![]() |
حوار حول الإحتفال بالمولد النبوي للألباني
حوار حول الإحتفال بالمولد النبوي للألباني دار الحوار التالي بين الإمام الألباني رحمه الله تعالى وبين أحد الإخوة : الشيخ الألباني : الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هل هو خير أم شر ؟ محاور الشيخ : خير . الشيخ الألباني : حسناً ، هذا الخير هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجهلونه ؟ محاور الشيخ : لا . الشيخ الألباني : أنا لا أقنع منك الآن أن تقول لا بل يجب أن تبادر وتقول : هذا مستحيل أن يخفى هذا الخير إن كان خيراً أو غيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحن لم نعرف الإسلام والإيمان إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف نعرف خيراً هو لم يعرفه ! هذا مستحيل . محاور الشيخ : إقامة المولد النبوي هو إحياء لذكره صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تكريم له . الشيخ الألباني : هذه فلسفة نحن نعرفها ، نسمعها من كثير من الناس وقرأناها في كتبهم ؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما دعا الناس هل دعاهم إلى الإسلام كله أم دعاهم إلى التوحيد ؟ محاور الشيخ : التوحيد . الشيخ الألباني : أول ما دعاهم للتوحيد ، بعد ذلك فُرضت الصلوات ، بعد ذلك فُرض الصيام ، بعد ذل فُرض الحج ، وهكذا ؛ ولذلك امشِ أنت على هذه السنة الشرعية خطوة خطوة . نحن الآن اتفقنا أنه من المستحيل أن يكون عندنا خيرٌ ولا يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالخير كله عرفناه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها كبشان ، وأنا أعتقد أن من شك في هذا فليس مسلماً . ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤيد هذا الكلام : 1. قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به )) . فإذا كان المولد خيراً وكان مما يقربنا إلى الله زُلفى فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه . صحيح أم لا ؟ أنا لا أريد منك أن توافق دون أن تقتنع بكل حرف مما أقوله ، ولك كامل الحرية في أن تقول : أرجوك ، هذه النقطة ما اقتنعت بها . فهل توقفت في شيء مما قلتهُ حتى الآن أم أنت ماشٍ معي تماماً ؟ محاور الشيخ : معك تماماً . الشيخ الألباني : جزاك الله خيراً . إذاً (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به )) نحن نقول لجميع من يقول بجواز إقامة هذا المولد : هذا المولد خيرٌ – في زعمكم - ؛ فإما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه وإما أن يكون لم يدلنا عليه . فإن قالوا : قد دلنا عليه . قلنا لهم : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً أبداً . ونحن قرأنا كتابات العلوي وغير العلوي في هذا الصدد وهم لايستدلون بدليل سوى أن هذه بدعة حسنة !! بدعة حسنة !! فالجميع سواء المحتفلون بالمولد أو الذين ينكرون هذا الاحتفال متفقون على أن هذا المولد لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد الأئمة الأعلام . لكن المجيزون لهذا الاحتفال بالمولد يقولون : وماذا في المولد ؟ إنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلاة عليه ونحو ذلك . ونحن نقول : لو كان خيراً لسبقونا إليه . أنت تعرف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) وهو في الصحيحين . وقرنه صلى الله عليه وسلم هو الذي عاش فيه وأصحابه ،ثم الذين يلونهم التابعون ، ثم الذين يلونهم أتباع التابعين . وهذه أيضاً لا خلاف فيها . فهل تتصور أن يكون هناك خير نحن نسبقهم إليه علماً وعملاً ؟ هل يمكن هذا ؟ محاور الشيخ : من ناحية العلم لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن كان معه في زمانه إن الأرض تدور الشيخ الألباني : عفواً ، أرجوا عدم الحيدة ، فأنا سألتك عن شيئين علم وعمل ، والواقع أن حيدتك هذه أفادتني ، فأنا أعني بطبيعة الحال بالعلم العلم الشرعي لا الطب مثلاً ؛ فأنا أقول إن الدكتور هنا أعلم من ابن سينا زمانه لأنه جاء بعد قرون طويلة وتجارب عديدة وعديدة جداً لكن هذا لا يزكيه عند الله ولا يقدمه على القرون المشهود لها ؛ لكن يزكيه في العلم الذي يعلمه ، ونحن نتكلم في العلم الشرعي بارك الله فيك . فيجب أن تنتبه لهذا ؛ فعندما أقول لك : هل تعتقد أننا يمكن أن نكون أعلم ؛ فإنما نعني بها العلم الشرعي لا العلم التجربي كالجغرافيا والفلك والكيمياء والفيزياء . وافترض مثلاُ في هذا الزمان إنسان كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكن هو أعلم الناس بعلم من هذه العلوم هل يقربه ذلك إلى الله زُلفى ؟ محاور الشيخ : لا . الشيخ الألباني : إذاً نحن لانتكلم الآن في مجال ذلك العلم بل نتكلم في العلم الذي نريد أن نتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، وكنا قبل قليل نتكلم في الاحتفال بالمولد ؛ فيعود السؤال الآن وأرجو أن أحضى بالجواب بوضوح بدون حيدة ثانية . فأقول هل تعتقد بما أوتيت من عقل وفهم أنه يمكننا ونحن في آخر الزمان أن نكون أعلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في العلم الشرعي وأن نكون أسرع إلى العمل بالخير والتقرب إلى الله من هؤلاء السلف الصالح ؟ محاور الشيخ : هل تقصد بالعلم الشرعي تفسير القرآن ؟ الشيخ الألباني : هم أعلم منا بتفسير القرآن ، وهم أعلم منا بتفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، هم في النهاية أعلم منا بشريعة الإسلام . محاور الشيخ : بالنسبة لتفسير القرآن ربما الآن أكثر من زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فمثلاً الآية القرآنية ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)) (النمل:88) فلو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد في زمانه إن الأرض تدور هل كان سيصدقه أحد ؟! ما كان صدقه أحد . الشيخ الألباني : إذاً أنت تريدنا – ولا مؤاخذة – أن نسجل عليك حيدةً ثانية . يا أخي أنا أسأل عن الكل لا عن الجزء ، نحن نسأل سؤالاً عاماً : الإسلام ككل من هو أعلم به ؟ محاور الشيخ : طبعاُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته . الشيخ الألباني : هذا الذي نريده منك بارك الله فيك . ثم التفسير الذي أنت تدندن حوله ليس له علاقة بالعمل ، له علاقة بالفكر والفهم . ثم قد تكلمنا معك حول الآية السابقة وأثبتنا لك أن الذين ينقلون الآية للاستدلال بها على أن الأرض تدور مخطؤون لأن الآية تتعلق بيوم القيامة (( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) . لسنا على كل حال في هذا الصدد . وأنا أسلِّم معك جدلاً أنه قد يكون رجلاً من المتأخرين يعلم حقيقة علمية أو كونية أكثر من صحابي أو تابعي الخ ؛ لكن هذا لا علاقة له بالعمل الصالح ؛ فاليوم مثلاً العلوم الفلكية ونحوها الكفار أعلم منا فيها لكن مالذي يستفيدونه من ذلك ؟ لاشيء . فنحن الآن لا نريد أن نخوض في هذا اللاشيء ، نريد أن نتكلم في كل شيء يقربنا إلى الله زلفى ؛ فنحن الآن نريد أن نتكلم في المولد النبوي الشريف . وقد اتفقنا أنه لو كان خيراً لكان سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم به منا وأسرع إلى العمل به منا ؛ فهل في هذا شك ؟ محاور الشيخ : لا ، لا شك فيه . الشيخ الألباني : فلا تحد عن هذا إلى أمور من العلم التجريبي لا علاقة لها بالتقرب إلى الله تعالى بعمل صالح . الآن ، هذا المولد ما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم - باتفاق الكل – إذاً هذا الخير ماكان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ، كيف خفي هذا الخير عليهم ؟! لابد أن نقول أحد شيئين : علموا هذا الخير كما علمناه – وهم أعلم منا – ، أو لم يعلموه ؛ فكيف علمناه نحن ؟! ؛ فإن قلنا : علموه ؛ - وهذا هو القول الأقرب والأفضل بالنسبة للقائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد - فلماذا لم يعملوا به ؟! هل نحن أقرب إلى الله زلفى ؟! – لماذا لم يُخطيء واحدٌ منهم مرة صحابي أو تابعي أو عالم منهم أو عابد منهم فيعمل بهذا الخير ؟! هل يدخل في عقلك أن هذا الخير لا يعمل به أحدٌ أبداً ؟! وهم بالملايين ، وهم أعلم منا وأصلح منا وأقرب إلى الله زُلفى ؟! أنت تعرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم _ فيما أظن _ : (( لا تسبوا أصحابي ؛ فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَهُ )) . أرأيت مدى الفرق بيننا وبينهم ؟! لأنهم جاهدوا في سبيل الله تعالى ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقوا العلم منه غضاً طرياً بدون هذه الوسائط الكثيرة التي بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم ، كما أشار صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا المعنى في الحديث الصحيح : (( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأهُ على قراءة ابن أم عبد )) يعني عبد الله بن مسعود . " غضاً طرياً " يعنى طازج ، جديد . هؤلاء السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم لايمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن وإذا قلنا إنهم عرفوا كما عرفنا ؛ فإننا لا نستطيع أن نتصور أبداً أنهم أهملوا هذا الخير . لعلها وضحت لك هذه النقطة التي أُدندنُ حولها إن شاء الله ؟ محاور الشيخ : الحمد لله . الشيخ الألباني : جزاك الله خيراً . هناك شيء آخر ، هناك آيات وأحاديث كثيرة تبين أن الإسلام قد كَمُلَ _ وأظن هذه حقيقة أنت متنبه لها ومؤمن بها ولا فرق بين عالم وطالب علم وعامِّي في معرفة هذه الحقيقة وهي : أن الإسلام كَمُلَ ، وأنه ليس كدين اليهود والنصارى في كل يوم في تغيير وتبديل . وأذكرك بمثل قول الله تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)) الآن يأتي سؤال : وهي طريقة أخرى لبيان أن الاحتفال بالمولد ليس خيراً غير الطريقة السابقة وهي أنه لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم – أي السلف الصالح – أعلم منا وأعبد . هذا المولد النبوي إن كان خيراً فهو من الإسلام ؛ فنقول : هل نحن جميعاً من منكرين لإقامة المولد ومقرِّين له هل نحن متفقون - كالاتفاق السابق أن هذا المولد ماكان في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم – هل نحن متفقون الآن على أن هذا المولد إن كان خيراً فهو من الإسلام وإن لم يكن خيراً فليس من الإسلام ؟ ويوم أُنزلت هذه الآية : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) لم يكن هناك احتفال بالمولد النبوي ؛ فهل يكون ديناً فيما ترى ؟ أرجو أن تكون معي صريحاً ، ولا تظن أني من المشائخ الذين يُسكِّتون الطلاب ، بل عامة الناس : اسكت أنت ما تعلم أنت ما تعرف ، لا خذ حريتك تماماً كأنما تتكلم مع إنسان مثلك ودونك سناً وعلماً . إذا لم تقتنع قل : لم أقتنع . فالآن إذا كان المولد من الخير فهو من الإسلام وإذا لم يكن من الخير فليس من الإسلام وإذا اتفقنا أن هذا الاحتفال بالمولد لم يكن حين أُنزلت الآية السابقة ؛ فبديهي جداً أنه ليس من الإسلام . وأوكد هذا الذي أقوله بأحرف عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس : قال : " من ابتدع في الإسلام بدعة – لاحظ يقول بدعة واحدة وليس بدعاً كثيرة – يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " . وهذا شيء خطير جدا ً ، ما الدليل يا إمام ؟ قال الإمام مالك : اقرؤا إن شئتم قول الله تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)) فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً . انتهى كلامه . متى قال الإمام مالك هذا الكلام ؟ في القرن الثاني من الهجرة ، أحد القرون المشهود لها بالخيرية ! فما بالك بالقرن الرابع عشر ؟! هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب ؛ لكننا غافلون عن كتاب الله تعالى ، وعن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أقوال الأئمة الذين نزعم نحن أننا نقتدي بهم وهيهات هيهات ، بيننا وبينهم في القدوة بُعد المشرقين . هذا إمام دار الهجرة يقول بلسانٍ عربيٍ مبين : "فمالم يكن يومئذٍ ديناً ؛ فلا يكون اليوم ديناً". اليوم الاحتفال بالمولد النبوي دين ، ولولا ذلك ما قامت هذه الخصومة بين علماء يتمسكون بالسنة وعلماء يدافعون عن البدعة . كيف يكون هذا من الدين ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين ولا في عهد أتباع التابعين ؟! الإمام مالك من أتباع التابعين ، وهو من الذين يشملهم حديث : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) . يقول الإمام مالك : " ما لم يكن حينئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها " . بماذا صلح أولها ؟ بإحداث أمور في الدين والُتقرب إلى الله تعالى بأشياء ما تقرب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! والرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل : (( ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الى الله إلى وأمرتكم به )) . لماذا لم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحتفل بمولده ؟! هذا سؤال وله جواب : هناك احتفال بالمولد النبوي مشروع ضد هذا الاحتفال غير المشروع , هذا الاحتفال المشروع كان موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعكس غير المشروع ،مع بَون شاسع بين الاحتفالين : أول ذلك : أن الاحتفال المشروع عبادة متفق عليها بين المسلمين جميعاً . ثانياً : أن الاحتفال المشروع يتكرر في كل أسبوع مرة واحتفالهم غير المشروع في السنة مرة . هاتان فارقتان بين الاحتفالين : أن الأول عبادة ويتكرر في كل أسبوع بعكس الثاني غير المشروع فلا هو عبادة ولا يتكرر في كل أسبوع . وأنا لا أقول كلاماً هكذا ما أنزل الله به من سلطان ، وإنما أنقل لكم حديثاً من صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن أبي قتادة الأنصاري قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟ قال (( ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه ، وأُنزل القرآن عليَّ فيه .)) ما معنى هذا الكلام ؟ كأنه يقول : كيف تسألني فيه والله قد أخرجني إلى الحياة فيه ، وأنزل عليَّ الوحي فيه ؟! أي ينبغي أن تصوموا يوم الاثنين شكراً لله تعالى على خلقه لي فيه وإنزاله الوحي عليَّ فيهِ . وهذا على وزان صوم اليهود يوم عاشوراء ، ولعلكم تعلمون أن صوم عاشوراء قبل فرض صيام شهر رمضان كان هو المفروض على المسلمين . وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ؛ فسألهم عن ذلك ؛ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده فصمناه شكراً لله ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : (( نحن أحق بموسى منكم )) فصامه وأمر بصومه فصار فرضاً إلى أن نزل قوله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه)) . فصار صوم عاشوراء سنة ونسخ الوجوب فيه . الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك اليهود في صوم عاشوراء شكراً لله تعالى أن نجى موسى من فرعون ؛ فنحن أيضاً فَتَح لنا باب الشكر بصيام يوم الاثنين لأنه اليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واليوم الذي أُوحي إليه فيه . الآن أنا أسألك : هولاء الذين يحتفلون بالمولد الذي عرفنا أنه ليس إلى الخير بسبيل أعرف ان كثيراً منهم يصومون يوم الاثنين كما يصومون يوم الخميس ؛ لكن تُرى أكثر المسلمين يصومون يوم الاثنين ؟ لا ، لا يصومون يوم الاثنين ، لكن أكثر المسلمين يحتفلون بالمولد النيوي في كل عام مرة ! أليس هذا قلباً للحقائق ؟! هؤلاء يصدق عليهم قول الله تعالى لليهود : ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)) هذا هو الخير : صيام متفق عليه بين المسلمين جميعاً وهو صيام الاثنين ومع ذلك فجمهور المسلمين لا يصومونه !! نأتي لمن يصومه وهم قلة قليلة : هل يعلمون السر في صيامه ؟ لا لا يعلمون . فأين العلماء الذين يدافعون عن المولد لماذا لا يبينون للناس أن صيام الاثنين هو احتفال مشروع بالمولد ويحثونهم عليه بدلاً من الدفاع عن الاحتفال الذي لم يُشرع ؟!! وصدق الله تعالى ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : (( للتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) وفي رواية أخرى خطيرة (( حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك )) . فنحن اتبعنا سنن اليهود ؛ فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، كاستبدالنا المولد النبوي الذي هو كل سنة وهو لا أصل له بالذي هو خير وهو الاحتفال في كل يوم اثنين وهو احتفال مشروع بأن تصومه مع ملاحظة السر في ذلك وهو أنك تصومه شكراً لله تعالى على أن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وأنزل الوحي فيه . وأختم كلامي بذكر قوله صلى الله عليه وسلم : (( أبى الله أن يقبل توبة مبتدع )) . والله تعالى يقول : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) وقد جاء في صحيح مسلم أن أحد التابعين جاء إلى السيدة عائشة محاور الشيخ : قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أليس تكريماً له ؟ الشيخ الألباني : نعم محاور الشيخ : فيه ثواب هذا الخير من الله ؟ الشيخ الألباني : كل الخير . ما تستفيد شيئاً من هذا السؤال ؛ ولذلك أقاطعك بسؤال : هل أحد يمنعك من قراءة سيرته ؟ أنا أسألك الآن سؤالاً : إذا كان هناك عبادة مشروعة ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما وضع لها زمناً معيناً ، ولا جعل لها كيفية معينة ؛ فهل يجوز لنا أن نحدد لها من عندنا زمناً معيناً ، أو كيفية معينة ؟ هل عندك جواب ؟ محاور الشيخ : لا، لا جواب عندي . الشيخ الألباني : قال الله تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) وكذلك يقول الله تعالى : ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) التوبة:31 (( لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية – وقد كان قبل إسلامه نصرانياً – أشكلت عليه فقال: إنا لسنا نعبدهم قال: ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلّون ما حرم الله، فتحلونه؟) ، فقال: بلى. قال : ( فتلك عبادتهم))). وهذا يبيِّن خطورة الابتداع في دين الله تعالى . |
وإن من أخطر البدع التي يترتب عليه مفاسد عقدية وسلوكية وأخلاقية : بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل ذكر الأدلة على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي ، لابد من الإشارة إلى ما يلي : أولاً :- أول من ابتدع الاحتفال بالمولد في الأمة الإسلامية: اختلف المؤرخون في ذلك بعد اتفاقهم على أنها لم تكن موجودة في القرون الثلاثة المفضلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) فقال بعض العلماء : إن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي هو الشيخ عمر بن محمد الملا كما قال أبو شامة: (( وكان أول من فعل ذلك بالموصل _ أي الاحتفال بالمولد _ الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين ، و به اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره )) وقال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة أبو سعيد كوكبوري ملك إربل : وكان يعمل المولد الشريف ربيع الأول ، ويحتفل احتفالا هائلا ، ويعمل الصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ، ويرقص بنفسه معهم )), وقال كثير من العلماء أن أول من أحدثه الفاطميون العبيديون كما نقل ذلك المقريزي في خططه ، والقلقشندي ، والسندوبي ، ومحمد بخيت ، وعلي فكري وعلي محفوظ . قال المقريزي :(( كان للخلفاء الفاطمين في طوال السنة أعياد ومواسم ؛ وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب ، ومولد الحسن والحسين ، ومولد فاطمة الزهراء ومولد الخليفة الحاضر ، وليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول شعبان ، وليلة نصفه )) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والاعتبار وقال مفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي )):مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد ؟ فنقول : إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون ، وأولهم المعز لدين الله )) وهذا هو الصحيح أن أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي الفاطميون ، وبالتحديد المعز لدين الله عام 1362 ، ثم كان أول من أظهرها بعدهم الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس ، وأول القرن السابع الهجري . |
