![]() |
هل كانت الثورة سببا ً في انتشار الجحود؟
بقلم د/ ناجح إبراهيم
"لا يشكر الله من لا يشكر الناس" كلمات جامعة أطلقها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ 15 قرنا ً كاملة ومازال صداها يسري عبر الزمان والمكان فشكر الناس جزء لا يتجزأ من شكر الله وحينما تجحد من أحسن إليك فإنك تجحد الله. إنها معادلة إيمانية صحيحة وقد اختبرت هذه القاعدة طويلا ً وراقبت تطبيقها علي واقع الناس والحياة فرأيت كل من يجحد معروف من أحسن إليه وفضلهم عليه يجحد في الوقت نفسه ربه وخالقه إنه خلق الشكر الذي لا يتجزأ ورذيلة الجحود التي لا تقبل القسمة. وقد تفكرت في رذيلة الجحود فلاحظت زيادة معدلاتها بعد الثورة.. والحقيقة أن الثورة لم تفجر الجحود ولكنها أظهرته وكشفته فقط للعيان. فقد سقطت كل الأقنعة بعد الثورة.. فلا الحقود أو الشرير و الموتور أو الطامع يستطيع أن يستر تلك الآفات بأي قناع .. وهذا ليس عيب الثورة في ذاتها.. ولكنه عيب من كان يستر سواد قلبه بستار الكذب والبهتان. وقد أعجبني ما قاله لي شقيقي الأكبر أ/ صلاح إبراهيم ذات مرة من أن الجحود أضحى من الفنون .. وقد تابعت مسيرة الجحود فوجدت أن إبليس كان هو الفارس والمعلم لها حينما جحد ربه ومولاه وجحد فضل آدم عليه وأصر علي جحوده . وفي الحياة المعاصرة قصص للجحود لا أول لها ولا آخر .. فقد جحد بروتس ولي نعمته قيصر وتآمر علي سيده مع المتآمرين وكان خنجره أقرب إلي قلب سيده من باقي الخناجر حتى عبر عن ذلك المبدع " شكسبير " فقال :" حتى أنت يا بروتس " ويعد شكسبير أفضل من كتب عن الجحود وكأنه يترجم أو يشرح حديث النبي ( صلى الله عليه وسلم) فحكي قصص الغدر في مسرحية " الملك لير " و" هاملت " وكأنه اكتوى بالجحود فعبر عنه في كل قصصه . وقد غدر عبد الرحمن الداخل بمولاه " بدر " وسجنه بعد أن مكن له من الأندلس .. ناسيا ً أنه لولا "بدر" هذا ما دخلها أبدا ً .. فهو الذي هيأ ورتب له كل الأمور. وهذا المنصور بن عامر يغدر بحاجبه " رئيس الديوان " جعفر المصحفي فسجنه بعد أن وطد ملكه . وهذا المعتمد بن عباد يدعو يوسف بن تاشفين إلي الأندلس لحمايتها من الفرنجة فيستولي يوسف علي الأندلس ويسجن المعتمد الذي انشد قصائد رائعة تغنت بها الأجيال . ولذا قال الناس " السلطان من لا يعرف السلطان " لأن أهل السلطة لا يعرفون شكر من أحسن إليهم ولا من أوصلهم إلي المجد.. بل يريدون إخفاءه من الوجود.. لأن يعرف أسرارهم في أوقات ضعفهم وهم يريدون محو لحظات ضعفهم من التاريخ . وإذا أردت أن تعرف الجحود فاقرأ تاريخ الثورات.. فإنها عادة " ما ت*** أو تأكل أبناءها " .. فقد *** الفرنسيون آباء وقادة ومفجري الثورة بالمقصلة ولم يرحموا بذلهم وعطاءهم. إن هؤلاء لا يعرفون معنى حديث رسول الله " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" .. ولم يعرفوا أن شكر الناس من شكر الله . إن الجحود فن يستشري في ربوع مصر كانتشار النار في الهشيم.. ناسين قصة الرجل الذي كان يستوقف الناس في الصحراء بحجة مرضه حتى إذا نزل الرجل عن فرسه قيده وامتطى فرسه هاربا ً .. فقال له أحدهم يوما ً : قد وهبتك فرسي ومالي .. ولكني أرجو ألا تحدث أحدا ً بما صنعت معي ومع غيري.. حتى لا تضيع المروءة بين الناس". فتاب اللص علي يدي هذا الرجل الذي لم يخف على فرسه وماله ولكنه خاف من انتشار الجحود بين الناس وضياع الشكر بينهم. |
جزاك الله كل الخير
|
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:38 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.