بوابة الثانوية العامة المصرية - ماذا تخسر مصر : لو خسر الإخوان المعركة ؟!

ماذا تخسر مصر : لو خسر الإخوان المعركة ؟!

دكتور /عادل فهمي

حرب شاملة تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين من بعد الثورة حرب حقيقية مادية ومعنوية،..طالت وجود الجماعة ومكانتها وقوتها و فكرها ومنهجها ورموزها ورؤيتها ومشروعها و كل عناصر حركتها تقريبا...!!
و قصف مركز على الجماعة وحدها دون غيرها: لا توجد أية قوة أخرى بما من كافة القوى الليبرالية واليسارية والفلول بما فيها الحزب الوطني المنحل تتعرض لمثل هذا الهجوم الكامل والكاسح الذي يستهدف إقصاءها تماما عن المشهد السياسي في مصر..!!
و تخاذل مؤسف لصوت العقلاء والمنصفين.. تنهال الشتائم والإهانات من القاصي والداني على الجماعة وحزبها ورموزها..وهي تمثل الأغلبية .. ومن يتصدى للرد أو التصحيح نفر قليلون... وكأننا نفاضل بين الإخوان وبين الحزب المنحل ..هل هذا معقول ؟!
ورغم كل هذا الظلم فإن الجماعة ماضية في مسار العمل تستثمر الممكن والمتاح على قلة ما لديها من نفوذ لخدمة الناس.. ومع ذلك على كل خطأ بسيط يحاسبها المجتمع بأقسى العقوبات.. وإن تكلمت تؤخذ من كلماتها جمل مقطوعة من سياقها..وتعمم وتنشر لتتغذى عليها جيوش النميمة.... لتصبح الجماعة وتمسي في مرمى النيران ...وهل هناك من يعمل ولا يخطئ ؟!!
ونظرا لأن الجماعة تنحو منحى عملي واقعي..فهي غير راغبة فى الرد على هذا الهجوم، وللحق هي غير قادرة على صده لضعف آلتها الإعلامية.. واستنزافها ماليا في خدمات مجتمعية ، وانشغال أفرادها بالعمل في الشارع على مدار الساعة ..بينما الخصوم لديهم المليارات المنهوبة التي يستأجرون بها القنوات ومنصات الإعلام الفاسد لحرب الإخوان وحدهم..!!
بعد هذه المقدمات تثور الأسئلة المريرة :
· كيف يتحمل الإخوان كل هذا الطوفان من الهجوم ؟
· والسؤال الأخطر : لماذا يتحمل الإخوان كل هذا الهجوم ؟
· والسؤال الأشنع : من صاحب المصلحة في إقصاء الإخوان هكذا وحرق ماضيهم وإشعال حاضرهم وطمس مستقبلهم؟

أما إجابة السؤال الأول: فهم يتحملون الهجوم لأنهم خبروا ذلكسابقا ولم تعد السهام تؤلم الجسد المضرج بالدماء .. وأهينوا من كل الأنظمة التي سقطت وظلت قاماتهم مرفوعة .. يتحملون لأنهم مؤسسة لها تقاليدها وقيمها من الثبات والتضحية والعمل دون الوقوف عند سفاسف الأمور ..ولا وقت لديهم في وطن يحترق بأن يقفوا للوم أحد أو الرد على اتهام..!! ولو كانت جماعة هشة لخرج شبابها عن المألوف ..ولردوا الصاع صاعين للمعتدين على ممتلكاتهم وأعرضهم ..!! لكنه الانضباط .. وهذا سر قوتها..!!

وأما إجابة السؤال الثاني: لماذا يتحمل الإخوان كل هذا الهجوم ؟
قد لايستوعب الناس ما أقوله لكنه الحقيقة..الإخوان يربون أجيالهم ..أن خدمة الناس مما يرضي الله و في سبيل رضا الله والفوز بالجنة يمكن تحمل كل شيئ ..وفي سبيل رفع راية الحق..يمكن تحمل الابتلاء..وهم لديهم نعمة الرضا بقدر الله..فلا يفزعون لحادث ولا تصيبهم المصائب بالذهول..فقد عاشوا أكثر من ذلك في سجون عبد الناصر والسادات ومبارك .فذهبوا جميعا وبقي الإخوان صامدون ..فلا ضير أن يتحملوا قليلا من الشتم والسب من إخوة لهم .. لقد تسامحوا مع شمس بدران وصلاح سالم والدجوي.. وعبد الناصر نفسه.. ولسان حالهم يقول: إننا نشفق على جلادينا.. لأنهم مجرد أدوات وسياط لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ..!! وكم من ضابط شريف تعاطف مع موقفهم وعرف أنهم على الحق لكنه يخشى سطوة الزبانية وسدنة الحكم الفاسد..!!