ثانيا :-أسباب نشأة المولد :- 1- نشر العقائد الشيعية من خلال التذرع بحب آل البيت ، وهذا مما يبين السر في كون الدولة الفاطمية هي أول من ابتدع هذه البدعة . 2- إفساد عقائد المسلمين ، ونشر البدع والمحرمات في الأمة الإسلامية ، كما فعلت ذلك الدولة الفاطمية قديما . 3- كسب تعاطف المسلمين وإشغالهم عن دينهم ومعالي الأمور ، وصرف أنظارهم عن ما ترتكبه الحكومات الصليبية والعلمانية من مخالفات شرعية في بلاد المسلمين ، مما يؤكد هذا ما ذكره الجبرتي في تاريخه : أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي ، وأمر بتعليق الزينات ، بل وحضر الحفل من أوله إلى آخره ، ليجذب إليه قلوب المصريين ، ويعلن لهم أنه صديق للإسلام والمسلمين ، ولما في الاحتفال من الخروج عن الشريعة والاختلاط واتباع الشهوات والرقص وفعل المحرمات)) 4- كسب الولاء الديني لمشايخ الصوفية. 5- السعي لنيل الشهرة والصيت من خلال الاحتفال بالمولد كما يحدث من الأغنياء والموسرين . 6- الارتزاق الدنيوي ، كما يحدث من قبل تجار الحلوى ومشايخ الطرق وسدنة الأضرحة والمداحيين والقصاصين والمنشدين والمغنيين والراقصات وغيرهم . 7- الحصول على الشهوات والمحرمات كما يحدث من الفساق والفجار . 8- موافقته لهوى النفس والطباع البشرية الضعيفة ، قال محمد رشيد رضا في كتابه (( ذكرى المولد النبوي )) : أن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين والدنيا في طور ضعفهم في أمر الدين والدنيا ، لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس ، فيعملونه بدلا مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوى بها أمر المعظم ، ويعتز بها دينه ولاشك أن الرسول الأعظم أحق الخلق بكل تعظيم ، وليس من تعظيمه أن يبتدع في دينه شيء نعظمه به ، وإن كان بحسن نية ، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية ، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم )) |
ثالثا: أقسام المحتفلين بالمولد النبوي :- 1- الوزارات الحكومية , متمثلة في وزارات الأوقاف ,وأحياناً يحضر رئيس الدولة,وبعض الشخصيات الإسلامية الحكومية, وعلماء الدولة الرسمين , وينقل بالتلفاز والقنوات وإذاعات القرآن . 2- الجهات الشبه رسمية: مثل مجالس الصوفية العليا , التي تقيم الموائد و مجالس الذكر وتسير المواكب , وتعقد حلقات للذكر والرقص والإنشاد والتشبيب . 3- عامة الناس الذين يحتفلون مع الدولة , أو المجالس الصوفية , أو من خلال الاجتماعات في البيوت وغيرها . 4- بعض الاتجاهات والحركات والجماعات الإسلامية التي تقيم الأمسيات الدينية التي تذكر بهديه صلى الله عليه وسلم وتخلوا احتفالاتها من المنكرات , لكن مجرد تخصيصهم هذه الليالي للاجتماع على ذكر سيرته وهديه هو من البدع المحدثة التي لم يكن عليها السلف الصالح . 5- ما يقوم به بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة والأدب والإعلام , من إلقاء الخطب والمحاضرات والكتابة في الصحف, وعقد البرامج والندوات , عن مولد النبي وسيرته وهديه في أيام شهر ربيع الأول , وخصوصاً ليلة الثاني عشر ويومه, وهذا داخل في البدع المنهي عنها , إذ أنه نوع من الاحتفال بمولده, ولم ينقل عن السلف الصالح تخصيص شهر ربيع أو بعض أيامه ولياليه ، للكلام عن مولد وسيرته من خلال الخطب والدروس والمحاصرات أو أي وسيلة دعوية أخرى . |
رابعا :أنواع الاحتفالات بالمولد النبوي: النوع الأول: ما خلا من العقائد والأقوال الشركية ، والكبائر والموبقات ، واقتصر فيه على الأكل والاجتماع والخطب ، فهذا بدعة له حكم غيره من البدع . قال ابن الحاج فإن خلا – أي المولد النبوي – منه – أي السماع وتوابعه – وعمل طعاما فقط ، ونوى به المولد ، ودعا إليه الأخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره، فهو بدعة بنفس نيته فقط ، إذ أن ذلك زيادة في الدين ، وليس من عمل السلف الماضين ، وبعضهم يتورع عن هذا أي عن سماع الأغاني بقراءة صحيح البخاري وغيره عوضا عن ذلك, هذا وان كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات ،وفيها البركة العظيمة والخير الكثير, لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد, ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ,ومع ذلك لو فعلها الإنسان في غير الوقت المشروع لها, لكان مذموماً مخالفاً, فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :في الفتاوى الكبرى: أما اتخاذ مواسم غير المواسم الشرعية ,كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد , أو بعض ليالي رجب , أو ثامن عشر ذو الحجة, أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال (( عيد الأبرار )) فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها. وقال العلامة الفاكهاني في رسالته( المورد في الكلام عن المولد ) : في النوع الخالي من المحرمات, بأن يعمل الرجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله, ولا يجاوزون في ذلك الاجتماع لأكل الطعام , ولا يقترفون شيئاً من الآثام ,فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهةً وشناعةً, إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام , وعلماء الأنام ,ولا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة , ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم قدوة الدين , المتمسكون بآثار المتقدمين, بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة اعتنى بها الأكالون ) |
النوع الثاني: وهو الاحتفال المحتوي على المحرمات, التي ذكر بعضها ابن الحاج في المدخل وهي: 1- استعمال الأغاني وآلات الطرب. 2- الاستهزاء بكتاب الله حيث يجمعون بين تلاوته وسماع الأغاني في هذه الاحتفالات. 3- تبرج النساء وافتنان الرجال بهن. 4- الافتنان بالمردان الذين يغنون ويدورون بالطيب والعنبر ، ويتكسرون في مشيتهم وكلامهم ورقصهم . 5- اختلاط الرجال بالنساء ، ومايترتب عليه من الفواحش والرقص وشرب الخمور . 6- الإسراف في الموائد والأموال . وقال أبو المحاسن جمال الدين عن مولد الإميابي : وصار يعمل المولد في كل سنة فيأتيه الناس ويجتمع من النسوان والشبان خلق كثير , فذكروا أنه عمل المولد على عادته في شهر ربيع الأول سنة 790هـ ,فهرع الناس لحضور المجتمع حتى غص المكان بكثرة العالم ,وتنوعوا تلك الليلة في الفسوق لكثرة اختلاط النسوان والمردان بأهل الخلاعة , فتواتر الخبر بأنه وجد في صبيحة تلك الليلة من جرار الخمر التي شربت بالليل فوق خمسين فارغة, وافتضت تلك الليلة عدة أبكار ,وأوقدت شموع بمال كثير فبعث الله يوم الأحد صباح المولد قاصفاً من الريح كدرت على من كان هناك ,وسفت في وجوههم التراب, واقتطعت الخيم , ولم يقدر أحد على ركوب البحر , ولم يعد يعمل مولد بعدها , فإن الشيخ الإميابي مات في آخر شعبان سنة 790هـ ) فمثل هذه الصفة من الاحتفالات المنكرة القبيحة لا يشك أي عاقل في تحريمها وبدعيتها قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة , فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولايستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق )) وقال العلامة الفاكهاني في رسالته (المورد) النوع الثاني من الموالد : هو أن تدخله الجناية ، وتقوى به العناية لاسيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء المليء بالات الباطل من الدفوف والشبابات ، واجتماع الرجال مع الشبان المرد والنساء الفاتنات ، إما مختلطات بهم أو مشرفات ، ويرقصن بالتثني والانعطاف والاستغراق في اللهو ، وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ، ولا يستحسنه ذو المروءة من الفتيان وإنما يحلو لنفوس موتى القلوب ,وغير المستقلين من الآثام والذنوب , وأزيدك أنهم يرون ذلك من العبادات لا من المنكرات, فإنا لله وإنا إليه راجعون)) . |
النوع الثالث: ما احتوى على عقائد فاسدة وخطب وأشعار وأعمال شركية أو بدعية , ومن ذلك ما يفعله كثير من الجهلة من القيام عندما يذكر الواعظ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا, وذلك لأن الكثير من هؤلاء المحتفلين يعتقدون أن النبي حضر بجسده الشريف في تلك اللحظات وأن البخور والماء قد وضعا له , وبعض أدعياء العلم منهم يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حي حياة كاملة برزخية كاملة لائقة بمقامه ,وأن روحه جوالة سياحة في ملكوت الله ,ويمكن أن تحضر مجالس الخير ومشاهد النور, مثل الاحتفال بمولده, قلت: والحق أن كلتا العقيدتين عقائد فاسدة وأن كلا الفريقين في ضلال مبين, إذ لم يقم الدليل من الكتاب والسنة على حضور النبي لاحتفال مولده ولا غيره من مجالس الذكر لا بروحه ولا بجسده. ثم إنهم وقعوا في محذور آخر , في قيامهم للنبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً له , كما روى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن أبي أمامة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا, فقمنا له , فقال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً) ثم إن هذه الاحتفالات لا تخلو من ذكر أبيات البردة , ومنها : يا أكرم الناس مالي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن بآخرتي آخذاً بيدي *** فضلاً و إلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علوم اللوح والقلم فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك علم اللوح والقلم من علومه فماذا أبقى هؤلاء المبتدعة لله تعالى من جود وعلوم تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وغالباً ما يذكر فيها الوعاظ هذه الأبيات البدعية: سعد السعود علا في الحل والحرم *** نور الهدى قد بدا في العرب والعجم بمولد المصطفى أصل الوجود ومَن *** لولاه لم تخرج الأكوان من عدم وإليك نموذجاً مما يقرأ في الموالد من الأذكار المبتدعة والعقائد الفاسدة, وهي قصص الموالد المنسوبة للحافظ عبد الرحمن الشيباني اليمني المعروف (بابن الديبع ) يقول في فاتحتها :فسبحانه وتعالى من ملك أوجد نور نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نوره قبل أن يخلق آدم من الطين اللازب , وعرض فخره على الأشياء , فقال : هذا سيد الأنبياء , وأجل الأصفياء وأكرم الحبائب , قيل هو آدم أنيله به أعلى المراتب, ثم ذكر حديثين أحدهما عن ابن عباس رفعه: إن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله تعالى , قبل أن يخلق آدم بألفي عام , يسبح الله ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه ,والثاني أثر عن كعب الأحبار لا يصح أيضاً ,ولا يخفى ما في هذا الكلام من زلل وطوام . وهذا النوع من الاحتفالات أضاف بدعة على بدعة , وأصحابه في ظلمات بعضها فوق بعض , نسأل الله العافية والسلامة من كل ما يغضب الله ويأباه من البدع والمحدثات والمنكرات. |
خامسا:ذكر الأدلة على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي:- 1. أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم, كما قال تعالى } اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا { وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال عن هذه الآية :" نزلت يوم عرفة " وذلك في حجة الوداع , فمن أتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة جديدة مبتدعة , فهو ضال مبتدع في دين الله الذي أكمله لعباده وارتضاه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم. 2. أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة, وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها, لايزيغ عنها الا هالك وقد روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما بعث الله من نبي الا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم , وينذرهم من شر ما يعلمه لهم " , ومعلوم من الدين بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده , ولم يأمر أصحابه بذلك, ولو كان الاحتفال بمولده من الدين الذي ارتضاه الله , والخير الذي تنتفع الأمة بإقامته , لبينه لأمته أو فعله في حياته أو فعله أصحابه , ومن زعم بعد ذلك كله أن الاحتفال بمولده من مقتضيات محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعبد الله به , فإما أن يتهم الله تعالى بالكذب تعالى الله عن ذلك في قوله :} اليوم أكملت لكم دينكم { لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات والدين ناقص حتى أتى هؤلاء فأكملوه بالاحتفال بالمولد , وإما أن يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة والتقصير في أداء الأمانة وتبليغ الرسالة والدين لأمته , وكلا الإتهامين جناية قبيحة بل كفر بواح وردة عن الإسلام ولهذا قال ابن الماجشون : سمعت مالكا يقول :- "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة , فقد زعم أن محمدا خان الرسالة , لأن الله يقول } اليوم أكملت لكم دينكم... { فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ". 