بوابة الثانوية العامة المصرية

بوابة الثانوية العامة المصرية (https://www.thanwya.com/vb/index.php)
-   ركن الغـذاء والـدواء (https://www.thanwya.com/vb/forumdisplay.php?f=567)
-   -   الإعجاز الغيبى والتاريخى (https://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=221321)

عمروعبده 28-06-2010 07:05 PM

الإعجاز الغيبى والتاريخى
 
أقدم لحضراتكم مجموعة من الأبحاث والمقالات عن الإعجاز الغيبى والتاريخى
وهو منقول للفائدة


التطاول في البنيان

ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل بعض من علائم قرب قيام الساعة أجارنا وإياكم من فزعها ومن فزع يوم القيامة :
عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "سلوني فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال "لا تشرك بالله شيئا. وتقيم الصلاة. وتؤتى الزكاة. وتصوم رمضان" قال: صدقت. قال: يا رسول الله ! ما الإيمان؟ قال "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه،ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! مالإحسان؟ قال "أن تخشى الله كأنك تراه. فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك" قال صدقت. قال : يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال" ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأحدثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربتها فذاك من أشراطها.
صورة لأحد المباني
وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك منأشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها.في خمسمن الغيب لا يعلمهن إلا الله. ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلمما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليمخبير}. [31/ سورة لقمان، آية 34].
وورد في كتاب كنز العمال للمتقي الهندي :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أشراط الساعة أن ترى الرعاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتباهون في البنيان، وأن تلد الأمة ربها وربتها).
معاني الألفاظ:
البَهْم جمع بَهْمَة وهي ولد الضأن الذكر والأنثى، وجمع البَهْم بِهَام
ورد في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ما نصه :

عمروعبده 28-06-2010 07:11 PM

اكتشاف مساكن قـوم عــاد

لقد ذكر الله تعالى قوم عاد في سياق حديثه عن نبيه هود عليه السلام قال تعالى :
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) (هود:50) .
ولقد حدد القرآن مكان قوم عاد في الأحقاف والأحقاف جمع حقف وهي الرمال، ولم يعيين القرآن موقعها، إلا أن الإخباريين كانوا يقولون إن موقعها بين اليمن وعُمان ..
قال تعالى :(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الاحقاف:21) .
ولقد أخبر القرآن الكريم أن قوم عاد بنوا مدينة اسمها ( إرم ) ووصفها القرآن بأنها كانت مدينة عظيمة لا نظير لها في تلك البلاد قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ{6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8}(سورة الفجر ).
وقد ذكر المؤرخون أن عاداً عبدوا أصناماً ثلاثة يقال لأحدها : صداء وللأخر : صمود ، وللثالث : الهباء وذلك نقلاً عن تاريخ الطبري.
ولقد دعا هود قومه إلى عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام لأن ذلك سبيل لاتقاء العذاب يوم القيامة .
ولكن ماذا كان تأثير هذه الدعوة على قبيلة ( عاد ) ؟
لقد احتقروا هوداً ووصفوه بالسفه والطيش والكذب ، ولكن هوداً نفى هذه الصفات عن نفسه مؤكداً لهم أنه رسول من رب العالمين لا يريد لهم غير النصح .
قال تعالى : (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ).(لأعراف:66).

التذكير بنعم الله :
تابع هود مخاطبة قومه محاولاً إقناعهم بالرجوع إلى الطريق الحق مذكراً إياهم بنعم الله عليهم ، فقال : هل أثار عجبكم واستغرابهم أن يجيئكم إرشاد من ربكم على لسان رجل منكم سوء العاقبة بسبب الضلال الذي أنتم عليه ؟ ألا تذكرون أن الله جعلكم وارثين للأرض من بعد قوم نوح الذين أهلكهم الله بذنوبهم ، وزادكم قوة في الأبدان وقوة في السلطان ، وتلك نعمة تقتضي منكم أن تؤمنوا بالله وتشكروه ، لا أن تكفروا به ..
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (لأعراف:69)
ويحدث القرآن أن قوم هود لم يقوموا بحق الشكر لنعم الله عليهم ، بل انغمسوا في الشهوات، وتكبروا في الأرض ، فقال لهم هود :
(أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فأتقوا الله واطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) الشعراء .
ونلاحظ أن الآيات أشارت إلى أن قوم عاد كانوا مشهورين في بناء الصروح العظيمة والقصور الفارهة. .
ولما عصوا رسولهم أنزل الله تعالى عليهم العذاب وذلك بأن أرسل عليهم ريحاً عاصفة محملة بالغبار والأتربة والتي غمرتهم وقضت عليهم قال تعالى :(وَأَمَّا عَاد فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) (الحاقة:6) .
أما أهم النقاط التي تطرق القرآن لذكرها في قصة هود :
1. أن قوم هود كانوا يسكنونه في الأحقاف والأحقاف هي الأرض الرملية ولقد حددها المؤرخون بين اليمن وعمان .
2. أنه كان لقوم عاد بساتين وأنعام وينابيع قال تعالى :(واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون )
3. أن قوم عاد بنوا مدينة عظيمة تسمى إرم ذات قصور شاهقة لها أعمدة ضخمة لا نظير لها في تلك البلاد لذلك قال تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد ).
4. إنهم كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة (أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون).
5. لما كذبوا هوداً أرسل عليهم الله تعالى ريحاً شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال .

الإعجاز العلمي والغيبي

الاكتشافات الأثرية لمدينة "إرم"
فى بداية عام 1990 امتلأت الجرائد العالمية الكبرى بتقارير صحفية تعلن عن: " اكتشاف مدينة عربية خرافية مفقودة " ," اكتشاف مدينة عربية أسطورية " ," أسطورة الرمال (عبار)", والأمر الذي جعل ذلك الاكتشاف مثيراً للاهتمام هو الإشارة إلى تلك المدينة في القرآن الكريم. ومنذ ذلك الحين, فإن العديد من الناس؛ الذين كانوا يعتقدون أن "عاداً" التي روى عنها القرآن الكريم أسطورة وأنه لا يمكن اكتشاف مكانها، لم يستطيعوا إخفاء دهشتهم أمام ذلك الاكتشاففاكتشاف تلك المدينة التي لم تُذكر إلا على ألسنة البدو قد أثار اهتماماً وفضولاً كبيرين.
نيكولاس كلاب, عالم الاآثار الهاوي, هو الذي اكتشف تلك المدينة الأسطورية التي ذُكرت في القرآن الكريم[1].
و لأنه مغرم بكل ما هو عربي مع كونه منتجاً للأفلام الوثائقية الساحرة, فقد عثر على كتاب مثير جداً بينما هو يبحث حول التاريخ العربي, و عنوان ذلك الكتاب "أرابيا فيليكس" لمؤلفه "بيرترام توماس" الباحث الإنجليزي الذي ألفه عام 1932 , و "أرابيا فيليكس" هو الاسم الروماني للجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية و التي تضم اليمن والجزء الأكبر من عمان. أطلق اليونان على تلك المنطقة اسم "العرب السعيد"[2] و أطلق عليها علماء العرب في العصور الوسطي اسم "اليمن السعيدة", وسبب تلك التسميات أن السكان القدامى لتلك المنطقة كانوا أكثر من فى عصرهم حظاً. و السبب في ذلك يرجع إلى موقعهم الاستراتيجي من ناحية؛ حيث أنهم اعتُبروا وسطاء في تجارة التوابل بين بلاد الهند وبلاد شمال شبه الجزيرة العربية, ومن ناحية أخرى فإن سكان تلك المنطقة اشتهروا بإنتاج "اللبان" وهو مادة صمغية عطرية تُستخرَج من نوع نادر من الأشجار. وكان ذلك النبات لا يقل قيمة عن الذهب حيث كانت المجتمعات القديمة تُقبل عليه كثيراً.
و أسهب الباحث الإنجليزي "توماس" في وصف تلك القبائل "السعيدة الحظ"[3], و رغم أنه اكتشف آثاراً لمدينة قديمة أسستها واحدة من تلك القبائلو كانت تلك المدينة هي التي يطلق عليها البدو اسم "عُبار", وفى إحدى رحلاته إلى تلك المنطقة, أراه سكان المنطقة من البدو آثاراً شديدة القدم و قالوا إن تلك الآثار تؤدى إلى مدينة "عُبار" القديمة.
و لكن "توماس" الذي أبدى اهتماماً شديداً بالموضوع, توُفِى قبل أن يتمكن من إكمال بحثه.
و بعد أن راجع "كلاب" ما كتبه الباحث الإنجليزي, اقتنع بوجود تلك المدينة المفقودة التي وصفها الكتاب و دون أن يضيع المزيد من الوقت بدأ بحثه.
استخدم "كلاب" طريقتين لإثبات وجود مدينة "عُبار":
أولاً: أنه عندما وجد أن الآثار التي ذكرها البدو موجودة بالفعل, قدم طلب للالتحاق بوكالة ناسا الفضائية ليتمكن من الحصول على صور لتلك المنطقة بالقمر [4]الصناعي, وبعد عناء طويل, نجح في إقناع السلطات بأن يلتقط صوراً للمنطقة..
ثانياً: قام "كلاب" بدراسة المخطوطات و الخرائط القديمة بمكتبة "هانتينجتون" بولاية كاليفورنيا بهدف الحصول على خريطة للمنطقة. وبعد فترة قصيرة من البحث وجد واحدة, وكانت خريطة رسمها "بطلمى" عام 200 ميلادية , و هو عالم جغرافي يوناني مصري. وتوضح الخريطة مكان مدينة قديمة اكتُشفت بالمنطقة و الطرق التي تؤدى إلى تلك المدينة. و في الوقت نفسه, تلقى أخباراً بالتقاط وكالة ناسا الفضائية للصور التي جعلت بعض آثار القوافل مرئية بعد أن كان من الصعب تمييزها بالعين المجردة و إنما فقط رؤيتها ككل من السماء. و بمقارنة تلك الصور بالخريطة القديمة التي حصل عليها, توصل "كلاب" أخيراً إلى النتيجة التي كان يبحث عنها؛ ألا وهى أن الآثار الموجودة في الخريطة القديمة تتطابق مع تلك الموجودة في الصور التي التقطها القمر الصناعي . وكان المقصد النهائي لتلك القبائل موقعاً شاسعا ً يُفهم أنه كان في وقت من الأوقات مدينة. و أخيراً, تم اكتشاف مكان المدينة الأسطورية التي ظلت طويلاً موضوعاً للقصص التي تناقلتها ألسن البدو. و بعد فترة وجيزة, بدأت عمليات الحفر, و بدأت الرمال تكشف عن آثار المدينة القديمة, ولذلك وُصفت المدينة القديمة بأنها ( أسطورة الرمال "عبار" ).
ولكن ما الدليل على أن تلك المدينة هي مدينة قوم "عاد" التي ذُكرت في القرآن الكريم؟
منذ اللحظة التي بدأت فيها بقايا المدينة في الظهور, كان من الواضح أن تلك المدينة المحطمة تنتمي لقوم "عاد" ولعماد مدينة "إرَم" التي ذُكرت في القرآن الكريم؛ حيث أن الأعمدة الضخمة التي أشار إليها القرآن بوجه خاص كانت من ضمن الأبنية التي كشفت عنها الرمال.
قال د. زارينز وهو أحد أعضاء فريق البحث و قائد عملية الحفر, إنه بما أن الأعمدة الضخمة تُعد من العلامات المميزة لمدينة "عُبار", وحيث أن مدينة "إرَم" وُصفت في القرآن بأنها ذات العمادأي الأعمدة الضخمة, فإن ذلك يعد خير دليل على أن المدينة التي اكتُشفت هي مدينة "إرَم" التي
ذكرت في القرآن الكريم قال تعالى في سورة الفجر :
" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادْ (6) إِرَمَ ذَاتِ العِمَادْ (7) الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى البِلادْ(8)"
المدينة الأسطورية والتي ذكرت في القرآن باسم إرم Iram والتي أنشأت لِكي تَكُونَ فريدةَ جداً حيث تبدو مستديرة ويمر بها رواق معمّد دائري، بينما كُلّ المواقع الأخرى في اليمن حتى الآن كَانتْ التي اكتشفت كانت أبنيتها ذات أعمدة مربعة يُقالُ بأن سكان مدينة أرم بَنوا العديد مِنْ الأعمدةِ التي غطيت بالذهبِ أَو صَنعتْ من الفضةِ وكانت هذه الأعمدةِ رائعة المنظر "

هذه الصورة هي لقلعة من قلاع إرم والتي تقع على عمق 10 أمتار تحت طبقات من الرمال الصحراوية والتي تتميز بأعمدتها الضخمة والتي تم تصويرها عبر أحد الأقمار الصناعية الأمريكية المتطورة
أضغط على الصورة لتكبيرها

قال تعالى على لسان نبي الله هود: )أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء128ـ129).
إن الذي يسافر إلى جزيرة العرب يلاحظ انتشار الصحارى بكثرة في معظم المناطق باستثناء المدن والمناطق التي زرعت لاحقاً.
لكن القرآن الكريم يذكر أنه هذه الصحارى كانت يوماً من الأيام جنات ويعيون.
فقال لهم هود) : أتبنون بكل ريع ٍ آية تعبثون، وتتخذونمصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فأتقوا الله واطيعون . واتقوا الذيأمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( الشعراء
ولقد كشفت السجلات التاريخية أن هذه المنطقة تعرضت إلى تغيرات مناخية حولتها إلى صحارى، والتي كَانتْ قبل ذلك أراضي خصبة مُنْتِجةَ فقد كانت مساحات واسعة مِنْ المنطقةِ مغطاة بالخضرة كما أُخبر القرآنِ، قبل ألف أربعمائة سنة .
ولقد كَشفَت صور الأقمار الصناعية التي ألتقطها أحد الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا عام 1990 عن نظامَ واسع مِنْ القنواتِ والسدودِ القديمةِ التي استعملت في الرَيِّ في منطقة قوم عاد والتي يقدر أنها كانت قادرة على توفير المياه إلى 200.000 شخصَ [5]كما تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد أحد الباحثين الذي أجرى أبحاثه في تلك المنطقة قالَ" لقد كانت المناطق التي حول مدنية مأرب خصبة جداً ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة ."
أضغط على الصورة لتكبيرها
صورة لمجرى نهرين جافين قرب مساكن قوم عاد صورت عبر الأقمار الصناعية
كما وَصفَ الكاتبُ القديم اليونانيُ Pliny هذه المنطقةِ أنْها كانت ذات أراضي خصبة جداً وكانت جبالها تكسوها الغابات الخضراء وكانت الأنهار تجري من تحتها.
ولقد وجدت بعض النقوشِ في بَعْض المعابدِ القديمةِ قريباً من حضرموت، تصور بعض الحيوانات مثل الأسود التي لا تعيش في المناطق الصحراوية وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المنطقة كانت جنات وأنها مصداقاً لقوله تعالى :)واتقوا الذيأمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( الشعراء .
أما سبب اندثار حضارة عاد فقط فسرته مجلة A m'interesseالفرنسية التي ذكرت أن مدينة إرم أو"عُبار" قد تعرضت إلى عاصفة رملية عنيفة أدت إلى غمر المدينةبطبقات من الرمال وصلت سماكتها إلى حوالي 12 متر [6]
وهذا تماماً هو مصداق لقوله تعالى :
( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ }.
من أخبر محمد بن عبد الله عن قصة عاد ومن أخبره عن مكانهم بالتحديد في منطقة الأحقاف أي أرض الرمال والتي هي الربع الخالي الذي يتميز برماله المتحركة التي تشغل معظم مساحته، من أخبره أن قوم عاد بنوا مدينة عظمة تسمى إرم فيها قصور وقلاع ضخمة تتميز بأعمدة عظيمة ، إنه رب العالمين منزل القرآن على قلب حبيبه محمد بن عبد الله .
قال تعالى في كتابه العزيز :
{ وَإِلَى عَادٍأَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـه غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ {50} يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {51} وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ {52} قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }[سورة هود:50، 52].
قال تعالى في كتابه العزيز :{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَة عَادٍ وَثَمُودَ {13} إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَة فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ {14} فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {15} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُم عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ }[سورة فصلت:13ـ16].

عمروعبده 28-06-2010 07:13 PM

أصحاب الكهف

تحكى سورة الكهف, و هى السورة الثامنة عشر من القرآن الكريم, عن مجموعة من الفتية لجؤوا إلى أحد الكهوف للإختباء من حاكم أنكر وجود الله و مارس ألواناً من القهر و الظلم على المؤمنين, والآيات التالية توضح ذلك:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ والرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الفِتْيَةُ إِلَى الكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوآ أَمَداً * نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىً* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونهِ إِلهاً لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً * هَؤلاءِ قَوْمُنا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّولا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً * وتَحْسَبُهُمْ أَيقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ونُقَلِّبُهُم ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُم قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوآ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُر أيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُم يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوآ إِذاً أَبَداً * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوآ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَآ إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْـنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِم قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً * سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُم كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً* وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُل عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً * وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَالَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَداً ) (الكهف: 9-26).
ووفقا للاعتقاد السائد فإن أصحاب الكهف, الذين أثنت عليهم المصادر الإسلامية و المسيحية, تعرضوا لطغيان الإمبراطور الرومانى "دقيوس". و فى محاولة من هؤلاء الفتية للتصدى لظلم "دقيوس" و طغيانه, حذروا قومهم مراراً من أن يتركوا دين الله. و لكن أمام إعراض قومهم, و اشتداد ظلم الإمبرطور و توعده لهم بالقتل, ترك الفتية مساكنهم.
تكشف السجلات التاريخية عن عدد من الأباطرة الذين مارسوا سياسة الاضطهاد والإرهاب والتعذيب في حق المؤمنين من المسيحيين الأوائل الذين كانوا متمسكين بالمعتقد المسيحي الأصلي الصافي.
و فى خطاب أرسله الحاكم الرومانى "بيلونيوس" (690-113 ميلادية) ؛ بشمال غرب الأناضول, إلى الإمبراطور "تريانيوس" ,أشار "بيلونيوس" إلى " أصحاب المسيح " الذين أوذوا لرفضهم عبادة تمثال الإمبراطور. و يعد هذا الخطاب أحد الوثائق الهامة التى تتحدث عن الظلم والقهر الذى تعرض له المسيحيون الأوائل آنذاك.