أما إجابة سؤال: من له مصلحة في إقصاء الإخوان، فهي إجابة مؤسفة ومتشعبة وواضحة:
أولا: فصيل يفضل الحكم الفاسد على الحكم الصالح.. و لا يريد ما يبشر به الإخوان من نشر مكارم الأخلاق وقيم الإسلام.. والعمل به والمطالبة بتطبيق مبادئه وهؤلاء قال الله فيهم: ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) (سورة المائدة )

ثانيا: فصيل يعلم قدرة الإخوان وثباتهم على ما يعتقدون أنه الحق..وجرأتهم على الفعل .. ويخشى منهم لأنهم منافسون أقوياء وند سياسي صاعد ..ولا قبل له بهم ..فإن هم نجحوا في إدارة نظام حكم رشيد في مصر ..قد يغرى هذا النموذج الشعب المصري فيقف خلفهم ويساندهم.. وتضيع مشروعات الحداثة .. ولذلك فهم يريدون الإجهاز على التجربة قبل بدايتها سواء لمصالحهم أو لمصالح غيرهم..!!
و هؤلاء من بقايا أفكار وتجارب فاشلة أورثتنا الفقر والذل..! ويبدو أنهم قرأوا المشهد بالطريقة الخطأ ..فرأوا أنها فرصة لفرض الذلة والمسكنة على هذا التيار الإسلامي العنيد وتقليم أظافره لأنه وقف ضد كل أصناف الجبروت ولم ينحن ولم يخضع لظالم ..وواصل مسيرته نحو المصب شأنه شأن النيل العفيّ الذي يزيل من طريقه الغثاء ليبلغ غايته..!!

ثالثا: فصيل آخر واقعي يعرف قوة الإخوان ..ويعرف مكامن الضعف في نفسه فهو يريد شعبيتهم وقوتهم لصالحه ولترفعه هو للمناصب ، وتقدمه هو للأضواء .. ولكن يريد للإخوان أن يظلوا بعيدا .. خلف الركب.. وليس في صدارة المشهد ولا مقاعد الحكم.. و من يرى ذلك أشخاص فارغون.. لديهم اعتقاد أنهم القادة العظام الملهمون، ويتوهمون امتلاك الحقائق ..!! وهم مساكين..!!

رابعا: فصيل البسطاء: في مصر قطاع عريض لم يعط نفسه فسحة من الوقت ليعرف من هؤلاء الإخوان ، ولماذا يضحون ويصبرون..بل أسلم نفسه للإعلام الغوغائي وللإثارة الفارغة، ولأنه يعجز عن الفهم يلجأ للتبسيط والاختزال ويسمع كلمة من هنا وأخرى من هناك ويرددها دون أن يعرف معناها...هؤلاء طيبون وحينما تناقشهم يتراجعون..!!

خامسا: فصيل ألف الفساد.ونشأ على السرقة والبلطجة ..وتعود على السمسرة والتربح من كل الأوضاع والانتفاع من كل المصائب..يخشى على مصادر عيشه رغم أنها من دماء وعرق الأرامل والأيتام..!! ويعرف أنه إذا حكم الإخوان فلن يكون هناك مكان لبلطجي يقطع طريقا أو يفرض إتاوة على المارة..ولا مسؤولا يحصل على حصانة ليسرق بلده..!! ولا بطانة الفساد تقسم الغنائم من وراء كل مشروع ينشأ..!!

سادسا: فصيل لديه السطوة والقوة عاش ردحا من الزمن يرى نفسه طاووسا بين الدجاج.. ويخشى إن جاء الإخوان أن يخفضوا من مستوى غروره ..ويستخدموا بعض ريشه الناعم لينام عليه بعض الفقراء..!!

سابعا: فصيل يقف على الأسوار..يراقب المعركة.. فإن فاز الإخوان..يقول لهم ألم أكن معكم وتركت لكم الساحة خالية..وإن هزم الإخوان قال لهم ألم أنصحكم ألا تغامروا.. وذهب مع خصومهم!!

السؤال الأخير:
ماذا لو استجاب الإخوان تحت وطأة هذه الحرب الظالمة لدعوات الانسحاب من هذه المعركة. وتركوا الفصائل المحاربة لتحارب نفسها وتواجه مصيرها؟
الإجابة: حسب علمي لن ينسحب الإخوان من معركة الوطن المصيرية ..لا لشيء إلا لأن خبرتهم علمتهم أن المروءة هي ما يدفع بهم لتقدم الصف و لتحمل المسؤولية مهما كان غرمها.. وأن يعفّوا عند المغنم مهما كان بريق ذهبه.. و هم تعلموا أن التخلي عن موقع لا يجوز إلا إن كان من يشغله أفضل منهم.. وأحرص على مصلحة الوطن.. !!
لكن لو قرر الإخوان الانسحاب..هل ممكن أن نتخيل السيناريوهات القادمة ؟

السيناريوهات المترتبة على انسحاب الإخوان:
1-سوف تتقاتل كتيبة اليساريين مع كتيبة الليبراليين..وتعود طبول حرب ساخنة بالوكالة على أرض مصر كما في سوريا..!!
2-سوف تظهر فلول الفساد وتجمع أفرادها للانتقام ممن أقصوهم من القصور والفلل والمنتجعات ودنيا الأحلام .. و لينتقموا ممن سجنوا سيدهم وأهانوا كبراءهم .. وأخرجوا كهنة آمون من معابد النهب والسطو على حقوق العمال والفلاحين.!!
3- سيعود الطاووس بقوته وعنفوانه ليفرض سيطرته .. ويهدد مخالفيه ويرفع درجة غروره ويوزع بقايا الغنيمة بطريقته هو على بقية الفصائل...!!
4- سيهبط مكوك الوصاية .. ليعيد فرض الانتداب على شعب مصر .. ويبني قلاعا لحماية الفساد وتحقيق مصالحه ومصالح شركائه ويستكملوا نهب ثروتنا..وإخضاع مقدراتنا لحسابات قوى الهيمنة.. ومرتكبي المجازر..والسفاحين..!!
5-سوف تراود بعض الأقزام أنفسهم للقفز على أكتاف الأسد الجريح ..!
هل رأيتم كم تخسر مصر إن خسر الإخوان معركة الرئاسة..؟!!!

ـــــــــــ
أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهره