Bent 3bdo |
05-11-2010 09:52 PM |
جحيم المواهب في جنة المتوسطين
جحيم المواهب في جنةالمتوسطين
شيكابالا ، لاعب نادي الزمالك المصري ، يعيش غربة كاشفة في الملعب. غربة المواهب الكبيرة ، الخارقة ، في لحظة تُعبَّد مُتوسطي الموهبة ، وتحوّله إلى نجم نجوم، ما دام قابلاً للتنميط ، والدخول في عُلب جاهزة للتوزيع كأنه سلعة مأمونة .!!
إسمه الرسمي محمود عبد الرازق ، من قرية بالقرب من أسوان ، مدينة الجنوب الساحرة . ورغم عجينتها الهادئة ، فإن شيكابالا مثل إسم شهرته، مجنون ، لا يشير الى شيء تقليدي ، أو يخضع لمسطرة يمكن القياس عليها . هو شيطان جمهور كرة القدم وملاكه ، مُنقِذ نادي الزمالك ولعنته . لا يصلح قدوة مثل أبو تريكة ، أو نموذجاً للمشاغبة الحادة مثل أحمد حسام (ميدو) . يغضب ، يفور ، يخرج عن حدود الانفعالات المعروفة في الملاعب ، يخترق حاجز الأدب المُعتاد ، ويطير مثل طائر النار ، يحرق ما بينه وبين جمهور يحفظ نجومه في ثلاجة الملائكة ويقدر نفاقهم الاجتماعي أكثر من موهبتهم.
الجمهور نفسه يطير سعادة عندما يحول شيكابالا المستحيل إلى شيء عادي ، تتحول المدرجات الى تراتيل فتنة ، ويبدو الفتى الأسمر بالقوة الساحرة المنطلقة من قدمه اليسرى ، رسول مُتعة لا يمكن تفاديها لحظة الغضب على شيكابالا.
هو موهبة لا تتحملها توافقات مصر في عصر قام كله على تقديس المتوسط. الوسط له قيمة وتقدير ، والنجاح للمتوسط والأقل كفاءة ، لا إبداعات خارقة، ولا خروج عن حدود يرسمها متوسط الموهبة . يقف شيكابالا غريباً في الملعب ، غربته مع الجميع ، فريقه الزمالك ، والمنتخب في لحظات الرضا القليلة عنه . شيكابالا غريب عن المزاج العام.
مصر ليست الأرجنتين التي جعلت من مارادونا أيقونتها المنفلتة، المجنونة، الخارقة للعادة . البرازيل، رغم فتنتها الكروية، ارتضت بـ«الطيب» بيليه، الصاعد على مسطرة الأخلاق العامة.
مصر لا تستوعب شيكابالا، ترضى فقط بمن يقصّون الأجنحة، ويدورون برؤوسهم في حلقات ذكر ودروشة تكرر المألوف، وتخاف من التجربة والإبداع باسم الاستقرار . ومصر بلد الاعتدال والوسط . هكذا تتوه الموهبة الكبيرة، يحاصرها السياق الضيق الذي يستوعب جيوشاً من المنافقين ولا يقدر على تحمل موهبة واحدة خارج النمط، تفتح سياقاً آخر.
ولد شيكابالا في الملاعب غريباً، وسيرحل غريباً، بعد أن يترك سحره علامات على لحظة لا تستوعب موهوبيها، وتمنح نفسها كاملة للأنصاف والمتوسطين
|