وفى ظل تلك الظروف, رفض هؤلاء الفتية الخضوع لهذا النظام الكافر, و عبادة الإمبراطور إلهاً من دون الله (... فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِإِلَهاً لَّقَد قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلآءِ قَومُنا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِآلِهَةً لَّولا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِافْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً ) (الكهف: 14-15).
أما بالنسبة للمكان الذي كان يعيش فيه أصحاب الكهف, فإن الآراء تتعدد وتتباين, ولكن أكثر هذه الآراء اعتدالاً هو مدينتى "إفسوس" و "طرسوس". ويمن القول أن جميع المصادر المسيحية على وجه التقريب تعتبر مدينة "إفسوس" هى مكان الكهف الذى التجأ إليه هؤلاء الفتية المؤمنين. و يتفق بعض الباحثين المسلمين و مفسري القرآن الكريم مع المسيحيين على أن "إفسوس" هى المكان, كما أوضح آخرون بشىء من التفصيل أن مكان الكهف ليس "إفسوس" و عليه فقد حاولوا أن يثبتوا أن الحدث وقع فى مدينة "طرسوس." و فى هذا البحث سنتناول كلتا المدينتين بالدراسة و مع هذا, فإن هؤلاء الباحثين و المفسرين جميعهم, بما فيهم المسيحيون, أتفقوا أن الحدث وقع فى عهد الإمبراطور الرومانى "دِقيوس", ويقال له ايضاُ "دِقيانوس", و كان ذلك فى حوالى عام 250 ميلادية .
و يعتبر "دقيوس", إلى جانب "نيرو", هو الإمبراطور الرومانى الذى نكل بالمسيحيين تنكيلاً شديداً. و أثناء فترة حكمه القصيرة, أجبر "دِقيوس" كل من يخضع لحكمه أن يقدم القرابين للآلهة , بل و أن يأتى بما يثبت أنه فعل ذلك و يعرضه على كبار الدولة. ومن لم يستجب منهم, كان يأمر بقتله.
تنص المصادر المسيحية على أن الغالبية العظمى من المسيحيين رفضوا ممارسة تلك الأفعال الوثنية , وهموا بالفرار من مدينة إلى أخرى, أو الإختباء فى أماكن نائية. و من المرجح أن أصحاب الكهف كانوا من ضمن هؤلاء المسيحيون الأوائل.
و فى الوقت نفسه لابد هنا من التأكيد على نقطة هامة وهى أن تلك الأحداث نقلها لنا بعض مؤرخى المسلمين و المسيحيين بما يشبه الحكاية , و تحولت بعد ذلك إلى أسطورة نتيجة لما أضيف إليه من أكاذيب و إشاعات , و لكن رغم كل ذلك فإن الحدث يعد واقعة تاريخية .

هل كان أصحاب الكهف فى "إفسوس"؟

و فيما يتعلق بالمدينة التى عاش فيها الفتية و الكهف الذى أووا إليه, فتشير المصادر إلى عدة أماكن . ويرجع ذلك إلى سببين :
الأول :رغبة الناس فى الاعتقاد بأن مثل هؤلاء الفتية الشجعان كانوا يعيشون فى مدينتهم. و الثاني : الشبه الكبير بين الكهوف فى تلك المنطقة ؛حيث أنه فى جميع الأماكن تقريباً, يوجد مكان للعبادة يقال انه بُنى فوق الكهوف .
و كما هو معروف فإن المسيحيون اتفقوا على أن تكون "إفسوس" هى المكان المقدس؛ حيث يوجد في تلك المدينة منزلاً يُقال إنه للسيدة مريم العذراء, وقد أصبح فيما بعد كنيسة. لذلك فإنه من المرجح أن يكون أصحاب الكهف قد أقاموا فى واحد من تلك الأماكن المقدسة . علاوة على ذلك, فإن بعض المصادر المسيحية تؤكد أن "إفسوس"هىالمكان.
و يعد القديس السورى "جيمز" (وُلد452ميلادية) أقدم المصادر فى ذلك الصدد, و استشهد "جيبون" المؤرخ الشهير فى كتابه " تدهور و سقوط الدولة الرومانية" بالكثير من دراسة "جيمز". ووفقاً لما جاء في هذا الكتاب, فإن الإمبراطور الذى عذَب الفتية السبعة المسيحيين المؤمنين هو "دِقيوس" . و قد حكم "دقيوس" الإمبراطورية الرومانية فى الفترة ما بين 249 و 251 ميلادية .واشتهرت فترة حكمه بألوان العذاب التى مارسها ضد أتباع النبي عيسى عليه السلام.
ويرى المفسرون المسلمون أن المكان الذى وقع فيه الحدث هو إما "أفسوس" أو "أفسُس", فى حين يرى "جيبون" أنه "إفسوس." و لأن تلك المدينة تقع على الساحل الغربى لبلاد الأناضول, فإنها تعد من أكبر موانى ومدن الإمبراطورية الرومانية. و اليوم يُعرف حطام تلك المدينة باسم"مدينة إفسوس العتيقة"
و يرى الباحثون المسلمون أن الإمبراطور الذى كان يحكم البلاد فى الفترة التى قام فيه أصحاب الكهف من رقدتهم اسمه "تيزوسيوس", فى حين يرى "جيبون" أن اسمه "ثيودسيوس الثانى" و قد حكم هذا الإمبراطور البلاد فى الفترة من 408 إلى 450 ميلادية بعدما دانت الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية.
و في بعض التفسيرات المتعلقة بالآية التالية, قيل أن باب الكهف كان من نحو الشمال, وعليه فإن ضوء الشمس كان لا يصل إلى الداخل , ولهذا فإن من يمر على الكهف كان لا يستطيع أن يرى ما بداخله, و الآية توضح هذا المعنى :
( وَتَرى الشَّمْسَ إذا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِم ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرشِداً ) (الكهف: 17).
و أشار عالم الآثار دكتور "موسى باران" فى كتابه "إفسوس" إلى مدينة "إفسوس" باعتبارها المكان الذى كان يعيش فيه مجموعة الفتية , و أضاف قائلاً
"فى عام 250 ميلادية, كان يعيش سبعة فتية فى "إفسوس" وقد اختاروا المسيحية ديناً لهم و تركوا عبادة الأوثان, وفيما هم يبحثون عن مكان للهروب بدينهم, عثروا على كهف بالمنحدر الشرقى لجبل "بيون". و قد رأى ذلك جنود الرومان فبنوا حائطاً ليسدوا به مدخل الكهف"[1]
واليوم يشاهد العديد من المباني الدينية وقد بنيت فوق هذه الحجارة والقبور، أظهرت الحفريات التي قام بها المعهد الاسترالي الأثري عام 1926 أن الآثار التي ظهرت على سفح جبل بيون تعود إلى بناء تم تشييده تكريماً لأصحاب الكهف في منتصف القرن السابع (خلال حكم ثيودوسيوس الثاني)[2].

هل أصحاب الكهف فى طرسوس؟
و المكان الثانى الذى أُشير إليه باعتباره المكان الذى عاش فيه أصحاب الكهف هو مدينة "طرسوس." و بالفعل فإن هناك كهفاً شديد الشبه بذلك الذى و صفه القرآن الكريم , و يقع على جبل يُعرف باسم "إنسيلوس" أو "بنسيلوس" بشمال غرب "طرسوس." و فكرة أن تكون مدينة "طرسوس" هى المكان الصحيح كان رأى علماء المسلمين.
و قد حدد "الطبرى" , و هو واحد من أهم مفسرى القرآن الكريم, اسم الجبل الذى يوجد به الكهف على أنه "بينسيلوس" و ذلك فى كتابه "تاريخ الأمم" و أضاف أنالجبل فى "طرسوس, و قال أيضاً "محمد أمين", وهو من أشهر مفسرى القرآن, أن الجبل كان اسمه "بنسيلوس" و أنه فى "طرسوس". و يمكن أن تنطق "بنسيلوس" على أنها "إنسيلوس", و فى رأيه أن الاختلاف بين الكلمتين يرجع إلى اختلاف نطق حرف "الباء", أو لفقدان حرف من الكلمة الأصلية و هو ما يُعرف "بالنحت التاريخى للكلمة".
و أوضح "فخر الدين الرازى"(3), وهو أيضاً من أشهر علماء القرآن الكريم, أنه بالرغم من أن المكان يُطلق عليه "إفسوس", فإن القصد هو "طرسوس" لأن "إفسوس" ما هى إلا مسمى آخر لمدينة "طرسوس." بالإضافة إلى ذلك, فإنه فى شروح كل من: القاضى البيضاوى والناصفى و تفسير الجلالين و التبيان (4)و تفسير العاملي والناصوحى بيلمين وغيرهم من العلماء, تم تحديد المكانعلى أنه "طرسوس." هذا إلى جانب أن كل هؤلاء المفسرين فسروا قوله تعالى: (وَتَرَىالشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَاغَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْآيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُوَلِيّاً مُّرْشِداً * وتَحْسَبُهُمْ أَيقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ونُقَلِّبُهُم ذَاتَاليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَوِاطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْرُعْباً )( الآية 17) بقولهم أن مدخل الكهف كان من نحو الشمال (4) .
وكذلك كان مُقام أصحاب الكهف موضعاً للاهتمام أيام الخلافة العثمانية, وقد أُجريت بعض الأبحاث بهذا الشأن. و تمت بعض المراسلات و تبادل المعلومات حول هذا الموضوع فى مخازن السجلات العثمانية برئاسة الوزراء؛ فعلى سبيل المثال, أشتمل خطاب بعثته إدارة "طرسوس" المحلية إلى رئيس خزانة الدولة العثمانية على طلباً رسمياُ بإعطاء مرتبات لهؤلاء المسؤولين عن تنظيف "الكهف" و الحفاظ عليه. ونص الرد على أنه لكى تُخَصص مرتبات لهؤلاء الأشخاص, لابد من التأكد أن هذا المكان هو بالفعل المكان الذى أقام به أصحاب الكهف. و البحث الذى أُجرى بهذا الصدد قد ساعد كثيراً فى تحديد المكان الحقيقى للكهف.
و بعد التحقيقات التى أجراها المجلس القومى تم إعداد تقرير ينص علىالآتى:
"إلى الشمال من مدينة طرسوس, فى بلدة "عَدَنة", يوجد كهفاً على جبل يبعد ساعتين عن المدينة و مدخله يتجه ناحية الشمال كما أخبر القرآن الكريم"
و كثُيراً ما كانت المناظرات حول هوية أصحاب الكهف و أين و متى كانوا يعيشون حافزاً للسلطات لكى تجرى المزيد من البحوث بهذا الشأن. و برغم التعليقات العديدة, فإن أياً من هذه التعليقات لا يعتبر أكيداً؛ ولذلك فإن أسئلة مثل: "فى أى فترة عاش هؤلاء الفتية المؤمنون" و " أين الكهف الذى أخبرنا عنه القرآن الكريم" ظلت دون إجابة واضحة.
المصدر:
PERISHED NATIONS R . HARUN YAHYAمترجم عن كتاب
قام بالترجمة من الإنكليزية إلى العربية الأخت الكريمة مي أحمد من مصر .
المراجع :
نقلاً عن كتاب الأمم البائدة للداعية التركي هارون يحيى .
[1] موسى باران، إيفس الصفحة 23-24 .
[2]ماسنيون، أوبرا مينورا، المجلد الثالث، الصفحات 104-108
[3] تفسير روح المعاني للفخر الرازي .
(4) من تفسير القاضى,و البيضاوى,و الناصفى,و الجلالين,و التبيان

عمروعبده 28-06-2010 07:15 PM

المصائب التي حلت بفرعون وقومه

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )[سورة الأعراف : 13].
وقال الله تعالى : (وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ {132} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)[سورة الأعراف].
صورة تخيلية لأحدى مدن المملكة الوسطى
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى نبي الله موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه فكان ردهم الاستهزاء قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {46} فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ {47} ) [سورة الزخرف ].
وقال الله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {103})[سورة الأعراف].
وقال الله تعالى : (وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ {132})[سورة الأعراف ].
وبسبب موقف بني فرعون وقومه المتكبر " المتغطرس " أرسل الله عليهم البلاء الذي وصف بالآية
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)[سورة الأعراف].
بشكل واضح ودقيق لكي يعاقبهم بسبب تكبرهم وأول هذه العقوبات كان القحط لقد كان كنتيجة لذلك محل في المحاصيل كما دلت الآية القرآنية .
(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )[سورة الأعراف : 13].
الإعجاز الغيبي :
لقد أخبر القرآن الكريم عن كوارث حلت بمصر في حقبة من تاريخ من تاريخ البشرية في زمن المملكة الوسطى في مصر وعن أسباب هذه الكوارث بشيء من التفصيل قبل أكثر من 1400سنة فقد كانت الحضارة الفرعونية مندثرة ومدفونة تحت طبقات من الرمان الصحراوية في وادي الملوك بمصر عند مبعثه صلى الله عليه وسلم ولم تسمع بها قريش ولا حتى أهل مصر أنفسهم، لم يكونوا يعرفوا شيئاً عن تفاصيلها إلا بعض الأساطير والأخبار المغلوطة وبعض الإشارات الغامضة في التوراة والتي كان الكثير منها مليئاً الأخطاء التاريخية، ولم تتمكن البشرية من اكتشاف أسرار الحضارة الفرعون إلا في مطلع القرن الثامن عشر عند وصول الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون والذي أصطحب معه عالم الآثار الشهير شامبليون الذي أكتشف حجر رشيد والذي تم من خلاله فك رموز الكتابة الفرعونية .
أما الكوارث التي حلت بمصر لم تكتشف إلا في عام 1909 عندما عثر علماء الآثار على كتاب من ورق البردي دون عليه أحد رجال قصر فرعون النكبات التي حلت بمصر في عصر المملكة الوسطى ولقد تم الاحتفاظ بهذا المخطوط الهام في متحف " ليدن " في هولندا ولقد قام بترجمه الباحث والخبير في تاريخ مصر القديمة أ. هـ كاردنير (A.H.Gardiner).
وإليكم بعض عبارات من لوح البردي بعد ترجمته:
الوباء في كل أنحاء الأرض، الدم في كل مكان (205)
النهر هو كالدم (1)
نتيجة للهلاك الذي حل البارحة لقد استلقى الناس متعبين مثل الكتان المقطع (2)
إن مصر الدنيا تبكي، القصر بكامله دون موارده التي كان ترده من القمح والشعير والأوز والسمك (3)
المغفرة لقد هلكت البذور في كل جانب (4)
إن الارتباك والضجة المخيفة امتدت في كل الأرض لم يكن هناك خروج من القصر ولم يستطع أحد رؤية وجه رفيقه لمدة تسعة أيام لقد تدمرت البلدان بالمد المحتوم لقد عانت مصر العليا من الخراب .. الدم في كل مكان وكان ينتشر الطاعون في جميع أنحاء البلاد لا أحد حقاً سيبحر إلى بيبلوس اليوم ماذا سنفعل من أجل الأوز من أجل موميائنا ؟ لقد نضب الذهب (5)
لقد عاد الرجال مشمئزين من تذوق الكائنات الحية وهم متعطشين للماء (6)
ذلك هو ماءنا وتلك هي سعادتنا ماذا ستنفل بالنسبة لذلك ؟ كل شيء تدمر (7) .
لقد تدمرت البلدان وأصبحت مصر العليا قاحلة (8)
لقد انقلبت المساكن بلحظة (9)
إن سلسلة الكوارث التي حلت بشعب مصر بحسب هذه الوثيقة ( البردي) تتوافق تماماً مع وصف القرآن لهذه المحنة (10)
وورق البردي الذي وصف الكوارث التي حلت بمصر في عصر المملكة الوسطى لهو شاهد أن القرآن الكريم هو كتاب رب العالمين المنزل على قلب نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ..
فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم راعي الغنم قبل 1400 سنة عن هذه الأخبار التي يتوصل العلم الحديث إليها إلا في مطلع القرآن التاسع عشر إنه رب العالمين ..
وصدق رب العالمين حين قال :( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [سورة ص].

عمروعبده 28-06-2010 07:17 PM

تحوّل الصحاري إلى جنات

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال:
خرجنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا قَالَا نَعَمْ فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ قَالَ ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ قَالَ وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ أَوْ قَالَ غَزِيرٍ شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا*
وتصدق نبوءة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ألف وأربعمائة سنة, فتتحول المنطقة حول تبوك إلى مزارع عامرة بأفضل المزروعات, وأشهى الثمار والخضروات, وذلك لأن منطقة تبوك وما حولها تحوي أهم خزانات المياه تحت سطح الأرض في الجزيرة العربية (فتكون جبل الساق, ومتكونات مجموعة تبوك الرملية) والتي تتميز بتركيبها من الحجر الرملي عالي المسامية والنفاذية, وبمنكشف تزيد مساحته عن عدة عشرات الآلاف من الكيلو مترات المربعة إلى الغرب من تبوك تعمل كمصيدة هائلة لمياه الأمطار التي تتحرك من سطح الأرض إلى ما تحت سطحها يميل الطبقات إلى الشرق فتخزن تحت أرض تبوك كمخزون مائي متخم يمثل أكبر مخزون مائي في أرض شبه الجزيرة العربية .
وهذا المخزون المائي الكبير قد تجمع خلال الفترات المطيرة من تاريخ شبه الجزيرة العربية, وقد ثبت أنه خلال الخمس والثلاثين ألف سنة الماضية مرت المنطقة بثماني دورات من دورات الجفاف التي تخللتها سبع دورات من المطر الغزير, ونحن نحيا في آخر دورة من دورات الجفاف تلك , ويبلغ متوسط هطول المطر فيها في السنة بحوالي التسعة سنتيمترات يصل نصفها إلى خزانات المياه تحت السطحية, ويتبخر الباقي أو يفيض إلى البحر .
كذلك في صخور متكون تبوك سمك هائل من صخور الصلصال والطفل التي تتبادل مع الطبقات الرملية, وينتج عن تعرية هذه الطبقات المختلطة من الصخور الرملية والصلصالية والطفلية تربة من أجود أنواع الترب الصالحة للزراعة, وبذلك تهيأت منطقة تبوك بكل مبررات تحولها إلى جنان كما تنبأ المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة سنة
ليس هذا فقط ...
بل إن الأرض تتحرك الآن نحو الدخول في دورة جليدية جديدة, وحينما يزحف الجليد من أحد قطبي الأرض, أو منهما معًا في اتجاه خط الاستواء تتصحر الأرض التي تكسى بالجليد تصحرًا جليديًا فتهلك النباتات, وتهاجر الحيوانات, ويرحل السكان, وفي نفس الوقت يتحول الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أواسط آسيا شرقًا إلى منطقة مطر غزير كما حدث مرات من قبل, وحينئذ تفيض الأودية الجافة أنهارًا , وتكسى الصحارى القاحلة بالخضرة فتتحول مروجًا بهيجة تصديقًا لنبوءة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي قالها في حديث صحيح يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه ؛ حيث قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا" .
وتأتي المعارف المكتسبة في كل من مجالي علوم الأرض وعلوم المناخ لتؤكد على أن أرض العرب كانت مروجًا وأنهارًا, وعلى أنها سوف تعود مروجًا وأنهارًا كما كانت, ويأتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نحن بصدده يتحدث عن منطقة تبوك بصفة خاصة, وعن أرض العرب بصفة عامة على أنها سوف تمتلئ جنانًا في عصر يلي عصر النبوة الخاتمة فيقول صلى الله عليه وسلم مخاطبًا راوي الحديث سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تبارك وتعالى عنه : "يوشك يا معاذ, إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانًا" .
وهنا يبرز التساؤل المهم:
من غير الله الخالق يمكن أن يكون قد أخبر هذا النبي الأمي من قبل ألف وأربعمائة سنة بتلك الحقائق العلمية التي لم يتوصل الإنسان إلى إدراك شيء منها إلا منذ عشرات قليلة من السنين؟.
ومن الذي كان يضطره إلى الخوض في مثل هذه الأمور التي كانت غائبة عن الناس – كل الناس – في زمانه صلى الله عليه وسلم وللعديد من القرون المتطاولة من بعده, لولا أن الله تعالى الذي ألهمه النطق بها يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سوف يصل في يوم من الأيام إلى اكتشاف تلك الحقائق, فتبقى هذه الومضات النورانية في كتاب الله, وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم شهادة حق على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وعلى أن هذا النبي الخاتم كان موصولاً بالوحي, ومُعَلَّمًا من قِبَلِ خالق السماوات والأرض, وصدق الله العظيم إذ يقول في وصف هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم :
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى }
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار

عمروعبده 28-06-2010 07:21 PM

خلق السماوات و الأرض في ستة أيام

قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها‏,‏ جاء القرآن الكريم بالتأكيد علي جريها وسبحها‏,‏ وعلي جري كافة أجرام السماء وسبحها في فسحة الكون الرحيب‏,‏ ولكن لما كانت هذه الحقائق
صورة للدكتور زغلول النجار
خافية علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الإشارات القرآنية إليها بصياغة لطيفة‏,‏ رقيقة‏,‏ غير مباشرة حتى لا تصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرسالة الخاتمة‏,‏ ويكون ذلك سببا في حرمان البشرية من هديها‏..!!‏
من هنا جاءت الإشارات القرآنية إلي عدد من الحقائق الكونية التي كانت غائبة عن علم الناس في زمن الوحي ـ ومنها حركات الأرض ـ بصياغة مجملة‏,‏ غير مباشرة‏,‏ ولكنها في نفس الوقت صياغة بالغة الدقة في التعبير‏,‏ والشمول في الدلالة‏,‏ و الاحاطة بالحقيقة الكونية‏,‏ لتبقي مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها‏,‏ وشاهدة للقرآن الكريم بأنه كلام ا لله الخالق‏,‏ وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ بأنه كان معلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ ومؤكدة علي وصفه‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ للقرآن الكريم بأنه لا تنتهي عجائبه‏,‏ ولا يخلق علي كثرة الرد‏.‏
الإشارات القرآنية إلى حركات الأرض‏
استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي حركات الأرض بغشيان‏ ( ‏ أو بتغشية‏ ) ‏ كل من الليل والنهار للآخر‏,‏ واختلافهما‏,‏ وتقلبهما‏,‏ وولوج كل منهما في الآخر‏,‏ وبسلخ النهار من الليل‏,‏ وبمرور الجبال مر السحاب‏,‏ وبالتعبير القرآني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كناية عن الحركات الانتقالية للأرض‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏ : ‏
أولا‏ : ‏ آيات غشيان الليل النهار‏
وجاء ذكرها في آيتي الأعراف رقم‏ ( 54 ) ,‏ والرعد رقم‏( 3 ) ‏ كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل‏.
ثانيا‏ : ‏ آيات اختلاف كل من الليل والنهار‏
تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها مع الزمن مدون فى أجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحية والبائدة
وهي خمس آيات كريمة تؤكد كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي‏ : ‏
( 1 ) ‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار‏........‏ لآيات لقوم يعقلون
‏ ( ‏البقرة‏ : 164 ) ‏
‏ ( 2 ) ‏ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ‏ ( ‏آل عمران‏ : 190 ) ‏
‏ ( 3 ) ‏ إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ‏ ( ‏يونس‏ : 6 ) ‏
‏ ( 4 ) ‏ وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون‏ ( ‏ المؤمنون‏ : 80 ) ‏
‏ ( 5 ) ‏ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين‏*‏ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون‏*‏ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
‏ ( ‏الجاثية‏ : 2‏ ـ‏5 ) ‏
ويؤكد القرآن الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير آخر يقول فيه ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏
‏ ( 6 ) ‏ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا
‏ ( ‏الفرقان‏ : 62 ) ‏
وبتعبير ثالث يقول فيه‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏
‏ ( 7 ) ‏ والليل إذ أدبر‏*‏ والصبح إذا أسفر‏* ( ‏ المدثر‏ : 34,33 ) ‏
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏
‏ ( 8 ) ‏ والليل إذا عسعس‏*‏ والصبح إذا تنفس‏ ( ‏ التكوير‏ : 18,17 ) ‏.
ثالثا‏ : ‏ آية تقليب الليل والنهار‏
وقد جاءت في سورة النور حيث يقول الخالق‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏ يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار‏ ( ‏ النور‏ : 44 ) ‏
وفيها إشارة واضحة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏
رابعا‏ : ‏ آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل‏
وهي خمس آيات يقول فيها ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏
( 1 ) ‏ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل‏. ( ‏ آل عمران‏ : 27 ) ‏
‏ ( 2 ) ‏ ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير
‏ ( ‏الحج‏ : 61 ) ‏
‏ ( 3 ) ‏ ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏.... ( ‏ لقمان‏ : 29 ) ‏
‏ ( 4 ) ‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل‏... ( ‏ فاطر‏13 ) ‏
‏ ( 5 ) ‏ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
( ‏الحديد‏ : 6 )
والولوج لغة هو الدخول‏,‏ ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر‏,‏ اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه أي الأرض‏,‏ بمعني ان الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار‏,‏ كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل‏,‏ وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة‏,‏ ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والاحاطة مايعجز البيان عن وصفه‏.‏
خامسا‏ : ‏ آية سلخ النهار من الليل‏
ويقول فيها ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون‏ ( ‏ يس‏ : 37 ) ‏
ومعني ذلك ان الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج‏,‏ ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس‏,‏ وفي هذا النص القرآني سبق بالإشارة إلى رقة طبقة النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها الانسان إلا بعد ريادة الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين حيث ثبت إن سمك طبقة النهار حول الأرض لايتعدي المائتي كيلو متر فوق سطح البحر‏,‏ واذا نسب ذلك إلى المسافة التي تفصل بيننا وبين الشمس‏ ( ‏ والمقدرة بحوالي المائة والخمسين مليونا من الكيلو مترات‏ ) ‏ فإنها لا تتجاوز الواحد الي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا‏,‏ واذا نسب الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون‏ ( ‏ والمقدر بأكثر من عشرة آلاف مليون من السنين الضوئية‏*9.5‏ مليون مليون كيلو متر‏ ) ‏ اتضحت ضآلته‏,‏ واتضحت كذلك لمحة الاعجاز القرآني في تشبيه انحسار طبقة النهار الرقيقة عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها‏,‏ وفي التأكيد علي ان الظلام هو الأصل في الكون‏,‏ وان نور النهار ظاهرة رقيقة عارضة لاتظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس‏.‏
سادسا‏ : ‏ آيتا سبح كل من الليل والنهار كناية عن سبح الأرض في مداراتها المختلفة‏
ويقول فيهما ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ : )
( 1 ) ‏ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون‏ ( ‏ الأنبياء‏ : 33 ) ‏
‏ ( 2 ) ‏ لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
‏ ( ‏يس‏ : 40 ) ‏
سابعا‏ : ‏ آية مرور الجبال مر السحاب‏
وفيها يقول الخالق‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) : ‏
وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بما تعملون‏ ( ‏ النمل‏ : 88 )
ومرور الجبال مر السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها‏,‏ وعن جريها وسبحها في مداراتها‏,‏ وذلك لأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض برباط الجاذبية‏,‏ وحركته منضبطة مع حركة كل من الأرض‏,‏ والسحاب المسخر فيه‏.‏
غشيان‏ ( ‏ تغشية‏ ) ‏ الليل النهار‏ : ‏
جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏
( 1 ) ‏ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين‏* ) ( ‏ الأعراف‏ : 54 )
( 2 ) ‏ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون‏ ( ‏ الرعد‏3 )
كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس‏,‏ وتغشيتها بالليل في قول الحق‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏ والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها‏ ( ‏ الشمس‏ : 1‏ ـ‏4 )
وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) : ‏
والليل إذا يغشي‏*‏ والنهار إذا تجلي‏ ( ‏الليل‏ : 2,1 ) ‏
والفعل‏ ( ‏ يغشي‏ ) ‏ مستمد من‏ ( ‏ الغشاء‏ ) ‏ وهو الغطاء‏,‏ يقال غشي بمعني غطي وستر‏,‏ ويقال‏ ( ‏ غشاه‏ ) ‏ و‏ ( ‏ تغشاه‏ ) ( ‏ تغشية‏ ) ‏ أي غطاه تغطية‏,‏ و‏ ( ‏أغشاه‏ ) ‏ إياه غيره‏,‏ و‏ ( ‏ الغشوة‏ ) ‏ بفتح الغين وضمها وكسرها و‏ ( ‏ الغشاوة‏ ) ‏ مايتغطي أو يغطي به الشيء‏,‏ ويقال‏ ( ‏ غشية‏ ) ( ‏ غشيانا‏ ) ‏ و‏ ( ‏ غشاوة‏ ) ‏ و‏ ( ‏غشاء‏ ) ‏ أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره‏,‏ و‏ ( ‏استغشي‏ ) ‏ بثوبه و‏ ( ‏ تغشي‏ ) ‏ به أي تغطي به‏,‏ و‏ ( ‏الغاشية‏ ) ‏ كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج‏,‏ و‏ ( ‏الغاشية‏ ) ‏ تستخدم كناية عن القيامة التي‏ ( ‏ تغشي‏ ) ‏ الخلق بأهوالها وجمعها‏ ( ‏ غواش‏ ) ,‏ و‏ ( ‏غاشية تغشاهم‏ ) ‏ أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم‏.‏
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا‏,‏ ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا‏,‏ وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته‏24‏ ساعة‏,‏ يتقاسمها ـ بتفاوت قليل ـ الليل والنهار‏,‏ في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة‏,‏ فلو لم تكن الأرض كروية الشكل مااستطاعت الدوران حول محورها‏,‏ ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ماتبادل الليل والنهار‏.‏
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض‏,‏ كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور ـ علي التوالي ـ وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله‏ ( ‏ تعالي‏ ) : ‏
والشمس وضحاها‏*‏ والقمر إذا تلاها‏*‏ والنهار إذا جلاها‏*‏ والليل إذا يغشاها
‏ ( ‏الشمس‏ : 1‏ ـ‏4 ) ‏
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي‏ ( ‏ وهو الغني عن القسم‏ ) ‏ بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض‏,‏ وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين‏,‏ حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس‏,‏ وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض‏,‏ بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض‏,‏ ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس‏,‏ وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتى يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس‏,‏ بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه‏,‏ وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء‏,‏ ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس‏,‏ بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار‏,‏ فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه‏,‏ والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين‏...!!!‏
كذلك يقسم ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ في سورة الليل ـ وهو‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ غني عن القسم ـ بقوله عز من قائل‏ : ‏ والليل إذا يغشي والنهارإذا تجلي‏ ( ‏ الليل‏ : 2,1 ) ‏ وهو قسم بالليل‏ ( ‏ أي ليل الأرض‏ ) ‏ الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس‏,‏ وقسم بالنهار‏ ( ‏ أي نهار الأرض‏ ) ‏ الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار‏,‏ وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض‏,‏ ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث‏.‏
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض‏,‏ البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام‏,‏ وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر‏.‏
ويمن علينا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ بتبادل كل من الليل والنهار فيقول‏ ( ‏ سبحانه‏ ) : ‏ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون‏*‏ قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون‏*‏ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏ ( ‏ القصص‏ : 71‏ ـ‏73 )
ويقول‏ ( ‏ عز من قائل‏ ) : ‏
وجعلنا الليل لباسا‏,‏ وجعلنا النهار معاشا‏ ( ‏ النبأ‏ : 11,10 ) ‏
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا
يتساءل قاريء القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية‏ ( ‏ رقم‏54 ) ‏ من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار‏,‏ أو التغشية بغير تحديد‏,‏ وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض‏,‏ بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة‏.‏
واللفظة‏ ( ‏ حثيثا‏ ) ‏ تعني مسرعا حريصا‏,‏ يقال‏ ( ‏ حثه‏ ) ‏ من باب رده و‏ ( ‏استحثه‏ ) ‏ علي الشيء أي حضه عليه‏ ( ‏ فاحتث‏ ) ,‏ و‏ ( ‏حثثه تحثيثا وحثحثة‏ ) ‏ بمعني حضه‏,‏ و‏ ( ‏تحاثوا‏ ) ‏ بمعني تحاضوا‏.‏
والدلالة الواضحة للآية الكريمة‏ ( ‏ رقم‏54 ) ‏ من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار‏ ( ‏ أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏ ) ‏ كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏,‏ وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة‏,‏ وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو
( Dendrochronology ) ‏ وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات‏ ( ‏ من مركز الساق حتى طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء‏ ) ,‏ وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة‏ ( ‏ الربيع‏,‏ والصيف‏,‏ والخريف‏,‏ والشتاء‏ ) ‏ فترق رقة شديدة في فترات الجفاف‏,‏ وتزداد سمكا في الآونة المطيرة‏.‏
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم
( Pinusaristata ) ‏ إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت‏,‏ ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة‏,‏ وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار‏ ( AnnualRings ) ‏ وخطوط النمو في هياكل الحيوانات ( LinesofGrowth ) ‏ يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية‏,‏ بفصولها الأربعة‏,‏ وشهورها الاثني عشر‏,‏ وأسابيعها الستة والخمسين‏,‏ وأيامها‏,‏ ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة‏,‏ ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم‏,‏ وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم‏ ( 54 ) ‏ من سورة الأعراف‏.‏
تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة أتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة‏,‏ وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏
وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير‏ ( ‏ البقايا الصلبة للكائنات البائدة‏ ) ‏ بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري CambrianPeriod ) ) ‏
أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان‏425‏ يوما‏,‏ وفي منتصف العصر الأوردوفيشي ( OrdovicianPeriod ) ‏ أي منذ حوالي‏450‏ مليون سنة مضت ـ كان‏415‏ يوما‏,‏ وبنهاية العصر التراياسي ( TriassicPeriod ) ‏ أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان‏385‏ يوما‏,‏ وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة‏ ( ‏ والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها‏ ) ‏ حتى وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي‏365,25‏ يوم تقريبا‏ ( 365‏ يوما‏,5‏ ساعات‏,49‏ دقيقة‏,12‏ ثانية‏ ) .‏ وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها‏,‏ وكلاهما يعمل عمل الكابح‏ ( ‏ الفرامل‏ ) ‏ التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها‏.‏ وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض‏ ( ‏ أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية‏ ) ‏ منذ حوالي‏4,600‏ مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي‏2200‏ يوم تقريبا‏,‏ ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات‏,‏ ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية‏..!!‏ فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏ : ‏
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا‏... ( ‏ الأعراف‏ : 54 )
وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية‏,‏ حتى تبقي هذه الإشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم‏,‏ وبأنه كلام الله الخالق‏,‏ وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض‏,‏ وأنه‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ ما كان ينطق عن الهوى‏...!!‏
ارتباك دوران الأرض قبل طلوع الشمس من مغربها
بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة‏,‏ ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن‏,‏ توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب‏,‏ فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق‏,‏ فتبدو الشمس طالعة من الشرق‏,‏ وغاربة في الغرب‏,‏ فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ )
فعن حذيفة بن أسيد الغفاري‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ أنه قال‏ : ‏
اطلع النبي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ علينا ونحن نتذاكر‏,‏ فقال‏ : ‏ ما تذاكرون؟‏,‏ قلنا‏ : ‏ نذكر الساعة‏,‏
فقال‏ : ‏ إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات
فذكر‏ : ‏ الدخان‏,‏ الدجال‏,‏ والدابة‏,‏ وطلوع الشمس من مغربها‏,‏ ونزول عيسي بن مريم‏,‏ ويأجوج ومأجوج‏,‏ وثلاثة خسوف‏ : ‏ خسف بالمشرق‏,‏ وخسف بالمغرب‏,‏ وخسف بجزيرة العرب‏,‏ وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم
وعن عبدالله بن عمرو‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ قال‏ : ‏ سمعت رسول الله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ يقول‏ : ‏ إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها‏,‏ وخروج الدابة علي الناس ضحي‏,‏ وأيهما ما كانت قبل صاحبتها‏,‏ فالأخرى علي إثرها قريبا‏.‏
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان‏ ( ‏ رضي الله عنه‏ ) ‏ قال‏ : ‏ ذكر رسول الله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ الدجال‏..‏ قلنا يا رسول الله‏ : ‏ وما لبثه في الأرض؟ قال‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏ أربعون يوما‏,‏ يوم كسنة‏,‏ ويوم كشهر‏,‏ ويوم كجمعة‏,‏ وسائر أيامه كأيامكم‏,‏ قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏ لا‏,‏ أقدروا له‏...‏
ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها‏,‏ وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك‏.‏
ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين‏,‏ والسؤال الذي يفرض نفسه‏ : ‏ من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية فتكون هذه الإشارات المضيئة في كتاب الله وفي أحاديث خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ شهادة له بالنبوة وبالرسالة‏,‏ في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه‏.‏
خطأ شائع يجب تصحيحه‏
يظن بعض الناس أننا إذا أدركنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء عددا من معدلات التغيير الآنية في النظام الكوني الذي نعيش فيه فإنه قد يكون من الممكن أن نحسب متي ينتهي هذا النظام‏,‏ وبمعني آخر متي تكون الساعة‏...!!‏
وهذا وهم لا أساس له من الصحة لأن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا‏,‏ وأنها تأتي فجأة بقرار إلهي كن فيكون‏,‏ دون انتظار لرتابة السنن الكونية الراهنة التي تركها لنا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ رحمة منه بنا‏,‏ إثباتا لإمكان حدوث الآخرة‏,‏ وقرينة علمية علي حتمية وقوعها والتي جادل فيها أهل الكفر والإلحاد عبر التاريخ‏,‏ والذين كانت حجتهم الواهية الإدعاء الباطل بأزلية العالم‏,‏ وهو ادعاء أثبتت العلوم الكونية في عطاءاتها الكلية بطلانه بطلانا كاملا‏...!!!‏
فعلي سبيل المثال ـ لا الحصر ـ تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانية علي هيئة طاقة مايساوي‏4,6‏ مليون طن من المادة‏ ( ‏ أي نحو أربعة بلايين طن في اليوم‏ ) ,‏ ونحن نعرف كتلة الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل أن يتصور إمكان استمرار الشمس حتى آخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمة كتلة الشمس علي ما تفقده في اليوم أن ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم‏,‏ لأن الساعة قرار إلهي غير مرتبط بفناء مادة الشمس‏,‏ وإن أبقي لنا ربنا‏ ( ‏ تبارك وتعالي‏ ) ‏ هذه الظاهرة من الإفناء التدريجي للشمس‏,‏ ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتمية الآخرة‏,‏ أما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله‏,‏ لا يعلمه إلا هو‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) .‏
وبالمثل فإن الحرارة تنتقل في كوننا المدرك من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة‏,‏ ويفترض قانون انتقال الحرارة استمرارتلك العملية حتى تتساوي درجة حرارة كل أجرام الكون وينتهي كل شئ‏,‏ فهل يمكن لعاقل أن يتصوراستمرار الوجود حتى تتساوي درجة حرارة كل الأجرام في الكون‏,‏ أم أن هذا قرار إلهي‏ : ‏ كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحرارة من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة‏,‏ وإن أبقاها الله‏ ( ‏ تعالي‏ ) ‏ قرينة مادية ملموسة علي حتمية الآخرة؟ وعلي أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا ولا أبديا‏,‏ فقد كانت له بداية‏,‏ ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية؟ وهذا ما أثبتته جميع الدراسات العلمية في عصر تفجر المعرفة الذي نعيشه‏,‏ وأن تلك النهاية لن تتم برتابة الأحداث الدنيوية في الجزء المدرك من الكون‏,‏ بل هي قرار إلهي فجائي لا يعلم وقته إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك أنزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) : ‏
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏ ) ‏ الأعراف‏ : 187 ) ‏
كما أنزل‏ ( ‏ سبحانه وتعالي‏ ) ‏ كذلك في المعني نفسه‏ : ‏
يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏*‏ فيم أنت من ذكراها‏*‏ إلي ربك منتهاها‏*‏ إنما أنت منذر من يخشاها‏*‏ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها‏ ( ‏ النازعات‏ : 42‏ ـ‏46 )
وعلي ذلك جاء رد المصطفي‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ علي جبريل‏ ( ‏ عليه السلام‏ ) ‏ حين سأله في جمع من الصحابة‏ : ‏ فأخبرني عن الساعة؟ بقوله الشريف‏ : ‏ ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏.‏
فسبحان الله الذي أنزل القرآن الكريم بالحق‏,‏ أنزله بعلمه‏,‏ وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ إلي قيام الساعة‏,‏ وجعله مهيمنا علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها في كل أمر ذكر فيه‏,‏ وجعل كل آية من آياته‏,‏ وكل كلمة من كلماته‏,‏ وكل حرف من حروفه‏,‏ وكل إشارة‏,‏ ودلالة‏,‏ ووصف فيه مما يشهد بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للنبي الخاتم‏ ( ‏ صلي الله عليه وسلم‏ ) ‏ بالنبوة والرسالة الخاتمة‏.‏
المصدر : بحث للدكتور زغلول النجار

عمروعبده 28-06-2010 07:22 PM

طوفان نوح عليه السلام
بقلم فراس نور الحق

لقد تحدث القرآن الكريم عن الأمم السابقة البائدة وكيف كانت مواقفهم تجاه رسل الله تعالى ومن القصص التي وردت في القرآن الكريم قصة نوح عليه السلام والطوفان قال تعالى :
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ {105} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ {106}إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ {107} فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {109} فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {110} قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ {111}قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {112} إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ {113} وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ {114} إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين {115} قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ {116} قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ {117} فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {118} فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{119} ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ {120} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَان أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {121} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }.[الشعراء : 105،121].
قال تعالى في سورة نوح : (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {1} قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {2}.
الإعجاز الغيبي:
لعل هذه القصة من أعظم صور الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم والتي صدقتها المكتشفات الأثرية الحديث :
قصة الطوفان عند الحضارات القديمة :
من المعروف منذ زمن طويل أن قصص الطوفان تنتشر انتشاراً واسعاً في جميع أنحاء العالم، فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وفي الهند وبورما والصين والملايو واستراليا وجزر المحيط الهادي، وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر .
و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وقصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة وعلى الرغم من التحريف الذي يشوب بعض تلك القصص إلا أنها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم وأنه كان هناك رجل صالح قام ببناء سفينة وحمل فيها من كل الحيوان زوجين إضافة إلى أهله ومن تبعه من الناس المؤمنين بالله وسوف نعرض لأهم هذه القصص :
أولاً: قصة الطوفان السومرية : كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان , ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن ذلك مجرد وهم، حيث عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية، وفي الفترة ما بين 1889م ،1900 م، اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة "نيبور " ( نفر ) ثم تبعه آخرون، ويبدوا من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير " حمورابي " وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك .
ملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى ( زيوسودا )كان يوصف بالتقوى ويخاف من الله، ويكب على خدمته في تواضع وخشوع أُخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض، حيث يوصف ( زيوسودا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة ...
ثانياً : قصة الطوفان البابلية :
1 . ملحمة جلجامش : في الثالث من ديسمبر 1872 م أعلن " سيدني سمث " نجاحه في جمع القطع المتناثرة من ملحمة جلجامش بعضها إلى بعض، مكتوبة في أثنى عشر نشيداً، أو بالأحرى لوحاً، ومحتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي عشر: وملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى جلجامش أمرته الآلهة بأن يبني سفينة , وأن يدع الأملاك وأنه احتمل على ظهر الفلك بذور كل شيء حي، والفلك التي بنها سيكون عرضها مثل طولها وأنه نزل مطر مدرار .. الخ ثم استوت السفينة على جبل نيصير ( نيزير ) [ وهو جيل بين الدجلة والزاب الأسفل] .
2 ـ قصة بيروسوس:
في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى أيام الملك " أنتيوخوس الأول" ( 280 ،260 ق.م )، كان هناك أحد كهنة الإله " ردوك " البابلي، ويدعى بيروسوس قد كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء وحوا الكتاب على قصة الطوفان وتقول أنه كان يعيش ملك اسمه " أكسيسو ثووس " هذا الملك يرى فيما يرى النائم أن الإله يحذره من طوفان يغمر الأرض ويهلك الحرث والنسل فيأمره بأن يبني سفينة يأوي إليها عند الطوفان .
فيبني هذا الملك سفينة طولها مائة وألف يارده وعرضه أربعمائة وأربعون ياردة، ويجمع فيه كل أقربائه وأصحابه، ويختزن فيه زاداً من اللحم والشراب فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور وذات الأربع .
و يغرق الطوفان الأرض.. وتستقر السفينة على جبل حيث ينزل وزوجته وابنته وقائد الدفة، ويسجد الملك لربه ويقدم القرابين الخ....
ً3_ قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة
وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات.
إن هذه النصوص برغم ما حوت من تحريف إلا أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة الطوفان وهي في شكلها العام تتطابق من القرآن الكريم فمن أخبر محمداً بتلك بتفاصيل تلك القصة التي كانت أحداثها قبل ولادته بآلاف السنين .

الأدلة الأثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان :
يرى بعض علماء التاريخ وبعض المفسرين أن الطوفان الذي أصاب قوم نوح لم يشمل كامل الكرة الأرض بل شمل منطقة معينة هي وادي الرافدين ولقد أجرت عدة بعثات أثرية ببعض التنقيبات في سهول بلاد الرافدين للبحث عن الآثار التي تذخر بها تلك المنطقة التي شهدت عدة حضارات ولقد كشفت تلك التنقيبات إلى أن هذه المنطقة شهدت طوفاناً عظيماً قضى على الحضارة السومرية التي كان أهلها يقطنون في سهول الرافدين
فقد ظهرت آثار الطوفان جلية في أربعة مدن رئيسية في بلاد الرافدين : أور ـ أريش ـ شورباك ـ كيش
ولقد كشفت التنقيبات الأثرية إلى أن هذه المدن قد ضربها الطوفان في حوالي 3000 قبل الميلاد
التنقيبات في أور:
إن أقدم ما تبقى من هذه الحضارة هو مدينة أور المعروفة اليوم (بتل المكيار ) والتي يعود تاريخها إلى عام 7000 قبل الميلاد إن مدينة أور فقد كان سكنها حضارات متعاقبة سادت ثم بادت ومن خلال المكتشفات الأثرية لمدينة أور تبين بأن تلك الحضارة ضربها طوفان رهيب وأن حضارات نشأت مكانها تدريجياً .
لقد قاد عالم الآثار (سير ليونارد وولي) حملة تنقيب من قبل المتحف البريطاني وجامعة (بنسلفانيا )عام عام 1928م في المنطقة الصحراوية بين بغداد وخليج فارس ولقد وصف (ورينر كيلر) عالم الآثار الألماني تنقيبات (سير ليونارد وولي) كالتالي:
" عندما قدمت حملة علماء الآثار إلى تل المكيار التي ارتفاعها 50 قدم جنوب المعبد وبعد التنقيب وجدوا صف طويل من القبور فوق بعضها وقناطر حجرية رائعة وخزائن الكنوز التي كانت ممتلئة بـ أقداح ثمينة، وجرار رائعة ومزهريات وطاولات وبرونزيات وفسيفساء وفضة تحيط بهذه الأشياء التي يغطيها الغبار وبعد عدة أيام الحفر والتنقيب نادى أحد العمال الذين مع (وولي ) وقال : نحن على مستوى الأرض ووضع نفسه في النفق ليقنع نفسه . ظن (وولي) إن هذا كل شيء، إنه رمل نقي (غريد) وهو نوع من الرمل ينحل بالماء فقط.
لقد قرروا أن يواصلوا الحفر ويجعلوا الحفر أعمق، أعمق وأعمق ذهبت الحملة إلى داخل الأرض ثلاثة أقدام، ستة أقدام لا يزال طين عشرة أقدام ....
فجأة وعلى عمق عشرة أقدام توصلوا إلى دليل واضح على مساكن بشرية.
وينقل (ماكس مالوان ) عن سير ليونارد وولي " الطوفان هو الدليل الوحيد الممكن لهذا الطمي الهائل الذي توضع تحت التلة في مدينة أور، الذي فصل بين حضارتين بين مدينة أور السومرية ومدينة العبيد الأشورية " (1)
ولقد دلت التحليلات المجهرية لهذا الطمي أو الغريد الهائل الذي توضع تحت التلة في أور تكدس هنا نتيجة الطوفان.
مدينة كيش:
وكذلك الأمر تم الكشف عن آثار للطوفان في مدينة أخرى من مدن بلاد الرافدين وهي كيش السومرية المعروفة اليوم بـ تل الأحيمر ويصف تاريخ السومريون القدماء هذه المدينة بـ ( الموقع الأول للأسرة الحاكمة ) (2)
مدينة شورباك:
المدينة الجنوبية في بلاد الرافدين (شوربا ) المعروفة اليوم بـ تل الفرح ، تحمل أيضاً دليلاً واضحاً على الطوفان من خلال الأبحاث الأثرية التي قام بها (أريش سكمرت ) من جامعة بنسلفاينا في هذه المدينة من عام 1920ـ1930 كشفت هذه التنقيبات الأثرية النقاب عن ثلاثة طبقات من المساكن التي امتدت في عصر ما قبل التاريخ إلى الأسرة الحاكمة الثالثة كمدينة أور (2112ـ 2004) قبل الميلاد . وكانت الاكتشافات المميزة بيوتاً مبنية بشكل رائع مترافقة مع كتابة مسمارية وقوائم من الكلمات تدل على التطور الراقي الذي كان موجوداً
في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد (3)
وكذلك كانت هناك آثار للطوفان في مدينة أريش الأثرية.
اكتشاف آثار سفينة نوح :
أكتشف علماء الآثار عام 1959 آثار لسفينة نوح على جبل جودي أو ما يعرف بجبل Gudi في في المنقطة الواقعة بين العراق وتركيا وسوريا ولقد نشرت صحيفةLife magazene في عدد سبتمبر من عام 1960 في الصفحة الثانية تحقيقاً عن خبر اكتشاف سفينة نوح مع نشر بعض الصور .
ومن أحب التوثق أكثر يمكن أن يزور الموقع التالي:
ولقد زار أحد علماء الآثار واسمه رون وايات موقع السفينة في عام 1977وأكد أن موقع السفينة يرتفع حوالي 6.300 قدم فوق سطح البحر وعلى بعد حوالي 200 ميل عن البحر (4).
أضغط على الصور لتكبيرها
صورة لبعض المواطنين الأتراك بالقرب من بقايا سفينة نوح
صورة لبقايا سفينة نوح عليه السلام أضغط على الصور لتكبيره
اكتشاف شواهد الحياة قبل الطوفان:
واشنطن-ناسا:عثر مستكشفون أميركيون على عمق مئاتالأمتار تحت سطح البحر الأسود على بقايا منطقة سكانية في بقعة وقعت فيها سيول مدمرةقبل 7500 عام تعادل في أهميتها اكتشاف أطلال بومبي المدينة الرومانية القديمة التيدمرها بركان فيزوف قبل عدة قرون.
وذكرت رويترز في تحقيق لها بهذا الشأن أنروبرتبا لارد أحد المستكشفين أوضح أن فريقه من جمعية ناشيونال جيوغرافيك عثر علىهيكل مستطيل قد يكون لبناء على عمق نحو 310 أمتار تحت سطح البحر مما يشير إلى أنأناساً كانوا يعيشون هناك قبل إغراق طوفان هائل للمنطقة الأمر الذي يعتبر شواهد علىمستوطنات بشرية. وقال بالارد في حديث هاتفي من سفينة الأبحاث نورذرنهور ايزون علىمسافة 20 كيلومتراً قبالة الساحل التركي أن الاكتشاف هائل ويرجع المعمار والقطعالفنية فيه إلى العصر البرونزي الحديث الذي كانت بدايته قبل نحو 7000 عام كما أنهيضم كمية كبيرة من الأطلال تحت سطح الماء مما يشير إلى أن عدداً كبيراً من الناسكانوا يعيشون فيها واعتبر هذا الاكتشاف يفوق في أهميته اكتشاف حطام التايتانيك فيعام 1985.
آثار بعض المصنوعات اليدوية والتي عثر عليها في قعر البحر الأسود
وأضاف أن فريقه توصل إلى هذا الاكتشاف قبل ثلاثة أيام في الأسبوع الثانيمن بعثة تستغرق خمسة أسابيع ويأمل أعضاء الفريق في التوصل إلى اكتشافات أخرىوسيقومون بعمليات تجفيف وتصوير وثائقي دقيق قبل إحضار أي شيء إلى السطح. وتم التعرفعلى القطع المكتشفة بمجسات ضوئية "سونار" وتم تصويرها بواسطة عربة متنقلة اسمهاازجوس في حجم الغسالة الكهربائية متصلة بباخرة الأبحاث بكابلات من الألياف الزجاجيةوتبلغ مساحة الهيكل المستطيل الذي تم اكتشافه أربعة أمتار عرضاً و 15 متراًطولاً.
بقلم فراس نور الحق محرر موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
__________________________________
تم الاستفادة من أبحاث الداعية التركي هارون يحيى في إعداد البحث
1. Werner Keller, Und die Bibel hat doch recht (The Bible as History; a Confirmation of the Book of Books)
2. Kish,” Britannica Micropaedia 6, 893
3. Shuruppak,” Britannica Micropaedia 10, 772
4. www.geocities.com/islamicmiracles/Woodenplatefound.htm
المراجع : كتاب دراسات تاريخية من القرآن الكريم ج4 . تأليف الدكتور محمد بيومي مهران.
العدد العاشر 5/10/2000شبكة عربيات
الموقع التالي : www.geocities.com/islamicmiracles/Woodenplatefound.htm
موقع هارون يحيى قسم اللغة الإنكليزية
The Bible as History; a Confirmation of the

عمروعبده 28-06-2010 07:28 PM

قصة صلب المسيح

ومن أنباء الأولين التي ظل الناس في شك من حقيقة أمرها القصة التي تذكر صلب عيسى عليه السلام كما في الأناجيل عند النصارى ، فقد شهد قوم عيسى عليه السلام وكذلك جماهير الرومان حادثة صلب ، ولم يساورهم شك في أن عيسى عليه السلام قتل وصلب، إلا أن الحواريين شاهدوا عيسى عليه السلام بعد حادثة الصلب المزعوم حياً، كما ورد ذلك في إنجيل لوقا:(1)" وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً. فقال لهم ما بالكم مضطربين. ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. انظروا يديّ ورجليّ إني أنا هو. جسّوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه. وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال لهم أعندكم ههنا طعام ؟ فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل. فأخذ وأكل قدامهم ". وقد أصبح الجميع في حيرة من حقيقة الأمر، فالناس يقولون : إنه صلب وقد رأوا ذلك رأي العين، والحواريون يقولون : إنهم قابلوه بعد حادثة الصلب المزعوم بجسده وروحه حياً يرزق .ولم يجدوا تفسيراً لهذا التناقض إلا قولهم : إنه صلب ومات ودفن ثم بعث من بين الأموات ، ولكن القرآن الكريم جاء ليكشف عن هذا السر ويزيل ذلك الغموض فقال تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157)بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)﴾ (النساء:157-158). فالحقيقة أن الذي صلب هو الشبه، فالذين قالوا : "رأيناه مصلوباً" أخبروا بما رأوا إذ ظنوا الشبه هو عيسى عليه السلام نفسه ، والذين قالوا : "رأيناه بعد الحادثة" هم على حق، لأنه لم يصلب ، وأتى القرآن الكريم بالعلم الذي يكشف الحقيقة ويخرج الناس من الاختلاف(2) وهذا النوع من الإعجاز يعد من أدلة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن القصة وقعت بعيدة عن زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصار أهلها في ارتباك وحيرة، ويأتي نبي أمي في أمة أمية بعد قرون يكشف لهم السر ويبين لهم التفسير الحقيقي للمشاهدات التي تبدو متناقضة ، فيرفع عنها التناقض ويزيل الإشكال. وهذا دليل على أن هذا العلم الذي جاء علي يد النبي الأمي لا يمكن أن يكون إلا من عند الله .وبعد اعتناق العدد الكثير من الأحبار والرهبان الإسلام طوال التاريخ إقراراً بصدق ما جاء في القرآن من خبر صادق عن التاريخ الصحيح للرسل وأتباعهم ، والذي جاء على يد نبي أمي ليس في ثقافة قومه شئ من هذه الأخبار .
المصدر:
موقع الإيمان على شبكة الإنترنت تصميم مركز بحوث جامعة الإيمان بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني . .
المراجع :
(1) إصحاح 24 فقرة – 36 – 43 .
(2) لقد أورد الأستاذ أحمد ديدات في كتابه " مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء " ثلاثين نقطة استخلصها من أسفار الأناجيل المختلفة من بين أدلة أخرى تفند فرية صلب المسيح عليه السلام وتؤكد ما أقره القرآن الكريم بشأن الحادثة .

عمروعبده 28-06-2010 07:30 PM

قوم سبأ وسيل العَرِم

قال تعالى في كتابه العزيز : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 15-16)
يعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1000-750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب.
بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ موضع خلاف حتى الآن، فالسبئيون لم يشرعوا بكتابة تقاريرهم الحكومية حتى سنة 600 قبل الميلاد، لذلك لا يوجد أي سجلات سابقة لهذا التاريخ.
يعود أقدم المصادر التي تشير إلى قوم سبأ إلى سجلات الملك سيرجون الثاني الآشوري الحربية (722-705 قبل الميلاد)، في تلك السجلات يشير الملك الآشوري في سجلاته التي دون فيها الأمم التي كانت تدفع له الضرائب إلى ملك سبأ "إيت عمارا". هذا أقدم مصدر يشير إلى الحضارة السَّبئية، إلا أنه ليس من الصواب أن نستنتج أن هذه الحضارة قد تم إنشاؤها حوالي 700 قبل الميلاد فقط اعتماداً على هذا المصدر الوحيد ،لأن احتمال تشكل هذه الحضارة قبل ذلك وارد جداً، وهذا يعني أن تاريخ سبأ قد يسبق هذا التاريخ. ورد في نقوش أراد نانار، أحد ملوك مدينة أور المتأخرين، كلمة "سابوم" والتي تعني "مدينة سبأ" [1]، وإذا صح تفسير هذه الكلمة على أنها مدينة سبأ، فهذا يعني أن تاريخ سبأ يعود إلى 2500 قبل الميلاد.
تقول المصادر التاريخية التي تتحدث عن هذه الحضارة: إنها كانت أشبه بالحضارة الفينيقية، أغلب نشاطاتها تجارية، لقد سيطر هؤلاء القوم على الطرق التجارية التي تمر عبر شمالي الجزيرة، كان على التجار السبئيين أن يأخذوا إذناً من الملك الآشوري سيرجون الثاني حاكم المنطقة التي تقع شمالي الجزيرة، إذا ما أرادوا أن يصلوا بتجارتهم إلى غزة والبحر المتوسط، أو أن يدفعوا له ضريبة على تجارتهم، وعندما بدأ هؤلاء التجار بدفع الضرائب للملك الآشوري دُوِّنَ اسمُهُم في السجلات السنوية لتلك المنطقة.
يعرف السبئيون من خلال التاريخ كقوم متحضرين، تظهر كلمات مثل "استرجاع"، "تكريس"، "بناء"، بشكل متكرر في نقوش حكامهم، ويعتبر سد مأرب الذي كان أحد أهم معالم هذه الحضارة، دليلاً واضحاً على المستوى الفني المتقدم الذي وصل إليه هؤلاء القوم؛ إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا ضعفاء عسكرياً، فقد كان الجيش السبئي من أهم العوامل التي ضمنت استمرار هذه الحضارة صامدة لفترة طويلة.
كان الجيش السبئي من أقوى جيوش ذلك الزمان، وقد ضمن لحكامه امتداداً توسعياً جيداً، فقد اجتاحت سبأ منطقة القتبيين، وتمكنت من السيطرة على عدة مناطق في القارة الإفريقية، وفي عام 24 قبل الميلاد وأثناء إحدى الحملات على المغرب، هزم الجيش السبئي جيش ماركوس إيليوس غالوس الروماني الذي كان يحكم مصر كجزء من الإمبراطورية الرومانية التي كانت أعظم قوة في ذلك الزمن دون منازع، يمكن تصوير سبأ على أنها كانت بلاداً معتدلة سياسياً، إلا أنها ما كانت لتتأخر في استخدام القوة عند الضرورة.. لقد كانت سبأ بجيشها وحضارتها المتقدمة من " القوى العظيمة" في ذلك الزمان.
لقد ورد في القرآن ذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في سورة النمل:
(قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ) (النمل: 33).
كانت مأرب هي عاصمة سبأ، وكانت غنية جداً، والفضل يعود إلى موقعها الجغرافي، كانت العاصمة قريبة جداً من نهر الدهنا الذي كانت نقطة التقائه مع جبل بلق مناسبة جداً لبناء سد، استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سداً في تلك المنطقة حيث نشأت حضارتهم، وبدؤوا يمارسون الري والزراعة، وهكذا وصلوا إلى مستوى عال جداً من الازدهار. لقد كانت مأرب العاصمة من أكثر المناطق ازدهاراً في ذلك الزمن. أشار الكاتب الإغريقي بليني
ـ الذي زار المنطقة وأسهب في مدحها ـ إلى وقال أنها أراضي واسعة وخضراء.[2]
نقوش مكتوبة بلغة أهل سبأ
بلغ ارتفاع سد مأرب 16 متراً وعرضه60 متراً وطوله 620 متراً، وهذا يعني حسابياً أنه يمكن أن يروي 9600 هكتاراً من الأراضي، منها 5300 في السهل الجنوبي، والباقي للسهل الشمالي، كان يشار إلى هذين السهلين في النقوش السبئية "مأرب والسهلان"41 و يشير التعبير الدقيق في القرآن: (جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) إلى وجود حدائق وكروم في هذين الواديين أو السهلين، لقد أصبحت المنطقة أكثرمناطق اليمن غنىً وإنتاجاً بفضل السد ومياهه. أثبت الباحثان: الفرنسي ج. هوفلي والنمساوي غلاسر أن سد مأرب قد أوجد منذ زمن بعيد. وتروي الوثائق المكتوبة بلغة "حِمْـيَر" أن هذا السد قد جعل المنطقة في غاية الخصوبة والعطاء.[3]
لقد تم إصلاح هذا السد خلال القرنين الخامس والسادس للميلاد، إلا أن هذه الإصلاحات لم تمنع السد من الانهيار عام 542 للميلاد. انهار السد بسبب سَيل العَرِمِ الذي ذكره القرآن الكريم، والذي سَبَّبَ أضراراً بالغة، لقد هلكت كل البساتين والكروم والحدائق ـ التي بقي السبئيون يرعونها لعدة قرون ـ على بَكْرَةِ أبيها، بعد انهيار السد عانى السبئيون من فترة ركود طويلة لم تقم لهم قائمة بعدها... وهذه كانت نهاية القوم التي بدأت مع انهيار السد.
سيل العَرِم الذي أتى على سبأ
إذا ما تأملنا الآيات القرآنية على ضوء المعلومات التاريخية التي أتينا عليها، لوجدنا توافقاً كبيراً.
تثبت كل من المكتشفات الجيولوجية والأثرية ما جاء في القرآن، فكما ذكر القرآن لقد استحق هؤلاء القوم ـ الذين لم يستمعوا لنصح رسولهم وكذبوا بالحق لما جاءهم ولم يؤمنوا به ـ العقاب بِسيلٍ عَرِمٍ، يصف القرآن الكريم هذا السيل في سورة سبأ:
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ في مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِم سَيْلَ العَرِم وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ ) (سبأ: 15-17).
لقد كان السبئيون كما تدل الآية الكريمة يعيشون في منطقة مشهورة بجمالها، جنان وكروم، وكانت تقع على طرق التجارة، لقد كانت على مستوى متقدم جداً بالنسبة لغيرها من مدن ذلك الزمان.
كانت ظروف العيش في بلدة كهذه ممتازة، ولم يكن للقوم من جهد يبذلونه سوى ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) كما تقول الآية، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك، بل نسبوا ما يملكونه لأنفسهم، لقد ظنوا أنهم أصحاب هذه البلدة، وأنهم هم الذين أوجدوا مافيها من الرخاء والازدهار، اختاروا الغرور والتكبر على الشكر والتواضع لله، وكما تقول الآية: ( فَأَعْرَضُوا... ).
لأنهم نسبوا كل ما أنعم الله به عليهم لأنفسهم، وأصرُّوا أنه من صنعهم، خسروا كل شيء... لقد أهلك سيلُ العَرِم كلَّ ما صنعت أيديهم.
يذكر القرآن أن العقاب الإلهي كان بإرسال (سَيْلَ العَرِمِ). وهذا التعبير القرآني يخبرنا كيف وقعت الواقعة، فكلمة "عَرِم" تعني الحاجز أو السد. يصف تعبير (سَيْلَ العَرِمِ ) السيل الذي جاء ليدمر هذا الحاجز، لقد حل المفسرون المسلمون موضوع الزمان والمكان على ضوء الألفاظ القرآنية التي وردت في وصف سيل العرم، يقول المودودي في تفسيره:
"كما استخدم في التعبير سيل العرم، فإن كلمة "عَرِم" مشتقة من كلمة "عريمين" المستخدمة في لهجة سكان جنوب الجزيرة، والتي تعني "السد، الحاجز"، وقد عثر على هذه الكلمة في أثناء الحفريات التي نفذت في جنوب اليمن باستعمالات كثيرة تفيد هذا المعنى، على سبيل المثال: استخدمت هذه الكلمة في الكتابات التي كانت تملى من قبل ملك اليمن الحبشي "أبرهة"، بعد تعمير وأصلاح سد مأرب في 542 و543 م لتعني السد "الحاجز" مرة أخرى. أذن فأن (سَيْلَ العَرِم) يعني "كارثة السيل التي حدثت بعد تحطم سد".
( وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 16). أي: إن البلدة بكاملها قد غرقت بعد انهيار السد بسبب السيل، لقد تحطمت جميع أقنية الري التي حفرها السبئيون، وكذلك الحائط الذي أنشؤوه ببنائهم حواجز بين الجبال، ولم يعد لنظام الري أي وجود، وهكذا تحولت الجنان إلى أدغال، ولم يبقَ من الثمار شيء، سوى ثمار تشبه الكرز وأشجار قصيرة كثيرة الجذور. [4]
لقد أقر الكاتب وعالم الآثار المسيحي وورنر كيلر Werner Kellerصاحب كتاب "الكتاب المقدس كان صحيحاً" أن سيل العرم قد حدث كما ورد وصفه في القرآن الكريم، وأنه وقع في تلك المنطقة، وأن هلاك المنطقة بكاملها بسبب انهياره، إنما يبرهن على أن المثال الذي ورد في القرآن الكريم عن قوم الجنتين قد وقع فعلاً. [5]
بعد وقوع كارثة السد، بدأت أراضي المنطقة بالتصحر، وفقد قوم سبأ أهم مصادر الدخل لديهم مع اختفاء أراضيهم الزراعية، وهكذا كانت عاقبة القوم الذين أعرضوا عن الله وترفعوا عن شكره، وتفرق القوم بعد هذه الكارثة، وبدأ السبئيون يهجرون أراضيهم مهاجرين إلى شمالي الجزيرة، مكة وسوريا. [6]
يأتُي الحيز الزماني الذي شغلته هذه الكارثة بعد زمن العهد القديم والعهد الجديد، لذلك لم يرد ذكره إلا في القرآن الكريم.
تقف آثار مأرب المهجورة والتي كانت في يوم من الأيام موطناً للسبئيين، كآية من آيات العذاب تنذر أولئك الذين يكررون خطيئة القوم، لم يكن السبئيون هم القوم الوحيدين الذين أهلكهم السيل، ففي سورة الكهف يروي لنا القرآن الكريم قصة صاحب الجنتين، امتلك هذا الرجل جنتين خصبتين جميلتين تشبهان جنان قوم سبأ، إلا أنه ارتكب نفس خطيئتهم: أعرض عن الله، لقد ظن أن هذه النعمة من صنعه هو وهي له دون عن غيره:
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعْلنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَم تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلىَ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْها مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ولآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَولآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَن يَؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ برَبِّي أَحَداً * وَلَم تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) (الكهف: 32-44) .
كما نفهم من الآيات لم يكن صاحب الجنة ناكراً لوجود الله، بل على العكس فهو يتصور أنه حتى لو عاد إلى ربه فسيجد خيراً من هذه الجنة، لقد عزا كل ما هو فيه من النعم لما حققه من أعمال ناجحة قام بها وحده.
من الواضح أن هذا يصب تماماً في منحى الشرك بالله: محاولة نسب كل ما يخص الله إلى غيره، وفقدان الخشية من الله مع الاعتقاد بأن هذا الشريك لديه امتياز خاص، و "حظوة" عند الله.
وهذا ما فعله قوم سبأ، فكانت عاقبتهم أن غرقت بلادهم وجنانهم ليفهموا أنهم ليسوا أصحاب القوة، بل أنها نعمة أُسبغت عليهم فحسب...
أصبح السبئيون أصحاب أعظم حضارة قامت على الري بعد بنائهم سد مأرب بأحدث الوسائل التقنية، لقد سمحت لهم أرضهم الخصبة التي امتلكوها وسيطرتهم على الطرق التجارية، أن ينعموا بالرخاء والازدهار الذي طبع أسلوب حياتهم، ومع ذلك "أعرضوا عن الله" الذي يتوجب عليهم أن يكونوا ممتنين، شاكرين له ولأَنْعُمِه، لذلك انهار سدهم وأهلك "سيل العَرِم"كلَّ ما بنوه.
عاد اليوم السد السبئي المشهور مرة أخرى إلى ما كان عليه من إمكانات الري السابقة
يخبرنا القرآن الكريم أن ملكة سبأ وقومها كانوا "يعبدون الشمس مع الله" قبل أن تتّبع سليمان، وتوضح المعلومات التي تحملها هذه النقوش هذه الحقيقة، كما تشير إلى أنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر في معابدهم والتي يظهر أحدها في الأعلى.
المصدر:
نقلاً عن كتاب الأمم البائدة للداعية التركي هارون يحيى .

