجلال في قوله تعالى: } وَيَبقَى وَجْه رَبِّكَ ذُو الجلالِ وَالإكْرَامِ { [الرحمن:27]، وفرق كبير بين الاسم والوصف . وكذلك الباعِث المحْصِي لا دليل على إثبات هذين الاسمين، والذي ورد في القرآن والسنة صفات الأفعال فقط كقوله تعالى: } يَومَ يَبعَثهم الله جَمِيعاً فَيُنبِّئُهمْ بِمَا عَمِلوا أحْصَاه الله وَنسُوه وَالله عَلَى كلِّ شيْءٍ شهِيدٌِ { [المجادلة:6]، وهي كثيرة في القرآن والسنة . ومن الملاحظ أن الوليد بن مسلم اشتق الباعث من قوله: (يَبعَثهم) والمحصي من قوله: (أحْصَاه الله) ترك المنبئ من قوله: (فَينبِّئُهمْ) لأن الآية لم يرد فيها بعد اسم الله الشهيد سوى الأفعال التي اشتق منها فعلين وترك الثالث في حين أن تلك الأسماء جميعها لم ترد نصا صريحا في الكتاب أو صحيح السنة . وكذلك القول في اسميه المبدِيء المعِيد فهما اسمان لا دليل على ثبوتهما، فقد استند من سمى الله بهذين الاسمين إلى اجتهاده في الاشتقاق من الفعلين الذين وردا في قوله عز وجل: } إنه هوَ يُبدِئُ وَيُعِيدُ { [البروج:13]، ومعلوم أن أسماء الله الحسنى توقيفية على النص، وليس في الآية سوى الفعلين فقط . أما الضار النافع فهذان الاسمان بعد البحث الحاسوبي تبين أنهما لم يردا في القرآن أو السنة، وليس لمن سمى الله بهما إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعنى الذي ورد في قوله تعالى: } قل لا أمْلِكُ لِنفسِي نفعاً وَلا ضَرّاً إلا مَا شاءَ الله { [الأعراف:188]. ولم يُذكر في الآية النص على الاسم أو حتى الفعل، ولم يرد الضار اسما ولا وصفا ولا فعلا . وعملية البحث الحاسوبي أصبحت يسيرة للتعرف على عدم ثبوت اسم الممِيت المقسِط المغنِي المَانِع الباقِي الرشِيد الصَّبُور ؟. (1)صحيح مسلم (179) . فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني - حفظه الله - استاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:57 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.