3. أن الاحتفال بالمولد ليس من عمل السلف الصالح من القرون الثلاثة المفضلة، وإنما هو بدعة أحدثت بعد ذلك، بإجماع العلماء المنكرين لها، كشيخ الإسلام ابن تيمية و الشاطبي و ابن الحاج و الفاكهاني، وإجماع المرتضين لها في صورها الخالية من الاعتقادات الشركية و المحرمات ، كابن حجر العسقلاني الذي قال :-" أصل عمل المولد بدعة، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة " ، وكذلك السخاوي الذي قال :-" لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد". وإننا لنتسائل بعجب : أيعقل أن يغفل أهل القرون الفاضلة الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير الذي يكون في الاحتفال بالمولد النبوي، ويوفق إليه من يأتي بعدهم من القرون المتأخرة المذمومة في جملتها. 4. أن الاحتفال بالمولد من ابتداع الدولة الفاطمية كما تقدم، وكانت تحاول كسب قلوب المسلمين و تعاطفهم من خلال الاحتفال بالمولد، وحتى تعرف حقيقة هذه الدولة استمع إلى قول الغزالي في الدولة الفاطمية حيث قال :" ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، واتفق طوائف المسلمين علماؤهم و ملوكهم و عامتهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم على أنهم كانوا خارجين عن شريعة الإسلام، وأن قتالهم كان جائزا، وهم من أشد الناس تعظيما للمشاهد، ودعوة للكواكب، ونحو ذلك من دين المشركين، ومن أبعد الناس عن تعظيم المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه". 5. أنه من المعلوم بالضرورة عظم محبة الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم و مسارعتهم لطاعة أوامره و حرصهم على إتباع سنته و تعظيمه التعظيم اللائق به من غير مبالغة ولا غلو، كما روى البخاري في صحيحه من حديث المسور بن مخرمة أن عروة بن مسعود لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاوضا في عمرة الحديبية قال بعد ذلك واصفا حال الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم :" أي قومي والله لقد وفدت على الملوك كلهم كسرى و قيصر والنجاشي، والله ما رأيت قوما يعظمون ملكهم كما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده، وإذا أمرهم ابتدءوا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له ". نعم هكذا كان الصحابة مع رسول الله و أما جهادهم و بذلهم و تضحيتهم في سبيل الله فأمر مشهور ومعلوم، ومع ذلك كله لم ينقل عن واحد منهم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإننا نسأل هؤلاء المحتفلين بالمولد النبوي فنقول: أأنتم أشد حبا للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم الصحابة ؟ فإن قالوا: نحن أشد حبا فقد كذبوا، وإن قالوا: بل أصحابه أشد حبا فقد خصموا، إذا أنه لا يسعهم إحداث عبادة لم يتعبدها أصحابه رضوان الله عليهم، لأن الصحابة أعمق منهم علما، وأطهر قلوبا و أصلح حالا، وأحرص على ما يقربهم إلى الله من العبادات، وأشد حبا للنبي صلى الله عليه وسلم. 6. أن مما ينبغي أن يعلم أن النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على عباده، وأمته بها عليهم هي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وليست مولده، ولهذا فإن الله تعالى لم ينوه في القرآن بمولده، وإنما نوه ببعثته عليه الصلاة و السلام فقال تعالى :} لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آيته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة،وإن كانوا من قبل في ضلال مبين{. 7. أن العبادات مبنية على التوقيف من الشارع، و لا مجال فيها للاجتهاد أو الابتداع، ويدل على ذلك :- أن خير يوم طلعت عليه الشمس هو يوم الجمعة، و معلوم أن أفضل ما يفعل في اليوم الفاضل هو صومه، كيوم عرفة و عاشوراء، ومع ذلك فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة مفردا، فدل هذا على أنه لا يجوز إحداث عبادة في زمان و لا مكان إلا إذا كانت مشروعة من الشارع، وأما ما لم يشرعه الشارع فلا يفعل، إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها، وهذا الاحتفال بالمولد النبوي لم يشرعه الشارع، ولذلك فهو بدعة محدثة غير جائزة. 8. أن الاحتفال بالمولد النبوي يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى و الموالد و الاحتفالات، كما هو حال الجهلة الآن، من إقامة الاحتفالات بذكرى الهجرة و الإسراء و معركة بدر، ومولد البدوي و الدسوقي و الشاذلي، حتى صار غالب دين هؤلاء احتفالات و رقص و غناء و ذكريات و لا حول و لا قوة إلا بالله. 9. أن الاحتفال بالمولد، لاسيما في صوره الحالية وسيلة إلى الغلو في مدحه و إطرائه، والمبالغة في تعظيمه، حتى يفضي ذلك بالناس إلى دعائه و الاستغاثة به، وقد نهانا نبينا عن الغلو في مدحه فقال كما في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله". 10. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتزام سنته و سنة الخلفاء الراشدين المهدين، ونهانا في نفس الحديث عن المحدثات كما تقدم من حديث العرباض بن سارية، فدل ذلك على أن العبادات قسمان:- أ- قسم من سنته و سنة الخلفاء الراشدين. ب- قسم من المحدثات. وتقدم نقل إجماع العلماء على أن هذا المولد ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، و لا من سنة الخلفاء الراشدين، وأنه محدث بعد القرون الفاضلة، فتبين بذلك أنه بدعة محدثة، لا تقرب إلى الله، إذ أن التقرب إلى الله لا يكون إلا من خلال طريق محمد بن عبدالله صلوات الله و سلامه عليه. 11. أن هذا الاحتفال مع كونه بدعة في الدين، فهو كذلك مشابهة للنصارى في احتفالاتهم البدعية بمولد المسيح عيسى بن مريم في كل سنه، وقد نهانا عليه الصلاة و السلام من مشابهتهم في عباداتهم، وأعيادهم وعاداتهم التي يختصون بها. بل قد قال المستشرق كارل هينرش بكر :" من المؤكد أن الاحتفال بمولد النبي قد نشأ تحت تأثير مسيحي" تراث الأوائل في الشرق و الغرب. 12. أنه يوجد في الاحتفال بالمولد النبوي ممارسات هي أقرب إلى الاستهزاء بالله و برسوله من تعظيمه، ومن ذلك: الجمع بين تلاوة القرآن و استماع الأغاني و الموسيقى في تلك الليلة، ومنه التقرب إلى الله تعالى بما حرمه من الرقص والغناء والاختلاط بين الرجال والنساء، بل و شرب الخمور واللواط والزنا و الفواحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 13. أنه قد وقع خلاف كبير في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم, فالجمهور على أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول, وهناك ستة أقوال أخرى, بل ووقع الخلاف في الشهر الذي ولد فيه, فقال بعضهم في رمضان وقال آخرون في ربيع الأول, وكون هذا الاختلاف يقع بهذا الشكل, ولا يسعى الصحابة ومن بعدهم من التابعين إلى تحقيق القول الراجح, يدل دلالة واضحة جلية على أنهم لم يكونوا يزيدون فيه زيادة على سائر الليالي والأيام, إذ لو كانت الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث وتشرع فيها عبادة, لكانت معلومة مشهورة عند الصحابة ومن بعدهم من التابعين محددة بالقول الراجح عندهم. 14. نقول لهؤلاء المحتفلين المدعين محبة النبي صلى الله عليه وسلم:- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد في شهر ربيع الأول فقد مات فيه أيضا, فلماذا تحتفلون فيه وتظهرون الفرح والسرور, ولا تحزنون وتبكون على مصيبة موته عليه الصلاة والسلام, وهي المصيبة العظيمة التي لم تصب الأمة الإسلامية بمثلها, إذ بموته انقطع الوحي من السماء وقد روى ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً قوله: " فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي " ولذا قال الفاكهاني : " إن الشهر الذي ولد فيه رسول الله, هو بعينه الشهر الذي توفي فيه, فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ". وختاماً نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى وأن يثبتنا على التوحيد والسنة, ويجنبنا الشرك والبدعة . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين |
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، والقيام له في أثناء ذلك ، وإلقاء السلام عليه ، وغير ذلك مما يفعل في الموالد .
والجواب أن يقال : لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره ؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ؛ ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها .لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرهم من الصحابة ـ رضوان الله على الجميع ـ ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، أي : مردود عليه ، وقال في حديث آخر : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين : ( ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( سورة الحشر : 7 ) ، وقال عز وجل : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ( سورة النور : 63 ) ، وقال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) ( سورة الأحزاب : 21 ) ، وقال تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) ( سورة التوبة : 100 ) ، وقال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) ( سورة المائدة : 3 ) . والآيات في هذا المعنى كثيرة . وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين : أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة . والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح ، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " رواه مسلم في صحيحه . ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغاً ونصحاً ، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته ، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين .وقد جاء في معناهما أحاديث أُُخر ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " رواه الإمام مسلم في صحيحه . والقاعدة الشرعية : رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله ، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها ؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها . وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات ؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال آلات الملاهي ، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر ، وظنوا أنها من البدع الحسنة . كما قال الله عز وجل : ( يآأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) ( سورة النساء : 59 ) ، وقال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ( سورة الشورى : 10 ) . وقد رددنا هذه المسألة ـ وهي الاحتفال بالموالد ـ إلى كتاب الله سبحانه ، فوجدنا يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه ، وقد رددنا ذلك ـ أيضاً ـ إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين ، بل هو من البدع المحدثة ، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم . وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام ، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها . ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار ، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية ، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ( سورة البقرة : 111 ) ، وقال تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ( سورة الأنعام : 116 ) . ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر ، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء .وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله " أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه . ومن العجائب والغرائب : أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد ي حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات ، ولا يرفع بذلك رأساً ، ولا يرى أنه أتي منكراً عظيماً ، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين . ومن ذلك : أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعاتهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة ، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون ( 15 ـ 16 ) : ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع ، وأول مُشَفَّعٍ " عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام . فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث ، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور ، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سطان . والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به . أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات ، ومن الأعمال الصالحات ، كما قال تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يآ أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) ( سورة الأحزاب : 56 ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً " ، وهي مشروعة في جميع الأوقات ، ومتأكدة في آخر كل صلاة ، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة ، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة ، منها بعد الأذان ، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام ، وفي يوم الجمعة وليلتها ، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة . والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة ، إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه . رسالة " حكم الاحتفال بالمولد النبوي " الشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله |
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.
وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الداعي إلى طاعة ربه المُحذر من الغلو والبدع والمعاصي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد: أقول مستعيناً بالله تعالى: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول ولا غيره بل يجب منعه لأنّ ذلك من البدع المحدثة في الدين ولأنّ الرسول لم يفعله ولم يأمر به لنفسه أو لأحد ممن تُوفي قبله من الأنبياء أو من بناته أو زوجاته أو أحد أقاربه أو صحابته، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا التابعون لهم بإحسان، ولا أحد من علماء الشريعة والسنة المحمدية في القرون المفضلة. وهؤلاء هم أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ولو كان خيراً لسبقونا إليه. وقد أُمرنا بالاتباع ونُهينا عن الابتداع وذلك لكمال الدين الإسلامي والاغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتلقاه أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [متفق على صحته]. وفي رواية أخرى لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وكان يقول في خطبته يوم الجمعة: «أما بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» ففي هذه الأحاديث تحذير شديد من إحداث البدع وتنبيه بأنّها ضلالةٌ تنبيهاً للأمة على عظيم خطرها وتنفيراً لهم عن اقترافها والعمل بها. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر:7] وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]. وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]. وهذة الآية تدل دلالة صريحة على أنّ الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتمّ عليها نعمته ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلاّ بعد ما بلّغ البلاغ المبين وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال وأوضح أنّ كل ما يُحدثه النّاس بعده وينسبونه إلى الدين الإسلامي من أقوال وأعمال فكله بدعة مردودة على من أحدثها ولو حسن قصده. وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع والترهيب منها وما ذاك إلاّ لأنها زيادة في الدين وشرعٌ لم يأذن به الله وتشبهٌ بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ولأنّ لازمها التنقص للدين الإسلامي واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها. وإحداث مثل هذه الاحتفالات بالمولد ونحوه يُفهم منه أنّ الله سبحانه وتعالى لم يُكمل الدين لهذه الأمة، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله زاعمين أنّ ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك، فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النّار إلاّ بيّنه لأمته كما ثبت في الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أُمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم» [رواه مسلم في صحيحه] ومعلوم أنّ نبينا عليه الصلاة والسلام هو أفضل الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم فلما لم يقع شيء من ذلك عُلم أنّه ليس من الإسلام في شيء بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته كما تقدم ذلك في الأحاديث السابقة. وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها ومعلوم أنّ القاعدة الشرعية أنّ المرجع في التحليل والتحريم ورد ما تنازع فيه النّاس إلى كتاب الله وسنة رسوله كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]. وإذا رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء فيه ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأنّ الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه. وإذا رددناه أيضاً إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نجد فيها أن فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فبذلك نعلم أنّه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة ومن التشبه الأعمى بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وانصاف في طلبه أنّ الاحتفال بجميع الموالد ليس من دين الإسلام في شيء بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتركها والحذر منها. ولا ينبغي للعاقل أن يغترّ بكثرة ما يفعله الناس في سائر الأقطار، فإنّ الحق لا يُعرف بكثرة الفاعلين وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود والنصارى:{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]. وقال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. ثم إنّ غالب هذه الاحتفالات مع كونها بدعة لا تخلو في أغلب الأحيان وفي بعض الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه واعتقاد أنّه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» وقال عليه الصلاة والسلام: «لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله» [أخرجه البخاري في صحيحه]، ومما يدعو إلى العجب والاستغراب أنّ الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأساً ولا يرى أنّه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أنّ ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين. وأغرب من ذلك أنّ بعضهم يظن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر الموالد ولهذا يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره يوم القيامة. ولا يتصل بأحد من النّاس ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلا عليين عند ربّه في دار الكرامة كما قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15-16]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع»، فهذه الآية والحديث الشريف وما جاء بمعناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنّما يُخرجون من قبورهم يوم القيامة وهذا أمر مُجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور والحذر ممّا أحدثه الجُهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، أمّا الصلاة والسلام على رسول الله فهي من أفضل القربات ومن الأعمال الصالحات كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشراً» وهي مشروعة في جميع الأوقات ومتأكدة في آخر كل صلاة بل واجبة عند الكثير من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة وسنّة مؤكدة في مواضع كثيرة منها ما بعد الأذان وعند ذكره، وفي يوم الجمعة وليلتها كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة، وهذا ما أردت التنبيه عليه نحو هذه المسألة وفيه كفاية إن شاء الله لمن فتح الله عليه وأنار بصيرته. وإنّه ليؤسفنا جداً أن تصدر مثل هذه الاحتفالات البدعية من مسلمين متمسكين بعقيدتهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونقول لمن يقول بذلك إن كنت سنياً ومتبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهل فعل ذلك هو أو أحد من صحابته الكرام أو التابعين لهم بإحسان، أم هو التقليد الأعمى لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم. وليس حب الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثل فيما يقام من الاحتفالات بمولده، بل بطاعته فيما أمر به وتصديقه فيما أخبر به واجتناب ما عنه نهى وزجر وألاّ يُعبد الله إلاّ بما شرع. وكذا بالصلاة عليه عند ذكره وفي الصلوات وفي كل وقت ومنا. وليس منع الاحتفال البدعي بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وما يكون فيه من غلو أو شرك ونحو ذلك عملاً غير إسلامي أو إهانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو طاعة له وامتثال لأمره حيث قال: «إيّاكم والغلو في الدين فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وقال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنّما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله». وهذا ما أردت التنبيه عليه. والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة إنّه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. عبدالعزيز بن عبدالله بن باز "منقول من موقع وذكر" |
جزاكم الله خيراً.
ورحم الله الوالد المعلم والشيخ الفاضل عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. |
ورقة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي
http://ebadalrahmaan.jeeran.com/mawledbanner.gif حكم الاحتفال بالمولد النبوي ورقة دعوية صالحة للطباعة والنشر شارك في طباعتها وتوزيعها للتحذير من هذه البدعة ورفع الجهالة عن المسلمين الورقة متاحة بنسختين ملونة وبالأبيض والأسود ومتاحة أيضا باللغة الإنجليزية "بفضل الله"ـ فلا تتردد في طباعتها وتوزيعها في جامعتك أو مكان عملك أو مسجدك لمشاهدة وتحميل الورقة باللغة العربية >>اضغط هنــــــا لتحميل الورقة باللغة الإنجليزية >> اضغط هنــــــا http://www.wathakker.net/designs/images/br17.gif لتحميل الورقة ملونة "للطباعة" ـ http://www.wathakker.net/images/icons/rar.gif لتحميل الورقة أبيض وأسود "للطباعة بسعر رخيص"ـ http://www.wathakker.net/images/icons/rar.gif "Pdf" لتحميل الورقة ملونة للتصفح المباشر والطباعة http://www.wathakker.net/images/icons/pdf.gif http://www.wathakker.net/matwyat/view.php?id=1280 http://www.wathakker.net/designs/images/br17.gif شارك في نشرها عبر المنتديات والقوائم البريدية ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) هذا ملف وورد به الموضوع منسق بالأكواد للنشر في المنتديات فقط نسخ ولصق (copy & paste) من الملف للمنتديات و سيظهر الموضوع كامل و منسق إن شاء الله للتحميل من هنــــــا http://www.ibnalislam.net/extension/doc.gif |
موضوع متميز
شكرا لك |
بارك الله فيكم جميعاً
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:58 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.