[1] "سبأ"، الموسوعة الإسلامية: العالم الإسلامي، تاريخ، جغرافية، إنثوغرافيا، وقاموس بيبلوغرافيا، المجلد 10، صفحة 268.
[2] هوميل، المكتشفات في أرض الإنجيل، فيلادلفيا 1903، صفحة 739
[3] "مأرب"، الموسوعة الإسلامية": العالم الإسلامي، تاريخ، جغرافية، إنثوغرافيا، وقاموس بيبلوغرافيا، المجلد 7، الصفحات 323-339.
[4] المودودي، تفهيم القرآن، سيلت 4، استنبول: إنسان ياينلاري، صفحة 517.
[5] وورنر كيلر، الإنجيل كتاريخ، إثبات كتاب الكتب، نيويورك: ويليام مورو، 1964، صفحة 207.
[6] الدليل الحديث للمسافرين إلى اليمن، صفحة 43.

عمروعبده 28-06-2010 07:33 PM

نجاة فرعون ببدنه

كشف الدكتور موريس بوكاي[1] في كتابه القرآن والعلم الحديث عن تطابق ما ورد في القرآن الكريم بشـأن مصير فرعون موسى بعد إغراقه في اليم مع الواقع المتمثل في وجود جثته إلى يومنا هذا آيةً للعالمين حيث قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾(يونس:92). يقول الدكتور بوكاي : "إن رواية التوراة بشأن خروج اليهود مع موسى عليه السلام من مصر تؤيد بقوة الفرضية القائلة بأن منفتاحMineptahخليفة رمسيس الثاني هو فرعون مصر في زمن موسى عليه السلام ، وإن الدراسة الطبية لمومياء منفتاحMineptah قدمت لنا معلومات مفيدة أخرى بشأن الأسباب المحتملة لوفاة هذا الفرعون. إن التوراة تذكر أن الجثة ابتلعها البحر ولكنها لا تعطي تفصيلاً بشأن ما حدث لها لاحقاً. أما القرآن فيذكر أن جثة الفرعون الملعون سوف تنقذ من الماء كما جاء في الآية السابقة، وقد أظهر الفحص الطبي لهذه المومياء أن الجثة لم تظل في الماء مدة طويلة ، إذ أنها لم تظهر أية علامات للتلف التام بسبب المكوث الطويل في الماء."[2] .
و لقد ذكر موريس بوكاي ما نصه :(و جاءت نتائج التحقيقات الطبية لتدعم الفرضية السابقة، ففي عام 1975جرى في القاهرة انتزاع خزعة صغيرة من النسيج العضلي ،بفضل المساعدة القيمة التي أسداها ألأستاذ Michfl Durigon . و أظهر الفحص الدقيق بالميكروسكوب حالة الحفظ التامة لأصغر الأجزاء التشريحية للعضلات، و تشير إلى أن مثل هذا الحفظ التام لم يكون ممكناً لو أن الجسد بقي في الماء بعض الوقت ، أو حتى لو أن البقاء خارج الماء كان طويلاً قبل أن يخضع لأولى عمليات التحنيط . و فعلنا أكثر من ذلك و نحن مهتمون بالبحث عن الأسباب الممكنة لموت فرعون
جرت الدراسات الطبية ـ الشرعية للمومياء بمساعدة Ceccaldi مدير مخبر الهوية القضائية في باريس و الأستاذ Durigon و سمحت لنا بالتحقق من وجود سبب لموت سريع كل السرعة بفعل كدمات جمجمية ـ مخية سببت فجوة ذات حجم كبير في مستوى صاقورة القحف مترافقة مع آفة رضية ، و يتضح أن كل هذه التحقيقات متوافقة مع قصص الكتب المقدسة التي تشير إلى أن فرعون مات حين ارتد عليه الموج )[3].
ويبين الدكتور بوكاي وجه الإعجاز في هذه القضية قائلاً : "وفي العصر الذي وصل فيه القرآن للناس عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ، كانت جثث كل الفراعنة الذين شك الناس في العصر الحديث صواباً أو خطاً أن لهم علاقة بالخروج، كانت مدفونة بمقابر وادي الملوك بطيبة على الضفة الأخرى للنيل أمام مدينة الأقصر الحالية . في عصر محمد صلى الله عليه وسلم كان كل شيء مجهولاً عن هذا الأمر ولم تكتشف هذه الجثث إلا في نهاية القرن التاسع عشر[4] وبالتالي فإن جثة فرعون موسى التي مازالت ماثلة للعيان إلى اليوم تعد شهادة مادية في جسد محنط لشخص عرف موسى عليه السلام، وعارض طلباته ، وطارده في هروبه ومات في أثناء تلك المطاردة ، وأنقذ الله جثته من التلف التام ليصبح آية للناس كما ذكر القرآن الكريم[5] . وهذا المعلومة التاريخية عن مصير جثة فرعون لم تكن في حيازة أحد من البشر عند نزول القرآن ولا بعد نزوله بقرون عديدة ، لكنها بينت في كتاب الله على قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام .

عمروعبده 28-06-2010 07:37 PM

مناقب الشام وأهلهلشيخ الإسلام ابن تيمية [1]
ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي على غزو التتار، وأمري لهم[2] بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه، وقد جرت في ذلك فصول متعددة.[3]
وهذه المناقب أمور: احدها البركة فيه، ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
1- قوله تعالى في قصة موسى: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يُهلِك عدوَّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكّرون. فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين. ولما وقع عليهم الرجزُ قالوا يا موسى ادعُ لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفتَ عنا الرجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون. فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضعفونَ مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمّت كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ..) [الأعراف: 129-137] ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
2- وقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) [الإسراء: 1] وصوله إلى أرض الشام.
3- وقوله تعالى في قصة إبراهيم: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين. ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) [الأنبياء: 70-71] ومعلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق.
4- وقوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) [الأنبياء: 81] وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
5- وقوله تعالى في قصة سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين) [سبأ: 18] وهو ما كان بين اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة كما ذكره العلماء.
فهذه خمسة نصوص حيث ذكر الله أرض الشام، في هجرة إبراهيم إليها، ومسرى الرسول إليها، وانتقال بين إسرائيل إليها، ومملكة سليمان بها، ومسير سبأ إليها، وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها.
وأيضاً ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى والذي أقسم الله به في سورة الطور، وفي: (والتين والزيتون. وطور سينين) [التين: 1-2]، وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها معراج ومسرى نبينا [صلى الله عليه وسلم]، ومنها معراجه، وبها مُلكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد.
كما أن من مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض.
والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: (لأول الحشر) [الحشر: 3] نبّه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ وإيلياء[4] معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر. فإنه أسرى بالرسول [صلى الله عليه وسلم] من مكة إلى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي بالشام. فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر، في الكلمات الكونية والدينية.
ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة".[5]
وفيهما[6] عن معاذ بين جبل قال: "وهم بالشام". وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال: "وهم بدمشق". وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".[7]
وقال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام. وهو كما قال لوجهين:
أحدهما: أن في سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام
الثاني: أن لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل مدينته في (أهل الغرب) هم أهل الشام، ومن يغرب عنهم، كما أن لغتهم في (أهل المشرق) هم أهل نجد والعراق، فإن المغرب والمشرق من الأمور النسبية، فكل بلد له غرب قد يكون شرقاً لغيره، وله شرق قد يكون غرباً لغيره، فالاعتبار في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان غرباً وشرقاً له حيث تكلم بهذا الحديث وهي: المدينة.
ومن علم حساب الأرض بطولها وعرضها علم أن: حرّان، والرقة، وسميساط على سمت مكة، وأن الفرات وما على جانبيها من البيرة على سمت المدينة بينهما في الطول درجتين لتبين فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة، وما كان ثَمّ شرقيها فهو شرقي المدينة.
فأخبر (صلى الله عليه وسلم) أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة، ويُغلَبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً.
وكان أهل المدينة يسمون الأوزاعي: إمام أهل الغرب،ويسمون الثوري شرقياً، ومن أهل الشرق.
ومن ذلك أنها خيرة الله الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض، واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديث كثير (مثل):
حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستجندون أجناداً؛ جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق". فقال الحوالي: يا رسول الله، اخترْ لي. قال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها حزبه من عباده، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليَسْقِ من غُدْره، فإن الله تكفّل لي بالشام وأهله".[8]
وكان الحوالي (راوي الحديث) يقول: من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه. ففي هذا الحديث مناقب المهاجرة.
وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير[9]، تبيت معهم حيثما كانوا، وتقيل معهم حيثما قالوا."
فقد أخبر أن خيار أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام.
وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حرّان[10] وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة[11].
ومن ذلك أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام، كما في الصحيح[12] من حديث عبد الله بن عمر.
ومن ذلك أن عمود الكتاب والإسلام بالشام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ كأن عمود الكتاب أخِذ من تحت رأسي، فأتبعتُه بصري فذُهِب به إلى الشام"[13].
ومن ذلك أنها عقرر دار المؤمنين، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وعقر دار المؤمنين بالشام"[14].
ولهذا استدللتُ لقوم من قضاة القضاة[15] وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع الموصوفين بخصال المنافقين، لما خوّفونا منهم، فأخبرتُهم بهذا الحديث: "وأن منافقينا لا يغلبوا مؤمنين"[16].
وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار، وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به، وبركة ما أمرناهم به، وكان ذلك فتحاً عظيماً ما رأى المسلمون مثله، مثل صرح مملكة التتار –التي أذلت أهل الإسلام، فإنهم لم يهزَموا أو يُغلَبوا كما غُلِبوا على باب دمشق في الغزوة الكبرى التي أنعم الله علينا فيها من النعم بما لا نحصيه خصوصاً وعموماً.
والحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً، كما يحب ربنا ويرضاه، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تخريجات أحاديث الكتاب منقولة من تحقيق المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله لكتاب »فضائل الشام ودمشق للربعي ومعه مناقب الشام وأهله لشيخ الإسلام ابن تيمية«. المكتب الإسلامي 1405 ط2.
[2] أي للمسلمين الشاميين.
[3] انظر »معركة شقحب أو مرج الصفر« للدكتور لطفي الصباغ في الفسطاط.
[4] كان بيت المقدس يدعى »إيلياء« أيضاً نسبة إلى أحد أباطرة الروم. [الفسطاط].
[5] انظر صحيح الجامع الصغير (7164 إلى 7173).
[6] يعني في الصحيحين، أخرجاه عن معاذ موقوفاً عليه، وقد جاء مرفوعاً عن أبي أمامة وغيره بأسانيد فيها ضعف كما بينته في »تخريج فضائل الشام« لأبي الحسن الربعي، ويشهد لها الحديث الآتي في صحيح مسلم علىما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[7] صحيح مسلم (6/54) وفي المختصر (1097).
[8] حديث صحيح، أخرجه أحمد والطحاوي في »مشكل الآثار« وأبو الحسن الربعي في »فضائل الشام ودمشق« من طرق خمسة عن عبد الله بن حوالة مرفوعاً بعضها صحيح الإسناد.
[9] إلى هنا ينتهي حديث ابن عمر، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود في أول »الجهاد« 2482 من طريق شهر بن حوشب عنه، وشهر فيه ضعف من قبل حفظه، لكن له طريق أخرى، أخرجه الحاكم (1/510) من طريق أبي هريرة عنه وقال: »صحيح على شرط الشيخين« ووافقه الذهبي: وهو من أوهامهما فإن فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، ولم يخرج له مسلم، ثم هو ضعيف من قبل حفظه وإن أخرج له البخاري، وقد أشار الحافظ المنذري في »الترغيب« (3/62) إلى الغمز من تصحيح الحاكم المذكور، فإنه قال عقبه: »كذا قال« لكن الحديث قوي بمجموع الطريقين إن شاء الله تعالى.
وأما بقية الحديث »تبيت معهم..« فهو تتمة حديث آخر من رواية أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: »يحشر الناس على ثلاثة طرائق راغبين راهبين، واثنان على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، فتقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا«. رواه البخاري (4/235) ومسل (8/157).
ثم رأيت الإمام أحمد قد أخرج الحديث في مسنده (2/48) من طريق أبي جناب يحيى ابن أبي حية عن شهر بن حوشب: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتكونن هجرة بعد هجرة.. الحديث، وزاد: »تقيل معهم حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منهم فلها«. لكن يحيى ابن أبي حية ضعيف لكثرة تدليسه، وقد عنعنه، بيد أنه أخرجه ابن عساكر (1/151/152) من طريق أخرى عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه الزيادة، ورجاله ثقات.
[10] أشار رحمه الله لهجرة عائلته من حران عندما هاجمها التتار يوم أن كان عمره ست سنوات. وحران مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي قصبة ديار مضر، قبل الرها على طريق الموصل والشام والروم..
[11] أشار بذلك لحديث: »لا هجرة بعد الفتح« عند البخاري وغيره.
[12] المراد به عند الاطلاق أحد الصحيحين: »صحيح البخاري« و »صحيح مسلم«. وهذا الحديث وإن كان صحيحاً فلم يرد في أحدهما، ثم هو ليس من حديث عبد الله بن عمر في شيء من كتب السنة –فيما علمت- وإنما هو من حديث زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »طوبى للشام« فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: »لأن ملائكة الرحمة باسطة أجنحتها عليها«.
أخرجه أحمد (5/184 و185) وابن أبي شيبة في »المصنف« (7/152/1) والترمذي وحسنة، وأبو الحسن الربعي برقم واحد من فضائل الشام،والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
[13] صحيح. أخرجه أبو نعيم في »حلية الأولياء« والحاكم وأبو الحسن الربعي رقم (3) بإسناد صحيح، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي؛ وله طريق آخر، أخرجه أبو العباس ابن الأصم في »حديثه« (ج2 رقم 59 –نسختنا) وعنه تمام في »القواعد« (ق99/1) وأبو ا لحسن الربعي (رقم 10) ورجاله ثقات. وله شواهد من حديث عمرو بن العاص، وأبي الدرداء وابن حوالة، وإسناد بعضها صحيح كما بينتها في تخريج أحاديث الربعي.
[14] صحيح: أخرجه أحمد (4/104) وابن سعد في »الطبقات« (7/724-428) والبغوي في »مختصر المعجم« (9/130/1)، وأبو إسحاق الحربي في »غريب الحديث« (5/174/1) من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي مرفوعاً، وإسناده صحيح. وله شاهد من حديث العرباض بن سارية، أخرجه ابن عساكر في تاريخه (1/70) ورجاله ثقات غير فضالة بن شريك، قال ابن أبي حاتم (3/2/78): »سألت أبي عنه فلم يعرفه«. وشاهد أخر عنده (1/105) عن النواس بن سمعان.
[15] لقب قاضي القضاة مما يكره استعماله، قياساً على ملك الملوك، كما ذكر ذلك العلامة الإمام ابن القيم في »زاد المعاد«، وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال للسلطان ملك الملوك، أخرج ذلك البخاري من حديث أبي هريرة. وإيراد شيخ الإسلام ذلك في مسودته على الحكاية لما كان مصطلحاً عليه بينهم، ولا يعني ذلك اقراره له.
[16] ولكنه موقوف، كذلك رواه الإمام أحمد (3/499) عن خريم بن فاتك الأسدي قال: »أهل الشام سوط الله في الأرض، ينتقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولن يموتوا هماً أو غيظاً أو حزناً« وإسناده صحيح موقوف. وقد رواه الطبراني مرفوعاً، وإسناده ضعيف، كما بينته في »الأحاديث الضعيفة والموضوعة« رقم (13).

عمروعبده 28-06-2010 07:39 PM

حصار العراق والشام

روى مسلم في صحيحه بسنده :
( عن أبي نضرة رضي الله عنه قال : كنا عند جابر بن عبد الله رضي عنه فقال : يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم .
قلنا : من أين ذلك ؟ .
قال : العجم يمنعون ذلك .
ثم قال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي .
قلنا : من أين ذاك ؟
قال : من قبل الروم ؟
ثم سكت هُنيهة ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه و سلم : يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً .
قلت لأبي نضرة : أترى أنه عمر بن العزيز؟
قال : لا .
هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يتضمن ثلاثة أخبار من أنباء الغيب و المستقبل :
الأول : عن حصار العراق .
الثاني : عن حصار الشام .
الثالث : عن خليفة في آخر الزمان يحثي المال حثياً و لا يعده عداً .
الخبر الأول و الخبر الثاني موقوفان على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حيث لم يرفعهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
الخبر الثالث رفعه جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
حيث أن العلماء متفقون على أن الصحابي إذا روى خبراً من أخبار الغيب موقوفاً ، أي لم يرفعه أو ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حكم المرفوع، إذ لا يحتمل أن لا يحدث الصحابي بخبر من أخبار الغيب، إلا إذا كان قد سمعه من الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم.
و الملاحظة في هذا الحديث أن جابر رضي الله عنه ، قد ذكر الأخبار الثلاثة الأولى ثم الثاني ، ثم سكت هنيهة ، ثم ذكر الخبر الثالث مرفوعاً و هو يتحدث عن الذي يحثي المال حثياً .
و من ثم يمكننا أن نستنبط الحقائق التالية بناء على ما تقدم .
1. يسبق ظهور الخليفة الكريم و تأسيسه للخلافة الإسلامية الأخيرة حدثان : حصار العراق و حصار الشام . و دليل هذا أن هذين الحدثين مذكوران في المتن قبل ظهوره.
2. سكوت جابر رضي الله عنه هنيهة بعد ذكر حصار الشام و قبل ذكر خبر الخليفة يوحي بأن الأخير يحدث بعد الثاني مباشرة . كما يدل على أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأخبار الثلاثة قد فهم منه أنها جميعاً ثلاثة أحداث متتالية في الحدوث ستحدث في آخر الأمة .
3. يؤكد هذا فهم التابعي أبي نضرة الذي نفى أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، بالرغم مما عرف عن عهده من كثرة المال ، و لكن عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لم يسبقه حصار العراق و لا حصار للشام .
4. حصار العراق الوارد في المتن تضمن منع الطعام و المال عن العراق ، و كنى عن الطعام بالقفيز الذي هو مكيال أهل العراق للحبوب . كذلك ذكر منع جباية المال إلى العراق مع الطعام ، و هذا أمر غريب ، إذ البلد المحاصر قديماً كان يدفع المال في مقابل الطعام ، ولم يكن يتصور منع المال عنه ، لكن دلَّ منع المال عن أهل العراق مع منع الطعام عنهم في نفس الوقت أن مصدر الأموال عندهم من التصدير ، و أن الحصار يمنع عنهم الاستيراد كما يمنع عنهم التصدير .
و دل هذا على أن ما يصدرونه للحصول على الأموال لا يمكن أن يكون إشارة واضحة إلى اعتماد العراق ككل دول البترول على تصديره كمصدر رئيسي و ربما وحيد لميزانية هذه الدول .
5. عبر جابر رضي الله عنه عن الحصار أو ما يسمى في الإعلام المعاصر بالحصار بعبارة أخرى و بلفظ آخر و هو قوله ( يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم ) و هو تعبير دقيق ينطبق على ما يسمى بالحصار العالمي للعراق الذي يعايشه أهل العراق منذ دخول جيشهم إلى الكويت حتى الآن ، و هو أدق وأصوب لغة ومعنى من تعبير الحصار . لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر داخل حدود لا يستطيعون الخروج منها كما يمنع غيرهم من دخولها . هكذا كان حصار المدن قديماً ، إذ كان يحيط جيش العدو بأسوارها و أبوابها ، أو حتى بحدودها ، إذا لم يكن لها أسوار ، و يمنعون دخول البضائع إليها بهذه الكيفية القديمة . أما الآن فالأمر مختلف تماماً وإن استخدامنا لفظ الحصار القديم . إذ ليس للعراق الممتدة شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً ، أسوار وليس لها بوابات و ليس حول حدودها الشاسعة جيوش متراصة كما في القديم . و مع هذا فقد منع عنهم الكيل و الدواء والسلاح والدراهم حيث توقف تصدير البترول . وجاء المنع بقرارٍ من مجلس الأمن بالمقاطعة الاقتصادية و التجارية و العسكرية و بامتثال الدول الخاضعة لهذا المجلس لهذه القرارات .
ونظراً لأن الأيادي الخفية التي تحكم من وراء حجاب من خلال مجلس الأمن وبقوة أعضائه ونظراً لأنها لا تملك أن تخضع كل البشر والدول فإن الحصار أو بالتعبير الصحيح الدقيق المنع ليس كاملاً و تاماً ، حيث هناك التهريب من الحدود فالحصار أو المنع ليس تماماً ولا كاملاً ، لذا جاء التعبير عنه بقوله جابر رضي الله عنه ( ... . يوشك ...) بمعنى يكاد ، و نظراً لأنه منع بقرار و بامتناع أكثر الدول و الشركات العالمية عن البيع و الشراء مع العراق جاء التعبير بقوله ( ألا يجبى إليهم ) .
صحيح أن أكثر العرب يقاطعون العراقيين و يمنعون عنهم الطعام ، و لكن لا يخطر على بال أحد ـ في الزمان السابق المعاصر للصحابة ـ أنه سيأتي يوم على شعوب الأرض جميعاً يخضعون لقرار واحد ، و يستجيبون لهيئة واحدة ، و لذا كان أقرب تعبير عن هذه المقاطعة العالمية للعراق يفهمه أهل ذاك الزمان هو أن العجم أي كل شعوب الأرض من غير العرب هم الذين يمنعون الطعام عن أهل العراق .
و إذا تأملنا النص ، وجدناه مطابقا مع الواقع الفعلي المعاصر ، إذ أن التابعين المتلقين عن جابر سألوه : من أين ذاك ؟.
و هو سؤال عن مصدر المنع و أصل الحصار و ليس عن الذين يمنعون بالتحديد فجاءت الإجابة بأن المصدر هو العالم كله ، أو هو هيئة تمثل دول العالم ، إذ قال جابر رضي الله عنه : العجم يمنعون ذاك ؟.
وعلى هذا يمكن القول أن المنع الحادث عن العراق أعجمي ، لأن كل شعوب الأرض ماعدا العرب " رسمياً" بمقتضى موقف اليمن في مجلس الأمن ـ قد فرضوا هذا الحصار عن رضى و طواعية ، لأن مجلس الأمن يومئذ ، الدائمين فيه و غير الدائمين ماعدا اليمن ، هو مصدر الحصار أو بالتعبير الدقيق مصدر المنع و على هذا فليس أدق من إجابة جابر رضي الله تعالى عنه عن مصدر الحصار أو المنع من قوله :" العجم يمنعون ذاك " .
فهو منع و ليس حصار من ناحية ، و مصدره ، و أساسه كل شعوب و أمم ودول الأرض ماعدا العرب ، فهم إذن العجم .
6. لم يحدث منذ بدء تاريخ الإسلام ومنذ أن أسلم شعب العراق و أصبح جزءاً من الأمة الإسلامية لم يحدث حصار للشعب العراقي مفروض من كل شعوب ودول العالم من قبل.
7. إذا كان هذا الخبر الأول من حديث جابر رضي الله عنه قد حدث و لازال قائماً ، فإنه يقيناً ، خاصة و أن الحديث صحيح ، سيحدث الخبر الثاني وهو حصار الشام.
كذلك سيتلوه في الحديث الثالث و هو الخلافة الصالحة.
ثم قال : (يوشك أهل الشام ألا يُجبى إليهم دينار و لا مُدي ) .
تعبير المنع نفسه، و المدي هو مكيال أهل الشام للطعام ، فهو إذن منع الطعام عن أهل الشام ، وكذلك منع المال عنهم . أي لا استيراد و لا تصدير .
فلما سألوا جابراً رضي الله عنه عن مصدر هذا المنع ( قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم ) .
و الروم في التراث الإسلامي هم أهل أوربا . و في هذه الإجابة الدقيقة من جابر رضي الله عنه دليل واضح على حدوث الزلزلة العظيمة بعد حصار العراق و قبل حصار الشام ، كيف ؟
لأن الروم الآن أو أوروبا متمثلة في مجلس الأمن بشعبين أو دولتين من أكبر دول أوروبا هم إنجلترا و فرنسا ، و أمريكا التي هي أقوى دول العالم المعاصر ، وتقود مجلس الأمن و تحكم العالم من خلاله أيضاً هي من أوروبا في الأصل ، لأن شعب أمريكا أوروبي الأصل فهم الذين تحدثت عنهم السنة باسم بني الأصفر و باسم الروم .
لكن جاء مصدر الحصار العالمي للعراق من كل العالم ، بينما سيأتي المنع على الشام من الروم ، وليس لهذا إلا تفسير واحد لا غير ، و هو أن النظام العالمي الجديد سينهزم و يصبح أثراً بعد عين .
و هذا معناه أنه لن يكون في الأرض مجلس أمن أو هيئة أمم متحدة تفرض ما تقرره على الشعوب و الدول بقوة السلاح .
ستنتهي هذه السلطة العالمية ، و تنمحي حتى أنه عندما سيحدث في الشام أو من أهل الشام ما يهدد مصالح و سيادة الروم في أوروبا فسيأتي المنع من أوروبا أو من الروم ، قد يستجيب للروم حينئذ غيرهم من بعض الدول و الشعوب حرصاً على مصالحهم معهم ، لكن مصدر السلطة التي ستجعل حصاراً على أهل الشام هي أوروبا.
و هذا لا يكون إلا بعد هدم النظام العالمي الجديد و انتهاء مؤسساته التي ظل اليهود سنين عديدة في إعدادها ، بجهود خبيثة خفية باطنية جبارة ، و من ثم سيتغير الصراع الإسلامي الجاهلي يتغير أطراف الصراح ، فيصبح بين العالم الإسلامي العربي و بين أوروبا بعد أن كان بين العالم كله من جهة و بين المسلمين المستضعفين م جهة أخرى .
و مقدمة هذا الصراع ما يحدث بين أوروبا و الشام ، و هكذا تبدو في الأفق بداية تكون ملامح صورة العالم الجديد المؤدية إلى صراع قوتين عظيمتين في الأرض هما أوربا الموحدة المشركة بالله تعالى و الخلافة الإسلامية بقيادة المهدي لينتهي الصراع بين التوحيد و الشرك بدخول المسلمين روما بعد الملحمة العظمى و كل أوروبا و أمريكا . لقد صاحب الحصار العالمي للعراق معركة عالمية عظيمة أطلق عليها البعض بحق : " الحرب العالمية الثالثة " فهي إذن ملحمة ، بل هي أولى الملاحم إذ ستتلوها ملاحم بين المسلمين و الروم تنتهي بآخرها ، أي الملحمة العظمى التي يفتح الله تعالى بها على المسلمين أوروبا .
و خلاصة القول أن تغير مصدر المنع من العجم بالنسبة للعراق إلى الروم بالنسبة للشام يعني أن المصدر الأول و هو مجلس الأمن بقيادة أمريكا و المتضمن لأوروبا أو الروم (إنجلترا و فرنسا ) لن يكون موجوداً عند حصار الشام ، إذ سيكون من الروم أو أوروبا فقط و هذا معناه انعدام مجلس الأمن و أمريكا كقوة سياسية كقوة سياسية عسكرية تحكم الأرض عند حصار الشام ، و هنا إشارة خفية في الحديث السابق إلى أن حصار العراق سيكون أشد من حصار الشام و ذلك أنه صلى الله عليه و سلم ذكر في الشق الذي يتعلق بالعراق أنه يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز و لا درهم ، أما أهل الشام فقال : يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار و لا مدي و من المعلوم أن الدرهم أقل بكثير من الدينار أي أن أهل الشام سوف يمنع عنهم الدينار أما أهل العراق فسوف يمنع عنهم الدرهم و الدرهم كما هو معروف أقل بكثير من الدينار .
قام بكتابة المقالة وتخريج أحاديثها فراس نور الحق
المرجع :زلزال الأرض العظيم تأليف بشير محمد عبد الله .

عمروعبده 28-06-2010 07:42 PM

الفارقليط
قال الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6) .
لقد ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كتب النصارى في عدة أماكن ، منها ما جاء في إنجيل يوحنا(11) في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه : "لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي (الفارقليط)."(خ) وكلمة "المعزي" أصلها منقول عن الكلمة اليونانية (باراكلي طوس) المحرفة عن الكلمة (بيركلوطوس) التي تعني محمد أو أحمد. "إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ، ثم رجح أهل التثليث هذه النسخة على النسخ الأخرى."(12) جـ) وهناك إنجيل اسمه إنجيل "برنابا" استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م بأمر من البابا جلاسيوس ، وحرّمت قراءته وصودر من كل مكان، لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب. وشاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه "فرامرينو" الذي عثر على رسائل "الإبريانوس" وفيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا وتوصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ. يقول إنجيل برنابا في الباب "22": " وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ". وقد اسلم فرامرينو وعمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس .[1]
ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري (في كتابه : محمد في الكتاب المقدس)(19) : إن العبارة الشائعة عند النصارى : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " لم تكن هكذا ، بل كانت : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ، وللناس أحمد " هـ.[2]
وفي إنجيل متى(31) جاء ما يلي: " قال لهم يسوع(32) أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ".(ط) وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل .[3]
بحث للشيخ عبد المجيد الزنداني
[1] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص12: 14
[2] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص12: 14
[3] نقلا عن كتاب البشارات للشيخ الزنداني ص22 .

عمروعبده 28-06-2010 07:44 PM

الكون شاهد على وجود الله

قال الله تعالى :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (سورة البقرة).
لقد قدّر الله سبحانه و تعالى كل شيء في وجوده الأزلي، فكتب في اللوح المحفوظ، من قبل الخلق، وبأول مخلوقاته "القلم" ، مصير كل هذا الكون وما يحويه من إنس وجان، حي وجماد، ظاهر ومخفي، مخلوق سماوي أو أرضي، مطيع كان أم عاصي، وهكذا فقد سنّ سننّا و بعث أنبياء و رسلاّ مبشّرين و منذّرين، يذكّرون الخلق غاية وجودهم و حجّة خالقهم عليهم، محتجّين بعظمته وحكمته فيما خلق بدلائل قدرّته، مبلّغين إياهم أنها دار عمل و كّد وما بعدها دار نعيم أو نكد. فمنهم من آمن بما جاءه من عند الله ومنهم من أخذته العزّة بالإثم فأضحوا جنّدا من جنود الشيطان يعيثون في سنن ربهم فساداً فحق عليهم قول خالقهم فأخذهم العذاب بغتة فكان مصيرهم التراب يعرضون على النار صباحاً و عشياً لا يسمع عذابهم إلا البهائم فساء ما كانوا يعملون فهكذا كانت سنّة الحكيم - سبحانه - في بعثه لرسلّه موافقة تماماً لسنن الكون نفسه، فلما كان آل فرعون قوم سحّر وقوّة وجبروت بعث إليهم بموسى - عليه السلام- بقوة بدنه و معجزّاته التي أبطلت ما كانوا يفعلون، وكذا أيضا بعث النبيّ سليمان في قوم قد ملئت الملوك أرضهم فسخّر الله بحكمته ملكّا لسليمان يمتدّ من أدنى الأرض إلى المكان الذي حلّق فيه الهدهد فكان من الصادقين. وهكذا فلو اتبعنا و تأملنا بما جاء به الرسل إلى أقوامهم لوجدناها تلائم عصر تواجدها وتوافق حياة وأفكار هذه الأمم، فكانت معجزّة كلّ نبيّ مرسل تدحض ما كان يعصي القوم الله به وكانت في الوقت نفسه تبهر وتعجز قوة الأقوام أنفسهم.
فلهذا جاءت معجزة القرآن -الكريم- وفقا للسنّة نفسها ، فلمّا كتب الله عزّ وجلّ أن الأرض يرثها عباده الصالحون اللذين أصلح بالهم بالقرآن كان ذلك بمثابة الهديّ الذي ينبغي على البشر الإقتداء به مهما طالت بهم العصور و مهما اختلفت أمكنتهم و بلغوا من علمهم الدنيوّي مبلغاً عظيماً كما هو الشأن في عالمنا اليوم. وهكذا ووفقاً لسنّة البعث نفسها فإن الدارس والمتدبر في آخر معجزة لآخر الأنبياء والرسّل، صلّوات الله عليه، يجدها قد أبهرت وأعجزت أقواماً قد عمّرت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمن. فإذا كانت قريش قد أقرّت بعجزها وعجز لسانها أمام ما جاء به القرآن بلسان عربي، فهل تقرّ الإنسانية في عصرنا هذا عن عجز علمها النظري و التجريبي أمام ما جاء به الفرقان ؟! و هل سيدركون أن الله - سبحانه- وحده دون غيره كان قبل خلق المكان وسيعيد كل شيء إلى ما كان عليه المكان قبل خلق المكان؟! فهكذا أراد لحكمته وسنّته أن تكون، فقد خلق الأسباب والمسبّبات والمسبب له وخلق النتائج سبحّانه له في خلقه شؤون.
ولكن دعونا نتأمل الآن فيما أعجز القرآن عمّا عجز الإنسان عن فهمه، تفسيره واكتشافه، وعلى سبيل المثال -لا على سبيل الحصر- سنحاول أن نسوق بعض الأمثلة نبيّن لغيرنا من خلالها أنه الحق من ربنا، أمثلة قلت تجعل القرآن معجزة دائمة على دهر العصور الغابرة وعلى طول الأزمنة القادمة إلى أن يرث الله الكون و ما فيه والأرض ومن عليها.
لقد كان يعتقد علماء الفلك القدامى أن الكون وأبعاده ما هو إلا مجموعة محدودة من كواكب سيارة تدور بشكل منتظم حول الشمس، لكن الاكتشافات التي جاءت إثر ظهور الثورة العلمية في مطلع القرن العشرين قد أثبتت أن الكون أبعاده ابعد من ذلك ! فالمجموعة الشمسية ما هي إلاّ جزئ ضئيل من مجرّتنا أمام كم هائل من المجرّات الأخرى، و تستمر الاكتشافات لتذهل عقولنا المحدودة و تخبرنا بأنّ هناك مئات من "عناقيد المجرّات" كل عنقود يحوي آلاف من " أكوام المجرّات" و كل كومة قد تحوي عشرات الآلاف من "المجرّات" و كل مجرّة متكونة من غازات تقارب درجة حرارتها المئة مليون درجة مئوية، كما تحوي ملايين الأجرّام السماويّة ومن مجموعات شمسية أخرى قد تكون شمسنا هذه أصغر الشموس فيها ! و بعبارة إحصائية و لكي يتسنى لنا تخيل مدى عظمة هذا الكون وعظمة خالقه: فإن نسبة كوكبنا الأرضي إلى نسبة كل الكون كنسبة نقطة من حرف أبجدي في مكتبة تحوي مليون مجلّد كلّ مجلّد يحوي ألف صفحة !! و بالحساب التقريبي فإنه يوجد في الكون ما بين ١٠٠ و ١٠٠٠ مليار مجرّة و كل واحدة منها تحوي ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ مليار من النجوم يتراوح حجم النجم الواحد ما بين العشر(بضمّ العين) و العشرة أضعاف من حجم الشمس. فإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وقسّمنا مثلا عدد كل المجرّات على كل البشر في هذه المعمورة فإن كل إنسان على وجه الأرض سيتحصل تقريباً على مئة مجرّة !!
سبحان الله فما أعظم قدرته وما أضألنا، و ما أقواه وما أضعفنا و ما أعظم علمه وما أجهلنا !
ولنا إذاً أن نتصوّر قيمة كل واحد منّا أمام كلّ الكون ! بل أمام مجرّة واحدة ، أمّا إذا تصوّرنا ضعفنا أمام خالقنا وخالق هذا الكون، فبنفس الحسابات المنطقية، نجد أننا مفرّطين في عبادته حتى و لو قمنا بتسبيحه و تهليله و استغفاره عدد كلّ ذرّة من كلّ جرّم من أجرام كونه !! و كيف لا وعندما يسبّح الواحد منّا يكون قد سبقه في تسبيحه هذا مئات الآلاف من المليارات من النجوم
عندما غادر الفيزيائي "آلبرت اينشتاين" موطنه ألمانيا، هروباً من خطر النازية كونه كان يهودياً، متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل استقبال بهيج سأل أحد الصحفيون هذا العالم عن مفهوم نظريته الجديدة (النسبيّة) والتي أحدثت ضجّة علمية كبيرة آنذاك، ردّ عليه قائلا: " لا يزال الناس يعتقدون اليوم أنه إذا قدّر(بضّم القاف) للكون أن يختفي يوماً فإن الذي سيبقى هو الفراغ و الزّمن، أما وفقاً لنسبيتي فإن الفراغ و الزّمن يختفيان أيضاً ! لانهما هما اللّذان يحددان الكون !! "(١) ولم يفهم العالم يومها ما جاء به اينشتاين لأنه كان قد سبق عصره بما يزيد عن خمسين سنة ! فقد أدرك هذا العلم الفيزيائي أن الزمن والفراغ وأبعادهم الأربع ما هما إلاّ عنصرين مكوّنين للكون وأن الكون لا يقام بالأجرام السماوية فقط بل ببعديهما أيضاً، ثم بعد هذا جاءت نظرية "الانفجار الكبير" لتدعّم نظرية النسبية، فقد أشارت هذه الأخيرة أن الكون، قبل ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، كان عبارة عن نقطة متناهية في الصغر(تؤول إلى العدم) وكانت المادة و الطاقة محبوستان في هذه النقطة ومكدستان بكثافة و درجة حرارة هائلة لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها، ثم انفجرت هذه النقطة انفجاراً عظيما في لحظة زمنية لا يمكن لأيّ قانون فيزيائي- بشريّ أن يقيسها، حيث ولّد هذا الانفجار طاقة حرارية هائلة و غازات ودخان كثيف و تقول النظرية أنه لا يمكن بحال منالأحوال تخيّل ما كان حاصل قبل الانفجار لأنه لم يكن هناك أبعاد ( الوقت والزمن) لكي يحدث بينهما -أو خلالهما- شيء ما، فالوقت والزمن نتجتا عن الانفجار نفسه، فمرحلة ما قبل الانفجار هي مرحلة لا مفهوم ولا مدلول لها من الناحية الزمنية، الفيزيائية ولا حتى السببية وخلاصة قول أنصار نظرية الانفجار الكبير أنّ الأبحاث الحديثة في هذا الصدد تقول أن الكون في حالته اليوم ، من هندسة و تطور، لا يسمح لنا بأن نستخلص أي نتيجة أو أن نقترح أيّة نظرية تفسّر لنا مرحلة ما قبل الانفجار، فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نتصور كيف يمكن لقانون الجاذبية أن يعمل في ظروف الكثافة والحرارة اللامتناهيتان اللتان كانتا قبل الانفجار، إذ يعتقد أنصار هذه النظرية أنه لا داعي للتكلم عن مرحلة ما قبل الانفجار لأن الوقت والفراغ (بأبعادهما الأربع) لم يكونا بعد لكي يحدث خلالهما ظاهرة ما، والسؤال هنا عن هذه المرحلة هو مضيعة للوقت شأنه شأن السؤال عن وجود الحياة في القطب الشمالي. و هذا الكلام ليس بجديد لدى علماء الغرب حتى أن إنجيلهم يطرح سؤال مفاده أنه إن لم يكن هناك زمن أو مكان فأين وفيما كان الله يقضي أوقاته؟
ما هو مقدار حجم الكون ؟
وهكذا فبعد الانفجار الكبير بدأت درجة حرارة الكون تنقص شيئاً فشيئا و بدأت الغازات الناتجة تتراكم مكوّنة المادة المنشئة للمجرّات كما ساهمت الطاقة في بدأ توسع الكون، فالإشارة فقط تقول أن بعد مليار سنة من الانفجار كان الكون لا يزال مجرد غازات ودخان وأنّ كوكبنا الأرضي استغرق تكوينه أربعة مليارات و خمس مئة مليون سنة . وقد يتبادر في ذهننا سؤال : ما هو مقدار حجم الكون؟ وللجواب عن هذا السؤال يجب الإشارة إلى أنّ العلماء يقيسون عمر الكون بطريقتين : إما بطريقة تطوّر النجوم أو حسب وتيرة توسّع الكون، فحجم الكون و عمره متناسبين طرديّاً، فإذا كان عمر الكون محدد ما بين ١٠ إلى ١٥ مليار سنة شمسية فإن ابعد جرم يكون-نظريًا- مرئي على بعد ١٠ إلى ١٥ ميليار سنة شمسية ( سنة شمسية واحدة تقدر ب ٩.٥ مليار كلم ) ، و بخلاف كوكبنا الأرضي فإن الكون يملك أفقا لا يمكن إدراكه فهو موجود في محيط ٣٠٠٠٠٠ سنّة شمسية بعد الانفجار، إذ أن قبل هذه الفترة كان الفوتونات الضوئية حبيسة المادة الداكنة (و تسمى أيضاً بالمادة السوداء )، فلقد لاحظ بعض العلماء أن بعض المجرّات، القريبة من مجرّتنا، تملك سرعة دوران أكبر مما توحي لنا كتلة مادتها المرئية بل إنهم لاحظوا أن الكتلة الحقيقية لهذه المجرّات أكبر بعشر مرّات من كتلة النجوم التي تحويها، والفرق في الكتلة هنا هو "المادة السوداء" فهي موجودة حقا بالاستنتاج حتى ولو لم تكن مرئية وهي مكونة من نترونات كتلية و من نجوم لامعّة وثقوب سوداء ولكن لا يصدر عنها أي إشعاع إلكتروماغناطيسي، و هنا نتوقف لنطرح سؤال بريء : كيف لعلماء الفلك الغربيين أن يستنجوا وجود مادة من غير أن يتمكنوا من رؤيتها؟ ثم لماذا لا يكون لهم نفس المنطق و يستنتجون وجود قوة خارج كل الحسابات الكونية والطبيعية تكون قد فجّرت نقطة لتخرج لنا - و تخرجنا- من العدم؟ هذه القوة ألا تستحق الإيمان بها وبقدرتها على الأقل؟!! ... فسبحان من أشار عن ذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)(2)، فماذا إذاً ما بين السماوات والأرض إن لم تكن هذه المادة التي إستنجها العلماء؟
وما يصرّح به العلماء اليوم أنه توجد أربع قوى في الكون (الجاذبية، الكهروماغنطيسية، النووّية الضعيفة و أخيرا النووّية القويّة) ولقد أكد الملاحظون أن هذه القوى تجعل المادة تنتظم بشكل رائع وبديع من أصغر الذرّات إلى أكبر المجرّات وهذا دليل على قوّة، عظمة وحكمة واضع هذه القوانين والسنّن سبحانه لم يشاركه في خلقه أحد غيره. وفي هذا الصدد يقول العالم الفيزيائي "بول ديفس": " لو كانت قوّة الانفجار الكبير أكثر -أو أقلّ- يجزئ من المليار في مليار جزئ عند حدوثه لاختل التوازن كله و أنهار الكون قبل أن يصل إلى ما عليه الآن من تطور، إن الانفجار الكبير للكون لم يكن اعتياديا بل كان وفقا لعملية محسوبة جيّدا من جميع الأوجه و منظمة بإحكام"(٣).
وهنا نقول: إذا كان الانفجار قد حدث بطريقة دقيقة كما تقولون فإن القوة، التي خططت لهذا، فعلت ذلك قبل ذلك!...
فهي موجودة بالاستنتاج المنطقي والحسابي ! ثم إنها لن تكون إلاّ قوة عظيمة ما دامت قد أحدثت شيئاً عظيماً ! فلماذا إذاً لا تتساءلون عن ما قبل الانفجار ؟ و عن محدث الانفجار؟ و عن من وضع هذه الحسابات الدقيقة بأسباب أخرى ليست بالضرورة الوقت والزمن وأبعادها الأربع؟ بل ربما بأبعاد أخرى لايمكن إدراكها إلا بالإيمان بها والتسليم لها؟ ثم لمّا تقرّون أن الأبعاد الأربع للكون قد نتجت مع الكون نفسه أليس من المنطق أن القوة التي خلقت هذه الأجزاء بإمكانها أن تخلق قوى أقوى منها أو معاكسة لها تماماً ؟ ثم بصيغة المنطق نصوغ سؤالنا فنقول : بل أو ليست هذه القوة هي التي يجب أن تكون أزلية الوجود وسرمدية البقاء؟ ثم مالكم تتكلمون عن مرحلة ما قبل الانفجار كما لو أنكم شهدتم ذلك؟ و بصيغة القرآن الكريم نقول ما قال ربنا : (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)(4).
ماذا حدث بعد الانفجار الكبير
و بالموازاة مع نظرية الانفجار الكبير نجد نظرية توسّع الكون والتي لا تقّل شئناً من سابقتها، إذ تقتضي هذه الأخيرة أن الكون في حالة توسع مستمر متسارع منذ ستة مليارات من السنين. فلقد قام علماء الفيزياء الفلكية بتحليلات على الأشعة "أكس " المنبعثة من أطراف ٢٦ كومة من المجرات و بواسطة تيليسكوب "شاندرا" قاموا باستخلاص المسافات بين الكومة والأخرى بالنسبة لمختلف عمر الكون، فكانت النتيجة وجود طاقة في الكون معاكسة تماماً للجاذبية، فهي طاقة تجعل أكوام المجرّات تتباعد بعضها عن بعض و تدعى بالطاقة "الغامظة" و تكون نسبتها في الكون ٧٥٪ من نسبة الطاقة الكلية، فالكون فعلاً في حالة توسع ولكن على المستوى الكلي أي أن "أكوام المجرّات" هي التي تتباعد عن بعضها البعض بينما على المستوى الجزئي فإن مجرّات الكومة الواحدة لا تتباعد بل بالعكس هي في حالة تقارب كون الجاذبية هي السائدة في هذا المستوى، و لمّا كان الانفجار بدقّة متناهية كان التوسّع بنفس الحسابات الدقيقة فلقد قال العالم الكبير في الفيزياء الفلكية الدكتور"ستيفان هاوكينغ" :"إن الكون يتوسّع بسرعة حرجة للغاية تعجز و تبهر كل العقول والحسابات البشرية، فلو توسّع الكون بسرعة أكثر بقليل مما هي عليها الآن لتناثرت المادة وما تمكن من ظهور المجرّات، والعكس أيضاً : فلو أنطلق الكون بسرعة أقل يجزئ من الميليار من جزئ من الثانية عما أنطلق عليه في بداية توسّعه لانهار على نفسه - تحت تأثير الجاذبية- قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن" (٥).
فكل شيء محسوب و مقدّر وكل شيء حدث في لحظة واحدة لا أكثر و لا أقل، كيف لا و قد قال مدبر الحسابات وواضع السنّن والقوانين من قبل حدوث الانفجار:( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)(6).
هل سيتوقف الكون عن التوسّع يوماً؟
و السؤال الذي يحيّر علماء الفيزياء الفلكية اليوم هو : هل سيتوقف الكون يوماً ماً عن التوسّع أم لا ؟ فهم يعتقدون أن معرفة إمكانية -أم لا- حدوث نهاية ذلك متوقف ومرتبط أساساً بالمادة المكونة للكون حيث أن هذه الأخيرة هي التي تنتج قوة التجاذب الكافية التي ستوقّف (أو لا) توسع الكون، وهنا لدينا ثلاث فرضيات :
١) إمّا أن المادة ليست كافية لكي تعطي لنا قوة تجاذب قادرة على توقيف توسع الكون, فسيبقى الكون في أتساع دون توقف و بمرور الزمن تتحلل الطاقة والمادة الموجودة فيه إلى درجة لا يمكن أن يحدث بهما - أو خلالهما- أي تفاعل كيميائي أو نووّي ويسمى هذا السيناريو ب: " الموت التيرموديناميكي للكون"." la mort thermodynamique de l'Univers".
٢) في هذه الفرضية يعتقد العلماء أن المادة كافية لكي تولّد طاقة تجاذب كافية لتوقيف توسع الكون، بل أكثر من ذلك إذ أن قوة التجاذب ستطغى على قوة التوسّع وسيأخذ الكون منحنى آخر فيبدأ بالانطواء على نفسه حتى يعود إلى ما كان عليه مجرّد نقطة تؤول إلى العدم، ويسمى هذا السيناريو ب : "الانهيار الكبير" و هو عكس الانفجار الكبير
٣) أما الفرضية الثالثة و الأخيرة تقتضي أن المادة والطاقة سيعطيان قوة تجاذب متساوية لقوة التوسع و بهذا يستطيع الكون أن يحافظ على توازنه الأبدي.
و في خضمّ هذه الأطروحات النظرية أجمع علماء الفيزياء الفلكية أن المادة والطاقة كافيتان لتوقيف توسع الكون وأكثرهم يرجّح فرضية "الانهيار الكبير" وهنا نسأل لماذا يستعمل علماء الغرب مصطلح "كبير" ( أو عظيم)، عند تكلمهم أو وصفهم للانفجار أو الانهيار، ولا يستعملون هذا المصطلح على محدّث الانفجار ؟! ثم إذا كان الانفجار نفسه قد حدث وفقاً لعملية حسابية متناهية في الدقّة ألا يمكن لمن وضع هذه العمليات الدقيقة أن يضع في الحسبان كمية الطاقة و المادة اللازمتان لتوقيف اتساع الكون؟!! ثم نسأل : لأيّ حكمة كان كل هذا الانفجار و التوسع و الانطواء و الخلق من العدم بأعقد الحسابات وأدقّها ؟ و لو تقرؤون قوله عز وجلّ من صورة الأنبياء إذ قال :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(7 ) ستدركون بمنطقكم أن هذا القرآن ليس من صنع بشر قط، فلا يمكن لبشر عاش منذ ١٤ قرنا يكون قد سبق نظريتكم هذه التي لم تصلوا إلى نتائجها إلاّ بشق الأنفس !!؟ أو ليست هذه الآية الكريمة هي فرضيتكم التي تؤيدونها في مصير الكون و انطوائه على نفسه بعد توقف اتساعه؟ وإن أردتم حججا أخرى فعندنا مزيد من آيات اللّه بلّغنا بها رسول كريم لا يعرف الكتابة و لا القراءة عاش في بيئة كان لا يزال الإنسان حينها يعتقد أن الأرض مسطحة.
وهكذا فسيظل الإنسان يقترب من الحقيقة شيئاً فشيئاً ، و بعقله الذي ميّزه الله عزّ و جلّ عن سائر مخلوقاته، سيتخلى عن تلك النظريات البالية أمثال نظرية التطور وصدفة نشوء الكون وكل تلك الأطروحات والخزعبلات التي أحطت بعقل الإنسان ومنطقه فأظلّ بها نفسه وغيره وعطلّ بواسطتها سننّ الخلق التي سنّها الخالق لخلقه، فمن أراد أن يهتدي فالمعجزة قائمة ها هنا تنوّر كلّ طريق مظلم و تدحض كلّ باطل مبهم ومن يريد أن يحكّم عقله المحدود أمام حكمة خالق الكون فلّن يكون له إلا الطريق المسدود، و ستظلّ معجزة القرآن هي المعجّزة التي جاءت لتخبر أن الله- عزّ و جلّ- قد وعد وقال :(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٨) ونحن نشهد يا ربنا أنك عالم عليم، شاهد وشهيد، قادر وقدي، وحدك فتقت السماوات والأرض بعدما كانتا رتقا فنزّلت قائلا : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (١٠) .
و ما فتقت ثم وسّعت ثم رتقت السماء و الأرض هكذا باطلا سبحانك فاكتبنا مع الشاهدين.
المصدر : بحث للمهندس محمد ترياقي تورونتو - كندّ
المؤهل العلمي : بكالوريوس رياضيات دقيقة ، مهندس دولة في التخطيط و الإحصاء، ماجيستير علوم تسيير المؤسسات الاقتصادية
البريد الإلكتروني :mtriaki***********
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب دار المعرفة-صفحة ٧٢ - دار النشر - بيروت –لبنان
(2) سورة ق الآية 38
(2) Paul Davies كتاب : Superforce صفحة ١٨٤ -سنة ١٩٨٤
(4) الكهف -٥١
Stephen Hawking كتاب : "التاريخ المختصر للزمن" صفحة ١٢١ - سنة ١٩٨٠
(6) القمر- ٤٩، ٥٠
(7) الأنبياء- ١٠٤
(8) فصلت -٥٣
(9) الأنبياء- ٣٠
(10) الذاريات- ٤٧

عمروعبده 28-06-2010 07:48 PM

جئنا بكم لفيفاً

قال تعالى :(وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِيإِسْرائيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الاسراء:104)
كلمة لفيف تعني الشيء المجتمع و الملتف من كل مكان و اللفيف ؛ القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا، واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، واللفيف الجَمْع العظيم من أخلاط شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف[1] .
و هذه الآية هي من الإعجاز الغيبي الذي جاء به القرآن الكريم و تدل على أن من علامات قرب قيام الساعة هو إجتماع اليهود في مكان واحد و لم يجتمع اليهود في التاريخ في مكان واحد عبر التاريخ إلا في مؤخراً في فلسطين .
من أنبأ محمداً بهذا إنه الله خالق السماوات و الأرض .
المصدر :
كتاب نهاية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تأليف خالد عبد الواحد
[1] معجم لسان العرب .


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:42 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.